كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
،
فَقدُ ذات
كانت الساعة تقترب من الثامنة عندما دَخل القاعة المُقام فيها حفل خيري يجمع أكبر شخصيات المجتمع الروسي الإرستقراطي إلى جانب عدد من أصحاب الطبقة المُخملية في أوروبا..أفرط في تأنقه لكي تُعجِب طَلَّته عيني تجاوز عمرهما الخمسون..
السُخرية اتخذت حيزاً من وجهه و أصابعه تمس عُنُقِه،يحتاج سيجارة..
بَلَّلَ شفتيه ثُمًّ زَفر وهو يحشر كفيه في جيب معطفه الرسمي..عيناه تُبصقان أنظارهما على الأوجه المُكتنزة خفاياها خلف أقنعة تلونت بزهو أنيابه بارزة..تضحك مثل ليثٍ يُخادع فريسته...
خلال فترة عمله مع آستور استطاع أن يُتقِن قراءة الحركات..و حَفِظَ ترجمة الإيماءات..أصبح يجد المُتعة وهو يقرأ الشيفرات المَصفوفة بعناية بين تجاعيد الإبتسامات..و يَفُك رموز الأقفال المُقيدة أنظارهم المُدْلَهِمَّة سماؤها...،
التقطت عيناه الباحثتان الوجه المُحتفظ بملامحه في ذاكرته العجوز..ذاكرته التي ضَعَّف عُمرها مرتان ليلتقي مع عقل التي عليه أن يُسايسها..مَسَّ أنفه بظاهر سبابته وهو يقترب بخطوات واثقة و أنفه يرتفع بغرور تجانس مع رفعة كتفيه العريضين..وَقفَ أمامها ليقول بصوت جـَهْور،:و أخيراً التقيت بكِ سيدتي
التقت عينيها بعينيه اللتان التقطتا بريـق أثار ضحكة في صدره ولكنهُ ببراعة أخفاها..،استقامت في وقفتها و هي تقول بصوت ملأتهُ الثقة و عينيها لم تُفارقان وجه هذا الشاب الوسيم،:انها أكثر جملة اسمعها في اليوم
حاجبه اعتلى صهوة الغرور،:و لكن لا اعتقد ان شخص مثلي سَبق و قالها لكِ
مالت شفتيها بإعجاب واضح و هي تقول،:ما هذه الثقة ؟!و مالذي يجعلك تختلف عن الآخرين ؟
بابتسامة جانبية،:لنقل أنني قضيت سنوات ادرس قصة نجاحكِ الباهر
أبعدت خصلاتها عن عينيها بأصابع الفَخر و هي تنطق بزهو،:اذاً انت من المُعجبين بي ؟
حَكَ صدغه،:أرجو ذلك
عُقدة بين حاجبيها لم تستوعب كلمته،:عفواً !
ابتسم لها وهو يُوضح بكلمات انتقاها بعناية بصوت اقترب من همس عَذب،:أرجو ذلك لأن ما أشعر به يبدو أكبر من الإعجاب
تعاظم النَفَس في صدرها من جمالية ما نطق..تخاطفت أهدابها مثل مُراهقة تتلقى إعجابها الأول..حاول جاهداً أن ينجو من الضحكة التي تُدغدغ صدره..فوجه هذه العجوز لا يُليق به كُل هذه الإنفعالات الفَتِيَّة..حَرَّك عينيه للجهة التي أتى منها الصوت..حيث كانوا ينادون باسمها هي مُقيمة الحفل لكي تقرأ كلمتها الشَرَفية..تساءلت قبل أن تذهب،:لم أعرف اسمك أيها المُعجب المُميز ؟
نطق بنظرة ماكرة غابت عن حِسها،:ديميتري موريس
بثقة نَطقت قبل أن تستدير مُبتعدة،:بالطبع سنلتقي
أومأ رأسه لها بتحية قبل أن يُشيح وجهه عن الآخرين مُفرِجاً عن ضحكته..بالكاد خَرجت خافتة لم يُسمع لها صوت..كم هي ساذجة هذه المرأة ؟ يُحال انها تُدير الملايين لوحدها ؟!
التقطت أسنانه شفته السُفلى وهو ينظر للتَرف القابع في كل زاوية من المكان..الثُريات الفَخمة تتدلى من الأسقف الشبيهة بالقصور المَلكية..و الجدران عُلِقَت فوقها لوحات لأشهر الفنانين و الذي "يُقال" أنها ستُباع في مزاد و أموالها ستذهب إلى صندوق اليتامى..أشهى الأطباق و الحلويات..مشروبات نادرة نضحت الكؤوس ليُشاركهم الشيطان ارتشافها...فرقة اوركسترا..و عازفة بيانو مُحترفة..القاعة في أفخم فنادق موسكو..و استهلال الحَفل "عمل خيري" !
أيُّ تناقضات تجتمع في هذا المكان..يستطيع أن يُقسِم أن تكاليف هذا الحفل و التبذير الواصل للأعناق يفوق ما تم التبرع به بأضعاف ! هذا الحفل الذي احتلَّت فخامته و شخصياته الفَذّة عناوين أهم الصُحف ليس إلا رياء يجذب أبصار المُستثمرين و يَسيل لهُ لُعاب الطامحين إلى حشو جيوبهم بأموال و إن كانوا لا يستحقونها..فلا مُشكلة لديهم ليرتدوا خرقة بالية تعتقد عقولهم الصماء أنها لباس الفُقراء..،
استعان بابتسامته اللاعقة حواس هذه العجوز وهو يراها تقترب منه بعد انتهائها من كلمتها المسطورة بتفاهة...،يبدو أنها أصبحت رهن قلبه..مثلما تَوقع هايــنز !
،
الجزء السادس عَشَر
اصطفاف الحُلم جيوشاً على قارعة النسيـان بات يُقدِح شراراً يُصَير القَلب فُتاتاً من رمــاد..هل الزَمن أوقَد حِقده و أشعل نيران العذاب ؟ هل الماضي تَوَشَّح القسوة و تَلَّبسها شَوكاً يُغرِسها في حنايا الروح مُلهِماً غَصَّات بُكاء و مُشرِعاً أبواب فيضٍ لم يَنم عند إنغلاق بوابة أجفانه الساهرة ؟.تَمَنَّت المــوت و لا غيره...تَمنَّت أن تلتهمها الأرض و تبتلع أنفاسها مُخفيةً وجودها عن عينيه المُنكَسِر فيهما أمــل لا زال لم يَكتمل نموه...تلك الإبتســامة المريـرة التي أمست بحُزن مُلتَهب تُعانق شفتيه..
ازدراد ريق صَخرِه أوضحتهُ تُفاحة آدم النافرة وسطَ عُنُقِه...،لم يأتِ المــوت..و نيابةً عنه أتت رَعشـة أوجعت ما كان لأعــوام دافناً بَوحه في رمال الكبرياء..تَنَشَقَّت النَفس تُناشد ذرات الهــواء الناظرة لها بعيون غاضـبة..كُل شيء كان يُأنبها و أقسى التأنيب كان من قَلبها..فنبضاته تساقطت بانهيار فوق سَيف الفراق...،
دَفَنت وجهها المُتربعة الدموع فوق ناصيته القاطع ملامحها شرخ إعياء..شَدَّت غطاء السرير على جسدها العاري من سِتر و العاري من شعــور..هَربت من الموضع الذي تأجَّجَت فيه روحها بشـوق..مثل سارق جبان انتظرت بُزوغ القَمر و انتشار السواد و اختبأت بعيداً عن فوضى الحـواس...بذاتها المخنوقة بين أكوامٍ من تَيه خانــت جَسدها لتُلغي استحكام سَيّده على ارتعاشاته..خانت الجَسد لتَقسم ظَهر الذِكرى التي جَمعتها مع رَجُلها و الغازي الأول لمَملكتها العَذراء...،
داوخلها تاهت في دوامة النُكران..و عقلها المُتعَب تَلَقَّفَ يد النَفي..نَفثت الكَذِب مُخدراً يَغشي فِكرَها..و لكن أسلحتها سقطت عاجزة أمام عقوق قلبها..فهي ليست جَرّة قَلم يُستطاع مَسحها و إن استعصى الأمر تُقطَع وَرقتها لتُنثر بإهمال على الأرض..فلكي يَكون النَسيان حقيقة فعليها أن تُوَجه سهمها للبؤرة المُتسببة بعذابها..،
شعرت بخواء السرير من جسد زوجـها..سَمِعت صوت باب دورة المياه..تركها و كالعادة دون سُؤال..يُثير حَنقَها هذا التَبلد الذي يَصيبه كُلَّما تَعلق أمرها بزوجها السابق..يتقيد بالصمت و ينسلخ عن أسئلة ينتظرها لسانها لينكرها و يُبَرر ضيق يَصحو كُلَّما كانت أنفاسه تُشاركها الهواء...،لِتَتحرر من عواصفها المُخَلخلة وظائف جسدها تحشر نفسها بين أحضان أحمد..تُطالب بالنسيان و الابتعاد بالشعور الى هَذيان يَكون كالحُلم،وَجعهُ أخف وطأة..و أحمد بكل رحابة صدر يستقبلها..بصمته و سكونه المُغدَق بلامُبالاة صريــحة...و كأن فيصل شيئاً لم يكَن..وكأنها لم تَكن لرجل قبله..رَجُل عاشرها حتى أحكم قبضته على روحها ليرميها بعدها بنفــور أطرافه تَقزز أوزع قلبها ألم..ذاكرتها لم تُشفَ بعد من نظرة الإشمئزاز المُبطنة باحتقار خـانق التي صَوَّبتها عيناه لعينيها المُتَخبطتين في بحرٍ من لَوعة..بحر يَسوقها إلى غَرق لا تعرف كيفية النجاة منه...،
رَفعت الغطاء حتى أخفت رأسها لتُودع سِراَ آخر في صندوق وسادتها و عقلها بدأ باسترجاع روائح الساعات السابقة...
،
وقفت بصدمة..لم تتوقع مجيئه أبداً..أغلق الباب و تقدم من المكتب وهي بُسرعة تركت مكانها لتتوجه إليه هامسةً و كأن الجُدران ستفضحها،:انت ليش جاي اهني ؟
توقفت أمامه و يده أسرعت مُقيدة معصمها و بتساؤل زُرِعَ في صدره حتى تَشَرَّبَ سُمّه،:انتِ الا وينش ؟ جم يوم مختفية و اتصل ما تردين ولا تتصلين مرة ثانية
زَفَرَت بتعب و يدها ارتفعت تَمسح ذرات الضياع عن وجهها..همست بخفوت قبل أن تُخفضها،:كنت شوي متضايقة
تَرَك معصمها و اقترب أكثر و عيناه تلحظان الشحوب المُكتنز ملامحها..رفع يده يستنبط ضيقها وهو يهمس بعينان تحتويان مُقلتيها المُحاوط أجفانها بقايا احمرار،هَمسَ بنفس نبرتها،:اذا متضايقة ليش ما تجين لي اشيل هالضيق ؟
أخفضت بَصرها تُناقش الجُملة التي ستنطقها..بَللت شفتيها قبل أن تقول بتردد،:أحمد.."رفعت عينيها إليه لتُردف" فيصل رجع
ضَمَّت شفتيها للداخل و أنظارها تتحرك على ملامحه تُريد أن تقرأ أثر الخَبر عليه..أرخت شفتيها و أسنانها السُفلية التقطت العُليا فيهما و هي ترى ارتسام ابتسامة سُخرية تعاضدت مع ارتفاع حاجبه الأيمن..ببرود قال،:زيــن هو كان بيرجع في أي وقت،يعني لازم تكونين متوقعة رجوعه،ماله داعي تضيقين روحش عشانه،ما يقدر يسوي شي اللحين انتِ زوجتي "أخفض يده لكتفها ليشد عليه و بحزم قال"فاهمة ؟
حَرَّرت شفتها مُحاولة شَدها لتُظهِر ابتسامة نصفها ارتعاش..ببحة خرج صوتها،:ايــي فاهمة
ابتسم لها برقة و إبهامه يُداعب تجاعيد ابتسامتها التي لم تكتمل..اقترب أكثر فاتحاً فَمه ليُفرج عن بِضع كلمات انعقد لسانه قبل أن ينطقها للإنفتاح المُفاجئ لباب المكتب..استدار ليساره بتعقيدة حواجب مُستنكرة هذا الفعل المُفتقر للباقة..كان رَجُلاً..يُشبِه الذي قابله أثناء دخوله..،لم يشعر بتجمد تلك التي بين يده..أصابها تَصَنم ينتظر مِطرقة كلام مُوجعة تُحطمها و تنثرها فُتات..تَجَمَّدَ كُل مافيها و تَخلت عروقها عن عَملها تاركةً قلبها يَعيش انفجاره..صوت نبضاتها يَكاد يَصُم مسامعها..و الهواء بملئ فمه ابتلع الأُكسجينات تاركاً إياها تختنق حتى يضيق النَفَس..
،:عفواً انتَ شلون تدخل من غير استئذان ؟
لم يُجبه و لم يَنظر لهُ حتى،فالعين استقرت على من أقسَّمَت أن تكويه على نار هادئة،تُحرِق روحه الحية ليستنشق ما يرتفع من موت نَتِن..يده المُمسكة بمقبض الباب باغتتها ارتعاشة بغيضة لم يَشأ أن تَلحظها..ضغط بقوة يُريد كبح ضُغفها فليس هُو الذي يُستباح فَضحِه أمــام امْرَأة..،
ازدرد غَصَّته المحمومة في حَلقه من قُربَهما القاتل..بنفس أسلوبه نطق،:عُذراً بس العلاقات الغرامية مو مسموح بها في البنك
تراجع عن جنـان وهو يَتقدم خُطوة و يُلغي ابتعاداً ليس سوى موضع أمان..رفع يده يُديرها باستفهام،:و انت من عشان تتدخل؟"أشار للباب وهو يُكمل" لو سمحت اطلع برا
تَرك المقبض ليحشر كفه في جيب بنطاله وهو يقول بفم يميل للأسفل،:عـادي انا بطلع برا،بس يكون في علمك اذا طلعت فزوجتك هي اللي بتتضرر،ما احترمت قوانين المكان و انا مُديرها شاهد على هالشي
الصدمة اعتلت وجهه..كيف عَرف بزواجهما ؟..
أَيُعقل أنهُ استشف ذلك من القُرب الذي وجدهما عليه ؟! استدار يَنظر لجنان يستفسر منها..لكنهُ تراجع وهو يَرى وجهها المَيت..عَقَّد حاجبيه من الوضع الغريب..يعلم مدى اهتمامها بعملها و لن يكن هو الذي يُحيلها الى العقاب أو الخصم..،تَنَفس بهدوء قبل أن ينطق مُوَجها حديثه لها،:انا طـالع كلميني اذا انتهى الدوام
اقترب من الباب حيثُ يَقف فيصل..نَظرَ لهُ ببرود و فيصل بادله النظرة ببرود أكبر..برود يَجرح..خرج أحمد بصمت دون أن يلتفت خلفه...تاركاً جنان فريسةً لِرَجُل أعظم أخطائه أنهُ عَشِق..،
عَقَدت ذراعيها على صدرها،أسوار تمنع هُروب شهقة أو اختراق نبضة..،تنحنحت قبل أن تنطق بعينين عانقتا كُل مافي الغُرفة إلا وجهه،:خلاص راح اطلع برا
لم يصلها جواب..حَرَّكت عينيها لقدماه..الى الآن على مثل وقوفهما..رفعتهما ببطئ مُرتعد،يده في جيبه و الأخرى مقبوضة بقوَّة..عَضّت باطن ذقنها و تُفاحة آدم البارزة وسط عُنُقه أعادت إليها مشاعر اقتراب ظَنَّت أنها انحسرت عن قلبها قبل ذاكرتها..
تشنجت عَضلة فكها وقشعريرة أحكمت قبضتها حتى أرجفت جسدها..عيناه و الكَلام استوطنهما..لم يَنطُق لسانه ولم يستعر حروف يُنثرها جِراحاً على روحها..تَمَسَّكَ بزمام النَظرة المُوجعة..أراد أن يُصيب عقلها بتَيه لا يقودها إلى طريق العودة..،
تَكلم قُل شيء..اصرخ و هاجمني و انفث رعودك و كَبلني..لا قُدرة لدي على ترجمة ما تُفرغه عيناك من إشارات ليست سوى أسهم تقتطع نياط قلبي..لُمني و أغرقني بسيل شتائمك..قل أنني أخطأت..قُل أنني هَربت منك إلى رَجُل يعرف كيف يحتويني..رَجُل أستطيع أن أواجهه و أُوَجِهه..تَركتُ مدينتك و تَعَرَّيت من ثوب التَمَلُك الذي سترتني به إكراهاً..تَنحيت عن العرش الذي أصابني الصعود إلى قمَّته بجروح غائرة لا زالت كفي صديقةً للسهر من أجل أن تُداوي دمائها..لماذا هذا السكوت المُتَوشح بصَخب الماضي ؟ تَبنيت الصَمت لتُعاقبني على سـوء فعلتي ؟ أم لتحرق أَنَفَتي التي جَرَّتني لهذا الجنون ؟ قُل شيئاً أو لاتضربني بسوط مُقلتيك..،
تجاهل رجاء عينيها و استدار يُلقيها ظهر صمته الأخير..أغلق الباب من خلفه مُغلِقاً عن عينيه انهيار حصونها الواقفة على غمام أسود مُثقَل من تراكمات روحها ليُفرغها سراباً يتلاشى بوَهن بين أتربة تطوعت لتتشبع انكساراتها المُنعَقدة بسلسلة اللانهاية..،
،
انتهت من استحمامها مع انتهاء الذِكرى..أخفت ارتعاشة جسدها تحت رداء الإستحمام القصير جِداً و الذي اختارتهُ بعناية فائقة قبل أن يُنهي أحمد استحمامه..خرجت من دورة المياه و هي تُجفف شعرها،ابتسمت لهُ بشحوب وهو جالساً يَكتب على الأريكة..واصلت مشيها لتقف أمام المرآة تستقبل حُطامها..تَلطُم خد الصحوة عَلَّها تستفيق لسُقيا ما ذوى في روحها..،
تناولت قلم الكُحل تدعج عينيها تطمس آثار بُكاء تَكرهه..حَرَكت أصابعها في شعرها تُبعثر خصلاته المُتَموجة بنعومة..لم ترتدِ شيء فمُبتغاها لا يُرتدى من أجل وصوله..شَدَّت من رداء الإستحمام و خَطَت طريقها المُكَلَّل بقيود لطالما أرادت أن تتحرر من ضغطها..شاركت زوجها الأريكة باقتراب مُلهب يشعل أوراقها التي تَوَسَّدَتها كلمات تَفضحها..شبكت ذراعها بذراعه و رأسها استرخى على كتفه..هَمست لهُ بلحن يُلويه النُعاس تعرف آثاره عليه،:حبيبي الليلة بنام اهني
حَرَّكت رأسها بخفة لتطبع قُبلة في جانب عُنُقه..قُبلة ساخنة تثبت بها لنفسها احتراق وجود ذاك الرَجُل..أغمضت عينيها شاردة عن وجوده لتهمس،:أنت بتنام بعد صح ؟
التفت لها و هي رفعت رأسها بعد أن تركت ملامحها المبتورة بسيف ضعفها على كتفه،ابتسم لها وهو يقول،:اكيد بنام ما دام بتنامين،بس شنو بتقولين لبيتكم ؟
داعبت ذقنه وهي تهمس،:لا تحاتي انا اعرف شنو اقول لهم
,،
ماضٍ
أصوات تعذيب تَصله مُبصِقةً بقسوة رجفة تتصيد عضلاته الموهونة...يَكاد يخترق الجدار من فرط التصاقه و شَده جسده للزاوية..حيثُ اتخذ من مسكن العنكبوت ظِلاً له و درع حماية لا يُحَطَّم..صُراخ عنوانه الألم و حشرجتهُ إذلال..رائحة دماء تُصيبهُ بعدوة الخوف و الرَهبة..الخوف من موت يده السوداء تُلَوح من بعيد...،
شيءٌ يُشبِه الضياع التهم بصره المُتَخَبط بزعزعة على الجُدران..جدران الغُرفة المُحتفظة بذكرى دماء و أموات يشعر بها تضيق كُلَّ ما نما الفُراق..أسند رأسه لجمادٍ شتاءً يَصعقه و صيفاً يَلسع جلده المدفون تحت جِراحٍ يُستَعصى اندمالها..،
لا نوافذ تُرسل لهُ أشعة شَمس بَرلين المُفتقرة لحرارة في بلده تُشَنج الوجه..و لا قَمر يزوره ليحكي لهُ أشواقه عَلَّهُ يحتفظ بها قبل أن يَبوح بها إلى حمامة تَسوقها فوق جناحيها إلى شرفة تحمل جسداً أضناه الإنتظار..،صوت إغلاق باب أتبَعه احتكاك جسد يبدو أن الروح غادرته و الآن يُجر إلى قَبرٍ تُصلي فوقه أمطار السماء..أمطار تجاوزت الزمن و اخترقت المسافات بعد أن تبخرت عن وجوه أبهَتَهَا فُقدان الأمل و استوت سُحاب لتَغسُل جَسداً لم تذبحه يد ظالمة..بل فَقدُ أحِبَّة...،
التفتَ برَوعة إلى الباب و عيناه مُتَعلقتان بقبضته التي أُخفِضَت لفتحه..بان الجسد الضخم أمامه..و في يده سلاحه الذي ستُنحت علاماته على جسده بعد ثوانٍ..تَرَقرقت الدموع في عينيه،وهو الذي ابتاع البُكاء ليكون حَليفه في ليالي الضياع..أغمضهما بشدة يستخرج عُصارتهما التي تُواصل مسيرها لتستقر على ذقنه المُهتز من احتقان غصَّات حيثُ تتشربها شُعيرات اصتبغت ببياض اقترب من الفَناء..،
استسلم لليد التي عَرَّته حتى يَستشعر الألم بحدة أكبر..و ليصل الوجع إلى أصغر خلية غافية في بواطنه ليُوقظها تُشاركه الأسـى و تُنشد معه قصائد الكَمد المبتورة القافية...،تم تشغيل صوت الموسيقى المُزعجة نوتاتها..لم يَكن يعلم لحظتها فائدة إيداعها في صندوق مسامعهم..لم يكن يعلم أن مُستقبلاً سيتم إقتراضها لتتخذ دور المُجرم الخَفي..
,،
حاضر
عودتهما ستكون غداً..لم يستغرق وجودهما هنا أكثر من إسبوعان..فعمل بسام لا يتحمل إجازات أكثر..و هي على الرغم من أن إجازتها التي ستنتهي بعد إسبوعان آخران إلا أنها تنفست الصُعداء و ارتخت العروق التي كانت على مشارف الإنقطاع من فرط اشتدادها...انطواءهما بعيداً عن أنفاس أخرى تُشاركهما اليوم و الموقف يجعلها تنفصل عن هدوءها المركون فوق قمة جبل يرتدي بياضاً جليدي..لا قُدرة لها على تحمل يوم آخر تكون فيه وحيدة تحت عدسته المُتفحصة دواخلها...،
وضعت أحد الأقمصة التي أتت به دون أن ترتديه في حقيبة السفر..حَرَّكت عينيها لحقيبته التي لم يُفرغها..التقطت أسنانها زاوية شفتها العلوية و هي تُقارن بين عملها المُتعِب و عمله..احتاج فقط أن يحشر في حقيبته ما ارتداه..و هي التي قَلَبت رأس الحقيبة على عقبها تحتاج أن تُعيد ترتيبها مُجدداً...أغلق الحقيبة و رفعها ليجرها إلى الباب..عاد و جلس على الأرض أمامها..تجاهلته و لم تستفسر سبب جلوسه..يكفيها الجنون الذي ارتكبته فجراً..عندما استيقظت صباحاً و وجدت جسدها مُنكمشاً مثل جنين بين أحضانه شعرت بصفعة مُدوية نتاجها كان طنيـن مُزعج في أذنها..
تذكرت إعياءها و استسلامها لذراعيه..استجابت للذكرى و ابتلعت سموم الحُزن و ألقت جسدها عليه تستفرغ فُتات كَبدها المُصابة..كان الوَعي قد غادر عقلها و حَلَّ مكانه هذيان لا تُغتفر خطيئته..هي حنيــن تبكي بين أحضان رَجُل اخترق طريق حُلمها المُقفر من زهور سالت دمائها مُخلفةً عِطر احتوته أنفاسه برحابة صَدر تُوقِد سراجها المُنتَحر ضوئه ؟...اعتادت الظلام و باتت تُعايشه قريناً يغشاها حتى عند الشروق..لا شمس تُذيب سواده،و لا رياح تُنَحّي ستاره الثقيل..و أي ضوء ولو كان سراباً يُعانق بصرها سيُخَلف وجعاً لا يَخفت..،
،:تبين مُساعدة ؟
تَلَقفَ لسانها حروفها الباردة،:لا شُكراً
أمسك بالفستان الذي في يدها و سحبه بخفة وهو يقول بهمس رقيق،:عـادي بساعدش انا خلصت
أخرجت نفس مُتحامل من أنفها و صمتت عن أي رد..،واصل هو بضحكة قصيرة،:تلبسين إكس سمول ؟!
بصرها ارتفع لوجهه الضاحك..حاجبها تَخلى عن إرتخائه مُستفسِراً عن أسباب هذا السؤال..انتبهت لعينيه تنحرفان بجُرأة لأسفل عُنُقِها..بالتحديد عند عظام ترقوتها البارزة..يده شاركت عيناه و ارتفعت لتَحُط أصابعها على الموضع المسجون خلف قُضبان استحكامه..حَرَّك أصابعه ببطئ،سوء ظَنها أوحى لها بتَعَمُده وهو يقول بخفوت،:اتوقع وزنش خمسين أو نهاية الأربعين "نظر لعينيها" صح ؟..ارتجفت من لمسته و تراجعت للخلف و الضيق يخرج مع كلماتها،:بسام ارجوك خلني اكمل شغلي
ابتسم لها بخفة و أصابعه طالت شحمة أُذنها..مسح عليها بإبهامه وهو يتساءل بهمس،:ليش مو لابستهم ؟
يقصد القِرطان اللذان أهداهما إليها..رَمَشت مرتان مُتتاليتان تُنَبش عن عُذر بين طيات أجفانها..هَمست بدون تردد،:ما اقدر البسهم على طول،اتحسس منهم
همهم بعدم اقتناع وهو يطوي الفُستان بعناية ليضعه في الحقيبة..تَبنَّى حُروف جديدة عَلَّها ترسم ابتسامة على شفتيها،:الفجر يوم شفتش ترقصين ذكرتيني بالفراشة،مثل خفة تحليقها
انعقد لسانها و أطيافٍ من ورق و حبر تجاثمت فوق قلبها..ارتعشت أصابعها فوق القماش..ضغطت بوَهن تكسوه قسوة احتدمت حتى كادت تقطع جزء منه..كيفَ يَجرُأ على مد قدميه فوق الخط الأحمر الذي رسمهُ عقلها بوهمية لا تُبالي و إن كانت غريبة عليه ؟ ليس من حقه أن يرتشف من كأس ماضيها و هي التي لم يتبقَ لها سوى حُطام زُجاج أدمى أطرافها و اختلط سائلها الأحمر بسوائل عَكِرة لم تشفَ من جرثومتها بَعد...،
هَمَست من بين أسنانها و عينيها على كفيها الخانقين القميص المسكين،:لا تــقول فراشة
رَفعَت عينيها إلي عينيه تُرسِل لهُ برقيات يكتنفها ضيق حاد الحواف يُحذره من إضافة حرف آخـر..تَرك الذي بيده و رأسه يَنخفض للأسفل بصمت ينظر لقبضته الفاقدة للصبر فوق فخذه..استنشق نفساً عميقاً يُخَفف من وطأة ردات فعلها الثقيلة..،وقف بإستقامة و عيناها لم تُفارقه،حَرَّك رأسه باهتزازات إيجابية مُتتالية و كأنهُ يُقنع نفسه بالذي سينطقه،:ماعليه..اعتذر عن التطفل و محاولة فتح موضوع " استدار عنها مُردفاً" اخذي راحتش
ألقت القميص بحَنق بعد خروجه و دموع تشابكت مغازلها في عينيها..تَنَشقت النفس و هي تتراجع بضياع رفعَ من رجليها لتحتضن رُكبتيها تحمي نفسها من التَخَبط المُلَوح لها من فوق الخط الفاصل بين الليل و النهار..ابتسامته الخبيثة تتوعد لها بدجى يبتلعها و يهضمها كائناً مفقود الضوء..ضاع نـوره بين توهمات الزمـن..،
،
استهلك ألف ورقة في عقله ،ألَّف عشرون كتاب و أبصق حبراً حتى أُغرِقَت أفكاره و تلك الأنثى لا زالت عَصيةَّ عليه..كسحابة كُلما اقترب منها ليُمسكها تلاشت ببعثرة بين فراغات أصابعه..لا تُرَوَّض و لا لجام يُسيّرها على هواه..اختارت أن تكون ورقة ربيع يانعة تَخطف الأبصار بلونها الزاهي..تتهادى بزحلقة على نسمات الهواء..تجيئه مُلامسةً روحه تُهيجها لتنفرج أسراره ليحتويها لَكنها تصطبغ بالغرور و تتوشح برداء الكبرياء و تُواجهه بظهر الصدود تاركةً إياه يُعاين خُدوش روحه...،
كيف الوصال لك يا أنثى اعتصمت عن يدين رَجُل و اكتست ببياض يرفض التلطخ بوحل التجربة و إن كانت بألوان ترسم بهجة على قلبكِ المقفول بقيود لم تُفصحي عن أماكن مفاتيحها..؟ هل هي حَرب و أنتِ الثَكنة المُنَصَّبة على قمة جَبل ؟ عليَّ أن اتقلب فوق السيوف و أُسبِر أغوار جسدي بجراح دمائها تَروي عطش قلبك المرفوع اَنفه ؟!
جَلسَ على الأريكة بتعب..كفَّاه تخللت أصابعهما شعره ضاغطاً بقوَّة قد تُلهمه صَبراً فوق صبره الذي بدأ إكسيره بالنضوب..زَفَرَ حيرته المثنية بإعوجاج في حلقه،تَسد عليه مَجرى النَفَس..ليتذكر مع كُل جَرَّة نَفَس أن أُنثاه لم تُفَك قُيود قلبها..مَسحَ على وجهه يَسترجع ما نَطقَه من كلمات آذّتها.. راحة يده اليُمنى توسدت شفتيه و عُنُقِه يميل ناحية الغُرفة..، هل تَكره الفراشات ؟!أليست الفراشات ارتباط رقيـق مع الأُنثى..هو إطــراء و هي تَرجمته بطريقة سيئة لا يعلمها؟! كيف تبلورت شخصيتها حتى أصبحت بكُل هذا التعقيد الذي قد يُحيله مجنوناً في نهاية المطاف ؟!
,،
ما بين السماء و الأرض،و مابين غيمة و أخرى،هكذا روحه كانت مُعَلَّقة..يُناشد قمراً لم يحن موعد ولادته من رحم حياة عاقر..هو و الذي انطوى على ذاته في رحم الحب بات يُحَذر القمر أن لا تترك مكانك،فالولادة يَتبعها أسى يعيش و يقتات على الروح..كُن قمراً مُضياً في رحم أمك،تسمع تردد صوتها و تسمياتها،لا يُرجفك برد و لا تُفرَز مساماتك من حرارة،فالحياة يا قمري ذئبٌ شرس،تضغطك بين راحتيها حتى تستخرج أسوأ مافيك و تُصيّرك ظلاماً يغشى عالمك..،
أسند رأسه لمقعد الطائرة الخاوي من دفئ تمنى ذات أمل أن يتزود به من جسد امْرَأة يَعشقها..امْرَأة تُجيد فن العزف على النبضات..امْرَأة تهوى خَنق النفس بعطرها..امْرَأة تبتسم لتُلغي وجود عقل رَجُل أحمق،رَجُل اتَّبَعَ مسير قلبه،و اتَّخَذَ من آثار خطواته طريقاً يقطعهُ دون حماية..و كانت نهايته ثغرة في مُنتصف الروح كُلَّما داعبها هواء تألمت و آلمته..،
كيف كانت قريبة من ذاك،أنفاسها المُغدَقة برائحتها الطبيعية لم تَعد حِكراً عليه،باتت تُباع في متجر رَجُل آخر..يده البغيضة تَحَسَّسَت الحرير و تعرفت على مواطن النعومة المدفونة كنزاً في وجنتيها..كيف استطاعت أن تَهدي نَفسها لرجُل غيره ؟ و أن تنقش انحناءات جسدها الأنثوي على انحناءات جسده ؟ تتزود من فيضه و تنهل من ما تَبوح به دواخله..تنامُ على حُلم ذراعيه و تستقبل خيوط الضوء من عدسة عينيه..أبدلته برَجُل آخر..تناست وقع بصماته الذي خَلَّفها فوق فؤادٍ لم يُجاوره يوماً..حتى في أقرب لحظاتهما كان هو و الفؤاد سماء و أرض لا تلتقيان..بينهما بحر كان حصاده منه لؤلؤة بيضاء تَسرُّ الناظرين لم تُعانق حُنو نحرها..،
انتبه من أفكاره للصوت المُعلِن عن اقتراب الهبوط..بتنهيدة رَجُل أشقاه الهُيام أحاط خِصره بحزام الأمان..أشغل لسانه بالذكر يُطبطب على قلبه ليتناسى لدقائق وجودها المُنتمي إلى ذاته..،
بعد نصف ساعة كان يَجُر حقيبته الوحيدة بخطوات ثابتة لم تُعَرّجها حمولة ظهره..يده الأخرى محشورة في جيبه..لا زالت تتداوى من رعشة باغتتها..ابتسم لسلمان الذي كان ينتظره..إبتسامة مُطفأ شُعاعها..و قُلنسوة الشحوب أخفت جمالها..بعفوية تَحَرّكت عيناه لجانبه...، و كأن الزمن أشفق عليه و فتح لهُ باباً كان يُشيح وجهه عنه ليتعلق بحبل أمل مفكوك العُقدة..تباطأت خطواته و فرجة صغيرة بانت بين شفتيه..توقف أمامها و عيناه لم تُفارقان الوجه المُبتسم بخجل..دعك خده بأصابعه وهو يَميل فمه جانباً..بَلل شفتيه قبل أن يقول ببحة تعاظمت،:ليش جاية ؟
ضحكت بخفة،:اول شي الحمد لله على السلامة،ثاني شي جاية اخطفك
عَقَّد حاجبيه وهو ينقل عينيه بعدم فهم بينها و بين سلمان الصامت..أكملت هي بابتسامة واسعة عانقتها حالمية،:اهلي البارحة وصلوا..و اليوم عازمتك على العشا عشان تتعرف عليهم "بضحكة خفيفة أردفت" متحمسين لشوفتك من كثر ما سولفت عنك
ضَمَّ شفتيه للداخل و عيناه تنحرفان لسلمان الذي أشاح وجهه مُخفياً إبتسامة ظهرت في عينيه..حَكَ أنفه وهو يُخفض رأسه قليلاً،:بــس جــ
رفعت يديها أمام وجهه مُقاطعةً كلماته،:لا تحاتي "أشارت لسلمان" انا اتفقت مع سلمان و انتهينا
تَخلَّى سلمان عن سكوته،:خلاص روح انا بتصرف لا تحاتي
تَنهد باستسلام وهو يُقَرّب الحقيبة من صديقه،:زين الشنطة خذها وياك
اقترب سلمان ليتناولها لكن يد فيصل تناولت ذراعه و هو يشده له،رَفعَ عينيه له باستغراب ليصطدم من حروفه التي فجرها،:تزوَّجَتْ
ابتعد فيصل وهو يتوشح ابتسامة مَريرة..رفع يده لأذنه وهو يتراجع للخلف قائلاً،:اذا صار اي شي كلمني
استدار مُبتعداً بعد أن بنى حائطاً من صدمة أمام سلمان..لم يستطع أن يحتفظ بالجرح ويُعاين ألمه وحده..أراد أن يُعلمِ رفيقه بما يتأجج داخله..عَلَّهُ يُسبغه بفيض عَذب يُنسيه مرارة ما ارتشفهُ من عَلقم الخيانة..،
رَكِب سيارة الأجرة التي تنتظرهما..هو خلف السائق وهي على يمينه..التفت لها مُنتبهاً لحديثها المُتَرنم برقة تُشبِهها،:كنت افكر شلون بجيك اذا طيارتك توصل الفجر "أكملت وهي تدعك باطن كفها"بعدين زوجة سلمان خبرتني ان تقدمت الرحلة
عَقَد ذراعيه على صدره و ابتسامة جانبية على شفته،:اي احسن من ما تتأخر و تطوفني الحفلة
رفعت إصبعها،:آه ذكرتني"فتحت حقيبتها البيضاء الصغيرة و أخرجت منها بِطاقة أنيقة سوداء بإيطار ذهبي و مدتها إليه و هي تقول" هذي بطاقة الدعوة
تناولها وهو يَقرأ الكلمات قائلاً بتساؤل حروفه تقَيّدت بحذر،:قلتين لأهلش عن كل شي
رنا بعينيه لها ينتظر جواباً أظهرته ملامحها التي عايشها ارتباك غزا وجنتيها باحمرار طفيف..ازدردت ريقها قبل أن تنطق،:مو اللحين خل اخلص من إجراءات التخرج و بعدين بنكلمهم مع بعض
هَزَّ رأسه بتَفهم وهو يهمس قبل أن يُدير وجهه للنافذة،:على راحتش
,،
تَمَّ الإتفاق مع أم سُمَيَّة..اتفاق سلمي و لطيف لا تُخالجه مشاعر إحراج تنفثها كلمات رجولية مُقتَضَبة تفتعل تأنيباً يجعل الضمير يُشكك في صلاحية الذات على التدخل في الأمر..ستتقابلان غداً عند العاشرة..فطور خفيف و نقاش أساسه مُستَقبل سُميَّة..صوت والدتها السَمح الغارق في رقة امْرَأة واعية و مُتَفهمة أنضجَ الأمل الذي غَفى مُسبِلاً بتلاته من صيبٍ مزحوم بأتربة شوشت بزوغ ذاك الأمل..،
مالت شفتها الزهرية بابتسامة ناعمة بعد أن ازدردت اللقمة و هي تقول،:حـور فطوم تسلم عليش
عُقدة خفيفة قَرَّبت من حاجبيها الخفيفين و ابتسامة اقتطعت الذكرى،:من زمااان عنها شخبارها ؟
ملاك بضحكة و هي ترفع الملعقة بالقرب من فمها،:على قولتها مجننيها الشياطين الا عندها
تساءلت والدتها،:جم ولد عندها ؟
و هي تُضَيّق عين واحدة،:الله يخليهم اللحين خمسة عندها
ابتسمت والدتها،:ما شاء الله الله يخليهم
حـور بضحكة و هي تتذكر،:وين كلامها يوم كنا في الثانوي بتجيب بس اثنين ماتبي جسمها يخترب
رفعت يدها تُغطي فمها و صوت ضحكتها يرتفع،:كله انمحى بس والله جسمها صار احلى اللحين
ابتسمت حور بحُب،:سلمي عليها،يبي لنا نتقابل نسترجع الذكريات
ارتفعت يد أم يوسف لكتف حور و هي تمسح و لسانها ينطق بأمنية،:الله يفرحني بشوفة ولدكم
رفعت ملاك عينيها لأخاها و زوجته،عَضَّت شفتها السُفلى مُلاحظةً الجمود الذي اعتلى ملامحهما..تذكرت نصيحة فاطمة و صمتت عن ذكرها،فهذان الوجهان لا يُشجعان على النُطق..تحمحمت تُغير الموضوع و هي تُوجه الحديث لوالدتها،:ماما باجر ان شاء الله بقابل ام طالبتي اللي قلت لش سالفتها،دعي تتسهل الأمور
ضحكت على ابنتها التي لا يردعها شيء،:الله يعطيش على قد نيتش يابنتي " نظرت لإبنها مُردفةً بكلمات كان انتقائها خاطئ" اختك بتصير مُحامية،اول شي قضية ابوك و اللحين طالبتها
اصطدمت الملعقة بالصحن ليرتفع صوت أرجف حـور و نَشَر تبلد في أطراف ملاك..ضاقت عيني يُوسف الذي انسلخ عن صمته مُفرجاً عن كلمات نُقِعَت في سُم عتيق،:انتِ للحين تلاحقين ورا قضية ابوي ؟
ضغطت بيدها على الملعقة..لا تتكلمي ملاك،تجاهلي نبرته المُتَهمة..لا تُفسدي هذه الليلة..رفعت عينيها و صوته عاد بحدة،:اكلمش انا،للحين تلاحقين ورا قضية ابوي ؟
مالت برأسها و بنبرة نصفها رجاء،:خلاص يُوسف بعدين نتكلم
شَهقت بعُنف من قبضته التي استحكمت من ذراعها و بصرخة أرعبت حـور و أنَّبت ضمير والدته التي تناست الماضي و نَطقت،:قسم بالله يا ملاك ان ما تركتين القضية بتشوفين شي عمرش ما شفتينه
و ذراعها تتلوى بين يده مُحاولة الفرار منه، و بحدة اعتلاها تصميم،:مالك دخل فيني يُوسف ابــوووي و كيفي " وبصرخة" مالك دخل
تَلَقفت يدي حـور ذراع زوجها تُحاول أن تحمي أخته من ضَرر ذات ليلة ألحقها به و برجاء،:يُوسف خلاص اتركها
نَفر يدها بغضب و و عيه للتي بين يديه..رفع سبابته أمام وجهها بتهديد يقف مثل قُضبان في وجه إقدامها الأنثوي،:شوفي يا ملاك هذا تحذير ان سمعت انش تنبشين ورا هالسالفة لي تصرف ثاني وياش
تَركها بقوَّة أوجعت ذاك العِرق الرابط بينهما..أحنت و عَقفت ظهره المُثقَل بماضٍ لا يَرحم..ارتجفت من صوت إغلاق الباب من خلفه..انتقلت عينيها على والدتها وحور بشفتان تميلان على هضبة بُكاء..انفلتت منها شهقة أتبعها سيول عينيها..وقفت تجري تختبئ في دارها المُنتظرة استقبال نَوح فارقها لفترة..،
حـور التي وقفت في مكانها لا تدري تلحق صديقتها و أخت زوجها المُنقطعة أنفاسها من بُكاء..أم تلحق زوجها الذي أظهر وجهه الآخر لغيرها..لأول مرة ؟! أو رُبما ليست الأولى و إنما هي جاهلة وسط صحراء لا تُسبغ عليها حقائق تروي عطش عقلها..
،:قعدي يا بنتي
التفتت لأم زوجها و باستجابة جلست على الأرض أمامها وهي تضم جسدها من الموقف الجديد على بَصَرها..ابتسامة جُفَّ شعورها و اعتنقها شحوب اعتلَّ من دمٍ و موت !
بتنهيدة نَطقت،:لا تخافين يا بنتي هذا حالهم من سنين،ملاك تلاحق ورا قضية ابوها و يوسف واقف قدام طريقها
تساءلت بصوت أخفَتَهُ التَعَجُب،:زيـن ليش ؟ "رفعت كتفيها بعدم فهم و هي تُردف" ليش كل واحد يواجه الموضوع بطريقة تعارض الثاني
رأسها تَوسد راحة يدها،:ملاك ابوها كان مثل الملاك قدامها،ما يغلط و لا يسوي الحرام،فهي تحاول تنكر اللي صار،و يوسف ردة فعله طبيعية للي واجهه في صغره
حَرَّكت يدها أمام وجهها تُناشد الفِهم،:اثنينهم تلقوا خبر موت ابوهم في عمر صغير ماني فاهمة ليش ردة فعل كل واحد منهم مختلفة !
صمت تمازج مع الثواني و عيني أم يُوسف لم تُغادر محطة حــور المُضظربة بجهل..تساءلت بخفوت تتأكد من ظنها،:ليش يا حور يُوسف ما قال لش ؟
زَفرَت النَفس بصعوبة و نبرة أم زوجها أودعت تَرَقُباً يَطل على فَوَّهة الهَلع..اقتربت منها وهي تتساءل بتردد يخشى الصدمة،:شــ ـشنو يقوول ؟!
رَكَّزت عينيها في عيني حــور لتستقبل أثر ما ستُلقيه على مسامعها،:يُــوسف كان الشاهد الوحيد على انتحار ابوه،ابوه انتحر قدام عيونه
~ انتهى
،
|