كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
،
فَقدُ ذات
،:ماذا تفعل
صوتها المُكتنز نبرته تَعَجُب على مشارف الصدمة جَمَّدَ يده على السرير،ضَمَّ شفتيه للداخل و هو يَزفر أنفاسه بثقِل بدأ ينهره على تَسَرُعِه..ظهره لها و وجهه قد اختنق بملامح الرَبْكة التي قد تُعَريه أمامها..أرخى شفتيه وهو يَرفع ظهره ببطئ و يُمناه انحشرت في جيب بنطاله..ابتسامة بريئة تخلو من حذاقة كانت تُعانق عينيه قبل ثوانٍ ارتسمت على شفتيه،بهدوء استدار لها و بدأ بتخطي العتبات وهو يقول بتساؤل محشو باستغراب لحظي استعاره لإنهاء مُسَلسله الخبيث،:ماهذا المحفور في السرير ؟ لقد أثار استغرابي !
صوت اصطدام كعبها الدقيق بالأرضية ارتفع و هي تقترب على حبلٍ من شك التف حول نظراتها ناطقةً بجواب،:إنهُ تصميم لا غير،فلِمَ يُثير استغرابك ؟
حَكَّ صدغه بسبَّابته و رأسه يميل قليلاً لليمين،:رُبما لأنني من المهتمين بأمور التصميم و الديكور و لفت نظري التفاوت في لون خشب السرير
هَمهمت و هي تقف أمامه لتُناوله علبة الإسعافات الصغيرة،أمسك بها شاكِراً بهمس و هي استدارت قائلةً،:نظف جرحك و تعال للأسفل
تقدم بهدوء حتى قابلها ليقول بهمس لَعوب و نصف ابتسامة ماكرة رفعت زاوية فمه،:اعتقدت أننا سنمكث هُنا طويلاً
ابتسامة عابرة شَدَّت من شفتيها و التقطتها أعصاب حِسه المُتَيقظة،حافظ على سكون ملامحه و الابتسامة الماكرة ظلَّت مُتَعلقة على شفتيه وهو يسمع ردها،:ليس الآن فالعشاء ينتظرنا
أومأ برأسه مُتَفَهِماً لما وراء هذه الجُملة المُتداخلة مع شكوكها،نبضاته بدأت بوخز ضميره تؤنبه على عدم حَذَرِه..رَفعَ رأسه بعد خروجها يُنَبِش عن آلة تصوير مُراقِبة عَقله المُغتَر بدهائه غفى عن فكرة وجودها..تَراجع للأريكة الجانبية و بحركات سريعة نَظَّفَ الجرح و أحاطه بضمادة قبل أن يخرج من غرفة نومها دون أن يُواصل عملية تَلَصُصِه المكشوفة..
أخرج هاتفه من جيبه أثناء نزوله السُلَّم،ضغط بعض الحروف ثُمَّ أعاده لمكانه و ابتسامة جّذابة قد تُزيح شيء من الشك المنثور على حواس تلك العجوز عانقت شفتيه..ثوانٍ و كان يجلس أمامها على طاولة الطعام المَلَكِيَّة...،
،
خُيوطُ من ألم انعقدت بعروق عُنُقِه حتى شَنَّجَت جانبه الأيسر،مَعبَرٌ من عَرَق شَقَ ناصية وجهه حتى تَشَربته شُعيرات ذقنه النامية حديثاً..وَجَعٌ استحكم من ملامحه و عُقدة آه مرئية قَرَّبَت ما بين حاجبيه،ببطئ فَتَح عينيه لتتراءى أمامه صورة الواقع و كأنها تسبح في بحرٍ صَعَّبت عليه أمواجه تمييزها..أغمضهما مُجدداً للحظات ليُعاود فتحَهُما مُستَقبِلاً صورة أوضح..و مع تكرار العملية استطاع عقله أن يُرسِل الإشارات مُحَمَّلَةً بانعكاس أضواء لغُرفة واسعة صَمَّاء من ناس و صَخْبة من سُكُون..،حاول أن يرفع رأسه لكن سيف الألم قطع مُحاولاته ناشراً هَلَعاً بين عُروقِه،أغمَضَ عينيه بشدة و أسنانه مارست تعذيبها لشفته علَّهُ بهذا الفعل يُخَفف من وطأة التَشَنُج الغازية عُنُقِه الذي أرادت يده أن تُمَسِده لتُزيح كفوف الوجع عنه،ازدرد ريقه و ملمسٌ خَشِن للتو يستشعره جلد رسغه،حَرَّك يده لتستَعِر حرارة حول معصمه لم تَكُن سوى آثار احتكاك الحبل به..،
رُعباً أوسَع من حدقتيه و بؤبؤيه زارهما عَصفٌ من اضطراب،رأسه جَذبته سَماء محجوبة بسقفٍ مَنَعَهُ عن إستلهام موقعه من ضوء القَمَر،صرخة باغتت حَنجرته و صوت فرقعة يصدُر من عُنُقِه كاشفاً عن تَحَرره من العُقَد..أخفض رأسه لساقيه المَقَيَّدة قدميهما بالحبل نفسه،جسده استَهَلَّ موضع الحماية و بدأ بالتحرك يميناً و شمالاً مُتَمَلِصاً من هذا الحبل الخانق..،عقله غير قادر على ترجمة إشارات الساعات الماضية،فهو لم يستطع سوى تَذكر نفسه يتناول طعام العشاء مع تلك العجوز..تَصَنَّمَ عند هذه الذِكرى و قبل أن تقفز في عقله فِكرة انشَدَّت خلاياه و شُعيرات جسده تنافرت عن جلده مُسَببة قشعريرة أرجفته،أُذُنه تُعايش انفجار نبضاته المجنونة و حواسه كُلَّها تَنَصَّبَت للذي ثُبِتَ على رأسه من الخلف..لحظات و رياح صوت لَطَمَت مسامعه
،:لن تهرب الآن،عليك تنفيذ الأوامر أولاً
،
الجزء الحادي و العشرون
الأمس
تَرَكَها على أحد الأسِرَّة و من حولها تشتد الغوغاء،ذاك يَصرُخ و تلك تتأوه و آخر يندب حظه الذي يُودِعه كُل يوم على هذا السرير مُتَزَوِداً من سائل لا يُغني من وَجع و لا يُسمِن من آلام..بعد خروجه برُبع ساعة حضر والداها و علامات القلَق اتخذت حَيزاً من وجهيهما،حاولت أن تُلَون شفتيها بابتسامة تَبَيَّنت مائلة على مُنحَدَر أسف يَقطَع نياط ضميرها مُوَبِخاً لسانها على كلماتٍ نَطَقتها دون مُعاينة سهامها و عُمق الجراح التي تُسَببها...،احتضنتها والدتها و محاجرها أفصَحت عن رُعبها فور شعروها بهبوب دفئ حضنها،شهقات حادة شَرَخت الموضع الفاصل بين قلبها و رئتيها،و بارتفاع الشهقات يزداد الشرخ و يقترب الوصال إلى قلبٍ يلطم خدهُ حَسرةً على فعلٍ بشناعة القَتل..فذاكرتها لا زالت مُقَيّدة عند اللحظة التي رأت فيها موت روحه على أهدابه المُرتَعِشة..باعترافِها ذبحته و بكلماتها نَثَرت الرفض على الجِرح،غير آبهة إلا بنفسها المغرورة...،
والدتها شَدَّت من احتضانها تجتذب ارتعاشاتها الصادرة عن بؤرة الخوف المُحاوطة روحها، تسمياتها انثالت عَبَقاً على مسامعها و عيناها تُناشِدان ماءً يَمحو ما طُبِع من ذِكرى في فؤادها..صوت والدها تداخل مُتسائلاً،:شنو اللي صار بالضبط ؟ زوجش بس قال ان صادكم حادث و ذراعش تضررت
تَكَوَّرت يدها و ارتفعت إلى فمها تصد جيوش من شهقات و هي تُجيب برجفة،:مـ ـ ـادري
عُقدة عانقت حاجبيه و الاستنكار ملأ نبرته،:يعني شنو ماتدرين ؟ دعمتون في شنو ؟
حَرَّكت رأسها تنفي اعتقاده،:ما دعــ ـمنا بغينا ندعم في الجسر و من قوة وقفته التوت ذراعـ ـي
أخفضت والدتها رأسها مُوَجِهةً سؤال أشعرها برغبة بالاستفراغ،:و اللحين وينه هو ؟
ازدردت ريقها المُتَحَجر من الغَضَّات قبل أن تهمس بكلمة واحدة بترتها عن الحقيقة،:راح
حاجِباها اعتلا موضع الاستنكار و هي تقول،شلوون يروح و يخليش ؟!
لم تُجيبها و عيناها ارتفعتا لوالدها الصامت،اختنق نَفَسها من الشك المُتراشق من عينيه،صَدَّت بربكة و و جهها بدفاع اختبئ في صدر والدتها هاربة من أي سؤال قد يُفصِح عنه لسانه..وصلها صوت تنهيدته الحاملة بين طياتها ثقل هواجسه..شَعَرَت بثقله يُشاركهما السرير و هو يقول مُريداً ردع هجوم زوجته،:يمكن راح يشوف دكتور لأن اذا ظلينا ننتظر بيخيم الليل و محد بيجي
,،
ظُهرَ الأمس
رداءٌ مُشَبَّع برائحة مَطر و تُراب و بضع رشات قويــة و بــاردة تَوشَّحتهُ ذاكرتها..ومضات مُختَلَّة الاستقرار غَزَلت خيوطها بين بصرها،ثَرثَرة اكتنف هَمسها الإزعاج نفثت تعويذاتها على سَمعها الأصم من حقيقة..كفَّاها بإعياء احتضنا ملامح وجهها الغائر فيها حُزنٌ عميــق يغتال الروح على غفلة من نسيان..،
هَمسٌ استوطنهُ استغراب،:شنو فيش ؟ و أي ريحة هذي ؟!
كفها اليُمنى إنزاحت بانخفاض حتى استقرت على جانب عُنُقِها،و اليُسرى عند شفتيها حائطاً تصطدم بها كلماتها الضائعة..كتفها المُتَدَثر تحت معطفٍ من حيرة ارتفع و هي تنطق،:مــادري "بهوان تَكَتَّل دمع في محاجرها أردفت" المُشكِلة اني مـادري "مَسَحت على صدرها بلُهاث انصب وَجعاً في حلقها"شميت الريحة بداية المَمر "مال رأسها بتطارد مع ميلان شفتيها و حاجباها أخفضهما ثقل الذِكرى المُشَوَّشة" ما شميتين ؟
أغمضت عينيها للحظة و رأسها يلتفت يُعاين الفِهم قائلة بيد ارتفعت لصدغها،:ماانتبهت ما شميت،ريحة شنو نـور ماني فاهمة شي ؟!
تكونت ثغرة بين شفتيها أفرجت عن زَفرة حائرة،تجاوز عقلها سفوحٍ بَلَّلت ذاكرته بماءٍ اختلط به وَحلٌ من غَيهب صَعَّب عليها مُواصلة الطريق إلى حيثُ يَقبع صندوق الإجابة..عُقدةَ وَجع كَوَّنها تنبيشها بين حاجبيها،كُلَّما أسبرت الحفرة علَّها تنهل بعذب إجابة باغتها طوفان من وهم يبتلع وَعيها و يُثير نزعة الاستفراغ في جوفها..ازدردت ريقها تُكبِح رغبتها هامسةً بصوت ذاب بين خَلَجات خيالها مُفصِحةً عن كلمات سَقَطت رهن الضياع،:كــان مَطر وو قمت استفرغ بس هي قالت انا ماصدقتها كنت بروحي و مــ
تَلَقَّفت سارة كفيها المُضطربتين في الهواء،احتضنتهما و هي تُناديها تُهَدئ من روعها،:خــلاااص خلااص نور بس لا تتكلمين
حَرَكت رأسها رافضةً طلبها،:لالا سارة كان حلم كنت نايمة بروحي انا من زمان ما احلم فيه بس نفس الريحة
اقتربت أكثر مُحتوية بكفيها تَيه ملامحها هامسةً بعذوبة،:خلاص حبيبتي اشش كابوس تعوذي من الشيطان
رَدَّدَت خلفها مثل طفلة تتعلم حروفها الأولى و على باب عينها تَعَلَّقت دمعة في جوفها غَفى
الجواب،:كابــوس..كابــ ـ ــوس..اعوذ بالله
,،
مساء الأمس
ارتفع حاجباها عندما أُضيء المكان من المصابيح المُعَلَّقة في سقف المَعمَل..فهي رفعت كفها لمفتاح التشغيل تلقائياً لتتعجب بالضوء المُنتَشِر..أسنانها التقطت شفتها السُفلى و قدماها تتقدمان ببطئ حَذِر،أليس إمكانية تشغيل المصابيح في مكان مهجور منذ عشرون عاماً أمراً مُستحيل ؟!
فكيف هذه تعمل ؟! حَكَّت ذقنها بسبَّباتها و هي تُواصل استكشافها،عيناها مُتسعتان على الأدوات المصفوفة بترتيب على المناضد المُحيطة بالمعمل،دورق كُسِرت قاعدته..أنبوبة اختبار ابتلعت كُومة من الغبار..ماصَّة احتفظت في جوفها بمحاليل لو أفصحت عنها لاحترقت الروح من قلويتها و الجوى ذاب من أحماضها...،مَرَّرَت أطراف أناملها على المكتب المُتَوسط المَعمل،من فوقه استراح حاسوب يعود عُمرُه لسنينٍ عجاف اقتاتت على لونه الممسوح من فعل الزمن..جَلَست على الكُرسي ذو العجلات الصغيرة،تَمَسَّكت بأطراف المكتب جاذبةً نفسها له بعد أن تَرَكت حقيبتها على الأرض..
تأملت لوحة المفاتيح تستنبط ما طُبِع فوق أزاراها من بصمات خلَّفتها أيدٍ حانية..شوق تَشَعب عروق قلبها حتى استكان فوق موضع النبض حيثُ ذروة الشوق تصل أقصى مراحلها...جَرَّبت تشغيله،و لكن و الحمد لله لم يشتغل،فلو خالف توقعاتها أيضاً مثل المصابيح لتأكد لها تَطايُر خَزعبلات في فراغ المَعمَل المُصمَت..،
تَركت المكتب مُتَوجهة للباب المُغلق عند الجهة اليُمنى،أدارت المفتاح الموضوع في القفل ثُمَّ فتحته داخلةً لتغزوها رائحة عَفنة آثارت اشمئزاز في حلقها،رفعت كفَّها تُحيط بها أنفها وجزء من فمها و هي تقترب أكثر للداخل..كانت الغرفة تُشبِه المخزن،أضواءها كانت تعمل مُسبَقاً،لها نافذة مُتَوَسطة الحجم تنسدل فوقها ستارة بيجية ثقيلة تناثر فوقها بعشوائية بُقع داكنة تجاهلتها..فعقلها سَيَّر قدماها للصناديق الكرتونية المُتراكمة فوق بعضها عند الزاوية..
كانوا أربعة، استنشقت نَفَس عميـق و احتفظت به في رئتيها قبل أن تترك كفها أنفها لتُمسِك بأولهم، سحبتهُ مُباشرة و هي تستشعر خفته،جَلَست على الأرض،مَدَّت يدها تتناول طرفه لترفعه..،
ما احتفظت بهِ من نَقَس ألجمهُ مُحتوى الصندوق من أي شهيقٍ و زفير،كفاها بارتعاش تنافرا عنه و عيناها غارت في محاجرها من فرط ضغط الصدمة..رفعت رأسها ببطئ للبُقَع المَنسِيَّة على الستارة..وقفت بتَخَبط متوجهة لها و صبيبٌ أغشى بصرها جعل طرف جسدها يصطدم ببقية الصناديق لتتساقط على الأرض مُبصِقة أسرارها التي انغرست أنيابها في روحها مُخَلِفةً صرخة تعاضدت جميع حواسها للإفصاح عنها...،
,،
الوقت الحالي
نبرتها المُتَغَنِجة أشعلت شرارت الغيرة الفِطرية في عِرقها الأُنثَوي..عيناها مُغَلَّفَتان بصديدٍ من جليد يُساندها عند احتدام معاركها المُغالية لمشاعرها..تَخَلَّت عن جلوسها و اقتربت بخطوات تَكَلَّلَت بعناقيد من ثِقة تَحسَب أنها لا تطالُها أُنثى غيرها..لكن التي أمامها كَسَرت القاعدة و قَرَّبت المسافة بينهما بثقة توازي ثِقَتها المُرَمَّمة البُنيان..،توقفت خطواتهما عندما بَقِيَّت مسافة الخمس سانتيمترات..ذاتها المشروخة الأطراف أرفعت من ذراعيها لتعقدهما على صدرها،موقف دفـاع لا حسي اتخذته أمام مرأى من أُنثى مُتَيَقظة..حاجبها اتخذ موضعه المُتعالي و هي تضم شفتيها جانباً مُرسِلةً نظرات تقييم تنضح باستهزاء مُتَعَمَّد..أرختهما قَبلَ أن تنطق برِقة تُنافس نعومتها،:ما كنت أدري إن بينا موعد !
تصافقت أهدابها بخفة كأوتار آلة موسيقية تُداعبها أصابع كاشفة عن نغمة تخطف القلوب قبل العيون..أشاحت وجهها بغرور و هي تَتَجَاوزها للمقعد المُلتصق بالمكتب،جَلَست واضعةً ساق على الأخرى بظهر مُستقيم تعلو كَتِفه إمارات الصُلح مع الذات..،استدارت تُقابلها و الامتعاض بدأ مراحل احتلاله الأولى على أرض وجهها..تلك رفعت يدها تتأمل أظافرها المُقَلَّمة بعناية فائقة و هي تقول ببرود ذكي،:و أنا ماكنت أدري إن لازم تكون بينا مواعيد "رفعت عيناها بعد أن حشتهما بمَكر لاذع مُردِفةً" مو احنا مثل الخوات يا ضرتي ؟!
لامست باطن خدها الأيسر بطرف لسانها و هي تُخفِض رأسها و حاجبها يُشارك أخاه الارتفاع المُناقض ميلان شفتيها بإعجاب ساخر اتضح في صوتها،:ماشاء الله الواضح انش تقبلتين الصدمة بروح رياضية !
اعتلت ضحكتها الساحرة و رأسها يرتفع مُعاضداً عُلوها،أسهبت في قهقهتها الرقيقة المُلتَفة أمواجها حبال من نار حول مسامع جــنان..وقفت و ظاهر سَبَّابتها يَمس أنفها،نَطَقت بعد وقوفها أمام تلك المُشتَعِلة،:تصدقين عاد فعلاً انصدمت "التقطت زاوية شفتها و هي تستقبل نظرات الاستنكار منها،رفعت يدها لكتفِها و بظاهرها مَرَّرتها عليه و كأنها تُزيح غُباراً و هي تُكمِل" ما توقعت ان اللي لفَّت على عقل رجال متزوج عقلها بهالصغر و حركاتها مثل حركات الأطفال !
أبعدت يدها بتَقَرُّف انعكس على ملامحها المُشمَئزَّة،استعانت بخنجر كلماتها مُعَقّبةً،:والله يا حبيبتي لو كنتِ تعرفين شلون تحافظين على زوجش ما ضاع من بين ايدينش
ارتعشت نبضاتها من اتهام أوزعَ قساوته في جواها المغدور بحُبه،ازدردت ريقها بتحامل و هي تزم شفتيها بابتسامة نصفها أسى قبل أن تلطمها بالصفعة نفسها،:مثل ماضاع طليقش من بين ايدينش ؟!
,،
ماضٍ
لا تَهوى لعبة تصادم السَيَّارات،تُشعِرها بأنها جالسة في سيارة حقيقةً على مشارف الاصطدام،فينتابها فزعٌ و اقعي ينثر اضطراباً بين عروق يديها،تَتَجَمَّدان فلا تقوى على الابتعاد فيكون التصادم حَتمياً مؤدياً إلى ارتدادها العنيف،حيثُ في المرة الأولى و الأخيرة لركوبها خرجت بذكرى ظَلَّت بارزة على مُقدمة رأسها لمدة اسبوعان..و منها كَرِهَت هذه اللعبة و التي على النقيض المُفَضَّلة لأخيها..،
يدها الصغيرة مُستَرخِية بين راحته الدافئة،رأسها مرفوع يتطلع لوجهه السَمْح،المُحتَكِرَتهُ ابتسامة نابعة من قلب يَحوي السماء و النجوم،يُشير بيده الأخرى على الألعاب يُخَيِرها بين هذه و تلك،و هي مثل الأميرة تَتَدَلَّل و تلتصق بغنج طفولي بساقه حائرةً..،
،:ها بـابـا اي لعبة تبين ؟
سَبَّابتها انطوت عند شفتيها الزَهريتين و اتساع عيناها يلتهم بانشداه الألوان و الأضواء المُنبَعِثة من الألعاب..،لطالما عَشِقَت الزهور،أناملها الطفولية تنجذب لبتلاتها بانبهار يُتَرجمه فاهها المفغور و بؤبؤاها المُتَرَاقِصان،لذلك كانت الأزهار المُجَوَّفة تُناديها للمكوث بين بتلاتها الزاهية،لتنعم باستمتاع عَبَقَهُ يرسم ابتسامات على وجنتيها القُطنيتين..أشارت بسرعة و هي تجر والدها ناطقة بحماس أضحكه،:بـــابــااا ابـــي لعبة الزهوور بسرعة قبل لا تبدي
تَلَقَّفَ جسدها الصغير و حملها بين ذراعيه مُسَرِعاً خطواته لجهة اللعبة،فور وصولهما أنزلها عند الباب الصغير و هناك استلمها الرَجُل المسؤول عن تشغيلها و إيقافها و أجلسها في إحدى الزهرات مُحاوطاً جسدها بحزام يحميها من السقوط،فالزهرة ترتفع حوالي ثلاثة أمتار عن الأرض..،بعد امتلاء الزهرات ضَغَطَ المسؤول الزر لتبدأ رحلة قريبة من السماء على ظهر زهرة في جوفها زهرة..رفعت يدها تُلَوح بفرح لوالدها المُودِعة نظراته الحانية أَمَناً في قلبها..،
في بادئ الأمر كانت ساقاها تتراقصان باستمتاع و رأسها يتلفت يُمنةً و شمالاً تَسترق الأنظار على النشاط المُنعِش في أرض الملاهي..لكن ما إن انتقلت اللُعبة لمرحلتها الثانية حتى استَلَّت جاذبية الأرض استمتاعها تاركةً جسدها يُحَلَّق إلى الفضاء على حد تفكير عقلها..،كُلَّما ارتفعت عن الأرض و النسيم البارد داعب وجهها ارتفع مُستَوى الرهبة في صدرها مُحَفِزاً نبضاتها،أصابعها المُتَجَمِدة من خوف تتمسك بطرفي الزهرة القابعة فيها،تُخفِض رأسها بتشنج لتلتقط المدى الفاصل بينها و بين الأرض و تُصَيره مَجالاً من دمع يُغرِق مُقلتيها..لم تَتَصَوَّر أن الارتفاع سيكون بهذا المقدار !
رَغبة بُكاء أمالت شفتيها مُسَبِبة اهتزازاً لذقنها المنحوت و في داخلها وَعَدَت نفسها بأن تكون المرة الأخيرة التي تركب فيها هذه اللعبة،لا سيارات تصادم و لا الزهرات المُحَلِقة !
شَهقة طَرَقت أبواب مَحَاجِرها كاشفة ستر مدامعها فَرَّت من حنجرتها من وقوف مُفاجئ للعبة،نادت باستنجاد استشعرتهُ مسامع والدها البعيدة مسافةً و القريبة حِسَّاً،:بـــابـــاااا
،
في الأسفل
استوت ضَجَّة بين الأهالي و الفزع أخذ ينتشر طوفاناً بينهم،الأطفال مُعَلَّقون و الرياح باتت تَسعَر مُزَعزِعة ثبات الأزهار مثل حد سيف يَقترب من أعناقهم مُنذِراً بالذبح..،اعتلتهُ رَجفة مُعَطّلةً عمل إشارات عقله،حاول أن يقفز السور الفاصل بينهم و بين اللعبة لكن رجال الأمن الذين أتوا من كُل حدبٍ و صوب مَنَعوه مُقَيدين ذراعيه بقبضاتهم الصخرية..صَرخة انفجرت من أعماقه تَرَدد صداها قارعاً طبول فؤاد صغيرته،:مـــــلااااك
بكوعه ضَرَبَ رجل الأمن لكنه لم يتزحزح شِبراً واحداً،وَجهه احتقن بغضب أسود جُلَّ وعيه مُنَصَّب على ابنته المبحوح صوتها من بُكاء،حاول التَمَلُّص بشتى الطُرق،ركل..دفع و شتم، لكن لا حـــراك...،
،:دقيقة وحدة بس و بنتك بتشوفها غارقة بدمها قدامك
ابتلعت الكلمات نشاط حَرَكَته و تَصَنُّم غَلَّف عضلاته مُنهِياً اضطرابها..طَعنة باغتته عابرةً مسار الدم إلى الجوى مُخَلّفةً تَخَثُّر بارتفاع النَبض يُستَفرَغ منه سائل قاني اللون ينثال جليداً على روحه لتتصلَّب حواسه عند فِكرة الموت..عاد الصوت مُجَدداً قادِماً من الهاتف الذي ثَبَّتهُ أحد مُقَيّديه على أذنه،يحفر أغوار وجعاً في جوفه ليُلقي فيها رُفات روحه،:خمسين ثانية
لم يدرِ لحظتها كيف تعاونت حباله الصوتية و أخرجت هَمساً واقفاً على قارعة التلاشي،:من انت ؟
ضحكة بغيضة امتعضت منها مسامعه ليأتي بعدها الصوت بسُخرية،:افا نسيتني ؟ لا يكون بعد نسيت كلامنا ؟!
اضطربت عَضلة في فكه و ذاكرته تعود للشهر الماضي،صوت احتكاك مُزعج ارتفع كان نَتاج ضغطه القاسي لأسنانه،اشتدت عروقه و تَجَهُم بَصَق آثاره على ملامحه،نطق من بين قُضبان أسنانه،:شنو تبي ؟
و الإسترخاء يغرق كلماته،:شــوف العامل اللي نادوه يصلح الخلل،ينتظر أمر من عندي،و هالأمر بيكون على أساس ردك،اذا وافقت بيصلح الخلل و اذا رفضت عُذراً بس بحركة وحدة بيتسبب بسقوط العمود اللي يحمل زهرة بنتك،باقي لك خمسة و عشرين ثانية
هوى قلبه بين قدميه و ريحٌ صرصر اجتمعت قبضاتها الخانقة عند حلقه،غثيان اختزل طاقته و استلَّ القوة التي هو واقفٌ منها ليميل بإعياء و عيناه تُبصِران شيئاً واحداً،ذلك الطير الصافق جناحيه بهَلَع قد ينتهي بفاجعة تَنحَره..تُراب مسموم تَكَتل على رئتيه مازجاً أنفاسه بروائح الذُل و المهَانة،موافقته انتحار تهيم بعده روحه بين الظُلمات و استقرارها يستوي مُكوثاً اضطراري في قعرٍ من حُمَم كُلَّما احترق جِلده و ارتفعت نتانته أنبتت خلاياه جِلداً آخر باحتراقه تُعَذبه و تُبصِق نيران التأنيب و التوبيخ..و رَفضه موتٌ لا محالة،فالروح ستندثِر بانقطاع أنفاسٍ أغدقت عِطراً أُنثوياً كان مُكَمِلاً لسِحر لوحته المُثَبَّتة على حافة الهاوية..حيث القاع فاغراً فَمَهُ الأسود و الحافة من خلِفها جيوشٌ من شياطين ترميه بنبالٍ لها قيود تلتف حَوْل معصميه رادعةً أيُّ حراك..،
،:عَشــر ثواني..تسعة..ثمانية...
عَدَّهُ كان بمثابة أبواق حَربٍ تهتف ناشرةً الرَوعَ بين عروقه،رجفته أحالتهُ كائناً مائع يَكاد ينسل من بين فراغات مُقَيديه،عيناه مُلتصقتان على طيره المُغادر قَفَص حُضنه..و العَقل تَشَرَّبَته هواجس،خيالات دماء و مقتل سيظل يجر أنينه و هو بين قَبره خاطاً نَعيَه على كَفَنَه،العروق قَلَمه و شَراب القَلب حِبره..
،:ثلاثة..اثنين
،:مـــــوافق موووااافـــق
فَمَهُ ابتلع كمية من الهواء و صوت شهيــق حــاد اعتلى شاقاً صَخَب الموقف،انفلت من بين قبضاتهم و الأرض جذبته بسقوط كَفَّاه من فرط اللاشعور لم تستندان عليها فتلقى منها صَفعة على وجهه جَرَّحت جانبه الأيمن..حاول أن يتكئ على رُكبته يُناشد وقوفاً ينقذه من هوانه..،التمعت عيناه و دموعٍ عَصيَّة التمعت ألماساً نادراً في عينيه وهو يرى اللعبة يُعاد تشغيلها و زهرة ابنته في انخفاض..وقف بتَيه كان شعار اللحظة لهما،خيوط ملابسه ذابت من فيضان مساماته..،
هي ما إن تَحَرَّت من قيد الحزام جَرَت و الضياع حذائها،تدور حول نفسها بضياع غاب منه صوتها المُنادي باسمه..بغُربة مُهاجر اقتُلِعت جذوره غَصباً عن تُربته كانت تجري،و على وجهها انطوت غارات تمكث فيها جيوش الخوف و الهَلَع،طيرٌ هاجر شتاءً هَرباً من احتلال السُحب ليعود بعد عناء سفرٍ و مَشَقَّة إلى ربيعٍ لم تعلم الفصول الأربعة أنها بعد زمن سَتَتيتم بانتحاره..،التقط بصرها وجهه الذي خطف نبضاتها الماراثونية،سَرَّعت من خطواتها و لسانها لم يَكُف عن مناداته،و أما ندآته فلم تلتقطها سوى أُذن الذكرى،فالصوت اختنق عند مذبحة الموقف..،
سَقَط على رُكبتيه يستقبل جسدها القابع في زنزانة الموت لدقائق مسمومة،أحاطها بذراعيه،درع حماية من جَور أعداء وُلِدوا بنقصٍ في هرمون الرَّحمة،وجهه حَفَر ملامحه في عُنُقِها و أنفه يتمرغ بعذب رائحتها،نَثَر قُبلاته على خديها،أنفها..جبينها و كفيها الصغيرتين النابع في راحتيهما عَرقٌ لهُ رائحة خوف..ذراعاها النحيلتان التفت حول عُنُقِه و رجاء هامس لا زال يَحوم فوق قبره عانق مسامعه،:بــابــا لا تخليـــني
,،
حاضر
الليلة الماضية
تَعَذَر بآلاف الأعذار الواهية التي مُتَيَقن أن عمه لم يقتنع بها.. تَخَفَّى داخل سيارته في أحد المواقف ينتظر خروجهم الذي طال حتى غُروب الشَمس..بقائِه كان مثل وقوفٍ على أنقاض جسر أسفله نَهرٌ يرى وسط صفاء سطحه الشفاف انعكاس صورته و مع استمرار تحديقه الهائم تَتَبين لهُ فُقاعات هي مزيج من وحل غرورٍ و كبرياء يطمسان نقاوته..و هو مُخَيَّر بين هذا الوقوف المهزوز أو الغرق في دوامة النهر المُتناقضة التكوين..،كَفُّه مارست ضغطاً على فخذه مُوَبِخاً نفسه التي اضطربت بتَيه لبزوغ نورها،نبضاته اجترعت ترياق جنونها ناثرة صَخباً عاشق بين أوردته و شرايينه الذائبة من سِحرٍ عانق ملامح أميرته..
رَكَّزَ بصره على ذراعها،اتضح لهُ أنها لم تُجبَر،بالطبع التواء مثل ما توقع..،لَحِقَهم عن بُعد حتى المنزل ثُمَ واصل طريقه إلى أصحابه الطالبين رؤيته..هو العريس الجديد..!قضى معهم الليل كُلَّه،و أكثر من نصف جلوسه كان استماعاً،فحديثه غفى على لسانه بعد صدٍ تَلَقاه صباحاً منها أنساه نُطَقَ الأحرف..فبنفورها الصريـح عاد طِفلاً يهفو إلى كلماتٍ بريئة تُغدِق أفراحاً على وجنتيه..،
قُرابة الحادية عشر و النصف عـاد إلى المنزل،التقى مع والده الذي كان يستعد للتوجه إلى داره،حادثهُ و تقصَّى أخباره و تواعدا بجلوسٍ قريب يُناقشان فيه ما مَنعتهُ عنهما الأيام الماضية،تمنَّى لهُ نوماً هنيئاً و صعد إلى جناحه المُقفر من رِقة و حنان..دَلَفَ مُتَجاوزاً غرفة الجلوس الواسعة إلى دار نومهما اليتيمة من حَميميَّة حَرَّمتها عليهما..تباطأت خطواته بكسَل تَلَّبس بضع زخات أسَى،فتح أزرار قميصه وهو يُلقي بجسده على السرير،تَركهما عند المنتصف لترتفع كفاه باجهاد إلى رأسه مُخَلّلاً أصابعه في شعره المَنسي على وسادة لم تُباغتهُ أنامل امرأة ذات فَجر،زَفَر إحباطه المعقود معه انكساراته التاريخية،هو العاشق المطرود من مدينة أُنثاه ذات الأنفة العَصِيَّة..تَشَارَكَ نحيب روحه مع السماء و قمرها المُشفِق و جواده ذو الصهيل الجارَّ أبيات الحُزن و العويل..،
ذراعه اليُمنى اتكأ كوعها على فخذه ليستقر رسغها فوق عينه الهاربة من ألم الواقع خلف أجفان الحَسرة..غاب في شهيقٍ و زفير طويلان،حاول بهما أن يستفرغ ما تراكم من سلبيات بين خلاياه..عُقدة خفيفة داعبت مابين حاجبيه و تداخل نقيض لأنفاسه أغرق المكان..تَنَمُّل استحوذ على جانب عُنُقِه و خفقان لاهث اضطرم في صدره..فَتَحَ عيناه وهو يميل رأسه لينظر من خلف ذراعه المرفوعة..و تأكيداً على أنه واقع ارتفع الهمس مُتَوَشِحاً برداء الفجر المُرَصَّع بنجومٍ تحترف خَطف لُبّه..
،:تبي عشا ؟
~ انتهى
،
|