كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوَكَّلتُ على الله
الجزء الرَّابع و الأَرْبعون
الفَصْل الأَوَّل
اطْمَأَنَّت على خُروج ابْنتها للعَمَل ثُمَّ أَسْرَعَت صاعِدة للأعْلى..حَيْثُ اتَّجَهت إلى غُرْفة نَوْم ابْنها و زَوْجته..دَلَفت بملامح اكْتَساها إرْهاقٌ كَئيب،يَبْعَثُ الوِحْشة في نَفْسِ كُل عَيْنٍ تُبْصِر وَجْهها..اقْتَرَبت من السَّرير المُحْتَضِن جَسَد ابْنها السَّاكِن،جَلَسَت بجانبه مع امْتداد يَدَها الحَنون لرأسه،لتُكْمِل أَناملها نَوْحَها الصَّامت المَبْثوث بين خصلاته..،أتاها هَمْسُ حُور المَبْحوح،:عَمّتي روحي نامي،عيونش ما غَطَّت من أمس
نَطَقَت تَسْرد لها حَكايا أَوْجاعٍ نَمَت و تَكَاثَرَت في رُوحها قُيودٌ تَمْنَعُ الرَّاحة من الْتباسها..،:وين يجيني النُّوم و عيوني الثّنتين عمتهم الدّنيا من بلاويها
عَقَّبَت حُور و التي كانت تَجْلُس على الجانب الآخر من السَّرير،:الحمد لله عَمّتي..هذي هي مَلاك تحَسَّنت و رجعت لشغلها "حَرَّكَت بَصرها لزَوْجها الغافي مع وَجَعه لتُرْدِف بتَهَدُّج" ووإن شاء الله يُوسف يقوم بالسَّلامـ ـة
تَمْتَمَت و هي تَتَشَرَّب دَمْعها المَثْكول بمنديل أَبْيَض تَمَنَّت لو يُزيح السَّواد الغاشي حَياتهم،:إن شاء الله..الله يسمع منش
وَقَفَت حُور ثُمَّ خَطَت لجِهة جُلوس عَمَّتها قائلة بلُطف،:عَمَّه قومي ارتاحي عشان خاطري "أَمْسَكَت بكَتفها شادَّةً عَليه بمَلَق و هي تُكْمل" مو ضروري تنامين..بس تمددين جسمش و تريحين راسش
غادَرَت يَدُها شَعْرَ يُوسف حتَّى اسْتَقْرَّت في حظْنها لتُعَقّب بتَرَدّد احْتَكَرَ حَواسها و عَيْناها تُلازِمانِه،:ابي اتطمن عليه..ابي اكون عنده اذا قعد
ابْتسامة صَغيرة شَدَّت شَفَتيها لتَنْثر بضع زَخَّات اطْمئنان على قَلْب أُمومتها المُثْقَل من قَلَق،:تطمني أنا وياه..و أوَّل ما يوعى بناديش..بس إنتِ روحي ريحي و لو لساعة
هَزَّت رأسها باقْتناع و هي التي نال من عَضَلاتها أَلَمٌ أَثْقَلَ حَرَكَتها،و كَأنَّ شَلَلٌ نَفْسي يُهَدّد أَطْرافها..هي فعلاً تَحْتاج لِراحة بها تَسْتَعيد قُوَّتها التي ذَوَت بل نُحِرَت عندما أَقْبَل والد حُور و معه حارس المَنْزل و بين ذراعيهما يُوسف بلا حَوْل و لا قُوَّة..و كأَنَّهما مُقْبِلان ببقايا يُوسف..بجِثَّة هامِدة انْفَصَلَت عنها الرُّوح..،انْحَنَت عَليه لاثِمة جَبينه المُغضَّن،و لَيْتَها بقُبْلَتِها تَهْديه مَلامح ابْتسامة ليَرْتَديها وَجْهه المَأهُول بَشعْبٍ من تَعَب..،وَقَفَت و هي تَقول بتَذْكير،:يُمَّه حُور من يفتح عيونه ناديني..ابي اتأكد إنه بخير
هَزَّت رأسها بأدَب،:ما عليه عَمّتي..بناديش لا تحاتين
أَلْقَت عَليه نَظْرة حَنُونة مُشَبَّعة بكمَدٍ مُخْتَنِق قَبْلَ أن تَتَرك الغُرْفة ليَخْلو جَسَدَهُ النَّائِم مع زَوْجته..تِلك الحُور التي أَغْرَقَها حالهُ المُفْزِع..عادت للسَّرير و بخفَّة اسْتَلْقَت بجانبه..بالْتصاقٍ أَشْبَه بالإلْتجاء..طَيْرٌ هي و هو مَدينة الدّفء التي تُذيب جَليد الخَوْف المُتَكَلّس في رُوحها..و هي أَيْضاً كانت دِفْؤه..شَمْسُ أَمَله المُطِلّة عليه من ثُقْبٍ صَغير مَنْسي في ذاته..نَسَته مصائب الدُّنيا و لم تَرْدمه..بَقيَ مَعْبَراً يَلِج منهُ ضَوْءَها المُشِع و نَسائم رَبيعها السَّرْمَدي..لكن أَسَفَاً أنَّ ذاته المُقَيَّدة ببلاءٍ لا يُسْتراح منه تُشَوّه جَمالها الفِطْري..تَقْتَلعه بمَخالب أَمْراضها،تُقَطّعه و تَنْحت فيهِ جِراحاً لا تُشْفى..ذاته و بجُنون تَفْني ذاتها المُتَسَرْبِلة بأمَلٍ هَش..،كانت مُضَّجِعة على يَمينها سامِحة لعَيْنيها أن تَتَأَمَّلانه بوُضوح..هُو كان مُسْتَلْقِياً على ظَهْره و وَجْهُه يُطالع ناحيتها..يَدُها المُحْتَفِظة ببقايا ارْتعاشات الأَمْس ارْتَفَعت إلى صَدْره..مَسَحت عليه بخفَّة كأَنَّما تُقَبّله بأناملها،و تُزيح عَنه غُبار آلامٍ صَعَّبت عَليه جَرَّ النَّفَس..أَغْمَضَت و هي تَسْتَنْشق نَفَسَاً مُتَخَبّط امْتَزَجَت معهُ ذِكْريات السَّاعات الماضية..اسْتَنْشَقَت ليَتَضَخَّم قَلْبُها من صُور باغتت نَبَضاتها..كيف كان يَرْتَجِف و العَرَقُ يُغْرقه..ضَياعُ عَدَسَتيه و تَصَدُّعات الأَلم على جَبينه..تِلك الدَّمعة التي هَرَبَت من عَيْنه..لا زالَ وَجَعُها مَحْشوراً بين خُطوط يَدها..لا تدري كيف اسْتطاعت أن تَقِف على قَدَميها بعد أن نَطَقَ بكلماته..تلك الكَلمات التي مَرَقَت غِشاء صَبْرها حتى أَمْسَت عارِية من صَبْر..نالَ منها الهَلَع و فَرَّت كما طَيْر يَبْحَثُ عن طَريق نَجاة من طُوفانٍ مُبْهَم...."مو قادر اتحرك"..."ما شــوف"..كيف لا يَرَى ؟ بل لماذا لا يَرى ! عَيْناه سَليمتان..عَيْناكَ سَليمتان يُوسف لم تُحاربهما دُنياك الظَّالمة..كيف لكَ أن لا ترى ؟ قَدَماها حَمَلَتها لخارج المَكْتب حيثُ بدَأت تُنادي بصَوْت مَثْقوب..تُخْتَزَل منهُ أَنْفاسها..تُنادي مُطالِبةً بمُعين..يَنْتَشِل زَوْجها من مُحيطٍ أَسْود تَفُوح من مياهه رائحة مُريبة..تُحَذّر رُوحها من بلاءٍ خَفَي..،لا تَدري كيف سَمعها والدها و ظَهَر مُلَبّياً نِداءها..رَفَع جَسَد يُوسف بمُساعدة يَداها المُنْتَحِبَتَيْن و هي تَهْمس لهُ بجَزَع،:يُبـ ـه عيونـ ـه..عيونــه ما يشـ ـوف !
الدّقائق التي حَمَلتهم للمَنْزل كانت طَويـلة و مُوْحِشة..يَحُفَّها القَلَق من كُل حَدْبٍ و صَوْب..وَصَلوا ليَقْتَرب الحارس مُساعداً أباها لنَقْل يُوسف للغُرْفة..حُيْثُ على سَريره عايَنهُ طَبيبٌ حادَثَهُ والدها و هم في الطَّريق..قالَ كَلمات أثارت غَيْظها لأنَّها لم تُصْمِت زَعيق خَوْفها..بهُدوء هُو أَقْرَب للبرود،:عيونه سليمة و مافيها خلل..قد يَكون آثار جانبية من الدوا..فترة و تروح
فقط..هذا الذي نَطَقَ بهِ قَبْل أن يُغادر المَنْزل بحَقيبته التي لم يَفْتَحها ! و كأنَّها تَقْليدٌ هَرِم لا يَسْتطيع الأطِبّاء أن يَثوروا عليه..،أَعْصابُ حِسّها الواعية بين طَيّات كَفّها اسْتَشْعَرَت حَرَكة خَفيفة مِنه..فَتَحَت عَيْنَيْها بلَهْفة رَفْرَفَت وَسَطَهُما..لَهْفَةٌ تُنادي صَحْوَته و تَدْعو سِرّاً أن يَكُون السُّقْم قد حَرَّره..،رَفَعت جَسَدها قَليلاً لتَقْتَرِب أَكْثَر مما جَعَل خُصْلاتها تُداعب كَتِفه و جانب من عُنُقِه..هَمَسَت و هي تُراقب تَصافق أَهْدابه الأَشْبه برَفْرفة سَعفُ نَخْلة مُدَمَّرة،:يُوســف
ارْتَفَعت يَدُها لخَدّه المُشْعر،حَرَّكت أَناملها بخفَّة و كأنَّها تُنْعِشه..بَصَرُها من خَلْف ضَباب الدَّمع كان يُراقب عَيْناه بدِقَّة،مُنَبّشاً عن ذلك الضَّرر الذي أَفْزَعه و أَفْزَعها..ارْتَفَعَ جِفْناه ببطء،و بارْتفاعهما حَيّا وَجْهها المَشْدوه لسَكَناته..حَرَّكَ عَدَستاه بهُدوء حتى اسْتَقَرَّتا على ذِقْنها..بَقِي لثَوانٍ يُناظره و هي تَشْعُر بنَبَضاتها تَكاد تَمْرق حجرات قَلْبها..رَمَشَت مَرَّتان مُتتاليتان تُقاوم الدَّمْع الذي وَخَزَ مُقْلَتيها،بانَ قَوْسَ البُكاء على شَفَتيها..كانت أَلْوانه السَّبْعة سَوادٌ مُطْمَس و بعضاً من الرَّمادية الكَئيبة..قَوْسٌ يُنْذِر بأمْطار مالِحة تُسَمّم الأَرْض و تُحيلها جَفافاً تَمُوت منهُ الحَياة..غَشاوة الدّمع لم تَمْنَع بَصَرها الحَديد من رُؤية عَدَستاه اللتَّان حَطَّتا على شَفَتيها..لَحَظات و عانَقَتهما إبْهامه عِناق قُبْلة آسِفة..و بِبحَّة مُرْهَقة حَدَّ تَمنّي المَوْت،:حَــ ـرام تظلين مسجونة مع واحد ما يعرف يرسم البَسْمـ ـة على شفايفش
لم تَحْتَمِل و القُوَّة الهَشَّة التي كانت تُمْسِك بها تَناثَرت تُراباً لا يُلْتَقَط..انْهارت بلا قُدْرة على صَدْره و صَوْتُ بُكاؤها يَعْلو بِشَجَنٍ الْتوى منهُ عِرْق في قَلْبه..بُكاء تَعَب و ساعات خَوْف كانت كما مقْصلة إعْدام..شَهَقَاتها تَقْتَطِع أَنْفاسه..تَصْفَع وَعْيه المُهْتَرئ و تَنْغَرِس سِهام وَسَط جِراح رُوحه المَفْتوحة..آهٌ من بُكائكِ حُور..يَزْرعُ فيّ أَشْجاراً لها ثِمارٌ طَلْعها كما ابْتسامات عابِسة..تُوَشْوش لذاتي أن كَفاني مآسي..اكْتَفَيتُ حُزْناً..و شابَ فَرَحي من كَمَدٍ عَجُوز أَثْقَل كاهلي..،بكفّه المَريضة مَسَحَ على شَعْرها و هُو يُدير وَجْهه لوَجْهها المَدْفون في كَتِفه،حَيْثُ هُناك سَكَبَت مُعَلَّقات لَوْعاتها و أَسَاها عَليه..بكفّه الأخْرى أَزاح خُصلاتها عن جانب وَجْهها قَبْلَ أن يَسْمَح لشَفَتيه بمُلامسة فَيْضها..بخُفوت نَطَق راجِياً،:خَلاص حُور..بس..عَوَّرتين قلبي
تَنَشَّقَت بتَقَطُّع و هي تَرْفَع رأسها قَليلاً و يَدُها تُجَفّف صَبيبها المُتواصل..هَمَسَت بملامح مُنْكَمِشة،:غصْباً عـ ـلي..والله "مَسَّت أَسْفَل عَيْنه بخفَّة مُطالبة بتأكيد" تشوفني عدل يوسف ؟
ابْتسامة صَغيرة لاحت لها على شَفَتيه الجافَّتين و هو يُجيب بخُمول،:ايــه اشوف..اشوفش عدل
زَفَرتَ بارْتعاش و من عُمْق جَواها ارْتَفَع هَمْسُها و الدُّموع هَلاهل تَزُفّه،:الحمْد لله..الحمْد لله ياربي
كما طِفْلة اسْتَقَرَّت يَدَها على عَيْنها و الإرْتعاشات تَشْخَب من ذِقْنها..كانت طِفْلة و هو الذي نَهَبَ سَعادتها..ثَلاثُ سَنوات حُور..ثَلاثُ سَنوات لو قَضَتها أُنوثتكِ مع رَجُلٍ غَيْري لرُبَّما كَنْتِ الآن ماما ! لكنّكِ أَسَفاً سُجِنتِ بين مَتَاهات ذاتي المُشَوَّهة..،أَفْرَغَ تَنْهيدة من صَدْره المُثْقَل بكُل معاني الحُزْن المَوْجود في هذه الدّنيا..هَمَسَ يَبُوح لها بأُمْنيته،:يا ليت ياخذني المُوت عشان تقدرين تعيشين ويا اللي يسعدش
شَهْقة خافِتة فَرَّت من حَنْجرتها و من عَيْنيها فَرَّ عِتابٌ مُحِب..هَمَسَت من بين غَصَّاتها،:اسم الله عليك و حـ ـرام عليك..يعني عادي يمتلكني غيـ ـرك ؟
أَجابها يَنْكأ جِرْحه قَبْلَ أن يَفْتَح وَسَطَ رُوحها جِراحا،:ايــه..إذا عشان سعادتش ايــه عادي
أَخْفَضَت يَدها مُعقّبة بحدّة وَهِنة،:بس انا مابي غيرك يُوسف..أرجوك لا تقول هالحجي مرة ثانية
تَصَدَّعت مَلامحه ناطِقاً بغموض،:ما كنت ابي ابهذلش معاي..بـــس !
ابْتَعَدت عنه لتَقُول بضيق بانت آثاره حَوْل عَيْنيها الرَّطبتين،:يُوسف أرجوك لا تكمل..اذا ما تبي تضايقني لا تقول هالحجي مرّة ثانية
مَرَّت دَقيقة صَمْت احْتَفَظَ فيها يُوسف ببقيّة بَوْحه الذي تَضيق منهُ نَفْس حُور الرَّاضية بَقَدرها..بابْتسامة راضية به..رَتَّبَت شَعْرها و هي تقف ليَتساءل،:وين بتروحين ؟
وَضَّحت،:بروح لأمّك..المسكينة من أمس قاعدة تحاتيك..بالغصب من شوي رضت تقوم ترتاح
أَمْسَكَ ذراعها و هو يَقول،:خَلّها ما دام توها رايحة..خل تريّح و بعدين تشوفني "جَلَسَت ليُرْدف باسْتفسار" قولي لي شلون جبتيني البيت ؟
,،
ماضٍ
شَيءٌ من حَنينٌ إليها داعبَ جَواه..رُبَّما من الضَّجر الحائِم حَوْل حَواسه..يُريدُ أن يَحْكي لأحَدِهم،أن يَبُوح و يُفْرِغ ما بداخله..يَحْكي دون أن تُقْتَطَع كلماته..و دون أن تُوَجَّه لهُ نَصائح هُو يَعْرفها..ببساطة يُريد من يَسْمعه بصَمْت..أو..ليَكُون صادِقاً مع نَفْسه..يُريد من يُناقشه..لكن نِقاشاً بَريئـــاً..يَخْلو من فَلْسَفة البَشَر..،لذلك اتَّصَل لأبيها يَطْلب منهُ إذْناً لتُرافقه إلى البَحْر..انْتَظَر حتى بَهَتَ ضَيُّ الشَّمْس و خَفَّ لَهيبُها ثُمَّ اتَّجَه لمَنْزِلَهم القَريب مَشْياً على الأَقْدام..تَجَاوزَ البَاب الخارجي قاطِعاً الحَديقة الصَّغيرة ناحية الباب الداخلي..تَوَقَّفَ أمامه ثُمَّ طَرَق الجَرس بملامح مُتَرَقّبة..ثَوانٍ و مالتَ شَفَتاه تَرْسِمان ابْتسِامة صافِية إثْر ارْتفاع صَوْت يَعْشَقه من خَلْف الباب..تَرَاجع خُطْوة للخلف مع انْفتاحه كاشِفاً عن جَسَدها الصَّغير الذي أتاهُ مُسْرعاً بذراعين مُشَرَّعتين..تُطالبان باحْتضان اشْتقاتهُ ذاته المَعْلولة،بَصوْتها الحَبيب صَرَخت فَرِحة،:طَــلاااال وصـــل
تَلَقَّفها بخفَّة و هو يَضُمّها لصَدْره و ابْتسامته صَيَّرها قُرْبها ضِحْكة نَحَّت العُبوس عنه لتَحْتَكِر حَواسه..،قَبَّلَ خَدَّيها ثُمَّ هَمَسَ بمُشاكسة،:وحشتيني يالنتفة..وين إنتِ،مسافرة و أنا مادري ؟
اتَّسَعَت عَيْناها و من بَيْنِهما لَمَحَ نُجوماً تُوْمض بالأَمل..صَحَّحت لهُ ببراءتها التي جاء لأجْلها..،:لااا ما سافرت..أنا اهني في البيـــت
تَساءَلَ بحَماس،:زيــن مستعدة للبحر ؟
هَزَّت رأسها و هي تَضْحَك و السَّعادة تُحَلّق حَماماً أَبْيَضاً بين طَيَّات ملامحها النّاعمة،:ايــــه مستعدة
،:انْتبه لها يا طلال
مالَ رأسه قَليلاً يَنْظُر لناصر الواقف قُرْب الباب ليُجيب بثقة،:في عُيوني..لا تخاف عليها
اسْتدار ناصر للخَلْف للثوانٍ و كأنَّهُ يَسْتَمِع لأحَدهم قَبْل أن يَعود لطلال و هو يَقول بابْتسامة،:أمها تقول لك لا تدخلها البَحر..من بعيد لبعيد
جَنَحَ بجسده للأمام رافِعاً صَوْته ليَقُول بمُزاح،:يا أم فيصل ترى جذي تخوفونها..خلوها تتشَجَّع و تتعود على السباحة
أتاهُ صَوْتها البَعيد بعَدَم اقْتناع،:إذا كبرت تتعود..اللحين لا،توها صغيرة
بإٍسْتئذان،:زيـن يصير بس انَّقِع ريولنا ؟
صَمَتت للحظات ثُمَّ أجابت،:شوي بس..و لا تترك ايدها
أَوْمأ برأسه و كأنَّها تَراه و هو يُجيب بأدَب،:على أمرش
اعْتَدَل في وُقوفه مُسْتَعِدّاً للتَحَرّك،لكن يد ناصر التي امْتَدَّت إليه أَوْقَفَته..قال وهو يُشير برأسه للمفتاح،:خذ روح بسيارتي بدل ما تمشون
هَزَّ رأسه رافِضاً،:لا مايحتاي..البحر قريب،خطوتين بس
باعْتراض،:جذي بتتعب بنتي من المشي
ابْتَسَمَ لهُ و هو يُقَرّب نُور من صَدْره أَكْثَر،:هذا أنا حاملها..ما بتمشي و لا بتتعب
و هو يَسْتَعِد لإغْلاق الباب،:زين تحمَّل "أَرْدَفُ يُحادث صَغيرته" بابا نُور حاسبي و لا تروحين بروحش صوب البحر
هَزَّت رأسها بطاعة،:اووكــي "لَوَّحت لهُ بكَفَّها و بابْتسامة واسِعة" بــاااي بابا
ضَحَكَ لها بحُب عَميـق،:مع السلامة يا عُمري
اسْتَدَار طَلال مُبْتَعِداً بعد أن وَدَّعت الطّفلة والدُها..عَلَّق،:عــاد اللحين و هم يودعونش كأن بنسافر..ما كأن بنروح البحر اللي ورا البيت !
ضَحَكَت و هي التي لم تَسْتَوْعب مَزْحته..أَكْمَل بتساؤل،:شنو بتسوين هناك ؟ بتصيدين سَمج ؟
نَفَت بسُرْعة،:لااا ما اعرف اصيد سمج..بلعب في الرّمل "أَرْجَعَت ذراعيها للخَلْف تَشْرَح كلماتها" ببني بيت كَبيـــــر
،:و حق من هالبيت ؟
ببساطة أَجابت،:حقي "مال رأسها بنعومة مع مَس أناملها لشَفَتيها مُرْدِفة بتساؤل خَجِل" عادي يصير حقك بعد ؟
تَبَاطأت خُطواته مَشْدوهاً لسؤالها البَرَيء..مَنْزلٌ لها و له ؟ لهما وَحْدَهُما ليُغْمرهما بدفءٍ تَطيب منهُ الرُّوح و تُشْفى..مَنزْلٌ يَأويه إذا فَرَّ هارِباً من هُجوم دُنيا غازِية..تَغْزوه مَدى الدُّهور،رافِضةً فَكَّ أَسْر فَرَحه و راحته..هُو مُكَبَّل الفَرح و الحُزْنُ قد جَرى فيهِ دَماً مُلَوَّثَاً..رُبما يا صَغيرتي مَنْزلِكُ الرَّمْلي هُو الخَلاص و الإسْتقلال..،تَوَقَّفَ عندما لاَحَ لهما الشّاطئ الهادئ نِسْبياً من الناس..اقْتَرَب أكْثَر ليَخْتار بُقْعة مُعَيّنة تَحْويهما..أَنْزلها على الرَّمل ثُمَّ اسْتَقَرَّ برُكْبَتيه فَوْقه ليُقابل قامَتها القَصيرة..شَدَّ على كَتِفَيها بوْد و رَمَادِيَّتاه تَطُوفان عَيْناها ذوات الأَهْداب المَعْقوفة..هَمَسَ و اُمْنية تُداعب خَلَجاته،:ايــه يصير..بيتش هو بيتي
ابْتَسَمَت لهُ برِضا قبْلَ أن تَجْلس لتَبْدأ لَعِبها تَحت فَوْجٌ من أَنْظار هائِمة..لطالما تَساءل في داخله...نَبَّشَ و بَحَثَ في جَوْفه عن سَبَبَ تَعَلُّقه بها..كان يَقِف حائِراً بين ابْتسامتها المُنْتَشِية أَمَلاً و بين بَرَاءتها التي تَغْرس الرَّبيع في ذاته..لكن تَأتيه عَيْناها..نافذتا الأَمَل و المَعْبَر إلى جِنانٍ يُحَرَّم على الخَريف اجْتياز أَسْوارها..تأتيه و تُضَعّف حيرته،و تُوَسّع حَجْم الدَّائرة التي تُحيط به..دائرة الهُيام في النُّور..ليَتَيَقَّن أنَّ الْتفات الجَوى إليها سِرٌّ من أَسْرار الحَياة..،نَطَقَ بلا مُقَدّمات،و بصوتٍ الْتَحَفَ برياح شتْوية كَئيبة،:اليوم حفلة تخرّج رائد
نَظَرَت إليه للحظات قَبْل تَعود لانْدماجها و هي تَتَساءل،:يعني شنو ؟
ابْتَسَم بخفَّة و هي يَعْتَدِل في جُلوسه..مَدَّد ساقيه مُتَّكِئاً على جانبه الأيْسر مع اسْتقرار مِرْفقه على الرّمال ليَسْتقِر بيده على خَدّه..أَجاب يَشْرَح لها،:يعني بس خَلَّص مدرسة
تَوَقَّفَت يَداها عن الحَرَكة و هي تَرْفَع رأسها إليه بفم فاغِر و حَدَقَتان تَتَلألَلآن ذُهولا..اسْتَفْسَرَت باهْتمام،:يعني بس خلاص ما يروح المدرسة ؟
حَرَّكَ رأسه بالنّفي،:لا ما يروح..اللحين بيروح الجامعة
اَطْبَقَت شَفَتيها من هذا المُصْطَلح الغَريب..تَعْتَقِد أَنَّها سَمِعَتهُ من قَبْل،لكن عَقْلها لا يَجِد بين مَعْلوماته البَسيطة تَفْسيراً له..هُو الذي رأى الحيرة تَطوف مَدائِنها الجَميلة أَكْمَلَ بتَوْضيح يَسْتوعبه عَقْلها،:هذي الجامعة نفس المدرسة بس كَبيــرة..يعني إذا هو يبي يصير رَسَّام،الجامعة تعلمه عشان يشتغل
مالَ رأسها مُسْتَفْسِرة باهْتمام،:إنت بعد بتروح الماجعة ؟
اعْتَلَت ضِحْكته لنُطْقها الخاطئ و اللَّطيف،ابْتَسَمت بحَرَج و هي تَضرب كَتفه تُريده أن يَتَوَقَّف عن الضَّحِك،:طــلااال ما يضحـــك
اسْتَجاب لها مُصَيّراً الضّحكة ابْتسامة واسِعة و هو يُصَحّح لها،:اسمها جامعة..مو ماجعة
تَجاهلت سُخريته مُعيدةً سُؤالها،:انزيــن إنت بتروح بعد ؟
تَقَلَّصَت البَسْمة و في العَيْن لَوَّحَت دَمْعة..أَبْعَدَ عَدَسَتيه عَنها للبَحْر المُمْتَد بإسْهاب خَلْفَها..كانت أَمْواجه هادِئة،تَعزِف مُوسيقى بألْحان حَزينة..و كأنَّها تَسْرد قصَّته المَعْقودة بالخَسَارة..أغْمَضَ للحظات و من صَدْره تَشَعَّبَت تَنْهيدة طَويلة مُذَيَّلة بآه مُخْتَنِقة..مُذ حُرِمَ من العِلْم مُخْتَنِقة..نَظَرَ لها و الأسَى تَبَنَّى من البَحْر أَمْواجه لتُلازم عَيْنيه،و بهَمْسٍ آسِف،:لا ما بروح
و اهْتمامها يُريد جَوابا،:ليش ؟
لماذا ؟ أَطْبَقَ شَفَتيه و الكَلِمات تَتَطاير بفِرارٍ من حَنْجَرته الصَّدِئة..نَقَلَ بَصره على ملامحها المَشْدوهة إليه،المُنْتَظِرة جَواب يُشْبِع عَقْلها البَريء..ماذا أُخْبركِ صَغيرتي ؟ أَخْشى أن تُشَوّه مآسي طُفولتي طُفولتكِ الحَديثة..و أن يَطْمِسَ غَبَشُ رُوحي رُوحكِ المُتَسَرْبِلة بالبياض..،أَيَتّسع بَحْرُ عَيْنَيكِ لبُكائي الصَّامت ؟ لنَوْحي و أَنَّاتي التي أَبْكَمها ظُلْم أُخْتي..تَوَسَّلتُ لها،قَبَّلتُ يَدَها و اَفْرَغتُ عَباباً من دُموع راجِية..أُريدُ مَدْرَستي..اُريدُ أن أُداوي ذاتي الفاقِدة أُمّي..أُريدُ أن أَمْضي نَحَو مُسْتَقْبَلٍ أَنْقى،هُو طاهِرٌ من سُموم دُنيا قاسية..لكنَّها رَفَضَت..بقَلْبٍ مَيّت قَطَّعَت كُتبي..كَسَّرَت أَقْلامي و لم تُزَرّر قَميصي..هي صَمَّت ضَميرها عن حَديثٌ سَماوي يُحَذّر،فأمَّا اليَتيم فلا تَقْهر..لكنَّها أَطاعت شَيْطانها و قَهَرت أَحْلامي..،رَمَشَ بخفَّة مُسْتَشْعِراً بملئ حَواسه لمْسَة رَقيقة لخَدّه لم تَكُن سوى يَدَها الصَّغيرة..نَطَقَت بحاجبان عَرَّجهما القَلَق،:طلال ليش تصيـح؟
انْقَبَضَ قَلْبه لسُؤالها..إلهى لقد بَكى..دُون أن يَشْعر بَكى ! و كأنَّ الدَّمْعة كانت تَرْجُمان لنَوْحه الأبْكَم،المُنْطَوي في زاوية ذاته الفاقِدة..،اعْتَدَلَ في جُلوسه مما جَعَلها تُخْفِض يَدَها لتَرْتَفع كَفّه إلى خَدّه يتَحَسَّس آثار انْكساره..حاول أن يَبْتَسِم ليُزيح الضّيق الذي نال منها..و بضِحْكة قال،:هذا رمل دخل في عيوني و دمَّعَت "أَرْدَفَ و هو يُبَعْثِر الرّمال بيَدَيه" بساعدش عشان نخلّص و نروح انَّقع ريولنا في البحر
شاركَها بناء البَيْت الصَّغير المَرْكون على ضِفاف بَحْرٍ يَعْشقه..كم هُو مَحْظوظ،فأنامل صَغيرته تُحيك لهُ مَأوى يُولّي وجهه شَطْر رَفيق دَرْبه و حافظ أَسْرار جُروحه..،أَنْهيا بناءَهما البَسيط بعد دقائق، و من ثُمَّ اقْتَرَبا من البَحْر لتُداعب أَمْواجه أَقْدامهما الحافية..ضَحَكَت بسعادة و صَوْتُها يَصْدَح في الأَرْجاء،:الماي يَدَلْدِغ طَـــلااال
تَرَدَّدت ضِحْكته من بين تَصَدُّعات ضَجَره..اعْتَلَت و شارَكَت الشَّمْس نُورها،و الْتَقَطَها الهَواء ليَشْدو بها و البَحْرُ ابْتَلَعها مُتَذَوّقاً سَعَادتها المُؤقَّتة..،تَلَقَّفَ نُور ليُسْكِنها بين ذراعيه و هو يقول بحماس مُشيراً برأسه جِهَة مَغيب الشَّمْس،:شوفي الشمس بتروح بيتهم..أودّيش لها ؟
الإنْبهار أَحاط بوجْهها و هي تَتساءل،:ِشلووون ؟
أجاب،:جــذي
بخفَّة قَلَبها على بَطْنها مُهَدْهِداً جَسَدَها ناحِية الشَّمْس و كأَنَّهُ سيُلْقِها إليها و صَوْتُ ضِحْكَتها قَد تَبَسَّمَت لهُ السَّماء و هَتَفت لأَجْله نُجوماً مُطْفَأة..بين بَحْرٍ..أَرْضٍ..سَماء و رِمال كان يَدور بجَسَدها و الذّكْرى تَلْتَقِط رَفَرَفة خصلاتها النّاعمة..ضحكاتها و بَريق عَيْنيها السَّاحرتين..و لم تَنْسَ أن تَلْتَقط معهم تلك الفَرْحة التي نَبَتَت بين روحه و قَلْبه..أَتاها و هو مُتَيَقّن بأنَّهُ سَيَجِد النِسيان بين سَكَناتها البَريئة..فهذه الطّفْلة قُدّر لها أن تَمْسَح بطُهْرها شوائب حُزْنه السَّرْمدي..،تَوَقَّفَ أَخيراً بأنْفاس لاهِثة..مال رأَسها على كَتِفه بإعياء بَسيط و بضِحْكة ،:طلاال المكان يدوور
رَفَع رأسها ليُناظرها و بتساؤل،:تبين بعد ؟
حَرَّكَت رأسها بالنفي ،:لا خلاص تعبت
داعَب أَنْفها الصَّغير بأنفه و هو يهمس بحَنان رَقيق،:يا عُمري التعبانين "قَبَّل جَبينها قَبْلَ أن يُرْدِف بحُب تَمَكَّن من كيانه و عَيْناه تُناغي عَيْنيها" سلامتش من التعب يا بعد قَلْبــي
،
انْتَهَت الذّكْرى العابرة مَسالك رُوحها و هي واقفة أمام حَقيبة السَّفَر،بين يَدَيها القارب الذي أَبْحَرَ بها لذلك اليَوم..كانت ابْنة السَّابعة حينها،و عَقْلُها المُقْتات على اللَّعِب صَدَّقَ كِذْبة الرَّمل المُباغت عَيْنه،لكن بعد سَنين عَلِمَت أنَّ الدَّمْعة تلك كانت بداية لبُكاءٍ مُصْمَت على أَحْلامٍ تَهَشَّمَت بين يَدي أَخوات..،هُو كان يَكْبُر رائد بعامان..فَلو كانت حَياته تَسيرُ إلى بَرّ الأمان لكان أَنْهى دراسته قَبْله و الْتَحَقَ بالجامعة..لكن أَسَفاً أنَّهُ حُكِمَ عَليه بالسّجن مَدى الدّهر مع الأَعْمال الشَّاقَّة..لطالما تَساءَلت..هل رَسَمَ في مُخَيّلته مِهْنة يَحْلُم بتَقَلّدها مُسْتَقْبَلاً ؟ أم أنَّ البَحْر و الخَوْض فيه هو حُلْمه الأزَلي ؟ زَمَّت شَفَتَيها و الضَّيق يَعْتَريها..اكْتَشَفَت أنَّها لا تعلمُ شَيء عنه،كُل الذي احْتَفَظَت فيه ذكريات بَسيطة لا تُشْبِع اهْتمامها..و تلك الجِراح التي دَرَسَتَها و عايَنَتها عن قُرب،أتَى اليَوم الذي تَنْكَأها و تَذر الملح فَوْقها..سامحكِ الله يا نُور..و كأنَّ قَلْبهُ مَرْتَع لسَفْك الدّماء و نَحْت جِراح أَبَديَّة..لا تُضَمَّد..،رَمَشَت بخفَّة لصَوْت سارة المُتداخل مع حَديث نَفْسها..أَدْخَلَت القارب في الكيس القُماشي الذي احْتوى لُعْبة الطَبيب و هي تَسْمعها تَقول باسْتعجال،:يله نُوور الكل تجمَّع في اللوبي
قالت و هي تُغْلِق الحَقيبة المَحْشورة فيها ملابسها،:أنا جاهزة "أَرْدَفَت و هي تَقْتَرب من المرآة لتَرتدي حجابها" أهم شي جَهَّزت أغراضي..ما بيمديني بعد المُؤتمر
عَقَّبَت بنَبْرة مُبَطَّنة و هي تَرْتَدي حذاءها،:احسش تنتظرين الرجعة على نار
نظَرَت لها من المرآة لتُبْصِر ابْتسامتها الكاشِفة عن مَقْصَدها..بَلَّلت شَفَتيها و هي تُحَرّك عَيْنيها لوَجْهها الجامِد..و بصَوْت ابْتَلَعهُ الغُموض،:ايـــه مستعجلة..ابــي ارْتاح
,،
البَحْرين
جَسَدُها يَرْتَعِد..كأنَّما السَّماء أَرْسَلَت لها سَحَابة سَوْداء لتُعيد إزْهاق أُنُوثتها..تَرتَعِش و اللسان قد شُلَّ من فَزِعها..أَحْداث تلك الليلة بدأت تَحُوم حَوْلها،تُطارد رُوحها التي دَعَت لو يَنْقذها المَوْت من مُصيبة أُخْرى تُحيلها كائناً بكيانٍ مُدَمَّر..،أَدارَ وَجْهها لهُ بالكامل و الصَّدْمة قد اكْتَسَحت وَجْهه..ليس قادِراً على اسْتيعاب وُجودها..هي بين ذراعيه تَكاد أن تَقْتُلها سِهام الخَوف..و هي التي أَتَت لطَعْن ظَهْره..هَمَسَ و حاجباه عَلَّاهما عَدَم التَّصْديق،:ليـــش !
أَغْمَضَت عَيْنيها بإعْياء عندما صَفَعها هَمْسهُ الجَليدي..ارْتَعَشَت شَفاهها و الدَّمع منها قَد اسْتوى نيران أَشْعَلت وَجْنَتيها..هَمَست و هي تُشيح وَجْهها عنه و بوَهْن تُحاول أن تَتَحَرَّر من ذراعيه،:لا تلمسـ ـنـ ـي
اسْتَجَاب بَشَكِل عَكْسي لطَلَبِها شادّاً بذراعيه على خِصْرها ليَرْفَعها أكْثَر إليه..نَطَقَ و عَيْناه تَتَخَبَّطان على مَلامحه تَبْحَثان عن سَببٍ يَجْتَرعه عَقْله..سَببٌ تُبَرَّر به الجَريمة التي كانت تَنْوي خيانته بها..،:كنتِ تبين تذبحيني ؟ ليـــش ؟ "حَرّكَ رأسه بلا اسْتيعاب مُرْدِفاً" كنتِ مُشْفق عليش..و قلت بساعدش..هذا جزاي !
حَرَّكَت رأسه بالنّفي رافِضة حَديثه..هَمَسَت بغَصَّة عَقَدَت حَنْجَرَتها و لم تُحَل،:إنْت مثلهـ ـم..مُجْرم "ضَرَبَت صَدْره بقَبْضَتها الضَّعِيفة مُرْدِفة" اتركنـ ـي
أَطْبَقَ شَفَتَيه لثَوانٍ مع انْحراف عَيْنيه لمَواضِع يَعْلمُ جَيّداً مَدَى تَأثيرها على الأُنْثى..كيف و إن كانت أُنوثتها مُشَيَّعة حَديثاً ! هي انْتَبَهَت لنظراته التي طالتها بجُرْأة صَعَقَت قَلْبها..نَبَضاتها اَصابها مَسٌّ أَجَنَّها.. و أَنْفاسُها اسْتَوَت صَياخيد تَفُر من صَدْرها بَعْد أن تَضْرم نيراناً لها رائحة نَتِنة..تُنْذِرها باحْتراق الرُّوح ثانيةً..ظَلَّت تُوَجّه لهُ ضَرَباتها المَسْلوبة القُوى دُون أن تُحَرّك منهُ شَعَرة..كان صَلْداً كما جَبَل يَحْجِب عنها طَريقُ النَّجاة..،لا يَدْري كيف مالت شَفَتاه لتُرْسِمان ابْتسامة شَيطانية تُهَدّد بجُرْمٍ قَريب..ارْتَفَع حاجبه و هو يَهْمس بكلمات مَرَق مَعْناها صَدْرها حتى خُيّلَ لها أنَّ قَلْبها انْشَطَر نِصْفان،:ايـــه أنا مثلهم..و لأني مثلهم ما بتركش تروحين بدون مُقابل
تَجَمَّدَ الدَّمُ في عُروقِها حتى تَصَلَّبَت أَطْرافها..لم تَعُد تَشْعُر بشيء..تُحاول أن تُحَرّك قَدَميها..يَديها و رأسها..لكنَّها فَقَدت السَّيْطَرة على جَسَدها..حتَّى أنَّ أُذنها صُمَّت و لم تَسْتَمِع لأصْوات السَّيارات التي تَوَقَّفَت أمام المَرْأب..،هُو كان مُنْتَبِهاً لكُل حَرَكة و صَوْت من حَوْله..كما أَنَّهُ كان مُنْتَبِهاً لاضْمِحْلال القوَّة من جَسَدها الذي بات هُلامياً بين ذارعيه..يَسْتَطيع التَّحَكُّم بهِ كيف يَشاء..يَدَهُ اقْتَرَبت من عُنُقِها..حاولَت هي أن تُحَرّكه لتَنْجو منه لكنَّها لم تَقْدِر..و كأنَّ الشَلَل نالَ من وُجودها..شَهْقَة حادَّة و مُتَهَدّجة اخْتَرقَت حَلْقها عندما اسْتَشْعَرَت لَمْسة كَفّه لعُنقها..قَشْعَريرة باغَتَتها اسْتَلَّت معها فُتات رُوحها..يَدُها القابِضة على صَدْره ارْتَخَت باسْتِسْلام،و أَهْدابها قَد أُسْبِلت لتُنْقِذان عَيْنيها من إبْصار أَعْلامُ الفَجيعة المُرَفْرِفة..أَنْفاسها ذَوَت و خَبَأت نيرانها..ثَوانٍ و مالَ جَسَدها ليَصْطَدِم بصَدْره..و بسُرْعة حَمَلَها بين ذراعيه و هو يُراقب الخُطوات التي بَدأت تَقْتَرب من المَرْأب..كانت نصف دَقيقة تِلك التي فَصَلَت بينه و بين الفَضَيحة..قَبْلَ أن يَدْلف معها إلى الباب القَريب..حيث من خَلْفه يَقْبَع السُلّم الذي يُقودُ إلى شِقّته..،
,،
لم يُوْقظها مثل الأَمْس..هل هُو تَجاهُل ؟ لا تَعْتَقِد أنَّهُ يَتَجاهلها..رُبما فَضَّلَ أن يَتْركها بين وسادتها و غطاءها ساكِنة..حتَّى لا تُزْعِج صَباحه..نعم هي مُزْعِجة و مُشَوّهة للصَّباحات..تُعَكّر صَفاءَها بأَفْعالها التي أَطْلَقَ عليها بَسَّام بالطفولية..هل هي طِفْلة فعلاً ؟ أو بالأحرى أَفْعالها...أم أنَّ دَلالها و دلعها المُبالغ فيه على حَدّ قَوْل قريباتها يُلْصِق بها هذه التُهْمة..الطُّفولية ! زَفَرَت بضَجَر من هَواجسها التي اتَّخَذَت من نَفْسَها ثُكْنة لتُحارب ضَميرها المُسْتَيْقِظ حَديثاً..كانت جالِسة وَسَط سَريرها و الضَّياع يَلْتَبسها..كانت بالفعل ضائِعة،لا تعرف أيُّ الطُّرق تَلْجأ لتَصِل إلى جَنَّة تَلْتَحِف بها رُوحها و تَعْقِد من اَزْهارها إكْليلاً من حُب لتُزَيّن بهِ يَداه شَعْرها..نَعَم يَداه..يَدا بَسَّام..أَلْقَت ظَهْرها بقوَّة على السَّرير مع الإفْراج عن زَفْرة أُخْرى تَصَدَّعَت منها جُدْران الغُرْفة المُسْتَرِقة النَّظَر..،انْقَلَبَت على بَطْنها و قِطار أَفْكارها لا زال يَمْضي فَوْقَ سِكَّة مُتَخَلْخِلة الإتّزان،اسْتَقَرَّت بيدها على خَدّها..و اليَدُ الأُخْرى الْتَقَطَت أَصابعها خصلة من شَعْرها تُفْرِغ بالعَبَثَ بها بَعْضاً من تَوَتّرها..حَديثه الهادئ لا زال يَسْري فيها مَسْرى نَهْرٍ بارد..بُرودة لَذيذة تُشيع في الرُّوح سُكوناً عَذْب..،
،
وافَقَها و رافقها للخارج بصَمْت امْتَدَّ لدقائق طَويلة كانت كما قَبْضة خانِقة تُحيط بعُنُقِها..كانت طَوال طَريقهما للمَنْزل غافِلة عنه و عن الدُّنيا..غارِقة في مُحيطها المُعْتِم،الجاذبها إلى قاعٍ مُبْهَم لا تَعْلَم خَباياه..تائِهة هي..تُسْبِر أَغْوار ذاتها بأناملها التي لا زالت تَرْجُف..تُنَبّش عن صَوْت يُوَجّهها للطَّريق الصَّحيح..فهي لوَهْلة شَعَرت بأنَّها مُخْطِئة..و أنَّ الحَرْب التي شَنَّتها لا غنائم فيها..فراياتها السَّوْداء تُنْذِر بكآبة تَبْتَلِع كَيانها..،انْتَبَهت لتَوَقُّف السَّيارة..فَتَحت الباب لتنزل لكنَّها توقفت بعد لحظات مُنْتَبِهة للذي أمامها..كان مَرْكَز تَسَوُّق صَغير..عَقَّدَت حاجبيها و هي تَسْتَدير لجهة بَسَّام و السُّؤال في عَيْنيها..أَرْفَع التَّعَجُّب حاجبيها و هي تَراهُ يَتْرُك المَرْكبة دون أن يُوقف مُحَرّكها..أَغْلَقَت الباب دُون أن تَلْحَق به..فهو لو أَراد نُزولها لأَمَرها..،دَقيقتان و عاد و في يَدَهُ كيس..دَخَل و هو يَنْطق بابْتسامة لم تَرَها و لكنَّها اسْتَشْعَرتها في صَوْته،:آسْفيــن يا الدّلوعة "بانت ثَغْرة صَغيرة بين شَفَتيها عندما لاحت لها عُلْبة الشُوكولاتة التي وضَعها في حُضْنها و هو يُرْدِف" هالدرزن حقش..و لا تخافين ما باخذ شي من غير إذْنش
أَنْهى كلماته المازِحة ثُمَّ حَرَّكَ المَرْكبة بهدوء يُناقِض الغَوْغاء التي احْتَدَمت في جَوْفها..غيــــر مَعْقول ! أَتَحْلُم هي ؟ و كأنَّ شَيئاً لم يَكُن ! دقائق فقط التي مَضَت مُنذُ أن تَوَتَّر الوضْعُ بينهما..كيف لهُ أن يَتَصَرَّف بهذه الأرْيَحية التَّامَّة ؟ أَدارت وَجْهها لتَنْظُر إليه و ملامحها قد اعْتَراها اسْتنكارٌ يَكادُ أن يَنْبَجِس من عَيْنيها..لِمَ هو هَكَذا دائماً ؟ لم تُقابل رَجُلاً يَسْتَطيع أن يتَحَكَّم بردَّات فعله مثله..غَريــبٌ هُو و نادر..مما يَجْعَلهُ مُمَيَّزاً عن أَبْناء جِنْسه..و هذا التَّمْييز بطريقةٍ ما يُزْعجها..و يُنْبِت وَسَط قَلْبها شُعور غَير مُريح يُضايقها..هَمَسَت دون أن تُزيح بَصَرها عنه،:اسْتغرب برودك !
انْتَبَهت لطَرف ابْتسامته التي أَعْقَبها بكلمات فَرَّت من بين وَجْسٍ رَقيق،:أعطيش فُرْصة للإخْتلاء بنفسش "الْتَفَت لها للحظات ثُمَّ عاد للطَّريق و هو يُرْدِف" يمكن تحسّين إنش ارْتكبتين غلط و تجين تعتذرين
أَباحَت لهُ بغُرورٍ لا يَنْسَلخ عنها و لو الْتَقَت الاَرْضُ بالسَّماء،:حتى لو حسّيت إنّي غلطانة مُستحيل اجي أعتذر
تَوَقَّفَ أمام الإشارة الضَّوْئية ثُمَّ اسْتَدار ناطِقاً ليُعَرّفها على الواقع،:و تظنين إنَّ هذي حياة يا حَنين ؟ إنتِ تشدين و أنا أشد و كأننا عايشين في حَرب..ما كأنَّ أجْمل و أنقى و أَقْدس علاقة تجمعنا..ليش ما تبينا نعيش بسلام ؟
اتَّسَعَت عَيْناها لتَقُول باسْتنكار،:و إنت ليش قاعد تحاجيني و كأنّي السبب في المشاكل !
حَرَّكَ السَّيارة ليُجيب بسؤال،:أول شي قولي لي..ليش تعمّدتين تفصلين ثوب النّوم و تلبسينه بهالشكل المُنْفِر ؟ "صَحَّح لنفسه و هو يَرْنو لها بطَرف عَينه" أو بشكل جَريء مثل ما تعتقدين
الْتَفَت لها و هي تُشيح وَجْهها عنه بهُروب..أَكْمَلَ هُو،:زيـن أنا بجاوب عنش "مالَ يَميناً و هو يَسْتأنف حَديثه" إنتِ كنتِ تبين تردّين على الكلام اللي قلته..و ظنيتين إنَّ هذي أَفضل طريقة عشان تبينين لي إنّي غلطان..أو بمعنى آخر تثبتين لي إنّي أفَكّر فيش مثل ما تفكرين فيني "و بصراحة أَرْدَف" إشْباع رغبات جنسية لا أكثر..صح؟
ضَغَطَت على شَفَتيها بقوَّة و هي تُغْمِض عَيْنيها لتَحْجِب عنها الحَقيقة..إلهى كم هُو خَبيث..كما ساحر يَسْتَطيع أن يَقْرأ أَفْكارها..أَكْمَل بهُدوء،:حطّي في بالش إنّش لو تجين لي عارية ما لمستش..ماني حَيوان يا حَنين
حَبَسَت أَنْفاسها من كلماته التي يُطْلقها دون مُراعاة لحَرَجها الذي أَحْرَقها حتى شَعَرَت بلَسَعات تُهاجم جِلْدَها الرَّقيق..اسْتَدَارت لهُ بوَجْه احْتقَن من الغضَبِ و الحَرَج لتَقول،:و لا أنا سَطحية و تفكيري بس في هالأمور..ما كان له داعي ترمي علي هالكلام
رَفَعَ كَتفه يُبَرّأ نَفْسه،:إنْتِ اللي حَدّيتيني اقول هالكلام..تطبيقش لواجبات الزّوجة تتم بأحسن صورة عند هالموضوع..أمَّا شيء ثاني تنسين إنّش زوجتي !
عَقَّبَت مُعارضة و العُقْدة تَحْتَكر ما بين حاجبيها،:شسويت لك عشان تتهمني بالتقصير ؟ ما أعتقد إنّي قَلّلت من احترامك أو أزعجتك..إنت اللي انقلبت عَلي فَجأة
شَبَحُ ابْتسامة رَسَمَها الأَسَى على شَفَتيه ليَهْمُس بعَيْنان تُطالعان الذّكْرى المَشْروخة،:يكفي إنّش شَوَّهتين أَحْلى ليلة في عُمري عشان رَجَّال إلى الآن متعلقة بطيفه
اسْتَدَارت إليه بكامل جَسَدها و هي تَرْفَع إصْبعها لتَقول بتَحذير،:بَسَّام لا تفتح هالموضوع لأنَّه شي و انتهى..و غير هذا إنت ما لك دخل فيه
هَزَّ رأسه بتَفَهُّم،:ادري إنّي مالي دخل..و أساساً ما ابي اتدخل..بس إنتِ اللي أَقْحمتيني فيه..بدايةً بليلة العرس و بعدها نفورش مني و برودش الغَريب..و نهايةً بالرَّسايل
ارْتَفَع صَوْتها و القَهَرُ يتراشق من عَيْنيها،:قلـــت لك الرَّسايل مو من عند راشد
نَظَرَ لها للحظات مُتسائلاً،:إذا مو من عنده من عند من ؟
نَفَرَ عِرْق في صِدْغها من صُراخها الذي فَقَدت السَّيْطرة عليه،:مــادري ماااادري،بسَّام أرجـــوك لا تنرفزني..قلت ما لك دَخــ ـل
عَقَدَ حاجبيه باسْتنكار من البُكاء الذي ارْتَفَع منها فَجْأة..كانت قَد أَخْفَت وَجْهها بيَديها سامِحة لعَيْنيها من ضَخّ دُموع التَيْه المَتُراكمة في صَدْرها..غَصَّات مُتَضَخّمة من اللَّوْعات تَنْحَشِر بين أَضْلاعها،تُهاجمها إذا ما نالَ منها الضَّياع..لأَعْوام ارْتَبَط اسْمها باسم راشد الذي لم تَكُن تَسْتَسيغ طِباعه..لكنَّها اجْتَرَعت فِكْرة ارْتباطهما لسَبب رُبَّما يَراه البَعْض تافهاً..لكنَّهُ كان كما تِرْياق يُعيد لثقَتها الشَّباب..فهي و في أَعْماق ذاتها تَعْتَرِف بأنَّ ثقتها في نَفْسها هَشَّة..و السَّبب مَيْلُ الآخرين عنها..و الدَّليل نُدْرة صديقاتها اللاتي اقْتصَرْنَ على حُور فقط.إضافة لفتيات عائلتها ! و فِكْرة أنَّ رَجُلٌ يهيم بها كانت مُحَبَّذة و جداً لها..حتى و لو كان الرَّجُل هو راشد نفسه..تَعَلَّقَت بالفكرة أكْثَر من تَعَلّقها به..ثُمَّ أتت الرَّسائل المُفْتَقِرة إلى اسم صاحبها..و بسذاجة نَسَبتها إليه لتُكْمِل أحْلامها المُتَلَوّنة بوردية وَهْمية..لم تَكن إلا رمادية مَخْفية..،تَدَاخل هَمْسُه مع شَهَقاتها،:اخذي
شَعَرَت بالمنديل الذي لامس ظاهر يَدها..حَرَّكتها بخفَّة و تناولته و هي تُخْفِض رأسها بإشاحة حتَّى لا يُبْصِر البَحْر المُمْتَد خَرائط فَوْقَ وَجْنَتيها..وَصَلها هَمْسهُ ذو النَّبْرة الغَريبة و هي تَمْسَح فَيْضَها،:غَريـب إنَّ واحد يحبش كل هالحُب و إنت مو عارفته..معقولة ما انتبهتين له !
بَلّلَت شَفَتيها و هي تَرْفَع رأسها لتُبْصِر المنزل من خلف زُجاج السَّيارة..واصَل هُو بكلمات ظَلَّت نهايتها تَرن وَسَط مَسْمعيها،:حَنين راجعي نفسش و تصرفاتش..أرجوش خلينا نعيش براحة..مابي اندم إنّي اخترتش زوجة لي..نَدم السنين يوجع..يوجع يا حَنين
،
نَدَمُ السَّنين ! مُنذُ البارحة و هي تُقَلّب جُمْلته في عَقْلها دون جَدْوى..لا تَدري ماذا كان يَقْصُد بكلماته تلك..أو ما هو الشَّيء الذي أَراد أن يُوْصلهُ إليها..مالَ رأسها بإرْهاق من الدَّوامة التي انْحَشَرت فيها لساعات و لم تَظْفر بشيء..،الْتَفَت لرَنين هاتفها القَريب،جَنَحَ جَسدها بخفَّة يَميناً تَنظر لشاشته..كان بَسَّام..تناولتهً لتُجيب بسُرْعة،:ألــو
أتاها صَوْته الهادئ،:سلام حَنين
دَعَكَت خَدَّها بإصْبعها،:عليكم السَّلام
،:حَنين انا مابرجع للغدا..بتأخَّر في الشغل فبتغدا هناك
صَمَتت للحظات ثُمَّ و بنَبْرة طَبيعية عَقَّبَت،:اوكـي على راحتك
و هو يُنْهي المُكالمة،:مع السَّلامة
بهمس،:الله يسلمك
أَلْقَت الهاتف و معه أَلْقَت نَفْسها بخَيْبة أَمل..هي تنتظرهُ منذ الصَّباح لتُحادثه و الآن يُخْبرها بتأَخّر عَوْدته..أَطْلَقَت زَفْرة جَديدة و هي تَسْتَوْعب الحَقيقة المُرَّة..هذا يعني أنَّها ستُسْجَن مع أَفْكارها لساعات إضافية مُميتة..،
,،
،:بعد هذي يُمَّه
رَفَع يَده إلى فَمه حاجِزاً بينه و بين الملعقة القَريبة و هو يَقُول ببحَّة،:يُمَّه خلاص شَبَعت
مُحاولةً اسْتعطافه،:آخر لُقْمة حبيبي..عشان خاطري
أَخْفَضَ يَده و باسْتسلام فَتَحَ فَمَه مُلَبّياً طَلَبها..اجْتَرَعَ الطَّعام و هو يَسْتَمِع لكلماتها الحَنونة،:بعد عُمري هني و عافية
ابْتَسَم لها بخفَّة لتَلوح لعَيْنيها المُتَفَحّصة خُطوط التَّعَب المُضَّجِعة حَوْلَ عَيْنيه،:الله يعافيش
رَفَعت يَدها لخَدّه تَمْسَح بمَلَقٍ رَقيق،و في صَفْحة مُقْلَتيها وُلِدَت دَمْعة تَحْكي عن أُمومتها القَلِقة،:يا بعد عُمري بغيت أموت من خوفي عليك..الحمد لله إنَّ ربي رجَعك لي سالم
أَمْسَكَ بيدها ضاغِطاً بوَهْن،:الله يطول في عمرش يُمَّه
عَقَّبَت بأُمْنية حَلَّقَت حَماماً زاجِلاً إلى السَّماء،:يارب عشان اشوف عيالكم
حَرَّكَ عَدَستيه لحُور الجالسة على الأريكة..كانت مُبْتَسِمة بصَمْت ابْتسامة شاحِبة اصْطَدَمَت صَخْراً بَقَلْبه..هُو سَبب تعاستها و غياب الفَرَح عنها..لكنَّها تَرْفض الحَقيقة..ترفض بعناد و تَصر على قرارها للمواصلة معه..مع جُنون ذاته..،عاد ببصره لوالدته التي وَقَفَت و هي تَقول،:بروح أودي ذلين المطبخ و بسوي لك عصير برتقال
اعْتَرض،:لا يُمَّه ما يحتاج تتعبين نفسش
،:بلى حبيبي يحتاج..عشان تتقوى منه
تَحَرَّكَت تاركة الغُرْفة ليَنْفَرد مع زَوْجته الصَّامتة بطريقة غَريبة لم يَغْفَل عنها..ناداها بهدوء،:حُـــور
لم تَكُن سارحة..لذا اسْتَجابت لهُ فَوْراً،:آمر
،:ما يآمر عليش عدو "و باطمئنان" فيش شي ؟
وَقَفَت لتَخْطو ناحيته تَحْتَ نَظَراته المُوَجّهة مِجْهَر تَدقيقها لمَلامحها..جَلست على السَّرير أمامه..بَلَّلَت شَفَتيها..أَرْجَعت خصلاتها خلف أُذْنها ثُمَّ رَفَعت عَيْنيها لتَقول،:ابي اطلب منّك طَلَب..يصير ؟
تَحَرَّكَت يَده قاصِدة يَدها المَقْبوضة في حضنها..عانَقَها شادَّاً بود و هو يُعَقّب،:آمري حُور..قولي شتبين ؟
نَطَقَت بكلمات خاوية من تفسير،:ابيك تقطع الدَّوا
,،
كان قَد انْزَوى عنهم ليُحادثه بلا إزْعاج يُشَتّت حَديثهما..يَجْلُس على إحْدى أرائك مَنْزل والده،مُتَّكِئاً بمرفقه على فَخْذه و مُنْحَنى بظهره قَليلاً ليَضَع الهاتف على أُذنه..تَسَاءَل بنفاذ صَبْر،:اللحين يعني شتبيني اسوي ؟
ببرود أجابه،:قلت لك اعتذر منها..بأي لغة يعني تبيني اقولها عشان تفهم ؟
عَقَّبَ بهدوء وهو يَنْظُر لخُطوط كَفّه،:ماله داعي أعْتذر
باسْتنكار قال،:كل اللي سويته و تقول ما له داعي تعتذر ؟
رَفع ظَهْره مُتراجعاً للخَلْف بالتوالي مع تَراجُع ذراعه يُتَرْجِم بَراءته من اتّهاماته،:ياخي و انا شسويت ! حسستني إنّي ذابحها لو منتهك حق من حقوقها بكل استبداد و قسوة..كلها كلمتين قلتها لها و مشيت
بسُخْرية نَطَق،:و هالكلمتين اللي قلتهم كانوا شويه يعني ! "أَرْدَفَ بحدَّة تُوَعّيه" عَزيز إنت كأنّك صَدمتها بخبر موت زوجها من جديد..صدمتها من غير مُراعاة لمشاعرها
ضَرَبَ على فَخْذه و هو يَلْتَفِت يَميناً مُعَلّقاً بضَجَر،:و بعدين ويا هالمشاعر اللي ما تخلّص..ترى مللتني و إنت تعيد و تزيد فيها "و بسُخْرية شَبَّعَت مَلامحه" إلى هالدرجة الإخت رَقيقة و حَسَّاسة ؟
أَجابه بمنطقية،:غَيداء حالها حال أي أنثى رقيقة و حسَّاسة
عُقْدة خَفيفة اسْتَقَرَّت بين حاجبيها ليَسْتَفْسر باسْتغراب،:من غيداء ذي !
صَمَت للحظات مَبْهوتاً من هذا الرَّجُل الغَريب قَبْل أن يُعَلّق بعدم اسْتيعاب،:عزيز إنت حتى اسمها ما تعرفه ! و بكل قساوة قلب رايح تزف لها الخَبَر الرَّااائع "أَرْدَفَ يَلومه" يعني شبيصير فيك إذا انتظرت لين الوقت المُناسب ؟
اسْتَقَرَّت يَده على خِصْره ليُطْلق سُؤالاً مُكَلَّلاً بالإسْتهزاء،:و متى ان شاء الله بيجي الوقت المُناسب ؟ ولا لازم ننتظر لين حضرة جناب مشاعرها و أحاسيسها تعطينا الإذن "تَمْتَم باسْتصغار ساخر" والله هالبنات مسخرة
عَلَّقَ،:هذا و إنت عندك بنتين الله يخليهم و تقول جذي !
ارْتَفَع حاجبه ليُوَضّح لهُ بثقة،:بناتي تربيتهم تختلف عن هالبنات التافهين
شَخَر ساخِراً،:ايــه المساكين الله يعينهم مبتليين فيك و في تدريباتك
وَقَفَ كأنَّما يُنْهي النّقاش،:رائد ما تبي تفكني و تروح ؟
،:رايح رايح مو عشان إنّك تبيني اروح..بس مشغول مو فاضي لك
أَغْلَق الهاتف بملامح مُتَغَضّنة..ذاك الرَّائد أّغاظه بطلبه..لماذا يَعْتَذر منها ! لم يُخْطئ هُو..بل يَجب عليها ه أن تأتي إليه و تَشْكُره..لولاه لتَراكمت السُّنون و الأَيَّام على جَريمة زَوْجها و القاتل يَمْرح بين أَرْضٍ و سَماء من غير أن يُلاقي جَزاءَه..،لا يدري لماذا تَمَّ تضخيم الموقف لهذه الدَّرجة..و غَيْداء تلك..بالمُناسبة ما معنى اسم غَيْداء ؟ دَعَكَ لِحْيته بأصابعه و هو يُفَكّر بجِدِيَّة في مَعْنى الإسم..و ليُضَعّف غَرابة مَوْقفه اسْتَعان بهاتفه باحِثاً عن المَعْنى..ثوانٍ و مالت شَفَتاه بسُخْرية من الذي اجْتَرَعَهُ بَصَره..الإسْم تنبجس منهُ معاني الأُنوثة و الرَّشاقة و النعومة و الجَمال ! هَمَسَ و بين عَيْنيه مَرَّ طَيْفُها سَحابةً تُباغت خُلْوته،:خَلقاً و خُلُقاً و اسماً بعد ! "و باسْتنكار يُناقض الواقع" هذي شلون تَحَمَّلها عَمَّار الله يرحمه ! إلا هام فيها بكل مافيه ! "تَمْتَم و هو يُحَرّك رأسه بأسَى" والله قلوب هالرجال بعد مسخرة
،:بــابا
اسْتَدَار للصَّوْت القادم عن يَمينه..كانت فَرَح و الواضح أنَّها نادتهُ أَكْثَر من مَرَّة..أَلانت ملامحه ابْتسامة حَنونة ليَقول و هو يَقْتَرب منها،:آمري حبيبتي ؟
مالَ رأسها و هي تَبْتَسم بنُعومة مُجيبةً،:الغدا من زمان جاهز..قاعدين ننتظرك
وَضَّحَ و هو يُحيط كَتفها بذراعه بعد أن وَقَفَ بجانبها،:هذا رائد يهذر..ما تخلص هذرته
رافقها لحيث ينتظرهُ الجَميع..ما إن اقْتَرَب من مكان جُلوسهم حتى نَطَقَت والدته تُوَبّخه،:يعني تنتظر الأكل يبرد عشان تجي ؟
جَلَسَ على يَمينها و من أمامه امْتَدَّت سُفْرة الطَّعام فَوْقَ الأرْض كما تحب هي و والده..عَقَّبَ بضحكة،:مو قصدي يُمَّه..آسف أخَّرتكم
اسْتَفْسَرت و هي تَرْنو لهُ بطَرَف عَيْنها،:شعندك غاط هناك ؟
باغتتهُ ابْتسامة و هو يَتَذَكَّر ما فعلهُ قَبْلَ ثوانٍ..يبحث عن معنى اسم غَيْداء !..أجابها بهدوء و هو يَغْرف له في الطَّبَق،:كنت أكلّم رائد "مَدَّ يده يُحادث شَقيقته" غَيْــداء عَطيــ
بسُرْعة قَطَعَ كلماته و أَسْنانه بعِقاب حَطَّت على لسانه تَلُومه على هذْيانه السَّاذج..أَغْمَضَ عَيْنيه بملامح انْكَمَشَت لسُؤال والدته المُسْتنكر،:عــزووز من غيداء هذي !
فَتَحَ عَيْنيه ببطء ليُبْصِر وَجْها جَميلة و فَرَح المُمتزج فيهما الإسْتغراب بالضّحكة..نظَرَ لوالدته و هو يُمَرّر لسانه على شَفَتيه..واصَلَت هي تُحيك شَكوكها،:كنت تكلم رائد لو غَــيداء !
أرْفَعَ الإسْتنكار حاجباه و هو يَقول،:يُمَّــه ! شايفتني مُراهق عشان اكلّم بنات ؟ "أَرْدَفَ مُوَضّحا" هذي أرْملة عَمَّار..كنت اكلم رائد في موضوع يخصها و يخص عَمَّار لا أكثر
صَمَتت لثوانٍ تُعيد تِكْرار حَديثه في جَوْفِها،و ذِكْرى زواج عَمَّار تَلوح لها من بَعيد..كما جِنان يانعة تُناديها وَسَط صَحْراء قاحِلة..ابْتَسَم وَجْهها الذي ذَرَّف على السَّبعون و هي تُتَمْتم بخَبَث و عَيْناها تَنْعقدان بعيْني جَميلة،:قلت لي أَرْملة عَمَّار..زيــــن..واجــد زيــن
تَساءَلَ بعدم فهم،:شنو اللي زين ؟
أَبْدَلَت ملامحها بحدّة مازِحة لتَقول آمرة،:ما لك دخل..كِل أكلك و إنت ساكت
,،
بعد أن أنْهى مُكالمته مع عَزيز تَرَكَ غُرْفة النَّوم قاصِداً غُرْفة الجُلوس التي لا تزال مُلْتَحِفة برداء صَباحي مُتَسَرْبِل بالسُّكون..على الرَّغم من أنَّ السَّاعة قد تَجاوزت الثَّانية مَساءً..اتَّجَه للسَّتائر ليُشَرّعها مُتيحاً المَجال للشَّمْس لتَتفاخر بأبَّهة ضَوْءها..هُو فَتَح المَصابيح أَيْضاً و كأنَّهُ يُعين الشَّمْس على مُضاعفة غُرورها..فضوء المصابيح الباهت لم يُجابه عَظَمتها..،بَقي لدقائق جالساً أمام التّلفاز يُقَلّب القَنوات بملل،قَبْل أن يَصله صَوْت مفاتيح اَعْقبها فتح الباب و طَلَّتها الجَميلة..ابْتَسَم بحُب لها و هي تَقْتَرب منه حتى اسْتكانت على الأريكة بجانبه بنصف اسْتلقاء..تَأمّل جانب وَجْهها بدقَّة..يَبْدو أنَّها مُرْهقة..إرْهاق نَفسي أكثر من أن يَكون جَسَدي..اتَّسَعت ابْتسامته عندما اسْتدارت إليه ليَتَّضح لهُ وَجْهها القَمَري..كان عارياً من مَساحيق تَجْميل لا يُحَبّذها..هَكذا يَشْعُر بالإرْتياح أَكْثَر و هو يَطوف مَدائنها النَّاعمة..رَمَشَت بوَهْن مع بُزوغ ابْتسامة تَعَب على شَفَتيها..و بخُفوت،:شلونك ؟
أَجاب بهدوء،:الحمد لله "حَرَّكَ يده لوَجْهها ليُمَرّر ظاهرها على خَدّها القَريب و هو يُرْدِف بنَغْمة حَنان انْتَشَت منها رُوحها المُضْمَحِلَّة الشُّعور" الواضح إنش تعبــااانة
هَمْهَمت مع اسْترخاء جانب رأسها على الأريكة..بخفَّة مَرَّر إبْهامه أَسْفل عَيْنها اليُسْرى مُطَبْطِباً على جِرْح غائِر في قَلْبها ها هو يَراه يَطْفو وَسَط مُقْلَتيها..و كأنَّهُ يُريد أن يُصَيَّر دَمْعة تَبوح بوَجَعه..هَمَسَ يُشَجّعها،:تكلمي فاتن..قولي اللي في قلبش
تَخَبَّطَت عَدَسَتاها على أَذْرع الإحْتواء المَشَرَّعة لها من بين عَيْنيه و ملامحه..بوَجْسٍ حائِر،:مــادري..بـــس "أَغْمَضَت للحظات و هي تُرَطّب شَفَتيها بلسانها لتُرْدِف و عَيْناها تَفُرَّان إلى عَيْنيه" ذكريات حملي و ولادتي و السنتين اللي ظلَّت فيهم بنتي عندي مسيطرة على عقلي..حتى في أحلامي اشوفها "انْحَرَفَت عَدَسَتَها لزاوية عَيْنها كأنَّما تُنَبّش خَلْف سُطور الحَياة الغامِضة" ساعات يجيني إحْساس قَوي إنها موجودة للحين..و نَفَسها بعده يعَطّر الدنيا.. وساعـ ـات "ابْتَلَعَت شَظايا غَصَّتها لتُكْمِل بتهَدّج..و ساعات أفقد الأمل و أقول إنّه نَهَب حياتهـ ـا مثل ما نهب حياة غيرها "مَسَّت صِدْغها و هي تَرْفَع جَسَدها و التَّيْه مُتعَلّقاً بمَشْذَب أهْدابها.. و بصَوْت ابْتَلَعهُ الإخْتناق" يمكن لو دورتها بعرف شنو وضعها و برتاح..بس خوفـ ـي انْصدم بموتها و بعــ
قاَطَعتها إبْهامها المُرَفْرِفة فَوْقَ شَفَتيها..اقْتَرَب منها أَكْثَر ليَهْمس برِقَّة حانية،:حبيبتي خلاص..لا تتعبين قلبش بهالأفكار..اتّكلي على الله..في كلا الحالتي هي محفوطة عنده "أَرْدَفَ بمُشاكسة" أعْتقد تحتاجين مَســاج يرخي عضلاتش و ينقذش من أَفْكارش المُتعبة "ضَرَب على صَدْره بخفَّة و هو يُكْمل بثقة" و أكيــد أنا في الخدمة
مالَ رأسها بخفَّة و هي تَبْتَسِم بنعومة،:اخاف تكَسّرني بدفاشتك
و هو يُمْسِك ذراعها بيديه،:افــا عليش خبرة أنا لا تحاتين
ضَحَكَت من بين غَوْغاء الدَّموع الغازية مُقْلَتيها..هُو بَدأ يَضغط بخفَّة على ذراعها صُعوداً و نزولاً حتى أصابعها..مُمارساً عَمله على كِلتا ذراعيها لمُدَّة دقائق بَسيطة..كانت لَمَساته شافِية فِعْلاً..ليس بمهارتها بل بصِدْق إحْساسها..شَعَرت بأنَّ خُطوط كَفَّيه تَنْساب على رُوحها أَغْدرة تُضيء عُتْمَة ذاتها و تُرَشّح روحها المَعْلولة..كعادته مُذ الْتَقَت به..لطَيفاً و الحَنانُ يُشارك دَمه العُبور إلى أَرْض جَواه الطَّاهر..،انْتَبهَت من غَفْلتها لشَد يَديه على يَديها..نَظَرت لهُ مُبْصِرة ابْتسامته الهادئة..رَفَعهما لفَمَه مُوْدِعاً قَبْلة سَرَت رَبيعاً بين ثَنايا يُمْناها..و قُبْلة أَذابت بدِفئها جَليد يُسْراها..مالَ رأسها و مالت معهُ خصلاتها المَرْفوعة كما ذَيْل حصان أَضفى لها سِحْر طُفولي شَهي..هَمَست لهُ بشُكْر صادق،:مَشْكوور رائد
أَصْدَرَ صَوْت رافض من بين شَفَتيه قَبْلَ أن يَنطق،:لاا هذي مشكور ما تنفع
قَوَسَّت شَفَتيها مُعَقّبة،:شنو تبي غيرها ؟
ضاقَت عَيْناه بمَكْر مع مَيْل شَفَتيه كاشِفاً عن ابْتسامة ذات مَعْنى اسْتَوعَبته..نَطَقَت تُحَذّره و هي تَرى كيف بَدأ يَقْترب أَكْثر،:لا رائد..لا تنسى كلامي لك
هَزَّ رأسه بالرَّفض،:لا يا عُمري..كلامش ذاك انسيه
شَهَقَت بمُفاجأة عندما دَفَعها بخفَّة حتى اجْتَذَبتها الأريكة..جاءت لتَرْفَع نَفْسها لكن جَسَده الذي حاصرها مَنعها من النّهوض..قالت تُحاول أن تُقْنعه،:رائد ما يصير..هالعلاقة ما يصيــ
نَهَب حُروفها و نَهَبَ نَبْضَها..سَرَت قَشْعَريرة لَذيــذة عَبْر أَوْصالها..مَضت فَترة مُذْ قَبَّلَها آخر مرَّة..هي لا زالت رافِضة لهذا القُرْب و الإتّصال الحَميمي..لكن رِقَّة شَفَتيه..لمْسة يَديه لوجْنَتيها و أَنْفاسه المُعَطّرة أَنْفاسها مَنَعوها من كَسْر قَلْبه..لم تُبْعده و لم تَبْتَعد..بل هي بادلتهُ المَشاعر بلا حَواجز سامِحة لأناملها بأن تُداعب خصلات شعره القَصيرة..حَرَّرت رُوحها لتُحَلّق طَيْراً وَسَط سَماء قُرْبه..قُرْبه سِعة تَشْعُر بهِا تَحْتويها جَسَداً و رُوحاً..فهو يَتَّسع لها في كُل أحوالها،مهما كانت دَرَجَة سُوءها و مآسيها..،ابْتَعَد عَنها قَليلاً ليُبْصِر مَلامحها المُنْتَشِية من خَمْرٍ حَلال..فَتَحَت عَيْنيها بغِياب و هي تُمَرّر لسانها على شَفتيها..ضَحَكَت مُعَلّقة على ابْتسامته الواسعة،:مَسكيــن كسرت خاطري..كأنّك ياهل عاطينه حلاوة
سَحَبها من يدها بخفَّة لتَجْلُس و هو يَنْطق بلحْن اسْتغراب و البَسْمة لا زالت تَسْكن شَفتيه،:يــاهل!
صَمَتت للحظات تَنْظر للفراغ مُسْتَرْجعة كلماتها..ضَمَّت شَفَتيها مُسْتَنْشِقة بعُمق هواءً ارْتَعَشَ منهُ صَدْرها..كان مُحَمَّلاً بحقيقة تَضيق منها..هَمَست و هي تنظر إليه،:شكلي مشتاقة لأمي من غير ما احس "ابْتَسَمَت بشُحوب مُرْدِفة بتَوْضيح و هي ترى السُّؤال في عَيْنيه" أمي كانت هذي لهجتها
هَزَّ رأسه بتَفَهُّم و هي أَكْمَلت بعد أن وَقَفَت و يداها تُواسيان قَميصها عند خِصْرها،:بروح اجيب دفتري..كتبت جم شي بخصوص شغلنا ابيك تشوفه
ابْتَسَم لها،:تمام
ابْتَعَدت عن مَجال نَظَره لتَتَيح لهُ فُرْصة التَّفكير في والدتها..هي لا تذكرها كَثيراً..فعقلها مُقْتنع تماماً انَّها تَخَلَّت عنها في صِغرها..هذا ما أَفْصَحَت عنهُ بغَصَّة في بداية لقاءَهما..لوَهْلة باغَتَهُ خاطِرٌ ما..لماذا لا تَكون قد تُوِفّيت ؟ أو أنَّ سُلْطان تَخَلَّصَ منها مثلما فَعَل بغيرها !
،:شــوف رائد
تَناول منها الدَفْتر ليَطَّلع على ما كَتَبته.. وعُقْدة بانت بين حاجبيه و هو يَقول باسْتنكار،:هذي مشاريع بسيطة جداً..شلون بتواجهينه و هو صاحب أملاك ضخمة !
وَضَّحَت لهُ رؤيتها،:بالعكس رائد..لو بدأت بمشروع ضخم مُمكن أثير الشّكوك حولي و يبدأ يحاول يبحث من وراي..الأفضل يكون عندي بزنس بسيط على قدي..و أهم شي يكون موقعه قريب من شركته
تَساءَل و هو يُطالع ما خَطَّته أناملها،:زين أي مشروع تحسينه أفضل ؟
رَفَعت كَتفها مُجيبة،:احس محل الكيك و الحلويات أنسب لي..اعرف أخبز باحْتراف
أَرْفَعَ التَّعَجُّب حاجبيه،:والله ؟ ما كنت أدري..من وين تعرفين ؟
ابْتسامة حَنين لاحت على شَفَتيها،:أم أمل الله يرحمها عَلّمتني
تَمْتَم،:الله يرحمها "أَرْدَفَ بسؤال سَريع قَبْل أن تُهاجمها رياح الحُزْن" زين ما تخافين يربط بين ملامحش اللحين و ملامحش قبل
الْتَقَطت خصلة من شعرها و هي تُديرها حَوْل سَبَّابتها مُعَقّبة بثقة،:بسيطة..بسوي نيو لوك
،:هذا قصدش إنّش بتتخلصين من فاتن..بتتخلصين من ملامحها ؟
بَرَقَ مَكْرٌ حاذق وَسَط حَدَقتيها لتُجيبه بنَبْرة رَسَمت عدم فَهم بين طَيَّات ملامحه،:لا ما قصدت هالشي..اللي قصدته يتطلب خبرتك كمحقق
,،
أَمام كُتُبِها كانَ انْطوائها..لم تُغادر غُرْفَتها مُذ عادت من المِشْفى الليْلة الماضية..هي حتَّى لم تَسْتَطِع أن تُكْمِل ساعات عَمَلها..غادَرت و يَدُها تَشْتَعِل حَرارة من قُوَّة الصَّفْعة التي وَجَّهَتها إليه..بَكَت..نعم هي بَكَت و أَفْرَغَت عَباب دُموع حتى أَغْرَقَت وُسادتها..فهَو بحَقارة مَرَقَ قَلْبها بحَديثه..كيف يَجْرأ على مَسّ رُوح والدتها ؟ كيف يَسْتَطيع لسانه أن يَنْطق زوراً و بُهْتاناً في حَقّها ؟ تَرَدَّد صَوْت حاد داخلها..لمِ أنتِ مُسْتَغْربة مَرْوة ؟ فالبَطْنُ الذي حَمَله هو بَطْن بَلْقيس..تلك الشَّمْطاء الخَبيثة..أَحاكت خُطَّتها بحَذَر و دِقَّة حتَّى أنَّهم لم يَنْتَبهوا لخِداعها..عَصَفَت بنُور و طَلال دُون أن تَتَرك لها أَثَراً..لتَبْقى والدتها التي وُجّهت لها أَصابع الإتّهام ظُلْماً..هي لا تُشْفِق على نُور أَبَداً على الرَّغْم من أَنَّها كانت ضَحِيَّة..لكنَّها حَقَدَت عليها لفِكْرة أنَّها تَزَوَّجَت رَجُلاً و في قَلْبها حُب رَجُلٍ آخر..لكن طَلال..مُجْبَرة هي على الإشْفاق عليه بل العَطْف عليه..فوالدتها أَحَبَّته..ذاتها المُرْهَفة حَنَّت على يُتْمه و طُفولته المَنْبوذة..لذا لم تَحْقِد عليه..،أمَّا ذاك..عبدالله..سَيَكون ضَحِيَّتها..هُو البؤرة التي سَتَسْتَقْبل انْتقامها..هي تَأَخَّرت في شَن حَرْبها..لأن كان لا بُدَّ أن تَتَحَرَّر من مشاعرها البَلْهاء اتّجاهه..أَغْمَضَت عَيْنيها و هي تُلْقي القَلم بعيداً عَنها بغَيْظ..ضَغَطت على جِفْنيها بأصابعها تُحاول أن تُشَوّش تلك الذكريات المُراهِقة..كانت غَبِيَّة و قَلْبها هَش يَميل من هَبَّة نَسيم خَفيفة..بسذاجة صَدَّقت نَبْضَها الذي الْتَفَت إليه دُون أن تَنتبه لخاتم الزَّواج الذي كان يُحيط ببُنْصره..و هُو ! من الواضح جِداَّ بعد لقاءهما الأوَّل في المَشْفى أنَّهُ لم يَعْرفها..إذاً هُو لم يَكُن مُلْتَفِتاً و لو بجُزَيء من خلاياها ناحيتها..لم يَتَذَكَّر حتَّى صَوْتها الذي ارْتَعَش عندما حادثتهُ أوَّل مَرَّة..،هي أَقْوى الآن..و حُرَّة من مشاعر مُهْتَرِئة و خاوية لا تَحْوي سوى التَّفاهة..و قَريباً..قَريباً جِدّاً ستَضُج أَبْواق حَرْبها..،
,،
مَساءً
هُدوء مُهيب كما رِيح تَجُوس صَحْراء مُقْفِرة حَرَّكَت أَهْدابها..تَدْعوها لصَحْوة قَد تُعيد سَفْكَ دماء أُنوثتها أمام عَيْني رُوحها...مُجَدَّداً..،ببطء يَحْكي تَعَباً فَتَحَت عَيْنيها مُبْصِرةً سَقْفاً أَبْيَض تَطُوفه نُقوش لم يَسْتَوْعبها عَقْلها الغافي..حَرَّكَت عَدَسَتيها بملامح مُتَغَضّنة تَبْحَث عما يَدُلَّها على المَكان و الزَّمان اللَّذان يَحتَويانها..بصعوبة أَراحت باطن يُمْناها على السَّرير..عُقْدة قَرَّبَت حاجبيها و هي تُرَدّد في جَوْفها..سَرير! رَفَعَت جَسَدها بتأَوّه..فالحَركة البَسيطة هذه أَحْيَت أَلَماً بين عَضَلاتها..،جَلَسَت و هي تُبْعِد خصلاتها عن وَجْهها..جَمَعت شَعْرها و بخفَّة أَرْخَتهُ على كَتِفَها الأَيْسَر و هي تَسْري بعَيْنيها على الغُرْفة الغَريبة..،جُمود قاتل اكْتَسَحها مُكَبّلاً أَطْرافها..تَصَنَّمَت عَدَسَتاها على وَجْهه المُرْتَدي الغُموض و أَنْفاسها تَجَمَّعَت في سَقْف حَلْقِها حتى اسْتَعْصى عَليها الإفْصاح عن شَهْقة مُرْتَعِبة..تَخَلْخَل اتّزان فِكَّها و هي تَرى كَيف مالت شَفَتاه لتَكْشُفان عن ابْتسامة لا تُفَسَّر نَواياها..و غَبَشُ عَيْناه قد تَضاعف حتى شَعَرَت بهِ يَنْطَلق منهما ليَلْتَهمها دُفْعة واحِدة..،ارْتَعَدت فَرائِصَها رُعْباً من صَوْته المُنْتَبِذ من اللَّيْل وِحْشته،:الطبيعي إنّش تصحين بعد دقايق..لكن الواضح إنَّ خُوفش أَجْبرش على الهُروب لساعات
اجْتَرَعَت سُمَّ كَلِماته لتَلْتَفِت بسُرْعة جِهة النَّافِذة التي مَرَّت عليها قَبْل ثوانٍ..أَفْرَغَت من فَمها الفاغِر زَفير أَخْفَضَ صَدْرها بقُوَّة عَكَسَت صَدْمَتها الصَّافِعة وَجْهها..كان الظَّلامُ يَبْتَسم لها بخُبْث من النَّافِذة..إلهي كم ساعة مَضَت ! رَفَعت يَدَيها تُحيط بهما رأسها..شَدَّت عَليه و هي تَغْمض عَيْناها تُحاول أن تَجْرُف اللاوعي عَنْها..غادرت المنزل منذُ الصَّباح..و الشَّمْس وَدَّعتها و هي فاقدة للوَعْي..جَحَظَت عَيْناها فَجْأة و هي تَهْتف،:يُمَّـــه
اسْتَدارت إليه عندما شَعَرَت بحركته..كان قَد تَرَك الأريكة ليَخْطو ناحية الباب..ببطء أَقْفَلَه و كأنَّما بإقْفاله مَرَّر على جِلْدها لهَب نيران أَرْمَدَت أَعْصاب حِسّها..ثُمَّ بهدوء تَحَرَّك للنَّافِذة..فَتَحها و تحت نظراتها الفَزِعة أَلْقى المفتاح ثُمَّ أَغْلَقها..هي رأَت الخَطَر يَضطَّرم حَوْله..نَظَرات عَيْنيه و الغُموض المُسْتَحْوذ على سَكَناته..بَدأت تَزْحف للخَلْف،فقَدَميها لم تُساعدانها على الهَرب..الخَوْف قَيَّدَ حَرَكَتهما قَبْلَ أن يُحيط عُنُقِها ليُخْنِق صُراخها المَكْتوم..ذَوَت أَنْفاسها عندما خَلَع سُتْرته..بانَ لها صَدْره العاري ليُعيدها لمَقْصلة الإعْدام التي نُحِرت فَوْقَها أُنوثتها قَبْلَ أَيَّام..بصعُوبة حَرَّكت رأسَها و الدُّموع تَسابَقت لتَرْتَطِم بوَجْنَتيها المُشْتَعِلَتين..حَرَّكَت لسانها المَشْلول مُحاولةً أن تَنطْق بحَرْفٍ رُبَّما يَنْقذها،:لـــ..لــ ـ..لا..لا
عَقَّبَ بملامح مُسْتَرخية و هو يَفُك حِزام بنطاله و خُطواته تُواصِلان تَقَدَّمهما،:ليــش لا و إنتِ جاية لعند بيتي ! فرصة و جتني على طبق من ذهب
اصْطَدَم ظَهْرها بمَسْنَد السَّرير يُخْبرْها بأنَّ طَريق الهُروب قَد انْقَطَع..و أنَّ الحِصار قد أُصْدِرَ حُكْمه ضِدَّها..تَكالبَت الرَّجفات على جَسَدَها حتَّى خُيّلَ لهُ أنَّها زَهْرة رَبيعية اقْتَلَعها الخَريف و اَلْقاها تحت سَماء شَتْوية تَكَدَّسَت فيها سُحُبٌ مُثْقَلة..لم تَرْحَم ضِعْفها..،اسْتَقَرَّت رُكْبَتاه على السَّرير،و بخفَّة زَحَف بهما حَتَّى قَلَّصَ المَسافة بينهما إلى سانتيمترات بَسيطة..أَنْفاسها حُمم بُرْكانية لَسَعت جِلد وَجْهه و عُنُقِه..و من صَدْرها ارْتَفَعَت أَنَّات لو سَمَعها قَلْبُ بَشَر لبَكى شَفَقةً عَليها..لكنَّهُ أَسَفاً لم يَكُن كباقي البَشَر..عَانَقَ عَيْنيها غَبَشُ عَيْنيه..كانت عَيْناها شَمْعتان تَجَمَّدَ شَمْعُهما ليَبْقى اللَّهَبُ يَنُوح على أُنوثة تُناديها رياح المَوْت..تَخَبَّطَت عَدَستيها بسواد عَيْنيه لتَصْرُخ ببحَّة مَشْروخة تَمَنَّت أن يَسْمعها..لم يَنْتَهِ حِدادي بَعْد..ارْحَمْني و ارْحَم أُماً ثَكَلَتني مَرَّتان..يَوْمَ تَيَتَّمْت و يَوْمَ دُفِنَت عُذْريَتي بلا كَفَنٍ و لا تَغْسيل..،الْتَصَقَت بالسَّرير أَكْثر حتى شَعَرت بخَشَبِه يَخْتَرِق قَميصها الخَفيف ليَخْدش بَشَرتها..كان هُو قَد شَطَب كُل المَسافات بَيْنهما و بَصَرِه بجُرْأة أَثارت غَثَيانها تَعَلَّقَ بشَفَتيها المُرْتَعِشَتين..بخَيْبة تَرَدَّدَ وَجْسٌ وَسَط جَواها المُشَوَّه..ظَنَنتُ أنَّكَ تَخْتَلِفُ عَنْهم ! اسْتَعانَت بلسانها المَشْلول لتَنْطُق بفُتات أَمَلها الأخير مع اقْتراب شَفَتيه من شَفَتيها..،:محَـ ـمـ ـد...
,،
سَلَّمَ التَّقارير للطَّبيب حُسَيْن ليَطَّلع عَليها كإجْراء رُوتيني..عَلَّقَ الطَّبيب بابْتسامة و هو يُلْقي نَظْرة سَريعة عليهم،:ماشاء الله التقييمات مُمتازة هالمرة
وَضَّحَ بابْتسامة،:ماشاء الله عليهم هُم شطَّار
وافقه و هو يَهز رأسه بالإيجاب،:صَحيح..خُصوصاً مَروة..ملاحظ عليها حتى شغلها نَظيف و دَقيق
تَمْتَمَ بهُدوء و هو يُحاول طَرْد أَحْداث الليْلة الماضية عن عَقْله،:الله يوفقهم
اسْتَأنَفَ حَديثه،:اليوم اتَّصَلت فيني تستأذن..تقول صحتها شوي تعبانة
عُقْدة خَفيفة طالت ما بين حاجبيها و هو يَسْتَفْسِر،:من..مروة ؟
هَمْهَم دون أن يَرْفَع رأسه إليه إثْر انْشغاله بأحد المَلَّفات..تَرك عبدالله المَقْعَد مُسْتَأذناً ليَخْرُج و الخَبَر قَد صَدَمهُ فِعْلاً..أَيُعْقَل أنَّ حَديثه الطَّائش ضَرَّها !من الواضح أنَّ علاقتها بوالدتها عَميقة و جدّاً..لا بُدَّ أن الحَديث عنها بسُوء لهُ نَتائج وَخيمة عليها..زَفَرَ و الضَّجَرُ قَد الْتَبَسَ ملامحه..مَسَّ خصلات شَعْره الأمامية و هو يُتابع خُطواته..و داخله يَجْلد ضَميره الذي بغرابة ارْتَدَى العَمى تلك السَّاعة..هُو مُخْطئ و جدّاً..تَسَرُّعه و غَضبه المُفْتَقِد للتَّبْرير أَحْدَثاَ شِرْخاً في قَلْب أُنْثى رَقيقة..هُو قبل أيَّام كان يَلوم عَزيز على فِعْلته و هَمَجيته مع شَقيقته..كيف لهُ الآن أن يُعيد القِصَّة مع مَرْوة ؟ بلا تَفْكير و بطُفولية هاجمها حاشِراً والدتها بينهما..المرأة قَد تُوِفّيت و لا داعي لإقْحامها في مَشاكل دَنْيوية لن تَنْفعها في قَبْرها..هَمَسَ و هو يَمْسح على وَجْهه،:اسْتغفر الله
رَفَع رأسه مُواصِلاً مَشْيه ناحية البُقْعة التي تَضُم بعض المُمرّضات وَسَط الجَناح..تَوَقَّف خَلْف المِنْضَدة ليُحادث إحْداهن و التي كانت من جنسية آسيوية،:هل يُمكنني الحُصول على رَقْم الطَّبيبة مَرْوة ؟
هَزَّت رأسها،:بالتأكيد
بَحَثَت لثوانٍ في جهاز الحاسوب قَبْل أن تُنْقِله الأرْقام..ابْتَعَد قَليلاً و هو مَشْدوهاً للرَّقم الذي أمامه..بلمسة خَفيفة ضغط على اخْتيار الحُفْظ..تَوَقَّف هُناك للحَظات و عَدَسَتاه تَتَقَلَّبان في الفراغ تَبْحثان عن اسم لها..بماذا يُسَجّلها ؟
انْتَبهَ للصَّوت القادم من خَلْفه على عَجَل،:دكتور عَبْدالله المريض في غُرفة عشرة انْتَكَسَت حالته فَجأة و صار ينزف دم من أنفه..نحتاجك
بسُرْعة أغْلَقَ هاتفه مُنَحّياً مُعْضِلة اسْمها ليَلْحَق بالطَّبيبة التي نادتهُ على عَجَل..،
,،
فَجْراً
يَقِف في صالة الإنْتظار الهادِئة في مثل هذا الوَقْت..عاقِداً ذراعيه على صَدْره مَشْدوهاً للنَّهاية التي بَدأت تُحاك خُيوطها بمغازل لَيْلٍ كَئيب..والدَهُ عادَ من سَفَره..و بعَوْدته سيُحَدَّد مَوْعد عَقَد قَرانهما..هُو و يَاسَمين..انْقَبَضَ قَلْبه خَوْفاً..نعم كان خائِفاً،بل جَوْفهُ يَسْعَرُ رُعْباً..يَخْشى أن تَكون جِنان عَصِيَّة النّسيان..و تَكون عَقيدة مُخَلَّدة يَرْفض القَلْب الخُنوع لغَيْرها..في هذه الحالة..زَفَرَ هَواجسه و هو يُمَرّر باطن كَفَّه على ذراعه حتى شَعَر بولادة الحرارة بين طَبقات جِلْده..في هذه الحالة سيَكون قد دَمَّر نَفْسه و دَمَّرَ معه حياة تلك اليَاسَمين..لكن جِنان اخْتارت أن تَموت و أُنوثتها مَعْقودة بأَحْمَد..لذا لا فُرْصة لهُ للعَوْدة..و غَيْر طَريق الياسَمين لم يُفْتَح له..،انْتَشَل ذاته من أَفْكاره الخانقة مثل كَهْفٍ مُظْلِم لا يَطَأهُ ضَوء و لا يُحَيّيه نَسيم هَواء..ابْتَسَم لوالده و شَقيقته و هو يَقْتَرب منهما..صافحَ والده و هو يُقَبّل رأسه قَبْل أن ينْطق،:الحمد لله على السَّلامة يُبه
بادلهُ الإبْتسامة،:الله يسلمك
احْتضَن كتف نُور ليُقَرّبها من صَدْرها هامِساً،:هلا باللي اشتقنا لهم..الحمد لله على السَّلامة
شَدَّت على ذراعه بود مُجيبةً بابْتسامة ناعمة،:الله يسلمك حبيبي
تناول من والده الحَقيبَتان قَبْل أن يَتَحَرَّكون و هم يَتَبادَلون الحَديث..وَصَلوا للسَّيارة بَعْد دَقائق..فَتَحها فَيْصَل عن بُعْد ثُمَّ اتَّجَه للصُّندوق ليَحْشر فيه الحَقائب..هي التي كانت طَوال الرّحلة تُنَبّش عن طَريقة تُلقي بها الخَبَر على والدها اتَّجَهت للباب خَلْفَ الرَّاكب..فَتَحَته و بَقِيَت واقفة حتى بان لها جَسَده الذي كان يَسْتَعِد للرُّكوب..بسُرعة هَمَسَت بصَوْت وَصَله دون أن تَرْفَع بَصَرها إليه،:يُبــه..أنا موافقة على طَـــلال
~ انْتهى
،
أدري إني اتأخرت..بس ان شاء الله الجزء يشفع لي تأخيري
قراءة مُمتعة =)
،
|