كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
الجزء السابع و الثلاثون
الفَصْل الأوَّل
ساعات اليوم الأولى
اسْتَيْقَظَت على صَوْت ذَّاتها..وَجْسٌ يَكادُ يَتلاشى يَتَقَطَّع من عُظْم البَحَّات..صَوْتٌ يَهْمِسُ لها ببقايا أمَل ارتَشَفَهُ من نَصيحة أحْمَد و الْتَقَطَ بعضهُ من حَديث مُحَمَّد..يَهْمِس بالنجاة من غَرَقٍ لم يَكُن لهُ مُبَرّر..فذاكَ الحُب الذي اخْتَنَقَ من غَصَّات بُكاء كان هُوَ جَليس لياليها حُبٌّ يَفْتَقِد للوفاء..عارٍ من جَمال البَقاء..فَهوَ انتهى من أول نَكْبة واجهتهما..لم يَسْتَمِع و لم يقتنع،حَشى مَسامعه بتَرُهات كِبْريائه و صَدَّقَ ما أحاكَتهُ لهُ أصابع الشَكّ..لم يَكُن حُبَّاً أبَدي بل كان سَحابة أنْعَشتها لوَهْلة قبْلَ أن يأتيها الخَريف..نَعَم الخَريف فالقَلبُ شاب و الروح تآكَلت من تجاعيد فِراق..تَمَنَّت لو أتاها الشتاء بديلاً ناحِتاً فَوقَ جَليده طَريقَ السعادة خَيرٌ من تَصَدُّعات خَلَّفها بين حُجْرات قَلْبها دوي سُقوط أوراق أُنوثتها..،كان الفَجْرُ يَسْتقبل التَكْبير و القَمَرُ قد تَوارى خَلفَ سُحُبٍ يُمارس خُلوة سُكون كان لها الأثَرُ على روحها..غادَرت السَرير بخفَّة و عيناها تُراقِبان ملامح صَغيرتها المُسْتَسلِمة لنَومٍ هادئ..اتَجَهَت لدورة المياه تُسْبِغ وُضوءَها،تُطَهّر نَفسَها من احتلال شَيطان أرْمَد الحياة في عَينيها..وَسْوَسَ لها بأنَّ مفاتيح سَعادتها و ألوان بَهْجَتها بين يَدي ذاك الرافض خَلْعَ شِسع كِبريائه..،انْطَوت في الزَّاوية التي اعتادت أن تَتَكاشف فيها مَعَ رَبّها،تَرَشَّحت من سُمُومٍ غَيَّبت عنها الوَعي لفَترة طَويـلة أسَفاً أنَّها أصْبَحَت هَباءً مَنثوراً لا يُجَمَّع..ناجَتهُ بقَلبٍ صادِق جُرِحَ و اكْتوى و ها هو اليَوم يَطْلُبُ شِفاءً لا سُقْمَ بَعْدَه..،رَفعت أكُفَّ رَجائها..أحْنَت ما بَقِيَ مُسْتَقيماً من كاهِلها..غابت بين نَبضاتها الخاشعة لسُجُودٍ لم تَرْفَع رأسها منه إلا و هي بوزن قَطْرة نَدى صافية..و من أسْفَلها اجْتَرعَت الأرض وَحَلُ سَلبيات تَراكمت لزَمَن بين خَلجاتها حتى باتت جُزْءاً من تَكوينها..أنْعَشَت بَصَرها بحَديث خالِقَها والبَصيرة بهِ استكانت..دَثَّرت ابتسامة راحـة شفتيها و هي تخلع ثَوبَ صلاتها لتُصَب أمواجها فوق كَتِفَيها و ظهرها تُسْقِيهم جَمالاً فَريداً..انتَبَذت لها مَوضعاً للتأمل من خلف النافذة..تُراقِب بذراعين تعقدان القَرار فوق صدرها..و بين عَينيها يَلُوح أُفقٌ يَعِد بالانسلاخ عن نتانة الضَعف..اكْتَفَت بُكاءً اتَخَذّ من حبالها الصَوتية أوتاراً لهُ ليَعزف سُمفونيات أسـى مُخَلَّدة وسط الروح..اكْتَفَت من غيرة نَهَشَت قَلْبها حَدَّ الشُعور بالاحتراق..حَدَّ الرَّغبة بالصُراخ و حَدَّ الانهيار..ستُغلِق بَوَّابتها المُسْتَقْبِلة أصنافاً من عَذاباتٍ ضَعَّفت سوادَ عَيْشها..مَالَ رأسها تُسْنِد جانبه للنافِذة و العَقْل قد بَدَأ نقاشِه مع القَلب..سَتَحُبه بِصَمْت و مع شَعْب نبضاتها ستُسكِنه..شَرطاً أنَّها سَتُسْكِن رَبيعه فَقَط مُشيحة وَجَهها عن سُوء ذِكراه..هي سَتكون بَكْماء عن فَصحٍ قد يُحيلها امْرَأة تُطالب باللقاء و لا لُقيا لها سُوى الهُجران و ستجترع بتَسْليم مُرَّ فَقدها له لأُخرى..،واصَلت تأمُّلها إلى الحين الذي حَيَّتها فيه حُزُم الصَّباح الرَقيقة،الشَهَيَّة مثل قِطعة سُكَّر..استَحَمَّت و قطرات الماء العابِرة جَسَدها بانصباب كَثيف أنعشتها..على الرُغم من أنَّ حُزْناً نادم يهتف وسط قلبها إلا أنَّ الروح كانت مُرتاحة..رُبما هذا التناقض قد ينجلي بانتهاء عِدَّتها..،كانت الساعة تُشير للسادسة و دقيقتان عندما استراحت شفتيها فوق جَبين صَغيرتها..ظَلَّت هُناك غافية لثوانٍ و أنفها يَعْبره عَبيـرٌ دافئ لهُ رائحة طُفولة..ابتعدت بعد أن ارتوت أمَلاً جَديداً و عيناها تُحَلَّقان فوق ملامحها البَريئة..إلهـي أيُّ أمـان ذاك الذي تَزرعه وسط روح عبدك إن أتاك يَبُثُ حُزنه و ينحني لك بضعفه ؟ تَركت الغُرفة بعد أن غَطَّتها جَيَّداً،اتجهت لغُرفة والديها،طَرَقت الباب قبل أن تدلف لتُقابل والدتها التي تَحَرَّكت عيناها من السقف لابنتها..تَقَدَّمت و هي تستدير لجهتها..أحنت ظهرها قَليلاً هامسةً و عيناها على والدها النادر تواجده هُنا،:ماما أنا بروح الشغل،تركت باب غرفة جَنى مفتوح و خبرتها قبل لا تنام اذا قعدت تجي عندش
أومَأت لها قبل أن تُعَقّب،:ما عليه " وأضافت بتساؤل و عيناها تلمحان الساعة المُبَكّرة" بس مو كأنه توه وقت على دوامش ؟ حتى ست و نص ما صارت !
ابتسامة ناعـمة..نَقيَّة و صادقة بانت على شفتيها و هي تُجيب،:قعدت من وقت فقلت ليش ما اجرب ولو لمرة اكون أول المداومين ؟ "استقام ظهرها و هي تُردِف" ماما انتبهي لها و كلميني اذا قعدت و انا كل ما افضى بكلمكم
ابتسامة حَنان نَهَبَها ماضٍ اقتات على الفقد زارت شفتيها و عدستاها احتضنهما صِدقٌ يَعزف لحن مشاعر ناغت قلب جِنان حتى تَمَنَّت لو تَعود ابنة الثالثة لتنطوي بين أحضان والدتها..هَمَست تُطَمئنها،:لا تحاتين حبيبتي..روحي شغلش و جَنى أمانة عندي
تأملتها و هي تبتعد لتَخرُج و في داخلها ارتفعت رايات عَزمٍ كان مَقصدهُ غَرسَ بُذور اعتذار لتُهدي ثمارها جَنى الصغيرة..هي ستعتذر عن تقصيرها اللامُغتَفر عن طريق هذه الطفلة..ستُعَوض جِنان في ابنتها..و ستُعيد إحياء أُمومتها مع جَنى..،
,،
دُبْلن على أعتاب الفَجْر
أيْقَظَتها غُصَصٌ غَفَت بسَيطَرة حَول حَنْجَرَتَها بعد أن وُلِدَت من رَحْمِ بُكاءٍ ثُكِلَ راحةً تَخَبَّطت بين ظُلُماته بعد أن نالت منهُ أحداث لا تُفَسَّر..نعم لا تُفَسَّر فهي إلى الآن غير قادرة على إصْمات سَيل الأسئلة المُتساقطة فوق صفحاتها..لم تستطع أن تُكبِح تَفَجُّرها بنقطة إنتهاء..فالنهاية لا زالت بعيدة عنها..،اسْتَقَرَّت بباطن كَفَّها على السرير و جَسَدَها يَميلُ بخفَّة جَانباً و هي ترفعه مُحَوّرة استلقائها إلى جُلوسٍ بانت ملامح الإرهاق عليه،فالكَتِفان يُهَدّلهما إنحناء بَسيط و الساقان إحداهما ارتفعت مُقْتَرِبة من الانطواء و الأخرى أُسْبِلت بنصف طاقة..تَلَفَّتت تُوَزّع نظراتها الضائقة من نَومٍ تَجَرَّد من معاني الراحة على الغُرفة إلى أن استقَرَّت بها على جَسَد والدها المُستَكين عند بداية السرير..رَفَعَت كَفَّها المُتَنَمّلة أطراف أصابعها لتُخَلّلها في شعرها الباهتة خُصلاته بوضوح،فَرُبَّما اجْتَرَعَت بُهوت روحها..حَرَّكتها حتى استَقَرَّت خَلفَ عُنُقِها مع الإفراج عن زَفْرة طَويــلة بطُول الأسـى المُعانِق ذَّاتها مُذ وُجّهت لها أصابع الإتّهام..أرخَت جفنيها تحتضن تَخَبُّط عَدستيها بساعات الليلة الماضية..مال رأسها بخفَّة و خيالها و هي بين أحضان والدها يرتسم خلف جفنيها..بَكَت إلى الحَد الذي جعلها تَتَخّم من اللّوعات..إلى الحدّ الذي صَعَّب عليها ابتياع الأنفاس من رئتيها اللتان نال منهما انكماش صَدَّع أطرافهما من حِدَّة الشَهقات التي اقتطعتهما بقسوة لا زال ألَمُها ينبض وسطهما..بَكَت و لم يُصْمِت والدها البُكاء..اسْتَقْبَلَ دُموعها كما اسْتَقْبَلَ استفراغها برحابة صَدْر..عادت لتُبصِر و إمارات حَرَج شاركت التَعَب الإنعقاد بملامحها فهي كما تُخْبِرها ذاكرتها أنَّها قد قَذَّرت ملابسه عندما احتوى ضعفها..التَقَطت أسنانها زاوية شفتها السُفلى و هي تَميل يَساراً تَجول بعينيها على صدره تبحث عن أثرٍ قَبْلَ أن يَتَّضِح لها أنَّهُ أبْدَلهم..عادت و أفْرَغت زَفْرة جَديدة..و يَبدو أنَّ الزَفَرات قد استكانت وسط صَدرها شَعْباً يَعْمَل لِتَرشيح جَواها من تَرَاكُمات ثَقَّلت أنفاسها..تَحَرَّكت و هي تُبعِد الغِطاء المُتَكَوّم أسفل خصرها لتَترك السَرير مُتَقَدّمة نَحو النافذة المُتَدَثّرة بستائر امْتَصَّت لَون البَحر حاجِبة الرؤيا عما رُسِمَ من جَمال خَلف الزُجاج..أزاحتها بأطراف أناملها لتُبصِر سَماءً ارْتَدَت فُسْتان غَسَقٍ لم تَغزله خُيوط شَمسٌ دافِئة..استدارت تُراقِب عَقارب الساعَّة المُعَلَّقة..اذاً وقتُ الصلاة لم يَدخُل بَعْد..،تَحَرَّكت للباب المُغَلَق في الزاوية اليُمنى من الغُرفة و الذي كان دَورة مياه صَغيرة..دَلَفت لتستقبلها مُباشرة المرآة مُحْدِثة اضطراباً بين نَبضاتها..اقْتَرَبت أكثر حتى الَتَصَقَ أسْفل بطنها بالمَغْسَلة،رَفَعت كَفَّيها تَحُط بباطنهما على وجنتيها تَمس اهتراءهما..جَفَافهما من مِلح صَبيب أغرقها..تَصَدُّعات الدُموع لم يَسْتُر الليل فضائحها..و وَجَع الروح جُسّدَ على هَيْئة خُطوط بَتَرت نُعومة ملامحها..فوجهها يَبدو كَبَرية اغتالتها حَربٌ و هي غافِلة حتى صَيَّرتها بَلقعاً لا يَحوي سوى آثارٍ تَدُق ناقُوس الألم..،احْتَضَنت بَلايا وجهها بيديها و كان لزَفرة جَديدة الفُرصة للامتزاج مع ذَّرات الهواء..أبْعَدتهما لتنتقلان لخصلاتها..حَلَّت الرَّبطة المُرْتَخِية ثُمَّ عادت و عَقدتها حولهن لتَستَقِر بهن عَلى كَتِفِها..،فَتَحت الصنبور و عيناها تُتابعان اندفاع مائه بدِقَّة و كأنَّها تُقيس انسيابه و سلاسته و تُقارنه بتَكَتُّلِها و تَشَبُّثِها بأرض الضَياع..رافِضةً ارْتداء ثَوب الجُرأة و التَخَلّي عن قَلنسوة الخَوف..ليتها نَهْراً مُنْدَفِع لا تُعارض مَسيره صُخور خَبيثة..ليتها نَهْراً يمتزج بهِ جَوابٌ تَخشاه..،رَفعت عينيها للمرآة من جَديد..تلك العَينان المَدْعوجتان باحمرار مُنتَفِخ..أخفضتهما قَليلاً لتستقر بهما فوق ارتفاع أنفٍ نال منهُ رَشحٌ مُؤَقَّت.. ثُمَّ هُناك عند الصَغيرتان القاطع طَريقهما الرَقيق تَشَقّقات هي نَتاج عُبور خناجر الأنَّات..مَرّرت لسانها عليهما تُعيد تَنشيط الحَياة فيهما قَبْل أن تَحْشِر يديها أسْفَل الماء لترفعهما بعد ثوانٍ تَرشَح لَوْحة بُؤسها..تُزيح الرَّمادية المُتَخَثَّرة فوقها تُفسِح المَجال لزَهوٍ قد يَغرس بُذور ألَقَه..،غادرت دَورة المياه بعد دقائق و هي تُجَفّف وجهها و يديها..تناولت حجابها المُرتاح فَوق الوسادة قبل أن تتوقف أمام مرآة التسرحية لتُرَتّبهُ فوق رأسها فرُبَّما تُصادفه في الخارج،و هي أساساً تُريد أن تُصادفه،فرياح الكابوس مَنعتها البارحة من رَسو سَفينتها على شاطئه..ذلك الشاطئ الذي طال جَزره حتى ظَنَّت أنَّ الأرض ابتلعت وُجوده ! تَحتاج أن تُحادثه،أن تُفصِح لهُ عن الجِراح التي أسكنتها أُخته في روحها،تُريد أن تَحكي لهُ عن كَسْرٍ ألبَسَ قَلب عبدالله قَهراً أسفاً أنَّها كانت مُسَبّبه..،فَتَحت الباب بهدوء و عيناها تُراقبان تَقَلُّب والدها المُسْتَسلم لأذْرع النَوم..أَغْلَقته من خلفها قَبْل أن تَتَقَدَّم خطوة واحدة ثُمَّ تَقِف..اصطدمت أصابع يديها و الارتباك بدأ بشن حَمْلته على مفاصلها..عَدَستاها ببطئ شَديد تَحركتا على المَجال من حَولها تَبحَث عن أثرٍ له..رَفَيفٌ أقْرَبُ للبرودة داعَب نبضاتها لتستعر و هي تَلمَح باب غُرفته المَفتوح منه جزء بَسيط تَسَلَّلت من خلاله الأضواء المَفتوحة..اقْتَربت دون أن يَصدُر لخطواتها الحافية أيُّ صَوت،فلم يَكُن يَرتفع سوى صوت غَبْش الليل المُتعانق مع هَدير أرواح نائمة..تَوَقَّفت أمام الباب على بُعد خطوة فقط..مالت بخفَّة تَسمح لنفسها بالنَّظَر و أطباعٌ ماضية كانت تُسَيّرها..فهي لطالما اتَّخَذت مُراقبته خِلسة هِواية لها..كانت تنتعش عندما تُشاهِد عَفَويته وَ هو وَحيداً،لا تَحكم حَواسه قُيودٌ يَفْرضها الآخرون عليه..،عُقْدة استنكار قَرَّبت ما بين حاجبيها و مَنظَرٌ لم تُبصِره حتى ذاكرتها تَراه الآن واضِحاً أمامها..طَلال غارقٌ بين سُجودٍ و رُكوع ! اقْتَرَبت أكثر و يدها باندماج ارتفعت مُسْتَقِرَّة على عَمود الباب الجانبي..غارَ الواقع وسط مُقْلتيها ليَطفو ماضٍ كان فيه يَجْمَع صلاة الفَجر بباقي صلواته ! لم يُنَقّح سُوء نَفسه نصائحها و نصائح غَيداء..هُو لم يَلتفت لحَديث عَبدالله و لم يخضع لتَوبيخ والدها..و ها هي الآن تَراه يُقيم الليل حَتْماً..فوقت الصلاة لم يدخل بَعْد..أيُّ سَبب ذاك الذي انتَشَل روحه من وَحْل الشياطين؟أَكانت زَبانية النيران من حَذَّرته من لَظى لو انْكوى جِلده سَيُبَدَّل من جَديد ليَذوق عَذابها مَرَّةً بعد مرة؟عَقْلها غير قادر على استيعاب المَنظَر و الذَّاكرة ظَلَّت تُقَلّب شَريطها تَبحث عن آخر مَوقف بينهما كانت الصلاة فيه ثالثهما..لكنَّها لم تتذكر سوى تَسْويفه المُنتَصِب شَوكَاً وَسَط قَلبها..،
،:نُـور !
رَمَشَت و استيعابها لا زال رَهْنَ الذِكرى..هَمْهَمت و عيناها ترتفعان دون تَركيز إليه و ما أن التقت بعينيه الغائبتين حتى ارتفعت شَهقة مُتَفاجِئة من صدرها أرْفَعَت حاجبيه..تَرَاجعت للخلف و ذراعاها بتلقائية ارتفعتا تُحيط نفسها بهما و هَو التقط فعلتها هذه..التقطها مُجْتَرِعاً عَلقمها،بلا وَعي منها تَحمي نفسها منه..من حَقَارته و شَكاسته..ها هُو يَرى نتائج خَطيئته واقعاً..تَخَبُّط عَدستيها،ارتعاشتها المُحاولة طَمْسَها عن ناظريه و انكماش ملامحها تَقَزّزاً من مَشاهد يَبدو أنَّها تَغزو عَقْلها..تُرى أيُّها تَتَذَكَّر ؟!انتبه لهَمْسُها المُتَعَلّقة به شذرات تَرَدّد..اسْتَمَعَ لها و هو عند الباب داخل الغُرفة و هي على بُعْد ثلاث خطوات منه..،:ليـش..ليـ ـش اختفيت فجأة ؟!
ازدرد صَبْره الواقف على حافَّة الانهيار..مُنذُ عامان هُو صابر،من بعد أن انتهت السُحُب تلك الليلة من ولادة غَيثها ارتدى درع صَبْره..اعتنق الصَّبْر مُذ هَجَرَ وُجوده قُربها و تَركَها فَريسة لنهش أنياب أُخته..صَبَرَ لعَلَّ الزمان يَنطوي و الأيَّام تَتَقَلَّص عائدة لعهدها الأوَّل..لساعة الشؤم تلك و لدقائق الانفصال عن النَفس البَشرية..عن الإنسان الذي أسَفاً أنَّهُ مات داخله..عائدة للثانية التي خان فيها الله..عبدالله و ناصر..خانَ طُفولتها و تَعَلٌّقها فوق كَتفه..كَتَمَ ضحكاتها الشَقيَّة و أعمى بَصَرَها عن جَمالٍ كانت تُقْرنه به..فهي دائماً ما كانت تُذَكّره بأنَّه من الذي يُجَمّلون حياتها..لم تَعْلم أنَّهُ سيقتلع ما أنبته من زَهر في أرضها و سَينحر الجَمال رافعاً دماء الوِحشة و الأســى..،
،:طَــلال ليش ساكت ؟ أرجوك جاوبني !
أخْفَضَ عينيه هارِباً من حِبال الرجاء التي تَمُدَّها إليه..أشاح بوجهه عن ضعفها ليُجيب بصوت قَبَضَ على شتاءات القُرون كُلَّها ليتَجَلَّد حَذَراً من انصهار تُسَبّبه دُموعها المُتراقصة وسط ساحتيها الكَئيبتين،:كان لازم من زمان اختفي..للأسف اتأخرت
شَدَّت على ذراعيها بأصابعها ليرتفع ألماً يُنافس ما قد تنفثه كلماته من وَجَع..تساءلت ببحَّة تعاظم فيها الخَوف،:شـ ـ شـتقصد طلال ؟ يعني شنو اتأخرت ؟
عاد بنظراته إليها مُجيباً و بُروده الغَريب و جداً عليه يَوْخِز حواسها مُثيراً حَنَقها،:اقصد السبب اللي تطلقتين عشانه "صَحَّحَ لنفسه" أو اللي انجبرتين تتطلقين عشانه
اتّسَاع ابْتَلَعَ حَدقتيها مُفْرِجاً عن دَمعة أبَت أن تصمت لتسقط مُخَلّفة ضَجيجاً أرْجَفَ قلبه..قَبَضَ كَفّه يَجْلد ذَّاته الراسمة طَريق هذه الدَمعة و هَمْسُها الخاوي من حياة يَعود لمَسْمَعِه،:يعني انت تدري اني مَجبورة على الطلاق ؟ شــلووون !
وَضَّحَ مُعَقّداً الأمر أكثر عليها،:لأنها سَبَق و هددتني اذا ما تَركت البيت بتفضحنا..بتخَبّر الكل ان بينا شي
نَطَقَت بصَرخة مَكتومة نالت منها غَصَّات الصَّدمة،:بـــس احنا ما بينا شي "كَرَّرت و كأنَّها تُريد أن تقتطع الفِكرة القَبيحة من أرض شُكوكها" ما بينا شي طلال "عادت جُملتها بلحن سؤال مُتَعَطّش لجواب يَنقذها من ضياع" انا و انت مابينا شي صح طـ ـلال ؟
انتقلت بَراءة عينيها على وجهه المأهول بالإجرام..تَبْحث عن الجَواب..تُنَبّش عن راحة تُعيد النقاء لروحها..تُعيد إيقاظ ثقتها بطُهرها المُتَنَجّس بما سَوَّلتهُ لهُ نَفسه الأمَّارة بالسوء..لا رُحمـى نُور..لا رُحمى لكِ صَغيرتي..،فَتَحَ فمه لينطق بكلمات ناقضت طلبها،:وقت الصلاة دخل..روحي صلي لا تأخرينها
,،
عَوْدة للوطن..الساعة الحاليَّة
غَيثٌ عَذْب ينتثر على روحها..روحها الطَير المُحَلّق فَرحاً،المُتَرَدّد صَدى تَغريده و أهازيج سعاداته..و كأنَّ الربيع حَلَّ ضَيفاً دون مَوعِد باثَّاً الحياة بين أزهار أُنوثتها..مُجَدّداً ألوان بتلاتها و ناشراً عَبيراً لم تَشبْع من استنشاقه رئتيها..،نبضاتها ترتطم بجدار قلبها و مُبتغاها فِرارً من ضيق يُقَلّص حَجم فرحتها..ارتعاشة لَذيذة احتضنت أطرافها و أنفاسَها نال منها اللا تَصديق حتى اسْتَعصى عليها شَهيقها و زَفيرها..هَمَسَت و هي تَمس وجنتيها المُحمَرَّتين بوضوح،:ماني مصدقة فيصل !
شَدَّ شفتيه يرسم ابتسامة بَعثرتها أحجْبت عنها تَصَنُّعها،:لا صدقي..لا تظنين إني مُمكن امزح في هالموضوع
نَطَقَت مُوَضّحة،:لا ما اقصد جذي،بس يعني ما توقعت تخطي هالخطوة
ظَلَّ عَبْداً لابتسامته المُصطَنَعة دون أن يُعَقّب على حديثها..فليس بجُعبته أيُّ كلمات..فحروفه تلاشت مُرْمَدة بعد ما أشعلهُ من جُنون..هي أكمَلت بعد أن أخفضت يديها تُحيك بأصابعها وشاح قَلَق،:تتوقع امك توافق ؟ يعني جنان و
قاطعها بحدَّة أراحتها،:جنان لها حياتها و أنا لي حياتي فلا تفكرين في هالموضوع "هَزَّت رأسها بابتسامة ناعمة و هو تراجع للخلف مُردِفاً بنبرة مُزاح" بس عاد ما بخبرش أي يوم الخطبة،خليها مُفاجأة
ضَحَكَت بخفَّة قبْلَ أن تُعَقّب و رأسها يميل جانباً،:على راحتك
أشار بيده للمكتب لينطق و هو عند الباب،:مُوَفَّقة في شغلش الجَديد
أومَأت لهُ برأسها و ابتسامتها تَكاد تطال عينيها هامسة،:شُكراً
استدار فاتحِاً الباب ليَخرُج..و مع إغلاقه له سَقَطت أقنعته التي بَرَع في التَخفّي خلفها..رَفَع كَفّيه يتَلَقَّف اهتراء ملامحه..و أيُّ الأكف تَتَلقَّف ذَّاته العَوجاء ؟ مَسَحَ على وجهه قَبْل أن يُبعدهما خلف عُنُقِه مع عَبور حنجرته المَبحوحة زَفْرة مُرهَقة..عليه أن يُحادِث والدته فِعلاً،إضافة إلى أنَّه يجب عليه أن يَستقبل عاصفتها مهما كان حَجْمُها..،
,،
مساءً
بَحرٌ و قَمرٌ تَوارى نصفه خَلفَ سُحُبٍ اجْتَرَعت رمادية أخْفَى الموج كآَبتها..كانَ مَوْجٌ نَقِيَّاً يَتَهَدْهَد مِثْلَ عَروسٍ تَتَراقص بإغراء..يُداعب الصُخور مُحْدِثاً لَحْناً يَفْتَقِر لرَجُلٍ عاشِق يَصُفُّ أبياتَ غَزَلٍ هي وَسماً تُحيط بِجَيْدِ أُنْثاه..،الرمال تَحْتَضِن جَسدَيهما..تَتَزَوَّد بدفئ جَسده و تَنْفِر عن ذَّراتها بُرودة جَسدها..رُبَّما هذا التناقض بينهما أساسُه العائلة..فَهو بين أبويه يَرْبى..و حَوْلهُ يَكْبر و يَزْهَر إخْوَتِه..يَنام و يَصحو و وسادته لم تُبَلّلها دُموع كابوس غادَرَت المُقْلَتين قَسْراً..يَبْتَسم و الضِحكة تَجوب طُرقات ملامحه،فلا خَوفٌ من أنياب فَقْدٍ تَنْهَش سَعادة الرُوح..هي باتت تَخْشى الفَقْد على الرَغُم من أنَّهُ لم يبقَ لديها شيء لينهبه..كُلُّ الذي كانت تَمْلُكه رَحَّلتهُ الدُنيا إمَّا للسماء أو لزاوية أُخْرى لا تَعلَمُ مُسْتَقَّرها فوق أرضها..فالفَقْدُ صَيَّرها غَريبة تَجُر أسْبال ذِكريات أحبّائها..،نَطَقَ و نظراته تَكتَسي سُخْرِية أغْرَقت صوته،:انتِ تحسبين نفسش بنت أمس اللي جايبتنا البحر نلعب بالرمل ؟!
ارْتَفَعَ حاجِبها و من أسْفَلِه تطايرت أسْهُم جِديَّة مَرَقت رداء سُخريته حتى رَقَّعته و هي تُجيب،:اللحين انت تشوفنا قاعدين نلعب ! "أرْجَعَت خلف أُذنها خصلاتها المُحَلّقة بفعل رَفيف الهواء البَديعي مُرْدفةً و هي تُشير لملابسه" و بعدين قلت لك البس لك شي يناسب البحر..جاي لي متأنّق كأنّك رايح عرس !
تَرَبَّعَ في جُلوسه و كَفَّه ارتفعت يَطوي كُمَّ قَميصه الماروني لِيُعَقّب بعد أن مَطَّ شفتيه بمَلَل،:و أنا شدراني إن بتقعدينا على الرمل "أخْفَضَ رأسه قَليلاً يَرنو إليها بخَبَثٍ مُواصلاً" ظَنّيت اشتقتين لي و تبين تتمشين معاي على البحر في هالجو الرومانسي
أشَاحت وجهها عَنه تُخفِي بسُخْريتها المُصْطَنِعة ينابيع اشْتياق كان تَفَجّرها السَبب لاختيارها البَحر..و لكن لَيسَ اشتياقاً له..هَمَسَت تَدَّعي ازدراءها لأفكاره،:سَخيـــف و تفكيرك أسْخف "نَظَرَت إليه بعد أن جَلَّدت نظراتها" يعني مخك ما ينشغل بأي شي مُفيد غير هالأفكار ؟
اتَكأ بباطن يديه على الرمل جاذِباً جَسده إليها بحَرَكة سَريعة جَمَّدتها قَبْل أن يَتَسَنَّى لها التَراجُع..مالت شفتاه مُتَقَلّداً بابتسامة ثِقة أرْهَبَت نبضاتها و هي التي زَعْزَعَها قُربه الساحق..مَضَت أيَّام مُنذُ آخر اقتراب بينهما..و لتكون صَريحة هي تعترف بأنَّ غِياب دِفئه تَرَك حُجْرة في قلبها مُتَجَمّدة..نعم حُجْرة واحدة،فالثلاث الباقيات لا وُجود لهم أساساً ! بَلّلَ شفتيه يُهَيّأها لتَعبُر من خلالها كلمات أذابت ما تَخَثَّر من جليد فَوق حواس زَوْجته،:بَـلى في شي مُفيد قاعد أفَكّر فيه حالياً " مال رأسِه ليُكْمِل و عيناه بوَجْسٍ مُرْبِك تَطوفان ملامحها" البرود اللي قاعدة تتلبسينه غَصب "رَفَعَ يده لوجنتها الباردة فعلاً مُواصِلاً بكلمات مُبَطنَّة غَزلاً" تَرى إنتِ امْرأة ما يليق لها البُرود،متى بتقتنعين بهالشي ؟ "انتَظَرَ منها إجابة لَكنُّه لم يرتطم بطبلة أُذنيه سوى دَوي أنْفاسها المُرتَعِشة..أكْمَل بهَمسٍ أَجَش الْتَمَست حَجم اشتياقه و إبهامه تَنحني تُداعِب شفتيها المُطْبَقتين" للأسف المكان غير مُناسب،جان ذَوَّبت الباقي منش
أنْهى جُمْلَته بغمزة شَقِيَّة قَبْل أن يتراجع قليلاً و أصابعه تنخفض لذقنها المُتَصَلّب..ازدردت ريقها المُتَكَوّم في حَلقها و الذي كأنَّ أنصالُ من غَصَّات تخترقه..بانت فرجة صَغيرة وسط شفتيها العاريتين من ألوان على غَير العادة..أفْرَغت منها نَفَسٌ ثَقيــل أرْهَقَ قلبها لينخفض على إثْره صدرها بقوَّة وَضَحت إليه.. ارتفعت من حنجرتها ضِحكة مَبحوحة قَطَّعتها اهتزازات نبضاتها الوارثة جُنوناً من أفعاله..أبْعَدت يده و عيناها بأضعاف جُهْدَها ثَبَّتتهما في عينيه و هي تُعَقّب،:انـا شلون انجنيت و اخذت لي واحد أصغر مني ؟! مُراهق و ما همه إلا التفاهة وو
ارتفع حاجبه و ابتسامة جَميلة أرْفَعَت زاوية شفته اليُمنى و هو يتساءل،:وو شنو ؟
زَمَّت شَفتيها تُتَرْجِم فُقرها لكلمات تدعم حُجَج هُروبها..اعْتَلَت قَهْقَهَتُه مع ارتفاع رأسه ليُثير حَنَقَاً في نَفسها..نَطَقَت بحدَّة نصفها قَهَر،:رائــد بس خلاص..صير جدّي و اسمعني
أخْفَضَ رأسه و القَهْقَهة بانصياع بدأت بمُغادرته شَيئاً فَشيء..و لكن الابتسامة بَقيت مُلازمة شفيته..و بهدوء،: اسمعش
تَكَلَّمت مُفْصِحة عما ناقشتهُ مع عقلها،:أنا خلاص قَرَّرت اوَسّع علاقاتي مع الناس..ما برفض أي دعوة و عزيمة تجيني من أي أحد..بتخلّى عن تَحَفّظي و وعد بتكون واضحة قدام الكل..بكون صَديقة للكل و كأني مـ
أكْمَل عنها بِلبابة تجذبها إليه رُغماً عنها،:و كأنش تعرفينهم من سنيــن
أكَّدت و هي تَهز رأسها،:ايــه..ابي محد يشك إني كنت برا طول عمري،مابي احد يدري إني ما صار لي سنة من رجعت و ابـ
بَتَرَت حَديثها لتَنْحَرِف عدستاها عن وجه رائد للذي خلفه..والدان و طفليهما..الفتاة الصَغيرة كانت تَبكي بصَوت عالي مُزْعِج تَصَدَّعت على إثْره ملامحها..نَطَق رائد مُسْتَغرِباً صَمْتها،:ايــه كملي ليش ساكتة ؟ "لم تَلتفت لهُ حتى،هي رُبما لم تسمع ما قاله فحواسها مُنْشَدِهة لما خَلفُه..استدار ينظر للمشهد للحظات قبل أن يَعود ليُبْصِر تَصَنُّمها و عُقْدة استنكار بين حاجبيه" وعد شنو فيـه ليش ساكتة ؟
أخيراً بان صوتها.. ولكن لم يَكُن صوتاً،بَل بَقايا أنين ارتفع من حَنْجَرة ماضٍ غَفَلَ عنهُ لفترة،:قاعدة تصيح..تصيح و ما يسكتونها !
مَدَّ يده يحتضن ذراعها ليُجيب بهدوء حَذِر و عيناه تُبْصِران غَيهبات مُقلتيها،:ما عليه حَبيبتي اللحين بتسكت انتِ كملي كلامش
و بَدلاً من أن يُصْمَت البُكاء ارتفع بزَعيـق إثْر تَجَدُّد سُقوط الطِفلة ذات العامين..نَفَرت يده بحدَّة ثُمَّ وَقفت و هو ناداها برَبكة لعلمه بما سَتؤول إليه أفْعالها،:وَعــد لحظة
تَجاوزته و قدماها تُسَيّرانها للطفلة..لم تَكُن تُبصِر المَشهد واقِعاً..بل كان الماضي مُتَجَسّداً أمامها..بفُستانها الأصْفَر الكاشف عن ساقَيها القَصيرتين،قِرطا الذَهب اللمعان في أُذنها و لُعابَها الشَهي العابر ذقنها حتى صدرها تارِكاً بُقعة فوق فُستانها..،انحنت جالسةً على رُكبتيها عندما أصْبَحت أمامها..قَبَضَت على ذراعيها بقوَّة لم تَكُن تَشُعر بأنَّها قد تُؤلم الصَغيرة التي زاد بُكائها من هذه الغَريبة التي أمْسَكتها..فَتَحَت فَمَها بالتَطارد مع إنفتاح بوَّابتي دَمعُها..نَطَقت بهمسٍ مَذبوح،:ماما حَنـ ـان خلاص انا اهني حبيبتي لا تصيحين شَدَّتها تُريد احتضانها لكن الصَغيرة صَلَّبت نفسها بخوف و عَويلها في ازدياد" حبيبتي انا مـ ـاما تعالي لحضني
شَهقة فَرَّت منها و يد رُجولية بقساوة تلك اليد نَهَبت الطفلة من بين ذراعيها و هو يشزرها،:اتركيها خوفتيها
وَقَفت بهَلَع و هي تراه يبتعد بها،أرادت أن تلحقه و الماضي عَلَّق في الهواء تلك القبضة الصغيرة بصُغر حجم قلبها حَديث الحياة،رفعت ذراعها مادَّة يَدها تُريد أن تلتقطها لكنَّها كانت تبتعد..تبتعد و قدماها تَجذبهما الأرض بقسوة،تُقَيّدهما لتمنعانِها من اللَّحاقِ بها..فَغَرت فاهها تَبحث عن صوتها المُكَفَّن بالشهقات لكنَّها لم تَجِد سُوى تابوتاً من نَحيب اجْتَرَع الكلمات ليدفنها بكُتمان..مال جَسدها بانهيار و قَبْل أن تَتلقفها الأرض أحاطت خصرها ذراع رائد الصَلْبة ليرفعها مُجتذبها لصدره حاشِراً فمه وسط أّذنها يهمس بتهدِئة،:حبيبتي خلاص راحت
حَرَّكت رأسها بهستيرية رافِضة ما يقوله..تَمَسَّكت أناملها الراجِفة بذراعه تُحاول أن تتخلص من قضبانها لكنَّهُ كان أقوى و هي التي خارت قُواها فُتاتاً تحت قَدمِي ذاك المُجْرِم..خَرَج صوتها غارقاً بالغَصَّات و بصرها بات صَعباً عليه التقاط طَيفها،:اخـ ـذها .. اخـ ـذ بنتي حَنـ ـان،بيذبحـ ـها " صَرخة جَزَع فَرَّت من روحها أرْعدت جَسده معها" بيذبحهـــــا،رائـــد بيذبحها بنتي حَنــ ـاااان
مَشى و هي بين ذراعيه تَتَعَفَّر طَيراً اقتلعت عاصفة هَوْجاء جُذع أمانه..هَدَّمت عُشّ براءته و أسالت دماء أحبّاء كانوا لها عائلة بقلوب نَقيَّة..كانت طَيراً نَقَفوا ريشه بوَحشية و بَتَروا جناحي سعادته مُوَسّدينه الأرض بالقُرب من قَبْرٍ مُجَهَّز..يَقنعوه بأنَّ نهايته المَوت و لا غيره..،اضطَّرَ أن يجلس معها في مقاعد سيَّارته الخَلفية ليستطيع السَيطرة عليها..كانت تركله بساقيها،تُوَجّه لهُ ضربات بقبضتها الوَهْنة..تَصرُخ ببحَّة مَريرة تُريد خَلاصاً منه لتُنقِذ خَيال طفلتها..و هو بلا حيلة كان يُناديها..باسمها المَيّت يُناديها..اسمها الخالي من حياة،الغارق في بحرٍ من خُطط انتقامية..لم تَكُن تستجب إليه و تَمُرّدها على الواقع دَفَعها لخمش وجهه بأظافرها..،هو ضاق ذَرعاً من نداءاته اللا مؤثّرة و لسعة الخَدش الذي كَوّنتهُ أظافرها أسفل عينه جعله يحتضن وجنتيها بكفّيه مُقَرّباً رأسها الغائب عنهُ التوازن ليَصْرُخ بصوت اخترق غشاء اللاوعي المُتَخَبّطة وسطه،:فاتـــــن خــلاااص
صُمَّ بُكاءها فَجأة و عدستاها التائهتان تَعلَّقتا بأستار العَطْف المُرفرفة وسط عدستيه..تَقَوَّسَ فمها و سنوات عُمرها تَقَوَّست حتى اسْتَرجعت طُفولتها المَغْتَصَبة براءتها..تَنَشَّقت ذَّرات الأكسجين المُعانِدة جُوع رئتيها قَبْل أن يتَلَفَّظ لسانها بحَسْرة أدْمت نبضاته،:بنتـ ـي راحت..وين الاقيها رائـ ــد !
أغْمَضَ عَينيه هارِباً من لَوحة بؤسها المَبصوقة عليها ألوان الثُكل و شفتاه أوْدَعتا فوق جبينها قُبْلة "حَنان" فَقَدتهُ مَرَّتان بوَجَعٍ يَفَوق الآخر..أخفضَ رأسها يَرسم خَرائط دُموعها فوق كتفه و هي بضعف تَشَبَّثت بقميصه مُتناسية عُهودها بالابتعاد..فهي و في هذه اللحظة تَشعر بأنَّ حُزْن العالم أجمع تكالب عليها و رائد بَحرها المُجْتَرِعه برحابة صَدْر..،مَسَحَ على شعرها ليهمس بتَخفيف بعد أن تَرَك قُبْلة على جانب و جنتها،:في أمانة الله..بنتش في أمانة الله
,،
يتبع
|