كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
حاضر
دُبْلن
الساعة تجاوزت عقاربها العاشرة مساءً..بَين أحضانه غَفَت ابنته بعد أن أسالت دَمْعاً أبكَم كان زَعيقاً في جوفه..غَفَت و الرَّجفة لم تنحسر عن عظامها..لم يدرِ هل كانت ترجف بَرْداً من لقاء أم أنَّ ماضٍ عاد ليلتهم طُهْرها ؟! مَدَّدها على السَرير بعد أن أعلَمَ سارة بمَبيتها معه لتتكفل بأمر إخبار المَسؤول..،غَطَّاها جَيّداً قبل أن يترك الغُرفة ليُقابل في غُرفة الجُلوس طَلال الجالس بصَمْت و رأسه مُنخَفِض لذراعه اليُمنى..اقتَرَبَ منه و ملامحه يكْتَسيها جَليد لهُ شذرات سُخرية بانت في همسه و هو يجلس على الأريكة مُقابلاً له،:توقعتك تشرد مرَّة ثانية
لم يَرفَع بصره إليه..لا يُريد أن يَلمح رياح الحِقد الشارعة أبوابها بين عينيه..لا قُدرة له على اجتراع احتقار يُذَكّره بشيطانيته..يَكفيه وَجَعاً أبقاهُ لعامان جَليساً للسَّهَر..كان مُنخَفِضاً برأسه يُراقب ذراعه..لونٌ أحْمَر يسكنها و يتضاعف عند أطراف أصابعه..عُروقه تَكاد تخترق جلده من فرط انشدادها..كان يُمَرّر كَفّه اليُسرى فوقها علَّهُ يُخَفّف من رجفتها المانِعة إرسال الإشارات لعقله ليُسَيطر عليها..وَصَلهُ هَمسه المُحتَدِم حِقداً أسفاً أنَّهُ هو الذي أضرمه في ذَّاته،:عساك من هالحالة و أردى..يا ليت هالرجفة تسكن أوصالك كلها
ضَغَط على ذراعه يُكبِح جام غضبه..فليس من حَقّه أبداً أن يردع دعواته..فهو يحمد الله ألفاً أنَّه لم يدفنه حَيَّاً عندما أتاه مُعتَرِفاً بجُرمه قبل عامان..لكنَّه نَطَق يُذَكّره إن كان الحِقد قد أعمى ذاكرته،:تراجع عن دعوتك لا تبلي بنتك بزوج رِدي
,،
عَوْدة للوطن..و حِوارٌ بين روحين فَرَّقتهما أُنثى كانت تبحث عن السعادة..لم تَكُن تعلم أنَّ من يبحث عنها بين البَشَر ينتهي بهِ الأمر عاقِفاً سعاداتهم بأنانية..،يُشاركها السَرير بالتصاق..صدره يَمس ظهرها الذي يُقابلهُ بجَفَاء..و ذراعه اليُمنى تُحيط خصرها أسفل الغطاء..شَدَّها إليه بالتَطارد مع انحناء رأسه ليُدفِن وجهه بين عُنُقِها و الموضع الذي تنتهي عنده عظمة تَرقوتها..استنشق بعُمق مُلتَقِطاً مع أنفاسه عَبيرها الفَريد المُخَلَّدة رائحته المُسْكِرة مُذ أن أصبَحت حلاله..أتْبَعَ استنشاقه قُبْلات طَبَعها بوَجْس ابتداءً من جانب عُنُقِها و نهايةً بكتفها العاري..حَرَّكَ عينيه لوجهها يبحث عن أثر للمساته لكن لم يَلطمهُ سُوى مَوت ملامحها..حتى جَسدها كان قطعة جليد بين ذراعيه..لم ينصهر من حرارة قُبْلاته..أطْلَقَ سَراح تَنهيدة مُشَبَّعة بإرهاق هامِساً برجـاء،:أنفــال و اللي يرحم والديش لا تزيدين هَمَّي
ارتفع صَوتها..بارِداً و مُجَرَّداً من حياة،:شتبيني اسوي لك يعني ؟ تبيبني اخذك بالأحضان على الخبر الجميل اللي زفيته لي ؟!
ثَبَّت كَفَّه على كتفاه ليُديرها إليه ناطِقاً باستعطاف،:مو هذا قصدي حبيبتي..بس لا تصديني و لا تحرميني من قربش
ابتلع الاحتقار ملامحها و صوتها خَرَج مُحَمَّلاً بأسواط لَسَعت حَرَجَه النائم،:شنو انت ما عندك إحساس ؟! جاي لي بكل وقاحة تبيني اعطيك حقوقك بعد ما طلقت ست الحسن والجمال ؟! "تَهَدَّجَ صوتها و الدَمْعُ تَخَثَّر وسط مُقلتيها" كل ما لك و تصغر في عيوني أحمد..تبيني انسى جرحك لي بكل سهولة ؟!
أرفَع حاجبه يَنكُر تُهَمها ناطِقاً،:مو قــ
قاطعتهُ بحدَّة استحكمت من يديها اللتان دفعته عنها لترفع جسدها،:لا قصدك أحمد..تبيني ارجع نفس قبل الزوجة المُطيعة اللي تلبي طلباتك برضوخ "أطلقت سهامها من بين أسنانها مُردِفة" لكن تحــلم..روح دور لك وحده ثانية تصير عبدة عندك
أنهت جُملتها و أبعدت الغطاء عنها تاركة السرير و خطواتها المُنتَعِلة قَهَراً تَوَجَّهت لباب الغرفة..هو تساءل بتَعَجُب بعد أن أبصر عقارب الساعة المُقتَربة من الواحدة فَجْراً،:وين رايحة؟!
استدارت إليه و هي تفتح الباب لتقول بنبرة لا تقبل النقاش،:بنام عند ريم..و من يوم رايح مابي ولاشي يجمعني فيك
خَرَجت لتتركه من خَلفَها فاغِراً فَمَهُ و العينان مُتَسِعتان من هذا القَرار الناحر خُطط اعتذاراته..على الرَغم أنَّهُ الأعلم بعُمق الجرح و وجعه الذي تفتحهُ الخيانة وَسَطَ الروح إلا أنَّهُ أتاها يَطلب العَفو !زَفَر و أصابعه تنحشر بين خصلاته هامِساً و هو لا زال على انحنائه،:فعلاً تحلم يا أحمد !
,،
صَباحاً جَديداً و شَمْسٌ تتباهى بأشّعتها بعد أن جاور القَمَرَ السَّماء لساعات..تُريد أن تُريَ البَشَر أنَّها ذات جمال قد يُنافِس جَماله..و لكن من ذا الذي يُقنِع أرواحاً هَوَت قَمَراَ دُري شاركهم الشّعرَ و الغَزَل ؟ كان يَتَسَيَّد طاولة الطَعام المُكَوَّنة من خَمْسة مقاعد..اثنان على الجانبين و مقعده يَتَوَسَّطهما،عيناه على الساعة المُعَلَّقة على الحائط قُبالته..مع التقاء العَقْرب برقم ثلاثة ارتفعت على يَمينه أصوات تَفَاوتت نَبراتها و أعمارِها..،:صَبــاح الخير
ابتسامة مُحِبَّة بانت على شفتيه و هو يُجيبهم بصَوت شَرِح،:صباح النـور
انحنت إليه تُقَبّل خَدَّه برِقَّة و هو بادلها القُبلة قائلاً،:شكلها عجبتش العطر
ضَحَكَت بنعومة و هي تتجه لمقعدها على يساره مُجيبةً،:ايـــه واجد عجبتني غَرَّقت روحي بها
عَقَّب و هو يرفع الصَغيرة ليُجلِسها على فخذه،:عليش بالعافية "حادث جَليسته مُتَدَثّراً بالبراءة" شلونها الحلوة اللي ما نامت عند ابوها ؟
أجابت و جسدها يسترخي وسط حضنه الواســع بالنسبة لحجمها الضَئيل،:زيــــنه
طَبَعَ قُبْلة فوق خَدّها المُتورد،:عُمري الزيـــنه "رفع رأسه يُحادث الذي احتواه المقعد الثاني على يَمينه" و انت يا بطل اليوم ابيك تاكل الأكل عننا تعوض اليومين اللي ما اكلت فيهم
هَزَّ رأسه بطاعة و ابتسامة أشحبها الإرهاق بانت على شفتيه،:ان شاء الله
أكمل و هو يُطعِم صغيرته،:بعد الريوق بقيس حرارتك
هَزَّ رأسه مُوافقاً و عيناه تنحرفان للذي يجلس بجانبه..ناظرهُ للحظات قبل أن يُعيدهما لشقيقته التي كانت تتبادل النظرات مع أخيه الأكبر..توأمها الذي وَجَّهَ سُؤاله لوالده و هو بهذا السؤال يُريد أن يتأكد من الوضع،:يُبه متى بنروح بيت ابوي محمد ؟
و كما تَوقَّعَ الثلاثة لم تصدر من والدهم أي ردَّة فعل مُتجاوبة مع سؤاله..فهو واصَل إطعام ابنته و إطعام نفسه دون أن يدنو إليه بطرفه..ناداهُ من جديد،:يُبــه ؟
أتبَعَ ندائه صوت توأمه التي أعادت سؤاله،:بابا متى بنروح بيت ابوي محمد ؟
التفت لها بابتسامة عَريضة أرفعت حاجبي توأمها و شقيقها الذي كَتمَ ضحكته على إثرها..أجابها بهدوء،:بعد صلاة الظهر ان شاء الله
تساءل هُو باستنكار،:يُبه ليش ما تكلمني ! شنو سويت انا ؟!
حَرَّكَ والده عَدستيه إليه ببرود أوْجَسَ قلبه و جَعله يُسبِر أغوار اليوم الماضي بأكمله يُنَبّش عن فعلٍ خاطئ..و قَبل أن يُنهي بحثه نَطَقَ والده مُتسائلاً بصوت انعقدت فيه الغُلظة بالحدَّة وهو يُحَرّك الملعقة في كوب الحَليب،:اليوم الفَجر الساعة أربع الا شنو كنت تسوي ؟
أجاب بتلقائية و عقله لم يستوعب الأمر بعد،:كنت نايم ما سويت شي
حاجبهُ اعتلى قمَّة سُخريته ليَقول مُعَقّباً،:لا و تعترف بعد..تعترف إنك ما قمت لصلاة الفَجر
فَغَرَ فاهه و كلماته هَوت صَخْرة فوق رأسه..أطبقه مُزدرداً ريقه وهو يُشيح بوجهه عن نظراته الباعِثة شرارات شعرَ بها تلسعه فعلاً..نَطَقَ مُتَحَجّجاً،:يُبه انت ما جيت تقعدني
ارتفع صوته فوق جَبل تَوبيخه،:ليش انت طفل عشان تنتظرني اجي اقعدك ؟! عقب جم شهر بتدخل السبعتعش منت جاهل هذا أولاً..و ثانياً عندك تيلفون تقدر تحط فيه عشرين منبه عشان يقعدك و ثالثاً لو كنت محافظ على القعدة للصلاة بتتعود و ما بتحتاج لا احد يقعدك و لا مُنَبّه
أخْفَضَ بَصره و هو بهذه الكَلمات اجتَرَع سُخف حُجَّته..هَمَس بصدق،:آســف يُبه ان شاء الله آخر مرة
،:ما بيك تتأسف مني،استغفر من ربك و اعقد نيتك إنك بتقوم كل يوم للصلاة
هَزَّ رأسه بطاعة اعتاد أن يُحادثه بها،:ان شاء الله يُبه
نَطَقَ آمِراً،:ارفع راسك طالعني " رفعه مُستجيباً إليه وهو ما أن التقت عيناه بعيني بِكره ابتسم بسَماحة مُردِفاً" يله اتريق وانت بعد ابيك تكمل الأكل عننا
,،
انتهت من "الراوند" الصَباحي مع فَريقها لتتجه بعده للـ"ـكافتيريا" تُشبِع مَعدتها المُقفِرة من الطعام مُنذ استيقظت..اشترت لها قنينة حَليب باردة و شطيرة جُبن صَغيرة قبل أن تتجه لإحدى الطاولات تُشارك زميلات لها الجُلوس..سَلَّمت بُهدوء ثُمَّ جَلست و حديثهن يخترق مسامعها،:جم يوم بيقعدون ؟
،:اثنعشر يُوم
،:توَقَّعت أكثَر..يعني ما احس اثنعشر يوم تكفي !
تساءلت هي باستفسار،:عبدالله سافر معاهم ؟
عَقَّبت إحداهن بتعديل،:قصدش دكتور عَبدالله
اعتلا حاجبها ببرود قبل أن تُحَرّك عينيها للتي أجابتها،:لا ما راح
تلك عادت و تساءلت بنبرة مُبَطنَّة بشك هُو في مَحله،:دكتور مروة احسش واجد مهتمة في دكتور عبدالله
اجترعت آخر لُقمة لتُجيب بثِقة مُسْهَبة،:ايــه مهتمة "أسنَدَت خَدَّها ليدها مُردِفة" ليش فيها شي؟!
أجابتها مُوَضَّحة الأمر الذي تعتقد أنَّها غافِلة عنه،:تَرى الدكتور عبدالله كان زوج الدكتورة نور
بذات البُرود السَقيم،:اوكـــي !
أكمَلت مُزيلةً الغشاوة،:و الواضح إنَّه للحين يحبها
أخفَضَت يدها ماسَّة باطنها بباطن الأخرى تُزيل فُتات الشطيرة و هي تَقول و الغُرور يتدثر قَوْس حاجبها،:عــادي انسيه إياها و أنسيه طوايفها بعد " وقفت و هي تحمل قنينة الحَليب" عن إذنكم
مَشت مُبتَعِدة عنهم تاركة كُل واحدة تُعاين صدمتها..ابتسامة خَبَث تَلَقَّفت شفتاها المُتَكورتين لتهمس و كَيْدٌ نام حول عينيها كُحْلاً و هي تَهمس،:هو بس بينساها ! إلا بيكرهها بعد ما يعرف إنها كانت تخونه مع خاله
,،
مَشْفَى آخر و غَرابة أُخرى تقبع بين اثنين..قَرَّبَهما دَم و نَسَب و البُعد كان لروحيهما..كانت تجلس على المقْعد في إحدى غُرف مُسْتَشفى الطُب النَفسي..بجانبها يجلس والدها الذي أصَرَّ على مُرافقتهما و هي رَضَخت لطلبه على الرغم من رغبتها بالذهاب وحدها حتى دون يُوسف..،التفتت إليه عندما ارتفع صوته بنبرة حِوار لم تَستسغها،:واجد مهتمة في مَوضوع يُوسف و شكلش شايلة هَمَّه
عَقَّبت بصوت اعتاد أن يخرج عارياً من المشاعر عند حَديثها معه،:أكيد بهتم..يُوسف زوجي
وَضَّحَ رؤيته لها مُتجاهِلاً جَفافها،:ايـه اهتمي بس لا تفكرين في الموضوع بشكل كبير و توجعين راسش..هو بس يبي له يلتزم بالأدوية و بيكون طَبيعي..حتى الدكتور بقول لش مثل كلامي
هَزَّت رأسها بالإيجاب ثُمَّ أشاحت وجهها عنه دون أن تُضيف كلمة أخرى ليَسود الصَمت من جديد..لكن و قبل أن تكتمل دقيقة الصَّمت دخل يُوسف يُحادِثها،:تقدرين اللحين تشوفين الدكتور
وقفت بسرعة و كأنَّها تَخشى أن يُغَيّر الطبيب رأيه..خَطَت لزوجها و هي تُشعر بدَقَّاتها تَكاد تُحَطّم قفصها الصَدري..باغتها خَوف و كأنَّها مُقبِلة على فعلٍ شَنيع..و إنما هي في باطن عقلها خائفة من حَديثٍ قد يُصدِمها من الطَبيب..،تَوقَّفَ أمام إحدى الغُرف قائلاً و هو يُشير إليها،:هذي الغُرفة
تساءلت،:انتَ ما بتدخل ؟
هَزَّ رأسه نافياً،:لا قال يبي يشوفش بروحش
أطْلَقَت زَفرة راحة مَكتومة قبْل أن تفترق معه دالفة للغُرفة..كانت غُرفة بجُدران بَيجية يَبدو أنَّ الزَمَن اقتات على لونها حتى صَيَّرهُ إصفرار قَبيح..مكتب خَشبي كَبير بسطح زُجاجي تَراكمت فوقه عشرات المَلفَّات و الأوراق..سَلَّمت بهدوء و هو نَطَقَ مُشيراً للمقعد المُلتَصِق بالمكتب،:تفضلي أختي
جَلَسَت حيثُ أشار و هو واصَل بابتسامة،:من زمان كنت ابي اقابلش..يُوسف المَريض الوحيد اللي ما قابلت أحد قَريب منه "مَسَّ نظارته مُردِفاً بتوضيح" يعني صحيح ابوش يتابع حالته بس كنت احتاج شخص أقرب مثل زوجته
هي اكتفت بابتسامة صَغيرة دون أن تَشرح له بأنَّها للتو تعلم بمرضه..غَريب صَحيح ؟! لذلك لا تهْوى أن ترى نظرة تَعَجُب و استنكار منه..أكمل حديثه و هو ينظر للملف أمامه،:طبعاً أول شي تحتاجين تعرفين المرض اللي يعاني منه يُوسف..هو يُسَمَّى اضطراب الكرب التالي للصدمة
عُقْدة عَدَم فهم بانت بين حاجبيها و هي تَتساءل،:يعني شنو ؟
أجاب مُوضّحاً بمصطلحات بسيطة،:هو نوع من أنواع الأمراض النفسية غالباً يُصاب به الشخص بعد فترة طويلة من تعرضه للصدمة..و مثل ما تعرفين انتحار والد يُوسف كان له الأثر على نفسيته و كانت هذي النتيجة
،:و شلون يكون العلاج ؟
،:بما إنَّه يُوسف تعَدَّى المَرحلة الأولى من المَرَض فعلاجه يعتمد على الأدوية..فقط يحتاج يلتزم فيها و الأمور بتصير طَبيعية
تساءلت و فوق جفنيها ارتفعت أيدي آمال،:يعني مُمكن إنه يرجع طبيعي ؟
أكَّدَ و صوته تَحشوه ثِقة مُنْقَطِعة النَظير،:أكيـــد،اذا التزم على الأدوية بيكون إنسان طَبيعي و سَوي..نقول ان شاء الله هالمرة يواصل و ما يتركها
هَمَسَت تُأيّد دُعائه و في جَوفها التَوَجُّس لم يسكن،:ان شاء الله
,،
الشَّمسُ تُشاركها نَشَرَ الجَمال بأشعتها المُطَهّرة الأرواح و هي بأناملها المُحتَضِنة قَلماً خاصاً لرسم إبداعها..كانت مُنْدَمِجة في عَملها و بين الحين و الآخر ترفع رأسها تَطمَئن على صغيرتها المُتَخذة الحَديقة مَلعباً لها تُطلِق العَنان لبراءتها المُنعِشة ذّاتها..،شعرها مَرفوع لقمَّة رأسها و بضع خصل مُتفاوتة الطُول تناثرت عند جبينها و على جانبي وجهها..كانت تَرتدي بَلوزة نُحاسية فضفاضة عند الصَّدر تكشف عن جزء بسيط من نحرها المُزَيّن بعقد ناعم من الذهب يتوسَّطهُ اسمُه "عَمَّار"..يُمناها تنثر جَمالاً على الورق و اليُسْرى تُداعب حُروفه المُجاوِرة قلبها..شَوقها إليه في ازدياد و كُلَّما التفتت تَبحَث عنه يرتطم بَصَرها برماديَّة الذِكرى..فلم يَعُد هنالك ألوان تُجَسّد الماضي أمامها..فقدته على غَفْلة من ورحِها..غَفَت و السَرير خاوٍ بجانبها و استيقظت برُعب و هو لا زال خاوٍ و إلى الآن لم يأتِ جسده ليُشغِل فراغه..هُم أساساً اقتلعوا السَرير من مكانه و ها هُم يُريدون إجبارها على اقتلاع حَبيبها من أرض قلبها..فمحاولات والدتها لاقناعها بالزواج لم تهدأ و هي لم تكتفِ بذلك..فكلماتها بدأت تَطال مسامع والدها تُمارس معهُ سياسة مُلتَوية مُجْتَرِعة رضاه ببقائها عَزباء أو "أرْمَلة" في منزلها لتُبصِق فكرة أن تَكون زوجة جَديدة..حياة جَديدة و رَجُل جَديد..آخر غَيرُ عَمَّار..مُستَحيـــل !
،:غَيداء ليش تصيحين ؟
رفعت رأسها للصوت و استيعابها لا زال رَهْن مشاعرها المُحتَدِمة..تساءلت بتَيه،:هــا ؟!
أشارَ لوجهها و هو يجلس بجانبها على المَقْعَد الخَشبي مُعيداً سُؤاله،:ليش تصيحين ؟ في شي ؟!
أرْخَت أصابعها تاركة القَلم لترفع يدها ماسَّة وجنتها مُتَحَسَّسة بَلَلاً عَبَر بَوَّابة عينيها بلا شُعور منها ! هُو أفْصَحَ عن سُؤال آخر بعد أن رأى تَشَبث أصابعها باسم فَقيد عُمرها،:مشتاقة له ؟
أجابت و هي تمسح بَوحها الصامت بظاهر كَفّها،:كل يوم شوقي له يزيد و يا ليت هالشوق له حل
أرخى معطفه الأبيض فوق فخذيه و ذراعه اليُسرى امتَدَّت تُحيط بكتفيها ليُقَرّبها منه ناطِقاً بنبرة هادِئة بطريقة ما بَعَثَت استرخاءً شَعرت بهِ يتغلغل وسط عروقها،:هالشوق شي حلو..يخليش تدعين له كلما زار طيفه عيونش..و يعطيش أمل تواصلين حياتش بسعادة عشان هو يرتاح في قبره "ارتفعت كَفّه ماسَّة وجنتها يُزيح بقايا دمعها مُرْدِفاً" بس هالدموع تعذبه..و انعزالش بعد يعذبه
نَطَقت ناكِرة بضيق انحشر في صوتها،:ماني منعزلة عبدالله
ضَيَّق عينيه مُتسائلاً بمُشاكَسة،:زين ليش مو انتِ اللي توصلين عبود الصغير للمدرسة ؟ و ليش ما قمتين تزورين أهلنا ؟ تنتظرين أي جمعة في بيتنا عشان تشوفيهم
أشاحت بوجهها عنه هامِسةً و الضيق يكتنف صوتها،:تدري ليش
استَقَرَّت أصابعه على ذقنها ليُدير وجهها إليه،:و متى ان شاء الله بتتحرين من خوفش ؟
تَصَدَّعت ملامحها و الذِكرى تَحوم برياح سَوداء بين عينيها،:ما اقدر عبدالله..طاري السياقة بروحه يذكرني بالحادث و جسم عمَّار المتشوه
شَدَّ على كتفها ليُعَقّب مُعارضاً تفكيرها،:بس يا حبيبتي ما يصير تستسلمين للخوف..بتجيش أوقات بتحتاجين تسوقين، مُمكن يكون مو حولش أحد
نَطَقت بلحن ضياع التبستهُ ملامحها،:ما ادري
تساءل بنَبرة مُصَمّمة،:توعديني تبدأين تتخلصين من الخوف ؟
أخفضت بصرها لتقول بصوت أقرب للهمس،:بشــوف
بعدم رضا،:لاا ابي وعد
ابتسمت له بنعومة و هي تَميل برأسها،:زيــن وَعْد
,،
يتبع
|