كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
ذقنهُ يَتَعَكَّز على يَديه المُتَشابِكَتين..عَيْناه تَرْتَدِيان ثَوْباً مُحاك بخُيوط التَّفْكير..و العَقْلُ قَد اسْتَقَلَّ القطار المُتَّجه نَحْو الحَديث الذي انْعَقَد البارحة بينه و بين زَوْجته..،جُنَّت حَتْماً..كيف اسْتطاعت خلايا مُخَّها أن تَنْتج هذه الفِكْرة المَجْنونة ! أَلم يَسْتَنْشق نصفه العَقْلاني خُطورتها ؟ أم أَنَّ عاطِفَتها اسْتَحْوَذَت على الفِكْر و المنطق تضامُناً مع المشاعر ! هُو الشَّخْص الأَكْثَرُ عِلْماً بمَدَى حَجْم الحقد الذي تَكِنَّهُ لذلك الرَّجُل..حِقْدٌ سَرْمَدي لا ينتهي أَبَداً..حَتَّى و لو انْتهت الرُّوح و وَدَّعَت الحَياة..فبَقايا الأَنْفاس التي ضَخَّتها هذه الرُّوح..المَشاعر التي سَكَبتها و الحروف التي نسَجَتها على قارعة الدُّنيا سَتَبْقى مُتَشَبّثة بالوَعْد..لتُكْمِل المَسير نَحْو المَقْصلة التي سَتُعْدَم فَوْقَها وَحْشيته..، هُو لم يُعْطها جَواباً على اقْتراحها الأَرْعَن..بل لم يَنْطُق بغير كلمات التَّعَجُّب و الذُّهول..و كَلِمَة "مَجْنونة" لم تَسْقُط من لِسانه..ها هُو منذُ البارِحة مُغْلِقاً على نَفْسه باب مَكْتبه..كأنَّما يَنْطوي بذاته وَسَط شَرْنَقة من تَفْكيرٍ مُعَقَّد..لم يَبْرَح مَقْعَده إلا من أَجْل الصَّلاة،ثُمَّ عاد و اسْتكان فَوْقه..و ها هي العَقارب تُكْمِل ساعتها الخامسة دون أن يَكْشف ولو عن نِصْف حَرَكة ما خَلا أَهدابه التي كانت تَتَصافق ببطءٍ بَليــد..،صَوْت طَرْقٍ قَوَي تَداخل مع صَوْت السُّكون الغارق الغُرْفة..تَلاهُ انْفتاح الباب لتَعْقبه رائِحة عِطْر أَذْفَر تَكَوَّم بَعَجَل في زوايا المَكان..تَقَدَّم ناحيته بأناقة مُفْرَطة..بنطال قماشي أَسْوَد،و قَميص لهُ لون باذنجاني مَطْفي..يَنْساب فَوْق عَضَلات صَدْره المُلْفِتة..و زِرارن عِند عُنُقه كانا مَفْتوحَين ليَكْشفان عن عُنُقِه المَشْدود و المَصْقول العَضَلات،و الأَكمام قد طَواها حتى مِرْفقه..نَطَق بنَبْرة تَتَشَبَّع ثِقةً،:صَباح الخيــر زَميل العَمَل
أَخْفَض يَد واحِدة و الأُخْرى انْتَقَلت إلى خَدْه ليُعَلّق بخُمول،:صباح الخير "أَرْدَفَ بعد أن رآه يَتَّخذ المَقْعد بجانب المَكْتب" يعني وظفوك !
رِياح أَنَفة هَزَّت رأسه مع ارْتفاع حاجبه بغُرور،:أكيــد بيوظفوني..من الغبي اللي بيفرط فيني ؟
قَلَّبَ عَدَسَتيه وَسَط بَياض المُقْلَتين بمَلل و هُو يَتَراجع مُسْنِداً ظَهْره قائِلاً بسُخْرية،:شوي شوي لا ينكسر خشمك من هالغرور
تَجاهل سُخْرِيَته مُلْتَقِطاً حَبْل الرَّيْبة الذي كان يُرَفْرف من مَلامح صَديقه..وَجَّه بُوْصلة عَينيه جِهة هذه الملامح المُعَرَّاة تَماماً أَمام ذاته المُدَقّقة..انْتفاخ بَسيط و لكن واضح كان يُحيط بأجْفانه..مع امْتداد ٍ جَريء للإحْمرار فَوْق بياض المُقْلَتين..لونٌ باهِت صَبَغ وَجْهه،لَوْنٌ يَحْكي التَّعَب..و فَوْقَ شَفَتيه نُحِتَت تَشَقٌّقات تُفْصِح عن صَمْتٍ اسْتَمَرَّ لساعات..رَكَزَّ عَدَسَتيه المُلْتَبِسَتان حِدَّة بعَدَسَتي رائد المُكَبّلَهما السُّهاد..تَساءَل بيَقين،:ليش مو نايم..صاير شي ؟
عُقْدة خَفيفة قَرَّبَت ما بين حاجبيه مع إلْتماس قَحَطُ شَفَتيه ابْتسامة شاحِبة،أجاب بسؤال،:شدراك إنّي مو نايم ؟
وَضَّح و هو يُشير إلى حاله برأسه،:ما يبي لها ذكاء..شكلك يبين إنّك ما ذقت النّوم
حَرَّك رَأسه بعدم اهْتمام و هُو يَميل به يَميناً..رَفَع كَفَّهُ ماسَّاً بباطنه عُنُقِه و هو يَهْمس بنَبْرة سَريعة،:مو شي مهم "اسْتَأنَف مُتَسائِلاً مع إعْتدال جُلوسه" مع أي قروب بتشتغل ؟
أجاب و هو يَسْتند و يَداه تُسارعان للنَّوم في دِفء جَيبيه،:لحد الآن مادري..طلبت إنّي ألقي نَظْرة على الهيستوري تبع كل المحققين و المفتشين..عشان اختار بدقَّة "مَدَّد ساقيه على الأرْضية من أَسْفله،ثُمَّ أَرْخى كاحل على الآخر و هو يُكْمِل بمُشاكَسة" طبعاً من باب الذوق و المُجاملة طلبت إنك تكون شريكي
ارْتَفَع حاجبه مُقَلّداً غُروره قَبْل دقائق،:غَصبٍ عَليك..و إنت مغمض تختارني شريك لك
هُو الذي لم يَتَجاهل انْشغال فِكْر صَديقه ابْتَسَم لثوانٍ يُجاريه ثُمَّ قال،:ما بتقول لي شنو الشي اللي ما خلاك تنام ؟
بهُروب ساذِج أَبْعَد عَينيه عنه..و لم يَفُته لَحْنُ الثِقَّة الذي عانق كلمات عَبد العَزيز،:رائد تحجى أحسن لك..لا تخليني أغصبك على الحجي
لا لن يَتَكَلَّم..هُو وَعَد فاتن مُنذ تِلْك اللَّيْلة أنَّ قِصَّتها سَتكون سِرَّاً لن يَطّلع عليه أحد..حتَّى طلال و الذي كان أَقْرَبُ إليه من أَنْفاسه..بالطَّبع لن يَنْقض الوَعْد الآن..لن يَخونها أَبَداً..فهي ارْتَدَت إكْليل ثِقة قَطَفَ زَهْراته بيديه و قَدَّمهُ لها بابْتسامة شَهْمة..لذلك لن يَسْمَح للكلمات أن تُغادر حَنْجرته مهما تَعَدَّدت أساليب عَزيز الغَصْبية..يعلم أنَّ عَزيز واحداً من المَجانين الذين يُعايشونه..و أَبْسط الأمْثلة إذا ما وَضعنا علاقته مع طليقاته جانِباً..تَهَوُّره اتّجاه قضية عَمَّار..،اسْتَكانت حَواسه للحظاتٍ وَمَضت خِلالها فِكْرة سَتُنْقذه من إلْحاح عَزيز..نَظَر لهُ بَعْد أن أَلْبَسَ ملامحه قناع مُزَخْرَف بالبَراءة..تَساءَل و مَقْصَدهُ الخَبيث تَحْويل مِنْظار عَزيز الدَّقيق بعيداً عنه،:إلا ما قلت لي شصار مع أمّك و زوجة عَمَّار الله يرحمه ؟
عُقْدَة عَدَم فَهْم بانت بين حاجبيه،:شدخل أمي في زوجة عمَّار ! "غادرت يُمْناه جَيْبه ليُديرها أمام وجه رائد مُرْدِفاً بغَيْظ بَسيط" شقاعد تخربط إنت !
فَتَحَ فَمَهُ ليُجيبه..لكِنَّهُ سُرْعان ما تَدارك نَفْسه و كَأنَّهُ انْتَبَه لخَطئه..عَضَّ على شَفته يُمَثّل النَّدَم قَبْل أن يَقُول وهو يُحَرّك رأسه،:خلاص خلاص انسى
فَزَّ من مكانه كأنَّما عِفْريت قَد مَسَّه..فانْعقاد اسْم والدته باسم تلك الأُنْثى مُصيـــبة عُظْمى..و هو إلى الآن لم يَفْهم سَبب ذِكْر رائد لإسميهما معاً،و ماهية المَوْضوع الذي يَجْمعهما..اسْتَلَّ كلماته من بين أسْنانه و خُطوط الإنْشداد تتكالب حَوْل عَيْنيه الغاضبتين حَدَّ الإشْتعال،:رائد تكَلّم بسرعة لا أكَسّر عظامك
بصعوبة اسْتطاع أن يُكْبح ضِحْكته و يُبعد آثارها عن وَجْهه..هُو يَعْلَمُ يَقيناً أنَّه إذا لم يَنْطُق..فإنَّ عَزيز سَيُنَفّذ تَهديده حَتْماً..وَقَف بهُدوء و هُو يُسْبغ على تَحَرُّكاته الإعْتيادية..حَشَر يد في جَيْب بنطاله الخَلْفي..و الأُخْرى اسْتَقَرَّت خلف عُنُقِه مُتَّخِذاً مَشْهَدَ القَلَق،:والله يا عزيز مادري شقول لك..بس أمك الله يحفظها أصَرَّت إنك ماتعرف
اتّساع مَذْهول نالَ من عَيْنيه..هَتَفَ عِرْق في عُنُقه خَوْفاً..إلهى إن كان الذي أُفَكّر به صَحيحاً،سَتَتَجَسَّد المُصيبة حَقيقةً..و للمرَّة الرَّابعة..،نَطَق صَوْتٌ بُحَّ من فَرْطِ تَوَجُّسه،:رائــد..انْطق
قالَ و هُو يَرى بوضوح إمارات الفَزَع المُضْحكة تَحوم حَوْل وَجْه رَفيقه..و من خلال هذا الخَوْف السَّاحق اسْتطاع هُو أن يَسْتَنتج سَبب اهْتمام والدة عَزيز بأَرْملة عَمَّار..،:خَلَّتني أَكَلّم إختك و أعطيها عنوان بيت أم عبدالله
الكَلِمات حَلَّقت من لسان رائد لتَخْتَرِق مَسْمَعي عَزيز مُسْتَقِرَّة على عُشٍ تَهاوى من ثِقْلها..انْهار جَسَده الضَّخم فَوْق المَقْعَد مع وُلوج صَوْته من بين صُخور الصَّدْمة،:مُصيـــبة "الْتَفَت لرائِد الذي انْحَنى من شِدَّة ضَحِكه..و بقَهَرٍ حاقد أَرْدَف" الله ياخذك يا رائد..الله يـــاخـــذك
,،
تَلَقَّت تَرْحيب وِدّي من زَميلاتها في المَدْرسة في أَوّل يوم عَمَل بعد غِيابها الطَّويل..اتَّضَحَ لها من خلال حَديثهن و سَلامهن أنَّ أخيها نَقَلَ لمُديرة المَدْرسة خَبَر إصابتها بحُمَّى شَديدة أَطْرَحتها الفِراش لأيام..و لم يَغْفَل عن تَسْليم الإدارة عُذْراً طِبّي اسْتَطاع أن يُدَبّره بصعوبة بالِغة..فَهْو حاولَ بشَتَّى الطُّرق أن يَحْميها من شَذرات الظُّنون و الشُّكوك التي قَد تَنْهال عَليها..،ها هي الآن تَجْلس وَسَط غُرْفة مَكْتبها التي افْتَقَدَت لأيام رائِحة أَنْفاسها..هَمَساتها اللَّطيفة و دِفء صَوْتَها الرَّقيق..لكن أَسَفاً أنَّ كُل هَذا قد طُمِرَ أَسْفَل كُثْبانٍ من رِمال مُميتة..فالأَنْفاس قَد نَسَفَتها رائِحة كَئيبة..كما رائِحة الفَقْد الذي يَحُوم فَوْق أَشْلاء أَجْساد نَهَبت أرْواحها الحَرْب..و الهَمَسات نُحِرَ لُطْفها..حَتَّى صَيّرتها الوَحْشية بَحَّاتٍ تَغُصُّ بالعَبَراتِ و الأَنين..أَمَّا ذلك الدّفء اللذيذ..فسَحابة الجَليد الضَّخْمة الْتَهَمَته و أَحالتهُ كُتْلة مُجَمَّدة لا تُذيبها شَمْس و لا يُثْمِر من بين تَشَقّقاتها الرَّبيع..،
،:مَلاك في شنو سرحانة ؟
رَمَشَت بِخفَّة لتُعيد لذاتها الصَّحْوة..نَظَرَت لِفاطِمة الجالسة على المَقْعَد المُلاصق للمَكْتَب..حاولت أن تَسْتَعين بابْتسامة..لكن الذي شَدَّ شَفتيها لم يَكُن سِوى عُبوس مَكْسور الخاطِر..بِبَحَّة أَجابتها،:مو في شي
تَساءَلت فاطِمة و هي التي اسْتَنْبَطَت الضّيق من ملامح مَلاك الرَّمادية،:شنو فيش ؟ الواضح إنش متضايقة..أو زعلانة !
وَضَّحَت و هي تُحَرّك القَلم السَّاكن بَيْن أصابعها ليَرْتَطِم بالأوْراق برِتم سَريع،:لا مو متضايقة و لا زعلانة "حَكَّت مَدْمَع عَيْنها بطرف سَبّابتها و هي تُرْدِف" بس لا زلت أحس بالتعب
تَدَثَّرت عَيْناها بالعَطْف قائِلةً،:يا عُمْري مَلوكه..حبيبتي ما تشوفين شر..ليش ما تستأذنين و ترجعين البيت ترتاحين ؟
انْكَمَشَت مَلامحها مُشْمَئِزة من الإقْتراح،:لاا مابي استأذن..مليت من قعدة البيت،و تكسَّرت عافيتي من السَّرير..اهني أريح "بسُرْعة الْتَقَطت سُؤال بهِ تُغَيّر هذا المَوْضوع الكَئيب" قولي لي شنو صار في غيابي ؟
,،
بَرْلِين
أَيْقَظَهُ الفُضول الشَّرِس المُلازم ذَّاته مُنْذُ فَتْرة لَيْسَت بالقَصيرة..فَتْرَة كانت كافِيَة لغَرْسِ قاعِدة قَوِيَّة من شَك وَسَطها..كُلُّ الحَوادث تَقُول أَنَّ الذي كان لم يَكُن صُدْفة طاهِرة من بَصَمات أَصابع أَيْدٍ خَبيثة..كُلُّ شيء كان مُخَطَّط له..بدايةً بلقاء المَكْتَبة ذاك الذي اعْتَرَف مُحَمَّد بأَنَّهُ كان مُدَبَّراً ! لماذا ! لماذا هذا الكَذِب ؟ و لِمَ الخِداع ؟ لِمَاذا والُده يَصُر على نَثْر أَشْواك من تَعْقيد حَوْل حَياتهم؟ لِمَ لا يَدَع الوَرْدَ يَنْمو بهُدوء و سَكينة ليُعَطّر أَرْواحهم المُخْتَنِقة من نَتانة الدّماء المَبْصوقة من أَفْواه قَضاياه المُريبة ؟ هُو بالكاد اسْتطاع أَن يَغْفو قَبْل طُلوع الفَجْر بدقائق..فعَقْلَهُ كان مَشْغولاً بمُكالمة مُحَمَّد السَّريعة و جِدَّاً..كان يَسْأل عن ذلك المُحَقق..عَزيز..هُو يَعْرفه جَيّداً..و يَعْرف مَدى خُطورة القَضايا التي أَغْلَقَ مَلَّفَّها بعد أن زَجَّ بمُجْرميها في السّجن..لطالما اسْتَمَع لكَلِمات الفَخَر و التَّرانيم العابِرة لسان والده قاصِداً ذاك العَزيز..الجَبَل..كما اعْتاد أن يُكَنّيه..فهو لا يَهابُ شَيء..و كأنَّ طينته عُجِنَت بالصَّلابة و القُوَّة القاسِية..نَعَم كانَ قاسٍ..للحد الذي اضطَّرَّهُ أن يَنْفَصِل عن زوجاته الثَّلاث..فالعَيْش معه تَحْتَ سَقْفٍ واحد يَتَطَلَّبُ منك البَقاء يَقِظ الحَواس..وَسِع المَحْجَرين..مُدَقّق النَّظَر و مُتَأهّب الجَوارح مَدَى الحياة..فلا راحة و لا اسْتقرار معه..و الإنْعقاد به أَشْبه بتَقْييدٍ جَبْري في بَلَدٍ يَقْتات شَعْبه على الإَعْمال الشَّاقَّة و التَّدْريب المُنْهِك للنَّفْسِ قَبْل الجَسَد..،تَرَكَ جَسَدَهُ السَّرير و مَلامحه قَد اعْتراها وُجوم مُثير للتساؤل..انْتفاخ بَسيط كان يَغْفو أَسْفَل جِفْنيه..و عُبوسٌ كَئيب تَعَلَّق بِشَفَتيه..سادَّاً الطَّريق عن أيُّ ابْتسامة..غادَرَ غُرْفته دُون أن يُذيب جُموده بقطرات ماء تَنْساب على وَجْهه لتُبَدّد عُقْدَته..قَصَد الطَّابق الأَرْضي..و مُباشرة اتَّجَه إلى الجِهة القابِعة فيها طاولة الطَّعام المُتَوَسّطة الحَجْم..حَيْثُ هُناك كان يَجْلُس والده باسْترخاء صَباحي..ساق على الأُخْرى بجُلوسٍ تَحُفّه الثّقة..نَظَّارة القِراءة تَسْتَقِر على أَنْفه..و بين يَدَيه القَوِيَّتين كانت تَسْكن الصَّحيفة المُشَرَّعة..،هُو بخُطوات سَريعة و هُجومية مَضى إليه..تَوَقَّف على يَمينه و قَبْلَ أن يَلْتَقِط أَنْفاسه نَطَق صَوْته المُنْتَبِذ غُلْظة تَحْكي جِدّيته،:لماذا اخترت موهاميـد ؟ لماذا أنت مُصِر على تَوْريطه إلى الآن ! هُو مُهندس و ليس مُحَقق لتُقحمه في قضاياك المَجْنونة..السنوات التي مَضَت استطاع أن يَنْجو من القَتْل..لكن هذه المَرَّة..هو سألني عن أزيز..و كلانا يَعرف جيداً من هُو أزيز..قضاياه لا يسلم منها أحد "كَرَّرَ بغَيْظٍ مُسْتَعِر" لِمَ تُريد تَوْريطه !
صَوْتٌ لَم يَكُن يَنْتَظِره أتاهُ بتَحْليقٍ مُعاتب،:أووه عَزيزي هاينز ! إنَّها السَّابعة و النّصف صَباحاً..أُرْجوك لا تُزعج والدك
حَاولَ أن يُدَثّر كلماته بمعطف الأَدب المُهْتَرئ في هذه الدَّقائق قائِلاً،:عُذْراً أمي..فأنا أحادثه هُو
عادَ مُلْتَفِتاً بانْتباه إلى والده الذي طَوى الصَّحِيفة بهُدوء دُون أن يَرْفع طَرفه إلى هاينز المُحْتَرِق في مَكانه..أَرْخاها على الطَّاوِلة و هُو يتَقَدَّم منها بعد أن أَخْفَضَ ساقه..أَمْسَك بالكُوب الأبْيَض،ثُمَّ رَفعه ليَرْتَشِف من الحَليب السَّاخن..و عَيْناه قَد تَحَرَّرتا من النَّظارة لتَتَطَلَعَّان بانْدماج إلى أَفْكارٍ لا مَرْئِية تَحُوم في عَقْله..،هايْنز تَضاعف حَطَبُ ناره المُتَأجّجة..نارٌ هائِجة بعُنْف مُخيف..يَرْتفع منها دُخانٌ أَسْوَد يُهَدّد بدمارٍ على هَيْئة اخْتناق يُميت بقايا الجَمال المُتَشَبّث بحياتهم..شَدَّد من قَبْضة يَده التي ابْيَضَّت قَهَراً من اسْتفزازه..من بين أَسْنانه نَطَق و أَنْفاسه الثَّقيلة تَكاد تَمْرَق صَدْره المُتحامل،:أَبــي لا تتجاهل..أجبني و إلا أَخْبــ
قاطَعَتْهُ كلماته الحادَّة كَسَيْفٍ مَسْلول،:لا تُشَتتني
كان يَرْنو لهُ بطَرَف عَينه..أعاد الكُوب لمكانه تحت نَظَرات هاينز المُشَبَّعة غَيْظاً و سُخْرِية مَريرة..ارْتَفَع حاجبه باسْتنكار و هُو يَسْتمع لكلامه،:كُنت احسب سنوات عمرك..ستصبح رَجُلاً في الخامسة و الثَّلاثون قَريباً " أدار وَجْهه المُرْتَدي حُلَّة هادِئة مُخاطة ببرودٍ مَدْروس..أَكْمَل بابْتسامة أَرْفعت زاوية فَمه لتُعَبّر عن اسْتهزائه" بدَلاً من أن تتناقش مع زوجتك عن المَدْرسة التي ستُلْحق طفلك فيها..أنت واقفٌ الآن أمامي بشعرك المُبَعْثر و آثار النَّوم التي لم تَتَخَلَّص منها و تُحَقق معي كأنني مُجرمٌ سَفَك دَماً لأحد مُحبيك !
عَقَّب بسؤالٍ لائِم مع اشْتداد عُروق أَوداجه و حِدَّة عَدَسَتيه،:أَوَلَستَ من سَفَك دِماء حَياتي ؟ مَلأتها بدماء مُجْرميك..خَنَقتها بروائح الخَوف و التَّرَقُّب و عدم الأمان.. عمري الخامس و الثَّلاثون هذا لو نَبَّشت بين سنواته لدقائق..لدقائق فَقَط..لوَجَدتَّ طُفولتي تَبكي في زاوية مُظلمة..زاوية شَيَّدْتَها يَديك "أشار بإصْبعه المُنْتَبِذ من صَوْته ارْتعاشته..و الأَلَمُ يَجُر أنيناً أَبْكَم كان يَنْتصف كلماته المُخَضَّلَة بالأسى و القَهَر" أنت فَضَّلَت عَمَلك عَلي..على ابْنك الوَحيد..اخترت بأنانية أن تعيش في زَوْبعة من الخَطَر دون أن تُبالي بي..أنت حَتَّى و على الرَّغم من المَوْت الذي يُطاردنا لم تتنازل عن عَمَلك..ببجاحة اعترفت أنَّك تُحبه أكثر مني "هَزَّ رَأسه بنَفْيٍ صارِم لا يَقْبَلُ بالنّقاش.. و من عَيْنيه تَطَايَرت نُسورٌ جامِحة تَعِد بالهُجوم إذا ما اسْتجاب لأمره..اسْتَأنَفَ بهَمْسٍ فَحيحي ارْتَجَفت معهُ أَوْصاله الهائِجة" لكن الآن لن أسمح لك باسْتمرار هذا الظُلم..لم أعد أهتم بنفسي..ما يهمني هُو موهاميد "شَدَّد على كلماته مُواصِلاً صَفْعَ ذَّات والده" موهاميد هو الوَحيد الذي يهمني أمره
طَوال هُجوم سَيْله الجارف كان صامِتاً..يَسْتَمِع و حُنْجرته تَتَكَوَّم على نَفْسها حتى تَحَجَّرَت بِغَصَّة.. الصَّوْت فارَقَتهُ الكَلِمات بخيانة عُظْمى..لذلك أَبَى أن يُسْبِغ عَلى الحَنْجرة المُتَقَشّفة بضع قَطَراتٍ تُعيد لها الحياة..الصَّمْتُ انْتَصَر عليه،و أَجْبَرَ ذَّاته على الإسْتسلام لِغَرَق ابْنه المَقْهور حَدَّ الحِقْد..،خَلَعَ جُلوسه الذي انْتَحَر اسْترخاؤه..وَقَفَ و هُو ينظر لساعته..يَدَّعي عَدَم اهْتمامه بتلك الخناجر السَّامة..رَشَّحَ ماء عَيْنيه من أَطْياف الألم و الإنْكسار،قَبْلَ أن يُلْبسهما بَلادة سَكَبَت الغاز على النيران..تَساءَلَ بصَوْت لا يَحْوي أيُّ انْفعال،:ما الذي تَغَيَّر الآن ؟ أنت تعلم أنَّ موهاميد هو الذي كان يُطيح بالمُجرمين بين يدي أزيز..لولا جاسوسيته لن أقول أنَّ المُجرم سيفلت منا..لكن سيستغرقنا الوصول إليه وقتاً أطْول..إذاً عمل موهاميد مع أزيز هُو اسْتثمار في صالحنا..و لا داعي للقلق
تَقَدَّم مُفَجّراً بُرْكانه ليُلْحق سَيْله بحُمَم تنصهر منها نَبَضات آستور المُرْتدي قناع اللامُبالاة..قال بصَرْخة غَلَت منها دماؤه السَّابحة بَيْن ملامحه السَّوْداوية،:أنت أنـــاني..لا تخجل من الإفصاح عن أنانيتك..بلا اهتمام تقول أنَّه استثمار لصالحكم..لصالح عملكم السافـــ... أنت أكبر مُجرم..و كل الذين تُطاردهم ما هم إلا نُسخة مُصَغَّرة منك
تَقَدَّمَ منه و بين حاجبيه اتَّضَحت عُقْدة أَكَّدَت لزَوْجته أن الوَضْع بَدأ يَنْحني لمُنْحَدَرٍ مُوْجِس..تَوَقَّفَ أمامه على بُعْد خُطْوة..رَفَعَ كَتِفه بالتوالي مع حَرَكة رأسه المُسْتَنْكِرة لرَدَّة فعل ابْنه الغَريبة،:أنت مابك ؟ منذ سنوات و أنت تعلم بعمل موهاميد مع أزيز..لماذا الآن تعترض !
من بين أَنْفاسه اللَّاهِثة أجاب و خُطوط الغَضَب تُواصِل نَحْتَ نفسها حَوْل عَيْنَيه،:لأنّني كُنتُ أعتقد أنَّ موهاميد على عِلْم بعمله مع أزيز..إضافة إلى أنَّهما لم يَلتقيان في تلك السنوات..لكن موهاميد أخبرني بجهله و هذا دليل على أنَّك كُنت تُخطط إلى السّوء..تُريد أن تورطه..هو سألني عنه..و كما أعرف أن أزيز عاد لبلده "صَرَخ بحَرْقة" لِمَ عاد و لمَ تَساءَل موهاميد عنه !
هَزَّ رَأسه غير مُصَدّقاً لحال ابْنه هذا..تَمْتَم و هو يَسْتَدير ليَبْتَعِد،:لقد جُنِنت..حَتْما جُنِنت !
هاينز بتَهَوُّر قَبَضَ بقوَّة على عِضْد والده الذي اسْتدار إليه بتلقائِية مُوَجّهاً لَكْمة حَديدية إلى وَجْهه، تَبعتها صَرْخة زَوْجته المَعْقودة بالقُصْرِ و الرُّعب..بحَرَكات مُضطَّرِبة تَرَكت المَقْعَد مُتَّجِهة إلى ابْنها الذي تَقَهْقَر على إثْر الضَّرْبة القَوِية و سَقَطَ على الأرض..جَلَسَت على رُكْبتيها عند جَسده المُسْتَقِر على جانبه..وَضَعَت كَفَّها المُرْتَعِشة على ظاهر يَده الضاغِطة على خَدّه المُسْتَسلم لسَيْطَرة التَّوَرُّم..تطافَرت دَمعاتها بضعف و هي تَهْمس بتَنشّق،:يَكفـ ـي..هذا يكفــي..لقد جُننتما !
أشارَ آستور لهاينز مُعَقّباً بقَهَر،:هو الذي جُن ! "أكْمَل يُحادثه" أنت على علم بقضيتنا الأخيرة..لماذا مُصر على هذه الدراما السَّقيمة ؟
صَرَخ هاينز و هُو لا زال على جُلوسه المائل،:اللـــعنة على هذه القضية..في البداية تُريد أن تُزوجه..و الآن تُقحمه مع أزيز المَجنون و لا أدري مــ
قاطعه بنَبْرة جَليدية جَذَبَت إليها أقْطاب الجَليد المُتَكَتّل في العالم كُلّه..و إصْبعه انْتَصَفَ بصره بتَحْذيرٍ واخِز،:اخْــــرَس...لا تظن ولو للحظة..للحظة فقط..أَنَّك تحب موهاميد أكثر مني "اسْتَأنف و صَوْته يُعيد لهاينز ذكريات الماضي الغابِرة بوَحْشة" لولاي لكان جَسَده قَد تَحَلَّل بين تُراب بَرْلين..بلا أهل و لا عائلة
نَفَثَ آخر كلماته ثُمَّ أَلْقى نَظْرة وَسَّعت من ثُقْب الحيرة المُتَوَسّطة ذات هاينز الذي بَقي في مكانه جامِداً..و أهدابه قد تاه عنها الإصْطفاق مُتيحةً لعَدَستيه الفُرْصة لاجْتراع طَيْف والده الذي بَدأ يَنْجلي..أَخْفَضَ يَده ببطءٍ آلي..لم يَعُد يَشْعُر بألم خَدّه..فَأعصابه قد أَتعبتها تلك الكَلمات حتى أصبح من العَصي عليها نقل إشارات الألم للمُخ..الدّماء التي كانت ثائِرة في عُروقه،ها هي تُوَجّه بُوصلتها إلى فَصْل التَّجَمُّد و البَيَات..كُل مافيه اسْتكان..حَتَّى أَنْفاسه غادرتها الرّياح العاصِفة..الْتَفَت بتَيه لصَوْت والدته المُعاتِب،:رَجَوْتُكَ هاينز كَفى..أنهِ هذه الحَرب..يُثْقِل قَلْبي هذا الحقد المتراشق من عينيكما..و كأنكما أعداء..أبٌ و إبنه و لكن أعداء..ارحم قلب والدتك هاينز..أَرْجوك
,،
البَحْرين
الإسْم أَعاد لِقَلْبها وَجَع السّكين التي طَعَنها بها دُون رَحْمة..و كَأنَّ الذي نَقَلَهُ إليها حَدَثاً تَتَحَمَّل ثِقْله القاتِل رُوحها التي لا تزالُ مُتَشَبّثة برائِحة تُراب قَبْر فَقيد عُمْرها..تَصافَقَت اَهْدابها إثْر انْتشار الدَّمع وَسَط بَياض عَيْنيها بشَعْواء مُرْبِكة..كانت تُحاول أن تُشيح وَجْهها عن بَصَر هذه الجَدَّة التي اتَّضَحَ أنَّها والدته..تُريد أن تُواري الضّعف الذي انسَكَب على مَلامحها..لكن يَدَها المُجَعَّدة أَبَت أن تُطْلق سَراحها..شَدَّت على وَجْنتها ناطِقةً بلَحْنٍ آسِف،:أنا دريت باللي سواه ولدي..و جاية اعتذر نيابةً عنه..صدقيني يُمَّه هو مو قصده سوء ولا قصده يفجع قلبش "ارْتَخَى حاجباها بقِلَّة حيلة مُرْدِفة" بس هذا طَبْعه..انْخلق وياه و كبر وياه..يحسب كل الناس مثله..قلوبها قويَّة و تتحمل كل صعب..ما يفرق بين قلب بنية و بين قلب رَجَّال "مَسَحت على شَعْرَها المُسْتَرْسِل و هي تُكْمِل بوِدٍ راجي" مسحيها في وجهي يُمَّه..أدري شكثر الشي يزَعّل و يكسر القلب..بس حبيبتي مــ
قَاطعَتها غَيْداء ببحَّة و هي تُحيط برسغها بلُطْفٍ رَقيق،:خـلاص خالتي..أصلاً نسيت الموضوع " حاولت أن ترسم ابْتسامة ناعِمة و هي تُرْدِف" ما كان له داعي تتعبين روحش و تجين..تطمني سامحته
تَساءَلت لِتَطْمَئِن،:أَكيد يُمَّه ؟ يعني مو شايلة في خاطرش على عَزوز الدّفش ؟
أَكَّدَتَ و هي تَهز رأسها بالإيجاب و بتلَّات ضِحْكة تُناغي آثار الوَجع التي سَكَنت ملامحها لدقائق،:أكيد خالتي..مو شايلة في خاطري
قَرَّبَت وَجْهها من خَدّها لِتَطْبَع قُبْلة ارْتَشَفَت حُمْرَة وَجْنتي غَيْداء صِدق حُبّها..قالت و هي تَبْتَعِد عنها،:الله يخليش لعيون أهلش و أولادش يا القمر
ابْتَسَمت لها و الخَجَل قَد نَثَر قُبْلاته على مَلامحها الباذِخة،:تسلمين خالتي..يخليش و يطول عمرش يارب
هي رُبَّما لا زالت تَحْمِلُ وَسَط الجَوى لَوْماً مَخْنوقاً لذلك القاسي..و لا تَزال عَيْناه الباعِثَتان سِهام سَامَّة تُلاحقها في أَحْلامها..و كأنَّهما اللتان قَتَلتا حَبيب عُمْرها..حَتَّى صَوْتهُ المُتَشَبّع بشتاء قارس يَشْكط الرُّوح بحُرْقة،لم يَبْرح مَسْمعيها إلى الآن...،لَكِنَّها و رُغْمَ بُكاء الأَلَم المُسْتَعِر في جَوْفها..و الضّيق المُكَبّل وُجودها..إلا أَنَّها لم تَشأ أن تَجْعَل هذه المَرأة تُكْثِر من رَجْواها..فهي في عُمْر جَدَّتها،و لَيْسَ من شِيَمها أن تُوَلّد شُعوراً بالذُل في نَفْسِ أَحَد..كائِناً مَن كان..و هذا النّوع من الرَّجاء في مَنْطقها يُوازي الذُّل..،
انْتَبَهَت لِصَوْت أُم عَزيز الذي عاد و هُو مُعَطَّر بالثِقَّة،:وَعد حَبيبتي غَيْداء..بخلي عَزوز الدّفش يعتذر منش
هَزَّت رأسها بسرعة تَرْفض الفِكْرة بعَيْنان كَحَّلَهما الذُّهول،:لاا لا خالتي ما له داعي
طَبْطَبَت على فَخْذها و هي تَرْسِل لها نَظْرة تَتَطَلَّع لمُسْتَقْبَلٍ مَجْهول الهَوِيَّة،:إلا له داعي..بيعتذر مرة و مرتين و ثلاث بعد..صدقيني يُمَّه
,،
قُرْص الشَّمْس بَدأ بمُداعبة أَطْراف السَّماء..لتَبْدَأ رِحْلَة مَغِيب جَديدة..مَغِيبٌ يَحْملُ بَيْن أَوْزاره ابْتسامات..و رُبَّما دُموعٌ و صَرَخات..و بالتّأكيد للضحكات و الأُمنيات مَخْدعاً بين جَنَباته..،كانت السَّماء قَد ارْتَدَت ثَوْباً مُزَخْرَفاً بغُيوم زَهْرية..و بضْعٍ من تطاريز عَسْجَدية كانت تَنْتَشِر بسِحْر بين ثَناياها الصَّافِية..و ها هو القَمَر يَقِفُ مُتَطَرّفاً..بلونهِ الدُّخاني المُنْتَظِر هَدِيَّة الشَّمْس الكَريمة..،كانت الساعة تَقْترب من السَّادسة و عَشْر دقائق عندما كان يَشِد رَحْله بين مَمَرَّات المُسْتَشْفى..طاوِياً مِعْطفه الأبْيَض على كَتفه..يَد تَفْتَح زِرار قَميصه الثّاني عند العُنق..و يَد تُخْرج المفاتيح من جَيْب بنطاله..كان يَخْطو بسُرْعة بَسيطة ليَلْحق على الصَّلاة في المَسْجِد..كان قاصِداً في طَريقه مَخْرَج الطَّوارئ بعَيْنان تَتَطَلَّعان للأمام و فِكْر لا يَحْوي شَيء..،
،:باقي لي أسبوع و انتقل لقسم الأطفال "أَفْرَجَت عن زَفْرة مُهْلَكة" أوووف برتــاح..عالأقل هناك براءة و قلوب بيضا
ضَحَكَت زَميلتها مُعَلّقة،:اللي فهمته من هالكلام إنَّ اللي في قسم الجراحة خبيثين و قلوبهم سودا
مالت شَفتيها بابْتسامة صَغيرة و هي تُجيب مُوضّحة،:ما ادخل في النوايا..بس هذا اللي اسْتنشقته نَفْسي
هَمَسَت زَميلتها و هي تَنْظر لِما خَلْفها،:شعنده دكتور عبدالله جاي مشتط ؟ مستعجل على شنو !
بسُرْعة الْتَفَتت لتُبْصِر نَبَضاتها وَجْهه السّارح..باغَتَتها تَنْهيدة لم تَشْعُر بوُلوجها لغِياب حَواسها..ازْدَردَت ريقها عندما ناغى مَسْمعيها صَوْته في الهاتف..و نَظْراته صَباح اليُوم عادت لتُحيط بها من جَميع الجِهات لتُعيد إحْياء التَّوَتُّر و الإرْتباك بين حَواسها..ابْتسامة دافِــــئة حَدَّ غِياب العَقْل جَمَّلَت شَفَتيها..فمَظْهره المُهْمَل بأزرار قَميصه المَفْتوحة و المعطف المُلْقى على كَتِفه جَعَلُوها تَسْتَنشِق نَسيم جاذِبية بـارد أَرْجَف دواخلها..،هُوَ حانت منهُ الْتفاتة على إثْرها اصْطَدَم وَعْيه بوُجودها القَريب..رَمَشَ لِمَرَّاتٍ مُتتالية تَحْكي ارْتباكه..و بحَرَكة جَلِيَّة أشاح وَجْهه عَنْها بالتوالي مع احْتدام سُرْعة خُطواته..و كأنَّهُ يَنْجو من الحَقيقة التي بَدَأَ هِلالها بالإنْعقاد مع الحَياة..،فَغَرَت فاهها من هذا التَّجاهل المُحْرِج و جِدَّاً..و كأنَّهُ بإشاحة وَجْهه صَفَع حالميتها البَلْهاء..حَطَّت بأسْنانها على شَفَتيها بقَهَر و هي تَسْتَمِع لِضِحْكة زَميلتها..نَطَقَت و الغَيْظُ قَد عَقَّدَ حاجبيها بعد أن صَدَّعَ ملامحها النَّاعمة،:فَشّلني النَّحيـــس..و الله ما يستاهل أحد يبتسم في وجهه حتى مُجاملة "أَرْدَفت و هي تَبْسِط يَدها أمام الباب مكان خُروجه " مالت عليـــك
،
اسْتَقَرَّ جَسَده على مَقْعَد السَّيارة بَعْدَ أن أَغْلَق الباب و أَقْفَل جَميع الأبواب و كأنَّهُ يَحْمي نَفْسه من الوَغَى التي تُرْفَع أَعْلامها..تُدَق طُبولها و تَعْلو أَصْوات أَبْواقها حينما يَكون بجانب تِلك الأُنْثى...تَحْديداً..عندما يَكون بجانب تلك الأُنْثى مُؤخَّراً..،حاوَلَ أن يزْفر جُنونه و هو يَرْمي المِعْطف على المَقْعد بجانبه..و لسانه يَنْطق بتَوْبيخ لذاته،:عَبـــود يا الخَفيف مو بهالسرعة عاد..شوي و يطلع قلبك من صدرك يوم تشوفها !
ضَغَط زِر تَشْغيل السَّيارة ثُمَّ رَفَع عَيْنيه لتَنْعكسان لهُ في المرآة..حَذَّر نَفْسه بكلمات صارِمة،:اعْقل عَبدالله..اعقــل و بلا جنون "ارْتَخَت ملامحه و كأنَّهُ أُشْفِق على حاله مُرْدِفاً" عالأقَل خله يكون في البداية إعجاب..مو مرَّة وحده القلب يدق و تستوي حالتك حالة ! شخليت للمراهقين عَبــود ؟
حَرَّكَ السَّيارة بعد أن اتَّفَقَ مع ذاته أنَّ الذي يُراوده لَيْس حُب..فقط تَصادمه معها هذه الفَتْرة زَرَع في نَفْسه التَّرُهات و الأوْهام..إضافة إلى
،:صاير لك سنتين عايش في قَحَط عبدالله "ابْتسَمَ بغباء و هو يُكْمل و عَيْناه على الطَّريق" أكيد يوم إنّك شفت الماي استخفيت !
,،
يَتْبع
|