كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
على الجِهة الأُخْرى..في دُبْلن،و فَوْقَ أريكة شِقَّته..أَغْلَقَ الهاتف و ابْتسامة مُحِبَّة مُكَلَّلة بزَهْرِ نَقاء طَيَّبت شَفَتيه..كَعادتها تُراكِم القَلَق في قَلْبها و تُعَسّر على نَبْضاتها المَضي براحة و رَخاء..تَحْرُم نَفْسَها التَلَذُّذ بمَذاق اللحظة مُتَعَلّقة بكلمة مُهْتَرِئة وُلِدت من رَحْم وساوس شَيْطان..تُرَدّدها لتقتنع بأنَّ السوء حاصِلٌ لا مَحالاة "ماذا لو " ! و هُنا يَبْدأ عَمَله ليُنَقّح حَواسها من هذا العَذاب..نعم فالقَلَقُ عَذابٌ خَبيث يَجْري فينا مَجْرى الدّمِ في الوَريد..يُلَوّث سَعاداتِنا و يُشَوّه ساعات الفَرح..فبالقَلَق تُصْبِح الحَياة مَبْتورة الأفْراح..تَتَعَكَّز على الوَهْم تنتظر مأساةٌ تَحِل لتَبيعها الحُزْن الذي تَوَقْعَته الرُّوح..،أَخْفَضَ الهاتف على الأريكة جانبه مع اقْتراب طَلال القادِم من المَطْبخ..في يده كُوبٌ يَرْتَفِع منهُ بُخار و اليَد الأُخْرى مُمْسِكة بقطعة خُبز يبدو أنَّهُ دَهنها بالجُبْن..تَقَلَّصَت ابْتسامته و عُقْدة مُنْزَعِجة بانت بين حاجبيه..نَطَقَ بأمْر،:اترك اللي في ايدك و قوم تجهز خل نمشي
للتو اسْتكان جَسَدَهُ على الأريكة أمامه..تَسَاءل بعَدَم اسْتيعاب و مَلامح مُلْتَحِفة بآثار النُّوم،:نمشي ويــن!
و هو يَسْتَفْسِر الوَقْت من ساعة مِعْصَمه،:بعد نص ساعة تنتهي مُحاضرة نُور..لازم نروح لها
عَقَّب و هو يَرْفع يَديه ليُريه طعامه،:زيــن يُوعان..خلني آكل أوَّل،حتى ريوق ما تريقت
ببرود تَشَبَّعت منهُ نَفْس طَلال حَرَّكَ عينيه عنه..ثوانٍ فَقط ثُم عاد ليَنْظُر إليه و هو يَرْتَشف من كُوبه..تساءل باسْتنكار بدا بين عَيْنيه لَيْلاً لا يَعْرف المَسير لوَضَحِ النَّهار،:مستغرب بُرودك..ما كأني الصّبح قايل لك إنها رفضتك !
أخْفَضَ كُوب الشَّاي فوق الطَّاولة و هو يُتَمْتم و بجانبه تَرَك قُطْعة الخُبز التي لم يتناول منها سوى قَضمة صَغيرة..بان صَوْته لناصر،:استغفر الله..سدَّة نفس
أَرْفَعَ التَعَجُّب حاجبيه مُعَقّبّاً بذات الإسْتنكار،:سَدَّة نَفْس من شنو ! إنت حتى مو مهتم للموضوع
بَعَثَ لهُ نظرات حادَّة مُحَمَّلة بقَهَرٍ مُغَبَّر صال و جَال وسط صَدْره حتى أَسْقَم القَلْب..نَطَق مُفْرِجاً عن كلماته التائهة،:يعني شتبيني اسوي ؟ احط ايدي على خدي و أنوح عشان ترضى ! يعني هي أكيد بترفضني..مادري شنو كنت إنت متوقع "أكْمَل بسُخْرية لاذِعة" كنت تظنها بتاخذك بالأحضان لأنّك خطبتها لخال طَليقها ؟!
أَجاب يُوَضّح لهُ الأمَر من جَديد،:خَبّرتك إنّي قلت لها إنت اللي خطبتها مني
مال رأسه بخفَّة و هو يُرْجعه للخلف مُعَقّباً بسُخْرية تَجَلَّت على ملامحه و في صَوْته،:لااا ! يعني اذا قلت لها جذي بيتغير الوَضْع ؟
تَجاهل سُخْريته الغارِقة في بَحْرٍ من مَرارة لينطق بحَزْم شَديد لا يَقْبَل الرَّفض،:اسمعني عدل يا طلال..بكلمها مرَّة و مرتين وثلاث و إنت بعد بتكلمها..بيّن لها شكثر إنت تبيها و تتمناها..ابي بنتي ترجع مثل قبل..ترجع لها بسمتها و سعادتها..ابيها ترتاح و تنسى اللي صار "عَقَدَ عَيْني وَعْده بعَيْني انكساره مُضيفاً"صدقني اذا قدرت تقتلع من ذاكرتها أحداث ذيك الليلة..بسامحك
بخُفوت غادَرَ صَوْتُه حَنْجَرته..مثل طَيْرٍ يَنْعى مَوْتُ أحْلامه بتَغْريدٍ حَزين،:لا تحَمّلني فوق طاقتي..يمكن ما اقدر اسوي كل هذا
رياح ثِقة رَبيعيَّة تُبَشّر بيَنَعِ حَياة عانَقَت ملامحه،:بلى تقدر..الإنسان اللي يبي يسترجع سعادته يقدر يصَيّر المُسْتَحيل حَقيقة..و نُور سعادتك،لو كَلّفك الأمر نفسك و صحّتك ما بتستسلم و بترَجّعها
مالت شفتيه من ابْتسامة أَسَى حَلَّقت من بين أكْوام ماضٍ ساعاتُهُ اقْتَلَعت رُوحه من جَسده الرُّجولي لتُقَلّص عُمْرها..حَيثُ بين أَذْرُع الزَّمَن بَكى طِفْلاً سَرَقوا منهُ عَروس عَيْشه..هَمَسَ بخُذْلان صَهَر حَبْلُ الضَّمير المُرْتَبِط بفُؤاد ناصِر،:يوم جيتك قبل ست سنوات ما عرفت إنها سعادتي !
عَقَّبَ يَرْسم لرُوحه المَعْلولة طَريق القَدَر،:حتى لو وافقت عليك كانت بتكون لعبدالله..كانت مكتوبة لعبدالله وقتها
مَكْتوبة..المَكْتوب ! تلك الكَلِمة التي اسْتَعْصى على عَقْله الطُّفولي أن يَجْتَرِعها..كان ابْنَ العاشِرة عندما الْتَقَطَتها مسامعه للمَرَّة الأولى..كان يَتَساءَل بعَيْني غار فيهما الدَّمْعُ حتى اصْطَبَغَ بياضهما بالأحْمَر الدَّامي "ليش أمي ماتت ؟" كان الرَّدُ من إحدى أخواته بارِداً،لم يَحْمِل مَعهُ حُروفاً من حَنان تَتَشَرَّب فَيْضه المالح "هذا المَكْتوب..لو تبينا بعد نعترض على أمر الله !" صَرَخَ حينها و تَعَفَّر جَسَده بين أَحْضان أرْض صَلْبة..بين ذراعيها يَقْبعُ الشّتاء لا دفئُ رَبيع عَطِر..بَكَى و من قَلْبِه زاغَ الأَمان قاصِداً مَسير الغِياب ذاك الذي سافَرت إليه رُوح والدته النَقيَّة..شَهقاته صُمَّت بأيْدٍ قاسِية،و نَحيبهُ تَحَجَّر وسط حَلْقِه يَخْتَبِئ من زَمْجَرة أخوات تَرْتَدين عباءات عَدو حاقد..هَمْسُهُ المُرْتَعِش تَعَثَّر في الهواء دون أن يَصِل لمسامعهن "ابـ ـي أمي..لا يَكْتبون..خل تيي أمـ ـي ابيها " لم يَكْن يَدْري مَن حينها ذاك الذي كان يَكْتُب..قالوا أنَّهُ الله،لكنَّهُ لم يُصَدّق كَذِبَهم..فوالدته أَخْبَرته أنَّ الله يُحبّه..فكيف يُبْكي الحَبيب حَبيبه ؟ مَضَت السّنون و نَفْسِه المُتَخَبّطة لم تَعْتَنق الإيمان بذلك المَكْتوب..هُو لم يَفْهَمه جَيَّداً و كأنَّ غَشاءٌ سَميكٌ حالَ بينه وبين تَصْديقه..لكنَّ الزَّمَنَ أراد أن يَعْقِد نِيَّته به..في تلك الليلة التي اشْتَعَلت فيها أَوْداجُه..و انْكَوى قَلْبُه حتى اخْتَنَقت نَبْضاته ليَنْثُر رَماده وَسَط بَحرٍ لطالما حَمَل فَوْقَ كاهله أَعبائه..جاءهُ رائد يُزيح عنه كَمَداً سَرْمَدي صَعَّب عليه الذَّوبان بين جُزَيئات سَعادة تَكاد تَشُح من أَرْضه..اَخْبَرهُ لَيْلتها و القَمَرُ من فَوْقِهما تَوارى خَلْفَ سُحُبٍ مُعْتِمة"مَكْتوبة لعبد الله..ما هي مَكْتوبة لك" لم يَكْن مثل طِفل..بل كانَ فعلاً طفْلٌ في الخامِسة و الثَّلاثون..تَشَرَّب ماءَ عَيْنه برسْغه و هو يَهْمُس بتساؤل تَقَطَّعت حُروفه من نَصْل شَهْقات "ليش المكتـ ـوب على طول ضـ ـدي !" لَحْظَتها زَجَرهُ رائد و أنَّبَهُ على قَوْله..فكيف يَجْرُأ على قَوْل ذلك ! "الله أعْلم باللي خير لك طَلال..اصْبر يمكنها خِيــرة" و بَدأت قافلته مَسيرها المَحْفوف بالعَثَرات..فهو لم يَكُن ذلكَ الرَّجُل المُؤمِن..لم يَغْفو و أهْدابُ جِفْنيه آياتٌ بيّنات تُهْديه نَوْماً يَخْلو من كَوابيس..هُوَ لم يَجْثو مُهَيّئاً جَسَدهُ لسُجودٍ يَعْبِر بهِ إلى خالقه..كان عَبْداً ذو نَفْسٍ ضَعيفة..هَشَّمَتها الحياة و لم يُرَقّعها الإيمان..فَمن خلال فَجوات نَفْسِه عَبَرَ الشَّيطان ليَعْقِد روحُه بالحَرام..كانَ شَرَّاً ذك الذي اسْتَعَرتلط الليْلة،و لكنَّهُ كان خِيرة هَمَسَت لهُ بابْتسامة إنَّ الله يُحِبُّ التَّوابين و يُحِبُّ المَتَطَهّرين،ليَخْلَع ثَوب نَجاسَته و يَنْسَلِخ عن سُوء نَفْسِه و فِعاله فالله خَيْرُ الغافرين..كانت خيرة تَيَقَّنَ منها قَلْبه بالمَكْتوب و وُسِمَت رُوحه بالصَّبر لحُكِم رَبَّه..فمَعَ تَلْويح كُل غَسَق يُبْصِر بين النَّسائم صِدقُ وَعْد فإنَّكَ بأعْيُننَا ..،وَقَفَ بَعْدَ أن أفْرَغ بَلايا ذَّاته مُتَخَلّصاً من نَتانتها..هَمَس و هي يَخطو لغُرْفته،:عَشر دقايق و بكون جاهز
,،
نَحَت قُيودَ الفَزَع عن كاحليها و انْحَنَت راجِفة تَلْتَقِط خباياها،أحلامها المَنْثورة عُنْوة..أَسْرار الليل المُفْضوحة أمام ناظريه..الْتَقَطَت الأظْرُف المُتَوَسّدة الأرْضيَّة الخَشَبيَّة بأصابع تَخَتَّمت بالبَعْثَرة،تُريد أن تُخْفي عن مَعْرِفَتِه كلمات انْعَقَدت إكْليل أُنوثة فوق رأسِها..أن تُغْمِض عيناه عن حُروفٍ عَزَفَت موسيقى زَهْرية غَفَت على هَدْهَدَتِها أهْدابُ أَحْلامها..لكنَّ يَدُ قَسْوَته المَوْلودة حَديثاً كَبَّلت معصمها،نال من ذقنها اهْتزاز إثر مَيَلان شَفَتيها المُحَذّرَتين بالبُكاء..مُقْلتاها اشْتعلاتا بدَمْعٍ شَوَّش رؤيتها.. و صَوْتُهُ المَأهُول بشَعْب اسْتنكار مَرَقَ مَسْمَعَيْهَا،:شنـــو هذا ؟!
فاضت سَحابتاها المَغْشِيَّتان،فَغَرَت فاهها تَنْجو من اخْتناق شَهْقة وسط حَلْقِها و هي تَرى يَدَهُ تَلْتَقِط إحْداهن،كانت الأولى..رَبيعها الأوَّل..و الولادة الأولى لزُهور الحُب البَريئ..اغْتَصَب الظَّرف الزَّهري مُقْتَلِعاً تلك الوَرَقة من جُذورها،فَتَحَها بلا اسْتئذان و بَصَرهُ انْعَقَدَ بالبَوْح النَّاحِت غَضَباً بين ملامحه..تناثَرَ وَدَقُها المالح فَوْقَ خَدَّيْها مُحْدِثاً ضَجيجَاً صُمَّت حَواسه عنه..شاهَدتهُ من خَلفَ أَسْوار الدَّمع و هو يَقرأ..أَبْصَرتهُ يَبْتَلِع الكَلِمات بأنيابِ قَسْوته،يَلُوكها بحَنَق ثُمَّ يَبْصقها بعد أن يَمْتَص جَمَالها..ذلك الجَمال الذي زاد ألوان حياتها أَلَقاً،ها هو اليَوم يَنْتَعِل سَواداً كَئيباً يُنْذِر بانْتحار علاقتهما..،قَلَّب الوَرَقة مَرَّات مُتَتالية و كأنَّهُ يَبْحَث عن شيء..الظَّرف كذلك و بقيَّة الرَّسائل،نَبَّشها و قَطَع نُمو زَهرها باقْتلاعها من أَرْض الماضي النَقيَّة..نعم كانت نقيَّة لم تَشبها شائبة و لم تتلوث بافْتضاح..،رَجْفة انْعَقَدت بعمودها الفَقَري مُصَلّبة ظهرها لالتقاء عينا غضبه بعيني رُعْبها..تَساءَل بهَمْسٍ كانت الرّقة ببُعد السَّماء عنه و هو يَرْفع تلك الأولى أمام وجهها،:ممكن اعرف من هذا ؟!
ضَمَّت شَفتيها بوُجوم و حَنْجَرتها تَقَلْقَلَت وسط حَلقها بتَيه،تَبْحَث عن صَوْت قد يَجُر بضع كلماتٍ لتَصُفَّها جَواباً يُرْضيه..إلا أنَّ رضاهُ مُحال يا حَنين..،تَصافقت أَهْدابها و صوتهُ يَعود بعُلو مُفْزِع،:اتحَجـّــي،من هذا ؟ من هذا اللي هـــايــم فيش !
اسْتعانت بجفْنَيها،سَتَرت بهما أُجَاجها المُشْتَعِل بلا انْطفاء وسط تلك الغارقتين..ارْتَجَفَت بلا حيلة من صَوْتِه البَلْقَع من حَنان و يَدَهُ الصَّلْبة امْتَدَّت واسِمة آثار أصابعها فوق جلد ذراعها الرقيق،المُخْتَبئ خلف عَباءة طَغى على سوادها سواد الشَّر النافِذ من مساماته..،:للمرة الثالثة اسأل من هذا..جاوبي،رسمي لي أعذار يمكن اصدقها..جاااوبـــي
حَرَّكت رأسَها بخفَّة يَساراً،تُناشد كَتِفها المُرْتَعش عُصْفوراً أن خَبّئني بين جنحيك،احجب عنّي شعاعه المُعْتِم على الرَّغم من ضوئه،مُعْتِمٌ من غَضَب..،تَنَشَّقت و صَدْرُها تَعْبرهُ قَوافل شَهْقات،و من بين ثَغْرة صغيرة خَرَجَ صَوْتُها مُنْكَمِشاً،:مـ ـ مـا ادرري..والله مـ ـادري
قَبَضَ على ذِقْنها لتُغادر حَنْجَرَتها آه مَقْطوعة النهاية،تَخَبَّطَت تائِهة بين جُدْران الهواء المُتَصَدّعة تَوَتُّراً..و من بَيْن أسْنانه انْسَلَّ هَمْسٌ لاذِع،رَسَمَ فَوْق حُجْرات قلبها الإتّجاه الأوَّل لخارِطة الوَجَع،:ما تدرين ؟ و هو يدري عن كل تفصيل صغَير في حياتش ! "شَدَّ على ذقْنها بقَسْوة لا تُشْبهه مُرْدِفاً بأمر قسْري" طالعيني
اسْتجابت لأمْره السادي مُلْتَفِتة ناحِية عَيْنيه المُهاجمتين جَهْلها ببصر مُنْخَفِض مع انْحسار الغِطاء عن رأسِها..لا جَواب لديها،فذلك الهائِم فيها على حد قَوْله لا تعرفه،و ظُنونها التي غُزِلت حَوْل راشِد دَحَضها بثِقة..لا جواب لدي بَسَّام..صَدّق بُكائي و قِلَّة حيلتي..،تساءل من جديد و صَبْرهُ لاحَ لها فُتاته المَنثور عند قارعة وجهه،:حَنيـــن من عند من هذي الرسايل ؟ بدون جذب تحجّي
مَرَّرت لسانها على شفتيها تُحيي المَوْضع العابرة منهُ الكَلِمات،أَنْهَت مُهِمَّة جفْنيها ليَرْتَفِعان مثل سَحابَتان قَرَّرَتا الإسْتسلام لتُريان الأرْض انْكسار شُعاع شَمْسٍ حَزينة..نَبَتت وسط يُمناها دَمْعة انْعَكَس فيها وَجْهُ حَقيقته..ذلك الوَجْه المُتَألّم أَضْعاف ألمها،لكن لم تُبْصِر هي سوى شُروره المُصْطَنَعة..،هَمَست ببحَّة أَرْهَقَها الضَّياع،:والله مادري..صدقني،ظنيته راشد بس أنكَر"اسْتَنْشَقَت نَفَس عَميق و عيناها تَهْرُبان من سَطْوة نظراته لتُرْدِف" توقعته يجذب،لكن حاولت اعرف اذا كان في أحـد غيـر بس ما قـ
عَدا شَهْقة نَبْض لم يَزْعَق شيءٌ آخر وَسَط روحِها..كُل مافيها تَجَمَّد،تَصَلَّب و غابت الحَرَكة عَنه،حتى عَيْناها وَقعتا رَهْن اتْساع لم يَخْترقه تصافق أَهْداب،قوَّتها اضْمَحَلَّت و كُل ما اخْتَزَن من قُدْرة بين عَضَلاتها قد انسَلَّ منها بلا حيلة..أتاها بقَسْوة و لكنَّهُ وَجَّه تلك القَسْوة بسَوْط رقّته،فكيف لرَجُلٍ أن يُوْجِع بسيف رقّته ؟! باغَتتها رَعْشة أعادت الحياة لمملكتها و هي تَشْعُر بمُعانَقَة يده لوجهها،و امْتلاك ذراعه لخصْرها النَّحيل..،غابَت خلف إغْماض مُسْتَسْلِمة لغَزو المَشاعر،غَزْو قَبيلة شَفتيه..غَزْو قُبْلته..،تلك القُبْلة جاءت على غَفْلة من شِجار،جاءت مُفاجِئة للحد الذي أَنْساها كيف تَسْتَجيب بدايةً..لكنَّها ها هي الآن تُقابِل أفْعاله بأفعال و يُمْناها تَرْتفع مُلامِسةً عُنُقِه بنُعومة بالِغة تَهْواها رُجُولته..،هي تَناست غَضبه و نيرانه التي أرْمَدتها و زَرَعت في نَفْسِها الخَوف..تناست كما عَوَّدها و ذابت بين مَوْج ذراعيه و نَهْر قُبْلته العَذْبة..أشاحت قَلْبها عن أَلَم لتَمْتَزِج جُل حَواسها معه..هو بَسَّام،ذاك الذي فَتَحَ لها أَبْواب تُسافِر بها لسَماء شاهِقة العُلو..كما تُحِب !تَراجَعَ عَنْها بعد أن شارفت أَنْفاسَهما على الإنقطاع،أَطْبَقت شَفَتيها المُتَوَهّجَتان بحرارة و بَصَرُها مَشْدوه للكَلمات المُنْطَلِقة من بؤرة قُبْلاته،:هذا اللي تبينه صح ؟
زَمَّت شَفَتيها و ضَيقٌ يَجْهَل مَقْصَده وَتَّر ما اسْترخى من ملامحها قبل ثوانٍ..تَسَلَّقت عَدَستيها وَجْهه حتى اسْتَقَرَّتا عند بَوَّابتيه المُسَيْطِر عليهما غَبَشُ خُذْلان..! واصَلَ حَديثه المُبْهَم الإسْتهلال،:هَدفش الإشباع مو أي شي ثاني
شَدَّ ذراعه حَوْل خُصْرِها ليَجْذبها إليه أكْثَر و يَرْتَطِم صدرها بصَدْره..مالت زاوية فَمَه بسُخْرية عندما اسْتنَشْق الإرْتباك المَحشور بين أنْفاسها..و بوَجْسٍ لاذِع و عيناه تَجْرُفان أراضي عَيْنيها المَغْرورتين،:أنا..بسَّام..موجود في حياتش فقط لإشْباع رغباتش الجنـ
قاطَعتهُ بشَهْقة عَنيفة و هي تَدْفعهُ من صدْره عنها..تَدْفَع عن مَسامعها سُمَّ كَلماته..اتّساع مَحجراها ذَوَت منهُ ابْتسامة سُخْريته..كان اتّساعٌ مأهولاً بالدَّمعات..تَنَشَّقَت بصُعوبة لاطِمة قَلْبه الصَّارخ تأنيباً لفعلته..لكن لا حل لديه،لا خيارات أمامه تستطيع مُجابَهة هذه الحَنين،المُنْتَشية غُروراً أسْكَنَهُ إحْدى زوايا حياتها المَنْبوذة..،ارْتَفَعت منها كَلِمة مُنْهَكة،افْتَرَقت بدايتها عن نهايتها..،:اسـ ـكت
تلك "اسكت" اجْترعتها مسامعه ليُتَرْجمها عقله بالمُقابل بـ"اكمل" ليُواصِل بصْقَ حَديثه المُتَخَثّر وسَط روحها،:تصيرين غَزال رَقيق..حِمْل وَديع في حضني لأني أرضي أُنوثتش..و أغَذّي غرورش "ناشَدَ رأسه اليُمنى و اليسار يَرْسم أسَفَه و هو يُرْدِف" موجود في حياتش بس عشان ألّبّي رغباتش الأنانية "و بُسخرية" أما شي ثاني،فأنا اعرفه بالصدفة أووو.. بالصَدمة
عَلا صَوْتُها المُخْتَرِقَتَهُ بَحَّة نَحيب لتدحض اتّهاماته،:انــــت قلت لي مابي اعرف شي عن ماضيش..انت اللي قــ ـلت ليش اللحين قاعد تلومني !
ناَفَس صوته عُلو نَبْرَتها مُجيباً و هو يتحرر من جلوسه،:لأنَّه مو ماضي..قاعد ألومش لأن اللي يصير مو ماضي..الماضي ينتسى و يندفن بين السنين و محد يذكره " أشار إليها مُؤكّداً و هو يُكْمِل" لكن انتِ بعدش متمسكة فيه،اشوفه ملتحم مع حياتش..مو قاعد اشوف أي نسيان
زَحَفت للخلف و فَيْضُها اخْتار مَخْدَعاً لهُ فوق الأرْضية الخَشبية المُسْتَقْبِلة انْخفاض وَجْهها..تَراجعت للحائط القَريب مُسْتَنِدة كَمَن يَحْتَمي من هُجوم أَعْداء..كانت اتْهاماته عَدُوَّها المُحاصِر مدينة كبْريائها..لا تُريد لأَحَد أن يُؤَكّد لها امْتزاجها بالماضي..ذوبانها بين سنين الرَّسائل و انْعِقاد قَلْبها بنَبْضة شُعور لَذيذ تَرْفُض بَيْعه للزَّمن ليَعْتَمِر قُلُنْسوة "الماضي"..،ببطئ مُرْتَعِش ارْتَفَعت كَفَّاها لتستقران فوق أُذنها،تَحْجِب مدافع كلماته عن مسْمَعَيْها..هُو اقْتَرَب من مكان انْطوائها،يُشاهِد بقلبه ضعفها المُتَدَثّر بخرْقة بالية تُسَمَّى الكبْرياء..يَعْتَقدهُ البَعْض قوَّة و إنّما هُو هاوية تَنْتَحِر عندها الحياة..،احْنى ظَهْره قَليلاً ليتسنَّى لهُ رؤية ملامحها جيَّداً،نَقَلَ بصره بين عيْنيها المُغْمَضتين بقوَّة تُشير إلى رَفْضها للبَوْح المَسْجون في صدره..هَمَسَ بلَحْن سُؤال مَسَّ أَوْتار التأنيب المُتَهَدّلة في نَفْسِها،:بشنو كنتِ تفكرين يوم جبتين الرسايل اهني ؟ "اسْتقام في وقوفه ماسَّاً صدغه يُتَرْجِم اسْتنكاره لفعلتها و هو يُرْدِف" شي حسَّاس مثل هذا ما كان يصير انا اشوفه! "و بنفاذ صَبْر نُحِت بين حاجبيه" ما يصير زوجش ينصدم كل مرَّة بعلاقاتش السَّابقة
تَلقَّفَ تَوَتُّر ملامحه بكَفَّيه مع اقْتران زَفْرة مُتْعَبة بالهواء،فَرَّت من صدره المُتَّخِم بالتنهيدات..هي ضَعَّفت من انْطوائها و تَنَشُّقِها سَلَكَ طَريق الهُدوء و كأنَّه يعلم أنَّ كلماته الأخيرة سَتَعْصِف به للحد الذي سيَنْحَر أَنْفاسَها..،أَزاح يديه عن وجهه،اسْتَقَرَّ بهما حَوْل عُنُقِه..زَمَّ شفتيه للحظات،مالَ رأسه بخفَّة مع تَسَلّق يُمْناه رأسه قابِضة بأصابعها على خصلاته..و بصَوْت تَبَنَّى من الشتاء لسعة جَليده،:اخْتاري..يا أنا حاضرش و مستقبلش..يا الماضي..الزَّمن اللي عَكَّر لحظاتنا من أول يوم لين هالثانية
,،
قَدْ نُلام إذا سَرَقَ المَرَضُ ألْوانَنا و قَبِلْنا عَيْشاً رَماديا..قَدْ نُلام حينما تَنْفث الآلامُ حُمَمَها و نَرْفَع راية اسْتسْلامنا بعَينٍ تَسْكُب الدَّمْع لا تَرْتَشِف الأمَل..و قَدْ نُلام و نُلام و نُلام..إذا أمَتْنا الرُّوح بأيْدينا و النَّفَسُ لا زالَ يُحَلّق في جَوْفها..طَيْرٌ يَهْفو لِهِجْرة تَنْقِلَهُ من سَماء دُّلْسة،ابْتسامَتُها تُظْهِر أَنْيابَ لَيْثٍ خَبيث..إلى سَماء تَتَسَرْبَل ببياضِ فَجْرٍ تُناغيه مَغازِلُ شَمْسٌ لامِعة،تُهْدي الطَّيْرَ إلى أرْضِ الأمَل و البَقاء..،ميريل..شابَّة في الثانية و الثَّلاثون،إحْدى مُحاربات سَرَطان الثَّدي..أَخْبَروها بحُزْنٍ بَليغ و ملامح مُتَوَشّحة بالسَّواد اسْتعداداُ لموتٍ تَوَقَّعَتهُ النَّفْس الجَبانة،بأنَّها سَتَعيش لأرْبَعةِ أَشْهُر فَقَط..و هاهي قَريباً سَتُكْمِل السَّنة الثالثة مُنذُ تَلَقّيها الخَبَر..،كانت اليُوم الأيْقونة لهذا المَحْضَر الذي يُناقش العامل النَّفْسي و دَوْره لمُحاربة السَّرَطان..،كانت مُتأنّقة ببساطة..تَتَحَدَّث بانْتعاش و حَماس أَفْصَحَت عنهُ كلماتها الواثِقة..ابْتسامة كما إشْراقة شَمْس رَبيعية..و فَوْق وَجْنَتيها نَبَتَ زَهْرٌ أحْمَر يَضجُّ بالحياة..و في عَيْنَيها تَلْمَحُ بَريقٌ خاطِف يَهْتف بَعَزم..سَأعيش ! بفَخْر سَرَدت تَفاصيل رحْلَتها للتَغَلُّب على خُبْث المَرَض..هي لم تَعْتَكِف فَوْق سَريرٍ بَياضهُ الباهِت يُجَمّد العُروق و لا بين أدْوية رائحتها تَخْنِق الفَرَح المَغْروس بين أَضْلاعٍ مُتَمَسّكة بالحياة..كانت قد اشْتَرَكت قَبْل عامين في نادٍ صحّي على إثْره استَرَدَّت رَشاقَتها أيَّامُ مُراهَقتها..أَصْبَحت أكْثَرُ شَباباً و ازْدادَ ألَقها..،هي لم تَكْتَفِ و عَرَّجت على دُور الأزْياء في مَنْطِقتها تَعْرض مَوْهِبَتها في التَصْميم،زَرَعت و حَصَدَت..فالشَّهْرُ القادم سيَنْطَلق أوَّل مَعْرض خاص بها لبَيْع تَصاميمها..بل ثِمارها التي أَجْنَتها من مَعْركة شَجاعتها..، إلى جانب أنَّها سَتُلْقي غَداً الكَلِمة الخاصة لأوْلياء الأمور في حَفْل تَفَوُّق صَغيرتها..،الجَميع هُنا اتَّفَقَ على ضرورة تَفْعيل الطُب النَّفْسي للتَصَدّي لهذا المَرض..فالدراسات أثْبَتت أنَّ العامل النَّفْسي هو أحَد الأسْلِحة الفَتَّاكة لمُحاربته..كُلَّما زادت الإبْتسامة و زاد الإيمان بالشفاء ضَعُفَ المَرض و أَصْبَحَ أكْثَرُ هَشاشة..و هُنا يُسْتطاع تَدْميره بسهولة..،كذلك سارة التي أعاد لها لقائها مع عائلتها الصَّغيرة حَيَوِيَّتها اقْتَرَحت أن يَتم عَقْد دَوْرات تَوْعَوية و إرْشادية لأهْل المُحارِب..فالبَعْض و إن كان يَحْمل بين كَفّيه قُوَّة ثَمينة يأتي أقرباؤه و بقَبْضة اليأس يَنْهَبونها منه..لذلك يَجب تَحْصين جَميع الأطْراف لتَكون النَتائج ناجِحة..،أمَّا هي..فلم تنبس ببنت شَفة،مُنْطَوية في مَقْعَدِها..مُسْتَمِعة على غَيْر العادة..تُقَلّب عَيْنَيها على الوُجوه المُتَحَدّثة وَسط قاعة المُؤتمرات الواسِعة التابِعة للفندق..و على الرَّغم من صَمْتِها هذا إلا أنَّها كانت تَتَوَشَّح بابْتسامة رَقيقة،صَدَعَت قَلْبَها بمَلَق و غَفَت مِثْلَ حُلْم فَوْقَ شَفَتيها الصَّغيرتين..بطَريقة أو بأخْرى كانت تُقارِن بينها و بين هذه المُحارِبة..ميريل الجَميلة..لوَهْلة شَعَرت بسُخْف حُزْنِها اذا ما وَضعناه فوق كفَّة الميزان إلى جانب ما عانتهُ ميريل..ستَخْسَرُ حَتْماً..فهي لا زالت و بفضل الله بصحَّة و عافية..في كَنف والديها تَعيش بلا فَقْدٍ أو احْتياج..فكيف تَنْحَني للأسَى و تَسْمَح لأصابعه السَّوداء أن تَطْمس فَرَحها ؟! فالتبكي اذا عاثَ النَّوحُ في صَدْرها..و لتَشْكو لله..لوالديها..فيصل،جُود و سارة..فلْتَتَرَشَّح من البُؤس و لتَخْلَع ثَوْب الكآبة ثُمَّ تَقِف..برُوح تَتَطَلَّع للأفْضَل و بابتسامة تأمْل خَيْرا..فليس عَدْلاً أن تَتَمَرَّغ في وَحْل الحُزْن إلى الأبَد..،انْتهت المُحاضرة بعد أن أبْدى الجَميع رأيه في نقاش ودّي جَمَعَ أطْيافاً من البَشَر..جنسيات و أعْراق و ديانات مُخْتَلِفة جَمَعتها الإنْسانية..،غادَرت القاعة مع سارة التي كانت تُحادث زَوْجَها..أنْهَت الإتصال مع اقْترابهما من المَصْعَد..تَساءلت هي،:بتتغدين وياهم ؟
بابْتسامة واسِعة و صَوْت مُفْعَم بالحماس،:ايــــه بنتغدا مع بعض..تعالي ويانا نُوور
هَزَّت رأسها نافِية و الإبْتسامة لم تُفارق مَحْياها،:لا حبيبتي انتو خذوا راحتكم..و انا بكلم بابا اذا مو مشغول بتغدا عنده
،:على راحتش "أشارت للمصعد الذي فُتِح بابه" بتركبين الغُرْفة ؟ انا بروح اخذ لي جم غَرَض
و هي تُناولها دَفْترها الصَّغير،:لا ما بروح..بس اخذي هذا رجعيه فوق "لَوَّحت لها و هي تَبْتَعد للباب لتَخْرُج" يله اشوفش بعدين
تَجاوزت الباب الزُجاجي فاصِلة جَسَدها عن هُدوء المَبْنى لتَنْخَرِط مع ضَجيج المَدينة القابِع سُكون لَذيذ بين صَخَبِه..احْتَضَنت جَسَدَها و هي تَرْفَعُ رأسَها للسَّماء مُبْصِرة بعَيْن ضائقة تَزاحُم الغُيوم بجَمالية ساحِرة وَسَطها..كما يُقَال،مُلَبَّدة بالغُيوم الشَّهية كقَزَع قُطْن بيْضاء..كان الجَو يَحْمل بين نَسَماته بضع هَبَّات بارِدة تُرْعِش عِظامها..تَشْعُر و كأنَّ الهَواء يَعْبر أنْفَها ليَتَجَمَّد وَسَط رئتيها..،تَلَفَّتَت و هي تَخْطو بهُدوء..الأَغْلَب كان يَرْتَدي ملابس ربيعية أو صَيْفية بالأحرى..على عَكْسها هي المُتَدَثّرة بمعْطَف صُوفي..مَسَّت طَرف شَفتها السُّفلية بأسنانها قَبْل أن تَفُر منها ضِحكة قَصيرة..فهذا الجَو في بلدها شِتــاء ! واصَلَت امْتزاجها مع النَّاس و الأجْواء للحد الذي أَنْساها قَرارها لمُحادَثة والدها..مِثْل مَصْل تَخْدير كان حَديث ميريل..تَعْلَم أنَّ مَفْعوله سيَنْتهي بعد فَتْرة و لكنَّها لم تَحْرُم نَفْسها من الاسْتمتاع بالشُّعور الذي وَلَّده بين عُروقها..الإسْترخاء عانَقَ أطْرافها مُنَقّحاً حَواسها من أي تَشَنُّجات تَوَتُّر..مَحَّصَت فِكْرها و جَواها من آثار الخَبَر الذي صَفَعها بهِ والدَها..تَناست جُمْلته "فكري يا بنتي لا تتسرعين" و حَشَرَت إصْبعيها وَسَط أُذنيها حتى لا يَتَرَدّد صَوْتُها المَصْدوم " يُبــه مابيــه..مابي خالـ ـه" تَجَرَّدَت من كُل عُسْر و أَبْقَت رُوحها الضَئيلة تَتَغذى على الرَّاحة.. ولو لساعة..،مضَت دقائق عَديدة لم تنتبه لها و هي لا زالت مُواصِلة خُطواتها..أَخيراً جَذَب نَظراتها النَّهر المُلْتَوي كأَفْعى على يمينها..اقْتَرَبت حتى حَطَّت قَدَمَيها على الجِسْر و الأشْجار تَحُفَّها من الجانبين..و كأنَّها تَتَغنى مُرَحّبة بقُدومها..أَغْمَضَت مُسْتَنشِقة بعُمْق عُطور البتلَّات المُرَفْرِفة بنعومة..اَوْراق الشَّجَر..التُرْبَة النَقيَّة..تَمَوُّجات النَّهْر الشَّفاف و هَدير الحَمام الأبْيَض..هي اسْتَنْشَقت الحياة في نَفَس..،
هَمْسٌ خافِت لَهُ بَحَّة مسائية لَذيذة،:مَساء الخيـــر
ثوانٍ بَسيطة اسْتعارتها لتُهَدّأ نَبْضَها المَلْهوف و من ثُمَّ،:أهليـــن
سَحَابَتان بأهْداب طَويلة كانا جِفْناها..ارْتَفَعا كاشفان عَدَستيها المُنْتَشيتان بوُضوح..لم تَنْظُر إليه و تَقَدَّمت بهدوء نَحو السُّور..تَمَسَّكت بهِ بكَفَّيها الصَّغيرتين و انطْلَقَت في رحْلة تَأمُّل ساكِنة..و هو بالهُدوء ذَّاته اقْتَرَب تارِكاً مَسافة بَيْنهما..أَرْخى ذراعيه فَوْقَ السُّور و اسْتَقَلَّ القِطار ذَّاته..،
,،
تُراقِب المَجال بعُيون فارِغة..بُحَّت من دَمْعٍ آسِن أَشْعَلَ وَخْزاً مُؤلماً وَسَطها..لم تَعْتَرِض عندما أتَتَها والدتها لتُخْبِرها بانتقالَهما المُفاجئ لمَنْزِل أخاها..هي لو بَشَّروها بالمَقْبَرة لحَفَرَت قَبْرَها بيَديها..و إن تَطَلَّب الأَمْرُ أن تَحْفُر بجُلَّ حَواسِها..،لم تَلْتَفِت لحَجْم الغُرْفة و وسْعها،البَياض المُتَحَلّية بهِ الجُدْران كانت تُبْصِرْهُ سَوادُ مُدْلَهِم لا تَمْرَقَهُ أَلْوانُ حَياة..،كانت الأضْواء صَفْراء خافِتة..لو كانت رُوحها طَبيعية لأبْدَت إنْزِعاجَها من كآبتها..لكنَّها لم تَكُن تَرى سُوى الظَّلام و لا غَيْره..يَحْموم شَديد الإعْتام ذاك الذي كان يَغْشي عالَمَها..،وَسَط السَّرير كانت تَجْلُس،حتى الآن لم تَتَخْلَّ عن جُلوسها مُذ أن وَقَعت الواقِعة..مُحْتَضِنة ساقيها لصَدْرَها لا تَرْسُم الأمان بل تُري الحَياة خَسارَتَها..فهي بلا رُوح تَجْلُس،وَجْهُها قَدْ تَصَلَّبَ من شُعور..لا تَجاعيد ابْتسامة و لا تَهَدُّل ملامح من عُبُوس..خَدَّيها قد نَهَبَ الدَّمْعُ نَضارَتهما و حَوْلَ أنْفها اسْتَقَرَّ احْمرار باهِت يُثير الإسْتعطاف..كانت لَوْحة انْكسار مُشَوَّهة المَلامح..فالنَّاظِر يَبْحَث و يُنَبّش عن نهاية لكَمَدِها و لكنَّ مُحاولاته تَبوء بالفَشل..فهو انْكسار أَبَدي،يُسْتَحال انتهاؤه..،كانت تَرْتَدي مَنامة سَوْداء..حِداداً على ذَبْح عُذْريَتها..شَعْرها مَرْفوع بإهمال و بضع خُصْلات ذابِلة تَدَلَّت لتُناغي جانب وجهها و عُنُقِها..عَلَّها تَرْتَشِف منها عَذْبَ ماء..و لكن لم يُواجهها سَوى قَحَطٌ زادها ذُبولاً..،طَرْقُ الباب لم يُحَرّك فيها ساكِناً..أَتْبَعهُ صَوْتُ حُور الرَّقيق،:يصير ادْخل ؟
كما تَوَقَّعَت..لا َجَواب أو رَفَّة رِمْش تُؤكّد لهم أنَّها بخير..غادَرَت صَدْرها تَنهيدة مَكْتومة قَبْل أن تُشَرّع الباب لتَدْخُل..تَقَدَّمت دون أن تُغْلِقه و بجانبها فَوْقَ السَّرير جَلَست مُتسائِلة،:حَبيبتي ملاك ما تبين تاكلين؟
شَفَتان مُطْبَقَتان و ضُمُورٌ للوُجود غَشَى حَواسها..نَطَقَت حُور برجاء حَشْرَجَ صَوْتَها،:مَلاك أرجـ ـوش بس ردّي علي..حتى لو ماتبين سَمْعيني صوتش
أنْهَت جُمْلَة رَجاءَها ثُمَّ قَلَّبَت بَصَرَها على وَجْهها تَبْحَث عن حَراكٍ يُطَمئنها..أَخْفَضَت جفْنيها بقلّة حيلة بعد أن لم يَصَلُها سوى شَذرات جَليد لاسِعة..تَحَرَّكت تُريد أن تَبْتَعِد..
،:مابي شي..ابي انام
بسُرْعة عادت أنْظارَها إليها..و كأنَّها تُريد أن تتأكَّد أن الصَّوت كان منها..على الرّغم من أنَّ الخَواء المَعْقود بنَبْرَتها كان الدليل على أنَّهُ رُفِع من حَنْجَرَتِها المأهولة بالغَصَّات..ابْتسامة راحة غَفَت على شَفَتيها و هي تَقُول بود،:حبيبتي نامي ارْتاحي..و اذا بغيتين شي كلنا برا تحت أمرش
ابْتَعَدَت بعد أن طَبَعت آثار شَفَتيها بحَنان على خَدَّها القَريب..غادَرت الغُرْفة مُغْلِقة الباب من خَلْفها و مُباشَرة تَوَجَّهت إلى حَيْثُ يَجْلس زَوْجَها و والدته التي تَساءلت و القَلَقُ عَباءَتها الغاشِية حَواسها،:ها بشري ؟
هَزَّت رأسها بأسَى و هي تُلْقي بجَسَدها على الأريكة بجانب يُوسف كمن يُلْقي حِمْلاً أَثْقَل كاهله،:بالغصب تحجَّت..تقول ماتبي شي،تبي تنام
نَطَقَت تُصَبّر فُؤاد أم اضْمَحَّل بعد أن اقتَطَعت منهُ حُجْرة صَيَّرتها مَهْداً يَحْفَظ صَغيرتها،:الحمدلله..الحمد لله،عالأقل تحجَّت
بتَرَدُّد اقْتَرَحت حُور و هي تَعْبَث بأصابعها،:عمتي..اذا طَوَّل وضعها جذي احس لازم نشوف دكتورة نَفْسيَّة ما يصـ
أرْجَفتها زَمْجَرة يُوسف المُعْتَرِضة،:لااا..دكتورة نفسيَّة لا..أختي بتصير زينة ان شاء الله..الدكتورة بتزيد تعبها تعب و بتعقّدها
ابْتَلَعَت كلماتها دون أن تُضيف حَرْف آخر..فهي تَعْلم جَيَّداً كيف شَوَّهت ألْسنة الأطبّاء قَلْبه و عَبَثَت أدْويتهم بعَقْله..و رَفْضه هذا لن تَسْتغربه أبداً..فهي كانت الشَّاهِدة لثلاث سنوات على تَخَبُّطه..و اَسَفاً أنَّ خَلاصه يَقْبَع بين ما ذُكِر..،رَنينُ الجَرَس تَداخل مع جُلوسهم..وَقَفَ يُوسف مُنْسَلِخاً عن التَوَتُّر الذي أجَّجَتهُ فِكْرة زَوْجَته..تَوَجَّهَ مُباشَرة للباب..فَتَحَهُ ليَتَّضح لهُ رَجُلاً غَريـباً نصف ملامحه لم تَكُن واضِحة إثْر إخْفاضه لرأسه..يَقِفُ باسْتقامة و يَداه مَحْفوظتان في جيبيه..،عُقْدة قَرَّبت ما بين حاجبيه و هو يَراه على هذا السُّكون..تَساءل باستفسار،:خير أخوي شبَغيت ؟
رَفَع رأسه بهُدوء ريح مُبْهَمة الإتّجاه زَعْزعَت تَوَجُّس يُوسف..بنِصْف ابْتسامة لَوْنُها الشُّحوب نَطَقَ وصَوْته قَدْ اجْتَرَعَهُ الغُموض،:بغيـت الوالدة
,،
يتبع
|