كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
،
الجزء الثالث و الثلاثون
نَعَم..كان شتاءٌ قاسٍ ذاك الذي غَلَّف عدستيه،خَرَقَ سَماء مُقلتيه بجليدٍ تكتل عَدَدَ السنين التي حُرّمت فيها عَليه..أصبح في عَدَّاد المُذنبين إذا ما مَرَّ طَيفُها الآسـر بالقُرب من أنفاسه..عَبداً عاصياً لا يُشيح ببصره عن أنوثتها التي تُناديه إلى الإمتزاج بحبَّات لُقاح الماضي..عَلَّهُ يُنبِت بها وَسط أرضه زَهراً يُحَلَّ لهُ استنشاقه..،هُوَ بتجميد أنظاره يَحْسَبُ أنَّهُ سينتصر على قلبه المُحتفظ بصورة أبهتها بُكاء النبضات..يَحْسبُ أنَّ كُحْل عينيها المُحْتَضِن أجْفانها لن يختلط بدمه ليُثيره..و أنَّ تَمَوُّجات شعرها لن تتَعَلَّق بأطرافها روحه..حيث بين خصلاتها الغَرق و لا غيره..،لماذا هي هُنا ؟ و لماذا تقف أمامه بلا حَراك ؟..اذهبي جنـان،ارحمي قَلْبَ رَجُلٍ أشابهُ الكِبرياء حتى بات يَتَعَكّز على القَدر..يَرجو منهُ انعكاساً يُعيدكِ إليه..بين ذِراعيه و صدره..،كان يقف على بُعد خطوة من باب دورة المياه و بين يديه المصابيح المحروقة التي استبدلها..و هو حَقيقةً نَسيت حواسه مَسَّها من فَرط اندهاشه بالجمال الواقف أمامه يُمارس معه تَعذيباً يُسْتَحال الطَعن في حُكمه..،هي أمامه و القُوَّة قد غادرت جسدها مُنحنية لمُلك رَجُلٍ أرادت الحياة أن يَكون سَجَّان قلبها..عيناها،موضع الأسى و الكُوخ المُحتمية بين حُجراته دُموعها المُخْتَبِئة من سُحب جَليد هاهي تَطوف ملامحه..لا تُريد أن يَلمح رَفيف الأسـى واقفاً على باب عينيها..تَخشى أن يستنبط من تَصَدُّعات ملامحها هَذيانها قُربه..تَلَفَّتت بِهَلَع أحكم قبضته على وجهها المُصْطَبِغ بمساحيق بسيطة أبرزت أنوثتها المَكشوفة أمامه..تساءلت بغَصَّة داخلها..لماذا تَشعُر بالحَر ؟ حَرارة فظيعة تلسع جلدها الذي بدأ يغزوه إحمرار غَريب تَصاعد على إثر أنفاسها المُخترقة صدرها بقسوة..ملابسها..إلهي ماهذا ؟ نحرها مَكشوف بطريقة أبرزت عظام تَرقوتها المنحوتة..ذراعيها لم تستر منهما إلى سنتيميترات قليلة من الأعلى و ساقاها الراقص عند كاحل يُسراهما خلخال ذهبي قد انكشفتا حتى أسفل رُكبتيها..هي عـــارية أمامه،فالضيق الذي تنحشر أسفله رَسم مُدن جسدها بدقَّة مُتناهية أفرغت نيران حَرج وسط وجنتيها..،الأنفاس قد ذَوت و باتت تتبعثر بضُعف..تشعر بنظراته تكتسحها..تغتال المسافة المَذبوحة بلا مُبالاة بينهما..وكأنَّهُ مُلاصِقاً لها يُشاركها النفس عن بُعد..،أطلقت العنان لساقيها و صوت الخلخال يعزف موسيقاه لسُرعة مشيها المُضطرب..وصلت للباب المُغلَق مُحكِمة كَفَّها على المقبض حَبل نجاتها من هذا الذوبان المُوجِع..الحَــرام..،ارتطام قلبها بجدار صدرها أفزعها و يداها تكتشفان الباب مُقفلاً ! تَصافقت أهدابها و صَفِيـر مُزعج نال من مسامعها..جَفَّ حلقها و مُحاولاتها لفتحه تناثرت فَشلاً أسفل قَدميها..هَمَست و الغَصَّة وابلٌ صَعَّب خروج صوتها يُشارك الدمع المُتَخَثّر في مُقلتيها لتشويش رؤيتها،:افتـح افتـ ـح
،:شفيـه ؟ ليش ما يفتح ؟!
باغت جسدها ارتعاد وُلِد من رحم سحابة صوته المَبحوح حَدَّ الاشتياق لحَكاوى السَهر و حَدَّ التَدَثُّر بِهَمْسِ الغَزَل..تَنَشَّقت طفلاً يخشى التَعَلٌّق بحلوى شَهيَّة يعلم أنَّ فقره لا يشتريها و صوته يُعاود زَلزلة حواسها ببحّته الفريدة..،:خليني اشـوف
تَراجعت بنفُور تَجاهله بصره المُغادر أرضها المُزهِرة بصعوبة..مَدَّ يده يُعيد تِكرار فتح الباب لتُواجهه النتيجة نفسها..عُقدة استنكار طالت ما بين حاجبيه مُضعّفة التَخَبُّط المُلتحف وجهه..هَمَسَ بتفكير،:شلون تقفل ! "مَرَّر لسانه على شفتيه قبل أن يتساءل و عدستاه تتحركان على الباب" انتِ ليش جايَّة اهني ؟
انتظر منها جواب غير عالماً بحجم المُعاناة التي تُكَبّلها..صدرها يعيش اضطراباً بين ارتفاعٍ و هبوط غير آمنين،يَلحقان أضراراً بنبضاتها المُجْتَرِعة جُنوناً لا يعرف طريق العاقلين..الدمع قد لُحِمَ قُيوداً من حديد صديدها أسقم حبال صوتها حتى استعصى عليها جَرُّ الكلمات..لم يَكُن يصله سوى الأنفاس الوارثة صيفاً شمسهُ لا ترحم..ناداها و حروف اسمها سُكَّراً ذاب فوق لسانه..،:جنــان !
شهقتها المُتَكسّرة أدارت عُنُقِه ليصطدم بصره بتَشتتها المُزَف بهلاهل الدموع..نَطَقَت و الغَصَّات قوس كلماتها..،:ابـي اطـ ـ ـلع
استدارت للباب و بباطن يديها بدأت تَطرقه بهستيرية تَمَكَّنت من حواسها..تَطلب النجاة من موتٍ مُحتَم..مَوْت يُكَفّنها بقذارة الاعتراف الجارَّها لمقصلة الذنوب..لا تُريد أن تبقى معه تستمع لعَويل نبضاتها و اضمحلال الكُره النابت في روحها من بذور مُهَجَّنة اجترعتها مُكرهة..هي غير قابلة بخسارة تجبر قلبها على الإنحناء أمام كُرسي حُبّه..تخاف المَوت و غَسَّالها دَمعٌ هَطل نَدماً على خيانة قَذَّرت رباطهما المُقَدَّس،هي و أحمد..ضَحِيَّتها..،فَزَعٌ طال ملامحه و هو يرى جنانها تتحول إلى جُنون لا يعرف كيف يُسيطر عليه..كيف يحتويه و دينٌ يُكَبّل ذراعيه..نَطَقَ بهدوء أراد بهِ تثبيط هلعها،:اهدي جنان اهـدي،لو دقيتين مني لين باجر محد بيسمع،المجلس بعيد عن البيت
لم تستجب له و لم تستجب للألم المُبرح الذي بدأ يُحيك خيوطه حول كَفّيها المُحمَر باطنهما..كانت تطرق و لسانها ينطق بغصًّات ما إن يُرفَع الإسم عند بَوَّابتها حتى يَذوي بضُعف،:نـــ ـور خالتي افتحوا البـ ـاب
لم تَكُن تسمع صوته..فالسَمعُ قد غاب وسط الصَخب المُرتَع على روحها..بشعواء مُزْعِجة يصرخ لها بالحقيقة المُرَّة المُتغذية على تُربة سوداء لا تُطَهَّر..كانت تُنصِت لخوفها المُحَلّق شَبحاً بين عينيها،تَراهُ يبتسم لها بقلق نصفهُ نَدم..خَوفٌ و نَدم،و البراءة قد تَسَلَّلت من بين قُضبان زنزانتها..فكُلّها يعترف بالجُرم..و لا خلاص إلا الخَوف و النَدم حتى الموت..،تَراجع مُستسلماً خِشية أن يُغرقه طوفانها..تَوَقَّف عند الطاولة الصغيرة التي تَرك فوقها المصابيح و هناك جَلس على الأريكة برأس مُنخفض يَنظر لإنعقاد أصابع يديه بدل أن ينعقد بصره بأغصانها المُتَهَدّل حُسنها من خوف..لماذا هي خائفة ؟ أتعتقد أنَّهُ سيرتكب سوءاً في حَقّها ؟ ألا تأمنه ؟ مات الحُب و ماتت معهُ الثِقَّة ؟! سُخرية مُوبّخة زَمَّت شفتيه..فأيُّ ثقة تلك التي تسأل عنها فيصل ؟ فبعد الخُذلان الذي رسمتهُ بيديك فوق لوحة مصيرها هي وَقَّعت على عقدٍ لا طَلاق فيه..عَقدٌ يمنع احتلال الثقة أرضها..،زَفَر حيرته المُتعاظمة وسط روحه..يعترف بخطئه الأكبر و لكن لا يرتفع الصوت أمامها لتسمع الاعتراف،أو لتَرى نَدمه المائل باستيحاء..فهو لا زال عَبداً لكبريائه،يرفض التَعري من عباءته المُصيّرة حياته بلقعاً بلا جِنان..،
،
قَبلَ دقائق
تناولت علبة البخور من الدرج أسفل التلفاز دون أن تنتبه لمصابيح دورة المياه ولا للشخص داخلها..خَرجت و قبل أن تُغلِق الباب ارتفع صوت هاتفها..أخرجته من جيب رداءها ليتبين لها أنَّها رفيقتها..بانا العاملة في منزل الجيران..كان تسألها عن حفلة الحنّاء التي أرادت أن تحضرها و لكنَّها اضطرت للمكوث مع أطفال ابنة سيّدة المنزل..اندمجت في حديثها و هي تمشي حتى ابتعدت جهة الزرع و من خلفها دَلفَت جنان إلى المجلس..أنهت مُكالمتها سَريعاً و هي تنتبه للعلبة في يدها،يجب أن لا تتأخر فالناس في وصول مثلما قالت سيدتها..استدارت عائدة جهته..أغلقته مُقفِلة الباب تاركة الساحة خالية سوى من فيصل وجنان..،
،
,،
،:يبه ما ابيـه أرجوك خلاص إنه الموضوع
عَقَّب و صوته الرُجولي الواقف عند مُنتصف الخَمسون تَدَثَّر بحنانٍ فِطري تُدمِنه،:زيـن ليش يا بنتي ؟ عطيني سبب واحد،الرجال آدمي و ولد ناس،يشتغل و مكون نفسه فليش الرفض ؟!
أفرغت تَنهيدة أصابها المَلل من كثرة تكرارها لمبدئها الأعوج قبل أن تنطق بهدوء،:ادري يبه أن الرجال و النعم فيه،بس قلت لكم من قبل ابي اخلص دراستي،مابي اربط نفسي بزوج و عيال،اقابل شنو و اخلي شنو ؟!
شقيقتها تساءلت و التَعَجّب ساق كلماتها،:اللحين انتِ مو تعتبرين طبيبة ؟! يعني خلاص خلصت الدراسة
مال رأسها و شفتيها تحتكرهما ابتسامة ضَجِرة و هي تُجيب،:بس للحين يسموني طالبة انتيرن،يعني في كلا الأحوال قاعدة اتعلم و مابي شي يشغلني عن دراستي
شقيقتها الأخرى أضافت باستنكار أرفع حاجبيها،:هذا احنا انخطبنا و احنا في الجامعة و الحمد لله تخرجنا ونشتغل
عَقَدَت ذراعيها على صدرها و نفحة النَرجسية تَحوم حولها قائلة و هي تضع ساق على الأخرى،:حبيبتي مَرام انتوا غير و أنا غير..مُستحيل تحصلين أحد مثلي،فلا تحاولين مرة ثانية تقارنيني فيكم "نَظَرت لوالدها و أردفت بأدب اعتادت أن تُحادثه به" خلاص يُبه هذا ردي ما بغيره
تساءل و لَحنُ كلماته الأسف،:خلاص يعني،أرد على الرجَّال ؟
و الثقة اتخذت من لون عينيها مَخدعاً،:ايـه يُبه رد عليه قوله بنتي ما تفكر في الزواج اللحين
وَقفَ مُستسلماً لأمرها و هو يتناول هاتفه،:خلاص يا بنتي اللي تشوفينه
انتظرت حتى ابتعد ثُمَّ وقفت مُتوجهة للأعلى حيثُ غُرفتها..لحقتاها شقيقتاها الأكبر تاركتان أبناءهما يلعبون في الأسفل عدا أنَّ الوُسطى منهن كانت تحمل طفلها ذو الأربعةِ أشهر..،دَلفت هي إلى غرفتها تختار لها ملابس للعمل..تناولت بنطال قُماشي أسود و قميص زيتي ذو أكمام طويلة من الشيفون احتاجت أن تُرفقه بقطعة سوادء من الأسفل..و هي تلتقط رداء استحمامها دخلت الشقيقتان..الكُبرى قالت و الجِديَّة تنحت ملامحها،:مَروة يعني لين متى ترفضين اللي يتقدمون لش ؟
نَقَلت بصرها لأختها الأخرى التي أضافت بتأييد هالشهرين أكثر من خمسة تقدموا وانتِ رفضتين،على الرغم كلهم رجال ما ينردون!
تأفأفت و عدستاها تتقلبان بملل وسط البياض..اسْتَقَرَّت بيدها الحرَّة فوق خصرها لتقول و اللامُبالاة جَلِيَّة في نبرتها،:زيـــن الله يوفقهم مع بنات غيري
نَطَقت بحَنق و هي تشد من وثاقها لطفلها،:مَروة شهالبرود ؟ صراحة تقهرين..مسكين ابوي منتظر اليوم اللي يشوفش فيه عروس
حاجبها ذو الشعيرات الخَفيفة عَلّاهُ الجُمود الذي اكتسح صوتها،:شكى لش ابوي ؟ و لا تشوفينه يدور لي من مكان لمكان رجال يحقق له امنيته على قولتش ؟!
نادتها بنفاذ صَبر،:مَروة اسـ
قاطعتها و هي تقترب من مكان وقوفهما،:منار حبيبتي لا تحاولين ما بغير رايي و أرجوكم سدوا الموضوع "بأناملها النحيلة أبعدت خصلات غرَّتها الكثيفة عن عينيها مُردِفة و الغرور إكليلٌ يزداد نُموّه يوماً بعد يوم فوق رأسها" و بعدين لا تخافون على مُستقبلي،أضمن لكم حتى لو وصلت الأربعين الخطّاب بيظلون يجوني "مالت برأسها تطبع قُبلة فوق خدّ ابن اختها القُطني قبل أن تتساءل بنبرة طفولية" صح ليثي ولا لا ؟
ابتعدت و صوت ضحكتها المُميزة يتردد من خلفها مُتكسراً وسط مسامع شقيقتيها اللتان ألجمَ الغُرور الأرعن لسانيهما..إلى أيّ مدى ستصل بهذا الغرور الذي ربأ على مدار عام للقمَّة التي قد تقترب من كَسر عُنُقِها ؟إلـهي سُتراً من كسر الأعناق..،
,،
ماضٍ
كانوا خَمسة و سادسُهم الليل المُجتَرِع قَمراً هَجَرَ مَسكنه..صوتُ صَفير الليل يعزف ألحان مُزعجة أوتارها قُيود تُحيط رُسْغَهم..أجسادهم مَحشورة و سط زنزانة أشفقت عليهم فتوسعت حوالي الثلاثة أمتار في نفسها..حيثُ الضيق أكبرُ مُحَفّزاً لهم للفوز في صراع جَرّ الأنفاس..،اجتذبت الأرض جَسد أحدهم و الذي استجاب لها بانهيار عَصَفَ بأطرافه..وجهه اصطبغ باحمرار مُزرق يُعَبّر عن اختناق إثر ضُعف رئتاه على استقبال ذرات الأكسجين..تَحسَّس عُنُقَه بيديه يُحاول بارتعشاتهما أن يُنقِذ نفسه من مَوت يَبتسم لهُ عن قُرب..زميله انخفض إليه يُعاين تَعبه و القَلق تَلَقَّف ملامحه..رَفَعَ يده شادَّاً بها على كتفه هامساً،:يا صاح هل أتتك الحالة ؟
لو كانت عَضلاته مُحتفظة بقوَّتها للكمهُ فوق فمه يُصمت هذا السؤال الغَبي..و كأنَّ حِبال مُتشبثة بجسده،تجذبه للأسفل حَيثُ الهاوية و الامتزاج باللاوعي..شيءٌ من سواد يقترب منه مُعلّقاً أصفاد غشاوته حول أجفانه..،ذاك الزَميل استدار لرأيسهم الجالس القرفصاء عند الزاوية و عيناه تُرسِلان إشارات مُراقَبة فَحواها خَبثٌ زار شفتيه عن طريق ابتسامة..قال و الخَوف استكان في صوته،:سيدي،لا يستطيع التنفس ماذا نفعل ؟
أجاب و البُرود جزءاً لا يتجزأ منه،:دعه..و الأفضل أن يفقد الوعَي
اتساع مُستنكِر عَبَر مُقلتيه حتى اسْتَقَرَّ وسط حدقتيه ناطِقاً و الكلمات تتقطع من صخور اللعْثَمَة،:كـ ـكيف نتركه ؟ قد..قد يَمـــوت !
تنازل عن إجابته قاطعاً النقاش التافه في نظره مُستديراً لليمين يُعيد بَعثرة نظراته إلى ما وراء القُضبان،و في جوفه بدأ بعدّ الدقائق الخَمس و التي ما أن وصل لمُنتصفها حتى اتسعت ابتسامته،بَوَّابته لخبثه المُستحفل من دَمه النتن..فذاك المُختنق قد استسلم لأمر الأرض مُسْبِلاً أطرافه فوقها ينتظر اجتراعها لأنفاسه الوَهنة..أو إنقاذٍ من سماء أحجبها سَقفُ الجَريمة..،وَقف رَئيسهم مُتحَرَّراً من انشداههم للجسد المُوَدّع..تَمَسَّك بالقضبان المُتهالكة حاشراً فمه بين أحدهما مُنادياً السَجَّان الواقف عند الحائط على اليسار..ظهره للزنزانة دون أن يراهم..،:أنت يا رَجُل..لقد مات الشاب
التفت إليه يرنو بطرف عينه للداخل دون أن يفهم مقصده..استدار بكامل جسده عندما لَمَح الخيال المُضَّجِع الأرض..أسْرَعُ مُخرِجا المفاتيح من جيبه تُسَيّره خبرته البسيطة..حَشَرَ المفتاح في القفل مُعْلِناً إطلاق سَراح أكبر خَليَّة إجرامية في بَرْلين..فذاك المُسَمَّى رئيساً أو شيطاناً رفع ذراعيه ليهوى بها خلف عُنُقِه ماسَّاً بمرفقه البؤرة التي يُختَزَل منها الوَعي..انحنى جالساً على قدميه مُتناولاً المفاتيح من بين أصابعه..أحلَّ عُقدة يديه قَبل يُلقيها على رُفقائه ليتناول سلاح الشُرطي المَسكين..خَرَجَ بعد أن أمرهم بحمل زميلهم المُنازع المَوت..لم يَكن الاختناق فقط الذي جَعلهُ صريع الزنزانة..بل خَوفٌ غُرِسَ في نفسه حتى نما شَجَرةً مُحنَّاة بدماء أُجبِرَ على اجتراع ثمارها الدَميمة لينجو من قتلٍ جرَّاء رؤيته لإحدى جرائم هؤلاء..ذوي القُلوب المُتفحّمة..،ذاك واصل خروجه و الثّقة حذاؤه..استطاع بحرفنة أن يُصيب رؤوس المُلازمين مركز الشُرطة المُلتحق بمركز برلين الرئيسي..هُوّ لم يكتفِ..واصل وَحشيته مُفرغاً بقية الأسلحة وسط أجساد المُعتقلين المُتواجدين في المَركز..و السبب أعينهم التي شَهِدت زَهقه لأرواح روحه لم تتعرف على قيمتها..وكأنَّها تُراب يُداس و لا ترفعهُ سوى رياحٍ تقتات على وجوده..،حَطَّت أقدامه فوق الأرض المُتصلَّبة من صفعات هواءٍ مُتَجَمّد..اقترب من الشارع النائم و هم من خلفه و اثنان منهما يَجُرَّان الزميل..توقف عند إحدى السَيَّارت المَركونة على جانبه..تَراجع ثلاث خطوات للخلف قبل أن يجذب جسده للأمام رافعاً ساقه اليُمنى بالتفاف كاسراً النافذة بضربة واحدة..أدخل ذراعه ليفتح الباب ثُمَّ استقَرَّ جسده أمام المقوّد وهم تَبعوه ينحشرون فيها..انخفض يعبث بالأسلاك يُحاول تشغيل المُحَرّك و من خلفه ذاك المُتدَثّر بالقلق نطق و الرجاء لسانه،:أسرع سيدي نبضه يقترب من التلاشي
لم يُجبه و عينا الصقر تُدقّق في العمل..ثوانٍ و ارتفع صوت المُحَرّك بضوضاء أزعجت سُكون الليل المُتستر على جريمتهم الشَنعاء..القَبيحة حَدَّ الجَزَع..،رَفَع رأسه ينظر لعباءة الظلام المُتحالف مع هَدير القَمر هامساً للذي بحانبه..،:اتصل بآستور..اُريده أن يجد ذلك الشاب حالاً
,،
حاضر
جهاز الحاسوب يستقر فوق فخذيها..يد تُطرِق أناملها بتفكير فوق المساحة أسفل لوحة المفاتيح.. و يد غَرقَت وسط خصلاتها المُسترخية فوق كتفيها..على الشاشة بَقيت الرسالة مُعلَّقة،لم تمسحها و لم تَعقبها برد رافض،لأنَّ الرفض في جوفها يُعايش تَرَدّداً..هي الآن تُريد أن تلتهم كُل فِرصة تقترب منها..تحتاج هذا الامتزاج مع الناس..خاصَّة "سادات المُجتمع" كما يُطلِقون على أنفسهم..أرجعت رأسها للخلف تُسنِده قبل أن تُمَيّله و ضِحكة سـاخرة اقتلعتها من أرض ماضيها الباكي عَبرت حلقها مُترددة وسط الغُرفة الفارغة من حياة..فهي و بجدارة ارتدت عباءة المَوت مُذ غادرت الروح أجسادهم،اغتسلت بدموعها و تَكَفَّنت بخيوط العَويل قبل أن تُصلّي على فقدها الأعظم..بفقدها لهم تَيَتَّمت من السعادة و هي التي أيتمها فِراق أمٍ جَرَّدت من قلبها مَحبَّتها..راقبت السقق المُصمَت..أبيض لم تطمثهُ يد أرجاسٍ تُراقب بصماتها عَينه التي لا تنام..ليتها سقفٌ تلتحف السماء،تُبصِر حياة الأنام عَلَّ الروح تنتعش..هي ليست هي مُذ خَضَّبت وجهها بتُراب قبورهم..تركت ذاتها تنحشر بين برد أجسادهم المَظلومة مُنذ ثمانية و عشرون عاماً..،أخفضت رأسها عائدة لتلك الرسالة التي غَفت الشاشة عنها..أعادت تشغيل الحاسوب و بين عينيها يُلَوّح قرارها الأخير..اختارت حُروفها باتقان و ابتسامة ثقة تُناسبها جَمَّلت شفتيها العاريتين من زينة..دقيقة و ضغطت زر الإرسال..ستكُون هُناك غَداً،ستبدأ مِشواراً جديداً هو طريقها للإنتقام..،
,،
يتبع
|