مَضَت رُبَّما ساعة،أَقَل أو أكْثَر..لا تَعْلَم،فعَقْلُها كان مَسْجوناً وَسَط زَوْبَعة المَوْقِف الذي اسْتَعْصى على حواسها اجْتراع قَسَاوته..،جانب جَسَدها الأيْمَن مُسْتَنِداً للحائط مع انْحِناء بَسيط لكَتِفَيْها يَحْكي هَشاشَتها التي لم تَتَحَمَّل ثِقْل الكلمات أو الحَقائق التي نَفَثَها في وَجْهِها..فهي هاويِة للغَزَل و الإمْتزاج الجَسَدي لا أكْثَر..و بانْدثار هذان الإثْنان تُلْغى من قاموسها الرِّقَّة و الإبْتسامة و الإسْتسلام..اسْتسلام المَشاعر بالطَّبع ! هذا ما اسْتَخْلَصَته من مُحاضرته المَشوبة بحدَّة و جِدِّيَّة تَمْتَعِض منها نَفْسُها المُعْتادة على الدلال و الطَّبْطَبَة،حتى و لو كانت هي المُخْطِئة..و هو هُنا يَغْزِل مَسْمَعيها بلوم مُقْتَنِع عَقْلها بأنَّهُ غير مَنْطقي و ظالمٌ لها..فإن كان يُريد امْرأة مُسْتَسْلِمة إليه كُلِيَّاً فعُذْراً،هي ليست كباقي النساء..سيَمُوت قَبْل أن يُصَيّرها عَبْدة لرُجولته..،ابْتَعَدَت عن الحائِط ليَرْتَفِع زَعيقُ الألم من عَضلات كَتِفِها و جانب جَسَدها إثْر اسْتنادها الذي طالت مُدَّته..انْكَمَشَت ملامحها قَبْل أن تَسْتَعين بيدها لتُمَسّد على المَوْضِع تُسْكِن ضَوْضاؤه مع انْحراف عَيْنيها لذكرياتها المُعَفَّرة فوق الأرْضِيَّة بإجْحاف..يَجْب أن تَتَوَسَّد قَلْبها لا أَرْضاً شَهِدت على غَضَبِ رَجُل لا يَعي مَكانتها..فهو من الواضِح أنَّه لم يَهيم أَبْداً بأُنْثى..لم يَسْهَر و خَيالُها يَحوم حَوْلِه يُثير فَوْضى وَسَط شَعْب قَلْبه..يَبْدو أنَّ بَسَّام كان ينتظر أن يُعْقَد اسْمه بإحداهن ليبدأ رحلته في اكْتشاف مَتاهات الحُب..مالت شَفتيها العاريتين من
زينة تَرْسِم ابْتسامة ساخِرة مع اسْتيقاظ مَواقفهما الماضية في ذاكرتها..لهفته لقُرْبها و مُحاولاته الفاشِلة للإمْتزاج معها..مع ماضيها،حاضرها و مُسْتَقْبَلِها..هو بهذه التَصَرُّفات يُؤكّد لها أنَّهُ لم يَعرِف الحُب يَوماً،و لم يَتَمَنَّى أُنْثى و رأسه غافٍ على وسادة الحُلم..تَحَرَّكَ بَصَرُها على الرَّسائل و حَديث نَفْسُها يُواصل سَرْد شخصية بَسَّام الذي اسْتَنْكَر وُجُود رَجُل يَعْشَقُها..رَجُل كانت هي أُنْثى أحْلامه..ليَتَّضِح أنَّ بَسَّام كان ضائِعاً بين أَزِقَّة الحياة دون أن يُصْبِح مُواطِناً في بَلَد الحُب أَبَداً..فرُبَّما لو عَشِقَ ذات زَمَن لتَفَهَّم وَضْعها،هي المُتَعَلّقة مَشَاعرها بأذْيال كلمات أَسَفاً أنَّها غارت بين صَفَحات الرَّسائل حتى أَمْسَت وَشْماً،دون أن تَمُر سَحابة دافِئة تُسْقيها وَدَقاً تَغْفو على هَمْسِه فَجْراً..،شَرَعت في جَمْع الرَّسائل لتَحْشُرَها في الصُّنْدوق تُعيد لها الدّفئ الذي نَهَبَتْهُ عَصَبيَّة زَوْجَها الغير مُبَرّرة..أَغْلَقَت حافِظ أَسْرارها قَبْل أن تَقف و هي تَحْتَضنه بذراعها..و كَفُّ الذّراع الأُخْرى قابِضة على غِطاء رأسها تَجُرَّهُ حتى غُرْفة نَوْمهما..حيثُ هُناك ألْقَت كُل شيء فوق السَّرير بما فيهم عباءتها التي خَلَعتها لتَخْطو ناحِية مرآتها حيثُ من أَسْفَلِها اسْتراحت حاجياتها فوق المِنْضَدة..تناولت الأدوات الخاصَّة بأظافرها لتَسْتَدير عائِدة للسَّرير..جَلَسَت فَوْقه مُرَتّبة الأدوات أمامها..تناولت إحْداهن مع بُزوغ الْتماع خَفي النَّوايا وَسَط عَسَلِها المُصَفَّى..هَمَست بنبْرة اجْتَرَعتها مَسامع الهواء،:انزيــن يا بَسَّام..أنا بس هَمّي قلّة الأدب و التَّفاهة..تمـــاام
,،
فَوْقَ بَطْنه كان جُلُوسِها..تَحْكي فَيَبْتَسِم..تَتَّسِع عَيْنيها بحَماس فَيَبْتَسِم..تَضْحَك،تَلْعَب،تَتَدَلَّل و تَرْمي بنَفْسِها في حُضْنه و أَيْضاً يَبْتَسِم..كانت هي المُتَحَدّثة و هو المُسْتَمِع،يُراقِب بصَمْت مَلامحها المَحْشوَّة سُكَّراً من بَراءة يَتَلَذَّذ بها قَلْبه المُتَيَّم بوُجودها..ولادتها كانت المَعْبر الذي نَقَلَ رُوحه من أَرْض مُدَنَسَّة بتُراب الخِيانة إلى سَماء تَسْكنها ملائكة يُعْرَفون في الدَّنيا بالأطْفال..معها هُو تَعَرَّف على عوالم أُخْرى و قُلوب أصْفى من نهرٍ عَذْب..و أُجْبِر على القيام بأمُور لم يتَخَيّل و لو لوَهْلة أنَّه سيُقْدِم عليها..كان يُعِد لها الحَليب ليُشْبِع جُوعها المُتَرْجِمتهُ حَواسها حَديثة المَنْبَت بصُراخ مُرْبِك..يُلاعبها،يُغَنّي لها و يَسْهَر بخَوفٍ مُنْحَني على جَسَدها الصَّغير المُسْتَسْلم للمرض..لا يَدْري كيف اسْتطاع أن يُحَمّمها بحَجْمها الضَّئيل جِدّاً كزَهْرة بَيْضاء أهْدَتها إليه رياح نيسان قَبْلَ أن تَتَفَتّح..كانت رَفيقة دَرْبه الوَحيدة لخَمْسة أعوام..جَليسة سَهره و عَيْناه اللتان يُبْصِر بهما الحَياة..هي أعادت إليه روحه المُنْكَسِرة من غَدْر الجِنان..بل و أعادت الرَّبيع الذي انْتَحَر مُذ لَوَّثَت الخِيانة تُرْبة جِنانه..،بانْبهار تَجَلَّت سيماؤه بين عَيْنيها،:وااااجد ألْعاب اشترت لي الماما "أَشارت بالكَميَّة و هي تَفْتَح ذراعيها على وِسْعهما" هالكثـــر..كل الألعاب اللي ابيهم اشترتهم حقي
هُو الذي كان مُسْتَلْقياً على السَرير عَلَّقَ بذات انْبهارها،:ماشاء الله هالكثــر ! و وين حطيتيهم ؟
،:في غرفتنا أنا و ماما جِنان "و بسعادة بالِغة" و قالت لي بتسوي لي غُرفة احط فيها كــل ألعابي و أشيائي
تَسَاءل باسْتفسار،:يعني بس حق ألعابش ؟ ما بتنامين فيها ؟
حَرَّكت رأسها بالنَّفي و شَعْرها النَّاعم يُرَفْرِف كما جِنْحي حَمام ماسَّا بتلَّات وجنتيها القُطْنيتين،:لاا أنا أنام وياها في السرير "أشارت لسريره و هي تُكْمِل" كَبيـــر مثل هذا "أَرْدَفت مُسْهِبةً في طَرْح المَعْلومات ببراءة" أنام في حضنها و تحضني مثلك بقووة،و اقعد اشم ريحتها لين انام"انْتَبَه للاحمرار الطَّفيف المُقَبّل وَرْد وجْنتيها و هي تُكْمِل" اسْتَحي اقول لها إنَّ ريحتها خَنينة
ثَغْرة انْشِداه تَوَسَّطت شَفَتيه و زوارق تَيْه عَبَرت بَحْر مُقْلَتيه..اعْتراف طفْلته الخَجِل سافَرَ به لأَرْض جَسَدَها ذو الرَّائحة الباذِخة..إلهي لا زال يَتَذَكَّر عَبيرها،بل هُو يَسْتَطيع أن يَصِفُهُ بدقَّة مُتناهية،و لو طُلِب منه لسَكَب بوَصْفِه مُعَلَّقات من الغَزَل و الذي أَسَفاً أنَّهُ حَرام..و الذّكْرى حَرامٌ أن تَجوب طُرقات قَلْبه و تَعْبَث بنَبْضه..،رَمَشَ بخفَّة يَسْتَعيد وَعْيه الذي تَعَلَّق بأثْوابٍ فَشِلت بالإحْتفاظ برائحتها لأكْثَر من شَهْر..كانت ببخْلِها تَقْسو عَليه،لم تَرْحَم شَوْقاً كان يُلَوّح لهُ مثل سَيْفٍ مَسْموم إمَّا أن يَقْتُله أو أن يُهَدّده مَدى الدُّهور ليَخْضَع لطُغْيانه..،أَطْبَقَ شَفَتيه،ازْدَرَد ريقه ثُمَّ بَحَثَ عن صَوْته بين أَكْوام الكَلِمات المُصْمَتة ليَقُول بمُزاح و يَداه تُدَغْدِغان خِصْرها،:شقصدش جنانو يعني أنا ريحتي خايسة ؟
ضَحَكت بحَلاوة و هي تُمْسكهما ليَتَوقَّف،:لااا بابا..ريحتك خنينة "رَفَعَت كَتِفَيها و بصراحة أَرْدَفت" بس ريحة ماما جِنان أَحْلى
،:سُيـرْ..فينش ثياب
الْتَفَت للخادمة التي كانت تَقِف عند باب غُرْفَة الملابس..رَفَع جَسَده بعد أن غادرتهُ جَنى ليَقول بابْتسامة خَفيفة،:اوكي شُكراً..خلاص روحي
هَزَّت رأسها بأدَب ثُمَّ خَطت لتُغادِر الغُرفة و الجَناح بأكمله..هُو اسْتَدار للغُرْفة من جَديد..يَبْعَث نَظَرات قَلَق خالَطَهُ الحَنين و الأَسـى..كما عَلْقَماً يَجْتَرع تَخَبّطات روحه المُوَلَّعة بتلك الغير مُبالية..وَقَفَ مُتَوَجّهاً لها..و من خلفه جَنى لَحقته بفضول طُفولي..تَوَقَّفا أمام الحقيبة السَّوداء..جَلَسَ على رُكْبَتيه أمامها..كانت مَفْتوحة تَعْرض لهُ ما اسْتراح داخلها..تَساءَلت جَنى،:بابا ذلين ثياب من ؟
أجاب و من صَدْره تَفَرَّعت أَغْصان تنهيدات جَعَّدها خَريف الحُب،:ثياب ماما جِنان..نست تاخذهم،بوديهم لها
اجْتَرَعت الجواب بلا فهم..و في صَدرها قد هَتَفت أسْئلة جَمَّة لم تَجْرؤ على طَرْحها..لماذا لا تدري..لم تَكُن تَعْلم أنَّ حُجْرات قَلْبها تَخْشى من أجْوبة تُصَدّعها..تُضْرِم أوْجاعاً لا يَحْتَمِلهاُ نَبْضُها المُعانِق الحياة حَديثاً..لم تَكُن تَعْلم أنَّ اللاوعي يُسَيّرها..،انْتَبهت لوالدها الذي خَرَج..رَفعت نفسَها و هي تَجلس على رُكبتيها تُطِل عليه..ثوانٍ و عاد و في كَفّه عُلْبة صَغيرة جداً حَمْراء داكِنة..تساءلت من جديد،:شنو هذا ؟
ابْتسَم ابْتسامة ضاقَت منها ملامحها النَّاعِمة..ابْتسامة جافَّة جَرْداء من شُعور..نَطَق و هو يُريها الأقراط بداخلها،:ذلين بعد حق ماما جِنان..كانوا هدية من عندي..نستهم
السُنون التي مَضَت و هو في لُنْدُن لطالما تَساءل فيها اذا ما كانا يَسْكُنان أُذْنيها..لوَهْلة مُسِحَت من ذاكِرته اللحظة التي عَرَّاها منهما..أَغْلَق العُلْبة،احْتَضَنها بين يديه اللتان ارْتفعتا حتى اسْتَقَرَّتا فَوْقَ فَمِه..أَسْبَلَ جِفْنيه مُسافِراً و القِرطان خارِطته..على قاربٍ من مَوْج اسْتَرْخى جَسَده،مُسْتَسْلِماً لمَسيرها..كانت الأَمواج حاديه وهو الغَريب الباحِث عن بُقْعة يُقال لها جِنان..تَهْفو إليها طُيور الحُب و الصَّبابة النَّقِيَّة..،وافَت جَواه ارْتعاشة القُبْلة التي بَعْثَرها فوق أُذِنها اليُسْرى..و قُبْلة اليُمْنى كانت ارْتعاشتها ألَماً من نَصْلِ خِيانة..فالأمْواج قد غافلتهُ و أَلْقَته وَسَط أرْضٍ بَلْقَع إلا من لَواعِج حُب دَميم شَوَّهَ قَلْبه..،فَتَح عَيْناه من هَزَّة الواقع الذي اخْتَرَق رِحلة سَفَره..كانت جَنى تُناديه..تَحَرَّك واضِعاً العُلْبة وَسَط الحَقيبة،فَوْق الفُسْتان الأسْود..أَغْلَقَها و في عَيْنيه ناحَ صَوْتٌ كَئيب..إلى اللالِقاء..،
,،
نَطَقَ و هو يَفْتح قائمة الطَّعام،:في النهاية يينا للمطعم نفسه اللي تغدينا فيه
عَقَّبَت بإحراج،:شسوي ما اعرف وين المطاعم الحلال عندهم
تَرَك القائِمة ثُمَّ تَقَدَّم قَليلاً ليُرْخي ذراعيه على الطاولة و هو يَشْبُك أَصابع يَديه،:ما عليه أهم شي ناكل "أضاف" كان مَقْبول أكلهم
عَقَّبت بتلقائية،:ما اذكر والله
أَرْفَعَ الخَبَث حاجبه بالتَطارُد مع ارْتفاع زاوية فمه ليَقُول بنَبْرة مُبَطَّنة،:أكيد ما تذكرين..عقلش كان مو معانا طول القعدة
حَرَّكَت عَيْنَيها ببرود عَنه إلى القائمة المَوْضوعة أمامها..تَناولتها و هو واصَل مُتسائلاً،:كلش يعني ما تبين تتكلمين ؟
تَجاهَلَتهُ و شَرَعت تَتَصَفَّحها بهُدوء و كأنَّها لم تَسْمَعه..تَمْتَمَ و هو يَهز رأسه بصَبْر،:زيـن.زيــن يالنتفة"أَرْجَع ظَهْره للخلف رافِعاً يده ليُنادي بصوْت مَسْموع" اكسكيوزمي
عُقْدة اسْتنكار طالت المسافة بين حاجبيها و عَيْناها لا تَزالان مَعْقودتان بصَفَحات القائمة..شَعَرت بخيال النادِلة التي وَقَفت على يسارها..ثُمَّ أتى صَوْتها النَّاعِم تَسْألهُ عن طَلبه..أَرْفَعَت حاجبيها تَعَجُّباً،فهو أجابَها بلُغة صَحيحة تَماماً ! أَعْلَمت النادِلة بطَلَبِها و انْتَظرَتها حتى غادرتهما لتَتَساءل بهُدوء و هي تَعْبَث بقنينة الملح الصَّغيرة،:إنت مو دارس صح ؟
نَطَقت بسُؤالها ثُمَّ رَفَعَت عَيْنَيها إلى وَجْهه و الذي بِغَرابة اسْتَحْوذَ عَليه جُمود مُوْحِش أَوْجَسَها..بانت لها بِضْع خُطوط اشْتداد عند زاوية عَيْنه اليُمْنى قَبْل أن يُجيبها بسُؤال كانت نَبْرَتهُ جامِدة..كما سَماء تَكَدَّسَت فيها سُحب مُثْقَلة بالجَليد،:شنو المَغْزى من السُّؤال ؟ "ارْتَفَع حاجبه مُطْلِقاً سِهام جارِحة أَدْمَتها بجَريرة لا تَعْلَمها و هو يُواصِل بحدَّة" ادري إنَّش دكتورة و أنا ماعندي شهادة..ما له داعي تسوين هالمقارنة لأني اعرف الفرق اللي بينا
عَقَّبَت مُتَصَدّية لنَبْرة الهُجوم الغَريبة و التي أعادتها لأعْوامٍ خَلَت،:لحَظة لحَظة..إنت شقصتك مع هالمُقارنة التَّافهة ! هذي مو أوَّل مرَّة تقول لي إنتِ دكتورة و انا مدري شنو "تَغَضَّنَت ملامحها بعَدَم اسْتيعاب مُرْدِفةً و هي تترك القنينة"ماني عارفة شنو تقصد بهالحجي..تبي توصل لشنو ماني فاهمة !
زَمَّ شَفَتيه مُتَبَنّياً صَمْتاً ضَعَّفَ من قَهَرِها،ضَرَبَت على الطَّاولة بباطن يَدَها و هي تَراه كيف رَنا بعينيه جانباً من غَيْر أن يُدْني لها ببصره بلا اهْتمام..و من بين أسْنانها اسْتَلَّت كلماتها،:طَلال لا تحقر..الكلام اللي تقوله واجد يضايق و ماني فاهمة مَعْناه "صَمَتت للحظات قَبْلَ أن تُكْمِل بتساؤل ارْتدى لَحْن شَك" أحد قايل لك شي ؟
أعادَ بَصَره إليها بعد أن طَلَا نظراته بالهُدوء ليُجيب بنَبْرة رَشَّحها من التَوَتُّر،:ما يحتاي أحد يقول "رَفَع كَتفيه مع هُبوب رياح ابْتسامة مُخْتَنِقة على شَفَتيه و هو يُكْمِل" هذي الحَقيقة..إنتِ وين و أنا وين و الديل إنّش رَفَضتيني
فَغَرَت فاهها بصَدْمة كاسِحة و من عَيْنَيْها تَطايَرت كَلِمات ذَوت من لِسانها الذي شُلَّ من سُخْف ما نَطَقَ بهِ..هُو أكْمَل مُواصِلاً سَكْبَ أَحْماضِه الحارِقة على وَجْهها المُشْتَعِل اسْتنكاراً،:مافي أي تَفسير ثاني للرفض الشَديد هذا..يعني أنا لا شغل و لا مَشْغَلة..شهادة ابْتدائي ما عندي..و إنتِ ماشاء الله متخرجة دكتورة أكيد تبين ترتبطين بواحد في نفس مُستوى تعليمش
هَزَّت رأسها كَمَن يَرْفُض الحَقيقة المُرَّة و هي تَهْمُس بغَيْظ،:مَجنون،مَجنـــووون..والله العظيم مَجنون
شَخَر بسُخْرية و هو يتراجع للخلف بمَيَلان لا مُبالي،:بديت اصدق فعلاً إنّي مَيْنون من كثر ما اسمعها منكم
ارْتَفَع صَوْتها ناثِرة شرارات قَهَر بانت آثارها من وَجْهها المُحْمَر،:مجنون و تافه و غبي و ما تفهم "أَشارت لنَفْسها باسْتنكارٍ صَدَّعَ ملامحها النَّاعِمة و هي تُرْدِف" إلى هالدرجة شايف عَقلي صَغير عشان ارْفض رجَّال عشان هالسبب ؟ يعني أنا بنسى أخلاقه و طبعه و روحه و بهتم في شهادته !
جَذَبَ جَسَده للأمام بطريقة فاجَأتها ناطِقاً بحدَّة شَعَرت بها تَكْويها..تُعيد نَثْرَ الملح على جراحٍ نَكَأها كابُوس مُبْهَم،:عيل ليش رفضتيني ؟رفضتين من غير أي سبب واضح..ليش ما تكونين لي..حقي حلالي مو لأحد غيري ؟ ليش ماتبينا نجتمع ؟
هَمَسَت بحَشْرَجة هَيَّأتَ أَعْيُن الهواء لفَصْل الهُطول الغَزير،:لأنّك خــ ـاله..مُسْتحيل نكون لبعض..مُستحيل أطعن عبدالله في ظهره "هَزَّت رأسها تَرْفُض هذه الفِكْرة المَشْؤومة،المَسْنونة كما رُمْح غَدَّار" مابي اكسر قلبـ ـه..عبدالله ما يستاهل ينكسـ ـر قلبــه
و أنــا ! انْكَسَر و تَهَشَّمَ بل اقْتُلِعَ قَلْبي من بين أَضْلاعي..يَحْتَرِق كُلَّما شاركت ضحكاتكما سَهَري و أنا بين وِسادة و غِطاء حاشِراً إصْبعي في أُذُني،لعَلّي أَغيب في مَتاهة الصُّم و لا تُباغتني شَظايا غَزَلَكما المُبَاح في ليالٍ سَرْمدية،أَبَت أن تنتهي قَبْل أن تُعْدِمَ روحي المُقْتاتة على عِشْقِكِ المُرْهِق..حَدَّ اليُتْم مُرْهِق..كَغُرْبة الفاقِد أَحِبائه..أنا المَسْجون بين الْتِماعة عَيْن طِفْلة،ضِحْكة مُراهقة..وخَجَل أُنْثى ناضِجة أَسْكَنتني مَدائنها النَّاعِمة..تاهَ عَقْلي و الجُنون أَحْكَم قَبْضَتهُ عَلي..و ما بين نَهْبٍ و سَرِقة كُنتُ أَقِف..بلا ذَّات اتَطَلَّعُ للخلاص بعُنُقٍ يَكاد أن يَنْكَسر..أُتابِع السَّماء بعينان نُصْف مُغْلَقتان..أَنَبّش عن سَحابة بَيْضاء تَحْملني لنَفْسي..تُعيدني إلي..لذلك الطّفل المَنسي..كُنتِ أنتِ السَّماء،و عَيْناكِ سَحابة الخلاص..و بين سَعادَتُكِ لَمَحْتُ ذَّاتي تَبْتَسم بارْتياح..،
،:طَبَق الرُّوزيتو
تَرَاجَعا للخلف مع انْحِشار الأطْباق بينهما..كلاهما صَلَّبَ جَسَدَهُ على مَقْعَده..و كأنَّهما يَخْشيان أن يُباغتهما الإنْهيار فَجأة و يَتهاوى الجَسَد من ثِقْل روح أَرْكَعها حُب مَكْتوم..تَناول مِلْعَقَته بِصَمْت،و بهدوء بَدأ يَبْتَلع الطَّعام دون أن يَمْضَغه حتَّى،فَقَط ليُكْبِحَ جُوعه الصَّارخ..بآليَّة كان يَأكُل من غير أن يُمَيّز المَذاق..و هي التي أَعْمَتها غَشاوة الدّمع..تَمَسَّكَت بكأس الماء البارد بأصابع تَنْحَب من الإرْتعاش..اجْتَرَعت كميَّة قَليلة لا تُطْفئ لَهيبها..و لكن أرادت بها أن تَكْتُم نَعيق نَبَضَاتها المُحَلّقة و َسطَ يَبابٍ مُقْفَر من راحَة..،كان يَتَمنَّى طَعاماً،و كانت تَهفو إلى بضع ساعات من السُّكون..و كلا الأُمْنيتان تهاوتا صَريعتان عند سُور النَّهْر المُتَلَصّص على أَسْرار روحيهما..،
,،
مَسَاءً
اخْتَرَق نَصْل الكَلِمات حُجْرات قَلْبَها..مُسْتَقِراً وَسَط البُؤرة التي تَنُوح فيها النَبَضات..اضطَّرَب كَيانها و نال من عُروقِها شَلَلٌ نَهَب الإحْساس منها..تَفَرَّقت أصابع يَدَيْها و بلا وَعْي انْزَلَقت قنّينة العِطر لتَجْتَذبها الأرض بسُقوط مُدْوي خَلَّف قُطَع زُجاج كَبير لها حَواف تنذر بالخَطَر..ارْتَعَدَت أَوْصالها و من عَيْنها اليُسْرى فَرَّت دَمْعة لم تَشْعُر بها وهي تَسْري على وجْنَتها مَسْرى السّحاب الثّقال..اقْتَرَبت منها والدتها بخَوْف تَجَلَّى في صَوْتها و هي تُبْعِدها عن الزُجاج،:اسم الله عليش يُمَّـه..ابتعدي عنهم لا تجرحين نفسش
رَفْرَف الضَّياع بجْنحيه المَكْسوران فَوْق سَماء مَلامحها المَبْتورة الحُب..أَبْعَدت ذراعها بنُفور عنها و هي تَتَساءل ببحَّة تَكاد تَلْتَهِم صَوْتها،:ليـ ـش ما خبرتوني ! ليش متسترين على الموضوع بهالطريقة !
أجابت جُود بتردد و هي تَقْتَرب،:صار الشي بسرعة..تونا اليوم درينا.. و بصراحة ما عرفنا نخبرش..كلنا رفضنا نكلمش عن الموضوع
نَطَقَت تُزيح السّتار عن لَوْحة بُؤسها،:تَرى أدري إنّه بيخطب "تَساءلت للتتأكَّد" ياسمين صَح ؟
تَعَلَّقَ بَصَرها بشفاه جُود و هي تُجيبها بهَمس،:ايــه..ياسمين
غادَرت حَنْجَرتها المُتَصَدّعة ضِحْكة لم تَكُن سوى شَهْقات مُتَقَطّعة..أَرْجَعت ذراعها اليُمْنى خلف ظَهْرها لتُعَقّب و هي تَرْفَع كَتِفَها المُرْتدي عَباءة عدم الإهْتمام،:أصْلاً عادي..من قبل أدري إنّه بيخطبها..أدري إنّه يـ يـحبهـ ـا
تَراجعَت خُطْوة للخَلْف و بَصَرُها التَّائه يتَخَبَّط على وَجْهيهما..كلاهما تَبْتسِمان لها كما طِفْلة يَعْلَمون بكَذِبها الناطِقة به حواسها..تَحَرَّكت بخطوات سَريعة قاصِدة الخارج،و لكنَّها تَوَقَّفَت أمام الباب فَجْأة..اسْتدارت لهما مُتسائلة،:جَنى بتروح وياكم ؟
أجابت جُود بابْتسامة مُشْفِقة،:لا حبيبتي..أمي قالت إن فيصل بيطلع معاها مثل كل مرة
هَزَّت رأسها بتَفَهُّم قَبْل أن تُواصِل مَشْيها تاركة الغُرْفة دون أن تَضيف كَلمة أُخْرى..نَظَرت جُود لعَمَّتها و هي تَقول،:توقعت تكون ردَّة فعلها أقوى من جذي
هَزَّت رأسها بأسى اضَّجَع أسْفَل عَيْنيها،:الوَجَع كله في قلبها..قاعدة تكتم،تبي تصدق إنها قويَّة..بس هي ضعيفة..ضعيفة من فقدها له "مَسَّت جانب وَجْنتيها و هي تَزْفر بضَجَر..تَحَرَّكت جهة عَباءتها مُرْدِفة" خلينا نمشي لا نتأخر على أمش..و أنا اللحين بنادي الخدَّامة تجي تشيل الزجاج
،
أَغْلَقَت باب غُرْفَتها..حُصْنَها المُحْتَفِظ ببَوْح عَيْنيها و اخْتلاجات رُوحها المُرْهَقة..اسْتَنَدَت عليه و كَفَّيْها مَسْجونتان خَلْفَ ظَهْرها..تُطالع الأَرْض بصَمْت مِسْكين يتأمَّل بقلّة حيلة هَوان عَيْشه..الأَرْضُ جَرْداء من أَسْفَلِها..قد نَهب الخَريف حُسْنَها حتى أمْسَت بَلْقعاً تَقْتَطِعهُ ودْيان ماؤها عَلْقم يُسْقي شَجَرة خَبيثة طَلْعُها كَرؤوس شَياطين تنفث السُّموم بين تَصَدُّعات حَياتها..،خواء يُدَثّرها من كُل حَدْبٍ و صَوْب..السَّماءُ مُصْمتة لم تَزُرْها نُجوم لها بَريق أمَل..و القَمَرُ اخْتَبأ خَلْفَ سُحُبٍ تحمل في رَحْمها مَطَراً يَرْفض أن يُغيث عَطَشَ قَلْبها..،احْتَدَم طَرْق نَبَضاتها الوَهِنة..و كلمات تَتَراشق كما سِهام حَرْب حاصَرَتها تَسْتَعِد لاسْتباحة الدّماء و جر العَبَرات و الآهات..،
"ايــه احبها..احبها و هي تحبني و متفاهمين في كل شي"
"البنت صَغيرة و مُثقفة و جميلة "و باسْتهزاء صَفَعَ أُنوثتها" واضح جداً إنها أجمل منش"
"مو خايــــنة..تسمعين مو خاينة..ما تخون مثل غيرها..بتصوني و بتصون كرامتي قدام الناس"
"بتزوجها يا جنان..بتزوجها و بتكون المرأة الوحيدة في حياتي"
بظاهر كَفَّها ضَغَطَت على شَفَتيها..تَكْتُم شَهْقة و انْتحاب جَرَّحا حَلْقها المأهول بالغَصَّات..خَبَّأت غَرَق عَيْنيها خلف إغْماض يائِس..أَصَبح التَّهْديدُ حَقيقة،انَتَهَت الحِكاية عند طَريق مُغْلَق لا باب له و لا ثُقْب يَبْتاع الحُب من خلاله الأنْفاس..لا فُرَص تَطْفو فَوق سَطح البحر لتنجو بها من غَرَقِ فَقْدُه..فالأمواج عاتية و هائجة كعُصوف مُدَمّرة،لا تَعْطِف على قَلْبٍ أنْهَكَه السَّهَر،و تجَرَّدَت أرْضه من دماء تَرْقص على طَرْق طُبول النَبَضات السَّعيدة و المُسْتْسْلِمة لارْتعاشات حُب "مُصان" لم يُدَنسهُ كِبْرياء..،أزاحت ظَهْرَها عن الباب لتَخْطو بإعياء بانَ في انْحِناء كَتِفَيها..تَوَقَّفَت عند السَرير تَطوف عليه بعَيْنَيها تُنَبّش عن أكْثَر المَواضِع حَناناً..نادَتها وسادتها،بوَجْسٍ مَلِق..أن تعالي صَغيرتي،فذراعي احْتوائي لا تزالان تَتسعان لأوْجاعكِ الأبَديَّة..اسْتَجابت للنداء و جَسَدُها بتَسْليم هَوى يَلْتَمِس دِفْئاً مُطَبْطِباً..احْتَضَنت وسادَتها ضاغِطة بأصابعها عليها أن شَرّعي بِحارَكِ لاسْتقبال ضَيْفي المالح،أخْبريها أنَّ حُزني ثَقيل،تَخُر من رُعوده الجبال و تَتَزَبَّد منهُ البِحار..،علا النَّوْحُ و العَيْن باتت تُبْصِر الدَّمع و لا غَيْره،بَكَت عليه و هي التي نَطَقت بـ"عفته"،تَكَسَّرَت الشَّهقات فوق أَضْلاعها مُحْدِثة جَلَبة كما اللَّحنُ الأخير من مَعزوفة عِشْق مَشْروخة الناي..غارَ الكَمَدُ في رُوحها ناحِتاً مآسيه،لتَظَلُّ تَجُر أبيات النَّعي على ذَّاتها مَدى الدُّهور..،ما يَنْغَرِس في صَدْرها قَهَراً،و يَشْتَعِل صَياخيد بين جَنَباتها أنَّهُ لم يَسْتَمِع،ظَلَمَها و رَفَض منها أيُّ دفاع..و ما أَقْسى أن تَضُجُّ الحَناجِرَ بالكَلِمات و لا قَلْبٌ يَسْمَعُ حَسيسها المَظْلوم..،آآآه مُطْمَسة من لَوْعات فَرَّت من ثُقْب قَلْبِها..لن يَكن هُنالك فيصل و جِنان بعد الآن،إكليل الزَّهر الذي تَوَّجَ أنوثتها بهِ ها هي زَهْرَته الأخيرة تَهوي في قَبٍر الغِياب،مُتَجَمّدة البتلَّات و مَنْهوبة الرَّائحة..خَسِرنا كُل شيء فيصل،علاقتنا كان مُسْتَقْبَلها المَجْهول هو الخُسران،أَسَفاً أنَّني لم انتبه حينها،لرُبما قَبَضتُ على قَلْبي و حَواسي قَبْلَ أن تتناثر رماداً من بين فراغات يَد الحُب المُكابر..،لا لقاء فَيْصل..لا لِقاء يا والد جَنى..نُطْفتك التي تَقَلَّبَت في رَحْمي بين ظُلماتٍ ثلاث..علاقتنا اعْتَنَقت الخُسْران بأكملها ما خلا جَوْهَرتنا الثَّمينة..جَنى..،
,،
دَقائق صَمْت غَلَّفَت جُدْران المَجْلِس المُحْتَضن أجسادهم..حَديث عُيون مُتَخَبّطة،مُرْتَبِكة و غَبَشِيَّة..و عَيْنان تَجْتَرِعان الغُموض و لا غَيْر..،فَوْقَ أَريكة زَيْتيَّة اسْتَقَرَّ في جُلوسه بجَسَد مُتَقَدّم،شابِكاً أَصابع يَديه يَتَسَتَّر على مَدائن الجَليد القابِعة بين خُطوطهما..عَيْناه تَتَبادَلان الأنْظار مع عَيْنَيْها..تَرْتَشِفان دَمْعَهُما الحائِر..المُتَفَجّرة ينابيعه الحارِقة من لَيْلَةٍ مَضَت..لَيْلة ارْتَدَت ثَوْب شُؤمٍ أَسْوَد..أَحاكَتهُ الدُّنيا بخُيوط مُسْتَقْبَلٍ مُهَشَّم السَّعادة..،بوَجْسٍ تَسَرْبَلَ بالغَصَّات،:ما توقعت اشوفـ ـك مرة ثانية
أَخْفَضَ جِفْنيه..يَتَطَلَّع لأرْضٍ مَسيكة و صَمَّاء من حَديث..هُو أَيْضاً لم يتَوَقَّع أن يَلْتَقيها في ظروفٍ كَهَذه..لكنَّ القَدَر يَهْوى أن يَراه يتَعَثَّر بصَخْرٍ و عَشْرة، و أن لا يُبْحِر لبَر الأمان دون أن تَلْطمهُ عَواصِف خانِقة..تَضيق منها الرُّوح..،واصَلَت بعد أن رأت صَمْته،:ما لحقت اشْكرك ذيك الليلة من فَجيعتي..سامحني يُمَّه "بغطاء رأسَها تَشَرَّبَت دَمْع أمومتها المَقْهورة و هي تُرْدِف بحَشْرَجة" من بعد الله إنت اللي ساعدتنا..حَزَّتها ما كان لنا أحد غيرك
شارَك صَوْتها الوَهْن صَوْت يُوسف الحاوي لَحْن اسْتغراب،:قالت لي أمي عن مساعدتك..ماقصَّرت،من طيب أَصْلك..بس "صَمَت لوَهْلة ثُمَّ أرْدَف بسؤال" بس ما قلت لنا ليش جاي أخوي ؟
،:محَمَّد "كَرَّر بهَمْسه المَيّت" اسمي محَمَّد
هَزَّ رأسه بتَفَهُّم،:و النّعم أخوي محمد..بس مُمكن نفهم سبب جيتك "حَرَّك رأسه بتَيه و بتأتأة" اا اعذرني على قلّة ذوقي..بس..بس يا خوك تعرف الموضوع شلون حَسَّاس"ضَغَطَّ بكفّه على رُكْبته مع احْتكاك أسْنانه يُفْرِغ جام قَهَره و انْكسار رُجولته..و بأنْفاس مُرْتَعِشة و رأس أَنَكسَتهُ المُصيبة هَمَسَ" اسْتر علينا الله يستر عليك دنيا و آخرة
نَطَقَ يُزيح جِبال الهَم و القَلَق المُنْتَصِبة فَوْق أكْتاف راحتهما،:أنا نَسيت المَوْضوع بالكامل..و مو جاي اهني عشانه "مال رأسه جهة أم يُوسف مُرْدِفاً" يا خاله الكرت اللي شفتيه عند بنتش هذا أنا عاطيها إياه "نَقَلَ بَصره بين عُقْدة استغرابهما ثُمَّ واصَل" صادفتها كذا مَرَّة..و كذا مَوْقف صار بينا و ما شفت منها إلا كل الخير..تربية و أَدب،و اعتقد إنها على معرفة بأحد من أهلي "دَعَك خَدّه بطرف سَبّابته" و الصَّراحة أنا كنت ناوي اكلم أمي عشان تخطبها..بس بسبب اللي صار قَرّرت إني أعطيش خَبر قبل لا أكلمها
انْعَقَد لِسانها من اعْترافه الذي جَرَّها لدَوَّامة عَميـقة..شَعَرت بروحها تَذْوي بلا قُدْرة وَسَط حَلَقَاتها المُفَرَّغة..ازْدَردَت ريقها بصُعوبة و بَصَرها قد أَغْشَتهُ صُور تداخلت بشعواء مُزْعِجة،تَصَدَّعت على إثْرها مَلامحها المَحْفور بين طَيَّاتها تَجاعيد أَسى و كَمَدٌ سَرمدي..بتَرَدُّد نَطَقت و هي تَرْنو بطرف عَيْنيها لإبْنها المُتَجَمّد في مكانه،:بس يُمَّـه..إنـ ـ إنت تدري..يعني ملاك و اللي صـ ـار وو
قَاطعها بجِديَّة باردة أَوْقَفَت سَيْل كَلِماتها المُتَقَطّع،:قلت أنا نسيت المَوضوع..نَسيت اللي صار..و ما بتنازل عنها مهما كانت الأسباب
تَرَقْرَق الدَّمْع في عَيْنَيْها مع الْتِحام الشَّهقات في صَدْرَها المأَهول باللَّوعات..هَمَسَت بابْتسامة مَريرة تَحْكي تَعَبها على مَرّ الأزمان،:يا يُمَّـه بنتي خسرت كل شي وماتت الحياة في عيونها..مُستحيل توافق
عارَضَها بإصْرار هُو نَفْسه لم يَعْلم من أين أتى به،:ما خَسَرت شي..للحين هي بصحة و عافية..الحياة قدَّامها "كَرَّر بتأكيد" ما خسرت شي
عَقَّبَ يُوسف يَشْرح لهُ المأساة،:أخ محمد إختي مَصْدومة..ليلها و نهارها دموع..مصيبة حلَّت عليها..و موضوع الزواج ما يناسبها أبَداً
حَمَل الصّدق كلماتها فَوْقَ جَناحيه،:على الرّغم إنّي ما شفتك إلا مرّتين..بس والله يا ولدي إنّك دخلت قلبي..و ما يهون علي أردّك و إنت خُوش رَجَّال "و بحَسْرة مَخْنوقة" بس صَدّقني ما يصلح هالزواج
نَطَقَ بنَبْرة تَخْلو من إشارات،:مُمكن طَلب يا خالتي
بسُرْعة أجابته و هي تَمْسح صَبيبها،:أكيــد يُمَّه..آمر،عيوني لك
دون أن يَرْمِش و عَدَستاه بان فيهما خَيْطُ فَجْرٍ لا يُفَسَّر،:ابي اكلمها..ابي اكلم مــلاك على إنفراد
,،
وَسَط شُرْفَتِها الصَّديقة تَجْلُس..تُمارس تَمارينها التي اعْتادت أن تَبْتاعها إذا باغَتَها الماضي الدامي..ماضي الثَّكْل و الفَقْد و اليُتْم و الوِحْدة الكَئيبة..،ساقيها مَطْويتان و ظَهْرُها مُسْتَقيم بثِقة تَنُم عن الإرْتياح..مُرْخية ذراعيها على فَخْذَيها و العَيْنان تَغيبان خَلْفَ إغْماض سَهَّلَ عَليها رَسْم لَوْحات زاهِية فَوْقَ باطن جِفْنيها..مضَت حَوالي السَّاعتان و هي تَنْعَم بهذا الهُدوء..رَشَّحَت رُوحها من شوائب نَتِنة..صَقَلت قَلْبها المُتَهَدّل الحُجْرات..و أعادت بَثَّ الحَياة في جَوْفِها..،داعَب مَسْمَعيها صَوت خُطوات تَزْحَف بوَجْسٍ مُقْتَرِبة منها..ابْتسامة رَقيقة جَمَّلَت شَفَتيها الزَّهْريتين و هي تَشْعُر بأنْفاسه العَطِرة تَمْتَزِج مع رائِحة الهواء الرَّطِب..ثِقْله اسْتكان أمامها حاجِباً بجَسَده نَسائم الليْل الدَّافِئة..هَمَسَت بخُفوت شاعري،:تصدق وَحْشتني
كشَفَت عن أَلْماسَتيها اللَّامِعَتين لتُبْصِر ابْتسامته الواسِعة..ضَحَكَت بخفَّة و هي تَعْتَدِل في جُلُوسِها لتَقُول،:واضح إنّي كنت بخيلة بمشاعري الأيَّام اللي راحت
نَطَقَ بمُزاح،:إنتِ مو بس كنتِ بخيلة..إنتِ طلبتين عدم قُربي و طردتيني حتَّى
بَعْثَرت بحَرَج نَظراتها على الأرْضِيَّة الخَشَبيَّة و هي تُحَرّك كَتِفَيها مُوَضّحة،:مابي اضايقك و اقلب حياتك كآبة..و زيادة إنّي مابي اتعلّق فيك و بعدين افقدك
حَرَّكَ يَده بعدم اهْتمام و هو يَقول،:خلّينا من هالموضوع المُستعصي..قولي لي شصار على شغلش ؟
رَفَعَت ساقيها ثُمَّ أحاطتهما بذراعيها..بَلَّلَت شَفتيها قَبْل أن تُجيب بهُدوء،:خلال هاليومين لازم اكمل شغلي..واجد تأخرت
عَقَّبَ،:أول شي لازم نحدد طبيعة البزنس..و ثانياً نختار مكان مُناسب من حيث الموقع و المساحة و التخزين حتّى
أَضافَت و من عَيْنيها انْبَجَست يَنابيع خُطط شائِكة،:و قَبْل كل هذا لازم نتخَلَّص مني..من فاتــن
,،
يتبع