كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرَّحْمن الرَّحيم
الجزء السَّابع و الأَرْبَعون
الفَصْل الثَّاني
كان الحَديثُ لَطيفاً..هادِئاً و بهِ نَفَحات وِد رَقيقة..تَتَخَلَّلَهُ ضِحْكات ناعِمة من جانبها على مَلامح الخُذْلان التي كانت تَرْتَسِم بمَرَح على وَجْه هَناء..فللمَرَّة الثَّانِية يُخْطَأ في تَشْخيص جِنْس جَنينها..كما ولادتها الأُولى..يُبَشّرونها بغَفْو ذَكَر في رَحْمها..لِتَأتي الوِلادة رافِعة الخِمار عن وَجْه أُنْثى مُشَبَّع بلَوْنٍ زَهْري طَغى على زُرْقَة البَحْر الذي كانت تَتَمَنَّى أن يُعانقهُ المَد،لتَزور أَمْواجه رِمال أُمومتها المُشْتاقَة..،أَرْدَفَت بابْتسامة مازِحة،:في ولادتي الأولى حطيت اللوم على دكتورتي لأنها غلطت..و في هالحمل هذا رحت أراجع عند دكتورة ثانية..و نفس الغلط ! الواضح إنَّ الخلل من بناتي مو منهم المساكين
بادَلَتها الإبْتسامة بخِفَّة و هي تَقول بِنَصِيحَة،:إن شاء الله في الحَمْل الثالث روحي لأكثر من دكتورة تشوف جنس الجَنين..عشان تتأكَّدين
تَصَدَّعَت ملامحها من شَذَرات التَّعب و الإرْهاق مُعَلّقة،:خل أوَّل أَنسى شهور هالحمل عشان أفكر في حمل ثالث..إذا الله أحيانا
هَزَّت رَأسها بتَأييد،:ايــه يعطيش العافية..اللحين استمتعي مع هالبيبي..و البيبي الثالث بيجي في وقته إذا ربي كَتب
،:إن شاء الله
الْتَفَتت لسُؤال والدة رائِد البادي عليه فُضولٌ بَريء،:و إنتِ يُمَّه فاتن متزوجة ؟
أَجابتها بابْتسامة غَلَبها الشُّحوب،:منفصلة
هَناء بتَرَدُّد خَجِل أفْصَحَت عن اعْتقادها،:و أعتقد ما عندش عيال صح ؟
الشُّحوب تَكاثَرت منه أَغْصانٌ شائِبة،لِتَعْلو عاقِدة نَفْسها بأهْدابها التي انْحَنَت بِحُزْنٍ خَفي..هَمَسَت بكلمات قَد تَكُون مُتَهَوّرة..لكنَّها كانت كالدَّواء المُبَشّر عِلَّتها بالشّفاء،:امبلى عندي..عندي بنت..حَنان "صَدَّع الأسى ابْتسامتها مُرْدِفةً" صارت مرأة اللحين..عمرها ثمانية و عشرين سنة
عَقَّبَت أُم رائِد بصِدْق،:الله يخليها و يحفظها إن شاء الله
أَكَّدَت و الدُّعاء اقْتَرَن بالأَمَل،:يــارب "رَفَعت ذراعها تَنْظُر لِساعتها المُعانِقة رِسْغها و هي تَقول" اسْتَأذن اللحين
أَمْسَكَت حَقيبتها المُرْتاحة على يَمينها عندما قالت هَناء بلُطْف،:ما صار لش ساعة..قعدي بعد شوي
مالَ رَأسها بخِفَّة و ابْتسامتها النَّاعِمة تَتَّسِع لِتَجْرُف رِمال الماضي الآسِنة بتَعْقيب،:والله قعدتكم ما تنمل..بس عندي شغل في مكان ثاني
وَقَفَت أُم رائِد لتُوَدّعها قائِلةً،:عيدي الزِيارة
قَبَّلَتها مُجيبةً،:أَكيد..إن شاء الله في الأفْراح "لَوَّحت بيَدها و هي تَتَراجع إلى الباب" مع السَّلامة
خَرَجَت بَعْدَ أن داعَب مَسْمَعيها كلمات تَوْديعهم اللَّطيفة..اسْتَمْتَعَت حَقَّاً خِلال النِّصْف ساعة التي قَضَتها معهن..حَقَّاً اسْتَمْتَعت..غَريب أَلَيْسَ صَحيح ! و هَذهِ الغَرابة تُشْبِه رِياح شِتاءٍ يَحُفَّهُ دِفء العائِلة،تُغَلّف قَلْبَها المُحتَكِرَهُ شِتاءٌ جَليدي..لا يَرْكَعُ لِأي دِفء..،رُبَّما هذا الشُّعور الغَريب و اللَّذيذ،كان ثَمَرَة ارْتباطها برائِد..فرُبَّما هُن وَرِثْن مِنْهُ تِلْك الأُلْفة التي تُذيب تَكَدُّسات الماضي العَنيدة..فَبَيْنَ حَديثهن..ابْتساماتهن..والْتماعة أَعْيُنهن وَجَدَت شَيْئاً من رائِحة رائِد..،ابْتسامة حُبور لاطَفَت شَفَتيها عندما اسْتَذْكَر عَقْلَها هُروبه قَبْلَ قَليل..فهي بمُجَرَّد أَن اسْتَكانت على الأَريكة..حَتَّى اسْتَأذّن مُتَحَجِّجاً بانْشغاله،و عَيْناه بوُضوح تَنْفُران من عَيْنيها الحابِسَتان ابْتسامة السُّخْرِية..و كَأنَّهما باصْطِفاقة أَهْدابهما المُسْتَفِزَّة تُخْبره بأنَّني فُزْت و الْتَقَيْتُ بك من خَلْف قُضْبان اخْتبائِك..،غادَرَت المَشْفَى نَحْو مَرْكَبَتها المَرْكونة قَريباً..فَتَحَت الباب ثُمَّ اسَتَقَرَّت على مَقْعَدِها،ضَغَطَت زِر التَّشْغيل و هي مُخْفِضة رَأسها لِحَقيبتها تَسْتَخْرِج منها هاتِفها..الْتَقَطَتهُ وَ بالتَّوالي أَضاءَت الشَّاشة..تَوَجَّهت مُباشَرة لِجِهَة الإتِّصال..ضَغَطَت الأَرْقام و قَبْلَ أن تَرْفَعهُ لِأُذنها قاطَعها انْفتاح باب الرَّاكِب،و الذي أَتْبَع صَوْت إغْلاقه سُؤالٌ ارْتَدَى نَبْرة هادِئة يُلازمها بِضْع اسْتغراب،:من وين تعرفين هَناء ؟
أَغْلَقَت الهاتف ثُمَّ أَخْفَضته في الحقيبة..اسْتَدَارَت إليه مع الْتقاط أَسْنانها لِطَرف شَفَتها السُّفْلِيَّة تُكْبِح ضِحْكة لم يَبْرَح أَثَرُها عَيْنَيها..رَفَعَ حَاجبه ببرود أَرَادَ بهِ أَن يَتَسَتَّر على ضِحْكته هُو أَيْضاً..كان واضِحاً أَنَّها زَميلتها في الجامِعة..لَكِن أَرادَ أن يَتَأَكَّد منها..،حَرَّرَت شَفَتها لِتَهْمس بمُشاكَسة و جَسَدها يَميل مُقْتَرِباً من مَقْعده،:شلون فاتتك إنّي معاها في نفس الجامعة يا حضرة المُحَقق ! "اتَّكَأَت بمِرْفقها على الفاصل بين المَقْعَدين مع اسْتقرار ذِقْنها فَوْق كَتِفها مُرْدِفة " توقعت تنتبه من أوَّل ما توظفت..بس مَرَّت فترة و ما شفت منك رَدَّة فعل "و بِخَبَث" قلت أخليك على عَماك..بيجي يوم و بتنتبه أكيد
حاجبه لم يَتنازل عن ارْتفاعه..و نَظَراته الْتَبَسها اسْتنكارٌ صامِت دَفَعها للإعْتراف و ضحكتها تَعْلو ببحَّة الحُزْن المَكْتوم،:أمزح معاك..ما كنت أدري أصلاً..توني عرفت إنها خالتك
عَلَّقَ،:ايــه أنا أقول شلون بتعرفين..يعني ألقابنا مختلفة..و لا مثلاً في بيننا شبه عشان تربطين !
قَرَّبَت وَجْهها من وَجْهه أَكْثَر مُضَيِّقة عَيْنيها بتَرْكيز ضَعَّف من انْتباهه لِسَكَناتها..هَمْسٌ تَخَضَّلَ بِلَحْنٍ مُحِب حَلَّقَ من حَنْجَرتها إلى قَلْبه،:اي ما بينكم شبه..إنت تشبه أمك..و هي ما تشبهها
ابْتسامة مائِلة بغُرور مُصْطَنِع حَطَّت على شَفَتيه ناطِقاً بصَوْت واضِح،:ماخذ جمالي منها
أَكَّدَت بابْتسامة تَشَرَّبَت بِضْع حَنان،:ايــه " أَضافَت و الْتماعة دَمْع أَضاءَت وَسَط حَدَقَتيها المُجْتَرِعتهما الوِحْدة"و ماخذ طيبة قَلبها بعد
أَطْبَقَ شَفَتيه..و أَمام اعْترافها الصَّامِت تَبَعْثَرَت حُروفه..عاجِزةً عن خَلْق كَلِمة تَحْتَضِن "الحاجَة" التي تَأبَى أن تُحَرّر ذاتها..هَمَسَ مُنادِياً من بَيْن فُوَّهة فَمٍ فَشِل في احْتواء شَتاتها،:فاتِــن
ابْتَعَدَت عَنْهُ ابْتعاداً مُقَلَّداً بالهُروب..هُروبٌ من مَشاعِر مُتَعاقِدة مع السَّواد و لا غَيْره..مَشاعِر لم يُعاشِرها فَرَحٌ و لا ابْتسامة راحة..مَشاعر تَلِد الوَخَزَات و الأَلَم..و تَعْقِد قَرانها بمَوْسمٍ يُسَمَّى الدُّموع..لهُ مَذاقٌ عَلْقَمي و لَذْعة مُلوحة تَنْكأ جِراح الأَزَل دُون أن تُضَمّدها الرَّحْمة..،كُل مَخْلوق كانت له وَشائِج مع الماء تَهْفو إليه الرُّوح..و قَد يَصِل الأَمْرُ إلى عِشْقه..مَطَراً كان أو بَحَر..و حَتَّى دَمْعُ فَرَح..لَكِنَّ ماء العَيْن الباكي قَهَراً..و المُنْتَحِبُ من الأَسَى وَجَعاً..تَثُور الرُّوح لِيَسْقُط حُكْمه الطَّاغي..لَكِنَّهُ جائِر..و من أَسْفَل شَفَافية الماء و نَقائِه تَدْعمهُ نِفاقاً تِلك الدُّنيا العَجُوز..،حَرَّكَت المَرْكَبة بهُدوء و بَصرها مَعْقوداً بالطَّريق أَمامها..ثوانٍ مَرَّت و الصَّمْتُ حاديها..قَبْل أن يَنْطُق باسْتيعاب مُتَأخّر..،:فاتِن سيارتي في المُستشفى
فَرَّت من قَلْبها تَنْهيدة حاسِرة..لا تُظَلّلها سُحُب أَمان..و بهَمْسٍ لهُ لَحْنٌ راجٍ،:وَعْـد..ابي أفارق فاتن و حزنها و كآبتها "الْتَفَتت للحظات مُسْتَطْرِدة بنِصْف ابْتسامة مُرْهَقَة" اشِتقت لك رائِد..أدري فيك شارد عني و متعمد تحقرني و تسببت في قهري..بس بعد ما أنكر إنّك وَحشتني
ضَعَّفَ من انتباهه إليها..لتَيه عَيْنيها..اخْتِلاجات أَهْدابها..تَعَثُّر الحُروف على شَفَتيها..و تَعَكُّز أَنْفاسها بِنَسَمات الهَواء المُسانِدة ضيق صَدْرها..أَسْنَدَ ظَهْره للمَقْعَد مُسْتَرْخِياً في جُلوسه..وَ وَجْهُه مُلْتَفِتاً إليها يَطُوف مَدينتها المَمْسوسة بأَيْدٍ ظالِمة..هي أَكْمَلَت حَديثها المُسْهَب،:تدري..يوم عَزيمة خالتك..ما كنت مرتاحة..يمكن اللي قابلتهم هناك ما كانت كلهم نفوسهم نقية عشان تِتقبَّلهم ذاتي..بس اليوم..بين أمك و خالتك و أهلك..حسيــ ـت..حَسيـت بدفء..دفء متردد إنَّه يظهر "مالت شَفَتاها بسُخْرِية"و كأنَّه يخاف يحضني و أموت من فرحتي..فرحتي بدفا العايلة "تَوَقَّفَت أَمام الإشارة الحَمْراء..أَدارت وَجْهها تَنْظُر إليه و هُو يُحيطها بعَيْني اهْتمامه..قالت مُعْتَرِفة وَ وَميض الأُمْنِية المُسْتَحيلة يَتَنَشَّق وَسَط مُقْلَتَيها" تمنيت في هالنص ساعة إنهم يدرون إنك زوجي..و إنّي وحدة منهم وفيهم..يكونون عايلة لي و أكون بنت لهم "إغْماض لَحْظي شارَكَتهُ ضِحْكة يائِسة قصيرة بقُصْر الفَرَح" تمنيت أكون أنا الوالدة..و تكونون حواليني و البيبي ينتقل من حضن لحضن "عادَت تُواجه الطَّريق مُمْسِكة بالمُقْوَد..مُحَرّكةً المَرْكَبة،و لِسانها يَهْمِس بِعَجْزٍ يَصْرُخ في الجَوَى" بــس حلم..حـــلم
تَقَدَّمَ جَسَدهُ للأَمام باسْتِدارةٍ إليها و هُو يُعَقّب بجِدِيَّة،:ليش حلم ! إذا تبين اللحين أروح أقول لهم إنش زوجتي..مهما تكون ردَّة فعلهم..بس في النهاية بيتقبلون..و بتفوزين بالعايلة اللي تبينها
حَرَّكَت رِياح الأسى رأَسْها تَرفض قَوْله،:لا رائِد..مو بهالسهولة..إنت عارف شنو اللي أبيه..أكثر من العايلة أبيه..ما ينافسه إلا شوقي لبنتي و أمل لقاءها
بتَنْهيدة اسْتَعَدَّت للتَّشَبُّث بِنفاذ الصَّبْر،:مُصرَّة يا فاتن ؟
بتَأكيد هَمَسَت و عَيْناها تَتَطَلَّعان لِمُسْتَقْبَل الإنتقام،:إصرار الدنيا كله عندي
باسْتسلامٍ تام،:إذا كان هالشي بيريح ذاتش..فبنتخلص من فاتن..يـا وَعد
,،
ساعات العَمَل انْتَهَت..و بانْتهائِها ذَوَت طاقَته المُتَرَنِّحة..فُتورٌ شَديد يُأطِّر عَضَلاته..و سُرْبٌ من طُيورٍ ناعِسة يُرَفْرِف فَوْقَ رَأسه..فالنَّوم قَد حَطَّ رَحْله الثَّقيل فَوْق جِفْنيه،مُغازِلاً عَيْناه المُتَلَوِّنَتان بالتَّعَب..،مُنذ الفَجْرِ و هُو في المَشْفى..الطَّوارئ لم تَفْتئ أن تَسْتَقْبِل الأَجْساد المَعْلولة عُلَلاً مُتَفاوِتة..بَعْضُها كانت تَسْكُنها جِراحٌ طِفيفة..و بَعْضُها أَراد المَوْتُ أن يَخْتَبِرَ أَرْواحها..ثَلاث عَمَلِيَّات جِراحية اسْتَنْزَفن حَواسه و اجْتَرَعن نَشاطه دُفْعَةً واحِدة..مُخَلّفن وارءَهن جَسَداً مَسْلُوخ القِوى..بالتَّحْديد إحْداهن..كانت لِطْفل لم يَتَجاوز الثَّامِنة..لم يَكُن حالة طارِئة كالباقي..كان مُخَطَّطاً لِعَمَليته مُسْبقاً لِتَكون صَباح هذا اليوم..فَوَرَمٌ حَميد اكْتُشِف أَنَّه يَتَوارى في دِماغه قَبْل أَسابيع..حَمْداً لله كانت ناجِحة..لَكِنَّ ذاك الجَسَد الصَّغير،المُتَعَلّق بأُرْجوحة الطُّفولة الجَميلة..هَزَم رُجولته..و دَمْعُ والدته و دُعاءَها الهَامس اخْتَرَق غِشاء تَبَلُّده الصَّلْب الذي اعْتاد أن يَرْتَديه قَلْبه قَبْلَ الوُلوج لِكَهْف الآهات..الآلام و الدّماء..،رَفَعَ ذراعه يَدْعك برسغها عَيْنه مُضَعِّفاً من خُطوط الإرْهاق المُضَّجِعة حَوْلها..ابْتَسَم بخُمول للبائِع الآسْيوي الذي ناوَلَهُ كوب قَهْوة سَوْداء..اسْتَلَم منهُ الباقي من نُقوده لِيَحْشِرها في جَيْب بنطاله الأَزْرَق قَبْل أن يَسْتَدير مُغادِراً "كَفْتيريا" المَشْفى..واصَلَ مَشْيه يَنْوي المُغادَرة..بالكاد لَديه الوَقْت ليَغْفو قَليلاً قَبْل أن يَتَجَهَّز لعَقْد قَران فَيْصَل..ارْتَشَفَ من كُوبه مع تَعَلٌّق عَدَسَتيه بالفَراغ الذي جَرَّهُ للبُقْعَة التي تُناقِش هذا الخَبَر..خَبَر عَقْد قَران ابْن عَمَّه..فَيْصَل..ذاك الذي قَلَّدَتهُ جِنان بوِسام حُبٍّ اعْتَقَدوا أَنَّهُ لَن يَحْمِله أَبَداً..لَكِنَّه ثَبَّتهُ بشَرايين قَلْبه و أَوْرِدَته..مُعْتَرِفاً بولائِه لأُنوثتها..،لَكنَّ انْفِصالاً غَريباً..تُشَيّعه أَعْلامُ انْكسار و قَهَر..كان الفَيْصَل بين عِشْقهما..فَرَّقَ بين رُوحيهما على غَفْلة من حُبٍ أَبْكَم..حُب الْتَزَم صَمْتاً اخْتَلَطَت مَعانيه..لَم يَعْلموا..أَكان صمْت اسْتسلام..أم صَمْتٌ جَبان ! فهُو الْتَبَسَ الإثْنان مَعاً..جِنان..و ذلك الفَيْصَل الذي صَدَمه بقرار ارْتباطه بأُخْرى..إذاً كَلَّفهُ خَمْس أو ست أَعْوام لِيَحْرق جِنان حُبّها المُزْهِرة وَسَط رُوحه ؟ أم أنَّ الجِنان لا زالت تَتَنَفَّس..و إنَّما أَراد أن يَسوق إليها سُحُباً حبْلى بأمْطارٍ لها راِحة أُنْثى أَخْرى ؟ و هُنا السُّؤال المُهِم..السُّؤال الذي يُنَبّش عَنْهُ قَلْب عَبْدالله..أَمِن الطَّبيعي أن يَلْتَفِتُ القَلْب لِأُنْثى أُخْرى..غَيْر تِلك الذي هامَ بها ذات زَمَن ؟
،:دكتو عبدالله
حانَت منهُ الْتفاتة بَسيطة..الْتِفاتة كانت تَوْأماً لِتِلْك التي وَجَّهت قَلْبه لِحُبٍ جَديد..يُخيفه..،
،
لَم يَصِلها مَلَف الطّفل..مُنذ الصَّباح و هي تنتظره..ذَهَبَت للإطْمئنان عليه بَعْد إنتهاء العَمَلِيَّة..و اسْتَفْسَرت عن المَلَف لَدى المُمرضات لكن لَم تَجِد جَواب..لِذلك اضطَّرَت أَن تَلْجأ للطَّبيب عَبْدالله مُكْرَهة،بما أَنَّهُ الذي أَجْرى الجِراحة..فهي لم تَشأ أن تُحادثه بَعْد تصرفاته الغَريبة مَعها..بوُضوح مُسْتَفِز يَتَجاهلها كُلَّما جَمَعتهما الصُّدْفة..هُو يَتَجَنَّب أي احْتِكاك بها..يَمْنع عَيْناه من الإلْتقاء بِعَيْنيها بإشاحَة يَسْتَعِر منها قَهَرها..لِماذا لا تَدْري ! المُريح في الأَمْر أَنَّها انْتَقَلت لِقسم مُغاير..فاحْتمالية مُواجهته ضَئيلة في الأَيَّام المُقْبِلة..على الرَّغم من خُطورة هذا الإبْتعاد بالنسبة لخُططها..لَكِنَّه الأَسْلَم في هذه الظُروف..،كانت تَبْحث عنهُ بين الأَجْنِحة بعد أن نَجَحَت في اصْطياد بضع دقائق فَراغ من بين أَنْياب يَوْمَها المُزْدَحِم..اتَّجَهَت لِقسم الجِراحة حَيْثُ هُناك أَخْبروها باَنَّهُ غادَر قبل قَليل..فرُبَّما تَلْحق به قَبْلَ خُروجه..و بالطَّبع اسْتطاعَت أن تَعْثُر عليه عند باب الخُروج..نادَته قَبْل أن يَخْطو للخارج..الْتَفَت إليها بنِصْف اسْتيعاب..تَباطَأت خُطواتها تِلْقائِياً مُعْتَقِدةً أَنَّهُ سَيَتَوَقَّف مُسْتَجيباً لِمُناداتها..لَكنَّهُ صَفَعها بِصَدْمة عندما اسْتَدار لِيُكْمِل طَريقه بتَجاهل صَريــح اتَّسَعَت منهُ عَيْناها بذهول..تَدارَكت مُسَرِّعة من خُطواتها و لِسانها يُناديه،:دكتور لحــظة...دكتور..دكتور عبدالله..لحظة ابي اكلمك
كان يَمْشي كهاربٍ من حَرْب تُلاحقه بمدافعها و رَصاصاتها القاصِدة ذاك الذي خُلِقَ من ذَرَّاتٍ تَهْوى تَجاوز السُّلْطَة..سُلْطة الجَسَد..الرُّوح و العَقْل..ذاك الذي أَوْرَثَ نَبَضاته صِفة التَّطَرُّف..و أَشْعَل بين حُجُراته شِعاراتٍ ثائِرة..تَرْفض الخُنوع لِقوانين جَبانة تَخْشى أن تَنْتَعِل الجُرْأة..فَيَمْسي المَرءُ مُكَبَّلَاً بقُيود اللَّحْظة..مَحْنِي الرَّأس و الذَّات..يُطالع أَرْضاً سَتَكون لَحْده ذاتَ يَوم..فَرُعْب الغَد المَوْلود من رَحْم الماضي الغَدَّار..يَمْنعه من فَتْح النَّافِذة المُشْرِقة منها شَمْس المُسْتَقْبَل..،قَدَماه لم تَنْفَكَّان عن نَقْلِه إلى ضِفَّة النَّجاة..كان يَنْظُر لِسَيَّارته و كَأنَّها الخَلاص الذي سَيُنْقِذه من هَذا الهذيان..يُنْقِذه من هذه الأُنْثى العابِثة بسُكون رُجولته..يُنْقِذه من الغَرَق في عَسَلٍ سيُلْذَع قَلْبه من مَرارته في نِهاية القِصَّة المُتَسَرْبِلة بألوانٍ زاهية..ما هي إلا قِناعٌ مُزَخْرَف بالكَذِب..كما القنِاع الذي ارْتَدَتهُ نُور..و أَجْبَرت نَفْسها على العَيْش معه مُحاولةً غَرْسَ بُذور حُبّه في قَلْبها مِثْلَما قالت له..لَكِنَّها فَشَلت..و اصْطَدَمَت مُحاولاتها بجَبَلٍ صارِم..يَرْسو فَوْق رُوحها..مانِعاً إيَّاها من المَضي بِراحة بين زَوايا الحَياة..كُل الذي كان مُجامَلة..الحُب..بَريق العَيْن..و حَلاوة الإبتسامات..القُبْلات و الأَنْفاس..حَتَّى الكَلِمات النَّاقِعة في عِطْرٍ من الهَمَسات اللذيذة..لَم تَكُن سِوى غَصَّات أَفْرَج عنها قَلْباً لم يُحِبَّه أَبَداً..،أَسْبَلَ جِفْنيه يَحْمي المُقْلَتان من سَيْل الذّكْرى الآسِن..تِلْك الذِّكْرى التي لا زالت تَصَدُّعاتها تَحْفر نَفْسها بين حُجْرات فُؤادٍ كان ذَنْبهُ أَنَّهُ أَخْلَصَ في حُبّه فَقَط..،تَوَقَّفَ عند باب السَّائِق..أَمْسَكَ بالمِقْبَض..حَرَّكَ إبْهامه لِيَصْدُر صوت فَك القفل..انْفِراج قَليل كَشَفَ عَنْهُ فَتْحهُ للباب..قَبْلَ أن تَأتي كما عاصِفة هَوْجاء كَفَّان لِتُغْلقانه بِقُوَّة غاضِبة..رَفَع عَيْنه بِحاجبان عَقَدهما الإسْتنكار..لِيُبْصِرها و القَهَر بَحْرٌ هائِجٌ يُمارس مَدَّهُ و جَزْره عَلى حواسها..وَجْهُها مُحْتَقِن باحْمرار يُنْذِر بانْفجارٍ ذو عواقِب وَخيمة..و صَدْرها يَرْتَفع و يَنْخَفِض بسُرْعةٍ مُرْتَجِفة،مُتَرْجِماً الغَيْظَ على هَيْئة أَنْفاس حارِقة..،تَعَثَّرَت حَدَقَتاه بوابَلٍ من شَظايا نارِية تَعْبُر زُمُرُّدَتَيها..اسْتَلَّت من بَيْن أَسْنَانها سُؤالاً يَنْبُض بالكُرْه،:مُمكن أَعرف شنو سبب قِلَّة الأَدب هذي يا دكتور !
,،
ذَلك السُّؤال تَحَوَّرَ إلى سَهْمٍ..لا لا..بَل كان سَهْمٌ فِعْلاً..سَهْمٌ لَم يُسَن،لَهُ تَعَرُّجات تُفْري القَلْبَ بِقَسْوة تَتَجَمَّد منها الدِّماء وَجَعاً..عَقْلَها فَقَد الإتِّصال بِحَواسِها..لَم تَعُد تَشْعُر بأَطْرافها،و تَصَلُّبٌ حاد قَبَضَ على فَكِّها مُقَيِّداً اللسان و الكَلِمات..مُقْلَتاها جَالت وَسَطَ بَياضَهُما ساعات الفِراق الماضِية..الدُّموع..الصُّراخ..اللَّوْم و كلمات التَّجْريح..حَتَّى الإحساس القاتِل لِطَعْنة سِكِّينه شَعَرَت بألَمِها حَيَّاً بين غُرز فَخْذِها الخَمْس..و مَلْمَس الدِّماء اللَّزِج..المُثير للغَثيان كان مِثْل فَيَضانٍ ساخِن اعْتَراها من قِمَّة رَأسِها حَتَّى أَخْمَصِ قَدَميها..لِتَنْشَط بين عِظامها ارْتعادة اسْتَلَّت جُزْءاً من رُوحها ثُمَّ غادَرَت..،حَدَّقَت بها بِضَياع مُنَبِّشة عن مَعْنى يُتَرْجِم السُّؤال الغَريب..و كَأنَّها فَهِمَتها..فَهي عادت تُكَرّره بصيغة أَكْثر وُضوحاً..و أَشَدُّ قَسْوة..،:شسويتي جِنان ؟ شنو كان الجرح اللي زرعتينه في قلب ولدي ؟ شنو هالجرح اللي دمه ما وقف !
تَصَافَقَت أَهْدابها بسُرْعَة مَلْحوظة..بِبطءٍ آلي تَحَرَّكَت لِتُواجه الأَمام بَعيداً عن تِلْك المُتَسائِلة..انْكَمَشَ جَسَدُها و بين فَخْذَيها اخْتَبَأت يَداها لِتُخْفِيان افْتِقَار خُطوطهما للكَلِمات و التَّبْريرات..تَهَدَّلَت مَلامحها..و شَيءٌ من تَبَلَّد بَدَأ يُحيك خُيوطه بِحَواسها..رَمَشَت بِبطء الصَّدْمة و الصَّوْت لا زال يَقْذِف جَمَراته على شَيْطانها الذي خُيِّلَ لَتِلْك و لابْنها أَنَّها اتَّبَعَته..،:كنت عاطفة عليش..حرمش من حقش..و فَرَّقش عن بنتش بعد ما أوهمش إنها ماتت..و مستحيل أوافقه على هالشي..مهما كان حجم الغلط اللي صدر منش..بس هذا ما يمنع إنّي أزعل و أشيل في قلبي على اللي سويتيه في ولدي
هَمَسَت و انْكماشها يَتَضاعف..كما اخْتباءٍ عن اتَّهام يَرْفض مُصافَحَة البَراءة..،:ما سويـــ ـت شي
عَقَّبَت بنَبْرة مُطَعَّمَة بالشَّك،:و أَحْمَد يا جِنان ؟ أَحْمد اللي انذكر اسمه على لسانش..و اللي طاريه يحرق فيصل..سمعت اسمه منش بأذوني..و بعيوني شفت شلون يأثر في ولدي..قولي شنو كان بينش و بين أحمد..شنو اللي صــ
قاطَعَتها بحِدَّة مُذَيَّلة بالرَّجْفة و هي تَسْتَدير لها بفَجْأة،:ما صار شي..ما بيني و بين أحمـ ـد شي "صَرَخَت و بِكَفَّيها احْتَضَنَت وَجْهها..تَحْميه من قِطْران الدُّموع التي سَلَخت وَجْهها في تِلْك السَّاعة الشُّؤم" ما صار شــي "أَنْحَنى ظَهْرها و من عَيْنيها ذَرَفَت عِتاباً للذي لم يَسْمع..أَرْدَفَت بنَوْحٍ على مَشارف الذُّبول " ما سويـ ـت شي ..واللـ..والله .. والله مـ ـا سويت شي..ما خنته..والله ماخنتـ ـه
كَرَّرَت و حَدَقَتاها تَطُوفان أَرْض الجِنان المُدَمَّرة على عَجَل..تَبْحَث عن مِفْتاح للعُقْدَة التي كَبَّلَت قَلْبين لا زال الحُب يَعيش وَسَطهما..،:شصار جِنان ! قولي لي
هي أَعادت الجَواب الرَّافِض تَحْرير لِسانها،و رَأسها يَتَحَرَّكَ بنَفْيٍ مُنْهَزِم،:ما سويت شـ ـي
عُقْدة عَدَم فَهم اسْتَقَرَّت بين حاجبيها..و بنَفاذ صَبْر تَساءَلت،:شنو اللي ما سويتيه..تحجي جِنان !
أَخْفَضَت كَفَّيها عن بَيْدَرها الغارِق..بالتَّوالي مع استدارة وَجْهها،لِيَنْكَشف لِوالدته خَرائِط الضَّياع و الأَلَم المَنْحوتة بين مَلامحها المُتْعَبة..هَمَسَت مع إسْبالها لِأهْدابها المُبَلَّلة،:ما خنتـ ـه..ما خنته "نَظَرَت لها و من مُقْلَتيها امْتَدَّت يَدٌ تُطالب بالتَّصْديق" حبيته..و للحين أحبــ ـه..و طول عشرتنا ما خنتـ ـه..والله...خــــ..خالتي تصدقيـ ـني ؟
نَطَقَت بِلَحْنِ تَيْهٍ عَبَث بسوَيْداء قَلْبَها حَتَّى أَرْهَقَه..،:من الظالم و من المظلوم ! من الغلطان و من المسكين ! ماني فاهمة..حيرتوني..حيرتوني !
تَنَشَّقَت نَفَسَاً عَميقاً،بُتِرَت أَطْرافه من نَتوءات رُوحها الحادَّة..مَرَّرَت لِسانها على شَفَتيها..اسْتَطْعَمَت مُلوحة الدَّمْع..يا لبؤسَها..أَصْبَح الدَّمْعُ قُوتها مُذْ فارَقَها ذاك القاسي..ذو الكِبْرياء العَتيق..هَمَسَت باعْترافٍ مَبْحوح،:أنا غَلَطت "تَقَوَّسَت شَفَتاها بارْتعاشة بُكاء مُعاتِب و كَتِفها يَرْتَفِع بحيرة طفولِيَّة" بس ما كنت استاهل عقابـ ـه..عاقبني أكثر من عقاب..و كل عقاب ذبحني ذبحـ ـة أَوْجع من الثانية
تَحَرَّكَت يَد لَيْلى قاصِدة ذراع جِنان القَريبة..قَبَضَت عَليها بحَزْمٍ شَديد..الْتَقَت نَظَراتها المَحْمومة بقوَّة مُتَذَبْذِبة..بنَظَرات جِنان المُلْتَاعة من فَيْض الماضي المتُعاضد مع حاضِرها المُتَبَجّح بالخَسارة..هَمَسَت بثَبات دون أن يَرف طَرَفها..،:ابي اسمع السَّالفة من البداية..كاملة..أرجوش
,،
كَلِماتها النَّاقِعة في القَهَر تَتَطاير قَزَعٌ بَيْن نَسَمات الهَواء من حَوْله..لِتَزيده ضيقاً و اخْتناق،فَيَصْعُب على الرِّئَتان ابْتلاعه بهُدوءٍ و اطْمئنان..بَوادر نَوْبة رَبو بَدأت تُشاغب أَنْفاسه..حاوَل أن يَتَجاهلها و يَتَجاهل الجَواب الذي تُريد أن تَسْمعه هذه الأُنثى المُرْعِبة لِرُجولته..تَزَحْلَقَ بَصَرَهُ ببرود على وَجْهها المَحْفوف بالمَخاطِر المُوَجِّهة فُوَّهة سِلاحها ناحِية جَواه المُقَيَّد باسْتعصاء بالسَّلاسل و القُيود..حَتَّى لا يَفُر من الحُصْن الذي يَحْميه من وَغى مُتَسَرْبِلة بزُهور حُب تُخَبّئ خَلْف بِتِلَّاتها أَشْواك مُجامَلة مُقيتة..و إن كان هذا الحُصْن واقِعاً تَتَسَتَّر حُروفه على حُروف السّجن الذي يَمْنع قَلْبه من مُعاشرة حَلاوة الحُب و الهُيام..،رَكَل عَن عَقْله هذه الأَفْكار المَجْنونة مع تَحَرُّك جِذْعه لِيَميل بِخِفَّةٍ و بطء للأمام..أَخْفَضَ رَأسه قَليلاً لِيواجهها هامِساً بجَليدٍ شَرَخ كِبْرياءَها،:روحــي عــن وجــهي
اصْطَدَم ريقَها بحُنْجرتها التي تَصَلَّبَت في حَلْقها بِصَدْمة..عَيْناها أَحاطَهما اتّساعٌ جاحِظ تَلَألأَت من بينه عَدَسَتاها اللتان تَشَرَّبَتا غَبَشاً دُخاني،لَهُ رائِحة حَنَق..وَقِح..وَقِـــــــح..يُواجهها بتَصَرُّفات صِبْيانية مُتَهَوِّرة..و يَقْذِف عَليها كَلِمات حَقيرة ليس لها لِجام يُكْبِح سُوءَها..ثُمَّ يَأتي و يَعْتَذِر مُدَّعِياً بِأنَّه "لم يَقْصِد" و لَم يَتَعَمَّد أن يَلْطم مَشاعرها بسوط أَفْعاله العارِية من أي مُبَرّر و مَنْطِق..كَشَفَت عن كَلِمةٍ انْبَجَسَت من حِقْدَها العَميق بِهَمْسٍ مُتَحَشْرِج،:حَقيــــ ـر
اصْطَدَّ لِهَمْسها بِهَمْسٍ أَعْمَته اللامُبالاة المَوْلودة من رَحْم غَضَبه الأَسْوَد،:بما إنّي حَقير ليش للحين واقفة !
عَلا صَوْته بَزَمْجَرة مُفْجِعة و يَدَه بتَهَوُّر غير مَدْروس قَذَفت الكوب اتّجاهها..لِتَرْتَفع كَفَّاها بحِماية إلى وَجْهها المَأهول بعَلامات الدَّهْشة..و صَدْرُها قَد اخْتَرَقَتهُ شَهْقة مُرْتَعِبة هَزَّت أَضْلاعها..،:قلت روووحـــي عن وجـــهي
سُقوط الكُوب على الأَرْض من خَلْفِها أَحْدَثَ صَوْتاً خَفيفاً جِدَّاً..لَكِن الخِفَّة تِلْك أَفْزَعتها و ضَعَّفَت من ارْتِجافاتها المُتَسَوِّرة بها خَلاياها..عَقْلَها تَجَمَّد..و أَعْلَنَت الأَفْكار فيه عن انْسِحابها..هي غير قادِرة على الْتِقاط أي جُزَيء اسْتيعاب..و كَأَنَّ رُوحها فَرَّت منها لِتَتَخَبَّط بين تَلاطُمات كابوس أَسْود..تارِكَةً جَسَدها الهَزيل يَنْطَوي على نَفْسه بِضَعْفٍ و خَوْفٍ بَغيضان..،ضَغَطَت بكَفَّيها على وَجْهها..و من خَلْف أَصابعها كانت مُغْمَضة بشِدَّة،مُحاوِلَةً أن تَنْحَر المَوْقِف و تُلْقيه بَعيداً قَبْل أن يَنْدَمج بذاكِرَتها..أشاحَت وَجْهها عنه،ثُمَّ أَدارت جَسَدها و هي تَخْطو بلا هدى بَعيداً عن مَوْجات قُرْبه النَّافِثة طاقَة سَلْبِيَّة تُحَرّض على الخَطَر..ارْتَعَدَت فَرائِصها من قُوَّة إغلاقه لِباب المَرْكَبة..ثوانٍ و تَلا الإغْلاقُ صَوْت احْتِكاك العَجلات بالأَرْض..احْتِكاكٌ بِسَبَبه خُيِّل لَها أَنَّ جِلْدها قد انْتُزِع من مَكانه..،أَخْفَضَت يَدَيْها ببطء مُتَرَدَّد..تَصافَقَت أهْدابها النَّافِرة و هي تُهَرْوِل بِعَيْنيها على الفَراغ الذي خَلَّفَه..أَحْنَت رَأْسَها للأَرْض فَلَوَّحَت لَها آثار العَجَلات الصَّارِخة على الإسْفلت الصَّلْب..شَعَرَت بصُراخها يَثْقُب صَدْرَها قاصِداً رُوحها المُتَهَضِّمة،لِيغْرِس في نَفْسِها بَذْرَةً خَبيثة..تَنْمو شَجَرَة زَقُّومٍ..لَها ثِمارٌ من عَلْقَمِ حِقْدٍ و انْتِقام..،
،
حَشَرَ نَفْسِه في سَيَّارته مُنْقِذاً كَيانه من سَطْوة أُنْثَوِيَّة مُبْهَمَة النَّوايا..حَرَّكَ المَرْكَبة بسُرْعَة جُنونِية على إثْرِها صَدَرَ صَوْتٌ قَوي أَزْعَجه..جاهَد و بالكاد اسْتطاع أن يَمْنَع نَفْسه من أَن يَرْفَع عَيْنيه للمرآة ليَسْتَقْبِل انْعكاس حالها بعد فِعْلته الخارِجة عن إرادته..أَغْمَضَ بأَسى مع ارْتِفاع يَده ماسَّاً خُصلات شَعْره من الأَمام..راسِماً صُورة أَسَفه على أَعْصابه التي اسْتطاعت هَذهِ الفَتاة أن تُعينها على التَّسَلُّل من قَبْضة كَظْمه..،أَنْفاسه العَرْجاء كانت تُغادَر رئِتيه بَصَفيرٍ أَشْبَه بآنين الحَمام..ثَغْرة مُتَوَسِّطة بَزَغَت بَيْن شَفَتيه..حاوَلَ عِدَّة مَرَّات أن يَجْتَرِع منها كَأساً من أَنْفاس و لَكِنَّهُ فَشَل..و مُحاولاته تِلْك أَضْنَت صَدْره حَتَّى بَدَأ يَتَوَجَّع بسُعالٍ ثَقيل..لِذلكَ اضطَّرَ أن يَرْكن السَّيارة جانِباً،قَبْلَ أن يَصِل للطَّريق السَّريع و يَزْداد الاَمْر سوءاً..حينها سَتُحْشَر رُوحه بين المَوْت اخْتِناقاً..أو المَوْتَ بحادث سَيَّارة..،مالَ جَسَدَهُ لليَمين و سُعاله مُتَواصِلاً..فَتَح الصُّندوق مُتَناوِلاً جِهازه الصَّغير..أَزاح الغِطاء بإبْهامه و بسُرْعة رَفَعهُ لِفَمه ضاغِطاً من الأَعْلى..اسْتَنْشَقَ بعُمْقَ و البُخار يَتَطاير فَوْقه..أَخْفَضه بهُدوء بعد أن انْتَهى..و بالهُدوء نَفْسه أَسْنَدَ رَأسه للمَقْعَد وَ هُو مُغْمَض العَيْنين..بَدَأ يَتَنَفَّسَ بانْتِظام إلا أَنَّ الصَّفير لَم يَبْرَح الأَنْفاس..ارْتَخَت أَطْرافه..و حَرارة لَذيذة عَبَرَت دِمائه ثُمَّ تَفَرَّعت بين أَوْصاله..كَأنَّما لَحْظة الإسْترخاء أَلْقَت عَليه لِحافاً دافئ أَذاب الجَليد المُتَكَتِّل من غَرابة المَوْقِف الذي جَمَعَهُ مَعها..،أَرْخى النَّوْمَ عَباءَته..و اسْتَعَدَّ للإضِّجاع فَوْق حَواس عَبْدالله الذي شَعَر بِثِقْلٍ يَسْتَقِر على جِفْنيه..أَسْبَلَ ذِراعيه و ساقَيه باسْتسلامٍ لِيَد النَّوْم اللَّطِيفة..تِلْك اليَد التي سَتَنْتَشِله من بين عَرَصات واقَعه المُزْدَحِم بالتَيه..التَّناقُضات..الأَسْئِلة اليَتيمة من جَواب..و الخَوْف من الحُب..لِتُسافِر بهِ إلى سَماء الحُلم المُتَسَرْبِلة بِمَرايا تُجَسِّد ما يَضاد الواقِع الأَليم..فهي تَعْكِس راحة البال..و ضَميراً مُبَرَّأً من التَّأنيب..،
عُقْدَة إنْزِعاج صَدَّعَت ما بَيْنَ حاجِبَيه من رَنين هاتفه الغافي في جَيْبه..أَبْصَر بنِصْف وَعْي و هُو يُخْرِجه..ضَيَّقَ عَيْناه يُحاول التَّرْكيز في الشَّاشة لِقرآة الاسم..كانت والدته..زَفَرَ و هُو يُنْقِله لِوَضع الصَّامت قَبْلَ أن يُلْقيه على مَقْعَد الرَّاكب..ثُمَّ يُلْقِي فَوقه جِهاز الرَّبو بإهمال..اعْتَدَل في جُلوسه مع ارْتفاع يَداه إلى وَجْهه ماسِحاً بحَرَكات بها شَيءٌ من بَقايا الغَضَب..مَزَاجهُ تَعَكَّر كُلِّياً..مما أَثَّر على كُل خَلِيَّة في جَسَده..لا يَسْتَطيع أن يُحادث والدته..بالطَّبع سَتَسْتَنْبِط من صَوْته عِلَّته الخَرْقاء..لا يُريد أن يُثير قَلَقها على شيء تافه و غَبي كَهذا..ضَغَطَ بقَدمه على البَنْزين لِيتَحَرَّك مُواصِلاً طَريقه..رَفَع عَيْنيه للمرآة..قابَلَهُ وَجْهه المكْفَهِر..زَمَّ شَفَتيه بضيقٍ قَطَّبَ مَلامحه..بلا إرادة منه تَجُرُّه مَرْوة نَحْو قاعٍ مُدْلَهِم..لا تُضيء منهُ نُجومٌ تُوْمِض بالأَمَل..،
,،
للتَّو انْتَهت منها المَرْأة التي تَكَفَّلَت بإلْباس مَلامحها النَّاعِمة بَعْضاً من أَلْوان هادِئة تُبْرِزها باحْتِرافٍ و فَن..شَكَرَتها بابْتسامة قَبْل أَن تُغادر الغُرْفة برِفْقَة ابْنة خالتها صَفاء التي تَكَفَّلَت بإيصالها لِباب المَنْزَل..،هي بَقِيَت لِوَحْدها أَمام المِرآة..تَتَمَعَّن بسِحْرها الفَريد،المُحْتَضِن بَيْن طَيَّاته أُنوثة تَسْلُب الأَلْباب و يَسيل منها لُعاب القُلوب الهاوِية الجَمال..،ابْتَسَمت برِضا و هي تَمس بأَطْراف أَناملها خُصْلة مُتَمَوّجة غَفَت على كَتِفَها بنُعومة..الْتَفَتت لِصَوْت صَفاء،:قَمَر قَمَر الصَّلاة على النبي
اسْتَدَارت إليها مُشيرةً لِنَفْسَها و بتساؤل يَطْلب جَواب تَأكيد،:يعني أوكـي شكلي ؟
وَثَّقَت على الحَقيقة و هي تَقْتَرِب منها،:و عَشرة أوكي بعد "غَمَزت لها بعد أن تَوَقَّفَت أَمامها مُرْدِفة بخَبَث" صدقيني فيصل بيدوخ و بينسى نفسه من أَول نَظْرة
قَشْعَريرة بارِدة أَحْيَتها نَبَضاتها الوالِهة و مَضَت تَتَفَرَّع بين حَواسها على إثْر ذِكْر اسْمه..لَم يَتَبَّقَ سِوى القَليل..ساعتان أو أَقَل و سَتُكون له..و سَيَكون لها..رَجُلها هي وَحْدَها..،
،:صَفاء مُمكن تتركينا شوي
الْتَفَتت الإثنَتان للأمْر الجِدّي الكاشِفة عَنهُ أَنْفال الواقِفة قُرْبَ الباب من الدَّاخل..هَزَّت صَفاء رَأسها بالإيجاب ثُمَّ خَطَت تارِكة الغُرْفة للشَّقيقَتان..أَغْلَقَت أَنفال الباب..ثُمَّ تَحَرَّكَت للأريكة المَرْكونة في إحْدى زَوايا الغُرْفة..جَلَسَت و هي تُشير بجانبها قائِلة،:تعالي اهني ياسمين
اسْتَجابَت ياسمين بِصَمْت..و فَوْر جُلوسها اسْتَدارت بكامل جَسَدها لأَنْفال مُسْتَفْسِرة بقَلَق،:شصاير ؟ ليش وجهش جذي !
تَداركت أَنْفال نَفْسَها.. و حاولت دون أن تَنتبه شَقيقتها الصُّغْرى أن تُنْثِر مَلامح طَبيعية تَنُم على الفَرح بين جَنبات وَجْهها الجامد..أَجابت بنَبْرة لا تُبْدي شَيء،:ما صاير شي "ابْتسامة حُب داعَبَت شَفَتيها مع احْتضان كَفَّها لِجانب وَجْه ياسمين بمَلَقٍ و حُب..هَمَسَت بصدق" طالعة قمر..تجننين
نِصْف ابْتسامة شارَكت أَحْمر الشَّفاه تَذَوُّق شَهْد شَفَتَيها..فالإبْتسامة لم تَكْتَمِل لِعَدم اقْتناعها بقِناع التَّصَنُّع الذي ارْتَدَته أُختها على عَجَل..أعادت سُؤالها بوَجْسٍ بهِ لَحْنُ شَك،:شصاير أَنْفال !
كَرَّرَت بثِقة،:مو صاير شي "و بِنَبْرة مُبَطَّنة أَرْدَفَت" بس عندي سؤال
ارْتَفَع حاجِبها بِعَدَم فَهْم،:سُؤال !
هَزَّت رَأسها و هي تَقول،:اي سؤال
أَخْفَضَت حاجبها بالتَّوالي مع انْعِقاد ذراعيها على صَدْرها..و بهُدوء،:و شنو السُّؤال؟
تَقَلَّدَت عَيْناها بنَظَرات مُتَفَحِّصَة،تُنَبِّش عن جَواب تَعْتَقِد أَنَّ شَقيقتها سَتَتَسَتَر عَليه..نَطَق لِسانها صافِعاً وَعْي ياسَمين،:إنت واثقة من فيصل ؟
عَلَّا التَّعَجُّب حاجبيها و عَيْناها اتَّسَعَتا بذُهولٍ كَبير..،:نَعــم !
أَعادت بذات النَّبْرة،:إنتِ واثقة من فيصل ؟
سَيْطَرت على ملامحها عُقْدة مُسْتَنْكِرة،:أنفال شهالسُّؤال الغَلط..لا و بعد بليلة الملجة !
بَرَّرَت و هي التي بَقِيَت لأَيَّام تَتَقَلَّب على جَمْر حَديث أَحْمَد الواثِق،:ابي اتطمن على أختي فيها شي ؟
بذات الإسْتنكار قالت،:تتطمنين بهالسؤال الغريب ! يعني شنو واثقة منه !
وَضَّحَت بصَراحة تَعْلَم أَنَّها قَد تَجْرح هذه الرَّقيقة،:يعني واثقة إنّه يبيش و يحبش و قلبه مو متعلق بطليقته ؟
فَزَّتَ واقِفة و ذِكْر جِنان لَسْعة لَطالما هَدَّدَت بتَسْميم حُلْمَها..عَقَّبَت بصَوْت غَشَاهُ غَضَبٌ طَفيف و هي تُواجهها بظَهْرها،:أَنفال شهالحجي ؟ يعني لو كان للحين يبي طليقته ليش خطبني ؟ ليش ما رجعها له ! "استدارت مُرْدِفة بشك" شتبين توصلين له أَنفال !
وَقَفت تُقابلها مُجيبةً،:مابي أوصل لشي..بس يعني هو طالع من تجربة سابقة..و إنتِ تخوضين هالتجربة للمرة الأولى..فبغيت اتطمن على أختي حبيبتي..لا أكثر
نَطَقَت بكلمات بلا إرادة منها خَرَجت مُذَيَّلة بالحِدَّة،:تطمني أَنفال..أنا و فيصل نعرف بعض عدل..و اثنينا واثقين من بعض و تفاهمنا على كل شي قبل لا نخطي هذي الخطوة..فارتاحــي
اسْتَعانت أَنْفال بابْتسامة شاحِبة أَلْبَسَتها ملامحها البارِدة قَبْل شَفَتيها..اسْتَطاعت أن تَسْمَع بِقَلْبها تَرْجمة الكَلِمتان "تطمني" و "ارتاحي" كانَتا مُرادف لــ "لا تتدخلين"..لِذلك اجْتَرَعت رَغْبة أُخْتها و أَغْلَقَت على الباقي من حَديثها في قَلْبها..و بَيْن نَبْضٍ قَلِق و ضِلْعٍ انْحَنى من هَواجس الرُّوح..حَلَّقَ طَيْرٌ يَدْعو لها بالهنَاء و السَّعادة..تَمْتَمَت،:الحمدلله "أَرْجَعَت خُصلاتها خَلْف أُذْنها مُرْدِفة" بروح اتجهز " و بضحكة قَصيرة" طول اليوم أجهز في البنات و نسيت نفسي
قابَلَت ضِحْكَتها بابْتسامة ظَلَّلَها العُبوس..تابَعَتها و هي تُغادر الغُرْفة حَتَّى اخْتَفَى طَيْفها..بَقِيَت لِثوانٍ مُتَسَمِّرة في مَكانها مُطْرقةً بتَفْكير..حَديث أَنْفال أَشْعَل فَتيل نيران أخْمَدَتها أَمْطار خِطْبة فَيْصل..هي تَعْتَرف أَنَّها لا زالت تَخْشى تِلْك الجِنان..و تَعْلَمُ جَيِّداً أَنَّها بالنِّسْبَة لِفَيْصَل لَيْسَت كَباقي النِّساء..فهي في كَفَّة..و نِساء العالم أَجْمَع في كَفَّة أُخْرى..لَكِنَّ الغُموض يَكْمن هُنا..في ماهِية الكَفَّة..فهي لا تدري أَهي كَفَّة كُرْهٍ و حِقْد..أم هي كَفَّةٌ عِشْقٍ و اشْتياق !
,،
وَسَط سَريرها كان جُلُوسها..أَو انْطواءَها..اخْتباءَها..أَو قَلَقِها ! مَضَتَ ثَلاث ساعات مُذ عادت من مَنْزل أُم مُحَمَّد..و مَضَت ثَلاث ساعات مُذ عَصَفَت بَكَيانها اعْترافات جِنان المُرْتَعِشة..اعْتَرَفَت بكُل شيء..لِسانها كَشَف لها كُل غُموضٍ و إبْهام..هي اسْتَعارَت كِتاب حَياتها من مَكْتَبَتِها المُدَجَّجة بِغُبار الإهْمال..الوِحْدة..البُعْد..الإهْتمام..الحُب و الصَّبابة..الأمان و الثِّقة..الإتِّهامات.. الفِراق..الحِرْمان و الغيــرة..نعم الغيرة..هي تَلَوَّت في حِضْنها بنَحيبٍ مُوْجِع زَرَعَ وَرَماً وَسَطَ فُؤادها..تَتضاعف انْقساماته كُلَّما أَفْرَغَت رُوحها آه مَحْروقة..ما هي إلا مُخَلَّفة من مُخَلَّفات الغيرة المُسْتَعِرة في ذاتها..هَمْسُها المُتَعَثِّر لم يُفارق مَسْمَعيها و هي تَتَساءَل بحَسْرة
"،:احْتَـ ـرق قَلبه مثل حَرقة قَلبـ ـي ! تمنى إنّه ينحر روحـ ـه عشان ينقذها من الغيرة مثل ما قاعدة أتمنـ ـى ! كره الضحـ ـكة و كــ ـره السعادة و كره المُستقبـ ـل مثل ما كرهت ! حس بكل هـ ـذا يوم عرف إنّي صرت حلال لرجَّال غيـ ـره !"
أَغْمَضَت و هي تَتَلَقَّفَ شَتات مَلامحها المُحْتَكِرها الذُّهول..أَيْن هي من كُل هذا..أين والدة جِنان..و والدها..و أين ناصِر من هذه الأَحْداث المُغَيَّبة عن واقعهم ؟! جِنان كادَت أن تَتَنَجَّس بِوَحْل الضَّياع لَوْلا رَحْمة رَبَّي..و ذاك الأَحْمد و الذي كان مُخْطِئاً و جِدَّاً إلا أَنَّه أَنْقَذَها..أَنْقَذَها و قَتَل ابْني..وَخَزات مُؤلِمة تَكالَبَت عَلى مُقْلَتَيها مُؤَجِّجَةً دَمْعها الذي ارْتَطَمَ بِخَدَّيها عازِفاً لَحْن عَطْفٍ على طِفْلَها الذي كَتَم قَهَره..عَجَباً أنَّ جِنان المُتَسائِلة كانت تَبْكيه بين أَحْضانها..كانت لِسانه الذي مَنَعهُ الكِبْرياء من الإفْصاح..كانت دَمَعَاته التي حَبَسَتها رُجولته قَسْراً خَلْف قُضْبَان القَسْوة..و كانت آهات غِيرته المُوَرِّثَها عِلَّة البكم..لِتَنْتَحِب بِصَمْتٍ في زاوية مُظْلِمة من زَوايا قَلْبه المُقَطَّع إلى أَشْلاء..و لَم يَكُن غَيْرها من أَفْرى حُجراته..على حَدِّ عِلم ابْنها الذي أَسَفاً أَنَّهُ لَم يَسْتَمِع..،كانت قَد اسْتَحَمَّت فَقَط و لَم تَتَجَهَّز بَعد..الماء يَحْتَضِن خُصلاتها القَصيرة نِسْبياً..و جَسَدها مُتَدَثِّر بثَوْبٍ مَنْزلي قُطْني..مُصْطَبِغٌ بزُرْقَة هي تَوْأماً لِزُرْقَة البَحْر..و يا لَيْت الرُّوح تَتَسِع بَحْراً يُعانِق بمَوْجه انْكِسارات رُجولتك و يُضَمِّدها برِمال شاطئه..لَيْت ! كَشَفَت عن زَفْرة ساخِنة حَمَلَت مَعها بَعْضَاً من آلامها المُعَزِّية قَهَر ابْنَها..نَظَرَت للسَّاعة المُعَلَّقة..كان تَقْتَرِب من الثَّامنة..حَرَّكَت عَدَسَتيها للمنضدة و المرآة هُناك..قَدَماها تَنْتَعِلان الثِّقْل..هي من البِداية لم تَكُن مُتَحَمِّسة لِهَذا الزَّواج..و بَعْدَ حَديث جِنان المَجْنون..انْتَحَرَ أَضْعَف ضَوءٍ للحَماس في رُوحها..و الأَهم من ذلك..جِنان..جِنان الآن حُــــرُّة...لَيْسَت لأي رَجُل..و فَيْصَل يَمْضي نَحْو حَياة جَديدة و لا عِلْمَ لهُ بأنَّها قَد تَحَرَّرَت..و هُو..هُو اعْتَرَف لها بحُبّه..و جِنان كَشَفَت عن هذيانه به..،هُما مِثْل جُرْأة أَلْوانٍ صارِخة..تَتَراقَص على وَرَقةٍ بَيْضاء..يَرْسُمان سَماءً و أرْض..يَتَمازَجان بلَهْفة و اشْتِياق عن بُعْد..بُعْدٌ ما هُو إلا خَطَّاً مُتَعَرِّج من سَواد انْتَصَف الصَّفْحة..وُلِد من اخْتلاطٍ مُهْمَل للأَلْوان..اخْتِلاطٌ خاطِئ و مُتَهَوِّر..و هي الفُرْشَاة المُبْصِرة حِكاية هذه اللَّوْحَة..فهل تَرْسم البَحْر و تُغْرِق خَطَّ السَّواد ؟ أَم أَنَّها تُحيي مَكانه بُسْتَاناً من حَياة جَديدة..تَحْتَوي الأرْضَ جُذوره الحَديثة المَنْبَت..و تُسْقيه السَّماء بِعَذْبِها المُتَلَهِّف إلى مُعانَقة الإسْتقرار ؟ أَخْفَضَت رَأسها مع ارْتفاع يَدها لِوَجْهها..ضَغَطَت بطَرَف سَبَّابتها على مَدْمَع عَيْنيها..صُداعٌ حاد يَفْتك بِرَأسه..مُنذ أَشْهُر و عَقْلَها تُحوم أَفْكاره حَوْل مَوْضوع واحد..فَيْصَل و جِنان..و كُل الحُلول مِنها قَد اعْتَذَرت..كانت تائِهة عندما كانت عَمْياء عن الحَقيقة..و أَصْبَحَت الآن أَكْثَر تَيْهاً بَعْد أن تَجَلَّى لها كُلُّ ما خَفِيَ..لَحْظَتها تَمَنَّت لو بَقِيَت على جَهْلِها لَما شَعَرَت بحِمْلٍ ثَقيل يَتَّكئ على ظَهْر أُمومتها..فهل تَهْدي بِكْرها المُتَيَّم حَبيبة عُمْره ؟
طَرْق الباب اقْتَطَع قافِلة هَواجسها..نَطَقَت بلَحْنٍ مُرْهَق،:دخلي جُود
تَراجعت للخَلْف مع دُخول جُود..أَرْخَت رَأسها لِمَسْنَد السَّرير و الإغْماض لا زال يَفْصِل بَصَرها عن الواقِع المَأهول بالألْغام المُهَجِّرة رُوحها عن وَطَن الرَّاحة..داعَب مَسْمَعيها صَوْت جُود المُشاغِب نُعومته بِضْع قَلَق،:ماما شنو فيش ؟
أَزاحَت جِفْنَيْها ببطءٍ مُتْعَب..كَما رِياح شَتْوِيَّة،تُزيح أَوْراق الخَريف عن جِثَّة زَهْرٍ مَسْلوب الحَياة..ابْتَسامة شاحِبة شَدَّت شَفَتيها الصَّغيرتين هامِسةً بخُفوت،:ما فيني شي يُمَّه..صُداع بس..من المحاتاة
ارْتَخى حاجباها بعَطْفٍ حَنون مع مُعانَقة كَفِّها لساعد والدتها القَريب..،:ماما لا تحاتين..إن شاء الله ربي بيتمم على خير
بتَنْهيدة حَلَّقَ مَعها الدُّعاء..،:آميــن يارب "اسْتَطْرَدَت و هي تَتأمَّل زينتها البَسيطة" شهالحلاة حَبيبتي
ضَحَكَت بخِفَّة و رَأسها يَميل بنعومة،:طالعة على أمي الجَميلة "لامَست خُصلات شَعْرها مُرْدِفة" ماما شرايش أنا أجفف شعرش ؟
و هي تَعْتَدِل في جُلوسها،:ايـه يُمَّه إذا ما عليش أمر..تسوين خير
وَقَفت مُتَّجِهة لِحَيْث يَقْبع جهاز تَجْفيف الشَّعر و هي تَقول بوِد،:حاضرين لأم فيصل
,،
رَبْطَة عُنُق اصْطَبَغَت بَدَمِ غَزالٍ شَريد..كانت هِي الغَزال المُشَرَّد عن أَرْضه المَيِّتة..و دَمُ الفِراق لَوَّن الرَّبْطة التي أَكْمَلت جِهازه لِليْلة المُنْتَظَرة..لَيْلة اقْتران رُجولته بأُنْثى تُناقضها خَلْقَاً و خُلُقاً...لِيَنْسى..فهو عليه أن يُعْمي عَيْناه عن رَبيع الجِنان..و يُخْنِق أَنْفاسه حَتَّى لا تَخْتَلِط بشَذاها الأَذْفَر..و يَصُم آذانه عن هَمَسَاتها المُتَطَيِّبة بغَزَلٍ رَقيق..لَهُ وَحْده..،
،
وَجْسٌ هائِم عَبَرَ جِسْر قَلْبها حَتَّى حَطَّ بِجِنْحَيه على سُور قَلْبه،:يــاخــي طولك له هيبة..مادري هُو غيمة مطر حانية..لو شَجَرة رَبيع تظلل حياتي..و عيونك " بطَرَف إبْهامها داعَبَت أَهْدابه كما لَو أَنَّها تُناغيها" رمشك كأنّه وَتَر..ويا كل رَفَّة يعزف موسيقى سعادتي "هَبَطَت إبْهامها من صُرْحا الجَمال المُعانِقان ملامحها الذائِبة،ماسَّةً شَفَتيه المُطْبَقَتان بسَكَر" و ابْتسامتك..أَجمل و أحلى دَليل على إنَّ الدّنيا بخير..ابتسامتك بروحها موسم يجمع شمس الصيف،ليالي الشتا و نجومها..رَخاء الخريف..و دفا الرَّبيع و زهوره "مالَ رَأسها بالتَّوالي مع مَيَلان شَفَتيها بابْتسامة ضاحِكة،و هي تَرْدِف باعْتراف مَرِح و يَداها تَحْتَضِنان عُنُقه..سامِحَتان لأَناملهما بتَحَسُّس تُفاحة آدم النَّافِرة" عاد بَحَّـة صوتك حالة خاصة..كل ما تنتصف حَجيك..تنتصف حواسي رعشة تبهذلني..تربكني من فوقي لتحتي..أنسى نفسي و الدّنيا اللي أَنا فيها
غادَرَت قَلْبَها تَنْهيدة والِهة..رَفْرَفَت من بين أَضْلاعها لِتَمْتَصَّها حَواسه المَشْدوهة لِحَديثها...اللَّذيــذ ! ازْدَرَد ريقه بصُعوبة..اصْطَفَقت أَهْداب يُمْناه مُحاوِلاً أن يَنْتَشِل ذاته من هذا الخَدَر المُثير..مَرَّرَ لِسانه على شَفَتيه و هُو يُخْفِض رأَسه قَليلاً،مع ارْتفاع يَده داعِكاً صِدْغه و ما بَيْن حاجيبه بِسَبَّابته..بحَركاته هذه يُخْفي بِضْع شَذراتٍ من خَجَل باغتته..هَمَسَ بتَلاعُب و هُو يَقْرص خَدَّها،:إخْتي..عفستين قصيدة الغزل هذي من أَوَّل كلمة..غَزَل صَريح و ياخي! ما تضبط خُــوش !
,
ابْتَسَم بِمَرارة للذكْرى المُوْجِعة ضِعْف جَمالِها..لَيْت الحاضِر يُجْهِضه و يُعيده لأَصْلاب ماضٍ بَيْن جَنَباته يَقْبَعُ الأَمان..هُو مُنْتَمٍ للماضي..يَحْمل اسْمه و يَقْتات على ذِكْرياته..هُو مُوالٍ للماضي بدمه و روحه و ذاته..فَكَيْف يَقْبل بِزَجِّهِ لَقيطاً على عَتَبات حاضِرٍ يَقْهر يُتْمه ؟ الْتَفَت للوَقْت المُعَكّر صَفْو لَحْظات وداعه مع الذِّكْرى..لم يَتَبَّقَّ إلا القَليل..يَجِب أن يَسْتَعْجِل..رَتَّبَ خُصُلات شَعْره سَريعاً..ارْتَدى ساعته و من ثُمَّ مِعْطف بَذلته السَّوْداء..رَشَّ بَعْضاً من عِطْره الرُّجولي..حَمَل مفاتيحه و هاتفه..ثُمَّ غادَر الغُرْفة و الجَناح بأكْمله..،اسْتَقَرَّ في الطَّابق الثَّاني..وَصَلتهُ أًصْواتٌ من غُرْفة نُور استْطاع أن يُمَيّزها..صَوْت أَدْراج..ارْتطام عُلُب بالمِنْضَدة..و صَوْت نُور و حَنين..ابْتَسَم بِخِفَّة..فهذا الإزْعاج يُضْفي قَليلاً من الفَرَح على الأَجْواء الباهِتة..،خَطَى ناحِية غُرْفَة والديه،وَ قَبْلَ أن يُمْسِك بالمِقْبَض..فُتِحَ الباب لِتَظْهَر جُود التي ابْتَسَمَت بسِعة ابْتسامة مَهَّدَت للتَّعْليق..دَلَف للدَّاخِل بسُرْعَة و هُو يُنادي والدته قَبْل أن تُعَلّق شَقيقته بإحْدى تَعْليقاتها الغَبِيَّة و الذَّكِيَّة في الوَقْت نَفْسه..وَصَلتهُ ضِحْكَتها الخَبيثة و هُو يَبْتَعِد للدَّاخِل..تَجاهلها عندما قابَل والدته الجالِسة أمام المِرْآة تتَزَيَّن..نَطَق بحُب،:الله الله شهالجمال أم فيصل
ابْتَسَمت لهُ و هي تُسَمّي على طَلَّته بعَيْنيها الحانِيَتين،:حبيبي إنت الجمال كله عندك..الله يحميك و يحرسك
وَقَفَ خَلْفَها..انْحَنى و أَهْدى رَأسها قُبْلة مُشَبَّعة بمعاني الحُب و المَوَّدة..تَساءَل و هو يَسْتقيم في وقوفه،:جاهزة يُمَّه ؟
أَجابت و هي تَرْتَدي أَساور الذَّهَب اللَّامِعة،:اي حَبيبي..بس تعال معاي تَحت خل أَبَخْرك
،
على الطَّرف الآخر
مَرَّرت الفُرْشاة على وَجْنتيها قَبْل أن تَنْطق برِضا،:خَلَّصنــا
عَقَّبَت بعد أن فَتَحَت عَيْنيها لِتُبْصِر انْعِكاس وَجْهها المُزَيَّن بنعومة،:يعطيش العافية حَنيــن
و هي تُرَتَّب أَدَوات التَّجْميل في حَقيبتها الخاصَّة مع دُخول جُود،:حاضرين عُمري
عَلَّقَت جُود بسُخْرِية،:أختي حبيبتي متى بتتعلمين تحطين مكياج مثل العالم و النَّاس؟
أَجابت نور باسْتعجال و هي تَتَّجِه لِغُرْفَة مَلابسها،:بعدين بعدين جُـوود
الْتَفَتت لحَنين تُواصِل هِوايتها،:و إنتِ مَدام حَنين جاية تزاحمينا في السَّيارة..متى بتدلين المناطق..البحرين نتفة و ما تدلين..لو تعيشين في أمريكا شبتسوين !
بعَدَم اهْتمام قالت و يَداها تُواصِلان تَجْميع أَدواتها،:يصير خير بعدين إذا عشت في أمريكا
باقْتراح أَضافت،:ليش ما رحتين مع زوجش ؟ هو بيروح مجلس الرجال اللي هو في بيتهم أَساساً
الْتَفَتَت لها بحَنَق،:جُوودو بلا نحاسة..أدري بسَّام بيروح..بس مابي ادخل بروحي على الناس استحي
اقْتَرَحَت رَأي آخر بمُشاكسة،:انزين جان رحتين مع أمش
رَنَت لها بطَرَف عَيْنها قائِلة،:أنا جذي جذي بجي بيتكم أمكيج نُور..فاروح معاكم مرَّة وحده "رَفَعت جِذْعها واقِفة باعْتِدال و هي تَشْد ظَهْرها..هَمَسَت و مَلامح أَلَمٌ بَسيط تَعْلو وَجْهها" آآه ظهري
اقْتَرَبَت منها غامِزةً،:لا يكون حامل حَنينو
اتَّسَعَت عَيْناها باسْتنكار،:شدَخــل جُوود "أَشارت لِفَمها آمِرةً" أقوول سكتي سكتي أحسن و لبسي عبايتش بسرعة لا نتأخر على النَّاس
,،
اسْتَجَاب لاقْتِراح والدته التي نَصَحته بمُرافَقة زَوْجته لِتَناول طَعام العَشاء في الخارج..فعلى حَدّ قَوْلها فــ"لازم تغيرون جو شوي"..خاصَّة بَعْد أن لازَمَتهُ زَوْجَته طَوال فَتْرة مَرَضه و تَعِبه..فهي تَسْتَحِق هذا العشاء كَتَقْديراً بَسيطاً على اهْتمامها و حَرْصِها..،ابْتَسَم بِخِفَّة و هُو يُراقبها كَيْف تَتَلَفَّت على الأَنْحاء مُتَأَمِّلة بِدِقَّة..نَطَقَت بإعْجاب..،:جَميــل المَكان " و هي تُشير للأشْجار.. الاَزْهار المُلْفِتة و النَّهْر الإصْطناعي الصَّغير" يجنن..يجيب الرَّاحة النَّفْسِيَّة
عَقَبَ،:يعني أَوَّل مَرَّة تجين
هَزَّت رَأسَها مُؤَكِّدة،:ايــه أوَّل مَرَّة
اتَّسَعت ابْتسامته و هُو يَشْبك كَفَّيه بالقُرْب من ذِقْنه،:زيــن..الحمد لله إنَّه عَجَبش
رَدَّت لهُ الإبْتسامة بِخَجَل رَقيق أَسْعَدَ حَواسه..لا يُريد أن يَرى على وَجْهها غَيْر الإبْتسامات..السَّعادة..الرَّاحة و الخَجَل..اكْتَفَت من أَعْلام الحُزْن و غِرْبان الكآبة النَّاعِقة حَوْلها مُزَعْزِعة أَمان رُوحها..،تَصَفَّحا قائِمة الطَّعام لِدَقائق..قَبْل أن يُمْلِيان على النَّادل طَلَبهما..و خِلال انتظارهما للأَطْباق تَجَاذَبا أَطْراف حَديثٍ هادئ..تَفاوَتت مَوْضوعاته بين والدته و والدتها..قَرار دراستها..و خِطْبة مَلاك..،
اسْتَأذَنت و هي تُحَرّك المِلْعَقة في طَبَق الحَساء السَّاخِن،:يوسف..يصير اسألك سُؤال ؟
هَزَّ رَأسه،:أَكيد يصير
قالت بحَذَر،:إذا ضايقك عادي لا تجاوبني و بنغير الموضوع
أَخْفضَ المِلْعَقة قائِلاً بابْتسامة خَفيفة أَرادَ بها أن يُطَمئِن تَرَدُّدها،:ما عليـه
أَرْخَت جِفنيها مُفْصِحةً عن سُؤال وُلِد حَديثاً من رَحْمِ أَفْكارها،:من متى و إنت تتعالج نَفْسِياً ؟
صَمْتٌ دامَ لِثوانٍ انْقَبَضَ لهُ قَلْبها..تَصَلَّبَ جانِب وَجْهها و في جَوْفِها بَدأت ذاتها بتَوْبيخها على فِعْلتها..غَبِية..بالطبع سيُضايقه هذا السُّؤال الأبْله..أَسَتَعْتَقِد أَنَّهُ سَيُــ
،:حُـــور..طالعيني
رَمَشَت برِتْمٍ سَريع و هي تُحاول أن تَسْتَوْعِب طَلَبه الهادئ..عادَ صَوْته،:طالعيني
رَفَعت عَيْنيها لِتُعانِق بَصَرها ابْتسامته السَّمْحَة..تَسارَعَت نَبَضاتها و هي تَلْتَقي مع عَينيه..هُو أَجاب بنَبْرة طَبيعية تَخْلو من الضَّيق الذي اعْتَقَدَته،:يمكن بعد أكثر من سنة من الحادث..في البداية أمي ودتني لشيخ يقرا علي..عشان الكوابيس اللي تجيني وو الأشياء الثانية..ارتحت فعلاً و قَلَّت الكوابس بشكل كَبيــر بــس
قَطَع كَلِماته و هو يَتَراجع للخَلْف و يده ارْتَفَعت داعِكاً بأًصابعها جَبينه..تَساءَلت هي باهْتمام،:بس شنو ؟
زَمَّ شَفَتيه بابْتسامة مُحْبَطَة..و من تَرَسُّبات الماضي الوَحْشي بانَت تَنْهيدة مُنْهَكة..أَجاب و هُو يَبْسط كَفّه فَوْق فَخْذه،كأنَّما يعلن عن اسْتسلامه لِحيرته مما صَدَر و لازال يَصْدر من ذَّاته المُعَقَّدة،:صارت أشياء ما اقدر أتطرق لها اللحين..فاضطَّرَ عمي إنَّه ياخذني لطبيب نفسي
رَدَّدَت بهمس،:عمي.."بصَوْت واضح تَساءَلت بشك" قصدك أبوي ؟
هَزَّ رأسه إيجاباً،:ايــه..أبوش
,،
أَتَمَّ مُوافقته بتَوْقيعه على العَقْد الذي جَعَلَها حَليلته..زَوْجته و شَريكة حَياته..حُلم..حُــلم..يَشْعُر بأنَّ التَّخَبُّط يُغْرِق حَواسه في هذه اللحْظة..أَصْبح كُل شيء حَقيقة..كان الأَمْرُ فِكْرة..أَنْبتتها بُذور خِيانة جِنان وَسَط قَلْبه المَشروخ...و الآن صَيَّرَها رَدُّ الإعْتبار نَبْتة حَيَّة ذات وُجودٍ و كَيان..نَبْتة ستُرافقه مَدى العُمْر..و عَليه أن يُحْسِن رِعايتها..،التَّبْريكات المُتَهافِتة عَليه أَنْقَذَتهُ من الضَّياع بين جُدْران مَتاهة قَلْبه الباكي في الوَقْت الحالي..،رِجال عائِلته..أَصدقائِه..زُملائِه و جَميع معارفه و معارف والده.. وآخرين يَلْتقي بهم للمَرَّة الأولى..الجَميع كان يُبارك له بوِد مُتَمَنِّياً له حَياة سَعيدة و ذُرِّيَّة صالِحة..و هذا..هذا أَيْضاً..ها هُو يَقْتَرِب منه..بالَّطَّبع سَيكون هُنا..فهُو أَصْبَح "عَديله" الآن..أَلْبَس نَفْسَه جُموداً مُسْتَفِز اسْتِعداداً لمُحادَثته..ذاك تَوَقَّفَ أَمام والده..بارَكَ لهُ ببشاشة و ابْتسامة واسِعة..قَبْل أن يَخْطو خُطوة لِيُواجهه..تَقَلَّصَت ابْتسامته بطَريقة غَريبة..وَ لَم يَتَبَقَّ منها سِوى أَطْيافٌ كَئيبة أثارت اسْتغرابه و لكن لم تُأثّر في جَليده..ذاك مَدَّ يَدهُ و هُو صافَحهُ بمُجامَلة..عُقْدة خَفيفة شاغَبَت ما بين حاجيبه عندما شَعرَ بضَغْطِه على كَفّه..و قَبْل أن يَسْتَوْعِب..مالَ ناحِيته مُقَرّباً رأسه منه..هَمَس عند أُذُنه،:ما توقعتك متهور هالكثر !
أَبْعَد رأسه عنه و هَو يَرد على هَمْسه بِهَمْسٍ مُقَلَّداً بحِدَّة حاقِدة،:أخ أحمد احترم نفسك و ماله داعي إسْلوب الإسْتفزاز هذا..احنا بين ناس
بذات الهَمْس قال كاشِفاً عن نِيَّته،:أبداً مو قصدي استفزك..بس مستنكر..واجد مستنكر..توقعت إنّك ما تضيعها من إيدك للمرَّة الثانية
زادَت عُقْدة حاجيبه و جَرَسُ إنْذار عَلا صَوْته وَسَط ازْدحام رُوحه،:شقاعد تخرف إنت !
أَجاب صَراحةً ذابِحاً فَيْصَل من الوَريد إلى الوَريد،:جِنــان..توقعت ترجعها لذمتك بعد ما تطلقنا
~ انْتَهى
،
الحمد لله تم الجزء على خير،
كانت ولادته مُتَعَسِّرة و السبب انقطاعي التام عن الرواية و اللي كان خاطئ جداً،
اعتبر الجزء "زوين" حبيته..و إن شاء الله الجميع يحبه،
يمكن ما يكون مُسْتحسن للجميع..بس اتمنى تستمتعون في قرآته،
نزل الجزء في هالوقت لأن احتجت أنام شوي قبل لا أراجعه عشان ما أدوام بنصف وعي ^_^
قراءة مُمتعة
و شكراً للجميع
دعواتكم
،
|