كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرَّحْمن الرَّحيم
تَوَكَّلتُ على الله
الجزء السادس و الأَرْبَعون
الفَصْل الثَّاني
ماضٍ
بُحَّ صَوْتُه..و غارَت في العَيْنِ أُمْنِية بأن يَسْكُنَها ماءٌ أَبْيض..يَحْجِب عنها السَّواد الوَحْشي الذي أَفْرى روحه و نَهَشَها..و حَوَّرها مَضْجَعاً لجِراحٍ تَبْكي دَماً بصَمْت..،العالمُ يَضيقُ من حَوْله..بعد أن كانَ شَبابهُ يَزْهو وَسَط عَرَصات داره الحَنونة..الدَّارُ التي تُلْبِسُها عائِلته دفئاً هُو قُوت الأفْئِدة،إذا أرادَ الزَّمَنُ أن يَسْلَخها بشتائِهِ القارس..،هَجَرَهُ الليْلُ و قَمَره..و طَلَّقَتهُ الشَّمْسُ بنُورها..حَتَّى أَصْبَحَ كائِناً مُعَرَّى من الليالي و النَّهارات...نَسِي حِسابُ الأيَّام..و اخْتَلَطَت عليه الدُّهور و السَّنوات..لا يَدْري كم من السَّاعاتِ مَضَت و أَحْلامه تُعْدَمُ خَلْف زِنْزانةٍ نَتِنة،يُعاشِرها ظَلامٌ سَرْمَدي..تَتَشَعَّبُ منهُ أَصْواتٌ مُرْعِبة..تَشْبَهُ صَوْتَ احْتلالُ الغُرْبة على ذاته..،مُنْكَمِشٌ على نَفْسِه في آخِر زاوِية من قُعْرِه المُوَحَّلُ بآثار شَيْطانٍ بَشَري..يَرْتَجِفُ ليس كَطَيْرٍ صَغير..فالطُّيور و إن هَدَّدتها قُضْبان قَفَصٍ شرّير..فهي تَعُود للسَّماء لتَنْسِج من ريشها الأَبْيض سُحُباً تَكون لها أَعْشاشٍ و مَسْكَن..و إنَّما كان مُنْكَمِشاً كَيَتيم..مُحالٌ أن يَعود إلى تَقَلّبه في رَحْم أُمّه..و مُحالٌ أن يُطْوى بين صُلْب أَبيه..،كان يَنْظُرُ للضَّوءِ الهَزيل المُنَسَل من بين فَراغات القُضْبان الصَّدِئة..بعَيْنان نُصْف مُغْلَقَتان يَنْظُر..و البَصَرُ أَغْشاهُ دَمْعٌ لهُ مُلوحة آسِنة..تُوْخِزه بألَمٍ يُنافس ألَم ذَّاته..تلك الذَّات التي اغْتُصِبَت بحَيْوانِيَّة مُقيتة..و لِثَلاثِ مَرَّات..دُون أن يَرُف لَهُ جِفن..،فَتَحَ فَمَه..نَبَّشَ عن أَسْمالِ صَوْته..تَعَثَّر ببضع غَصَّات..و الآهاتُ تَشَبَّثَت بكلماته..ثُمَّ نادى راجِياً مُطالباً بالذي صَرَخ يَبْحثُ عنهُ لأيَّام،:آســ ـتور..أأ...أريـ ـد..آسـ ـتور
حَلَّقَ وَجْسُهُ المُعَلَّق على هاوية التَّلاشي..اصْطَدَم بالجُدْران،ثُمَّ ارْتَدَّ عائِداً إليه يَنوحُ بِخَيْبةٍ و خُذْلان..أَخْفَضَ رَأسَه،و خَبَّأ وَجْهَه بين رُكْبَتيه المُرْتَجِفَتين بِضَعْف..اخْتَنَق بالبُكاء..و فاضَت من صَدْره العَبَرات..كَتِفاهُ الهَزيلان يُدَثّرهُما مِعْطَفاً من ارْتعاشات..كان يَرْتَعش بَرْداً..و يَرْتَعِش غُرْبَةً و احْتياج..اسْتَسْلَمَ للهِذْيان..و رَأسُهُ مال بإعْياء..و هُو بَيْنَ قَبْضة الغِياب..أتاهُ هَمْسٌ يَعِدُ بالإشْراق،:مُوهاميـــد
تَوَقَّفَت رَجْفَتُه..حُبِسَت أَنْفاسه.. دَمْعهُ تَعَلَّق بمَشْذب أَهْدابه..و أَرْهَف سَمْعه مُدَقّقاً بوَجَلٍ في نَسيمُ النَّجاة..،:مُوهامــيد..أنا هُنا..أخبروني أنَّكَ طَلَبْتني
رَفَعَ رَأسه ببطءٍ مُحْتَرِز..بطءٌ يَخْشى أن يَكُون حُلْماً تَنْحَرُه اليَقَظَة..قابَلَهُ وَجْهٌ وَعَدَهُ بالخَلاص..وَجْهُ آستور المُبْهَم الأَسْرار..فَغَرَ فَمَه و حَرَّكَ لسانه بكلمةٍ قَرَأها قَلْبُ آسْتور المُتعاطِف مَعه..فمُحَمَّد طالَبَهُ بصَوْتٍ أَبْكَم أن أنْقِذْنـــي..فكانَ عندَ يَدَهُ الجواب..فهي مضَت إلى كَتَفِه،قابِضَةً بحَنْوٍ مُتَعَهّد..ثُمَّ تَبَعَها هَمْسٌ يَتَطَيَّبُ بالثّقة..،:ستنجو..ستنجو و ستعود لعائِلَتك..و لَكـــن
رَفْرَف العَطَشُ على جِفْني مُحَمَّد..أَرادَ أن يَرْتَوي بسُرْعة..قَبْلَ أن يُنْثَرَ على جَسَدِه المُعَذَّب رِمال مَوْتٍ تُنَصّب نَفْسَها كَفَناً له..تَساءَل بصَبْرٍ شارَفَ على الإنْتحار،:لكـ ـن ؟
أَكْمَلَ بنَظْرةٍ تُبْصِر خَفايا مَسْتورة،:و لكن يجب أن تعمل معي..أن تَكُون مُساعدي
ارْتَشَفَت رُوحه قَطْرة الماء اليَتيمة مُجيباً دُون تَفْكير،:مُوافـ ـق..ســ ـسأكون مُساعـ ـدك
,،
حاضِر
قَبْلَ يَوْمان
يَعْتَذِرُ منهُ البَحْر،و القَمَرُ يَجيءُ و يَذْهَب..كأنَّما بانْجلائِه و ظُهوره يُلاعبه..لَعَلَّهُ يَرْسمُ ابْتسامةً تُمْحي العُبوس الناشِر أجْنحته المُعْتِمة حَوْل ملامحه..،السَّاعةُ قَد نَحَت طَريقَ الظَّلام..و الليْلُ قَد حَلَّ بِسَطْوته و دُجاه..لَيْلٌ صامِتٌ لا يَحْمِل مَعهُ جَواباً انْتَظَرَهُ لِأيَّامٍ غَزَلَت السَّهَر أَسْفَل عَيْنَيه..،القارب كان مَهْده..تُهَدْهده يَدُ الأَمْواج و نَسيمُ الهَواء كان أُغْنِية ما قَبْلَ النَّوم..فالبَحْرُ و مَوْجه..السَّماء و قَمَرها..و اللَّيْلُ و أَهْله..تَكاتَفوا ليُسْبِغان عَلَى ذاته الفاقِدة بَعْضاً من حَنانٍ نَهَبَهُ المَوْت..،كان جالِساً بنِصْف اسْتلقاء..ساقٌ مَمدودة بارْتخاءٍ مَخْذول..و ساقٌ قد رَفَعها بانْطواء،لِيَسْتَقِر باطن قَدَمها على المَقْعَد الذي احْتَضَن قَهَرَهُ الأَبْكَم..،رَفَع هاتفه للمَرَّة الخَمْسون رُبَّما..يَنْظُر لشاشته الجَرْداء من جَواب..لِمَ هذا التَّجاهل البَغيض ؟ لِماذا نُور ! زَفَرَ غَيْظه و هو يُدير رَأسه لليَمين..قابَلهُ مَنْظَر رائِد و هُو يَتَعارك مع هاتفه..كُلَّما وَمَض كاشِفاً عن اتّصال..قَطَعهُ بسُرْعة تَحْمِل بين ثَناياها الغَضَب..نَطَقَ هُو مُعَبّراً عن قَهره،:ليش تقطع الإتصال ! ليش أصلاً ما ترد !! ترى يقهـــر الشي ها
وَجَّهَ لهُ نَظْرة مُشْمَئِزَّة بَعْد أن أنْهى جُمْلَته و من ثُمَّ عاد ليُشيح وَجْهه ناحِية البَحْر..لم يَنْتَظِر تَعْقيب رائد على كلماته..فالواضح أَنَّه غير جاهز للحَديث اليَوم....،عاد الصَّمْتُ يَجوس بَيْنهما..ما خلا رَفيف الهَواء و مُناغاتِه لقُلوبهم الحائِرة..و المَوْج بسُكونٍ ساحِر..يَتَمايَل على موسيقى الليْل و يَصْطَدِم بالقارب،ليُطَبْطِب على كَتِفَي رَجُلان كانت الأُنْثى عِلَّة انْحناءَهما..،
،:شفيك مقهور ؟
رَنا لهُ بطرف عَيْنه و لم يُجبه..عاد صَوْت رائِد ليَقُول و هُو يُشير لهاتف طَلال،:ترى الإتصالات اللي ورا بعض تقهر بعد
اسْتَدار إليه بحَرَكة خاطِفة اعْتَدَل لِأجلها رائد في جُلوسه..مُسْتَعِداً للهُجوم الجَلِيَّة سهامه بَيْن عَيْني طَلال..تَساءَل و هُو يَتَّكئ بِمِرْفَقيه على فَخْذيه،:ها شعندك ؟ تحجــى
أَجاب مُفَجّراً عن حَديث نَفْسه بنَبْرة مُطَعَّمة بالقَهَر و نَفاذ الصَّبْر،:بيصير لي أسبوع اتصل فيها..يا ما ترد..يا تقطعه..أو تقفل التيلفون بالكامل..ليش النحاسة عـــاد ! "الْتَقَت أطراف أصابع يُمْناه بتَجَمُّع و هُو يَرْفعها مُرْدِفاً" والله والله بس ابي اتطمن عليها..لا تظن إني أبيها مُكالمة سوالف و حجي فاضي..بس أبي أتأكد إنها بخير من عقب استفراغها "ضَرَبَ على فَخْذه بباطن يَده مع احْتلال العُقْدة لوَجْهه" بس ما تجاوب..حاقرتني هالنتفة
عَقَّب بهُدوء واضِعاً أمامه الحُلول،:زين ليش ما تروح تتطمن عليها في المُسْتشفى ؟ مثل ما كنت تسوي قبل..بدل ما حارق نفسك اهني
،:أخــاف "أَرْدَفَ يَكْشف عن ضِعْفه" أخاف ما اقدر اتحكم في نفسي و أروح لها..لأني ادري إنها حَلالي هالمرة..مو مثل قبل خيط الحرام اللي بينا يمنعني..مابي اقرب منها و اضايقها
ارْتَفَع حاجبه يَحْكي اعْتراضه على الفِكْرة،:و إن شاء الله لين متى بتظلون بعيدين عن بعض !
وَضَّح لهُ طَلال بضيقٍ جَعَّد مَلامحه،:رائــد..هي مو متقبلة قربنا..إذا أقرب منها تتذكر اللي صار و ينعاد المشهد قدامها
عَقَّبَ يَشْرَح لهُ مَنْطقه،:اشوف إنَّ بُعدكم غلط..ما لازم يكون بينكم مسافة..بالعكس لازم تقتربون حالكم حال أي زوجين..عشان هي نفسها تتعود..الوهم اللي في بالها بيمتزج بالحقيقة إذا صار بينكم تقارب..و الحقيقة أكيد بتطغي على هالوهم لين ما تنسى اللي صار و لا بترجع تذكره
أعاد يُذّكّره،:بــس...بس هي ما تحب أقرب منها..تستفرغ..مثل ذاك اليوم رائد !
أَكَّد بجديَّة طَغَت على حَديثه،:إذا ظليت بعيد عنها كلما بيجي موقف يتطلب قُربكم بتستفرغ..لازم تخليها تعتادك طَلال..شنو إنت ما تبي تعيش حياة طَبيعية ؟
أَجاب بهَمْسٍ تائِه،:بَــلى "أَسْبَل جِفْنيه للحظات تَرْسم حيرته ثُمَّ أَكْمل" بس إذا قربي يضايقها..مابي اضايقها
حَرّكَ رَأسه بعدم اهْتمام و هُو يُرْجِع ظَهْره للخَلْف مُعَلّقاً،:كيفك..خلك اهني حارق نفسك و هي عايشة مثل قبل..متجاهلة إنها اللحين متزوجة..أساساً لازم تتعاون وياك عشان تكون حياتكم طبيعية "صَمَتَ لثوانٍ ثُمَّ أكْمَل و هو يَشْبك أصابع يديه فَوْق رَأسه"أنا ما بظلمها..يمكن هي مترددة و ماعندها الشجاعة إنها تخوض في هالعلاقة..إضافة إلى خوفها و توترها من وهم الماضي..عشان جذي إنت لازم تتقدم خطوة..واحد منكم لازم يحرّك هالبرود..هي عندها أسبابها اللي تخليها تتردد..بس إنت شعندك طَلال ؟ لا تنسى إنّك إنت اللي دَمَّرت..فحاول تصلح اللي مُمكن يتصلح
تَساءَل بصَوْت خَنَقَتهُ الحَقيقة المُوْجِعة،:يَعْني !
أَجاب واضعاً النّقاط على الحُروف،:يعني رُوح لهــا
,،
الوقت الحالي
كانت الطَرَقات خَفيفة..بالأَحْرى وَهِنة..مثل طَرَقات وَدَقٍ على مَشارف الغِياب..هي الْتَمَسَت احْتياجاً يَطْفو بين جَنَبات بِكْرها..لِذَلك لم يَكُن الإسْتيقاظ عَصِيَّاً عَليها..فَصَوْت طَرْق الباب الضَّعيف مَرَق غَفْوَتها الوَجِلة و أَشْعَل حَواسها لِتُضيء بها طَريق الوِحْشة الخانِق صَغيرها..نَعم صَغيرها..و إن أَلْبسَهُ العُمْر طُولاً يَفوق طُولها..طُولاً يُجْبره على الإنْحناء لَها،لَيَبْحث عن دِفءٍ لم يَخْبو حَنانه حَتَّى بَعْد مَضْي ثَلاث و ثَلاثون عاماً..،بحَرَكات مُتَوَتّرة تَرَكَت السَّرير الفارغ من جَسَد زَوْجها،و الذي كان مَشْغولاً في دَوْرة المياه المُضاءة مَصابيحها..مَضَت إلى الباب بخطوات تَنْتَعِل سُرْعة مُتَوَجّسة..فَتَحَته لِتَسْتَقْبِل الفَوْضى المَسْفوكة على حَواسه..كان مائِلاً في وُقوفه بِرَأسٍ مُنْخَفِض،و جانب جَسَده يَسْتَنِد على إطار الباب الخَشَبي بتَعَبٍ جَلي..نَطَقَت باسْمه و الصَّوْت منها قَد اعْتَذَر،:يُمَّه فيصــل !
رَفَع رَأسه..و بارْتفاعه احْتَدَمَت نَبَضاتها القَلِقة عَليه..عَيْناه يَسْكنهما ضَياعٌ أَحْيا الدَّمْعَ في مُقْلَتيها، و على شَفَتَيه بَكَت كَلِمات بنَوْحٍ شَتَّتَ ابْتسامته..ناداها بلَحْن احْتياج أَدْمى سويداء قَلْبها،:يُمَّـــه
يَدَها سَارعَت و احْتَضَنت ذراعه مُجيبةً بتَلْبِية مُرْتَعِشة،:روح أمك..حبيبي يُمَّه تعال
شَدَّتهُ بِرفقٍ حَنون،و باحْتواءٍ كَوْني أحاطتهُ ذراعيها،لِيَنْكَمش هُو هَرَباً من شِتاء العَذاب بين دِفء أَحْضانها..أَحْنى ظَهْره و أَرْخى رَأسه على وِسادة كَتِفها..خَبَّأ وَجْههُ هُناك،و لَيْتهُ يَعُود جَنيناً و يَتوارى بين ظُلمات رَحْمها..لِيَنْجو من أَلْسنة حُب أَحْرَقه حَتَّى تَرَمَّد فُؤاده..،مَسَحت بأصابعها الدّواء على شَعره..قَبَّلت جانب وَجْهه تُهْديه أمان..هَمَست تُطالبه بجاوبٍ لا يُوْجِع أُمومتها،:حَبيبي شفيك ؟
ثَغْرة تَوَسَّطَت شَفَتيه..و الصَّوت تَعَكَّزَ بِحَنْجَرته لِيَرْتفع مَبْحوحاً يَكادُ أن يَتَلاشى من فَرْط سُقْمه،:يُمَّــ ـه احس إنّي مَخنوق..مو قادر اتنفـ ـس
برَجاءٍ أَغْشاهُ الدّمع،:يُمَّه فيصـ ـل لا توجع قلبي
رَفَع رَأسه لتَلْتقي عَيْناه المُغَيّبهما الأَلم بعَيْنيها المُتَّخذهما الدَّمْعُ مِحرابا..تَبَنَّى من شِرْخ قَلْبه ابْتسامة مَنْسية ليُلْبسها شَفَتيه..أَرْخى جِفْنيه باعِثاً لها نَظَرات عِتاب،و بأطْراف أنامله تَشَرَّب وَليد مُقْلَتيها..نَطَقَ بهَمْسٍ حاول أن يُلَوّنه بضحكة،:يُمَّه اللحين ليش الدموع ؟ صرتين مثل البنات الدلوعات على طول متعاقدين مع الدموع !
أَجابتهُ تَحْكي لهُ عن فَراسة جَواها المَشْدوه إليه،:لأنّي أدري فيك قاعد تتوجع من داخل بس ما تتكلم..ذاك اليوم بالغلط تحجيت و ما اتوقع تعيدها..و اللحين جاي لي و اشوف عذابك في عيونك و اسمعه في صوتك "تَلَقَّفَت يَدَه القَريبة ضاغِطةً بشِدَّة حانِية و هي تُرْدِف و عَيْناها تُعَرّيه" حتى ايدك فيصل..والله رعشتها احسها في قلبي
أَخْفَض رَأسه لتَغْفو شَفَتاه على جَبينها..تَرَك قُبْلته هُناك،بعد أن اسْتَنْشَق زَهْرَ أمانٍ و اطْمئنان..و لم يَنْسَ أن يَنْحت لحظات احْتياجه الباكي بصَمْت..و من ثُمَّ قال و هُو يَهْفو لعينيها،:دُعائش يُمَّه..بس دُعائش
مَضَت يَدَها إلى صَدْره..بَسَطَتها فَوْق الذي تَسْمعُ أَنينه برُوحها..مَسَحت بمَلَقٍ مُحِب..كأنَّما تُزيح غُبار الأَسى الذي تَكَتَّل من فِراق تلك..تلك التي كانت تُشْفِق عليها إلى قَبْلَ أَيَّام...هَمَسَت بعد أن اسْتعانت بابْتسامة تُجْبِر خاطره العَطِش،:بعد عُمري ادعي لك في قعدتي و وقوفي..في كل صلاة حبيبي ادعي لك..مُستحيل انساك
عاد و احْتَضَنها مُعَلّقاً بحُب عَميــق،:الله يخليش لي يُمَّه
،:ما شاء الله..صارت غرفتي مُلْتقى الأحباب للأحضان و القُبلات !
رَفَع رَأسه مُسْتَجيباً لصَوْت والده..داعبت ضِحْكة ملامحه المُوْحِشة و هُو يُبْصِر آثار المُشاكَسة على وَجْهه..اسْتدارت والدته و هي تَمْسح بقايا دَمْعها مُعَقّبة وهي تُحادث والده،:مو غرفتك بروحك..غرفتي وياك
واصَل مُشاكسته و هو يُخْطو ناحية السَّرير،:ايـــه صحيح هي غُرفتنا "جَلَسَ فَوْقه و هو يُكْمِل و يداه تَحْتضنان المِصْحَف" لكن إذا يزورها دلوعش تتنازلين عن حقوقي فيها و تسلمينها إياه
وَجَّهت لهُ نَظْرة صامِتة بها شَيءٌ من حِدَّة..قال فيصل ببحَّة واضِحة و هُو يَتراجع للخلف مُمازحاً،:أنا اطلع أحسن لي قبل لا تبدأ الحرب..تصبحون على خير
عَقَّبَت تُحَيّيه بطيور قَلْبها الوَجِلة،:و إنت من أهل الخير حَبيبي
أُغْلِقَ الباب و من ثُمَّ مَشَت عائِدة إلى مَخْدعها..اسْتَقَرَّت في مَكانها جالِسة برأسٍ مُطْرِق..عَيْناها قَيَّدهما الدَّمْعُ من جَديد بعد أن حاولت أن تَنتصر عَليه بوُجود صَغيرها..اَغْمَضَت بشِدَّة مع انْكماش مَلامحها من وَخْزٍ مُؤلم وَسَط قَلْبها..فَرَّت من صَدْرها شَهْقة شَتَّتت انْتباه زَوْجها الذي أَنْهى قراءته بسُرْعة ليُعيد المِصْحَف إلى مَكانه و يَقْتَرب منها..يَدٌ شدَّت على كَتِفها و الأخرى احْتَضَنت جانب وَجْهها لِيَرْفعه مُسْتَقْبِلاً غَرَقها..عُقْدة اسْتنكار تَوَسَّطَت حاجبيه،:بسم الله..شصاير ليلى !
نَطَقَت بتَقَطُّع مَرير،:ولــ ـدي
عَلَّا التَّعَجُّب حاجبه،:شفيه ولدش ؟ توه من ثواني طالع من عندش و ما فيه إلا العافية !
هَزَّت رَأسه تَنْفي قَوْله،:لا مو عافية..مو عافيـ ـة ناصر..ولدي يتعذب..مادري بنت إختك شسوت فيـ ـه
عادت العُقْدة لتُسَيْطِر على ملامحه و بسؤال لم يَسْتَوعب مَقْصدها،:بنت إخْتي !
أَكَّدت بنَبْرة طَغَى عليها القَهَر،:ايــه بنت إختك..جنان..أنا وقفت في صفها يوم حرمها من بنتها..و بظل واقفة في صفها في هالموضوع..بس اللي قاعدة اشوفه و احسه اللحين إنها واجعة ولدي
بجِدِيَّة عَقَّب،:ليلى ما لنا دخل..مرَّت سنين وهم منفصلين..خلاص مافي جنان و فيصل..ولدش بنفسه رفض يرجعها و هي قالت ما تبيه على الرغم من البنت اللي بينهم..و اللحين هو بعد ساعات بيرتبط في بنت ثانية..فما يجوز لنا نعيد و نزيد في قصته هو و جنان
قالت مُعارِضة،:بس ناصر و لدي لــ
قاطَعها بحَزْمٍ أَطَّر عَيْنيه،:خـــلاص يا ليلى..جنان و فيصل انتهوا و من سنين..اتركيه يبدأ حياة جديدة بهدوء..و هالوجع اللي تتحجين عنه إن شاء الله ياسمين بتنزعه من قلبه
أَطْبَقَت شَفَتَيها و عَدَمُ الرّضا يَنْعَق فَوْق رَأسها..ابْتَعَد عنها و هي أَرْجَعَت ظَهْرها لِتَسْتَنِد و خُيوطٌ من إبهام بدأت بالإنعقاد مع أفْكارها..تَخَلَّت عن حياديتها في هذه اللحظة.. رَكَلت عَطْفها على تِلك..مَزَّقت رايةَ السَّلام،و تَقَلَّدَت بسيف الحَرب..أَصْمَتت كُل شُعور في ذاتها..و أَبْقَت شعور الأُم حَيَّاً و مُتَأهِبا..،
,،
يَتْبَع
|