كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرَّحْمن الرَّحيم
تَوَكَّلتُ على الله
الجزء الخامس و الأَرْبعون
الفَصْل الأَوَّل
قَبْلَ ساعات
لم تَهْتَدِ إلى جَوابٍ حَتَّى الآن..مُنذ أن عادت البارحة و هي مُقْحِمة حواسها في هذا النّزاع الفِكْري..العَقْلَ يُشَجّعها على المُوافَقة..لكن القَلْب يَشْهَر سَيْفه رافِضاً قُبولها خَطيئة الإمْتزاج بهذا المَحْلول الآسِن..فارْتباطها قد تَعَدَّى المُسْتَحيل بوَصْفٍ اسْتَعْصى على اللُّغة أن تَلِده..و التي اعْتَذَرت و أَبْقَتهُ أَبْكماً وَسَطَ رَحْمِ الصَّمْت..،فأَنتِ أَرْضٌ مُغْتَصَبة مَلاك..بَيْدَركِ طالتهُ أَيْدٍ نَجِسة شَوَّهت جَماله..فكَيْف تَقْتَرِن أُنوثتك برَجُل ؟ كيف سَتَعيشين..و بأيّ الوُجوه سَتَعيشين ؟ بل كَيْف ستَمْضي رُوحكِ للمُسْتَقْبل و هي مُحْتَلَّة بجَيْش الماضي الأَهْوَج ؟ لستِ عَذْراء لتَحْلُمي بحَياةٍ تَرْتَدي ثَوْبَ الزَّواجِ..و الحُب...إن وُجِد..،اتَّكَأت بمِرْفقها على الطَّاوِلة..و خَدَّها اتَّخَذَ باطن كَفَّها وسادة لهُ ليَبوح لها عن الحيرة المُتَجَذّرة في نَفْسِها..بَعْثَرَت حَبَّات الأَرُز بطَرف المِلْعَقة و مَسيرُ الأَفْكار لم يَنْتَهِ بَعْد..،هُو أَكَّدَ أن ارْتباطهما المِفْتاح لقَضِيَّة والدها المُبْهَمَة..و هي مُنذ لقاءَهما الأَوَّل أَيْقَنَت أنَّ غَبَشُ عَيْناه يَحْوي بطريقةٍ أو بأخرى سِر حادثة والدها..لذا اقْترابها منه سيَكْشف لها أُمور عَديدة..و هذا الإقْتراب إذا تَطَلَّبَ أن يَكون مُصَفَّى من شُبهات فيُفَضَّل أن يَعْتَمِر قُلنسوة الزَواج..لكن مَلاك..لستِ أًنْثى طَبيعية..و هذا الإنْدماج سَيَكون كالإنْتحار !
،:مَلاك !
رَمَشَت بخِفَّة فاصِلة حواسها عن زَوْبَعة المَوْت و البَقاء..فارْتباطها به مَوْتٌ مُحْتَم..نَظَرَت لوالدتها لتُجيب ببحَّة،:نعم يُمَّه
أَشارَت لصَحْنها بقَلَقٍ طالَ ملامحها،:ليش ما تاكلين ؟
أَوْضَحَت و هي تَلْتَقَط بضع حَبَّات أرز بالمَلْعقة،:سرحت شوي "رَفَعت المَلْعقة لفَمها لتَقُول بابْتسامة ناعِمة" هذاني آكل
نَطَقَ يُوسف الذي كان يُراقبها مُنذ عَوْدتها البارحة من منزل زَميلتها..حَيْثُ اسْتَشَفَّ بوادر تَغَيُّر،:ملاك.. المغرب بعد ما أرجع من بيت عمي بكلمش في موضوع
قالت والدته باعْتراض أَوْجَسَ مَلاك،:لا يُوسف..مو اللحين
عَقَّبَ بإصْرار وَشْوَش لشَقيقته بماهية المَوْضوع،:بلى يُمَّه..اللحين
,،
بالكاد اسْتَطاعَت أن تُسَيْطر على ضِحْكَتها لكي لا تَنْفَجِر أمام الجَميع و هي تُبْصِر وَجْه جُود المَحْموم برَغْبة الحَديث..لكن وُجود جِنان معهم يَقِف لها بالمِرْصاد..فهي تُريد أن تَسْرد عليها أَحْداث خِطْبة فَيْصل بالتَّفْصيل المُمل..لكن بالطَّبع هذا مُسْتحيل أمام طَليقته..،كانت تُشارك عائلتها الإجْتماع الحَميمي بعد الإنْتهاء من وَجْبة الغَداء..و هذا الدّفء النَّقي أَنْقَذَها من غَرِقها قبل ساعات..فهي نَجَحت في صَد أي هاجس يُثير غُبار الكابوس و يُخْنقها..،كانت مُنْتَبِهة لِحَديث فَيْصَل عن مَدْرسة جَنى..إلَّا أنَّ رَنين هاتف والدها شَتَّتَ انتباهها..لَحِقَتهُ بفُضول و هُو يُغادر غُرْفة الجُلوس الجامعة أَجْسادهم إلى غُرْفة أَخْرى..راودها خاطِر لإتّباعه و التَّنَصُّت عليه..لكنَّها بسُرْعة نَهَرَت نَفْسَها..ليَست من شِيمِكِ نُــور..،عادت ببصرها إلى جُود التي يبدو أنَّها اسْتَسْلَمت مُتَنازلة عن رَغْبتها الجامحة و اندمجت معهم في الحَديث..لو كانت تَمْتَلك جُرْعة فُضول مثلها لتَجَرَّأت و اسْتَرَقت السَّمع على مُكالمته..،
،
نَطَق و كأنَّ كلماته الخَلاص الأخير لابْنته،:ارتباطها فيه بينهي كابوسها..بيخليها تعتاد عليه.. و لو صار و راودتها ذكرى ذيك الليلة ما بتتعذب من تأنيب الضَّمير..لأن طَلال هُو نفسه اللي عقلها يصَوّر لها المشاهد معاه
عَقَّبَ يُحاول أن يُدافع عن كرامة صَديقه،:ليش اللحين توافق ؟ بعد ما رمت عليه كلام كسره و جرح قلبه اللي يحبها !
قالَ داقَّاً باب الماضي،:يمكن جرحها له يخلي كَفَّتهم متوازنة..مع إنَّ مافي أي غلط في الدنيا يوازي غلطته "زَفَرَ و هو يَمس أَعْلى أَنْفه ليُرْدِف بجِديَّة" اسمعني رائد..أنا حتى بعد اللي سواه في بنتي ما كرهته..شايل عليه في قلبي بس بعدني أحبه..محبته من محبة أبوه الله يرحمه،و اللي وصاني عليه..و أنا والله ابي هالزواج عشان الإثنين مو بس عشان بنتي..ابيه يعيش حياته و يستقر..مثل ما ابي بنتي تتحرر من الذكرى و تعيش بسلام
و الحيرة تَجوس طُرق صَوْته،:مـادري ناصر..مادري مـــادري
اسْتَأنف إقْناعه مُزيحاً السّتار عن لَوْحة الحُلْم الذي قَضى طَلال سنين عُمْره ليَرْسمها بكُل خَلِيَّة في وُجوده،:رائد إنت قد تكون أَقرب مني له في هالموضوع..أكيد تدري شكثر يحبها و شكثر تمناها..ساعدني عشان تهدي حلمه الحقيقة
صَمَت يُقَلّب الفِكْرة العَصيبة في جَوْفه..نعم هُو يَعْلَم كم تَمَنَّى طَلال تلك النُّور..أُمْنيات لا تُعَد و لا تُحْصى..فهي الْتَحَمَت باصْطفاقة أَهْدابه..امْتَزَجَت مع شَهَقاته و زَفَراته.. و نَمَت مع عُمْر رُوحه..و كأنَّ حُلْم لقائها خُلِقَ في صُلْبه مُذ كان يَنْطوي بين ظُلُماتٍ ثَلاث..،نَطَقَ باسْتسلام بان في نَبْرته،:بساعدك..بس إذا رفض بنتك أنا مالي دخل
عَلَّقَ بخُفوتٍ ارْتَدى الثّقة،:بيوافق..إن شاء الله بيوافق
,،
ماضٍ
نَفَثَ دُخَّان سيجارته ثُمَّ تَساءَل،:إذاً تمَّ القَبْض عليها ؟
أكَّدَ هُو على الطَّرف الآخر،:نعم..الآن هي تَسْكن سُجون موسكو..فالأوراق التي أَرْسَلْتَها للشرطة كَشَفت العَديد من الحقائق التي كانت مُبْهَمة..السّوق السَّوداء و مُسْتَودع السّموم و المشاريع الوهمية أيْضاً
ابْتَسَم بسُخْرية و هو يَتَذَكَّر ملامحها المُخْتَبِئة خلف أَطْنان من الحُقَن،:تلك العَجوز تظن أنَّها قَوِيَّة و يُسْتحال الفوز عليها..لكنَّها أَضْعَف من الحَشَرة
عَلَّقَ بذات السُّخْرية،:أَضِف إلى ذلك تَشَدُّقها بذكائها الذي أَوْدى بها إلى السّجن
أَرْفَع الإسْتنكار حاجبيه ليَقُول،:لا أعرف كيف تَجَرَّأت أن تُسافر بعد أن سُرِقَت منها الأوراق
وَضَّحَ،:هي ظَنَّت أنها لا تُخْطئ أَبَداً..و هذا هُو حال الغَبي المُتَشَبّع بغُرور ذكائه..لكن شُرْطة المَطار استطاعوا كَسْر غُرورها
تَساءل و هو يُطْفئ السيجارة في المِرْمَدة،:ألم تَبْحَث الشُرطة عن الذي أَرْسل لهم الأوْراق
نَفى،:لا..كالعادة..هُم رُبَّما حاولوا البَحْث..لكن عندما وَجَدوا الأبْواب مُغْلقة تراجعوا..فالأهم وُجود المُتَّهَمة لديهم و هذا يكفي
أَفْصَحَ عن سُؤال آخر لطالما باغت فِكْره،:إلى أي أَحد هُو خَطير تحقيقك في أمر العصابة ؟
أَجاب كاشِفاً عن سوادٍ نافَسَ سواد عَيْني مُحَمَّد،:إلى الحد الذي يُوَجّه فُوَّهة المَوْت نَحْو عائلتي
,،
حاضِر
مساءً
دَلَفَ إلى الشّقَّة برأس أَخْفَضَتهُ الحِيرة المَوْلودة من رَحْم التَّنْهيدة المُغادِرة صَدْرَ صَديقه..غادَرَتهُ لتَسْكُن صَدْره و تَتَشَعَّب حتى تَسْتَوْلي على البُؤْرة الصَّاخِبة في رُوحه..بُؤرة البُؤس..القَلَق..الحُزْن و نَحْر الإبْتسامات..،تَقَدَّم خُطْوَتان مع ارْتفاع رأسه..لَحْظَتان و قَبَضَ التَّصَلُّب على قَدَميه مانِعاً إيّاه من اتّخاذ خُطْوة ثالِثة...جالَت عَيْناه على الوُجوه لمَرَّة..و في المَرَّة الثَّانِية شارَكَ جَوْلَته ارْتفاع مُتَعَجّب لحاجبيه..،وَجْها رائِد و ناصر اللذان اسْتَطاع أن يُمَيّزهما..إلا أنَّ ثَلاثة وُجوه اسْتَعْصى عليه مَعْرفة أَصْحابها..،نَطَقَ و الجَهْل يَنْعَق حَوْل ملامحه،:شصاير !
اسْتفساره المُسْتَنْكِر أَوْقَف رائد،و الذي قال بنصف ابْتسامة أَسْقَمها التَّرَدّد و هُو يُشير للمَطْبَخ،:تعال شوي ابي اكلمك
نَظَرَ لهُ لثوانٍ و أَهْدابه تَتَصافق برتْمٍ يُشْبِه تراقص أَمْواجَ بَحْره فَجْراً..حَرَّكَ عَدَستيه بخِفَّة ناحية نَاصر..تَبادلا النَّظَرات الصَّامِتة بملامح لا تَحْوي شَيئاً..صَوْت رائِد عاد ليُنَبّهه،:طَلال تعال..بس دقايق
اسْتَجاب لهُ مُبْتَعِداً عن المَكان المُشَبَّع بطاقة سَلْبِيَّة جَزَر منها البَحْر الذي في داخله..هُناك في مَطْبَخه،و أَسْفَل ضَوْءٍ خافِت تَوَقَّفَ مُقابل صَدَيقه..غادَر هَمْسه المُتَوَجّس حَنْجَرته،:شصاير ! من ذلين إللي برا ؟!
مَرَّر لِسانه على شَفَتيه مع ارْتفاع يُمْناه لصِدْغه..واتّكاء يُسْراه على خِصْره..يَرْسِم لطَلال لَوْحة ارْتباك تَطُوفها رماديَّة التَّرَدُّد..نَطَقَ ببعْثَرة،:طَــلال..ذليــن..
أَطْبَقَ شَفَتيه حابِساً النَّفَسَ في صَدْره..لا يَعْرف كَيْف يُخْبره..و لا يَدْري من أَي الحُروف يَبْدأ ليَصْدمه..لَحْظَتها شَعَرَ بالنَّدم يُحيط بعُنُقِه ليُوَبّخه..و صَوْتٌ ضَجَّ من قُعْر ضَميره..لَيْتني لم أُوافق ناصِر..أَغْمَضَ عَيْنيه شادَّاً على أَجْفانه كأنَّما يَعُضُّ أَصابعه نَدَماً..مَسَّ أَعْلى أَنْفه بطَرَف سَبَّابته و الإبْهام..و صَدْرُه قَد مَرَقَته زَفْرة بأذْيالها الحارِقة..،صَوْتُ احْتِكاك مُزْعِج تَدَاخل مع زَفير نيران رائِد..كان نَتاج اصْطِدام أَسنان طَلال بغَيْظ..اقْتَرَب أَكْثَر قَابِضاً على ساعِد رَفيقه و الكَلِمات تُسْتَل من بين قُضْبان فَمه،:رائِد يا كَلــ..وَتَّرتني..اتحجَّى
أَخْفَضَ يَده..كَشَفَ عن عَدَسَتيه المُضَّطَرِبَتين..أَبْصَر حال طَلال الرَّث..الأَنْفاسُ تَكادُ أن تُقَوّض أَضْلاع صَدْره من حِدَّة ضَرباتها..و وَجْهُه قَد تَكالبَ عَليه احْمرار القَلَق المُتَعاضِدة مَعَهُ العُروق النَّافِرة بتَرَقُّب..اتّساع حَدَقَتيه يُخيل لهُ أنَّهُما سَتَبْتَلِعانه غَضَباً إن لم يُفْصِح عمَّا أَبْكَمهُ في نَفْسِه..،ازْدَرَد ريقه بتَعَسُّر..فَتَحَ فَمه يَلْتَقِط بِضع أُكْسُجينات ليَقُول بوَجْسٍ كان ريحٌ صَرْصَر جَمَّدت وُجُود طَلال،:قالت لأَبوها إنها تَبيــك
خَبَى كُل ما فيه و اسْتَكان..عَدا هُدْب عَيْنه اليُمْنى ظَلَّ يَتصافق كَمَن مَسَّهُ جان..، "تَبيـك" ..تَبيني..يعني تُريدني..تُريد طَلال..تُريد طَلال زَوْجاً..تُريدني أنا زَوْجاً..يَعْني أن تَكُون زَوْجَتي..اُنْثى رُجولتي..حَلالي..لي أنا فَقَط..،نَبَّشَ عن صَوتٍ في جَوْفِه..الْتَقَطَهُ بأنامِل أَرْعَشَها الخَبَر حتى خالَتهُ حُلْم..سَتَنْهَبهُ الصَّحْوة منه بعد ثواني..،تَسَاءلَ بهَمْسٍ أَهْرَمتهُ البَحَّة و عَيْناه تُناشِدان عَيْنا رَفيق رُوحه،:من..هــ ـي !
أَكَّدَ لهُ صافِعاً رُوحه المُتَجَمّدة ليَدْوي صَوْت تَكَسُّر جَليدها،:نُـــوور طَلال..نُور وافقت عليك..قالت إنها تبيــك قالت لأبــ
قَطَعَ اسْتِرْساله يَد طَلال التي قَبَضَت على قَميصه جِهةُ عُنُقه..هَمَسَ بفَحيح و عَدَسَتيه انْهَزَم إخْضرارهما لتَسْقُطان في وَحْلٍ مُرْمَد..،:لا تلعب معاي رائـد..لا تلعب معاي لا تخليني أَسَيّل دَمّك
لا يَدْري لماذا راوَدَتهُ ضِحْكة و هَو يَسْتَمِع لتَهْديده..رُبما لأنهُ يَعْلم لو كان الأَمر مُجَرَّد لُعْبة فعلاً،فهو لن يَتَرَدد في طَرحه أَرْضاً و إفْراغ جَسَده من كم حَفْنة من الدَّم..،تَحَلَّى بالجِدِيَّة ليُجيب،:بنقول أنا يمكن ألعب..بس ناصر و الرجال اللي وياه..يلعبون بعد ! "أَخْفَضَ صَوْته مع ارْتفاع يَده مُبْعِداً قَبْضة طَلال"هذا هُم برا..ينتظرونك عشان يتم عقدك عليها..تبيها ولّا تتركها لولد الحلال "و بسُخْرية أَرْدَف" فَهد مَثلاً
عادت قَبْضَته لتَسْتَولي على رائد ليُعاقِبه على الذي نَطَقه..أطْلَقَ سِهام تَهديده قائِلاً و عَيْناه تَنْضَحان بالتَّحْذير،:يخسي فهد ياخذها..و الله لو يقرب منها مرة ثانية اذبحــه
أَشارَ لخارج المَطْبخ برأسه و هو يَقول،:زين تفضّل..قبل لا تذبحه و تذبحني وياه
أَعْتَقَه ليُتيح لهُ فُرْصة تَرْتيب قَميصه الذي سُجِن وَسَط راحته المُدَمّرة، تَساءَل رائِد و هُو يَنْظُر لوَجْهه المَشْدوه للخارج بعَيْنان مُغَيَّبَتان بسَماء مُوْحِشة،:شفيك ؟
رَمَشَ بخِفَّة..أَوْمَأ رأسه قَليلاً و هو يُديره ناحية رَفيقه..كَشَفَ عن عَدَسَتيه النَّابِض فيهما عُمْر طِفْل..و بلسانٍ مُتَرَدّد،:هــي...اهني ؟
ازْدَرَد ريقه بغَصَّة و هُو يَسْتَمِع لجوابه المُغادِر فَمٌ باسِم،:ايــه اهني..في غرفتك
فَرَّ منهُ نَفَسٌ مَهْزُوم..هَزَمتهُ هذه اللحَظات الثَّقيلة..نعم هي ثَقيلة..فذاته لم تَعْتَد على أَحْلامٍ تَتَسَرْبَل بالحَقيقة..فكُل أَمانيه تُحيلها الدُّنيا كَوابيس تَظَل تَنْهَش رُوحه طالما نَفَسَه يَجُوب الحَياة..لذا هُو غير قادر على تَصْديق هذا الحُلْم..الحَقيقي..،تَحَرَّكَ مُسْتَجيباً لرائِد المُشير للباب..عاد لغُرْفَة الجُلوس حيثُ هُناك جَلَس بجانب ناصِر،على يَمينه..حَيْثُ أَشارت يَده..رَفَع رأسه للرَّجُل الجالس أَمامهما،:عطني بطاقتك يا ولدي
و كأنَّ الإسْتيعاب قد أَعْلَن انْسِحابه عن أَرْض عَقْله المَهْجور حالياً..نَظَرَ لرائِد باسْتنجاد و الذي أَجابه و هُو يُشير إلى جَيْبه،:بطاقتك الشخصية
هَزَّ رأسه بتَفَهُّم..أَخْرَج مِحْفَظَته و منها أَخْرَجَ البِطاقة المَطْلوبة..ناوَلها ناصر و الذي بَدَوْره ناوَلَها المَأذون و الذي فَتَحَ كِتابه و لسانه نَطَقَ مُسْتَهِلَّاً القَران المُنْتَظَر
،:بسم الله الرَّحْمن الرَّحيم
،
عَقْلَها شَمَّرَ عن ساعِدَيه..كَشَفَ عن أَصابعه النَّافِرة من أَجْل التَّنْبيش..كَشَطَ عنهُ أي فِكْرة طُفَيْلِيَّة و نَصَّبَ لُبَّه نَحْو هذه الغُرْفة..لِمَ هي هُنا ؟ و في غُرْفة نَوْمه تَقْبع ! والدُها..والدُها هُو الذي أَتى بها إلى هُنا..من أَجْلِ ماذا ؟ و لماذا ! الأَسْئِلة تَجُوب ساحَة فِكْرها تَبْحَثُ عن جَوابٍ يُفَسّر لها هذه الغَرابة المُتَوَشّحة بها الدَّقائق..،كانت لا تزال تَقِف وَسَط الغُرْفة..حائِرة في أَمْرها و الإسْتنكار غَزَلَ خُيوطه بملامحها..حَرَّكت حَدَقَتيها ببطء،كَمَن يُشاهِد حُلْماً فوق صَفْحة نَوْمه..الغُرْفة تَغْفو تحت إضاءة خافِتة تَبْعَثُ الكآبة..سَريرٌ واسِع يَبْدو أنَّهُ لم يُمَس لفَتْرة قَدَّرت أن تَكون مُنذ سَفَره حتَّى اليَوم..فلا بُدَّ أنَّ مدافعها التي طالَت ذاته نَهَرت النَّوم عن زيارة رُوحه المَجْروحة..ليَبْقى الجِرْحُ يَنْزف،و مُرور الثَّواني المُقْفَر من وُجودها يَنْكَأه مَرَّة بعد مَرَّة..،سَبَحَ بَصَرُها مع السُّفن المُنْتَشِرة بأَحْجامٍ مُتَفاوتة..مَحْفوفٌ بهم هُو ليَسْتَشْعِر البَحْرَ في كُل أَوْقاته..الْتَقَطت بعَيْنيها لَوْحَات صَغيرة انْتَشَرَت على الجُدْران..مُؤكَّداً أنَّ جَمَالها نَما من بين أَنامل غَيْداء المُبْدِعة..واصَلت جَوْلَتها لتَجْتَذِبها صُورة قُلِبت على وَجْهها فَوْق الدّرج قُرْب سَريره..مَرَّرَت لِسانها على شَفَتيها و هي تَدْعَك خَدَّها بأَطْراف أَصابعها..الفُضول يُوَسْوِس لها بالتَّقَدُّم ناحيتها..خَطَت بهُدوء حَذِر،كَأنها تَخْشى أن يَراها أَحْد..تَوَقَّفَت أمام الدُّرْج و السَّرير على يسارها بمسافة تَكاد لا تبان..الْتَفَت تُراقِب الباب لثوانٍ قَبْل أن تَعُود للصورة المَخْفِيَّة ملامحها..مَدَّت يدها و رَفَعتها..و معها ارْتَفَع الضَّجيجُ وَسَط قَلْبها..قَوافِل الدُّموع تَزاحَمت في عَيْنيها..و أَظْعِنة الغَصَّات أَحاطت بحَنْجَرتها المُتَحَجّرة حَدَّ الأَلَم..أَسْنانها حَطَّت على شَفَتها المَوْسومة عليها عَذابات السَّاعات الماضِية..احْتَضَنت إطارها بكلتا يَديها و هي تُقَرّبها من عَيْنيها المُنْتَبِذَتين بَحْره..لَعَلَّها إن بَكت بماء حَبيبه غَفَر لها..،أَناملها رَفْرَفت بارْتعاش إلى وَجْهه المُلْتَحِف بسَعادة نادِراً ما تَشْرق من سَماء عَيْنيه..ابْتسامته الواسِعة شَدَّت من جِرْح ذَقْنه..الماء يَطُوف وَجْهه و يَنامُ بين خصلاته السَّوْداء المُبَعْثرة بجاذِبية..و بخَدّه الأيْسَر الْتَصَق خَدَّها سامِحة لشُعَيْرات لِحْيته بأن تَوْخز بَشْرتها النَّاعِمة..،تَتَذَكَّر ذلك اليَوم..اليَوم الأَوَّل للسباحة..اتَّخَذَ دَوْر المُدَرّب لها غارِساً بُذور الشَّجاعة وَسَط تُرْبة رُوحها النَّقِيَّة..و أَسَفاً أنَّ النّقاء الآن منها قَد اعْتَذَر..فسهامها المَسْمومة و المارِقة قَلْبه نَسَفَت آخر نَقاء رُبَّما كان مَنْسِياً في إحْدى زَوايا الرُّوح المُظْلِمة..،ذراعاها تُحيطان بعُنُقهِ بقُوَّة تَحْكي خَوْفَها المَسْتُور خَلْف بتلَّات الضِحْكة المُنْتَشِية منها مَلامحها..شُعور الخَوْف..شُعور التَّجْرُبة الأولى..شُعور الإمْتزاج بالماء..و شُعور قُرْبه..هي أَغْصانٌ هَرِمة تَتَفَرَّع من شَجَرة مَحْنِيَّة الحُلُم..أُنْبِتَت في قَلْبها مُنذ أن عُقِدَت طُفولتها به..سَقَتها و احْتَضَنَتها لأَعْوامٍ و لم تَمُل..بل كانت تَتَمَنَّى لو تَهديها رُوحها لتَتَجَسَّد حَقيقة و تُظَلّلها معه تحت أَوْراقها الكَثيفة..لكن أَسَفاً أنَّ الرّياح جَرَت بما لم يَشْتَهِه جَواها المُتَيّم بذاك المَجْنون...طــلال..،الْتَفَتت بذُعْر للباب كَمَن قُبِضَ عَليه بالجُرْم المَشْهود..تَرَكَت الصُّورة بأَطْراف مُرْتَبِكة عندما بان لها والدها..نادها بابْتسامة ارْتَدَت ثَوْب حنان غُزِل بخُيوط تَكَلَّلَت بالغَرابة ذاتها..،:تعالي يُبه
تَوَجَّهَت إليه بطَاعة و صَمْتٍ تام..أَشار لها لِتَقِف خَلْف الباب و هي اسْتَجابت دُون أن تَسْمَح للسانها بأن يَتَلَفَّظ بِكَلِمة..راقَبتهُ بدِقَّة و هُو يَهْمس لأحَدهم قَبْل أن يَأتيها من رواء حِجاب صَوْتٌ جَهُور لَطَمَ وَعْيَها بشَظايا كلماته..شَخَصَ بَصَرها الذي تَعَلَّق بوَجْه أبيها باسْتنجاد..هَزَّ رأسه بالإيجاب و كَأنَّهُ يُلَقّنها الجَواب الذي تَأَجَّلُ وُلوجه للحياة لحِكْمة لا يَعْلَمُها سُوى مُقَدّر الأَقْدار..اضَّطَرَبت أَنْفَاسَها..و نَبَضاتها قَد جُنَّت من أَذْرُع التَّخَبُّط التي طالَتها..أَهْدابها تَتصافق اسْتعداداً لعاصِفة من الدّموع..و الإحْمِرار بدأ بشد رِحاله ليَبيت حَوْلَ مَلامحها المَصْدومة من المَوْقف..،ابْتَلَعَت غَصَّاتها و معها ابْتَلَعت الإجابة المُنْتَظَرة..تَشْعُر بعَجْزٍ يُكَبّلها..غير قادِرة على الإسْتعانة بصَوْت يُنْقذها من هذا الضَّياع..أَغْمَضَت مُسْتَسْلِمة للإعْياء الذي هَزَم قُوَّتها ليَميل جَسَدها بخِفَّة مُصْطَدِماً بالباب..تَمَسَّكَت بالمِقْبَض مع إبْصارها لواقعها المُتَسَرْبِل بعباءَة الحُلْم..يَدُ والدها قَبَضَت على ذراعها مع احْتكار القَلَق لوَجْهه..نَظَرَت له و من عَيْنها سالت دَمْعة كانت بطُول السَّنوات التي كانت فيها مُحَرَّمة عليه..السُّؤال عاد ثانِيةً ليَمْرَق قَلْبها و يُزَعْزِع شَعْبه..هَمَسَت من بَيْن تَنَشُّقاتها،:يُبــ ـه !
ضَغَطَ على ذراعها بمَلَق نَبَع من مُقْلَتي أُبُوَّته..و بوَجْسٍ مُشَجّع قال لها،:يله يُبـه..ريحي روحش
تَشَرَّبَت بظاهر كَفَّها الدَّمْعة التي تَعَلَّقَت بذِقْنَها و هي تَسْتَمِع للسُّؤال للمَرَّة الثَّالِثة..ازْدَرَدَت حَشْرَجَتها قَبْلَ أن يَرْتَفِع صَدْرها هاتِفاً للهواء بأن يُرَشّح دواخله..لتُغادره زَفْرة كَوَتها أَلْسِنة كابُوس كان السَّبَب الأَبَرَز لقَرارها..فَتَحَت فَمَها و بِبَحَّة اللَّوْعات أَجابت بــ،:نَعَـــم
,،
ابْتَسَمَت في وَجْه الخادِمة التي فَتَحَت لهُما باب المَنْزِل،:شلونش جيني ؟
تِلْك أَجابت بلُغة عَرَبية رَكيكة ،:زيـــنه هَنيــن
تَجَاوزت جيني دُون أن تَلْتَفِت للإبْتسامة الواسِعة التي تَبادلتها مع بَسَّام الذي لَحِقَها بعد ثوانٍ بَسيطة إلى غُرْفة الجُلوس الواسِعة المُسْتَقِرَّة فيها والدتها أَمام التّلْفاز..تَقَدَّم منها يُحَيّيها بأَدب قَبْل أن يَتَّخذ لهُ مَكاناً ليَجْلُس..عَيْناه بعَفَوِيَّة لَحِقَت حَنين إلى إحْدى الزَّوايا حيثُ عَلَّقت عَباءتها،قبْلَ أن تعود لتَنْطَوي بجانب والدتها و هي تَتَساءَل،:وين البابا ؟
أَجابتها بهُدوء،:رايح لجدش و جدتش
مالَ رأسها بِخِفَّة مُسْتَجيباً لنَسيم الإشْتياق مُعَلّقةً،:من زمــااان عنهم..وحشونــي
ببساطة قالت،:روحي زوريهم ليش قاطعة ؟
دافَعَت بسُرْعة،:مو قاطعة "بَرَّرت بحُجَّة واهِية تَبَسَّم منها زَوْجها" بس انْشغل شوي
نَظَرَت لها باسْتنكار،:تنشغلين في شنو ! إجازتش للحين ما انتهت..و ما اتوقع عندش شغل بيت "أَرْدَفَت و هي تُحادث بَسَّام" صح بسَّام ؟
اتَّسَعت ابْتسامته ليُجيب بمُشاكَسة،:عمتي إنتِ ما تدرين..هي تقصد مَشْغولة في النوم
أَرْسَلَت لهُ نَظْرة مُؤنّبة رَدَّ عَليها بنَظْره مُتَّهِمة..حَوَّلَت بَصَرَها لوالدتها التي قالت بتَوْبيخ،:حنيــن..تتركين الرَّجال و تنامين !
نَطَقَت بتَوْضيح و هي تَعْبَث بخصلات شَعْرها المرفوعة كما ذَيْل حِصان،:لا ماما ما اتركه "أَرْخَت ملامحها مُسْتَعينةً بشذرات الإسْتعطاف و هي تُرْدِف" بس يُمَّـه تدرين فيني..ما اقدر أقاوم النووم
رَنَتَ لها بطرف عَيْنها لتَقُول مُنَبّهة،:هذاك قَبل يوم كنتِ بنية..اللحين إنتِ متزوجة..ملتزمة بزوج و بيت..اتركي عنش الكَسَل
انْخَفَضَ رَأسها مُتَمْتِمة بعدم اقْتناع و أصابعها لا زالت تُفَرّق خُصلاتها،:انزيــن
نَظَرت للسَّاعة ناطِقةً،:بروح أجهز باقي العشا على ما يجي ابوش "أمَرتها" على قعتدش روحي جمعي باقي أغراضش
تَرَكت شَعْرَها مُعَقّبةً باسْتنكار أَرْفَعَ حاجبيها،:شلتهم يُمَّــه
هَزَّت رأسها بالنفي،:لا بعد باقي..مكياجش و عطوراتش و أشياء ثانية
،:يُمَّه ذلين مستعملين..مابيهم
عُقْدة خَفيفة تَوَسَّطت حاجبيها،:و ليش ماتبينهم ! مستعملين بس جديدين..حرام ترمينهم "وَقَفت لتُضيف آخر كلماتها لتُنْهي الجِدال" روحي جمعيهم و لا تتركين شي إلا إذا كان قديم..ما دام الغرض جديد و مافيه شي ليش ترمينه ؟ ما يلعبون في الفلوس يُمَّــه "وَجَّهت حَديثها لبَسَّام بابْتسامة" عن إذنك بسَّام..اخذ راحتك
أَوْمَأَ لها بابْتسامة وَدودة قَبْل أن يُزيح بَصَره عنها لحَنين التي وَقَفت لتَمْشي باسْتسلام ناحية السُّلَّم..خَطَت خُطْوتان ثُمَّ تَوَقَّفَت..و كأنَّها تَذَكَّرت وُجوده..هَمَسَ لذاته،لا تَقْلق بَسَّام..سَتَعْتادك يَوْماً..،اسْتَدارت إليه مع انْطواء سَبَّابتها عند شَفَتيها..بَعَثَتُ لها نَظَرات ارْتَدَت إكْليلاً من خَجَل أضْفَت لها سِحْر طُفولي جَذَّاب..بتَرَدّد تَساءَلت،:تجي بَسَّام ؟
رَدَّ بسُؤال مُصْطَنِعاً عَدَمَ الفَهْم،:وين ؟
أشارت للسُّلَّم مُجيبةً،:فــوق..غرفتي
وَقَف ماسَّاً أَنْفه بظاهر سَبَّابته و هو يقول،:اووكــي..اجي ليش ما اجي " أَرْدَفَ و هُو يَقِف قُبالتها " خنشوف غرفتش قبل لا تندثر
عَقَّبَت باسْتنكار بعد أن تَقَدَّمَتهُ للأَعْلى،:لا ليش تندثر ! بتظل مَوْجودة..ما بتنلغي من البيت
وَصَلا للطَّابق الثَّاني مع تَعْليقه،:تظل و هي خالية ! ماله داعي
فَتَحَت باب الغُرْفة و لسانها يَشْرَح لهُ المُعادَلة،:ايــه بتظل خالية..بس إذا حملت و ولدت لازم يكون موجود لي مكان حق فترة النفاس
بانْتهاء جُمْلَته انْقَشَع الظَّلام لتَحْتَضِن الأَضْواء الغُرْفة مُتيحةً المَجال لعَيْنيه أَن يُبْصران وَجْهها المُطَّهَم بجاذِبية فَريــدة..بالنسبة لقَلْبه فَريدة..بالطَّبع..،تَقَدَّم منها بخطوات بَطيئة مع تَقَلُّب عَدَسَتاه في الهواء..بنَبْرة اسْتَنْشَقَت فيها رائِحة اللَّعِب،:يعني إنتِ ما بتظلين في بيتنا إذا كنتِ والدة ؟
أَجابتهُ و هو تَتَجه للمِنْضدة المُسْتَقِرَّة فَوقها حاجياتها،:أكيــد لا ! أولاً بيكون هذا أول بيبي لي..و ثانياً أنا ما اعرف للأطْفال..و ثالثاً هذا شي تقليدي..لازم أظل في بيت أبوي عالأقل عشرة أيام
اقْتَرَب منها مُحَرّراً رَغَباته لتُحَلّق و تَتَزَوَّد من شَذاها المُسْكِر..مَسَّ صَدْره ذراعها مَسَّاً حاذِق،يَعْرف جَيّداً كَيف تُؤكَل كَتِفُ خَجَلِها..أَخْفَضَ رأسه بالتَّوالي مع ارْتِفاع كَفَّه لتُمارس إحْدى هوايتها..رَسَم بصَماتها بين ملامحها..مَرَّر ظاهِر أصابعه على خَدّها النَّاعم،كأنَّما يتَحَسَّس الإحْمرار الطَّفيف المُعانِقه..هَمَس لأُذنها القَريبة،:يعني إنتِ تبين..بيبي ؟
باغتت أًناملها ارْتعاشة لَذيذة..تَمَكَّنت من عُروقها حتَّى طالت الدّماء المُتَدَفّقة إلى قَلْبها..لامَست بارْتباك جَلي العُطور المَصْفوفة بتَرْتيب أمامها و هي تُجيبه بأَنْفاس أَثْلَجَها قُرْبه..،:ايــه..كل..كل بنت تــ ـتبي تكون أم و يصير عندها بيبي
مال جَسَده بخِفَّة يَميناً ليَتّضح لهُ بَدْر وَجْهها المُنير..و يَنْهَل من مُقْلَتَيها المُنْتَبِذَتَيْن عَسَلاً مُصَفَّى يُحِلَّ لهُ التَّذَوق منه متى اشْتهت الرُّوح..برِقَّة مَسير السَّحاب داعبَ أَهْداب يُسْراها بطرف إبْهامه و من حَنْجرته رَفْرَف هَمْسٌ شَجي أَطْرَب دَقَّاتها،:الله يعَجّل في اليوم اللي اشوفش فيه ماما..قولي إن شاء الله
تَبَسَّمت لهُ و زَهْرُ جُوري أَحْمر تَكاثَرَ بفِتْنة حَوْل ملامحها الخَجولة..مَرّرت لسانها على شَفَتيها تُثَبّط ارْتباكها..بهَمْس بُحَّ من رَبيع المَشاعر الزَّاهِية،:إن شاء الله
عاَنَقَت عَيْنيه سَعادة حَديثة المَوْلِد..و وَسَط عَدَستيه سَطَع نَجْمٌ تَمَنَّى أن تُسْقى تلك السَّعادة لَيْلاً و نهاراً ليَكُون نُموَّها سَرْمَدياً..يُسْتحال انتهاؤه..،الْتَفَت يَنْظُر لما صُفَّ على المِنْضَدة..قال و هُو يَجُول ببصره..،:صحيح كلام أمش..الأغراض جديدين،ما فيهم شي..حرام ترمينهم
بَرَّرت و هي تَلْتَقِط أحد العُطور بعَشْوائِيَّة حتى لا تَلْتقي عَيْناها بعَيْناه،:يعني قلت حياة جديدة و بيت جديد..مرة وحدة كل الأشياء تكون جديدة
ضَحَكَ بخفَّة مُعَلّقاً،:سبب مُقْنع صَراحة
انْحَرَف بصره لزاوية المِنْضَدة..تَشَتَّتَ نَبْضُه و هو يَرى القارورة تَقِف بهُدوء يُناديه للسَّفَر إلى الماضي..شَبَحُ ابْتسامة من حَنين قَبَّلت شَفَتيه و ذِكْرى تَلَوَّنَت بحُبٍ بَريء داعَبَت ذاكرته..كان ابْنُ الخامسَة عَشَر..جَمَع مَصْروفه لشَهْر حتَّى يَبْتاعُ لها هذا العِطْر ليُرْفقه مع رسالته..لو تَعْلَم أنَّهُ صاحب الرَّسائل الخَفي ! لكنَّهُ يَخاف أن يَحْكي لها عن أُسْطورة حُبّه..يَخْشى أن تَرْفض رُوحها المَغْرورة مَشاعره المُتَفَجّرة مُنذُ الأزَل..فكَيْف يُصافح قَلْبها حُب رَجُل كان لذاتها كائنٌ لا مَرْئي في الأَزْمنة الغابِرة ؟ تَجَاهل وَشْوَشَة نَفْسه..نَضَح سُؤال في جَوْفه..تُرَى كَيْف هي رائِحته إذا امْتَزَج مع أَريجها الأنْثَوي ؟ لم يَمْنَع يَدهُ التَّي امْتَدَّت لالْتقاطه..هي حَبَسَت أَنْفاسها و عَيْناها تُبْصران كيف يُقَلّبه في راحته..اسْتَعَرَت نَبَضاتها بخَوْف عندما عَلا سُؤاله،:العطِر مستخدم نصفه..و واضح إنّه قَديم "تَساءل و سؤاله صَيَّرهُ التَّوَتُّر شَكٌّ ينبح مع صَوْته" ليش للحين محتفظة فيه إذا هو مو عاجبش ؟
ازْدَرَدت ريقها بصعوبة..يَدها ارْتَفَعت تُبْعِد عن وَجْهها خُصْلات وَهْميَّة..بَلَّلت شَفَتيها بلسانها لتَقُول بكلمات اقْتَطَعتها الرَّبْكة و بصَرها مُقَيّد بالقارورة،:بلى عاجبنـ ـي..بســ "تَحَمْحَمت و هي تَمسح صِدْغها ثُمَّ أَرْدَفَت بصَوْت تَكاد تَنْحره البَحَّة" بس عزيز علي..ما ابيه يخلص..و مابي أرميه
هَزَّ رأسه بتَفَهُّم تَنَفَّسَت لأَجْله الصَّعُداء..راقبته بدِقَّة و هو يُقَرّبه من أَنفه..ثوانٍ و أَبْعده إلى عُنُقِها..و قَبْلَ أن تَعْتَرِض تَجانس ماؤه مع رائِحتها المُنْبَعِثة من أَوْداجها..لم يَسْمَح لها باجْتذاب ذَرَّات الهواء..فهو أَخْفَضَ رأسه ليَغْرَق في فَصْلٍ آخَر..لا تَعْرفه الحياة..فَصْلٌ تَمَيَّزت بهِ ذاته..و فازت بهِ رُجولته..فَصْلٌ خُلِقَ له و لأَجْله..لأَجْل ذاك القَلْب المُتَيَّم بحَنيـــنه..داعَب أنَفه عُنُقَها..اسْتَنْشَقَ عِطْراً اشْتراه بحُبّه مُنذ زَمَنٍ وَلَّى من بين صَفَحات الحاضِر..و لكنَّهُ خُلّد بين حُجْرات جَواه..ها هُو الآن يَحْفَظَ الرَّائِحة بين ضِلْعٍ و َنَفَس،يَحْفَظها ليُغَلّف بها رئتيه لعَلَّهُ يَتَنَفَّسَها..واصَلَ هُيامه و قَبَّلَ المَوْضع الذي تَشَرَّب ذَرَّات العِطْر الذائِبة فيها..قُبْلة رَقيقة..تَوْأماً لقُبْلاته المُتناثِرة عَلى رُوحها وَدَقاً عَذْب،يَنْطوي في رَحْم سُحُبٍ تَظِن أنَّها تَحبها..أو...تَعْشَقها..،أَغْمَضَت بانْتشاء و نَبْضُها قَد تَعَلَّقَ بأَجْنحة حَمامة بَيْضاء تَعِدُها بالهِجْرة إلى مَوْطِن الحُب..تَكالبَت عليها الإرْتعاشات مُصَعّبة من مَسير أَنْفاسها الواضح اضطرابها..شَعَرت بابْتعاده..أَزاحت جِفْنيها المُتَكَحّلان بخَدَر لتُبْصِر ذِقْنه القَريب و جِدّاً..أَطْبَقَت شَفَتيها باسْتسلامٍ لتَحَرّكات أَصابعه..و كأنهُ يَكْتُب قِصَّة هَواه بلمساته..حَرَّر خُصلاتها من العُقْدة لتَتَساقط وُرَيْقات يانِعة تَكَلَّفَت في بَثَّ السِحْر حَوْل ملامحها..شَدَّ على بَعْضٍ منها عند مُؤخّرة رأسها..هَمَسَ و أَنْفه يُشاكس أَنْفها المَرْفوع فِطْرةً و عَيْناه تَسْبحان وَسَط غَديرها المُتَّخِم بسُكَّر ذَهَبي..،:ريحة العطر صارت أحلى بعد ما امتزجت مع ريحتش
رَفَعَت يَدها المُتَسَوّرتان بالرَّعْشة لتُعانق ساعد ذراعه..شَدَّت بخفَّة و هي تَهْمس بجفنين أَثْقَلهما الخَجَل العارم حتى أَسْبَلَهما..،:بَسَّــ ـام..لا يدخل علينا أحد..ما سكـــ
،:الواضح إنّي جيت في وقت غلط !
أَغْمَضَت بحَرَجٍ أَغْرَقَ وَجْهها بلون قُرْمزي أَثار ضِحْكة بَسَّام..عَضَّت على شَفَتيها مع مُعانقة ضِحْكة والدها لمسامعها..غَبيَّـــة..غَفَلَت عن إغْلاق الباب بعد دُخولها..اخْتَبَأت خَلْفَ ظَهْر بَسَّام الذي اسْتَدار ليُسَلّم على والدها..يا إلهي كيف الآن ستَنْظُر إليه ! تَلَقَّفت ملامحها البالية من حَرارة نيران أَحْرَقتها خَجَلاً..تشْعُر بأنَّ جَسَدها بُرْكان يَفيض حُمماً من خَجَل..كَشَفَت عن زَفْرة اصْطَدَمت براحتي كَفّيها المُحتضنتان وَجْهها..و بوَجْسٍ غَصَّ من تَوَتُّره،:فَشيـــ ـلة !
أَخْفَضَت يَديها عندما عاد صَوْت والدها الذي تَدَثَّر بالإعْتيادية ليُنْسيها المَوْقِف،:يله يُبه تعالوا العشا جاهز
قالت و هي تُوليهم جانب جَسَدها شاغِلة حواسها بالحاجيات،:دقايق بجمع هالأشياء و بجي
عَقَّب والدها،:تمام حبيبتي " نظر لبسَّام" تعال بسام خل ننزل احنا
انْتَظَرَت حتَّى غادَرا لتُطْلِق سَراح زَفْرة طَويـــلة أَتْخَمَها حَرَجٌ ساحِق..بَسَطَت يَدَها على قلبها المُتراقص بجُنون و هي تَهْمس بإغْماض،:شهالموقف ياربي ! "أَبْصَرت لتُكْمِل بابْتسامة تَزَيَّنَت بالضِحْكة" كله منّك بَسَّــام
,،
أَفْرَغَت الشّقة حُمولتها..و تَخَلَّصَت الجُدْران من أَعْباء أَنْفاسهم التي ضَعَّفَت من إخْتناقه..نَعَم هُو مُخْتَنِق..فَرُوحه لا تَحْتَمِل هذا الكَمّ من الحَقيقة..أَن يُعْقَد حُلْمك بخُيوط الحَقيقة بعد عُقودٍ من التَّحْليق في سَماء التَّمني هُو حِمْلٌ لا تَقْوى الذَّات الفاقِدة على احْتوائه..و يُصْعَب ارْتكازه على كَتِفٍ أَحْناه الإنْتظار..بل أَشابه حتى بانَ لهُ سَراب قَبْره الشارع بابه لتَقييد جَسده..،لا زال يَجْلُس على الأَريكة التي نَطَق من سُرَادِقها كَلِمته..تلك الكَلِمة التي كُفّنِت بغَصَّاته بين لَحْدِ أَضْلاع..قال نَعَم..و بالإيجاب أَصْبَحت حَلاله..لهُ هُو لا لِغَيْره..،كان شابِكاً أَصابع تَرَدُّده..يَطْرق برجله على الأَرْض المَلْساء ليَرْتَفع صَوْتٌ يَزيدهُ تَوَتُّراً..رَفَع رأسه يَنْظُر لباب الشّقة المُوْصَد..فخُلْوَتهما مُباحة الآن..لن يَشْتَعِل ضَميره تَأنيباُ بعد انْقضائِها..أَدار وَجْهه ناحِية غُرْفة نَوْمه..لا بُدَّ أنَّ رائِحتها قَد اسْتَحْوَذَت على كُل شِبْرٍ فيها..،وَقَفَ بمُفاجأة لنَفْسه حتَّى..ثَبَّتَ قَدَميه على الأَرْضَ،ابْتَلَع اضطرابه ثُمَّ خَطى باسْتقامة..في داخِلهُ خواء يَسْتَعِر..و كأنَّ الحَدَثَ صَيَّرَ جَواه بَلْقعاً يَقْفر من حَياة..فالرُّوح قد انْطَوت على نفسها مَرَّة و عَشْرة..لتَحْتَمي من إشْراق شَمْسٍ بعد لَيْلٍ مُعْتِم شُبّه بالسَّرْمَد اللامُنْتَهي..و قَلْبه المُتَعَطّش لنَهْرِ لقائِها أَصْمَت نَبَضاته..و كأنَّهُ يَمْنعها من الزَّعيق انْشداهاً لقُرْبها..الحَلال..،انْتَهَت خُطواته عندما اصْطَدَم بالمِقْبَض..أَمْسَكَ به كَمن يُمْسِك بمِفْتاح جَنَّته..أَخْفَضه بهُدوء و من ثُمَّ شَرَع الباب لتَتَسَلَّق عَيْناه آخر عَقَبات الفِراق..و بإبْصاره لوَجْهها نُسِفَ شِتاء عَدَسَتيه ليُعانقهما الرَّبيع مُعيداً إحْياء عُشْباً أَخْضَر كان يَهْفو لنُمو زَهْرَ أُنوثتها الأذْفَر وَسَط يَنَعِه الحالم..،هي التي كانت تُمَشّط الغُرْفة جيئةً و ذَهابا انْسَكَب على حواسها ماءً جَليدي جَمَّدها في مكانها..وُجوده نَهَبَ الإحْساس منها..اسْتَلَّهُ من أَطْرافها كما اسْتلال الرُّوح..كَبَّلت كاحليها قُيود ارْتِجاف حَذَّرَتها من سُقوطٍ قَريب..فَزَعٌ و هَلَع اتَّخَذا دَوْر سَقْفٌ عَلا قَلْبها حَاجِباً عن نَبْضه طَريق الخَلاص..تَصادمَت أَنْفاسَها حَتَّى تَشابَكت بفَوْضَويَّة الإرْتباك..احْتَكَّ نَشَيجٌ بقَفَصَها الصَّدْري طالَ مَسْمَعيه..هُو الذي كان يَمْشي إليها بماضيه..بطُفولته..باحْتياجه..بعِتابه..و بِفَقْدِ ذاته..،حَبَسَت نَفَسَها عندما اقْتَرَب..بَصَرها تَشَبَّثَ بالأرْض..بالهواء.. و بكُل مَوْجودٍ في هذه الغُرْفة...عَداه..،هُو تَجَاوزَها..و هي جاءَت لتُفْصِح عن زَفير راحَتها..لكنَّ الْتفاف ذراعه حَوْلَ خِصْرها أَرْعَبها حَدَّ جَرْح حَلْقِها من حِدَّة شَهْقَتها..اجْتَذَب جَسَدها حتى الْتَصَقَ ظَهْرها بصَدْره..حَرارة جَسده اخْتَرَقَت عَباءتها و ملابسها..بل تَجَرَّأت و مَرَقَت جِلْدها و عظامها لتَكْوي رُوحها..قَشْعَريرة ساحِقة أَنْفَضَت عُروقها و خَلاياها من هَمْسه الذي نَخَرَ الصَّمْتَ ليَدق ناقوس نَدمها،:شنو اللي تغير دكتورة نور ؟ فزت بالماستر لو أَشْفقتين على جَهْلي بشهادتش ؟
~ انتهى
،
الجزء صغيرون..من زمان ما كتبت جزء بهالطول المُحْرج
بس بشكل ما هالفصل مو قابل للزيادة..مادري ليش =|
أتمنى على الأقل تستمتعون فيه
أدري الأسبوع فترة طويلة يعني لازم أجيكم بجزء مُشبع أكثر
إن شاء الله شوي شوي بستعيد نفسي و بعوضكم
شُكْراً لكم جميعاً
و عذراً على القصور
* نسألكم الدُّعاء في هالليالي العَظيمة
،
|