كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
،
فَقدُ ذات
تساءل بخوف بدأت أطرافه بالاستحواذ عليه،:هل أخطأت في شيء ؟
انتبه لوجه آستور المُبتَسم..اقترب منه رافعاً يده على كَتِفه مُرَبِتاً بفَخر تَمَلك صوته،:لقد أبهرتني،قوة مُلاحظتك مُمتازة
زَفَر براحة و سبابته ارتفعت لأنفه يحكه باحراج،:هذا جيد
آستور وهو يتراجع لمكتبه،:بل هذا يفوق الجيد،يجب ان اسجل ماقلته بسرعة في الأوراق،لقد استطعت ببراعة أن تمسك خيطاً مُهِماً في القضية،أحسنت بُني
أومأ برأسه بسعادة،:شُكراً جزيلاً
نَظر لهاينز يستفسر ردة فعله..كان لا يزال غارقاً في جموده..عيناه بانشداه تتطلعان في الفراغ..و كأنه غائبٌ عنهما..ناداه بتساؤل وهو التفت له بتشتت أوضحه تصافق أهدابه..،:مابك هاينز ؟
حاول أن يبتسم له لكن الابتسامة خرجت بارتعاشة أثارت استغراب محمد..تحمحم هاينز قبل أن يقول،:موهاميد انتظرني في الخارج احتاج أن أكلم والدي و بعدها سأنضم إليك حتى نذهب
هَزَّ رأسه بموافقة،:حسناً أنا انتظر " رفع يده لآستور مُلَوحاً" إلى اللقاء
ابتسم له،:إلى اللقاء،يجب أن نلتقي قريباً
عَقَّب قبل أن يَخرج،:بالطبع سيدي
اقترب هاينز من والده بعد أن أغلق محمد الباب..وقف أمامه..يده ارتفعت للأعلى و بقوة هَوت على الطاولة مُصدرة صوت ارتطام تَبَعه صوته الخارج بحدة من بين أسنانه،:في ماذا تُفَكر ؟
ببرود أجاب والده وهو يعبث في الأوراق دون أن ينظر له،:ماذا تقصد ؟ لم أفهمك !
جَذب الأوراق من بين يديه وهو يُواصل بصوت مُرتفع،:لا تتخذ دور الغبي،هل تُريد أن تقنعني بعدم معرفتك مُسبَقاً بالذي استنتجه موهاميد ؟! حسناً تريد أن تكذب "أشار للأوراق وهو يُكمل" لكنني قرأت الأوراق قبل خروجي من المنزل و الإستنتاج الذي نطق به موهاميد قد تم كتابته في التقرير..لماذا فعلت ذلك ؟ لماذا أوهمته بأن الذي قاله شيء جديد ؟!
وقف آستور وهو يتناول الأوراق منه مُبتعداً للوحة مُجيباً ببرود يُثير حَنق ابنه،:هاينز بدأت تفقد أعصابك أخرج و سنتحدث لا حقاً
اقترب منهُ مُنقَضاً على ذارعه..و بهمس مُحَذر اكتنفهُ تهديد صريح ساندته سبابته التي ارتفعت أمام وجهه تفصل بين شرارات نظراتهما،:احذر،احذر من أن تُوَسخ صديقي بقذارتك
أنهى جُملته بنظرة مُميتة وجَّهها لوالده..استدار مُبتَعداً و بتَعَمد صدمت ذراعه بالحاجيات التي تصطف على مكتبه و أسقطها على الأرض..ثٌمَّ خرج غالقاً الباب بقوة أفزعت محمد الذي كان ينتظر في الخارج
تساءل بتَعجب وهو يَلحظ ملامح الغضب على وجه صديقه،:هاينز مالذي حدث،هل تشاجرتما ؟
مشى يتقدم محمد وهو يقول ناكراً،:لا شيء موهاميد لا شيء
وقف فجأة و استدار لمحمد الذي كان يَتبعه..امسك بمعصمه يشد عليه و برجاء تَفَجر في عينيه،:موهاميد ارجوك لا تقترب من والدي،تجاهل كُل ما يقوله و حاول بقدر الإمكان أن تبتعد عنه أرجـــوك
،
الجزء السابع عَشَر
غادر منزله لضيقٍ استوحش قلبه..انتظر اتصال من فيصل الذي طلب مُقابلته لكنه تفاجئ عندما عَلِم بوصوله إلى لندن..و كأنهُ اتخذ طائرته عُذراً ليهرب بخطوات لا تترك وقعاً على سطح السماء..،تقابل مع أخيه علي و عبد الله في المقهى الذي اعتادوا التجمع فيه في بعض الأوقات التي تنحسر فيها مشاغل الدُنيا و تتراكم مشاغل الروح..،
سيجارته بين إصبعيه و بين الضلعين يُسجَن النَفَس فالشهيق مُستَعصٍ تغشاه أتربة من ماضٍ كئيب..يُخالجه الشعور المًعدَم من ذات كُلَّما هدأت أموره و فُرِغً يومه من مُهمة تطرحهُ أرضاً لا ميتاً ولا بنَفَس..تتأزم هواجسه عندما يكتنز هذا البرود حياته..بإكراه أصبحت المُهمات جُزءاً منه و أصبح شخصه يبحث عن ما افتقده بين أغوارها..و مُنذ أعوام لم يَجنِ سوى تَقَرح أطراف أصابع روح و تَضخم ضياع في جوى القلب..،
،:انت بايع صحتك ؟
ابتسم حتى ظَهرت أسنانه وهو يرفع السيجارة أمام عينيه لينظر لها..بهدوء عَقَّب،:ياخي انت ما تعرف هذي شنو تسوي،تسوي بلاوي
ارتفع حاجبه و بنبرة مُحذرة،:اكيد تسوي بلاوي في الرئة و القلب و تجيب لك أمراض الدنيا كلها
صوت ثالث بسُخرية،:عبد الله ارجوك بلا تفلسف علينا انسى انك دكتور اذا قعدت ويانا
أسند ظهره للمقعد وهو يُحَرَّك رأسه بيأس من هذان الإثنان،:ما منكم فايدة،لو اهني فيصل جان ساعدني عليكم
تساءل مُحَمد،:كلمك ؟
حَرَّك رأسه بالنفي و ثالثهما واصل،:اعتقد باجر بيرجع،على قولة جود راح يجيب باقي اغراضه
ابتسم مُحمد وهو يُطفئ السيجارة،:اي انا انصدمت يوم شفته جاي بس بشنطة وحدة،طلع بس حق يومين وبيجيب العفش مرة ثانية
و بنبرة ذات معنى،:شكله بيجيب عفش و بيجيب شي ثاني بعد
رفع عبد الله عينيه له بانشداه للجُملة،و محمد نظر له من خلف كتفه..ابتسم بسَعة وهو يُعقِد ذراعيه على صدره حابساً ضحكته من منظرهما الفضولي..مُحَمد رَفعَ رأسه وهو يتراجع للخلف قائلاً،:علي شقصدك ؟
وضع علي ساق على الأخرى و بنفخة صدر نَطَق،:والله الصراحة مااقدر اتكلم الشي سري
ضَرب محمد رجله وهو يقول بتأديب،:نزلها عن وجهي انا اخوك العود
نَظَر لهُ باستخفاف ثُمَّ أبعد عينيه لعبد الله الذي أمسك ذراعه،:علي قول شنو الشي الثاني ؟ وانت شدراك ؟
رفع حاجبيه وهو يقترب من الطاولة ليستند عليها بذراعيه،:قلت لك الشي خاص و سري
بقبضته ضرب كَتِفه،:شنو خاص و سري وين قاعدين تحجى بسرعة
شَبَك أصابعه وهو يُخفِض رأسه قليلاً،نَقلَ بصره بينهما..لا يحتاج لإصرار أكثر لينطق..في العادة هو من المرة الأولى يُفرِغ مافي جُعبته..،بإبتسامة جانبية قال،:فيصل تزوج و اللحين رجع لندن عشان يجيب زوجته
أرجع مُحَمد ظهره ليستند عاقداً ذراعيه على صدره و عاقداً ملامح السُخرية على وجنتيه،بنبرة استخفاف تساءل،:هذي جود اللي قايلة لك ؟
،:اي
زادت السُخرية في عينيه،:و انت مصدقها ؟
رفع حاجبه باستنكار لنبرته،:و ليش ما اصدقها ؟! خمس سنين في لندن اكيد السالفة فيها مرأة
عَقَّب عبد الله بمنطقية،:مو شرط كل واحد قعد سنين في الغربة لازم يعني يتزوج "وهو يُشير برأسه لمُحمد" هذا هو اخوك أكثر من عشر سنين مختفي يوم رجع لا شفنا لا مرأة و لا شي
رَفَع حاجبيه بتعجب،:ليش مو مصدقين ؟! جود تقول سمعته و هو يكلمها
أشاح مُحَمد وجهه وهو يهمس،:حجي فاضي
عبد الله وهو يُغَير الموضوع بعدم اهتمام أثار حَنَق علي،:زين ابي اقول لكم
ضرب على الطاولة بباطن يده وهو يقول بقهر،:زين عطوا موضوعي شوية اهتمام
عبد الله بضحكة،:يا ولد الحلال فيصل مُستحيل يكون متزوج
باعتراض،:و ليش مستحيل ؟ واجد دوافع تخليه يتزوج و اولها عشان يقهر جنان
جَذب مُحَمد جسده للأمام بقوة وهو يقول باستخفاف،:تمزح صح ؟ لا ارجوك قول انك تمزح "بحدة أردف" ليش فيصل طفل عشان يورط بنات الناس ؟! شنو يقهرها و ما يقهرها ! "تراجع للخلف وهو يُكمل" والله انا خايف من تربية اولادك اذا عقل الأم و الأبو بهالتفكير المحدود
وقف علي و ملامح غضب مُضحكة اعتلت وجهه،:لا ذي إهانة الصراحة
أمسك عبد الله بمعصمه وهو يجره،:ياخي اقعد مكانك بلا تمثيل خلني اتكلم
رفع إصبعه أمام وجهه،:ترى عشانك بقعد ولا محمدو ما يستاهل
جَلس من جديد وهو يجذب قميصه للأسفل و عيناه على أخيه الذي كان يَنظر لعبد الله يُحادثه،:شنو عندك تكلم
بَلَّلَ شفتيه قبل أن ينطق،:جايتني سفرة لإيرلندا،ورشات عمل و مؤتمرات طبية
ابتسم لهُ محمد بخفة،:زيــن زين واجد تمام
حَرَّك فَمه وعينه اليُمنى تَضيق قائلاً،:ما اعتقد بوافق،لان من ضمن القروب اللي بيروح دكتور "وهو يُشير لحلقه" واقف لي اهني
مال مُحَمد برأسه جانباً وهو يقول بتأنيب،:عبد الله انت الثاني لا تحرم نفسك من الفايدة و تصغر عقلك على شي تافه
حَكَّ صدغه،:مو سالفة اصغر عقلي بس والله هالإنسان ما اتحمله استغفرا لله ياربي مابي اغتابه
رفع علي هاتفه،:على راحتك سو اللي تشوفه مُناسب لك
مُحَمد موافقاً أخيه،:بالضبط انت ادرى بمصلحتك
نَظَر لهما بقهر،:الصراحة ماقصرتون في ابداء الرأي
,،
و كأن ما تَعَرفت عليه مسامعها للمرة الأولى دفعها للرجوع خَلفاً..للسنين التي كانت فيهم طفلة لا تعرف الخطأ من الصواب..تكاشفت مع صورها..تَبوح لها بما اكتنز في قلبها من حُزن مَرارتهُ أخف وطأة من العَلقم الذي تَجَرَّعهُ ذاك الصغير..شَرَّعت أبواب نافذتها النائمة على صدر غَيمة..تتشرب ماؤها لتُفرِغهُ سيول مالحة تُجَدد الوجع المُكتنف الروح..بَكتهُ طِفلاً كانت الدماء لون عُمره و كان الموت هَدية الزَمن البريئ..في أي زاوية احتمى جسدك الصغير ؟ عَقلُك المُقتات على الحَلوى و لَعِب الكُرة كيف استطاع أن يُترجم ما غزاه من إشارات لها حد السيوف ؟ ارتعاشاتك و نبض قلبك الباقي أثر انفجاره بين طيات ملامحك المشدوهة..قُل لي كيف احتويت عالماً يفوق ذاتك الطفلة ؟ عالمٌ يُبصِق حممه ليطمس براءة تكللت في عينيك..هل ارتفع صوت البُكاء ؟ أم كان النحيب مسجوناً خلف قضبان الهَلع ؟ كيف كُنتَ و أنت كائناً رُفاتاً لا يُكَنَّى ! لم تَكن سوى بقايا طيرٍ صغير اقتُطِع جانحيه غَصباً و بات لا يرتفع عن أرضٍ تنتظر فتح أغوارها لإبتلاعه..أقصى ما تقوم بهِ السماء شفقة تُبَلل جسده الغارق في تَبَلده..،
مَسَحت أطياف العذاب عن وجهها..تَحسست حرارته و انتفاخ عينيها..أرغمت نفسها على الغوص في بحر ذكرياته الغامضة،و هي التي تجهل السباحة في ماؤه..،رفعت خصلاتها المُلتصقة على وجنتيها..الشهقات تقتطع نَفَسها بين الحين و الآخر،تكشف حَجم صدمتها من مشهد لا تُغتَفر خطيئته التي لَوَّثت ذات طفل أعزل..لا يَملك سوى جَرُّ النحيب و اجتراع العَبرات..،رَبَطت شعرها دون أن تُقَيده و أرخته بإهمال على كَتِفها الأيسر..مَسَحت بالمنديل بقايا البُكاء عن أنفها وهي تقوم مُتَجَردة من جلوسها على السرير..دوار باغت اتزانها،رفعت يدها لرأسها تُسنده و تُمسد جانبه،أضناها كَشف الحقيقة المغروس ألمُها خناجر بين عُروقها..
استعادت شيء من وجودها و خطت ببطئ مُتقدمة للباب..بخطوات مُتَخبطة على أجنحة كابوس أسود..خَرجت مُستقبلة بعينيها داره القاحلة من وجودها،هي زوجته النَكِرة..المُتَذيلة كتاب حياته..و الجاهلة أسراره..،طَرقت بابه و هَمس ابتلعت موجاته حَشرجة حادة خَرج مُرتَعشاً،:يُــ ـوسف
لا إجابة كما اعتادت أُذنها..لكنها لم تنتظر و يدها المُتوشحة بشجاعة مهزوزة استحوذت على المقبض فاتحةً الباب..ارتجفت من البرودة التي اصطدمت بجسدها المستور ببجامة خفيفة،تكشف عن ذراعيها و نصف ساقيها..تجاوزت الباب و رأسها يميل لتسترق النظر تبحث عن جسده المُختبئ خلف قُضبان ماضٍ سُجنت فيه الذاكرة إكراهاً...،كانت الغُرفة خالية منه..لا تعتقد أنهُ خَرج من المنزل،لم تستمع لصوت بابه و سيارته لا زالت مركونة..قد يكون في دورة المياه،فهي تجهل طقوسه قبل النوم..فالفجر لم يجمعها معه سوى مرة و لم تُعاد خوفاً من تَبُعاتها الخانقة...،
تَلَقفت عينيها حاجياته المنثورة بإهمال في الأركان..هُناك على السرير هاتفه مُلقى على وجهه و بجانبه مفاتيحه المُقرقعة في جيبه..قُربَ الخزانة يتوسد الأرض قميصه المُتشبع برائحة جسده اليتيمة منها أنفاسها..غَزَلت حواسها على جدارن الغرفة تتصيد سر آخر لتكشفه..توقفت أمام مرآة منضدته تُلبي رغبة أصابعها المُنَبشة عن ذات رَجُل..تَحسست رؤوس عبوات عطوره و لم تتجرأ لإستنشاق أحدها..بقيت تلحظ اصطفافها بترتيب لا تدرِ هل هو طبع أم صُدفة ؟!
تراجعت بخطواتها حتى استقرت في وسط الغُرفة..بذراعيها تحتضن جسدها الغافي على وسادة الرَّعشة..رافعة رأسها مُسبِرة بحدقتيها المُتفحصتين أغوارٍ قد اكتنز فيها بَوحه المُستعصي على قلبها..بتقلبات نظراتها و تصافق أهدابها مثل أجنحة طيور تستعد للهجرة..بؤبؤها ضائع بين اتساعٍ و ضيق،يُناقش صدمته و يُقلبها بين أجفان الحُزن و الأسى..،تلاطم أنفاس يُصَعب عمل رئتيها،اختقنت بين شهيق طويـل بعدد سنين بؤس زوجها وبين زفير يَكاد يكون مُعدَم..شفتيها تم اقتلاع جذور الحياة منهما بعد غزوٍ لفيض أملاح كشفت عنهُ عينيها..احمرار خفيف اتخذ من ملامحها النصيب..أعلى خديها وحول أجفانها و تَرَكَّزَ عند أنفها..،كانت تُعيد رسم لوحة مُصيبته،و لكن بعمر آخر و زمن آخر و بذات أخرى...،
،:شنو تسوين ؟!
استدارت بشهقة لصوته،عند باب دور المياة يَقِف..و وجهه القابع وسط كومة من جليد يُقطّر منهُ الماء..قطرة قطرة،تُشارك الثواني عَدَّها..،اقتربت منه و هي لازالت تعيش احتضانها..التماع الدمع شَوَّش عليها رؤيته،و حَلَّ محل صورته تَخيُلات لطفلٍ مذبوح البراءة..لم تتوقف عن اقترابها الذي أثار تَعجُبه،المسافة تَقصُر بينهما و الإقتراب بات التصاق..،احتضانها لجسدها صَيَّرهُ قلبها الباكي احتضاناً له..ذراعيها تُحيطان بعُنُقِه و وجهها مدفون بينهما..على رؤوس أصابعها تقف تتطلع لوصول يُقَربها من روحه تلك الساعة..،ذراعيه مرخيتان بصمت يُناقض غوغاء قَلبه..قشعريرة عَبرت مسير دمائه لإستشعاره برودة ذراعيها..رائحة شعرها تغلغلت في أنفه..رفع رأسه مثل غارق يتصيد هـواء..لا يَقوى على اقترابها و هو بلا حيلة تُكبله قيود الزَمن..،صوتها المخنوق اخترق مسامعه بكلماتها المعقوفة حوافها بحدة أيقظت جراح قلبه..،
،:ليــ ـش ماقلت لي عنــ ـك و عن أبــ ــ ـوك
اضطربت عضلة في فكه،عروق وجهه ارتبطت بحبال الشدة حتى كادت تُقتَطع..رفع ذراعيه قاصداً ألماً و لم يَقصد عُناقاً..استقرت يديه على كتفيها،أصابعه ضغطت بقسوة و كأنهُ يُريد أن يَغرس الوجع فيها..بعُنف أبعدها عنه حتى اجتذبتها الأرض إليها..ارتفع صوت بُكاءها و الشهقات باتت تنحر صوتها الغائص في بَحَّة مَريرة..جَلس القرفصاء أمامها و يده تَلَقفت ذراعها ضاغطاً بقوة واشماً بصماته توثيقاً للحظة..،بهمس تَشبعهُ تحذير،:آخر مرة تفتحين هالموضوع "هَزَّها بقوة وهو يَصرخ" مفهــووم
حَرَّكت رأسها بسرعة تنفي تَسَتره و حذره على الموضوع ويدها الحُرَّة ارتفعت تَشد من أزر كَتِفه،و من بين دموعها نطقت،:لاا لا يوســ ـف انا زوجتك كلمني قول الا في قلبك
أحكم قبضته على ذراعها وهو يجذبها لتقف،يَجُرها للخارج طامساً تدخلها المُغالي لذاكرته..تَمَسكت بالباب تُعاند رَغبته المُلحة على الخفاء..لا تستطيع أن تغلق الثغرة التي نَفِذَ منها بضع شعاعات نور..اكتفت من الظلام المَعمي عَقلها..برجاء اقتربت منه مُتجاهلة ألم ذراعها،:مابـ ـي اطلع يوسف الله يخليك لا تبعدني عنك أكثـ ــ ـر
زاد من فَرط ضغطه عَلَّها تُفرِج عن هذا السِجن الذي يُحيطه به طلبها المُفتقر للفهم..مالذي يُريد صندوق ذاكرتك الإحتفاظ به ؟ أنفك أي رائحة يهوى التَشَبع بها ؟ رائحة الدماء،رائحة الانتحار النَتِن،أم رائحة أتربة قبر كانت يدي صغيرتان على أن تدفن جسداً فيه..؟و هل للكوابيس حَيزٌ تُشغِله في عقلك ؟ و عيناك أتقبلان بسيول لا تنضب ؟ و القلب أسيكون مُستسلماً لأوجاع تَمْرَق نياطه لتُحيلها رُفاتاً يتيم..؟ قولي لي،هل ذاتك جـاهزة للإنشطار ؟ أشرعة سفينتك هل هي مُستعدة للغمار في بحر لُجي إما تغرق فيه وإما تنجو بذات مفقودة..،؟
هَمَست بضعف تكتل في حنجرتها،:يــ ــ ـوسف
كان رده إبتعاد عنيـف ألقى جسدها بتَخَبط لمتران عنه حتى اصطدم جانب رأسها بطرف السرير..هُناك رماها و رمى الإحتواء الذي قدمته إليه على قلبٍ من ذهب..انقطع البُكاء و تَصَلَّبت الشهقة في حلقها..جسدها انحسرت عنهُ الحَركة و سائلٌ أحمر قانٍ تَعَهَّد أن يكون شاهداً على كُل جُنونه استَفرغهُ رأسها..،
هَمَسَ بخفوت يُناشد إنكاراً لفعلته،:حُـــور
,،
تُشاركها السرير بمُشاكسة تُثير ضحكاتها و تُثير اشتياق على مشارف البزوغ..هي مُستلقية على ظهرها و جسدها مُنكمش تحت الغطاء يرتجي دفئاً..شعرها الفاتح تتفرع خصلاته على الوسادة البيضاء..ينتظرن نوماً يزور عينيها..أما اختها فهي تُقابلها بإستلقاء معكوس..بطنها يستقر على السرير و ساقيها من خلفها تتحركان في الهواء باستمتاع طفلة..ذقنها يستقر على راحة كفها و شعرها نقيضاً لها مرفوع بأكمله إلى قمة رأسها..،رَفعت يدها لوجهها مُغمضة عينيها بتعب و صوتها خَرج بنُعاس،:جــودو خليني انام وراي شغل من الصبح مو انتِ بتكملين النومة للظهر
حاجبيها ارتفعا باعتراض و هي تقول،:تو الناس و بعدين شغلش عشر يعني في وقت تنامين
رفعت هاتفها القريب وهي تضعه أمام وجه جود و بقهر،:شوفي الساعة شوي وتصير ثنتين وانتِ تقولين تو الناس !
رفعت كَتِفَها بعدم اهتمام،:انزيـــن و اذا بتصير ثنتين ؟! "أخفضت بصرها و هي تُكمِل باستعطاف" كلها جم يوم و بترك البيت
باغتتها ضحكة و هي تقول،:الا يسمع نبرة صوتش يقول هذي بتهاجر،بتتزوجين حالش حال البنات و بتروحين بيت عمتي بعد حتى مو مكان بعيد
أنفها بغرور مُصطنع ارتفع،:حتى ولو بتفتقدوني في البيت،اذا رحت شهر العسل بغيب عنكم فترة " و كأنها تذكرت" صحيح شنو صار على السفرة ؟ بتوافقين ؟
ابتسمت لها بنعومة،:كلمت بابا و ماما و شجعوني و الصراحة هذي فرصة و مو كل مرة بحصلها فليش ما اوافق ؟
تساءلت بهمس،:بس انتِ تقولين هذا فهد الكريه بيروح بعد
اتسعت ابتسامتها للوصف الذي أطلقته على فهد،:ما يهمني جود انا رايحة استفيد و اذا حاول يسوي اي شي اعرف شلون اوقفه عند حده
صَفَّقت بمَرح و هي تقول بانبهار مازح،:لا لا قــوووية اختي
رفعت حاجبها،:افـا عليش "تحمحمت قبل أن تُردف" زين جود عمري قومي نامي احسن عشان تريحين بشرتش ما يصير يجي العرس و وجهش تعبان
حَرَكت فمها و هي تعي مقصد أختها،اعتدلت في جلوسها و هي تقول،:ادري هذي طردة بس ماعليه لكن بسكت عنش "صمتت للحظات قبل أن تُكمل بنبرة حسرة و هي تُناظر نور بطرف عينها" مسكيــنة يا جود الأخت مُطَلَّقة و الأخو مطلق،شهالأمثلة السيئة
اعتلت ضحكتها من وجه أختها المصدوم،حدقتيها اتسعتا من جُملتها..و كرد فعل تناولت نور الوسادة بجانبها و بقوة هَوَت بها على رأس جود وهي تقول بحَنق،:يالنحيــسة صدق قليلة أدب شنو هالكلااام ؟!
انكمشت على نفسها و هي تُحاول أن تنجو من ضربات أختها و الضحكة استحوذت على عضلاتها،:دُعــ ـابة نوور امزح صدقيــ ـ
انقطعت حروفها و ضحكتها في ارتفاع..ملامح نـور عند الغضب تُضحِك أكثر مما تُرعِب..نزلت من فوق السرير لتقف بميلان و الضحكة لا زالت في عينيها..نُور انتبهت لملابسها،سروال قصيـر لنصف فخذها،و قميص دون أكمام لهُ سيور ضعيـفة..تلقفت أطراف الغطاء لتلتحف به و هي تقول بعقدة حاجب،:انتِ شلون ما تبردين ؟ وبعدين شهالثياب ! ابوي لو يشوفش بيعصب
مالت شفتيها للأسفل وهي تقول،:ياختي ما اقدر انام الا جذي و بعدين ابوي نايم ما بيشوفني وفيصلو مو اهني
تراجعت نور للخلف مُستندة للسرير و الغطاء يرتفع حتى عُنُقِها قائلة،:اذا رحتين بيت زوجش البسي اللي تبين
انتبهت لصمت جود طرف إبهامها محشور بين أسنانها و نظرة تُخفي أشياء بين عينيها..تساءلت بشك يفهم هذه النظرات،:جود شنو تبين تقولين ؟
حَرَّرت إبهامها لتدعك خدها و هي تعود لتجلس على السرير،و بإبتسامة جانبية قالت،:نــور ما تحسين ان فيصل خاش علينا شي ؟
ارتفع حاجبها بتساؤل،:شي مثل شنو ؟
اجتذبت باطن خديها و شفتيها تتحوران مثل فم سمكة قبل أن تقول بمَكر،:خلاص ما بقول،اذا رجع بتفهمين
وقفت مُستعدة للخروج لكن صوت نور أوقفها بحدة،:لحظة جــود شنو تقصدين ؟
غَمزَت لها وهي تقول بثقة،:باجر اكيد بيتصل فيصل قبل لا يوصل يبينا نجتمع عشان الموضوع "انحنت تُقَبل خدها قبل أن تخرج" يله تصبحين على خير
أُطبِق فَمها من نبرة أختها الواثقة..و كأنها تعلم مالا يعلمونه..يبدو أن مُهماتها التَنصصية قد أضحت بنتائج تُرضي فضولها المُتَحَفز..،
,،
صباحاً كان فيه مُبتَسِماً..تجاهلت شفتيه تقطيبة حاجبيها و زفراتها التي تطلقها بين الفينة و الأخرى تُريد بها أن تُشعِل حطب روحه،لكنهُ يُشيح قلبه عن تَعمُدها و يَرسم إبتسامات ليُغيضَها بها و يُرَشح القَهر من مساماتها..،كانت مُلفِتة..خَطفت أبصاره منذُ الوَهلة الأولى..رفضت المبيت معه قبل الحفلة..تجسست على خلوة والدتها و حشرت جسدها في سريرها..هاربة منه و من أحضانه التي تُكبلها عند النوم..لم يُشاركها ارتدائها لثوب التخرج الأسود المُضيف لها هَيبة تَسحره وحده..
على رأسها استقرت القُبعة الخاطفة بضع سنوات من عمرها لتجعلها تبدو أصغر..،واضعاً ساق على الأخرى بجلوس مُسترخٍ و تكسوه ثقة تُفَجر حَنَقَها..ينتظر نداء اسمها المكتوب في بداية الصفحة،فهي و بجدارة استحقت أن تكون ضمن العشرة الأوائل في كُلية إدارة الأعمال بتخصص مُحاسبة..و هي التي احترفت حساب المسافات بينهما..واضعةً خطوط حمراء مُحَذرة من أي اقتراب..خائفة على قلبها منه،و خائفة من ضَعف يحني من غُرورها..،
ابتسم بفَخر لم يَبرح ناصية وجهه،و بين عينيه حَنان لو ترجم قلبها معانيه لذاب شمعاً بين راحتيه...كان يُصَفق بهدوء بأنظار التصقت على وجهها تُراقب الفَرح المُتَخد من ملامحها الشيء الكبير،يزيد جمالها جمال،و يزيد هو انصهاراً في بُركانها الأنثوي..،أخرج تنهيدة مَحشوَّة بصبابة أضنت قلبه الرُجولي..عَقَد ذراعيه على صدره ينتظر انتهاء الحَفل..،و بعد النداءات و التكريمات و التشريفات و رَمي القُبَعات..اقتربت هي بهدوء ظاهري و باطناً صخب يُوقظ ما قد يكون غَفى داخله..وقف يستقبلها..
يقف خلف والدتها و أخاها..حُضور ناقص لا يُملي عينيها اللتان تَحَركتا بلهفة تبحثان عن وجهان آخران يُشاركانها الفَرحة و البَسمة..انتبه لتصافق أهدابها و ارتعاشة شفتيها الحائرتان بين الإبتسامة و عبوس البُكاء..اقتربت من والدتها التي احتضنتها بسعادة غامرة قد تُنَحي شيئاً من الضيق الذي أجج حُزنها..أفرجت عن دموعها و شهقة خافتة انفلتت منها تَلَقفتها أُذنه
،:حبيبتي ليش تصيحين لازم تكونين مستانسة
صوت أخاها تداخل بمُزاح،:الأخت زعلانة لأني بعد سنتين بكون مكانها بس عاد أنا الأول على الجامعة كاملة
ابتعدت عن والدتها بإبتسامة انحشرت مع فيضها المكسور ظَهره،المُفتَقد لعضيدٍ و سند..،اقترب يُقبل خدها وهي تقول ببحة،:ان شاء الله حبيبي ليش لا
تراجع أخاها تاركاً المجال له..بإستقامة وقف أمامها..بينهما خطوتان و بجانبهما والدتها و عَلي..أنزلت القُبعة عن رأسها و عينيها تُرسِل تأملات للتي بيمينه..رَتبت حجابها جيداً قبل أن تَرفع عينيها له تُواجهه ببرود واعٍ لفعلته..ابتسم بسعة لها مُدَعياً براءة لم يرتشفها عقلها الفاهم..زهور الكالا البيضاء،بانطوائها و نعومتها..بها لمحة من غرور تُشابه غرورها..و في بياضها شموخ ينعكس في عينيها..كما صَرَّح لسانه ذات يوم..من الواضح أنهُ اختارها بعناية فائقة و بمكر حاذق..،
ببحته المُميزة،:مبـروك،عُقبال الماستر و الدكتوراه
،:فيــصل..فيـــصل
انتبه للصوت الواقعي الخالي من ضوضاء الذكرى..كانت ياسمين،بثوب تخرج أسود..و بباقة زهور استراحت على ذراعها، لم تَكن كالا و لم تكن بيضاء..على وجهها ابتسامة و فرحة غامرة..لا دموع و لا يُتْم مُفتَعل..وقف عن مقعده راسماً إبتسامة اضطرَ أن يُجاملها بها..فالشعور سقط فريسة بين أنياب الماضي..،:ألف مبروك
،:الله يبارك في حياتك
قَدِمَ فارغ اليدين،فالورد لا يُهدى إلا لمرأة تَعرَّفت روحه على رائحة جنانها..! اتسعت ابتسامتها و وجوده يتضح تأثيره على ملامحها..رفع عينيه لوالدها الذي اقترب،:يله فيصل تعال شاركنا الغدا
وضع يده على صدره،:لا والله عمي عليكم بالعافية ما باقي شي على الطيارة و احتاج ارجع اجهز باقي الأغراض
،:احنا بنقعد بعد اسبوع،خلاص نتقابل اذا رجعنا،بس ها انت الا تعزمنا
ضحك بخفة،:اكيـد عمي ولا يهمك،يله مع السلامة
،:الله يسلمك يا ولدي
ياسمين بسرعة قبل أن يمشي،:لحظة فيصل
توقف لطلبها وهي استدارت تتأكد من ابتعاد والدها..و بخجل عانق ملامحها الناعمة،:مشكور على تلبية الدعوة "و بتردد أكملت و عينيها تلحظ آثار ما ستُنطقه" وجودك مهم عندي
ابتسم لها،:تستاهلين ياسمين اننا نتعنى عشانش "تراجع للخلف وهو يُردف" اللحين استأذن
،:بالسلامة ان شاء الله
رفع يده بتحية قبل أن يستدير،:الله يسلمش
تجاوز الحضور الغفير بخطوات سريعة أرادت أن تبتعد عن المقارنة التي يَخُطها حبر قلبه على جُدرانه..استقبلته الشمس بأشعتها الدافئة..تباطأت خطواته حتى توقف كمن نَسي طَريقه..و هو الذي فعلاً نَسيَ طريق خلاصه من عُشق بات يقتات على ذاته يوماً بعد يوم..،نظر لوجه ياسمين..ابتسمت له و خَجِلت منه،حادثها وضَحِكَ معها و هي بنظرة و بكلمة حاولت أن تُوصل لهُ جزءاً مما تشعر به..وهو ظلَّ مُتصنماً ينتظر أن ينبض قلبه و يعيش ارتعاشاته و تغرق شرايينه بعَرَق ارتباكه..
لكـــن،أغمض عينيه و ابتسامة بشحوب مُستسلم اعتلت شفتيه..فتلك فقط استرجع عقله اسمها و قلبه بدأ ثورته المجنونة..دوران..ارتفاع روح و جسد رخو مثل كائن بحري..غثيان و انفجار صمام قلب...يعيش حُبها من جديد فقط عندما تُذكَر حروف اسمها...،
,،
رَشَحت عَقلها من سموم البارحة..و تَطَيبت بأريج حماسها..تجاهلت ما قد يَقتل أنفاس عزيمتها المُحيطة عُنُقِها تَشد من أزر تصميمها..حالياً هي في إجازة بالنسبة لقضية والدها..أركنتها إحدى زوايا أفكارها و صوَّبت فَوَهة سلاحها على موضوع سُمية..،لا تَهمها تهديدات يُوسف و لن تَخسر ثوانٍ تُعيد شريطها على مسامعها..يكفي أن الليل قضته بأكمله تُسرِد قصيدة نوح فوق وسادتها..،
استَحَمَّت بماء بــارد يُعيد تنشيط توازنها..شعرت بالدماء تجري في عروقها و رجفتها تَخَلَّصت من السلبية التي اجتذبتها من أخاها..جَفَّفَت شعرها بشكل سريع..ارتدت بنطال أسود يتوسع عند الفخذين ويضيق حتى كاحليها..و من فوقه قميص عُشبي ذو أكمام طويلة له ذيل من الخلف حتى أسفل مؤخرتها..ارتدت حجابها وعباءتها..ساعتها الجلدية و حقيبتها السـوداء..لا زينة في وجهها الذي حَمته بواقٍ للشمس اعتادت أن تضعه قبل خروجها..،
خَرَجت من الغرفة و تقابلت مع والدتها في غرفة الجلوس..كانت تقرأ كتاب نفسي لم تتعرف على اسمه..اقتربت مُقبلةً رأسها،:ماما ادعي لي تتسهل الأمور وتنحل المُشكلة
سمعت ضحكة والدتها وهي تتوجه للباب،:الله يحل هالقضية المستعصية
ابتسمت لها و هي تُلوح بيدها قبل أن تُغلِق الباب...استقلَّت السلالم للأسفل..ارتدت نظارتها و هي تفتح باب السيارة..دقيقة و تحرّكت بعد أن سمَّت ودعت بدعاء الحفظ..كان المطعم الذي اتفقت عليه هي و والدة سُمية قريب من المدرسة..تقريباً يَبعد عن شقتهم دون زحمة عشر دقائق...،
تحديداً عند العاشرة و دقيقتان كانت تدخل المَطعم..كان يكاد يخلو من الناس..فقط طاولتان شُغِلَ حَيزهما..اختارت طاولة في الزاوية اليُمنى..جلست مُقابلة الباب حتى تُميز الداخلين علّها تتعرف على والدة سُمية التي مؤكداً ستقف مكانها تبحث..،كان المكان بارداً قليلاً لذلك اختارت أن تستقر في الزاوية تُناشد دفئاً صباحياً..أعطاها النادل قائمة الطلبات وانشغلت بها تنتظر قدوم رفيقتها..،بعد انقضاء خمس دقائق رفعت رأسها و انتبهت لإمرأة تقف على بعد طاولتان منها..تبدو مُترددة في قدومها..وقفت بإبتسامة و هي تُشير لها..اقتربت بهدوء حتى بانت ملامحها السَمحة،تبدو في بداية الأربعينيات،بيضاء و حَمَرة خفيفة تتشرب وجنتيها..ترتدي عباءة رأس مُحتَشمة و في يدها حقيبة بُنية جلدية..تساءلت عندما أصبحت أمامها،:الإستاذة ملاك
مدت يدها تُصافحها بإبتسامة ناعمة،:اي ملاك تفضلي حياش
جلست أمامها و هي تقول بملامح عاشت ضيقاً و حيرة و شيءٌ من راحة بدأ يُعانقها،:والله إستاذة ما تدرين شلون فرحت يوم شفت أحد مهتم لسالفة بنتي،حسيت نفسي خلاص ما اقدر اواجه رفض ابوها كل حلولي خلصت
ضحكت بخفة خالطها خَجَل طبيعي،:ناديني ملاك،و ان شاء الله يارب تنحل المشكلة
بتصديقٍ على الدعوة،:ان شاء الله يارب
رفعت ملاك يدها للنادل الذي اقترب بسرعة مُلَبياً طلباتهما..بعد ان انتهى و ابتعد،اقتربت من الطاولة شابكة أصابعها لتُواصل حياكة الحلول..،:حبيت استفسر منش عن طبيعة علاقة والد سمية مع سمية
هَزَّت رأسها بتفهم قبل أن تبدأ حديثها،:صراحة زوجي جداً مهتم بسمية..مو سمية بروحها حتى اخوانها..طلباتهم أوامر و يحاول بأي طريقة يسعدهم و يوفر لهم اللي يحتاجونه،ما انكر انه شديد في بعض الأشياء،و منها الدراسة بس بعد حنيته تطغي على هالشدة "رَفعت كَتفها بحيرة وهي تُردف" بس موضوع الجامعة خط أحمر بالنسبة له،مادري ليش عقله مو متقبل الفكرة ؟!
مَسَّت سبابتها شفتيها الزهرتين و هي تقول،:من خلال كلامش و كلامي وياه اعتقد أنه يمكن يكون خوف على بناته "و هي تُحرك يدها بتوضيح" يعني اقصد بما ان الجامعة اوسع من المدرسة من ناحية العلاقات و الإلتزامات..الخلط اللي بيكون في الجامعة و الإعتماد الكُلي عليها كطالبة
بتأكيد قالت،:من ناحية الخوف فهو جـداً حريص على وضعهم، و عنده قلق مو طبيبعي عليهم،فاعتقد مُمكن يكون كلامش صحيح
حَكَّت خَدها بطرف سبابتها و هي تُبَلل شفتيها قبل أن تقول،:انا حالياً تراودني فكرة مُمكن تاخذ وقت بس اتوقع ان نتايجها تكون إيجابية
بانتباه تساءلت،:شنو الفكرة ؟
ابتسمت لها و هي تقول بثقة،:تأنيب الضمير
,،
وَخز مُبِرح مثل تمرير سكين على جرح مكشوف ينبض عند جانب رأسها..برودة تتسلل لها من الأسفل حتى بدأت باستشعار تَجَمُد أطراف قدميها..حَرَّكت رأسها بخفة..كان ثقيلاً و التَشَنُج الذي في عُنُقِها لم يُساعدها على تحريكه..فتحت عينيها ببطئ ثُمَّ أغمضتهما مُجدداً من لسعة الضوء القادم من النافذة..رفعت يدها لجبينها تحجبه،بمجرد أنها مَسَّت طرف رأسها عــاد الوخز بقوة أكبر جعلتها تتأوه..تَحَسَّست مكان الوجع...استشعرت أصابعها ملمس ناعم يُشبِه القُطن،عَقَدت حاجبيها و ذاكرتها تُحاول إعادة الشريط قبل ساعات..بَسَطت كفها اليُمنى على السرير رافعة جسدها عن استلقاء آلم عضلاتها..سواد على ذراعها أثار استغرابها..
أبعدت الغطاء عن جسدها لترتسم علامات التَعَجب فوق رأسها ! كانت ترتدي عباءتها..،كيف حدث ذلك ؟ هي لا تتذكر شيء..كان الوقتُ فَجراً عندما قَرَّرت الذهاب ليُوسف تُحادثه عن موضوع والده،و تحكي لهُ عن حُزنها الكبير عليه..تذكر أنهُ رفض و حَذَّرها بهمس فحيحي من النبش في الموضوع حتى أنهُ أرغمها على الخروج من الغرفة لكنها قاومته و بعدها...و بعدها كانت الأرض التي أسقطها فوقها و اصطدام رأسها بالسرير..ثُمَّ السواد و لا شيء بعده...،
احتوت يدها وجنتها اليُمنى و فمها أفرغته فوَّهة تتصيد الهواء يُعينها على استيعابها..عادت و تلمست رأسها..يبدو أنهُ شاش وضمادة،فالبتأكيد رأسها تأثر من الإرتطام و من العباءة يتضح لها أن يُوسف حَملها للمُستشفى..بكل غَباء و سذاجة الدُنيا ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها الصغيرتين..نَسَت الوجع و نَست رأسها الملفوف بقطعة قماش تتشرب نتائج فعلته..فقلبها الغارق في أحلامه قد ينتهي بحُطام لا يُجبَر..،
،:حُـــور
رفعت رأسها بسرعة لصوته،عاد الآلم لرأسها من شدة التفاتها..انكمشت ملامحها ويدها ترتفع لرأسها وهو ارتفع في ضميره مُعَدل التأنيب..،قَلَّبت نظراتها على الغُرفة..أين كان يجلس..؟انتبهت لهاتفه و مفاتيحه على الطاولة الصغيرة المُتَوسطة الأريكتان في نهاية الغُرفة..عادت أنظارها إليه لتَتَلَقف ملامح الأسف على وجهه..لم يستمر صمته أكثر فهو نَطق بهمس خالجته تنهيدة تحكي ضياعاً تشعب في روحه،:أنا آســـف
مَسَح على وجهه بزفير حــارق..دَعَكه مرتان مُتتاليتان و صوت تأفأفه يرتفع..استقرت يديه خلف عُنُقِه قبل أن يُخفضهما بوفاض اختلى من فكرة واحدة كَشَف عنها لسانه لاطماً سذاجتها الجارية خلف عاطفة بهشاشة ورقة خريف عجوز..،:قولي لأهلش تبين تطلقين..قولي لهم يضربني..هالزواج مستحيل يستمر يا حُـــور مستحيــــل
,،
استحمامها لم يستغرق رُبع ساعة..كان فقط تنشيطاً لحواسها بعد غوصٍ في أعماق مُحيط بقلب أعمى،أبكم و أصم..ابتسمت بسُخرية و هي ترتدي ملابسها البسيطة..مُريحة للمنزل و مُناسبة..،حجم الكذب لديها ارتفع و بات لسانها يَنطقه بسهولة ارتشاف الماء..الكَذب على شعورها و الكَذب على أهلها !
المسكينة ندى أطرحتها الفِراش في مُخيلة والدتها..و اتهمت زوجها بعدم اهتمامه و تفضيله للسفر على صحة زوجته ! بلا قلب أصبحت..فعلاً مثلما قالت نـدى..زَفَرت بملل وهي تخرج من غرفتها مُخلّفة وراءها قطرات الماء المُغادرة شعرها الذي أغرق ملابسها عند الظهر..نزلت للأسفل متوجهة لغرفة الجلوس..وصلتها أصوات مُتَعددة زيادة على صوت والدتها وعلي..مالت شفتيها بتقييم و هي ترى الجالسان..حَبَست إبتسامة ساخرة و في داخلها تُشفِق على الجُدران التي لا بد أنها تعيش عدم ارتياح من هذا الغزو الغير اعتيادي..
اقتربت منهم مُسَلَّمة بصوت خافت و لكن مسموع..توجهت لوالدها الذي لم تره من قبل..في الحقيقة هي لاتعلم عدد الأيام التي لم تره فيها..قَبَّلت رأسه و تراجعت للأريكة التي يجلس فوقها علي و انزوت في نهايتها رافعة ساقيها للأعلى..والدها بزعل قال،:افا بابا جنان مافي الحمد لله على السلامة
الخَبر كَوَّن عُقدة استغراب بين حاجبيها،:ليش انت كنت مسافر ؟!
نَظر لزوجته بتأنيب و هي أشاحت وجهها عنه بعدم اهتمام..تساءل بقهر،:ليش ماقلتين لها اني مسافر ؟
بسُخرية أجابت،:و ليش انتَ ماقلت لها ؟ مو هي بنتك بعد !
وقفت بعد أن أنهت جُملتها و اتجهت للمطبخ تحت أنظار مُحَمَّد المُتَشبعة أسئلة تَوَشحت الصمت..عادت أنظاره لصوت جنان الجالسة على يساره و هي تُحادث والده،:بابا وين سافرت ؟
،:فرنسا... "تحمحم وهو يعتدل في جلوسه قبل أن يُردِف" حق شغل
لو أنهُ ذكر البلد دون إضافة لصَدَّقت..لكن تَوضيحه الغير مطلوب بَصَم على وثيقة شَكَّها..اذاً السفر لم يكن الغرض منهُ عمل..!التفتت لعلي تتساءل،:خلصت تجهيز الشقة ؟
بابتسامة واسعة أجاب،:ايـــي باقي بس العروس تسكن فيها
ابتسمت لابتسامته و هي تقول،:ابي اشوفها
حَرَك يده باعتراض أمام وجهها،:لالالا ما يصير تدخلين قبل العروس
رفعت حاجبها من نبرته الرافضة بشدة وهي تقف بعد سماعها لنداء والدتها للغداء،قابلت وجهه براحة يدها و هي تقول بمُزاح،:مالت عليك وعليها
اتجهت للمغاسل القريبة..فتحت صنبور المياه وبدأت بدعك يديها بالصابون برأس مُنخَفض..تَنَبَّهت مسامعها لصوت خطوات من خلفها..رفعت رأسها للمرآة لتلتقي بعيني أخاها..عادت و أخفضت بصرها بلامُبالاة مُتَعَمدة..هو اقترب منها حتى حشر جسده في الفراغ بينها وبين الجدار..أفرغ قليلاً من الصابون في راحته و شاركها الدَعك..ابتعدت يساراً بضيق وهو نَطق بسُخرية لاذعة،:لا تخافين ما بتتنجسين من قربي
رأسها استجاب لسُخريته و عينيها تُوجه له نظرات حادة..رفع حاجبه وهو يُكمل بذات السُخرية،:هذي الحقيقة لا تكلميني ولا تقربين مني كأني إنسان نجس
غسلت يدها عن الصابون قبل أن تستدير لتُقابله،و بنفس نبرته نطقت،:صَحّح لنفسك انت انسان خــاين
ابتعدت عنه و هي تتناول المناديل لتجفيف يديها،أوقفها تساؤله المُتَعجب،:انا خـاين ؟ خنت شنو ؟!
نَظرت له قاطعةً وجنتيها بابتسامة مَريرة تعانقت مع صوتها،:خنت رابط الأخوَّة اللي بينا
رفع سبابته مُحذراً من سيلها الغارق،:جنـان ارجوش لا تقولين هالكلام،ما اسمح لش تتهميني وانتِ مو فاهمة شي
رفعت يديها لجانبي رأسها دون أن تمسه وهي تتساءل بتَيه عاشرها لسنوات،:مو فاهمة شنو محمد ؟ فهمني يمكن اقدر اسامحك على غيابك
أخرج النَفَس بثقل وهو يُجيبها بتبرير،:كنت ادرس جنان،كنت مشغول ويا مستقبلي
انفلتت منها ضحكة اختلطت عليها السُخرية بالإستنكار،:واللي ينشغل بمستقبله ينسى أهله ؟ يعني مستقبلك ودراستك وشغلك أهم من امي وابوي و منا احنا اخوانك ؟!
أغمض عينيه للحظة وهو يقول بقلة حيلة،:ما اقصد هالشي يا جنــ
قاطعته وهي ترفع يدها أمام وجهه تُديرها وكأنها تُنَبش عن إجابة مدفونة داخله،:قول لي محمد شنو تعرف عن العلاقة اللي بين امي و ابوي ؟ تحسبني ماانتهبت لنظراتك لهم ؟ انت ماتدري بشي محمد ما كأنك واحد فينا.."رفعت كتفيها بقهر تَمَكن من روحها حتى أوجعها" انت حتى ماتدري شنو كان وضعي قبل خمس سنين
اقترب منها برجاء،:جنـان ارجوش اسمعيني خليني افهمش
تراجعت للخلف وهي تُعيد خصلتها خلف أُذنها،:انت اللي ارجوك يا محمد،لا تفكر ان الأمور بترجع طبيعية بينك وبيني مثل قبل لا تسافر،ثلتعش سنة مو بسهولة تنَّسى،حتى امي لو ماكنت ولدها جان تصرفت مثلي،بس هي قاعدة تضغط على نفسها عشان ما تجرحك،صعب صعب يا محمد ننسى غيبتك
استدارت مُبتعدة عنه بعد أن صَيّرت قلبه حُطاماً محروق أشعلته نيران كلماتها المُتَوهجة من عود ثقاب أخوتهما المكسور...،
,،
،:جــود يعني هو قال لش شنو الموضوع اللي يبي يكلمنا فيه ؟
كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً،هي و والديها ونور يجلسون منذ ربع ساعة ينتظرون فيصل الذي اتصل يطلب تجمعهم لحين عودته،فهو لديه موضوع مهم يُريد أن يُكلمهم عنه..بالطبع طلبه أثار قلق والدها و حَفَّزَ هواجس والدتها و نور التي ألقت عليها بنصف خيط كانت تُقلبه بين جدران عقلها علَّها تجد إجابة..بَلَّلت شفتيها تُكبِح ابتسامتها المُغدَقة بشعور الشخص الذي يعلم السر وحده..نطقت بهدوء،:مادري بابا بس شكله السالفة تخصه
والدتها بضيق قالت،:اكيد تخصه ياجود يعني بيكلمنا في موضوع يخص شخص غيره ؟!
بمحاولة تفهيمها،:لا اقصد يعني تخص مستقبله
وضعت والدتها كف على الأخرى و جسدها يُواصل اهتزازه القَلِق،:صار له ربع ساعة من قال هو في الطريق و للحين ما وصل
نور بابتسامة ناعمة حاولت أن تخفف بها خوف والدتها،:ماما لا تحاتين اكيد الطريق زحمة
صوت الباب تداخل مع صخب القلق المُكتنف المكان..جود بحماس وهي تعتدل في جلستها و عينيها بتركيز على المدخل،:هذا هو وصل
أطلُّوا برأسهم و صوت همسات فيصل وضحكته تصلهم..ثوانٍ وبان أمامهم بابتسامة،:السلام عليكم
اتساع ابتسامته كان نقيضاً لها تَقلص الإبتسامة من على وجه جود التي بَهُتت ملامحها بفَجعة تُشارك أهلها الصدمة التي أبصقها فيصل دون رحمة على وجوههم...،
~ انتهى
،
|