كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
عُــذراً على التأخير..جــداً آسفة
بدل الدقايق صارت ســاعة =(
،
بسم الله الرحمن الرحيم
توكلتُ على الله
،
فَقدُ ذات
عشرون مليون..سبعةُ ملايين..خمسة عشر مليون..مليونان و مائة..أقل و أكثر..حتى الألف يورو تم السطو عليها...،حالة استنفار في المصرف الأكبر في بَرلين..مُنذ الخامسة صباحاً كانت الشُرطة تُحاصر المبنى..الأشرطة التحذيرية بوجود تحقيق تُحاوط المكان من على بُعد شارع..
الصحافة تراكمت أفواهها عند الأبواب لنقل الخبر عن طريق ألسنة حَوَّرت و تلاعبت حتى أنتجت حروف تجذب الناس لتبتاع صحيفتها..حتى لو كان ما تَصُفه من حروف كَذِب !
تم السطو على أكثر من ثلاث مئة مليون يورو و كختم على السرقة تم إلقاء صاحب المصرف مُضَرَّجاً بدمائه وسط القاعة الكبيرة للمصرف..التحقيق جارٍ و تم أخذ عينة من كل جزء في المبنى،حتى أصيص الزرع الموجود عند المدخل أخذ المُحَللين عَيّنة من سماده لفحصها في المختبر !
عَقَف الكوب الكرتوني بيده ثُمَّ ألقاه بعصبية على الأرض..الساعة اقتربت من السابعة مساءً و إلى الآن لم يستطع أي أحد التوصل لحل لهذه القضية..و في الخارج أصحاب الحسابات و الذين جميعهم ذوي مراكز مهمة في المدينة يصرخون مُلَوّحين بأذرعهم يُطالبون بمالهم المسروق..،من حظه صاحب المصرف أنهُ تم قتله..فلو كان على قيد الحياة فكيف سيُكبح هجوم هؤلاء المُتَعصبين ؟!
أشعل سيجارة عاشرة رُبما وهو يتقدم من التَجَمع الخانق للصحفيين و المُراسلين،تهاتفت أصواتهم بإزعاج وَتَّر عِرقه المُتَحفز لحل أي لُغز في مسيرته العملية..و هؤلاء بأعدادهم المُكتنزة عند البوابة يضربون هذا العرق مُوجعين عاتقه المُتَحمل هذه القضية الشائكة..،
بــبرود كان درسه الأول الذي تَعَلَّمه في كلية التحقيق،عيناه مُتَجلدتان و صوته بهدوء مشية القطة،:القضية طور التحقيق،الجاني سينكشف قريباً،دعوا القلق جانباً
صوت حــاد حَشر نفسه بقوة بين الأصوات،:يقولون أنهم عصابة هل هذا صحيح ؟
،:كُل شيء وارد
،:و ماذا عن صاحب المصرف،كيف تم قتله ؟
،:لا زلنا نحقق في أمره
رفع يده في وجههم وهو يتراجع للخلف مُتجاهلاً نداءهم و أسئلتهم الفضولية..يُريدون السَبق الصحفي..و يسيل لُعابهم من أجل كلمة "حصري" المُستَهلة صفحتهم الأولى بخط أحمر عريض ..لديهم جوع للأخبار و الشائعات..لا مُشكلة لديهم ليتخلوا عن كرامتهم من أجل الظفر بنصف خَبر يكملونه هم بخيالاتهم التي تعجب عين القارئ و عقله محدود الفِكر..قد تجد واحد فقط من عشرة يستحق أن يحمل لقب صحفي..من ينقل القضية بصدق و شرف..،
زَفرَ دُخان سيجارته..الحرب الطاحنة بين الشرطة و الصحافة لا نهاية لها...،صوت أحد مُساعديه يأتي من خلفه..استدار إليه مُتسائلاً،:هل تمَّ تشريح الجثة ؟
حَرَّك رأسه بالنفي قائلاً،:لا فأهل المقتول رافضين تشريحه
عُقدة حاجبيه عَقَّدت ملامحه بأكملها وهو يقترب بعصبية من مُساعده،:و ما دخلي أنا بأهله..علينا تشريح الجثة رُبما يُسعفنا دليل
بهدوء،:أنت تعلم لو أننا أقدمنا على ذلك فسيكون من حق الأهل تقديم بلاغ،نحتاج لموافقتهم أولاً
رفع رسغه لجبينه مُغمضاً عينيه و كفه الأخرى استقرت على خصر الحيرة..لا باب يستطيع فتحه ليصل لمركز القضية..عقله يحوم في دائرة مُفَرَّغَة..لا زواية يستقر فيها يُناقش أفكاره و تحليلاته..كُل فكرة يصرخ بها تلجمها أيدٍ خَفيَّة لا يعلم أصحابها..،نظر للمُساعد و صوته اكتساه تعب توسد أسفل عينيه،:اذهب الآن و ابعد هؤلاء القذرين عن المكان..انا ذاهب لمكتبي انتهى عملي هنا سوف احاول أن اتوصل لحل.."وضع يده على كتفه" واصلوا البحث هُنا و أي شيء غير مألوف اخبروني به مُباشرة
هزَّ رأسه بالإيجاب،:حـاضر سيدي
،
،:اذاً نحن ذاهبان لمركز الشرطة ؟
ضَحكَ وهو ينظر له،:لا ليس الى هُناك،فوالدي اضافة الى مكتبه في المركز و مكتبه في المنزل لديه مكتب آخر قريب من هُنا،فهو يحب الإختلاء بنفسه فيه،و غالباً يعمل هناك عندما تتأزم عليه قضية
مالت شفتاه للأسفل بتقييم و هو يقول،:هذا مميز
رفع حاجبه باستغراب مُتسائلاً،:و ما المميز في ذلك ؟
ابتسامة جانبية أمالت شفتيه لليمين،:لديه طقوسه الخاصة وهو يؤدي عمله،فقط المميزون لديهم طقسوهم التي يختلفون فيها عن الآخرين
أشاح وجهه مُبدياً عدم إعجابه بكلامه،:كلام فارغ
بتساؤل يستنكر أفعال صديقه،:لماذا لا تُقَدر عمل والدك ؟ يجب أن تكون فخوراً بأنه يقبض على المُجرمين..فهو يحمي المدينة
نظر لهُ باستخفاف وهو يتوقف عن المشي،ببرود نطق ،:موهاميد انت لا تعلم شيء ارجوك اصمت
توقف مُحمد أمامه و ملامحه تنطق بجدية تعاضدت مع كلماته التي خرجت بخفوت،:اذاً أخبرني هاينز،اخبرني بما في قلبك لكي لا ألومك
زَفرة تراكم أنينها وسط صدره أفرج عنها..ابتسم في وجهه وهو يقول بذات خفوته،:بالتأكيد سأخبرك و لكن ليس الآن "وهو يرفع يده الحاملة بعض الأوراق" دعنا نوصِل هذه الأوراق أولاً و بعدها سوف نتكلم
واصلا المشي بعد ثوانٍ و هما يتجاذبان أطراف حديث خيوطه تحررت من مغزلة والد هاينز و عَمله..دقائق وكانا أمام باب المكتب..طرقه هاينز قبل أن يدخل و من خلفه مُحمد و الذي للمرة الأولى سيُقابل فيكتور آستور..
كانت الغرفة صغيرة نسبياً..رُبما كان آستور يرتاح أكثر في الأماكن الضيقة..جدرانها بيضاء نقية تبعث رهبة كتلك التي تبعثها أغطية الأسرة في المستشفى...مقعدان من الجلد الأسود متقابلان يلتصقان بالمكتب الخشبي المصفوف فوقه عدة عُلب معدنية تحوي أقلام بألوان مُتعددة ومِقَصات و أشياء أخرى غريبة..الأوراق مُنتشرة عليه و على الطاولة الصغيرة المركونة عند الحائط الأيسر..من خلف المكتب لوحة كبيــرة مُعلَّقة على عمودان لهما عجلات صغيرة تُحركها..اقترب محمد للوحة و ما لُصِقَ عليها اجتذب قدميه..
توقف عندما أصبح أمامها و يستطيع تمييز مافي الصور..رجل مُلقى على بطنه و عند خصره بُقعة دماء بحجم راحة اليد..زُرقة خفيفة أشحبت جانب وجهه الواضح،و من عيناه المفتوحتان باتساع نظرة رُعب تَلَبسها الاستنجاد..أخفض بصره للصورة الأخرى..كانت صورة مُقَرَّبة لخاصرة الضحية..يبدو أن رصاصة اخترقت ملابسه لتستقر فيها..لفتت نظره صورة على يمينه لخزانة يبدو أنــ
رَمشَ بمُفاجأة وهو يتراجع خطوة للخلف و قطعة قماش سوداء أُخفضت كستار يحجب عنه ما على اللوحة..صوت بــارد جاء عن يمينه،:ممنـــوع
التفت للصوت..أنهُ والد هاينز..نظر للباب خلفه و الذي يبدو أنه خرج منه..قد تكون دورة مياه،أرجع بصره إليه وهو يسمعه،:لا بدَّ انك موهاميـد
نظر لهاينز المُتَكئ بملل على المكتب..لا يعتقد أنهُ من أخبر والده عنه..واصل والد هاينز مُجيباً على سؤال محمد،:أخبرتني عنك زوجتي
ابتسم له وهو يُصافحه و عيناه تتفحصانه،الآن عَلِمَ من أين ورث هاينز قصره..فوالدته ذات طول مُلفت...،أخفض رأسه بتحية،:تشرفت بمعرفتك سيدي
وهو يتراجع لمقعده خلف المكتب،:و انا أيضاً "رفع رأسه لإبنه مُردفاً" شكراً على الأوراق،لقد أحضرها المُراسل بالخطأ الى المنزل
تساءل هاينز بسُخرية،:كيف حال قضيتك ؟ يبدو أنها صعبة
أبعد عينيه ببرود وهو يتناول إحدى الأوراق ليقول،:لا تُشغل عقلك بالأمر
عَقَدَ ذراعيه على صدره وهو يقول باستخفاف تحت أنظار و مسامع محمد،:يُقال أنها سبع رصاصات قتلت صاحب المصرف إضافة إلى السطو عليه
حَرّك والده رأسه بيأس وهو يقول،:لا تكف الصحافة عن نشر الأقاويل الكاذبة،انها فقط خمس رصاصات من أين اتوا بالرصاصتان ؟!
،:هــذا غريـــب
زوجان من الأعين تلقفتا وجه مُحمد باستغراب لكلمته..تساءل والد هاينز وهو يُخفِض الورقة،:و ما الغريب ؟
ابتسم محمد بخفة و سبابته ارتفعت تحك صدغه الأيمن وهو يقول،:ظننت أنها رصاصة واحدة فقط
عَقَّد آستور حاجبيه وهو يقف مُنسَلِخاً عن جلوسه الذي أوجسه كلام هذا الشاب...وهو يحثه على الكلام،:و لماذا رصاصة واحدة ؟
نَطَق باسترسال كان مَعمياً عن ما بدأ بالإلتفاف حول عقل آستــور،:عندما يكون الحديث عن خمس رصاصات فالمرء ببديهية يتخيل أمامه منظر القتيل وهو غراق في بركة من الدماء لكــن "رفع يده مُشيراً إلى باطنها وهو يُواصل" لكن بقعة الدم التي في الصورة قبل قليل لا تتجاوز مساحة يدي.."أخفض يده وهو يحشرها في جيب بنطاله الأمامي مُردفاً بضحكة خفيفة" أو رُبما زاوية تلك الصورة لم تلتقط بقية الدماء
انتظر تعقيباً على كلامه و لكن لم يصله سوى صخب الصمت...انتقلت عيناه على وجه آستور و هاينز..تَقلَصت ضحكته و يد القلق أحكمت قبضتها على ملامحه..وجه آستــور كان سابحاً في صمته و عِرق نافر ينبض في عُنُقِه..ازدرد ريقه وهو يستشعر غرابة الموقف...هل كان مُخطِئاً عندما تكلم ؟! فهو رُبما عمل سري لا يجب أن يتدخل فيه أو يطَّلع عليه أحد...،نظرة الليث الذي وجد فريسته التي توشحت عيني آستــور لم يُترجم إشاراتها عقله..،أحد مفاتيح القضية التي كان يُنبش عنها آستــور ها هي الآن تقف أمامه..
هايــنز الذي يعرف أباه و يحفظ ردات فعله عن ظهر قلب جَفَّ ريقه و استولى الشحوب على ناصية وجهه..أطرافه تخدَّرت من الإبتســامة التي بدأت بالظهور على شفتي والده وذراعاه تنخفضان بانهيــار تَحَفَّز لهزَّة الأرض الأولى...،
،
الجزء الخامس عَشر
،:فيصـــلوووه من هذي حبيبتك ؟
شَطَبَ الخطوة بينهما مُنقَضَّاً على ذراعها ليخرج تهديده هَمساً من بين أسنانه،:جودو والله ان قلتين لأمي و ابوي بتشوفين
رفعت رأسها تنظر إليه و هي تهمس بشك،:و ليش ماتبيهم يعرفون ؟
نَفَض يدها بعيداً وهو يقول موضّحاً،:انا ما قلت ما ابيهم يعرفون،بس انا بكلمهم في الوقت المناسب
غَمزت بعينها و ابتسامتها تَلّوَنت بخبث فضولي،:جميـلة ؟
مال رأسه عاقداً حاجبيه وهو يتساءل،:من هي ؟
اتسعت حدقتيها من غبائه و يدها ارتفعت تضرب كتفه القريب،:فيصلووه اقصد حبيبتك
حَرَّك حاجبيه يُثير حَنقها،:مالش دخل
تجاوزها مُبتعداً وهي لَحِقَته برجاء،:ابــي اشوفها ارجوووك
التفت لها برأسه وهو يمشي ليقول بضحكة،:اذا بجيبها اهني بتشوفينها
تَوَقف عن مشيه بفَجعة من شهقتها القوية..استدار لها بكامل جسده ليراها واضعة يدها على صدرها و عينيها تعيشان اتساع يُعَبَّر عن صدمتها..بقهر لأنها أخافته،:جودو حسبت صار شي، ليش هالشهقة ؟
اقتربت منه و صوتها أخفَتَ نبرته عدم التصديق،:انت بتجيب حبيبتك اهني! "رفعت يدها تُحَركها أمام وجهه بتساؤل مُستَنكِر" شفيك انت من متى الواحد يجيب حبيبته بيت اهله شهالقلة الأدب "شهقت مرَّة أخرى بقوة آلمت حلقها مُردِفَةً بذهــول اعتلى وجهها" لا يكون تزوجتها من ورانا " وضعت يدها على رأسها" لا اكيد تزوجتها بعد تقول لها عمري وحبيبتي " حَرَّكت رأسها وهي تُغمض عينيها بعدم تصديق" لالا مو معقولة فيصل صدمتني صراحة
فتحتهما لتصطدم أنظارها بوجهه المُحتَقن بضحكة..فتح فمه ناطقاً و يده ارتفعت إلى رأسه يُشير بسبابته إليه،:انتِ متأكدة ان اهني في عقل ؟!
اقتربت منه و بجدية،:فيـصل أرجوك مو قاعدة امزح،ِشلون بتواجه امي و ابوي ؟ ما توقعت تتزوج بدون علمنا
ضَمَّ شفتيه و من أنفه أخرج ضحكة سُخرية..يُمناه استقرت خَلف عُنُقِه و بهدوء نطق،:الله يعين زوجش صراحة،عندش قدرة خيالية على اختلاق الأحداث و المشاكل "فتح ذراعيه على وسعهما و حاجباه يرتفعان باستنكار" اللحين من قال ان انا متزوج ؟!
أشارت إليه،:انت قلت
أشار إلى نفسه رداً على إتهامها وهو يميل في وقفته خافضاً رأسه قليلاً،:اللحين انا قلت اني متزوج ؟
بَلَّلَت شفتيها،:لا بس انت كنت تحاجي حبيبتك
وضع يديه على خصره،:و لازم هذي حبيبتي على قولتش هي زوجتي ؟
فَتَحت فمها بغباء قبل أن تتساءل،:يعني اللحين عندك حبيبة و زوجة ؟!
رَفع رأسه للسماء بنفاذ صبر،: يــاربي ارحمني "أخفضه وهو يستدير مُتجاهلاً حديثها الذي بدأ ينحرف" انا ادخل احسن لي قبل لا تجننيني
لَحِقَته مُناديةً،:لحظـــة تعااال قول لي
لم يستجيب لنداءها و واصل مشيه..لكن يدها التي أمسكت بذراعه أوقفته..خطت خطوة حتى أصبحت أمامه لتقول،:المهم في بنت في السالفة صح ؟
تَمَكنت منه الإبتسامة و ملامحه تَلَحفها ليــن رقيــق..هَمس ببحة،اي في
حَرَّكت عضلة فكَّها و هي تميل بشفتها تُخفي ابتسامة قبل أن تقول،:و بتجيبها اهني تعرفها على امي و ابوي،ما تخاف يعصبون ؟
رفعَ كَتِفه،:اكيــد بيعصبون بس بحاول اسيطر على عصبيتهم
هَزَّت رأسها بتفهم،:تمـــام
تراجعت للخلف و ابتسامة الخبـث عادت و عانقت شفتيها،رفعت يدها ليلتقي طرف سبابتها بطرف إبهامها مكونان دائرة مُفَرَّغَة و هي تغمز بعينها،:صــراحة الخطـــة بيرفكت
اقترب منها خطوة وهي لازالت تتراجع مُتسائلاً باستغراب،:اي خطة ؟
ارتفع حاجبها بمكر يحفظ ألاعيب أخاها،:مو انت بتجيب حبيبتك عشان تقهر جنـــان ؟!
,،
ماضٍ
كان السَهر حليفهما في هــذا الفجر الجامع بين طَيَّات ساعاته أذْرُعاً من أراضٍ تَكلَّلَت بأزهارٍ امتصت شيء من رائحتها المُتَشربة أنفاسه من عَبَقِها...مُنذُ أيام و لم يلتقيان تحت سقف السماء الحاملة على أكتافها آلافٍ من النجوم المعكوس فوق أسطحها صورتهما وهما بين أحضان بعضهما..و لا القمر كانت لهُ الفرصة ليستمد من نور ما يشع من حب في عينيهما...فالتقاء مَحاجر العاشقــين يُولد شعاع شَفقٍ يُغدق الروح...،و تلك الشجرة المنحوت فوق جذعها ملامح ظهر حبيبته المُسترخي بخَدر.. تُظَللهما أغصانها بأوراقها الساهرة لتَخُط بعُصارة ثمَرِها ما يهمسان به من كلمات قد تقرأها أغصانها باشتياق أثنــأء قَحطٍ مُميت..،شَجرة التــوت..لون ثمارها مُذاب بسَكَر على فمَها..فما أن اقترب من منبع الرحيق حتى انهــارت قواه كاشفاً عن مكنونه المُتَدَفق بسيول شَبَّعت شفتيها...،
مَرَّرَ ظاهر كفه على خدها النـاعم..الصافي من أي شائبة..ببطئ ترتفع للأعلى و للأسفل تطمَئن على المنطقة التي ستحط فوقها قُبلته...مثل نسيــم دافئ أعقبتهُ رائــحة أشبه بالخيال..مثل سقوط أول قطرة مطر في صباح شتوي..كانت قُبلته..بخفة الريشة و بإحساس عشق غَمرَ القلب أعوامٍ و عقود...،ابتسمت لعينيه و هي ترفع يدها تمسح على مكان قُبلته لتهمس،:شخبار المُستشفى ؟
ابتسم لها و عيناه تُطاردان منطقة أخرى تزورها شفتيه..،:الحمد لله الأمور تمام " رفع عيناه و بمُزاح" انا هناك عشر ساعات مضغوط وانتِ اهني على السرير مرتاحة
ضَحَكت بخفة و كفها الأيسر يحتضن جانب وجهه يُداعب شُعيراته،:حبيــبي يعطيك ألف عافية "قَرَصته بخفة وهي تُردف" و بعدين انا في السرير لأني ماخذة إجازة وهذا حقي
ردَّ لها القرصة بقوَّة احمرَّ لها خدها،:زيــن يا ام حقوق متى تداومين ؟
أبعدت يده و ملامحها انكمشت بتوجع،:آآه يعوور،باقي ست ايام
تحمحم مُخرِجاً صوته بجدية،:عــاد راجعي من الكتب قبل لا تداومين اكيد نسيتين شغلش لا تذبحين لنا واحد وتمشكلينا
اتسعت عيناها و كفها بدفاع ارتفع لكتفه تضربه بقوَّة و هي تنطق بقهر،:سخيــــف لا تقول هالكلام
تراجع رأسه للخف و صوت ضحكته اعتلى يشق سكــون الفجر..بسرعة هي وضعت يدها على فمه تُكبح الصوت و هي تهمس بخوف،:عبد الله اسكت لحد يسمع فشـــلة
أزاح يدها و اقترب أكثر هامساً،:عادي حبيبي محد يسمع كلهم في سابع نومة
أنهى جُملته بقُبلة أخف من سابقتها عند زاوية فمها..قَشعريرة أصابت عظامها حتى استحكمت من دقات قلبها تُوزعها اضطراباً...أغمضت عينيها بعد أن وقعت رهينة مشاعرها التي أججتها قُبلته الهامسة كصوته...بخفوت قالت،:و لو بعد ما يصير ناخذ راحتنا بهالطريقة
فتحتهما تنظر إليه وهو أنظاره تم احتجازها في الطريق الواقع بين ذقنها و أسفل أنفها..هُناك عند فَوَّهة الغَرق..،همسَ لها بإبتسامة،:خلاص يعني تبينا نسكت ؟
رَفع عيناه و ابتسامته تزيــد لمعالم الخجل الواضحة على وجهها..أخفضت أجنحة عينيها راسمةً ظلال الموافقة أسفل مُقلتيها..اقترب يستعد للغرق..لامست شفتاه موضع الخطر لتشتعل شرارت عابرةً فقرات ظهره حتى عُنُقِه
،:عبـــد الله
ابتعد بسرعــة و صوت والدته اخترق مسامعه ينتشله من الفوَّهة..أما هي فقد تمنت لو أن يفتح لها جذع الشجرة باباً تختبئ فيه بعيداً عن هذا الموقف المُحرج..ضمَّت شفتيها للداخل و احتراق نَشَّطَ مساماتها لتبدأ بإفراغ بُضع زخات عَرق..زَفَرت بأنفاس لاهثة و هي تقف مُتَخِذةً جسد زوجها ستاراً يحجبها عن والدته..،
بحــدة مؤَنِبة و كأنهم أطفال،:اعتقد انكم كبار وتفهمون العيب،الوقت متأخر و اذا بينكم شي شقتكم موجودة
أغمضت عينيها بقوَّة و هي تتمنى داخلها أن يصبح الموقف حُلماً تستيقظ منه ناجية من هذا الحرج المُتفاقم..أسنانها العلوية عاقبت شفتها السُفلى تلومها على رغبة كانت تُسَيرها..،
عبد الله حَكَّ خده بخجل و هو يُشَتت أنظاره عن والدته،:ما عليه يُمه آسفيــن،اللحين رايحين
تَلَقَّفَ يد زوجته من خلفه و خطا ليبتعد وهو يقول،:تصبحين على خير
،:لحظـــة
توقف لأمرها وهو يتساءل،:بغيتين شي يُمه ؟
عَقَدت ذراعيها على صدرها عاقدةً خيط الحيرة في قلب ابنها وهي تقول،:انت روح ابي نــور شوي
التفت لنــور التي كانت تنظر لهُ بعيني طفلة تخاف من العقاب،ابتسم لها يُطمئنها وهو يضغط على يدها ثُمَّ تركها و استدار مُبتَعِداً...
ما ان تأكدت أنه دخل المنزل و أغلق الباب خلفه اقتربت بهدوء لزوجته و عُقدة ذراعيها لم تُحَل..توقفت و خطوتان تفصلها عن نــور الواقفة باستقامة نِصفها تَشَنج يخشى ما وراء هذا الطلب..كفيها مُتَحاضنان عند أسفل خصرها..رفعت أحدهما تُرجع خصلاتها خلف أذنها و هي تُحاول أن ترسم إبتسامة تقضي على تجاعيد القلق المُحتلة وجهها..
،:شوفي يا نــور
نظرت لعيني والدة زوجها المُشتَدة نظراتهما بجديَّة مُقتَضبة..همست بصوت ضاع في بحته،:آمري عمتي
رفعت حاجبها،:اذا انتِ ما تخافين على زوجش ترى انا اخاف على ولدي،اللحين الجو بدا يتغير و عبد الله بسرعة يمرض من تغير الجو
ارتخت ملامحها لذكر صحة زوجها الحريصة عليها أشدَّ الحَرص..تقدمت خطوة و لسانها أسرع موَضحاً مكنون قلبها،:لا عمتي اصــلا انــ
قاطعتها بحدة،:مابي اسمع شي،هي كلمة ولازم كنت اقولها.."و بنظرة التوت منها نبضتها قبل أن تنشطر من جملتها" حاولي و لو لمرة تهتمين لزوجش
استدارت عائدة إلى حصنها بعد أن تجاوزت بوابته لتنفث حُمَمها في وجهها..اضطربت الشهقة في قلب نــور و أسراب نـــوح حمــام حَلَّقَت في سماء عينيها..انقبضت غَصَّة البُكاء في حلقها و استوى الألمُ سكيناً تجرح بلعومها المُختنق من كثرة ما تزدرد من عَبرة...،اتهــام شنيــع ضربَ قلبها ظُلماً..حَطَّم شراع سفينتها القابعة ليلاً ونهاراً عند مرفئ زوجها وحبيبها..تحرسه جسداً و روحــاً...تسهر على راحته و تنام بعد أن تُفرغ على حناياه قُبلاً معنوية تمتص أي وجع قد يكتنز وسادة قلبه...ليست هي من تقــود زوجهــا للمرض...ليس قلب نور الذي يقوى على رؤية التعب يتوشح وجه زوجها الوسيــم..ان كان في صدر أمه ســوء فهم فهي مُستعدة لأن تقطع قيوده المُستولية على أفكارها...،
,،
حاضر
فَجرُ الحاضر و سَهرٌ لم تُخالط همسات ليله أُنثى تُثير حــواس استسلمت لرداء الوحــدة..رادعةً أي اقتــراب لامرأة قد يُوَسّع من دائرة الخطر و تصبح ساعات قَلقه مُقيَّدة بيوم شخص آخر تخاف عيناه أن تغمضان للحظة ليوقظهما صوت زَهق روح كانت عزيــزة و بفقدها ستترك القلب يعيش افتقاره و تُمزِج دمائه بروائح فَقد أليــم...،يُشارك سياراته حديث كَفيه..أصابعه تختار الحروف و تعقدها كلمات تستقبلها جمادات لا قُدرة لها على الطبطبة و لا الإحتضان...يشكو لها الضيق الذي يُباغت راحته و يحكي لها عن صَدٍ اجترح ذنباً ينثر مع كُل ابتــعاد ذرات ملح على جروحه المُشَرَّعة أبوابها للوجَع...،تبادر إلى ذهنه وهو مُنهمك في عَمله صورة هايــنز...مالت شفتاه بابتسامة مُحِبة..مُنذ أيام لم يُحادثه..و مُنذ أيام لم تُوَكل إليه مُهمة...صراحةً،فهو بهذا الوضع يشعر بارتياح مهــزوز..و كأنه يجلس على مقعدٍ مَركون على حافة جبل و الرياح العاتية تُحارب هذا الجلوس مُبتغيةً سقوطاً مدوياً...،
،:محمــد انا ماشي
رَفعَ رأسه لحَسن أحد العاملين في كراجه..ابتسم لهُ و عيناه تُبصِران خطوط التعب الناحتة وجهه..بهدوء قال،:الله يعطيك العافية،باجر تعال الوقت اللي يريحك
ابتسم لهُ بامتنان وهو يتراجع للخلف،:ماتقصر،مع السلامة
،:الله يسلمك
صوت إغلاق الباب أتبعهُ صوت رنيــن هاتفه..أخرجه من جيبه بعد أن مسح يده عن الزيوت،كانت رسالة واتس اب من هاينز..ضحك بخفة،ذَكَرَه فأقبل..بالتحديد كانت الرسالة عبارة عن صورة،انتظرها تتحمل...،عَضَّ على شفته السُفلى وهو يُحَرك رأسه بقلة حيلة..لا يَمل هذا الرجل ؟! كانت الصورة تجمعه مع امرأة تبدو في الثلاثينيات..ملامحها ألمانية بحت،شعر أشقر و لون شاحب و عينان خضراوتان...ذراعه تُحيط بكتفها الذي يستند على صدره،جانب رأسه يستند لجانب رأسها..كلاهما يضحك بفرح....،ضغط على الإتصال ورفع الهاتف لأذنه..ثوانٍ و أتى صوت هاينز..كان طبيعياً لم ينتشي بعد..
،:اوووه موهامــيد اعتقدتك نائماً..اذاً رأيت الصورة ما رأيك،جميلة أليس كذلك ؟
تجاهل سؤاله بسؤال،:متى تعرفت عليها،لم تُخبرني عنها عندما كُنتُ في بَرلين
،:لقد قابلتها بعد سفرك مُباشرة في إحدى الأمسيات مع الأصدقاء "بتنهيدة عميقة ارتفع لها حاجبي مُحمد" آآآه موهــاميد
باستهزاء قال،:لا تَقل لي انك احببتها بهذه السُرعة ؟
،:اعتقد ذلك،موهامـيد انت لا تعلم،هي جميلة و مُثقفة و هذا سيُعجب والدي جداً،إضافة إلى انها تعرف كيف تتحدث،لبقة و أنيقة،لها ابتسامة ساحرة و عينان تُشبهان الزُمرد..عندما تتحدث اتمنى أن اظل اسمع صوتها دون انقطاع
أعقب كلماته المُغدَقة بالمشاعر بتنهيــدة أكثر عُمقاً..انتظر تعليـق من محمد لكنهُ كان صامتاً لدرجة أنه ظنَّ أن الاتصال انقطع..ناداه بهدوء،:موهاميــد اين انت ؟!
الإجابة من محمد كانت صوت ضحكة عــالية أغضبت هاينز الذي قال بامتعاض،:ارجــوك موهامــيد لا تسخر من مشاعري
حاول أن يُسَيطر على الضحكة لكن كلماته خرجت غارقةً في قهقهاته،:لا اقصد السُخرية هاينز،لكنك تتحدث و كأنك تُلقي شِعراً،الى هذه الدرجة أعجبتك ؟
بصدق نطق لسانه،:و أكثر
ابتسم وهو يستشعر عُمق التغيير في كلمات صديقه،:انها المرة الأولى التي تتحدث فيها عن امرأة هكذا،اتنمى فعلاً ان تتوفق اموركما
،:اتمنى ذلك كما انني اتمنى شيء آخر
تساءل وهو يُعيد أدواته إلى مكانها،:و ما هي ؟
،:اتمنى ان يأتي ذلك اليوم الذي تكون فيه عاجزاً عن وصف عشقك لمرأة
ارتفع حاجبيه من الأمنية الصريـحة و بثقة قال،:الأمنية الأولى ستتحقق لكن الثانية فوق المُستحيل
،:لا تكن واثقاً هكذا
مال برأسه لليمين مُثَبتاً الهاتف بين كتفه و أذنه ليغلق علبة زيت المحركات وهو يقول،:و لما لا أثق ؟ فأنا أعلم بنفسي "تثاءب قبل أن يُكمل" لا استطيع مناقشتك الآن احتاج للنوم
،:حسناً لن اتركك،غداً سأقنعك بالموضوع
ضحك وهو يُغلق الأضواء بعد أن قفل الباب ليتوجه للأعلى حيثُ شقته،:سنرى من سيفوز في النهاية
،:تُصبح على خير عزيزي،اتمنى لك احلام سعيدة
وهو يدخل شقته،:وانت أيضاً
فتح باب غُرفة نومه..المصابيح كانت تعمل مُسبقاً..خَلع قميصه و قابل المرآة بظهره..أخفض بنطاله عند أسفل ظهره..تأمل الأرقــام المُتخذة منه صفحة تتوسد سطورها..أيُ امرأة ستقبل برجُل مثله؟..رجل ذاته رَقم احتفظ في ذاكرته أفعاله و تَحركاته..رقم يملك أرشيف سنواته السابقة أين ذهب و ماذا فعل و بمن فعل أفعاله..،عادت ابتسامة السُخرية بعد هَجر لم يكن طويل..
فأمنية هاينز أعادتها إلى شفتيه..اضمحلال جوى قلبه لم ينتهِ بعد..فهو مُتواصل و مُفتِك يقضي على كُل جزء فيه..ينحر خلاياه و يشد الخناق على شرايينه مُسَبباً جلطات تمنع وصول الدم إلى القلب فتموت نبضة و تحيا مكانها أنَّة لم تتجرأ لترتدي ثياب النُضج و تستوي دمعة تحكي مُعاناة استعصت على لسانه...فؤاده يتوسد سرير المرض و أطرافه تُكبلها أقفالٍ لا تملك مفاتيحها أنثـى يتمناها لهُ هاينــز،الدماء المُتَخثرة خالطها صديد مُوجع...و الذات أُضيعت خريطة الوصول إليها خَوفاً من اضطهاد قراصنة فقدوا مع أعينهم ضمائرهم...،
,،
شَدَّت الفُستان للأسفل للمرة العاشرة..و في كُل مرة يعود و يرتفع قماشه المطاطي للأعلى مُلامساً بأطرافه رُكبتيها..تأفأفت و هي ترفع شعرها لقمة رأسها بإهمال..مُتجاهلة الخصلات القصيرة التي لم تُكبحها ربطتها الصغيرة و بَقيت تُداعب عُنُقِها بنعومة...،كانت في الغرفة السابقة التي احتوتها الأيام الأولى من وصولهما..النوم تأخر موعدهُ و أبت عيناها أن تغمضان..تسللت من السرير و هي التي تحترف المشي على أطراف الأصابع...بســام كان قد نام مُنذ أكثر من ساعة..و هي ظلت تتقلب إلى أن استسلمت و قَرَّرت الخروج للبحر..تفعل مثل ما يفعل العاشقون !
لوهلة جاءها خاطر بالرقص...الرقص على أنغام أمواج بحرٍ مُعَرَّى من أي صرح يحجب سِحره..تشجعت عندما رأت فُستان أسود قصير يَفي بالغرض..ارتدته و كان بالنسبة لها أقصر من اللازم..اقتنعت أخيراً وهي تخرج من الغرفة و عيناها على باب غرفتهما أنهُ لا ضير من ارتدائه مادام بسام نائم...،أكمام الفُستان تتجاوز كوعيها و من الخلف يكشف عن نصف ظهرها بشكل دائري...لم تكن تعلم أن الأسود التهم مفاتنها و أبرزها بإغراء أنثوي خاطف...،
فتحت الباب خـارجة...ارتعش صدرها من لفحة الهواء البارد في مثل هذا الوقت...ابتسمت و شعور رقيــق يُخالج مشاعرها...تجاوزت العتبات لتحط قدماها الحافيتان على الرمل الناعم...التقطت أسنانها زاوية شفتها السفلى و رأسها ينخفض لتنظر لأصابع قدميها وهي تُحركهم باستمتاع...خطت بضع خطوات أبعدتها مسافة قليلة عن المسكن..وقفت بإستقامة أمام البحر البعيد نسبياً..ارتفع صدرها ببطئ تطارد مع إغماضها لعينيها لتبتاع هــواء نقي ينثر استرخاء في جوفها...زَفرت بالبطئ نفسه و أعادت الكرة مرتان...،
فتحتهما كاشفة عن خَدر مذهول من المنظر يُعانقهما..تقدمت برجلها اليُمنى للأمام..رفعت قدمها بهدوء حتى بقيت إبهامها تُلامس الرمل بطرفها..ذراعها اليُمنى ارتفعت قُربَ رأسها و اليُسرى بشكل عرضي وضعتها أمام صدرها..مالت بخفة لليسار..و بنفس الخفة مالت لليمين ثُمَّ جذبت جسدها لتستدير حول نفسها بسرعة مُعتدلة بدأت بالتزايد شيئاً فشيء..صوت البحر كان النوتة المُسَيّرة خطواتها..و الرمل كُلما التقت به قدماها اجتذب ما تحتويه عروقها من سلبية راكمت ضيقاً في قلبها سرق منها النوم...أغمضت عينيها تنساق مع هدير الحُلم المُلامسة ذراته وجنتيها..تُلَون السواد المُعتم ببياض نقي..،
باغتتها الصور تُحاول سد الطريق أمامها..تداخلت الكلمات و صوت قرقعة تناستها في صندوقها السري تداخلت بإزعاج مع صوت الموج..تَصَدُّعات تجانست مع الإسترخاء المُحاوط وجهها..زادت من سُرعة حركاتها الرشيقة لتتخلص من هواجسها المُستَلَّة عبق الفرح...شعرها انفكت ربطته و تناثر صيَباً على ظهرها..،نبضاتها استجابت للألم و بدأت بنزاعها مُخَلفةً وجع في صدرها..لمعة استقبلتها عين القمر فَرَت من مُقلتها لتستقر بين أهدابها..تعاظم ثقل النَفَس و بدأ يخرج بارتعاشة بُكاء..تباطَأت حركتها مع انسلال الرَخاء عن روحــها..توقفت بوَهن و هي تفتح عينيها مُطلقة سراح ذاك الإلتماع و الرؤية بدأت تتضح لها لتُبصر قدمان تُشاركها المكان..لم
ترفع رأسها فرائحة عطره أوحت لها به..لم تدرِ هل كان تأثير النُعاس المُحاصر أجفانها ... أم كانت ردة فعل للماضي الذي اخترق دوامتها بحلوه و مُره ؟ اقتربت منه و عيناها ترتفعان لتستقران على صدره الذي جذب كفيها..أصابعها تمسكت بقميصه كالذي يتمسك بحبل نجاته المعقود بحلقة الحاضـر..هاربة من ذكريات تزورها بين حينٍ و آخر..تطمئن على من ذرفت دموع فقدٍ و حُطام أحلام..ذراعاه تلقفت روحها و هما تُقَربانها من دفئ صدره...بُكاءها استجاب لهذا الدفئ و الفيض وَجد مُستَقره..حيث انفرج في صدر بسام مَعبر لتفريغ الأســى...احتضنها بشدة وهي لم تُمانع،أسندت رأسها بإعياء نصفه نُعاس..هَمست بصوت تاه وسط الوجوه..،:وَحَشَتنِي.."بعَبرة أكملت" ابـي اسمع صوتهــ ـ ـا
أخفت شهقتها في صدره وهو مال برأسه دافناً وجهه في جانب عُنُقِها..هَمَسَ لها،:اترحمي عليها
أعقب جُملته قُبلة تَشعبت حتى استقرت في روحها..،كانت تبكي أُمه و ينهمر نحيبها أُجاجاً يُغرِق ما استوطن ذاته من فقدٍ يُشاركه شهيقه و الزفير،فالهــواء خاوٍ من رائحة اقتات عليها مُنذُ أن كانت تحتضنه بين ظُلماتٍ ثلاث..،و كانت تبكي نَفسها طِفلة..لم تُكمِل المسير لقصر أحلامها المُهَدَّم...
,،
استَقلَّت السيارة مع نـدى صباحاً..فسيارتها لازت مركونة عند المَصرف..فبعد انهيارها استأذنت من عملها و أقلَّتها الى المنزل ندى التي لا تُعد و لا تُحصى فضائلها..كانت تستسمع لحديثها الهادئ و عينيها تَتَخبطان ببعثرة على المكان و تتصيدان الوجوه تبحث عن وجهه لتتحاشاه ! انتبهت لانقطاع حديث ندى..نظرت لها و انتبهت للمسار الذي استقرت عليه عينيها...ازدردت ريقها بصعوبة من الوجه الذي استقبلته..حَرَّكت عينيها و التواء عِرق في قلبها شتت النَفَس عن رئتيها..كان يُبادلها النظر..عيناه بثبات تُعانق ارتباك عينيها..تلتهم بقسوة اتزانها..شَدَّت على حقيبتها بقَهر..فهي تبغض خنوع حواسها لهذا الرَجُل..تتساقط أمامه مثل أوراق خريف يَبُسَ هَيكلها و باتت تنتظر خطوة تُوَسدها الأرض فُتاتاً مَنسي..،
،:مو انت بتجيب حبيبتك عشان تقهر جنـــان
ابتسامة تَلَوَّنت كحرباء استعصى على جنــان فَهم مَغزاها..تذكر جُملة جــود العبقرية بغبـاء ! أخته لا تعلم حجم القهر الذي سيُفرغ حُمَمه في روح هذه المرأة...،البرود تَوَشَّحَ نظراته التي تَحَرَّكت للتي بقُربها..ابتسم لها ابتسامة مُغايرة كُلياً..ابتسامة طبيعية لا أسرار تكتنز تجاعيدها..تباطَأت خطواتهما عندما اقتربتا من مكان وقوفه..نـدى بجانبها ابتسمت بتردد لإبتسامته خوفاً من أن تُسبب ضيق لصديقتها..هوَ نطق ببحــته المُعتادة،:شلونش ندى شلون احوالش ؟
توقفت ندى أمامه وهي خطت مُتجاوزة وقوفهما،صوت ندى وصلها،:الحمد لله بخير انت شلونك
سَرَّعت من خطواتها قبل أن تُباغتها بحة صوته المُثيرة عِرقاً غافي في قلبها..عندما يتكلم كأنه يُعاني من أجل إخراج صوته..نبرته ترتفع وتنحفض حتى تكاد تختفي، و هُنا عند موضع الإختفاء يُصاب قلبها بسهم يُرسِل رجفة في أوصالها...،توقفت أمام المصعد و ضغطت الزر بعصبية عدة مرات و كأنها تُفرغ عليه غضبها المُشتعل من أحاسيسها التــافهة..لم تَكُن منتهبة لإنفتاح المصعد..كانت عيناها على وقوفه مع ندى..ماذا يقولان ؟!
عَقَّدت حاجبيها وهي تَراه يُخرج هاتفه و يبدو أنها تُملي عليه أرقاماً...، زَمَّت شفتيها و هي ترى ندى تبتعد عنه و ضحكة على وجهها..توقفت أمامها وهي بسرعة تساءلت بحدة،:شنو تقولون ؟
ابتسمت لها،:كان يسألني عن منصور
فتحت فمها جنـان و قبل أن تنطق قاطعتها نـدى بتفهم،:طلب رقمه وعطيته
أخرجت نفس من أنفها و هي تُحرك أنظارها إليه..كان يُحادث أحد الموظفين...كانت لا زالت تضغط على الزر و وعيها بأكمله لفيصل..صوت ندى جعلها تُبعد عينيها بصعوبة لها،:نــعم ؟
و هي تُشير للمصعد بإبتسامة جانبية،:ترى من زمان مفتوح
نَظرت للمصعد و وعيها استعاد سبب وجودها هُنا...تَنهدت ويدها تمسح على جانب وجهها بتعب..شتان ما بين اعتلالها من رؤيته و صحوته الواثقة لرؤيتها...،
,،
خَرجت مع ســارة من المكتب لتبدآن جولتهما الصباحية على المرضى..كفيها مَحشورتان في جيبها تُناقشان اضطرابها.. فاليوم ساعات عمله مثل ساعات عملها..هذا يعني أنهُ من الممكن أن يلتقيان..
،:شفت عبد الله و انا واصلة
التفت لسارة بانتباه وهي أكملت،:سلمت عليه صوته يبين كأنه مزكم
مالت شفتيها كاشفة عن شحوب ابتسامة..عيناها شاردتان تنهلان من ذكرى بعيـدة،و بخفوت،:اكيـد لان الجو بدا يتغير
نظرت لها بخبث،:لا وبعد حافظة
أبعدت عينيها و السُخرية احتلت ملامحها بألم،:كان لازم احفظ الدرس مرتين عقب اتهامي
فرجة صغيرة تُناشد الفِهم بانت بين شفتين ســارة التي تساءلت،:اي درس ما فهمت ؟!
حَركَّت يدها بعدم اهتمام ظاهري،:بعدين اقول لش
قابلا في الطريق الطبيب فهد و الطبيب الإستشاري عادل الذي ناداها بابتسامة..اقتربا منهما و هي ابتسمت لهُ باحترام..فهو في عُمر والدها..أشار بيده للطبيب فهد وهو يقول،:تونا كنا جايبين سيرتش
احتقن وجهها بصدمة كبلت أطرافها بحَنَق سيتفجر..أيُعقل أن يُحادث الطبيب عادل عنها ؟ إلى أي درجة من عدم الإحترام وصل هذا الرَجُل...لن تَصمت هذه المرة حتى ولو انتهى الأمر الى مُشكلة كبيرة..فسكوتها هو الذي جعله يتمادى أكثر...،قاطع تهديداتها صوت الطبيب فهد وهو يقول بهدوء،:خبروني كليتي في ايرلندا عن ورشة عمل للأطباء و مؤتمرات طبية الشهر الجاي،و انا رشحت بعض الأطباء يشاركوني الورشة،و انتِ كنتِ من ضمنهم
ابتلعت رصاصها الذي كانت ستُفرغه في وجهه..تحمحمت تبحث عن صوتها و هي تتساءل،:يعني في ايرلندا ؟
هذه المرة الطبيب عادل قال،:اي في ايرلندا،و طبعاً عندش حُرية الموافقة أو الرفض
نَظر لها فهد بثقة،:لا ما تقدر تفوت عليها هالفرصة اللي بتفيدها،صح يا دكتورة نـور
,،
،:و هذي السالفة كلها
كانت قد انتهت من إخبار فاطمة عن موضوع سُمية المُتأزم..و أخبرتها بموقفها المُحرج مع والدها..و ها هي الآن تنتظر اتصال من والدتها..
فاطمة بشفقة،:حــرام سُمية معروفة بذكاءها في المدرسة،ما تستاهل انها تنحرم من دراستها
اتكأت بذقنها على ظاهر كفها وفمها يميل بإحباط للأسفل،:شفتين عــاد،مسكينة ردة فعلها من الصدمة بــاردة و كأنها مو مستوعبة
،:الله ما بضيع تعبها كل هالسنين "ابتسمت لها بتقدير" وانتِ بعد مو مقصرة
ردَّت الإبسامة وهي تتراجع بجسدها لتستند على المقعد،:ان شاء الله يارب تنحل المشكلة
،:الا قولي لي شخبار حـور زوجة اخوش ؟ ماحملت ؟
تأزمت ملامحها بوضوح وهي تُجيب،:لا والله للحين ما حملت
وضعت يدها على المكتب وهي تتساءل،:ما راحوا فحصوا ؟
هَزَّت رأسها وهي تعود لتقترب من المكتب شابكة يديها،:بلى راحوا كأنه قبل سنة أو أكثر،قالوا ان النتيجة سليمة
رفعت حاجبيها،:لازم ما يكتفون بمكان واحد،خل يروحون أكثر من مستشفى يمكن واحد فيهم يحتاج علاج او شي
دَعَكَت باطن يدها اليُسرى،:اليوم هم بيجون يتعشون عندنا بقول لهم
ابتسمت وهي تقول،:سلمي عليها،من زمان ماشفتها "امتعضت ملامحها وهي تُردف" ماني قادرة اصدق انها بنت إبراهيم
عُقدة تَعَجُب قَرَّبت من حاجبيها،:انتِ تعرفين ابوها ؟
هَزَّت رأسها بتأكيد،:ايي عمي كان يشتغل في شركته و طرده بدون سبب
أفرجت عن ضحكة غير مُصدقة،:والله ؟ عمي ابراهيم طرده بدون سبب ؟!
بتنهيدة،:اي والله حتى حرمه من مستحقاته،من البداية كان سيء وياه و دائماً يفشله
مالت شفتاها للأسفل و هي تقول باستغراب،:غريــبة،كان كلش طيب ويا يوسف،حتى بسرعة وظفه و على طول مهتم فيه
،:يمكن لانه زوج بنته
حَرَّكت رأسها نافية،:حتى من قبل لا يتزوج حـور
صوت هاتفها تداخل مع حديثهما،:نظرت له من فوق كتفها..كان رقماً غير مُسجَّل..رفعته بسرعة وهي تقول،:رقم غريب تتوقعين ام سُمية
بحماس اقتربت فاطمة من المكتب وهي تُشير للهاتف،:بسرعة بسرعة ردي
رفعت الهاتف لأذنها وهي تقول بهدوء و أنظارها على وجه فاطمة المنتبهة،:الــو
,،
تم تقديم موعد الطائرة،بدل أن تُحَلق عند السابعة ستُحَلق في تمام الخامسة..اضطر أن يخرج من المصرف ليُكمل تجهيزاته..لديه بعض الأمور التي يتوجب عليه إنهائها..أولها الذهاب لمُحمد..،وهو خارج من بوابة المصرف تقابل مع أحد العُملاء الذي سلم ودخل مُتجاوزه..ردَّ السلام و واصل مشيه حيثُ سيارته وهو مشغول في هاتفه..
توقف فجأة و استدار للباب،ملامح العميل ليست غريبة عليه..ضاقت عيناه وهو يُحاول أن يُعيد تَذكرها..احمرار سكن وجهه و ذاكرته التقطت شخص ذلك الوجه ،للتــو انتبه ..لم يُميزه قبل ثوانٍ،لكن بعد ابتعاده هَمسَ لهُ قلبه بإسمه...فهو لم ينسَ وجههُ الذي نُحِتَ إكراهاً على صفحة السواد الذي يغشى عينيه كُلما أغمضهما..كيف يَنسى وجه من ختم على وثيقة تعاسته و خُسرانه...،بسرعة تقدمت قدماه بخطوات أقرب للجري..عقله يعرف طريقه جيداً...كان قاصــداً دون تفكيـر مكتب تلك التي نَحرته فوق صفيحٍ من لَهب...،
~ انتهى
،
|