كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
تَوَكَّلتُ على الله
الجزء السَّابع و الأَرْبعون
الفَصْل الأَوَّل
الأَنْفاسُ كانت هِي المُتَحَدِّثة..أَنْفاسُ فَجْرٍ تَحْكي عن رَجُلٍ و أُنْثى أَغْرَقَتهما سُيولُ الزَّمَن الخانِقة،ثُمَّ جَرَفَتهما إلى حاضِرٍ يَتَطَلَّعُ لِمُسْتَقْبَلٍ مُشَوَّش المَلامح..و المَضَي قَدَماً هُو المَطْلوب..حَتَّى لو كانت حَقيقة المَلامح دَميمة و مُشَوَّهة..فَسَتَكون فَصْلاً من عَذابٍ جَديد..فيهِ تَقْتاتُ الرُّوح على الصَّبْر،لِيُزْرَع بَيْن ثَناياها أَجْراً من الرَّحْمَن الرَّحيم..،اسْتَمَرَّ الصَّمْتُ لِدَقائق لم يَلْتَفِت لِحسابها الطَّرَفان..لَكِنَّهُما شَعَرا بطُولها الغير مُلائِم..فَرُبَّما كانت خَمْسُ دَقائق..عَشْرة أو حَتَّى رُبع ساعة..،صَمْتٌ..أَنْفاسٌ و لَيْلٌ ساهِر..و
،:لين متى بتسكتين ! طلبتين تكلميني عشان هالسّكوت ؟
هُجومه المُتَسَلّح ببرودٍ مُسْتَفِز أَنْطَقها..بهَمْسٍ تَتَوَسَّطَهُ ارْتعاشات تَسَاءَلَت لِتُوَعّيه،:تعتقد الوقت مُناسب للمُكالمة ؟
بثِقةٍ تَتَفَجَّرُ منها الدّماءُ غَيْظاً أَجاب،:ايــه جداً مُناسب
اسْتَنكَرَت بحاجِب مُرْتَفِع،:لا والله !
وَضَّحَ بنَبْرة جادَّة و بَعيدة كُل البُعْد عن السُّخْرية و الإسْتخفاف،:والله مُناسب..الصبح إنتِ في شغلش..و العصر بترجعين تبين ترتاحين،فمَزاجش غير جاهز لنقاش من هالنوع..و المغرب وقت انغماسش ويا أهلش..ما بكون قَليل ذوق و بتصل..و هالوقت.."ارْتَشَفَ صَوْتهُ جُرْعة أَعْمَق من الهَمْس ليُرْدِف و هُو يَذر المِلح على جِراحها التي يَنْكُأها السُّهاد في كُل فَجْر" هالوقت هو وقت خلوتش مع نفسش..يمكن يكون ثالثكم الدموع..الحزن أو حتَّى اللوم و جلد الذَّات..هالوقت من الليل يكون مثل الجَلَّاد لإنسان عاش اللي عشتينه..ليل الهَمْ..الوِحْدة لازم تُحَرَّم فيه..لأنها تخنق..يا إنها تذبح الإنسان،أو تخليه ينتحر من الأفكار الصَّارخة
رَعْدةٌ مُخيفة عَبَرَت فَقَرَات ظَهْرَها..تَجَمُّدٌ صَوَّرَ لها نَفْسها عارِية أَحْكَم قَبْضَته على أَطْرافها..هُو عَرَّاها بكلماته الأَخيرة..و كأنَّها كِتاب يَقْرَأه بمُجَرَّد اسْتنشاق رائِحته.. و هُو حَتَّى لم يَسْتَنشقها..مُجَرَّد أَنَّهُ اسْتَمَع لسَمْفونية أَنفاسها المُخَلْخَلة النوتات..،صَفَقَت أَهْداب عَيْنها اليُمْنى..رَمَشَت بارْتباكٍ فَرْقَع عَضَلات فَكّها..تَنَفَسَّت بتَشَتُّتٍ ثُمَّ تَساءَلت بهَمْسٍ تائِه،:شــ ـشتبي !
عَلَّا التَّعَجُّب حاجبيه على الطَّرف الآخر مُعَلّقاً،:شَبي ! مو إنتِ إلا طلبتين من يوسف إنش تكلميني ؟ فمن هو اللي يبي ؟
مَرَّرَت لسانها على شَفَتيها و هي تُغْمِض لثوانٍ..رَفَعت يَدها تمس جَبينها لتَرْسُم لَوْحة تَوَتُّر مُنَقَّحة من أي شَجاعة..نعم هي طَلَبت من شَقيقها أن تُكَلّمه..و بالطَّبع لديها ما تَقوله.. لكن الآن و هي لا تَسْمَع سِوى صَوْته في هذا الفَجْر المحْفوف بالغَرابة..غير قادِرة على الْتقاط الحُروف من رُوحها لتُكَوّن منها كَلِمة يَبُثُّ لِسانها فيها الحَياة..مُكالمة فقط أَشْعَلَت فيها كُل هذا الضَّياع و الإرْتباك..كيف بلقاءٍ يُجْبِر العَيْنان على مُعانَقة غَبَش عَيْنيه ؟
،:مَلاك !
قَشْعَريرةٌ بارِدة تَشَبَّعت بين عُروق عُنُقِها و أُذُنها المُسْتَقْبِلة وَجْسُه المُسْتَنْكِر...قَبَضت يَدها شَادَّةً بقُوَّة و هي تَعض على شَفَتها السُّفْلى بمَلامحٍ تَشَرَّبَت القَهَر..و كأنَّها بهذا الفِعْل تَلُوم ذاتها التي تَنْتَعِل التَّخَبُّط حينما يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ به..بهذا الرَّجُل المُتَوَشّح بغَرابة لم يَخْطُأ حَدْسُها عندما تَتَبَّع إشاراتها..،
،:الواضح إنَّ ما عندش شي..تصبحين على خير
ارْتَخَت قَبْضَة يَدها لِتَتَّضِح فَراغات أَصابعها الشَّبيهة بفَراغات ذاتها المُرْتَبِكة..تَدَاركت بسُرْعة،:لحـــظة محمد
ببرودٍ لَبِق،:تفضلي
أَخْفَضَت رَأسَها لتُشْغِل عَيْنيها بأصابعها العابِثة بغطاء السَّرير..حَتَّى تَمْنع احْتلال خَياله المُرْعِب على الفَراغ أَمامها..نَطَقَت بتَرَدُّد الْتَمَسته حَواسه المُنْتَبِهة،:الزَّواج..زواجنـ ـا
باسْتفسار،:شفيه زواجنا ؟
بنَبْرة حاولت أن تُطْعمها الحَزْم،:ما راح يكون زواج عادي
عَقَّبَ مُباشَرة باسْترسالٍ واثق،:هالأَمر مفروغ منه..كل واحد بتكون له حياته الخاصة..بس اللي بيجمعنا بيت واحد..ما بيجمعنا شي ثاني..كل واحد له غرفته و خصوصياته و حدوده
رَفَعَت رَأسها مُقَلِّبَةً عَيْنيها على المَجال حَوْلها..كأنَّما بتَقَلُّب عَدَسَتيها تُنَبّش عن تَأكيد للذي أَفْصَح عَنه..عُقْدة عَدَم فَهْم شاغَبَت ما بين حاجبيها و هي تَسْتَفْسِر بتَرَدُّد،:يــ ـيعني ..يعني إنت ما تبي زواج زواج ؟
أَكَّدَ بمثل طَريقتها،:لا مابي زواج زواج
قالت مُفْصِحة عن الباقي من أَفْكارها،:يعني بس قدام النَّاس..أهلنا..احنا زوجين طبيعيين..بس إذا بروحنا
أَكْمَلَ عَنْها بهُدوء،:إذا بروحنا واحد في شرق و واحد في غرب..لا تحاتين
تَنَفَّسَت الصُّعَداء و هي تُسْبِل جِفْنَيها بارْتياحٍ عَميق أَمْطَر على عضَلاتها اسْترخاء حَرَّرها من قُيود الإنْقباض المُوْجِعة..مالت في جُلوسها مُسْتَنِدَةً بجانب جَسَدها لِمَسْنَد السَّرير و هي تَهْمس بامْتنان صادِق،:مَشْكـــوور محمد..مَشْكور
نَطَقَ بنَبْرة تَهْرب من أي مشاعر شاذَّة تُحاول أن تَتعَدَّى خُطوط ذَّاته الحَمْراء،:تصبحين على خير
رَدَّت بابْتسامة صَغيرة عَجَباً أنَّها داعَبَت شَفَتيها،:و إنت من أهل الخير
أَخْفَضَت الهاتف بعد أن أَنْهى المُكالمة..تَأَمَّلَت الشَّاشة التي سارَع ضَوْؤها على الخُفوت و هي تَسْتَرْجِع مُكالَمَتهما القَصيرة و الطَّويلة في الوَقْت نَفْسه..رُبَّما المَشاعر المُتَذَبْذِبة التي احْتَوتها أَلْبَستها صِفة الطُّول المُنْبِت شُحْنات عَدَم راحة بين حَواسها..لكنَّها كانت قَصيرة من حَيْثُ المَعْبَر لِقضاء حاجتها..فهُو وافَق و بسُرْعة خَيالية لم تَتَوَقَّعها..فلم يَبْنِ أَمامها حَواجز احْتجاج،و لم يُلْقِ في طَريقها صُخور تُعَثّرها مع كُل مُحاولة إقْناع،لِتُجْبرها على رَفْع راية الإسْتسلام..هُو ببساطة وافقها دون أَي تَعْقيد..،ترَكَت الهاتف على السَّرير ثُمَّ أَسْرَعَت لدَوْرة المِياه مُجَدّدة وُضوءَها..سَتُصَلّي رَكْعَتين شُكْر لله..فالمَوْضوع كان من ضِمْن المواضيع التي تَكالَبَت لتُؤرِّقها..و الحمد لله أنَّ ثِقْله انْزاح عن كَتِفَها المَحْني..و لَيْت الثّقال تُزيحها يَدُ حَياةٍ آسِفة..فمتى سَتَنْدَمين على ظُلْمِكِ يا حَياة ؟ فَرَشَت سَجَّادَتها..ارْتَدَت ثَوْب صَلاتها..ثُمَّ اتَّجَهت للقِبْلة برُوحها..قَلْبها..و جُلَّ حَواسها..ففكْرة أن تَكُون زَوْجة تُؤدّي حُقوقها لِرَجُل تَنْحَر أَسْمال أُنوثتها..لا تَسْتَطيع أن تَرْتَع في كَنَفِ رَجُلٍ شَهِد على ضَياعها..و حتَّى لو لم يَشْهَد..فهذهِ العلاقة المُقَدَّسة بين الرَّجُل و الأُنْثى تُضيء نَبَضات القُلوب..و تُجْري الاَنْهار بين حَنايا الرُّوح..و تَزْرع الأَنْفاس أَزْهاراً تُنْعِش الذُّبول..و هي أَسَفاً أَمْسَت بعد قِصَّة أَساها يَتيمةٌ من قَلْبٍ و رُوح..و الفَقْدُ باتَ في أَنْفاسها مَبْثوث..،
,،
ماضٍ
تَبْكي خَوْفاً و الرُّعْبُ يُكَحّل عَيْنيها الزَّائِغَتين..الدُّموع رَسَمَت خَرائِطها فَوْقَ صَفْحة وَجْهها الشَّاحِب..فاللَّوْنُ قَد نَهَبَهُ هَذا الليْل المُخيف..أَنْفاسَها تَزْعَق وَسَط صَدْرِها..تَتَخَبَّط و تَتَعَثَّر لِيَكُون الإصْطدام المُوْجِع بعَضَلاتها الرَّاجِفة..تَتَقَدَّم خُطْوَتان ثُمَّ تَذْوي قُواها ساقِطةً..تَتَمَسَّك بجِذْع شَجَرة..يَوْخزُها خَشَبُها المُسَنَّنَ..تَحْتَرْق في العَيْنِ دَمْعة و تَتَأَلَّم..تَعود و تَقِف..تَمْشي بلا هُدى و الضَّياعُ حذاءَها..يَشْرَئب عُنُقها لسَماءٍ مُطْمَسة،وَأدَ الدُّجى قَمَرَها..تَبْحَثَ بهِذْيان عن شِقٍّ صَغير..يَهْديها ضَوْءاً أو نَسيم..لكن لا يَصْفَع رُوحها سِوى لَيْلٌ يَتَسَرْبَل برياحٍ مُتَجَمّدة،تُكَبّل أَطْرافها بقُيود الوِحْدة..،مَرَّت ساعة و أَكْثَر و هي لا زالت تُمَشّط هذا المَكان الغَريب بتَيه..لا تدري أين هي..افْتَرَقَت عن زَوْجِها و إبْنها أَثْناء تَوَجُّههم للسينما..تاهَت بغَمْضَة عَيْن لِتَجِد نَفْسَها فَوْقَ أَرْضٍ مُصْفَرَّة العُشْب..تَطْفو فَوْقَها أَشْجار لم يَلْسَع العُقْم نُمُوَّها..فهي لا تَكُف عن ولادة الأَغْصان..أَغصان مُتَشابِكة بتَعْقيدٍ أَشْبه بقُضْبان زِنْزانة خانِقة..،اشْتَدَّ تَعَبُها..و وَهَنت عَضَلاتها..و في حَلْقها ناحَ جَفَافٌ أن أُريد سُقْيا..واصَلت مَشْيَها المُتَرَنِّح و بين شَفَتيها المُتَخَشِّبَتَين بانت ثَغْرةَ عَبَرَت منها كَلِماتٌ مُرْتَعِشة..،:عزيــ ـز...ماما بَدر...وينـ ـكم !
تَضَخَّمَ الخَوْف في قَلْبها عندما الْتَقَطَ مَسْمَعيها صَفير الليْل المُوْحِش..صَمْتٌ صاخِب ذاك الذي أَجابَها..صَمْتٌ يَبْتَسِم برَيْبة لِيُنْذِرها بالذي تَخْشاهُ النُّفوس..أحاطت نَفْسَها بذراعيها شادَّة بضَعف..بِشَدِّها تُحْيي دِفْأً كَفَّنهُ شِتاءُ بَرْلين كُرْهاً..و تُسْبِغ على ضَياعها أَماناً بُحَّ صَوْت رُوحها من مُناداتها إليه..،
مَرَقَت غِشاء الصَّمْت قَدَمٌ ثَقيلة..حَطَّت على غُصْنٍ عَجُوز فهَشَّمَته..اسْتَدَارت بذُهولٍ مَرْعوب و عَيْنان احْتَكَرَهُما الجُحوظ..أَرْعَدَت أَوْصالها رَجْفةٌ مُميتة عندما فَرَّ أَمامها طَيْفٌ بلَمْح البَصَر..تَقَلَّبَت عَدَسَتاها وَسَط بَيَاض مُقْلَتَيها السَّابِحَتين بالدَّمع..نَبَّشَتا في المَكان بِفَزَعٍ يُخالطه شَتات..تَقَدَّمَت خُطْوة مُنادِيَة بالأَلْمانية بِحَذَر و سَمْعٍ مُرْهَف..
،:مَـ ــ ـمن هُنـ ـا !
فَزَّت كَمَلْسوعة و من حَلْقها نَعَقَ صُراخٌ هَلِع على إثْر الوَكْزة التي باغتَت خِصْرها من الخَلْف..اسْتَدَارت بوَجْهٍ مَلْطوم ساقَ الرُّعْب إليه قوافلَ من عَرَقٍ و احْمرار..بَدَأت تَدور حَوْل نَفْسَها و الدُّموع تَتَراشق من عَيْنيها بإسْهاب..الخَوْف أَبْكَمها مانِعاً الشَّهَقات من الوُلوج..للحَد الذي صَعَّب عَليها الإسْتنشاق..تَدُور و حَواسها تَسْتَسْلِم بخُنوع لِسَيْطَرة الهيستيريَّة..أَعْصابها أُتْلِفَت..نَبَضاتها شارَفَت على تَقْويض حُجُرات قَلْبها..و الرَّوح تَعَلَّقَت بأطْراف أصابع قَدَمَيَها..كانت تَحْتاج إلى حَرَكة واحِدة فَقَط لِتغيب عن هذا الوُجود..و اليَدُ الحَديدِيَّة التي حَطَّت على فَمِها لَبَّت الحاجَة..لِتنْهار صَحْوَتها وَسَط أمْواجٍ مُظْلِمة اجْتَذَبَتها لقاع اللاوَعْي..،
،
رائِحةٌ قَوِيَّة اخْتَرَقَت أَنْفَها..و واصَلَت مُشاغِبةً حُنْجَرَتها..لِيَنْشَط منها سُعالٌ جافَ جَرَح حَلْقَها..بتِلْقائِيَّة رَفَعَت يَدَها لِفَمها تُحاول كَبْح ذاك السُّعال..فثِقْله بَدَأ بنَثْر الألَم بين عَضَلاتها..،
،:إيمــان ؟
جِفْناها لا يَزالان يُدَثّران عَيْنيها على الرَّغم من مُداعبة الصَّحْوة لَهُما..تَصافَقَت أَهْدابها لِمَرَّتان مُتَتَاليَتان قَبْل تَسْتَكِن من جَديد و تُعاود انْغماسها في النَّوم..لَكنَّ الصَّوْت الحاد عادَ مُقْتَطِعاً غِيابها،:إيــمان تسمعيني؟
عُقْدَة إنْزعاج بانَت بَيْن حاجِبَيها..تَحَرَّكَ جَسَدُها بِضيق لِتَنْقَلِب على جَنْبِها الأَيْمَن..سَيْطَرَ الصَّمْتُ من جَديد ما خَلا أَنْفاسَها العابِرة صَدْرَها بانتِظامٍ مُسْتَرخي..قَبْلَ أن تَحُط على كَتِفَها يَداً أَحْيَت سَاعات الضَّياع..الرُّعب و الوِحْدة في ذاكرتها..انَتَفَضَت بذُعْر و هي تَنْتَصِب جالِسةً بعَيْنان مُتَّسِعَتَان و صَدْرٍ يَرْتَفِع و يَنْخَفِض برِتْمٍ مُتَخَبّط زَعْزَع الإسْترخاء..الْتَفَتَت بشَهْقة حادَّة للخَيَال الذي على يَسَارها..ظَلَّت تَنْظُر إليه لثوانٍ بَبَصَرٍ أَغْشاهُ الفَزَع..قَبْل أن تَرْمِش باسْتيعاب مُسْتَقْبِلة سُحُب الدُّموع التي شَرَعَت في التَّكَدُّس وَسَط مُقْلَتَيها..مَدَّت يَدَها إليه تَرْجو أَماناً و هي تَهْمس بتَنَشُّق،:عَزيــ ـز
الْتَقَطَت كَفُّه يَدَها بمَلامح جامِدة لا تَرْسم شَيء..شَدَّها إلى صَدْره و هي بإلْتجاء شَدَّت على قَميصه..مَرَّغَت وَجْهَها فيه و دَفَنَت شَهَقاتها وَسَطه..لعَلَّ أَرْض قَلْبه تَجْتَرِع خَوْفَها المُرْتَعِش..أَحاطَ جَسَدَها المُنْكَمِش بإعْياء بين ذراعيه..تَساءَلَ بهَمْس،:شصار ؟
رَفَعت رَأسها إليه لِيُقابل وَجْهها المَسْفوك بسيوف الدَّمع وَجْهه الوارث شِتاء بَرْلين الصَّعيقي..أَجابت من بَيْن شَهَقاتها..،:مـ ـمادري شلون ضعت عنـ ـكم..صرت بروحـ ـي..يخووف المكان عَزيز..يخَـ ـوف..بـ ـس..بــس ظَلااام..و مافي صوت..و كـ ـكان فيــه أحد "أَطَّرت الذّكرى المُرْعِبة عَيْنيها و هي تُرْدِف بهَمْسٍ مَبْحوح" كان يبي يخنقنــ ـي كان يبــ
قاطعَتها كلماته مِثْلَ سَهْمٍ حَلَّقَ من القَوْس لِيَطْعَن القَلْبَ غَدْراً،:هذا كان أنا
بَهت لَوْنُها و تَسَمَّرَ الدَّمْعُ في عَيْنيها..البُكاء نَحَرَ نَفْسه في حَنْجَرتها..و الشَّهَقات أَعْدَمها اعْترافه البـــارد..بُروده تَراه يُرَفْرف مع أَهْدابه النَّاعِسة..و بلا مُبالاة أَكْمَل رَشْقَ سِهامه،:هذا أنا اللي كنت مسوي روحي أخنقش..كان تدريب..ما ضعتين عَبَث..أنا خططت إنش تضيعين عَشان تكـ
دَفَعَته بكُل ما أُوتِيَت من قُوَّة صارِخَةً من قُعْر قَهَرها،:عَشــــان شنــووو ! عَشان شنوو عَزيــز ! عَشان تجنني ؟ تبي تخليني استخف من خوفي ؟ لو تبي تذبحني ! "صَرَخَت كُل خَلِيَّة في كَيانها و وَجْهُها يَصْرُخ احْمراراً هائج" عشــان شنــوووو !
وَقَفَ باسْتِقامة و مَلامحه لم يُغادرها ذاك البُرود المُسْتَفِز..عَقَّبَ بجِديَّة حازِمة،:ماله داعي الصراخ..كان تدريب اعتيادي عشان تكتسبين خبرة دِفاعية "حَرَّكَ رَأسه يائِساً و هو يُكْمِل" لكن للأسف فشَلتين..حالش حال اللي قبلش
نَطَقَت بِصَوْتٍ قَبَضَت عَليه بحَّة اسْتنكار ذاهِلة،:عَزيــز ! كنت يمكن أمــوت من خُوفي
عَلَّقَ بثِقة،:محد يموت من الخُوف..أقصاها إغْماء و هذا اللي صار
تَرَكَت السَّرير لِتَقِف أَمامه..رَفَعَت رَأسها تُواجه قَسْوته التي نَسَفَت الحَنان من رُجولته..حَنانه رُبَّما انْقَرَض بَعْد أن شَوَّهَت عوامل تَعْرِية بَرْلين الوَحْشِيَّة بيئته..و رُبَّما لم يَكُن هُنالك حَنان قَط! إنَّما هُو وُلِد بالفِطْرة هكذا..كائِناً لا يَمْلك سوى أَنْياب لها بَريقٌ مُخادع..تَخاله العُيون نَخْوة و شَهامة.. وإنَّما هُو حَقيقةً خَبَثٌ يَلُوك رُوح الاُنْثى باسْتمتاع ثُمَّ يُبْصقها مَيْتة..،اسْتَفْسَرت تُناشِد جَواباً يَدْحَض الحَقيقة التي نَخَرَت جُمْجمتها،:يعني عادي عنــ ــدك يغمى علي ؟
أَجاب بصراحة،:ايــه عادي "أَكْمَل مع ارْتفاع زاوية فَمه بسُخْرِية مُسْتَصْغِرة" أساساً الإغْماء متوقع منكم انتوا يا البنات
الْتَوى عِرْقٌ وَسَط الجَوى..و خَبَت بين حُجُراته نَبْضة كانت تَتَغَنَّى باسْمه..تَعَلَّقَت بأَهْدابها دَمْعة شابَ شَفافيتها الخُذْلان..سَقَطَت مُنْتَحِرة على خَدّها لِتَبْدأ حَفْرَ قَبْرَ النّهاية بين تَصَدُّعاته..هَمَسَت بعِتاب زَفَّتهُ بَحَّات حَنْجَرتها،:مَشـ ـكور عَزيز..مَشْكور..عرفت قَدْري عندك
تَراجَع خُطْوة للخَلْف..حَسِبَتها هي خُطْوة فِراق..و إنَّما كانت هُروباً من إحْساس يَهْدِف إلى طَرْق باب مَشاعره المُوْصَد..إحساس يُسَمَّى بتَأنيب الضَّمير..و هو مُوْجِع..وَجَعَهُ أَضْعافَ أَضْعاف أَوْجاع تَعْذيبات سُجون بَرْلين..عَقَّب و هو يُحْكِم قَبْضَته على مَلامح البُرود،:لا تسوينها دراما..قدري و حبي و مادري شنو.."اسْتَدار ليَخْطو إلى باب غُرْفة نَوْمهما ناوياً الخُروج و هو يُكْمِل " إنتِ اللحين تعبانة من اللي صار..إذا ارتحتين بتحسين إنَّ الشي عادي
أَمْسَك بالمِقْبَض..و قَبْلَ أن يُخْفضه،أَتاهُ صَوْتَها مُهَدّداً عَيْشه للمَرَّة الثَّانِية،:طَلقني عزيز
تَجَهَّمَ وَجْهه و ظَهْره باغَتت فَقَراته قَشْعَريرة صَلَّبَته..ازْدَرَد ريقه و هُو يَلْتَفت بوَجْهه يَميناً..و كأنَّهُ بالْتفاته يُشيح حَواسه عن الوَغَى التي احْتَدَمَت بين نَبَضاته..أَطْلَق ضِحْكة ساخِرة و قَصيرة،انتَصَفَها وَجَلٌ مُوارَب..عَلَّق و هُو يَرْنو لها من فَوْق كَتِفه،:من ثاني تدريب استسلمتين ! عالأقل صيري أَشطر من أُم محمد و انتظري للتدريب الرَّابع
ارْتَفَع صَدْرها مُسْتَنْشِقَةً بعُمق..لتَكون ذَّرات الهَواء رِياح تَحْمل مَعَها سُحُب مُثْقَلة بأمْطار الوِداع..كَرَّرَت بغَصَّة،:عَزيـ ـز..طَلقنـ ـي "أَكْمَلَت بشَبَح صَبْر" ما اقدر أواصل معاك " و إرْهاقٍ غَصَّت منهُ الرُّوح" تَعـ ـ ـبت
رَفَع عَيْنه لها..طافَت عَدَسَتاه وَجْهُها المُتَشَعّبة بين مَدائنه النَّاعِمة سُموم قَسْوته..لَمَح الإسْتسلام في مُقْلَتَيها..و قَرَأ الرَّجاء على تَشَقُّقات شَفَتيها..غَضَّ بَصَره عن الظُّلم الحَرام الذي أَذْبَل أُنوثتها..ثُمَّ قال ببرود العالم أَجْمع،:إذا موافقة تتخلين عن بدر..لش الطلاق
ارْتَعَدَت فرائِصها من جُمْلَته النَّاحِرة،و التي أتْبَعها صَوْت إغْلاق الباب القَوي المُؤكّد على شَرْطه الوارث قَساوته..،تَصَنَّمَت نَظَراتها على الأرْض المُطْمَسة..حاوَلت أن تَقْتَلع منها خَلاص و لكِنَّها لم تَظْفَر بشيء..بقاءَها معهُ مَوْت..و انْفصالها عنهُ انتحار..فهو إذا أَعْتَقَها..سَيَحْجِب عَنْها قَمَرَ حَياتها..طِفْلَها بَدِر..و إن كانَ لها حَقُّ في الحَضانة..فهي مُتَيَقّنة إنَّهُ سَيُلْغي هذا الحَق بسياسَته الحَذِقَة..،أَغْمَضَت بِحيرة مُتْعَبة مع ارْتفاع يَدَيها لِرَأسها..تَخَلَّلَت أَصابعها خُصْلات شَعْرها المُنْتَبِذة ذُبولاً كَذُبول مَلامحها..تَراجعت للخَلْف حتى انهار جَسَدُها المُضْمَحِل القوى على السَّرير..هَتَفَ صَوْتها المُخْتَنق بغُبار واقعها المُر راجِياً..،:ياربـ ـي شسوي !
,،
حاضر
عِطْرٌ أَذْفَر يُحَلّقُ بمُداعَبةٍ بالقُرْب من نَبْضه..لِيُنْبِت حُقولاً من أَزْهارٍ يانِعة..تَصْطَبِغ بِلَوْنٍ واحِد..هُو المَعْنى الصَّافي للجَمال..الأَبْيَض..،اسْتَجَابَ جِفْناه لإشارات الإسْتيقاظ،كاشِفان عن إخْضرارٍ يَغْفو بين سِحْره بَعضٌ من رَمادِيَّة جَسَورة..تأبَى أَن تُفارق أَرْض مُقْلَتَيه..،أَبْصَرَ مُزيحاً غَشاوة النَّوْم بيده التي ارْتَفَعت داعِكاً برسغَها عَيْنه النَّاعِسة..رَمَشَ لِمَرَّاتٍ مُتَتالِية حَتَّى احْتَسَى بَصَرَهُ لِذَّة يَتَذَوَّقَها للمَرَّة الأولى...حَمـــامة..حَمامة تَغْفو بين حَريرٍ من بَيَاض..نَقِيَّة كُنْتِ و لا زُلْتِ..طِفْلة بأنوثة فاتِنة تَلْعبُ بذاتي الفاقِدة سُكَّر الحَياة..،كانت مُبْهِرة..رائِــعة..جَميلة و تَسْلُب النَّبْض..على جَنْبِها الأَيْمن تَسْتكين..و شَعْرُها نَهْرٌ عَذْب يُقَبّل أَرْض وَجْهها المُكَلَّلة بالنُّعومة..كانت برَوْعَتها قاسِية..تَقْسو على قَلْبه المُتَيَّم بها مُنذُ الأَزَل..،لَطالما تَساءَلتُ عن جاذِبية الفَجْر المُذْهِلة..دون أَن أَعْلَم أن الجَواب سيأتيني سَهْماً ناقِعٌ في خَمْرِكِ..فَأنت الأُنثى التي يَرِثُ الفَجْرُ سِحْرها في كُلِّ لَيْل..أَنتِ السِّحْرَ و السَّحَر..أَنتِ النُّجوم و القَمَر..و أَنتِ العَفْو الذي يُفْرِج عن ذاتي لِأَشْكُر رَبَّ البَشَر..نعم أنتِ نِعْمة يَجِبُ أن أَبْتَدِء صَباحي و أُغْلِق نافِذة مَسائي ساجِداً شُكْراً لله عَلَيها..أَنتِ السَّماء الحُبْلى بسُحُب أَمْطاري..و أَنتِ الشَّمْس الطَّارقة أَبْواب فُؤادي..كُنتِ طِفْلَتي..صَغيرتي..و حَبيبتي..و لا زلتِ كما عَهْدتِك..إلا أنَّكِ طَمعتي بالمَزيد حتى صِرْتِ زَوْجتي..فمَتى سَتَكْتَفين و تُبْقِين لي بَعضاً من ذاتي ؟
ابْتِسامة دافِئة حَطَّت على شَفَتيه..مِثْلَ وَرَقة رَبيع فَتِيَّة..اشْتاقَت أن تُعانق الأَرْض بعد شِتاءٍ طَويل..زَحَفَ بخِفَّة حَتَّى اقْتَرَبَ منها..اتَّكَأَ بباطن يَدَيه على السَّرير و من ثُمَّ انْحَنى عَلَيَها..قَرَّبَ اَنْفه ماسَّاً بِطَرَفه نُعومة ذلك النَّهْر..أَغْمَضَ سَامِحاً لِرأَتيه بالتَّطَيُّب من مِسْكه النَّقِي.. قَبْلَ أن يُجَدّل خُصْلاته بقُبْلات شَفَتيه الوالِهة..حُبِّكِ عَطَشٌ نُـــور..عَطَشٌ تُفْنى الرُّوح و لا يُفْنى..يَظَلُّ حَيَّاً حَتَّى و لو كان قُرْبِكِ ارْتواء..فالإرْتواء من الحُب يعني نِهاية..و أنا أَيْقَنَت أن حُبّكِ سَرْمدي..لا ارْتواء لِعَطَشه..،ابْتَعَدَ قَليلاً بجَسَد يَرْتَدي رَعْشة مَحْمومة..مَشاعره لَهيبٌ اشْتَعَل بعد إخْمادٍ دامَ لِسَنوات..طَوال سِنين الفِراق،كُلَّما شَعَر بشَرارة تُحاول مُباغَتة ذَّاته..ينثر عَليها رَماد قَلْبه المَيّت من فَقْده لِحَبيبة عُمْره..لِتَخْبو و تَنْطَفئ..حَتَّى لا تُذيب الباقي من رُوحه..عَذابٌ أنتِ نُور..عَذابٌ تَسْتَلِذ رُجولتي بوَجَعه..،سَبَح بوُجوده بين أَمْواج مَلامحها الهادِئة..مَرَّغَ أَنْفاسه برِمال وَجْهها القَمْحية..قَبَّلَ بحَدَقَتيه الهائِمَتين بِتِلَّات شَفَتَيها..لاَعَبَ بأَنامل رَغْبته حَرير شَعْرها..و للوداع..لَوَّحَت نَبَضاته لِمَرْفَأ عَيْنيها..و الأَهْداب الغافِية كانت ظِلالاً يُرافقه في رِحْلة الإبْتعاد المُكْرَهة..،ابْتَعَد عَنْها و هُو يُزيح الغِطاء عن جَسَده..غادَرَ السَّرير و بَصَرُهُ لَم يُغادِرها..دَثَّر قَدماه بحذائه المُلْقى بإهمال ثُمَّ بَدَأ يَتَراجع للخَلْف دون أن يَسْتَدير..و كَأنَّهُ يَخْشى أن تُباغته لَحْظة دون أن يَرْتَشف من وُجودها..تَوَقَّف عند النَّافِذة..أَرْجع يَدَيه للخَلف مُبْعِداً السَّتائِر...فَتَحَ الباب لِتَحُط قَدَماه على أَرْضية الشُّرْفة..ثُمَّ ببطءٍ شَدَيد بَدأ يُغْلِقه و العَيْن تَسْتَرِق آخر طَيْف لَها لِتُنحته خَلْف جِفْنيه..أخيراً أَغْلَقَه..بَعْدَ أَن تَرَكَ قَلْبه بجانبها لِيُكْمِل فَصْل تَأمُّله..،تَقَدَّم من سُور الشُّرْفة..أَمْسَك بهِ بِقَبْضة قَوِيَّة..ثُمَّ برَشاقة وَثَبَ لتَسْتَقر قَدماه عَليه..بخفَّة أَدارَ جَسَده ليُقابل وَجْهه باب الشُّرْفة بالتَّوالي مع إخْفاضه لِقَدماه لِيُثَبّتهما بين فَراغات جدار المَنْزل الحَجَري..واصَل نُزوله لِيَهْبط بعد ثوانٍ على الأَرْضية العُشْبِيَّة..انْحَنى يُزيح الغُبار عن بِنْطاله و هُو يَسْتَدير..و أَثْناء انْشغاله بنفض الغُبار تَجَلَّى أَمامه شيء أَبْيض..تَوَقَّفَت يَده مُحاولاً الإستيعاب..و أَخيراً بعد لَحَظات اجْتَرَع عَقْله أَنَّهُ ثَوْب أَبْيَض..يَبْدو أَنَّها لَيْلة البَياض يا طَلال! رَفَعَ رَأسه لِيَتَّضح للواقف وَجْهه المُلْتَبسه حَرَج و ابْتسامة بَلْهاء واسِــــعة..،
,،
الفَجْرُ في الخارج يُغازل ظُلْمَة اللَيْل..و القَمَرُ الْتَحَفَ بسُحُبٍ دافِئة..لِيَغْفو و النُّجوم مِصْباح نَوْمه..و هُو غائِبٌ بين سِحْر فَنّه الذي كان أَحْد الأَسْباب المُؤثّرة التي ساعدته على تَناسي ماضيه الشَّرِس..مَضَت ساعة و أَكْثَر على انْتهاء المُكالَمة و هُو لا زال يُمارِس فَنَّه أَسْفَل إحْدى حَبيباته..كان مَشْغولاً بإهْدائِها مُحَرّك جَديد صافي من أَي عُطْب..،أَفْكاره ما بين عُقَد الأَسْلاك..و ما بَيْنَ عُقَد تِلْك الأُنْثى..لَم يَتَصَوَّر و لو لِمَرَّة أن يَرْتَبِط بأُنْثى بعد الذي حَلَّ عَليه من مَصائِب..ظَنَّ أَنَّهُ سَيُواصل خُطاه إلى قَبْره وَحيداً..كما كان خَلْف قُضْبان تِلْك الزّنزانة النَّاهِبة حُلْو حَياته..لكن مَلاك خَالفَت كُل تَوَقُّعاته..بل بالأَحْرى كُل خططه..،ظَهَر من أَسْفل السَّيارة جَسَده المُرْتاح فَوْقَ الصَّفيحة المْعدنية..جَذَبَ نَفْسه واقِفاً ثُمَّ تَحَرَّك إلى المِنْضدة المُبَعْثَرة فَوْقها أَدوات العَمَل الخاصَّة..أَلْقى ما بيده فَوْقَها قَبْل أن يَتَناول خِرْقة طَمَسَ السَّواد لَوْنها،و أَخْنَقها زَيْتٌ كان مُمتازاً لِتَشَرُّب ما يَنْحَشر بين أَصابعه من اسْتفراغات حَبيباته..،تَحَرَّك بَعْد أَن انْتهى مُغادِراً المَرْأب و هُو يَعْبَث في هاتفه..صَعَد لِشِقَّته الخاوِية من حَياة..جالَ ببصره عَلى جُمودها..هَل سَيُذاب من وُجود تِلْك ؟ أَمَّ أَنَّهُ سَيَتضاعَف للحَد الذي تَنْقرض بَسَببه المَشاعر أَجْمَع ! مالَت شَفَتاه بسُخْرية و هُو يُواصل إلى غُرْفة نَوْمه..فالإخْتيار الثَّاني هو الجَواب حَتْماً..،تَوَقَّفَ أَمام المِرآة و هُو يَخْلَع سُتْرَته..انْعَكَسَت صُورة جَسَده المُدَجَّج بحِكاية فَقْده..تَعَلَّقَت عَدَسَتاه بالذي نُحِت على جانب عُنُقه..سَتَكون جَلِيَّة هذه الأَرْقام..رِياح مُعْتِمة غَلَفَّت عَيْنيه لِتَتجانس مع غَبَشَهما المُبْهَم الأسْرار و هو يَسْتَدير ليُمَشّط ساحة ظَهْره..تَحَرَّكت يده لِنهايته،بالتَحديد عند آخر فَقْرة فيه..أَخْفضَ طَرَف بِنْطاله لِيَنْكَشِف السّر المُسْتَتِر و يَحْتَدِم جَليد حَواسه..و هَمْسُها عاد لِيَسْكن مَسْمَعيه..
" ما راح يكون زواج عادي"
زَمَّ شَفَتيه بتَبَلُّد قَبْلَ أن يُزيح يَده و يَبْتَعِد عن المِرْآة..لا عِلاقة في هذا الزَّواج..لن تَكون زَوْجته فِعْلاً..إذاً لا داعي للقَلَق..فيُسْتَحال أَن تُبْصِر عَيْناها ما انْعَقَد بخَلايا جِلْده..هي لا تُريده زَواج عادي..و هُو أوَّل المُؤيّدين..فالزَّواج "العادي" لا يُليق به و لو بمقدار حَبَّة خَرْدَل..لَسْتَ كَباقي الرّجال مُحَمَّد ! و حَمْداً لله أَنَّ قَلْبك ليس كَباقي القُلوب..لا يَمْلِك مُفْتاح..و إن مَلَك..فلا مَعْبَر للدُّخول..،عادَ و انْشَغَل في هاتفه بعد أن أَنْهى نِقاشه مع ذَّاته المَعْلولة..اخْتار أَرْقام مُعَيَّنة ثُمَّ رَفَعه لأُذْنه..اسْتَقَرَّت يَده على وِسْطه يَنْتظر الرَّد..لكن الرَّنين انْقَطع دون جَواب..أَلْقى الهاتف على السَّرير و خَطَى خُطْوة..و في الثّانية ارْتَفَع الصَّوْت كاشِفاً عن اتّصال..تناوله مُجيباً ،:ألــو
أَتاهُ جَوابٌ مُطَعَّم بالخُمول،:هــــا
ارْتَفَع حاجبه باسْتنكار و هُو يُعَقّب مُوَبّخاً،:شنو هــا هذي !
قالَ بنَبْرة اسْتَحْوَذَت عليها مَعاني المَلل و التَّعَب و الإرْهاق،:محمد قسماً بالله مالي خلق ولا شي..توني طالع من عملية شطولها..جسمي متكسر حتى ماني قادر أغير ملابسي
عَلَّقَ بسُخرية،:زيــن زيــن لا تصيح "مَرَّر اًصابعه بين خُصْلات شَعْره و هُو يُرْدِف بتَوْضيح" بس كنت ابي اقول لك إنَّ الشهر الجاي عرسي
صَمْتٌ عَميق على الطَّرف الآخر..حتى أن الأَنْفاس خَبَت..عَقَدَ حاجبيه باسْتغراب مُنادياً،:عبدالله!
بهَمْسٍ مُسْتَل من القَهَر،:محمد إنت شنو ؟ شنو إنت ! تخطط و تنفذ و تسوي كل شغلك و لا كأنَّ عندك أهل "تَساءَل مُسْتَنْكِراً بصُوت مُرْتَفِع" يعني شنو الشهر الجاي عرسك ! إنت حتى ما ملجت عشان تعرس..و عمتي و أبوك و أهلنا ما عطيتهم خَبر..شهالمَسْخَرة !
ببرود عَقَّبَ يُفَسّر له،:أمي و أبوي و أهلنا بيعرفون قريب..و الملجة و العرس في نفس اليوم..ماله داعي ملجة و بعدها بمدَّة عرس
بذات الإسْتنكار،:انزين شقتك ماتبي تجددها ؟ ولا بتخلي البنت تبدأ حياتها بأثاث قَديم ؟
ببساطة أَجاب،:عـــادي..الشَّهر يكفي و يزيد
تَساءَل يَبْحث عن تَفْسير،:محمد إنت ليش مستعجل هالكثر ؟ يعني إنت مو من الشباب الميت على الزواج "و بتعَجُّب ساخِر" هالكثر مشتاق لحبيبتك !
تَصَدَّعت ملامحه اشْمئزازاً و هُو يَقول،:شنو حبيبتك هذي ! من متى عندي هالسوالف
،:شدراني عنك.."و بسُخْرِية" قمت اتوقع منك كل شي يالكينغ أوف ميستري
تَجاهل سُخْرِيته الدَّاقَّة ناقوس ذَّاته مُنْهِياً الجِدال،:أنا قلت أعطيك خبر بس..روح نام دكتور عبدالله..تصبح على خير
،:لَحـظـــ
قَطَع الإتّصال دون أن يَسْتَمِع للحَرف الأخير من كَلِمَته..هُو لا يَحْتاج لأحد أن يُؤكّد على الغَرابة التي تَحُف هذا الزَّواج..فكُل مافيه يَعْلم أنَّهُ عَقْدُ خَلاص من وَحْل الماضي النَتِن..و مُصْطَلَح الزَّواج ذاك..ما هُو إلا عَباءة مُزَيَّنة بزُهور مُبْهِجة تُشَتّت أَنْظار النَّاس عن فَحْوى هذا العَقْد اليَتيم من حُب..،
,،
رَفَعَ جِذْعه مُسْتَقيماً في وُقوفه مع انْطلاق كَلِمات اسْتنكار الذي أَمامه،:طَلال إنت صاحي ! فرضاً شافتك أمها لو أخوها ؟ تبي تسوي لنا مُشْكلة
أَرْجَع ذراعه خَلْف ظَهْره كأنَّما يُخْفي بَوْح اشْتياقه الذي دَفَعهُ لهذا التَّهَوُّر،:ناصر بنتك هي إلا حدّتني أيي..إسبوع أحاول أكَلّمها بس حاقرتني
ارْتَفَع حاجبه و إمارات عَدَم الإقْتناع تَتَلَقَّف مَلامحه،:زين جان عطيتني خَبَر و أنا أتصرف
حَكَّ صدْغه بأطْراف أَنامله و هُو يَهْمس بخُفوتٍ و بَصَرٍ انْحَنى للأَرْض،:راح عن بالي
هَزَّ رَأسه بقِلَّة حيلة من هذا المُتَهَوّر قائِلاً،:لا ما راح عن بالك..بس إنت تحب الطُّرق إلا توصلك للمَشاكل "أَرْدَفَ بِلَحْن ارْتياح" زين إنَّ فيصل يلحقني للمسجد بعد وقت..جان فتحت لنا باب الله العالم شلون يتسكر
رَفَعَ عَيْنَيه لِتَتَعَلَّقان بعَيْني ناصِر المَحْشُوَّتان بالتَّأنيب..نَطَق كَطِفْل وَبَّخه والدُه،:زيـــن آسف
رَفَع سَبَّابته مُلَوّحاً بها كَسيف تَحْذير،:آخر مرَّة لك
هَزَّ رَأسه بطَاعة،:إن شاء الله
اسْتَدار ناصِر لِيَتَقَدَّمه نَحْو باب الخُروج و هُو يَسْتَفْسِر،:نايمة نُور ؟
تَلَوَّنَت شَفَتَاه بابْتسامة الدفء ذاتها حينما عاد يُناغيه طَيْفُها النّاعِس..أَجابهُ بوَجْسٍ مَأهول بالخَدَر،:ايــه..نايمـ ـة
تَوَقَّف بتَعَثُّر مُسْتَجيباً لاسْتدارة ناصِر المُفاجِئة..تَساءَل بتَعَجُّب،:شصــار !
الْتَقَط الكَلِمة منه ورَدَّها إليه بوَجَل،:إنت قول لي شصار ؟
تَقَوَّسَت شَفتاه بالتَّوالي مع إعْتلاء حاجبيه بعَدَم فَهم ليَقُول،:ما صار شي ! يعني شبيصير !
قَرَّبَ رَأسه منه مُخْفِضاً من نَبْرة صَوْته و هُو يُوَجّه لهُ نَظَرات سهمية وَخَزَت لُبَّ طَلال النَّائِم،:اقصد يعني صار بينكم..شي ؟
فَغَر فاهه مُجْتَرِعاً الإسْتيعاب الذي بَثَّ بين حَواسه شُعور غير مُريح كان نَتاج ذِكْرى شَيْطانِيَّة هاجَمته من مُسْتَوْدَع تِلْك الليْلة الشُّؤم..أَطْبَق فَمَه مُسْتَنْشِقاً من أَنْفه هَواء أَرْجَف أَضْلاعه المُتواصل سُجود تَوْبَتها..مَرَّرَ لِسانه على شَفَتيه لِيُجيب ببصرِ هارِب،:لا ما صار هالشي "أَكْمَل و هُو يَرْنو إليه بطَرَف عَيْنه" أصلاً حتى لو صار..أكيد ما بيي أقول لك !
عاد لِيُواصل تَقَدُّمه و هُو يُعَقّب بعدم اهتمام،:لا تقــول..أقْدَر أعرف بطريقتي
تَبَعهُ طَلال بِصَمْتٍ ثَقيل دُون أن يَتَساءَل عن تلك الطَّريقة..فهو كان يُصارع صُور اقْترابهما الحَرَّام التي بَدأت بالجَثْو على ذاته لِجَلْدها..أَغْمَض بتَعَبٍ يَتَمنَّى البُكاء..يُريد أن يَنْسَى..أن يَقْتَلِع جُذور الحَرام و يُنَقّح أَرْض ذاكرته..و أن يَجْتَرع امْتزاجهما الحَلال لِيَجْرف أَيَّ أَثَرٍ لذلك القُرْب المُطيع للشَيْطان..فيالَيْت النّسيْان ثَوْباً..تَرْتَديه الرُّوح لِتَعيش بَسَلام..،ما إن تَوَقَّفَ أمام باب المَسْجِد حَتَّى حَلَّقَت إليه كَلِمات ناصِر المُنْهَمِكة في رَسْم حَياة جَديد لذاته المَمْسوسة،:حَيَّاك ملجة فيصل الليلة..جت في الوقت المُناسب..عشان ترجع تندمج ويا العايلة
,،
اسْتَيْقَظ صَباحاً و بَيْن عَيْنيه نُحِت قَرار لا رَجْعَة فيه..فإن كان يُريد النَّجاة من بين تَلاطُمات أمواج بَحْر الحَياة فعَلَيه أن يَتَقَلَّد بدرْع قَراره..يَجْب أن يَحْمي الباقي من سِنين عُمْره..اكْتَفى من ضَياع الغابِر منها،كما رِمال تَتَلَوَّى باسْتسلام من صَفَعات رِياح عَكِرة..اكْتفى من الخَسارات و من رَفْع رايات الفَشَل..لا حيلة له لخَسارة تَغْرَس شَوْكة تأنيب جَديدة في ذاته..،كانت السَّاعة قَد تَجاوزت الحادِية عَشَر صَباحاً عندما دَلَفَ لِمَنْزل والديه..خَطَى ناحِية غُرْفة الجُلوس التي اعْتادت أن تَحْتَضِن صَباحات والدته.. و بالطَّبع وَجَدها مُتَّكِئة باسْترخاء أَمام التّلفاز،و مَلامحها يَتَّضِح عَليْها التَّرْكيز في الآيات المُنْبَعِثة من صَوْت القارئ..انْحَنى مُقَبّلاً رَأسها و بهَمْسٍ يُدَثّره البُرود،:صَباح الخير
الْتَفَتت مُنْتَبِهة له..بَريقٌ خاطِف مَرَّ وَسَط سَماد عَدَسَتيها مع اسْتقرار ابْتسامة حُب على شَفَتيها الصَّغيرتين،:صباح النّور حَبيبي "اعْتَدَلَت في جُلوسها و هي تُشير للفَراغ بجانبها" تعال تعال يُمَّه اقعد و اللحين اقوم اجيب لك الريوق
جَلَس على الأرْض بجانبها و هُو يُعَقّب بنَبْرة مُقْتَضِبة،:مو مشتهي
نَبْرته أَحْيَت التَّوَجُّس وَسَط قَلْبها..نَظَرَت إليه بملامح اهْتمام و هي تُبْسِط كَفَّها المُحَنَّاة فَوْق فَخْذه القَريب..تَساءَلت باطْمئنان حَنون،:يُمَّه عَزيز شفيك ؟ ليش مو مشتهي تاكل ؟
أَجابَ بلَحْنٍ مُعاتِب و من عَيْناه نَعَقَ ضيقٌ قَبَض على قَلْبها،:لأني احاتي اللي جاي يُمَّه..احاتي البنت اللي بتجبريني أظلمها
تَنافَر كَفُّها عن فَخْذه ناطِقةً باسْتنكار عَقَّدَ ملامحها،:عَزيــز شهالحجي ؟ أي بنت بجْبرك تظلمها!
بقَهَرٍ مَكْبوت ضَعَّفَ من سَواد عَيْنيه،:أَرْملة عَمَّار يُمَّه..غَيْداء اللي زرتيها في بيتها إنت وجميلة و فرح
تَصافَقَت أَهْدابها من وَخْزات الإرْتباك التي شاغَبَت حواسها..أَشاحَت وَجْهها عنه و هُو أَكْمَلَ عِتابه،:ليش يُمَّه ؟ ليش تروحين ! لا تقولين عشان تتأسفين نيابة عني..ما بصدق هالعذر..و الدليل إنش ما بغيتيني أدري " تَلَقَّفَ يَدَها مُرْدِفاً برَجاء عارم" أرجوش يُمَّه..أَرجوش إلغي هالأفكار من بالش..ترى تعبت من هالسالفة والله تعبت
اسْتَدارت لهُ بهُجوم،:أفكار شنو ؟ لا تتبلى علي عَزيز..أنا ما سويت شي ولا فكَّرت في شي
ارْتَفَعت زاوية فَمه كاشِفاً عن ابْتسامة مُرْهَقة و لِسانه كَشَف عن خَبايا أَفْكارها،:و زواجي من غيداء ؟ ما كان هو الفكرة اللي دفعتش لزيارتها ؟
الْتَزَمَت الصَّمْت بعَيْنان تَجُولان على ملامح ابْنها الأَصْغَر..أَسْبَلَت جِفْنيها ببطء كأنَّما تُنَكّس عَلَم الفَقْد..الْتَوى عِرْق في قَلْبه عندما لاحَظ كَيْف ارْتَدَت حَواسها صَمْتاً كَئيب لهُ رائِحة حُزْن ! أَيُعْقَل أنَّ هُجومه أَنْبَتَ ضيقاً في قَلْبها ؟ شَدَّ على يَدها و هُو يُقَرّب وَجْهه من وَجْهها المُشاح مُنادِياً،:يُمَّــه !
نَطَقَت باعْتراف دون أن تنظر إليه،:ايــه كنت ابي أخطبها لك..وغصبأً عنك بعد..لكن..."الْتَفَتت لِيَسْتَقْبل بَصَره نَبْعَ دَفءٍ يَنْجَبس من عَيْنيها و هي تُرْدِف" لكن رَعشتها..دموعها المشتاقة..و تنهيدة حُبها المَحبوسة يوم ذَكرت اسم عَمَّار،خلتني أمحي الفكرة نهائياً من بالي..المرأة متعلقة بفقيد قَلبها و الوفاء له مثل قلادة تحاوط جيدها و مُستحيل تنزعها.."ابْتَسَمَت بأَسف و هي تُكْمِل" طليقاتك كل وحده حبتك أكثر من الثانية و حاولت ترضيك و تتحمل طبعك القاسي..و فشلوا..شلون غيداء اللي مستحيل تحبك ؟ عَمَّار فارق الدنيا و دموع غيداء تغسيله و قلبها تجفينه..و الموافقة عليك تعتبر خيانة بالنسبة لها..و لو وافقت في سابع أحلامي..فهي ما بتحبك،لأن حُبها مات بموت عَمَّار "رَشَقَتهُ بنظرة جادَّة مُسْتَأنِفة" بس لا تظن إنّي تراجعت عن قراري..ما برتاح إلا إذا زوجتك باللي تداريك
ارْتَخَت كَفّه المُعانقة يَدها..تَكَوَّمَت أَنْفاسها\ في صَدْره..و أَضْلُعه تكالَبَت شادَّةً الخِناق عَليه..ثِقْـــل...ثِقْلٌ مُوْجِع رَسا جَبَلاً فَوْق قَلْبه..خُيوطٌ من جَليد غُزِلَت بغرابة بَيْن حَواسه..باتَ لا يَشْعُر بأَطْرافه..و كأنَّهُ فَقَد السَّيْطرة عَليها..صَوْت والدته عاد و هي تَقف،:بروح اتجهز لصلاة الظهر..و إنت قوم المسجد لا تتأخر على الصلاة
تَعَلَّقَت عَدَستاه بها و بَصَره قَد أُغْشِي عَليه..لم يَكُن يَرى الواقع أَمامه..فكُل الذي تَجَلَّى أَمامه وَجْهُ تِلْك الأَرْمَلة...الوَفِيَّة...لم يُرْضِه حَديث والدته...لم يُرْضِهِ أَبَداً..،
,،
عَصْراً
تَأَنَّقَت ببساطة جَذَّابة..لم تَتَكَلَّف في لِباسها و لا زينتها..على غير عادتها إذا كانت في زِيارة لأَحدهم..رُبَّما لأنَّ ذاتها لم تُشْفَ بَعْد من زُحام الذَّكْريات الذي أَخْنَق أَيَّامها الماضِية..و رُبَّما أيْضاً انْشغالها بذاك الهارب حال بينها و بين الإلْتفات لِنَفْسها..،أَرْكَنَت سَيَّارتها في مواقف إحْدى المُسْتَشْفَيات..أَلْقَت نَظْرة على وَجْهها في المِرآة قَبْل أن تَتناول هَدِيَّتها البسيطة و تُغادر المَرْكبة..،كانت الهَدِيَّة عِبارة عن عُلْبة مُخْمَلِيَّة أنيقة بلون لَيْلَكي اسْتَقَرَّ في جَوْفها زَوْج من أَقْراط ذَهِبِيَّة ناعِمة..و ثَبَّتَتها وَسَط باقَة من زُهور تَفاوَتت أَلْوانها بين الأُرْجواني..الأَبْيض و الزَّهْري لِتُهْديها لزَميلتها بمُناسبة ولادتها..فهي وَعَدَتها في الحَفْلة الماضِية أن تزورها،و لم تَكُن لِتُخْلِف أَبَداً..أَلَيْسَت هي المُكَنَّاة بوَعْد ؟ بانت على شَفَتيها ابْتسامة ثِقة تَجانسَت مع أحْمر شفاهها اللحْمي و هي تَتّجه للغُرْفة الخاصَّة بزَميلتها الدُّكتور هَناء..طَرَقَت الباب بهُدوء ثُمَّ دَلَفت مُسَلِّمَةً بِصَوْت تَسَرْبَل بالرِّقَّة،:السَّلام عليكم
أَتاها تَرحيب ودّي من الجالِسين و بالتَّحْديد من هَناء التي أَفْصَحَت عن سعادتها لِحُضورها بابْتسامة واسِـــعة..اقْتَرَبَت منها تُقَبّل خَدَيَّها مُبارِكة،:الحمد لله على سلامتش و سلامة البنوتة..مبروك و تتربى في عزكم
هَناء بامْتنان،:الله يسلمش حبيبتي و يبارك فيش..مَشْكورة والله فرحتيني بجيتش
عَقَّبَت و هي تُرْجِع خُصلاتها خَلْف أُذْنها،:تستاهلين هَناء..و أنا وعدتش إني راح أزورش
،:تسلمين والله "أَرْدَفَت مُحادِثة إحْدى الفَتيات" فطوم حبيبتي اخذي عنها الباقة
ناوَلَتها بلُطْف للفتاة التي اقْتَرَبت..ثُمَّ الْتَفَت بعَفَوِيَّة تَبْحَث عن موضع للجُلوس..اصْطَدَمَ بَصَرُها بالعَيْنان المُتَشَبّعَتان تَعَجُّباً واضِح انْتَقَل إليها فَوْرَ اسْتيعابها..كان مُخْفِضاً رأسه للطِفْلة المُرْتاحة بين ذراعيه،و عَيْناه تَطُلُّان عَلَيها من خَلْف أَهْداب السُّؤال..طالَتَ النَّظَرات الصَّامتة للحَد الذي نَشَر شُحْنات اسْتَغراب بين الجالِسين..لِيأتي سُؤال والدته مَزْفوف بلَحْن الشَّك،:يُمَّه رائِد انتوا تعرفون بَعض ؟
,،
ساعات الصُّبح الثّقال بالكاد مَضَت..لِيأتي عَصْراً بطُول قَرْنٍ من العَذاب..عَصْرٌ يَأبى أن يَسْتَسْلِم لاحْتلال شَفَقٍ لهُ حُمْرة مُلْتَهِبة تُخْفي بُكاء القَهَر المَكْتوم في القُلوب..بُكاء القَهَرِ..الخَسارة و الفِراق الأَبَدي..سَيَكون اليوم لها..و سَتكون له..سَيُحَل لهُ ارْتشاف حَلاوة ملامحها.. خُطوط يَده سَيُخَط فَوْقَها أَبْياتاً تَتَغَزَّل بفِتْنة جَسَدها..و سَيُباح لهُ تَقْبيلها..سَيُقَبّلها..سَتَتَنَفَّسه و يَتَنَفَّسها بلا حواجز و لا حُدود..سَتَتَعَرَّف على خَمْرِ شَفَتَيك الذي ظَنِنت أنَّ لا أُنثى غَيْري سَتَتتذَوَّقه..تأَوَّهَت من أَلَمٍ سام يُخَثّر دِمائِها..أَلَمٌ لا يُطاق..اشْتداده يُصيب المَرْء بالجُنون..أَلَمٌ يُطْلَق عَليه الغيرة..و لا دَواء للغيرة..فهي داءٌ لا يُدَمَّر إلا بالمَوْت..،هَمَسَت لذاتها النَّاحِبة،:مو من حقش الغيرة يا جنان..مو من حقش
أَغْمَضَت بهوان و من قُعْر وَجَعِها فَرَّت تَنْهيدة أَرْعَشَها الفَقْد..يجب أن تكون أَقْوى من ذلك..لا داعي للضعف جِنان..لا داعي لجرّ قَصائِد النَّوْح و الحَسْرة..لن يَتَغَيَّر شيء إذا رَسَمْتِ سَواد الأسى أَسْفَل عَيْنيكِ..و لن يَعُود الحَبيب لِوَطن قَلْبكِ إن أَنتِ أَمْسَيْتِ تعدمين الضَّمير تأنيباً..فات الآوان يا جِنان..فلا سَماح في الحُب..،زَفَرَت بمَلَل مُرْهِق و هي تَعود لتَقْليب مَحَطَّات التِلْفاز..لا أحد غيرها و غير الخادمة في المَنْزل..والدتها خَرَجت لأداء بعض المَشاوير لحفلة اليَوم..و جَنى رافَقَت جُود إلى مَرْكز التَّجْميل بعد شَدّ وجَذب و محاولات إقْناع و إغْراء..فطِفْلتها كانت تَرْفض أن تُزَف لوالدها أَنْثى غيرها..فهي كانت تُرَدّد باعْتراض طُفولي عَنيد
"بابا فيصل بس حَق ماما جِنان،مو حق العروس"
لَكن بَعْدَ أن أَعْلَمتها جُود بأنَّ "العروس" تلك هي ياسمين..رَفيقة لُنْدن..وافَقَت على مَضض..ظَنَّاً منها أنَّهُ سَيَكون لقاء اعْتيادي بينها هي و والدها و بين ياسَمين..،
،:جِنان
الْتَفَتت بشَهْقة خَفيفة مَصْدومة للصَّوْت القَريب هامِسةً و يَدها تَحُط فَوْق صَدْرها،:بسم الله "تَلَفَّظَت باسْتغراب" خالتي !
نَطَقَت بهُدوء مُوَضّحةً و هي تجلس بجانبها،:دقيت الجرس جم مرة يالله فتحت لي الخدامة "و بنَبْرة مُبَطَّنة" شكلش كنتِ سرحانة
ضِحْكة مُرْتَبِكة فارَقَت حَنْجرتها و هي تَعْتَدِل في جُلوسها مُجيبةً،:ايــه ايي..كنت سرحانة "ارْتَفَعت يَدَيها لِشعرها تَعْقده بالرَّبطة المُسْتَقِرَّة حَوْل معصمها " خالتي إذا تبين أمي فهي شوي و بترجع و جود راحــ
قاطَعتها بحَزْمٍ زَعْزَعَ نَبَضات قَلْبها،:جاية عشانش
رَمَشَت لِمَرَّات مُتتالِية و هي تُشَتّت بَصَرها عن وَجْهها المُسَيْطِرة عَليه جِدِيَّة بها رائِحة رُعْب..ماذا تُريد منها أُم طَليقها في لَيْلة عَقْد قَرانه! بوَجْسٍ حَذِر قالت،:آمري خالتي
وَضَّحَت بأمْرٍ مُبَطَّن،:بسألش سؤال و ابي منش إجابة مُباشِرة.بدون لف و لا دوران
هَزَّت رأَسها و عَيْناها عُقِدَتا بتَشابك أَصابع يَدَيها المُتَوَتّرة،:تفضلي
نَطَقَت مُسْتَلَّة نَبَضَات جِنان من قَلْبها،:شسويتي في ولدي يا جِنان ؟
~ انْتَهى
|