كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
،
فَقدُ ذات
تَخَلى عن أناقته هذه المرة لِسأمٍ أجَّجته نظراتها المُختبئة خلف خبث دنيء طَمَس الفِطرة التي وُلدت عليها..خَجَل الأنثى الطبيعي لم يَكُن حليفها أبداً و لم يُخالط انفعالاتها و لا سَكَناتها..مَكرٌ فقط مُحتواه شهوانية قَذِرة لا يَردعها دين ولا مبدأ..،
خَلَع معطفه الجلدي البُني ليظهر قميصه الزيتي الكاشف عن عُنُقِه الطويل..وضعهُ بترتيب على ظهر الأريكة ثُمَّ جلس واضعاً ساق على الأخرى يُتابعها و هي تسكب السُم في كأس زُجاجي صغير وهو يرفع أكمامه إلى كوعيه..تساءلت و هي مُندَمِجة بعملها المُطلِق عليه بعضهم بالفن..و إنما هو جزء من وضاعة و قذارة أصلُها الشيطان..،:أي نوع تُفَضل ؟
ابتسم لها وهو يَقِف حاشراً أصابعه في جيبيه الأماميين،:حقيقةً أنا لا أشرب مساءً
وَجَّهت بصرها إليه بذهول مُقيت و هي تصرخ،:هذا غير معقول ؟ لاأصدق أن هناك رجل لا يشرب ليلاً
رفع كَتِفه بتساؤل،:و لمَ لا تُصدقين ؟
و هي تقترب منه بمشية القطة التي تكاد تطرحها أرضاً من عتاقة عظامها المُتَدثرة بخلايا شابة أسقمتها نتانة دمائها المُتَغذية على السرقة و الباطل،:لأنكم أنتم الرجال لا تستطيعون إنهاء يومكم دون أن تُغرِقوا عقولكم بالشراب،فأنتم غير قادرين على النوم بعقل مُثقَل بالقلق
حاجبه استقلَّ هَضَبة الثقة وهو يقول بصوت يملؤه الغرور،:أخبرتك مُسبقاً أنا لستُ كباقي الرجال
اقتربت أكثر رافعة يدها قاصدة كَتِفه هامسةً بنظرات طالت عُنُقِه المكشوف،:و هذا ما يُثير نبضاتي
تَراجع خطوة للخلف قبل أن تَحُط يدها على كتفه مُشيراً بشكل طبيعي للأرجاء،:ألن تُريني الفيلا؟
و كأنها تَذَكرت،:اووه بالطبع "استدارت تَتَقدمه" تعال من هُنا
مضت معه في رحلة تعريفية لم يَكن بحاجة إليها ولا بَصره راغباً بالتزود بهذا التَرف المُتَكوم على الصدر كأتربة مُلَوَّثة تُحيله مريضاً على أعتاب الزور و الطمع..،غُرف الجلوس الواسعة المُؤثثة بأفخم الأثاث الأوروبي،الأرضية كانت من الخشب الأصيل..و الجُدران مُغَلفة بورق برسومات احترافية تسلب الأبصار..ثريات تتدلى من الأسقف المُفرغ وسطها على شكل قُبة..أرائك من الفرو و الحرير..بذخ منثور بإسراف على كُل جزء في الفيلا..،
كانت محطتهم الأخيرة غُرفة نومها،أو بالأحرى جناحها الخاص..سرير يتسع لأربعة،يرتفع عن الأرض و ستائر مارونية بأطراف ذهبية تتدلى من جوانبه..،مَرَّرَ يده على حواف المنضدة الخشبية المَصفوف فوقها مالذ و طاب من العطور ومساحيق التجميل..ثَبَّت إبهامه على حوافها الحادة..حَرَّكه بخفة للإمام ثُمَّ بعُنف أرجعه للخلف حتى انكشف جرحاً في باطنه..تأوّه بصوت مسموع انتبهت له العجوز و بُسرعة قدِمت إليه تُعاين الجرح وبخوف تَشبع تجاعيدها المُختَبِئة خلف أطنان من الإبر،:اووه يا إلهي كيف حدث ذلك
رفع يده يُبعدها عن يديها التي أرادت أن تمسكها وهو يقول بملامح انكمشت بألم مُزَيف،:عُذراً لم انتبه
تراجعت للخلف و قبل أن تستدير قالت،:انتظرني هُنا سوف أحضر علبة الإسعافات الأولية
ظلَّت عيناه تتبعانها حتى تأكد من خروجها واختفائها عن الأنظار..تناول بعض المناديل كضمادة تتشرب نزف إصبعه ثُمَّ و بسرعة بدأ مُهِمته فاتِحاً الأدراج بجانب السرير..درجان كانا مُقفلان و الآخران المفتوحان لم يجد فيهما سوى بعض الكُتب الخاصة بالتجارة و التاريخ..مساحيق تجميل يبدو أنها نستها حتى انتهت صلاحيتها..تَفَقد غُرفة الملابس،الخزانة و قسم الأحذية..تَحَسَّست كفيه الجُدران و ماخلف اللوحات المُنتَشرة في الغرفة..،وَقف بحيرة وسط الغُرفة بيدين تستقران على خصره،بصره ينتقل يتصيد ثغرة قد تُحيله للذي أتى به إلى هُنا..التفتت للمرآة يُناقش الأفكار التي تُتَرجمها عيناه على هيئة اتساع و ضيق بؤبؤَيه و تصافق أهداب تَتَراشق حروف قد تهديه السبيلَ..،
عُقدة تَكونت بين حاجبيه وعيناه تضيقان للذي انعكس في المرآة..استدار بسرعة وهو يبحث عن الذي مَرَّ مثل لمحة أمام بصره..اقترب من السرير مُرَكِزاً على المُستطيل ذو الأضلاع الرفيعة المحفور على جانبه الأيمن بلون داكن أكثر من لون خشب السرير الطبيعي..بُني محروق بين لهيبه يحتفظ بسر قد يُنقِذه..ركب الدرجات الثلاث..انحنى جالساً على قدميه..يده امتدت و ما إن لامست أطراف أصابعها المُستطيل
،:ماذا تفعل
،
الجزء الثامن عَشَر
كانت الساعات طويـلة بطول قَرن و عقدٍ من سنين انعقدت حَولَ عُنُقِها مُعَقّدةً خروج النَفَس..تجاهلته طوال وجودهما في الطائرة..منذُ أن انطوت في المقعد أسندت رأسها للنافذة مُشيحةً بأنظارها عن وجهه الساكن بهدوء يُغيضها..لهُ قدرة تفوق استيعابها على تَحمل ما تنفثه من صدود عليه..ينطق بكلماته مُبدياً عدم إرضائه الذي يُحَوّره باحترافية إلى إذعان و خضوع رقيقان لطلباتها المُغدَقة برفضٍ وإبتعاد...،حقيبتان اثنتان،لم يزدد عددهما و لم ينقص..واحدة لها و واحدة له..ذهاباً و إياباً،لم يتغير شيء فيهما..تماماً مثلهما،البرود الذي كان يُشغِل الفراغ بينهما عند الذهاب لم تُذيبه نسمات السماء و كان إيابهُ أعظم..بكُتل تُكسَر و لكن لا تُذاب..،
وجهٌ مُبتَسم يغمره حنان يفيض من عينين غيابهما كان عَصي على قلبها الصغير..سَرَّعت من خطواتها حتى تجاوزت زوجها لتُلقي بجسدها في صدره،تَشد من احتضانها إليه،تنهل من عذبه..استنشقت نفس عميــق تتزود من رائحته لتحتفظ بها في عبوة ذهبية تُعَطر بها روحها الغارقة فيه،هو رَجُلها الأوحد و لاغير..،شَدَّت بجسدها أكثر عليه،عَلَّ الصدر يُفتَح لتتوسد قلبه و تحميها أَضلُعه مُتَلَحفةً بأوردته و شرايينه..بعيداً عن أي عواصف تُزَعزع مشاعرها المُتَخبطة..،
صوته الحبيب عانق مسامعها،:حبيبتي حنيني وحشتيني،شخبارش يا بنتي ؟
رفعت رأسها تتزود من ملامح حَنَّت لها أنظارها،:حبيــبي بابا انت بعد وحشتني أكثر و أكثر "تراجعت قليلاً مُلتَفتة باحثةً و هي تتساءل" وين ماما ماجت ؟
ابتسم لها و يده على كتفها يُعيد دواء طَبطته و يُنعش ما غفى من زهور في روحها،:تنتظرنا في البيت،ما خليتها تجي و تتعب نفسها "نَقلَ بصره لزوجها الواقف بصمت وهو يمد يده ليُصافحه" الحمد لله على السلامة يا ولدي طبعاً بتتعشون عندنا
ابتسم له وهو يومئ برأسه و بضحكة قال،: الله يسلمك،اكيد عمي مستحيل حنين ترضى بهالشوفة بس
أبعدت عينيها عنه ببرود زادت ابتسامته له و زاد شرخ قلبه منه..حَبَس تنهيدة داخله و هو يَتبعهم بخطوات تنجلي آثارها مثل غيمٍ احتوته السماء لليلة ثم ودعته دون ذكرى و لا بضع التماعات قمر..،حديثها كان ترنيمة ساحرة،بعفوية تتجانس مع نعومة ابتسامتها الواضح رَسمُها على شفتيها من صوتها المَرح..و كأنه ليس معهما..بعيدٌ كالبعُد الذي فرضته عليه و حَددت خطوطه الحمراء لكي لا يمسها و يغزو أسرارها القديرة..تتكلم بكُل أريحية و حروفها تتراشق من لسانها بعذوبة تَمُر على مسامعه مثل نسيم دافئ يغمر القلب..
حَكت عن البَحر،السماء و النجوم،الرمل المُداعب أطرافها..الأمواج و دغدغة المياه..هواء الجزيرة و شمسها المُتفائلة دوماً الناشرة أشعتها بكل زهو تُريد أن تُنافس شمس عينيها..و لكن هيهات..فالشمس ليست سوى انعكاس لما يَشُع من بؤرة عينيك..حياة أخرى و سماء انتِ الملكة فيها فقط..،
هل يا تُرى ذكرى اقترابهما كان لهُ نصيب في عَقلها ؟ ما أفرغه من قُبلات عليها و ما طَمسهُ من برود بحرارة أنفاسه هل لا زال يشع في روحها ؟ أم أن بانتهاء اللحظة و بانحسار الاقتراب انطفأ كُل شيء و انطفأ معه ما ظن أنهُ أجَّجه..تناثرت القُبلة تُراباً يُداس و الإحتضان صَيّرهُ البُعد نفور شتوي يهوى الثلوج و المطر و يهوى الإختباء في جحورٍ تَعَهدت أن تحتفظ بالبَوح..،
تَرَجل من السيارة عند وصولهم لمنزل والدها الذي احتضنت ذراعه بتَمَلك طفولي و ابتعدت معهُ للداخل تُوَثق نسيانها له و نسيان ما نما من شعور داخله..استقبلتهم والدتها بابتسامتها الحنونة المُتَخذة الشيء الكبير من ابتسامة والدته..فالسنين التي جمعتهما كانت كفيلة بأن تنسخ الإبتسامات و نظرات العيون و الكلمات أيضاً..،
قَبَّل رأسها باحترام وهو يسمع ترحيبها،:هلا هلا فيك زوج بنتي،الحمد لله على سلامتكم
ابتسم لها مُجيباً،:الله يسلمش عمتي
تساءلت لتطمَئن،:شخبار حنين وياك ؟ ان شاء الله أموركم كلها بخير ؟
مالت ابتسامته،و سُخرية تعاضدت معها حيرة تَمنت لو تتجرأ كاشفة عن ما استوطن من اسئلة في قلبه..لكنهُ عاند رغباته ليقول،:الحمد لله امورنا زينة،و حنين ماشاء الله عليها تربيتش
تَمَسكت بكفه و لسانها ينطق بصدق،:الله يخليكم لبعض و يسعدكم يارب
صوت تداخل مع حديثهما باعتراض،:مــاما يعني ما بتسلمين علي ؟
ضَحكت و هي تقترب لتحتضنها،:يا عمري اكيد بسلم بس اول شي زوجش عيب يا ماما
احتضنتها بقوة قبل أن ترفع رأسها مُقبلة خدها و هي تقول،:حبيبتي ماما والله وحشتيني و وحَشتني سوالفنا
احتضنت كَتِفها وهي تمشي معها،:حبيبتي والله،اللحين تعالي قعدي و سولفي لي عن كل شي
,،
سَفرٌ آخر انتهى،و عودةٌ كانت تُنتظر على جمرٍ جاءت رياحها مُشعلةً المكان لتُحيله فحماً أسود لم تتداخل فيه رمادية قد تشفع هَوله..يقف بكل ثقة وسط غرفة الجلوس..عيناه تُعانقان وجوههم مُستقبلةً ما اعتلاها من صدمة كان يتوقعها..أعاد كلماته بهدوء،:قلت السلام عليكم !
جــود التي انتحر حماسها مما رأته،و الإبتسامة حَلَّ محلُها انشداهة على شكل ثغرة بين شفتيها..ازدردت ريقها و عيناها تصلبتا على العيني المألوفتين..كَبَحت شهقة بيدها التي ارتفعت تُحيط بفمها..و عدم التصديق تَمَكن من عقلها..،تلك التي تقف بجانبه تبدو أصغر من أن تكون زوجته،هي بالكاد تصل إلى رُكبتيه ! يده الضخمة تحتضن إبهامها و يدها الأخرى بحجمها الصغير جداً مُتَمسكة بساقه القريبة..حدقتيها مُتسعتان بفضول يُخالطه خوف من الصمت الغريب و السكون الأشبه بنهاية حرب لم يُسَجل فيها نُجاة..رفعت رأسها تُرسِل لهُ نظرات بريئة مُتسائلة و هي تشد بنطاله مُناديةً،:بـــابــا
أغمضت عينيها تُناجي الحُلم أن كُن أنت و أهزم الواقع..لكن شهقة والدتها العنيفة أبطلت أُمنياتها،غَطَّت وجهها بيدها تُخفي ملامح على وشك الإستسلام لدمعات يُندَر هطولها فوق أرضها..صوت والدتها ارتفعت همساته بأنفاس مخطوفة تحكي حجم مُعاناتها على الإستيعاب،:مُستحيــل مُستـــ ــحيل
والدها وقف من جلوسه كملسوع مُتقدماً بخطوات تَمَلكها الغضب لينقض على ذارع أخاها صارخاً دون مراعاة للتي معه،:انت شنو سويـــت ؟!
تَمَسكت بوالدها أكثر و وجهها بفزع اختبئ خلف رجله..ترك إبهامها لتحتضن ذراعها كَتِفها يُقَربها إليه مُهَدِئاً روعتها،و برجاء،:يُــبه أرجوك مابيها تخاف
استدار بُسرعة يُحادث ابنته،:جُـــود تعالي
أظهرت وجهها عند سماعها للإسم،جود وقفت بربكة تُلبي نداء والدها الغاضب..توقفت أمامه و ملامح تلك الصغيرة بانت أكثر حتى استحكمت من قلبها تُثير عواطفه..أبعدت عينيها بصعوبة لأبيها الذي قال بأمر،:خذيها شوي خليني اكلم هالمجنون
هَزَّت رأسها بالإيجاب و اقتربت تُحاول شَدَّ شفتيها بابتسامة مُرتعشة و هي تقول بنعومة،:تعالي حبيبتي
حَرَّكت رأسها بالرفض و وجهها يعود لإختبائه..انحنى لها فيصل مُحتضناً خديها و بحنان،:بابا حبيبي روحي مع عمو جــود انا بس بكلم بابا ناصر و بجي اوكي ؟
مالت شفتيها للأسفل و خيوط الغضب المُتَلقفة ملامح جدها عَقَدت الخوف في قلبها..جود بإغراء،:تعالي حبيبتي عندي حلاوة
ابتسم لها والدها وهو يقول بانبهار طفولي،:الله بابا عندها حلاوة وعندها تشوكلت بعد
نَقلَت بصرها بينه و بين عمتها ثُمَّ استقرَّ على جدها المُشيح بعينيه بعيداً عنهم..فيصل و الذي فَهِمَ ما ترمي إليه نظرات طفلته..استدار لوالده قائلاً بمعنى،:يُبــه
نَظرَ لهُ وهو أشار برأسه لإبنته..بتنهيدة مَسح وجهه يُنَحي الغضب الذي أفزع تلك الصغيرة و التي لا تُلام على فعلة والدها..حاول أن يبتسم لها وهو يقول بتشجيع،:روحي حبيبي مع عمو جود بتعطيش اللي تبينه
رفعت عينيها الواسعتين لعمتها التي تنتظرها..بتردد ارتفعت يدها تتمسك بيد جود التي مشت معها قاصدةً المطبخ لتُبعدها عن ما سيحدث من فوضى بعد ثوانٍ
بمجرد اختفاءهما استدار ناصر لإبنه ناطقاً حروفه من بين أسنانه و يده استقرت على خصره ينتظر تفسيراً منه،:مُمكن تفهمني شقاعد يصير ؟
أشار للأريكة وهو يقول و عيناه على والدته الجامدة في مكانها،:يُبه خل نقعد و انا افهمك كل شي
تقدمه وهو يجلس مُتَكِئاً بذراعيه على فخذه شابكاً يديه ينتظر الحَشو الفارغ الذي سَيُمليه على مسامعهم،:قــول تحجى خلنا نفهم
اقترب من والدته ليجلس القرفصاء أمامها مُحتَضناً يديها،و عيناه تنتقلان على وجهها المُتَصلب،:يُمه تكلمي قولي شي،ما بتكلم الا اذا تحجيتين
أبعدت يده بنفور و التَصَلُب استوى انكماش ترجمتهُ تجاعيدها المُلتَوية بوجع،و بصوت اهتز من عبرته،:لا تكلمني لااا تكلمني
برجاء،:يُمــه
بيأس أمال رأسها الذي انحنى من ثقل الفاجعة،:ماني مصدقة انك ولدي،ماني مصدقة ان ولدي فيصل يسوي هالشي
وقف ناطقاً بقهر استحوذ على كلماته،:ليش قاعدين تهاجموني بدون ما تعرفون اي شي ؟ خلوني اتكلم و اشرح لكم
تَحَرَّر والده من سجن جلوسه الذي لم يطول وصوته يرتفع،:شنــو تشرح فيصل شنو عندك تبي تقوله و يقدر يبرر لك فعلتك ؟
ببحة تعاظمت في صوته،:يُبه انتوا حتى ما سألتون عن أم البنت
،:فيصل انت تمزح صح ؟
بصره انتقل لنور التي انجلى صَمتُها و وقفت برجفة تقترب منه و عينيها أفرجت عن أفواج غيومها..ببحة بُكاء قالت،:فيصل،البنت كلها امها "و بغصَّة أكملت" اشوف امها طفلة قدامي
رأسه ارتفع لسماء أحجبها سقف لا يملك القُدرة على إحتواء ما يتفجر في روحه من التياع أخذ مأخذه من ذاته..لا تُمَرري حُروفك على الوَتر أُختاه..فلم يَعد صَبرُ صبري كما كان صابراً..فالليل شاهدي الأول و أنا مثل مسكين أقف على باب عينيها انتظر شمساً تلوح في الأفق حتى يحين موعد استيقاظ أجفانها لأرتوي من مَجرى كان وليداً من نهر أُنثى مُكابرة..تقتات على الغرور و تتزود من أملاح بحر الصدود...أسَفاً ان عقلي و قلبي يَعلمان أن وَجهها تَلَوَّن بملامح تلك و أن نظراتها تَوَشحت بسهام تلك..و أن سيف ابتسامتها لم يظهر سوى من غَمد تلك..،
زَفَر عِلَّته المُنتَشرة فيه مثل الهشيم تُحرقه لترتفع رائحة خُسرانه تُثير حَنَق رجولته المُتَدَثرة بوشاح عشق لا ينتهي شتاؤه..،مَسح على وجهه ثُمَّ استقرت كفيه خلفَ عُنُقِه ضاماً شفتيه للداخل بعد افتقاره لحُروف تتصدى لهذا الهُجوم الصريح..
سُخرية مؤَنبة تركت لسان والدته لتلطم خده،:انت مو بس خدعت جنان انت خدعتنا كلنا يا ولد بطني
تَقَدمَ خطوة رافعاً ذراعيه دُرع دفاع،:ما خدعتكم يُمه انــ
قاطعته و هي تقف تواجهه بصوت انحسر عنهُ البرود،:يعني شنو ما خدعتنا ؟شنو كنت تبي تسوي اكثر ؟ قلت لنا أن البنت ماتت و خليت امها تنوح عليها نوح الفاقد لحبيبه و جاي تقول انك ماخدعتنا ؟!
بحدة قال و وجهه يتجهم باستعار،:امها ما كانت تبيها،قالتها لي ما بي بنت انت ابوها
والده بصرخة زلزلته،:تقوم تقول لها انها ماتت ؟ "صَفَّق باستهزاء أمامه مُردفاً" أحسنت ياولدي صراحة طلعت تعرف تداري أمورك بكل عقلانية يا مُديـــر
أمسك عضده بـرجاء نضح من مُقلتيه،:يُبه أرجوك اترك اللوم لبعدين،البنت كانت متحمسة لشوفتكم
،:لين متى تبينا نسكت لين متى ؟
شدَّ بيده،:بس شوي،ابيكم تقابلونها بابتسامة،مهما كان مالها ذنب باللي قاعد يصير و لا عقلها يقدر يستوعبه
حَرَّرَ معصمه من يده وهو يقول مُشيحاً وجهه عنه،:خلها تجي،عشانها مو عشانك
،
في المطبخ
ناولتها بابتسامة ناعمة لوح من الشوكلاتة بعد أن فتحته..أخذته بابتسامة خجولة و هي تقول بصوت منخفض،:ثــانكيو
ضحكت بخفة هامسةً،:يا عمري "مسحت دمعة كانت على مشارف السقوط و هي تنحني لطولها مُتسائلة" شنو اسمش ؟
تساءلت بتَعجُب و حاجبيها الخفيفان يرتفعان،:بابا ما قال لش ؟
بَلَّلت شفتيها وهي تتدارك الموقف،:بلى قال لي بس ابي اسمعه منش
قضمت من اللوح و بعد أن ازدردت اللُقمة قالت ببحة تُشبِه بحة والدها،:اسمي جَنـــى
التقطت أسنانها العلوية شفتها تستوعب الإسم الذي اختارها لها أخاها..و كأنهُ ابتدأ الحروف الثلاث لإسم تلك مُفَضلاً الاختناق بالحرف الأخير خوفاً من فقد ينحَر وجودها في ذاته..،بإعجاب أرادت به أن تُفَرح قلب الصغيرة،:حــلو اسمش
ابتسمت لها و جسدها يتحرك بخفة دلع يميناً و شمالاً،:انتِ بعد حلوو اسمش "مُرددةً" عموو جــود
أغروقت عينيها من براءة تلطخت بوحل ناضِجَين قطعا الطريق بعقلان يغشاهما كِبرياء وتحدٍ تشربهُ قلب كل واحد منهما حتى استوى ماءً أبيض أعمى بصيرتهما..فالعروق ماتت و توقف الشعور عند مُفتَرق الطريق فاقداً الإحساس ببتلات يانعة تعيش بداية نُموها..،احتضنتها بحنان تدفق بغرابة منها..و هي التي اعتادت أن تُخفي مشاعرها خلف ستار الضحك و المُزاح..قَبَّلت رأسها بعينين مُغمضتين تزورهما ذكرى انهيار و لَوعة..،
،:بابا جَنــى
ابتعدت عنها بخطوات سريعة و عانقت ساقي والدها..احنى ظهره و حملها بخفة بيمناه و بابتسامة واسعة قال،:تعالي بابا نسلم عليهم
تساءلت بحَذر،:بابا ناصر مو معصب ؟
ضحك وهو يُداعب انفها بسبابته،:لاا مو معصب
هَزَّت رأسها موافقة وبحماس،:اوووكي
خرج بها حيث ينتظر والديه و نور..أخفوا بعد جُهد ما بدى من صدمة و غضب على وجوههم،وجلسوا بارتياح مُرتبك..وقف أمامهم و هي بين ذراعه مُتسائلاً،:بابا تعرفينهم صح؟
أجابته،:اييي "أشارت لوالده و هي تقول بخجل" هذا بابا ناصر
ابتسم لها بحنية تجانست معها الشفقة إكراهاً..وقف مُقترباً منها و تناولها من ابنه ليعود و يجلس وهي بين أحضانه مُشيراً إلى زوجته الجالسة بجانبه،:و هذي من ؟
اتسعت ابتسامتها الجميلة،:ماما ليلى
احتضنت كفيها الصغيرين مُقَبلةً باطنهما،:حبيبتي انتِ و عمري
نـور بدموع غَلَّفت حبالها ليخرج صوتها بحشرجة،:و أنا ؟
مال رأسها على كتف جدها و بنعــومة نطقت،:عموو نــوور
اعتلت ضحكاتهم المخالجها ضيقٌ اكتنف قلبوهم برهبة،فالموقف مُعَقد..تُشاركهم فيه طفلة عقلها لا يتعدى استيعابه اللعب،الحلويات و العرائس..لا لوم يُجدي و لا عتاب يحمل بين طيات حروفه ممسحة تشطب كُل ما ماضى و تُلغي خداع خمس سنوات...هم لم تُفقَد حُجرة من قلوبهم و لم تمت نبضة أثناء دورة دماءهم..و ان فاتهم حبو طِفلة و تعثر خطوات و بضع كلمات أولى..لكن من طالبت الرب بموت يُنقذِها من عذاب فقد روح ذات ظُلمة تكونت في رحمها،تغذت و مارست تَقلُبها على مدار تسعة أشهر..كيف ستستقبل عُظم هذه الفاجعة ؟!
دَعَكَت باطن كفها الأيسر بأصابعها الصغيرة و رأسها ينخفض و الإبتسامة الخجولة غادرت ثمرة شفتيها..فيصل ازدرد ريقه و عيناه تلحظان ارتخاء حاجبي ابنته و تسارع حركة أهدابها دلالة على كلمات تحوم في حلقها..،تساءل ليضع النقاط على الحروف،:بابا جنى تبين شي ؟
رفعت رأسها إليه..رَكَّزت أنظارها على وجهه لثوانٍ قبل أن تنقلها على الجالسين ثُمَّ أسدلت أجفانها و بشفتين تميلان للأسفل تُنذران بنغمة بُكاء..
،:ليش ماما جنان ماجت ؟!
,،
لم تنتظر عودته و إنما انتظرت قَمَراً يجيء بنوره ليمتزج مع ما التمع من أفكار في عقلها،تحملت ألم رأسها و تدثرت بلباس النسيان حتى تستطيع أن تُواصل مسيرها تحت الثلوج و فيض الهطول..باغتت السُحابة السوادء المُنتَظِرة روحها على باب سجن في زاويته قيود جَوفها يحتفظ بأقفالها المُتَجَسدة على هيئة قُطَّاع طُرق و قَطعٌ من خِلاف،لتُصَيّرها كائناً تُبَعثره الرياح و تَتَلقفه أيدي البراري مازجةً رفاته برملٍ خانق يمنع شهيقاً يُطالب بالحياة..،
جَهَّزت لها حقيبة صغيرة،تكفيها للمدة التي دونتها على صفحة عقلها..اختارت أن تذهب بسيارتها بعد أن أقفلت دارها تمويهاً لذات زوجها المُتَحَفزة لوداع غَصبي،تم حشره إكراهاً عند مُفتَرق الطريق فاصلاً بين روحيهما..،كانت التنهيدات دواؤها المُطَيب جراحاً طالما توسدت قلبها و أضرمت نيراناً فتيلُها دماء أشبه بدمعات بُكاء اعتزلتها العين تُناشد لحظات تَبَلُّد، و تَبَنَّتها شرايينها تُناشد لحظات نوحٌ مُباح..،
تمشي في طريقها بهدوء ظهر على عداد السيارة،لم تتجاوز سرعتها الستون و كأنها تباطأت لتندمج مع ما اكتنز داخلها من بَوح يموت و يلد في الثانية عَشرُ مرات و عَشرُ ارتعاشات..بَوح استعصى على قلبها و تَلوَّى ثُعباناً مُسَمّمَاً ضميرها المُقَرقعة أجراسه بتأنيب يُحَذر من غَرق..و هي التي بتَيه تَبَعَت المجرى دون أن تعلم أن نهايته ليست سوى سقوط في بحر يرتفع عن الأرض بمقدار قرن من البُعد..،تجاوزت سور منزل والدها الأشبه بالقصر،أركنت سيارتها في الموقف الراسم على أرضه ابتسامات ترحيب بغبار التهميش،ابتسمت بخفة..فهي لفترة ليست بقليلة كانت تُركِن سيارتها خارج المنزل،قُربَ الباب،لا تدري ألِكَسل لم تَكُن تُشغِل موقفها الخاص ؟ أم لإنتماءٍ اقتُلِعَت جذوره من أنياب هذه الأرض المُرَّة المَنْبَت..،؟
أقفلت السيارة ثُمَّ مشت بتمايل نصفهُ ملل و نصفهُ الآخر تعب روح أثقلت خصرها حتى صَيَّرت اعوجاجه الأنثوي انحناء عجوز هاجمهُ جيشٌ من مَشيب الوجدان..،دخلت مُتَجاوزة الممر المُستَقبل الحاضرين بمرارة تعكس الحقيقة المُصطَنَعة الغالقة أزرار معطفها حول ذات تتحور و تتلون على هواء صاحب القصر المُبَجَّل..لا عفوية تُحَطم قناع الثعالب،و لا عباءة كرامة تُرتَدى على أكتافٍ قَوَّسَها الذلول لملوكٍ عَيَّنَتهم ذواتهم المفصومة أعناقها من أعين تُناظر لسماء وَهمية تَبرُق بنجومٍ تخطف أبصار عديمي الثقة،و يسيل لها لُعاب الطامعين..،
وَضَعَت حقيبتهافي غرفتها في الطابق الثاني،كان اللقاء جامداً مع غرفتها المُحتَوية اختلاجات مشاعرها و نفثات روحها على مدار ثمانية و عشرون عاماً..تجاهلت حديث الجدران و همسات إطار النافذة المُحتَفِظ بين شقوقه باعترافات فَجرية كُتِبَت على سطح القمر..،
خَرَجت لغرفة والدتها المردود بابها،طرقته و هي تدفعه داخلةً تُناديها هَمساً فَرُبما النوم كان قد زارها..،:ماما انتِ قاعدة ؟
صوتها العزيز أجابها،:تعالي ماما اهني
كان الصوت قادم من غرفة الملابس على يسارها،دَلَفت إليها تخطو ببطئ حتى بان ظهرها لها،مُنحَنِية لأحد الأدرج المُوَزَّعة ببعثرة تُسَبب فوضى و إزعاج في العين،يبدو أن مهندسها كان يرسم خريطته بالمقلوب ! أغلقت الدرج و أقفلته بالمفتاح ثُمَّ وضعته في درج في منضدتها..،رفعت رأسها لها و اصطدمت عيناها برأسها الملفوف عند مُقَدمته بطريقة عَرضية اخفت جَبهتها،انفلتت منها شهقة عاضدتها يدها التي هوت ضاربة على صدرها و لسانها ينطق بقلق خائف،:ماما حور شنو صار فيش ؟
اقتربت منها رافعة يدها تَتَحسس جانب رأسها و ملامحها تنكمش و كأن الوجع استولى على عروقها،:على عمري شلون صار جذي ؟ و ليش ماقلتين لي ؟
ابتسمت لها بنعومة بالغة خُلِقَت لأجلها و كفها ترتفع تُحيط بمعصمها مُطَبطبة بإبهامها مُطَمئِنة،:حبيبتي ماما لا تخافين " وبضحكة مبحوحة أردفت" شكلي كنت مو شايفة طريقي و الأرض مبلولة زلحت و ضرب راسي بطرف السرير و هذا اللي صار
مَسَحت بحنان تُداوي بدفئها وجع ابنتها،:يا عمري فيني ولا فيش
قَبَّلت رأسها،:اسم الله عليش ماما
مشت معها لغرفة النوم و هي تقول بابتسامة شقية استعارتها من صندوق انفعالاتها القابع وسط بؤرة اختلاجاتها المُتَخَبطة،:ماما بنام عندكم جم يوم
نظرت لها مُتساءلة بقلق،:ليش ؟ صاير شي بينش وبين زوجش ؟
ابتسمت و أصابعها تدعك خدها،:لا ماما بس راسي يبي له عناية ولازم اغير الضمادة و صراحة ما اعرف " وبصوت انخفض تدريجياً يُسايرها بخجل مُفتَعل" و بعد استحي من يُوسف مابي ازعجه
احتضنت كفها و هي تجلس معها على الأريكة،:حياش يا بنتي البيت بيتش،و بهتم فيش لين يطيب جرحش،و بعد احسن من قعدتي بروحي
,،
مثل محروق لم تهدأ لسعات حَريقه كان يتحرك ذهاباً و إياباً..يديه استحكمتا من رأسه العائش انفجاره الخاص،تَكاد عيناه تظهر من محاجرها من قَهر نَصَّب نفسه حاكماً لعروقه المشدودة على حافة الإنشطار..لن يُلام إذا أصابهُ الجنون..فعقله لم يعد قادراً على الإتزان..و الأفكار باتت تنحسر عنه لتُبقي رأسه فارغاً لا يَملَؤه سوى ألم حــاد أساسه جوى القلب..،
استدار لهُ بعُنف و عروق وجهه تَطل من نافذة غضبه و بصوت ارتفع زئيراً،:هل جُنِنت ؟ إلى هُنا و كفى لن أسمح لك بتدمير حياة صديقي أكثر من ذلك
نَفَثَ دُخان سيجارته ببرود احترفه حتى بات الناس لا يُفَرقون بينهما..هل هو البرود نفسه أم البرود احتواه ؟ واضعاً ساق على الأخرى بجلسة استرخاء لم تُزَعزعها الحُمَمم التي تُستَفرغ من جسد الذي أمامه..ذراعيه بارتياح تتَكِآن على جانبي الأريكة الخضراء..و بهدوء إبرة تُغرسَ في الجلد لتستثير دماءً،:أنا لا استشيرك،أنا آمرك
حَرَّك رأسه برفض قاطع وهو يصرخ،:لن اوافقك و لن اشارك معك في هذا الجنون
اعتلى صوت ضحكته القوية خارجةً من حلق رَجُل خمسيني حياته تم رسمها مُنذ زمن بالقلم و المسطرة..بارتفاع حاجب ضَعَّف من حَنَقه،:لن يؤثر علي عدم مشاركتك لي " و بمكر يتشعب حتى يسلخ الذات عن هدوءها" و لكن ان لم تُشارك فالذي سيتأثر صديقك "رفع ذراعه مُقَرِباً السيجارة من عينيه يُنثِر بسبابته رمادها مُردِفاً" أنا لا أضمن نفسي بأن تكون مُسالمة معه طوال الوقت
جُملته الأخيرة أجَّجت غضبه حتى وطأت الوَتر المشدود على آلة الشيطان ليوسوس له بان يُلقي الكأس القريب في وجه والده الذي بسرعة خيالية استطاع أن يُبعِد رأسه لينجو من ردة الفعل العنيفة..فَزَّ مُتوجهاً إليه بخطوات واسعة و يده استحوذت على ذراع ابنه ضاغطاً بقوّة كادت تُحيلَ الموضع كَسراً،و بحدة نَطق،:احذر و لاتنسى أنني والدك "مُشيراً برأسه للنافذة وهو يُردِف بثقة تكاد تَمَس السُحاب" بَرلين بأكملها تعلم انني اذا أدليت بقول سأنفذه حتماً و لا أحد يستطيع ايقافي،حتى أنت
و هو يُحاول أن يَفُك ذراعه من قبضته و من بين أسنانه نطق،:سأوقفك و سترى
ارتفعت زاوية فمه اليُمنى كاشفاً عن ابتسامة ساخرة نَبَضَ لها عِرق في عُنُقِ ابنه،:ليس من مصلحة صديقك أن توقفني
صَرخ في وجهه بصوت ترك أعماق قلبه ليستوطن مسامعه،:اكـــــرهك
ارتفع حاجباه و رأسه ينخفض و بنبرة التوت خَبَثاً،:هذا وانا أقبض على المُجرمين،كيف و لو كُنت منهم ؟!
,،
غََسلت يديها بعد أن انتهوا من تناول العشاء،عادت تُشاركهم الجلسة و هي تنطوي بجسدها قُرب والدها،رأسها على كتفه و ذراعها تُعانق ذراعه..تستمع لصوته المُودِع ابتسامات في قلبها و على شفتيها..تَتَنهد بين الفينة و الأخرى حاملة مع أنفاسها بضع ذرات من رائحته الدافئة..مثل دفئ معطف في شتاء سُرمدي..و مثل شذا أزهار ربيع على مشارف الولادة من رحم أرضٍ طيبة..،
،:يله حنين خل نمشي
عُقدة إنزعاج تكونت بين حاجبيها من صوته المُتَكلل بجُملة أثارت حفيظة مشاعرها المُتَازمة نحوه..رفعت رأسها عن كَتِف والدها ناطقةً ببرود بكلمة واحدة ألجمته،:لاا
والدتها بتَعَجُب عَقَّبت،:شنو لا يا حنين ؟ قومي روحي بيتش مع زوجش ارتاحوا توكم جايين من سفر
ضَرَبت على الأريكة بقبضتها و هي تقول بعناد أثار حَنَق بسام الجالس على فَوَّهة صبر على مشارف الانفجار،:مـــابي اروح يُمه ابي انام عندكم وحشتووني
احتضن والدها كَتِفَيها وهو يقول بضحكة،:ما عليه بابا انتِ بعد وحشتينا بس اللحين مو مثل قبل،لازم تنامين ويا زوجش في بيتكم
رَكَّزت أنظارها على بسام الصامت،فقط يُرسل حديث عيون تَجهل معانيه..بَلَّلت شفتيها قبل أن تميل شفتها بدلع مُتَقن دائماً ما يُجدي مع والدها..أرجعت خصلات غرتها خلف أذنها و هي تقول و عينيها في عيني زوجها البعيدتين،:اصلاً بسام ما يرفض لي طلب..صح ؟
طالَ حديث العيون مُحيكاً بخيوط نظراته أوشحة تُخفي ما يدور في نَفس كل واحد منهما..هو ببراعة استطاع أن يُحيط نفسه بالوشاح..أما هي فقد تَصَعَّب عليها استخراجه من المغزلة حتى انجرحَ بصرها و أسدلت أجفانها من ابتسامته المُعتَرفة باكتشافها لما أحاكته..،نَطَق بهدوء مُختاراً كلماته بعناية،:اكيد حبيبتي طلباتش أوامر "وقف وهو يَحشر هاتفه في جيب بنطاله الخلفي مُردِفاً" استأذن اللحين
والدها شاركه الوقوف وهو يقول،:خلني اوصلك ياولدي
،:لا يا عمي لا تتعب نفسك،اللحين بكلم واحد من الشباب بيتهم قريب من اهني بخليه يمرني
والدتها أضافت أبدت رأيها،:لا تتعب لا عمك و لا صديقك،خذ سيارة حنين
والدها مؤيداً،:اي صح كلام عمتك خذ سيارة حنين ما تحتاجها
كان الإعتراض على طرف لسانها لكنها ابتلعت حُروفه خشية تَعَقد الأمر..والدها بأمر لطيف،:بابا حنين روحي اعطيه المفتاح و بعد مفتاح سيارتي عشان ياخذ الشُنط
وقفت بطاعة،:ان شاء الله
تَقدمت زوجها و عند ممر الدخول تناولت المفاتيح المُعَلَّقة قُربَ الباب..تَبَعته بصمت للخارج و وقفت تنتظر انتهائه من نقل الحقائب..،دقيقة و أغلق صندوق السيارة و اقترب منها ماداً المفتاح لها..تناولته دون أن ترفع عينيها و قبل أن تستدير لتمشي،نطق يستوقف هروبها،:ليش ماتبين تنامين في البيت ؟ ماتحسين الحركة غلط ؟ تحديداً عيب !
أشاحت وجهها عنه عاقدةً ذراعيها على صدرها تُتَرجم اعتراضها على كلماته قائلةً بضيق اكتنف صوتها،:اسبوعين مقابلين بعض ما تمللت ؟!
صوت ضحكته الساخرة و القصيرة أعادت أنظارها إليه،ضّمَّ شفتيه للداخل وهو يُخفِض رأسه هازاً إياه بعدم تصديق..رفعه و هو يُرخيهما ليقول بسُخرية اعتلت سُنام حاجبه الأيسر،:صــراحة اكتشتف ان عندش ذوق في الكلام " ببرود أكمل ضاغطاً على الأحرف بغرض إغاضتها" لَــبِــقَـــة
اضطربت عَضَلة في فَكها..حَبَست الغضب في جوفها مُحاولة تَجاهل كلماته المُثيرة غُرورها الفِطري..ببرود نطقت،:تصبح على خير
تَراجع للخلف رافعاً يده بتحية،:و انتِ من أهل الخير
استدار للسيارة..فتح بابها قبل أن يُشَغل المُحرك لينطلق بسرعة مُبالغة أصدرت صوت احتكاك مُزعج تاركاً أثر العجلات على الأرض..و كأنهُ يُخبِرها بأن ما تنطقه و ما تصدره حواسها من ردات فعل هَكذا تُخلِف آثاراً مُوجِعة داخله..ابتعد عن المنزل و سُرعته لم تنخفض..يُنَفس عن غضبه بالسياقة..عَلّه بهذه السُرعة ينقل نفسه لزمن تكون فيه زوجته تنتظره بابتسامة ناعمة خالية من برود يذبح القلب..و عين تُبصِر ما يغشي روحه دون أن ينطق لسانه..،حَرَّك رأسه بيأس و كفه تخللت أصابعها شعره يُنَبش بين خصلاته عن حل لهذه المُعضِلة المُلتفة حول عُنُقِه تصقل عذاباً يَفغر فاه وجعه عند اختناق النَفَس في قصبته..،
لم يَكن يعلم أن هذه الغنيمة التي ظَفِرَ بها بعد فوزه بحرب الإحتلال على أنثى الطفولة و المُراهقة و الشباب بهذا العناد..مثل خيل لا يُرَوض..في حوافره سهام هو الفارس الذي يستقبلها عند احتدام الصراع..بَقِيَ خالي الوفاض لا يدري بأي وجه يُقابلها أو بأي طبع يُواجه غُرورها المُستَفحَل..ليت قَلبِه تَجَرع علقمها قبل أن تنهشه أورامها الخبيثة...،
,،
أختيه تُشاركانه إفراغ الحقائب و ترتيب الملابس في الخزانة..جُود برِقة غريبة لا تُناسب شَقاوتها كانت تُساعد جَنـى المُغدَق الفرح في عينيها الساحرتين..كان يرفع رأسه كُل دقيقة ليتأمل ابتسامتها البريئة و حركاتها الطفولية المُتَحررة من حواسها بعفوية لا يشوبها كَيد أنثى..،
صوت نور هامساً يقطع سيل تأملاته،:ماخذت منك و لا شي
اتسعت ابتسامتها وهو يُخفض عينيه للملابس التي في يده،يُقلبها على فخذه قائلاً بهمس احتوى في جوفه نبرة تتطلع لماضٍ بطريقة ما كان جميـل،:لأنها تبي تعذب قلبي
رفعت حاجبها بسُخرية تُغيضه،:اوووف اعتراف صريح
تجاهلها وهو يرفع بصره لإبنته التي ارتفع صوتها بحماس..مالت شفتيه وهو يَرى ما بيدها..رفعتهُ لجود و هي تقول بسعادة فائقة مُشيرة بسبابتها الصغيرة،:شــوووفي هذي ماما جنان يوم انا كنت في بطنها
تناولت جُود الصورة وهي تفغر فاهها بانبهار يُشاطر حماس الطفلة،:الله حلووة ماما جنان
هَزَّت رأسها بالإيجاب وعينيها تتحركان لوالدها و برجاء،:بابا خلنا نروح للماما "و أكملت و هي تشبك كفيها أسفل ذقنها" بليـــز
ضحك لرجائها اللطيف،:ما عليه بابا بنروح لها قريب
،:فيــصل
رفع رأسه للصوت..كانت والدته تقف عند باب غرفة نومه..وقف ليقترب منها،:نعم يُمه
قالت ببرود قبل أن تستدير خارجة،:تعال شوي
تَبِعها تاركاً جَنــى مُندمجة في حديثها مع عمتيها...خرج لغرفة جلوس جناحه،كانت تجلس مع والده و هجومهما الذي استقر لفترة عاد و تأجج من جديد..جلس أمامهما مُقدماً ظهره للأمام ليتَكئ بذراعيه على فخذيه شابكاً أصابعه ينتظر كلماتهما..،
سؤال والده عبر أُذنه بهدوء و لكن أحدثً صَخباً في قلبه،:شنو بتقول لعمتك و زوجها ؟
أخفض رأسه مُخلِلاً أصابعه في شعره زافراً حيرته هامسِاً،:انا بتصرف لا تحاتي
ارتفع صوته قليلاً وهو يُقدم ظهره،:زين شنو هالتصرف قول لنا ؟ وجنان شلون بتواجهها ؟
رفع رأسه ينظر له مؤكداً قوله،:يُبه انا بعرف اتصرف مع عمتي و زوجها،و حتى جنان
والدته تدخلت قائلةً،:شوف يا فيصل أنا مادري شنو صار بينكم ولا ابي ادري،"و بحدة أردفت" بس ابي اعطيك خبر من اللحين،بكون واقفة مع جنان مهما كانت ردة فعلها،حتى لو انت ولدي
مال رأسه يرجو استعطافاً،:يُمه
رفعت يدها أمام وجهه،:لا تحاول فيصل،مهما كان اللي بينكم ما يستدعي انك تحرمها من بنتها
نَطَق من بين أسنانه و لهيب ينضح من عينيه،:يُمه صدقيني تستاهل،و انا ماني ندمان على اللي سويته
رفعت كتفها بلا مُبالاة،:خلك على غرورك و عنادك،لكن يا فيصل اعرف ان هاللي سويته آثاره ما بتنمحي بالساهل..تحمل اللي يجيك بروحك
,،
أخبر الطبيب فهد بعدم موافقته،و بدله سيذهب أحد الاطباء المُتخرج حديثاً..وافق لطلب علم وخبرة تفنعانه مُستَقبلاً..وهو بسذاجة رفض العرض لأسباب لو ناقشها عقله لدقيقة اخرى لاستهزأها..،
فهد بابتسامة،:وقع اهني دكتور هاني
وقع وهو يتساءل،:جم عدد اللي بيروحون ؟
،:عشرة "و اكمل بضحكة" قسمناكم بالعدل عشان محد يزعل،خمس بنات و خمس رجال
كان جالساً مُجاملةً بعد أن أدلى برفضه ينتظر خروج هاني ليتبعه مُتَخلصاً من هذا الجلوس الثقيل على قلبه..يستمع لاستفسارات هاني و أجوبة فهد بصمت..،
،:تمــام يعني في توازن،الكل من قسم واحد ولا أقسام مختلفة ؟
وهو يُحَرك أصابع يُمناه بتقدير مُضيقاً عين واحدة،:اغلبكم ما تخصص للحين،بس دكتور سعيد من قسم الجراحة و دكتورة غادة من قسم الأطفال ودكتورة سارة ونور من قسم الباطنية
تَصَلَّبت قدماه على الأرض و صخرة بضعف كُرهِه لهذا الفهد هَوَت على قلبه ناثرة الدم في عروقه ببرودة شَنَّجت أطرافه...،
~ انتهى
،
|