كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
ماضٍ
مَضَى يَومان على وجوده في بَرلين..قَضَاهما سياحة و استجمام قبل أن يركب سفينته عارية الشِراع..و يعلم أنَّ البَحر الذي سيطوفه ليسَ لهُ شُطآن و موجه يَهوى أن يَكون قَبراً للأجساد العابرة..،ارتدى معطفه البُني الداكن،أغلقهُ جيداً قبل أن يمس أكمامه ليُواسيهما عند معصميه..اقترب من النافذة ينظر للطريق المُرتدي حُلَّة بيضاء صـافية جسده يَخشى لسعاتها..زَفَرَ بضجر و هو يبتعد عائداً للمرآة يُرَتّب شاله البيجي ذو الخُطوط البُنية العرضية حَول عُنُقِه..ارتدى قفازاته قبل أن يُغادر غُرفته في أحد فنادق بَرلين الفخمة..رحلته اسبوع واحد فقط،بُتِرَ منهم يَومان بلا عَمل و بقيت خَمسة يحتاج أن يُزيد جُرعة نشاطه فيهما..ابتسم للبوَّاب ذو الوَجه المَرِح قبل أن يخطو خارج الفندق مُغمِضاً عيناه من صفعة الهواء المُصلّبة عضلاته..أخفض رأسه حاشراً ذقنه و فمه و جزء من أنفه وسط شاله يلتمس بُضعَ إشارات دفئ تُعانق خلاياه المُعتادة على انصهارٍ من شمسٍ لا تشبع..،خَبَّأ كفّيه في جيبيه مُواصلاً مَشيه و من فوقه السَمَّاء قد اتخذت فُسحة من تفريغ جليدها المُستل من الأجساد شُعورها..،مقصده كان يبعد عن الفندق حوالي السبع دقائق مَشياً على الأقدام،و هو اختاره بدقَّة حتى لا تُواجهه مشاكل سَير و وصول..،و فعلاً لم يستغرق الأمر دقائق حتى وصل..صعد العتبات الحجرية الثلاث و قبل أن يدخل أومأ لحارس الأمن بتحيَّة ليُحَيّيه ذاك بالألمانية التي لا يفقه منها سوى بضع كلمات تَعلّمها لتأدية عَمله..،في الداخل استوقف أحد الرجال مُتسائلاً بلُغة ركيكة،:أين احصل على المُحقق فيكتور آستور ؟
أجابه بكلمات سريعة لم يلتقط منها سوى "مدينة" و "خارج"..اذاً هو خارج المدينة..أراد أن يسأله عن موعد عودته لكن ذاك اختفى من أمامه بسُرعة حديثه..أخرج صوت ضائق من بين شفتيه قبل أن يتلفت ليبحث عن رَجُل آخر يسأله..لكَنّهُ تراجع و هو يَرى و جوههم الواجمة و علامات التعب المَسفوحة على ملامحهم الواضح غياب النوم عنها لأيَّام،كُل واحد دفن رأسه بين كومة من الملفات..وسادته في لياليه المُقلق قَمَرها صُراخٌ مَكتوم..أموالٍ بين الأيدِ الخطأ و روائح لدماء سُفِكَت بخبث مُوحِش..ابتسم بخفَّة و هو يتراجع للخلف ليخرج،فهو يعلم بحجم المأساة التي يُعايشونها..سيعود في وقت لاحق..،
،:أنــا اعلم انكم جميعاً كاذبين،هو هنا لكنهُ لا يُريد رؤيتي لأنهُ يعلم أنني سأفضحه
استدار يبحث عن الصوت كباقي الرجال اللذين تجاهل بعضهم عمله بفضول و آخرين لا زالوا صَرعى بيني يدي الجرائم..ارتفع الصوت من جديد،واضحٌ جـداً من حدّته أنَّهُ صوت امْرأة و لم تَخب ظنونه فهي بانت من خلف أبواب أحد المكاتب المُغلقة..وقفت على بُعد خطوات من الرَجل الذي خَرج خلفها لتقول بذات الحدَّة البــاردة،مثل الجليد المُجَمّد الخلايا،:انا واثقة أنَّهُ شريكه في الإجرام،سوف أحصل على الأدلَّة التي تدعم شهادتي لأرمي بهما في السجن
كانت تتحدث الإنجليزية بلكنة بريطانية واضحة و بين الحين و الآخر تستعين بمُفردات ألمانية استطاع أن يفهم بعضها..كان يسمع نقاشهما المُحْتَدِم بانتباه..فالأمر يتعلق بجريمة ما هذه الامْرأة تُلقي بتُهمة ارتكابها على رَجُلان يبدو أن أحدهما يعمل هُنا..،احتدَّت عيناه عندما نَطَقت باسمٍ شَخصه هو الذي أجبرهُ على مُغادرة بلده إلى بَرلين..سؤال تردد داخله،ما علاقة هذه بذاك ؟! و إن كانت تُوجد علاقة فعلية،فيبدو أنَّها تقف على مُنحدرٍ من سقوط بل قد تكون الآن مُهَشَّمة في الهاوية..فالحقد المُلقى على ناصية وجهها لا يُشير إلى مَحبَّة بين الطَرفين أبداً ! انتبه لقدومها نَحوه..بانت لهُ ملامحها للحظات قبل أن تتجاوزه لتخرج من المركز..استدار بسُرعة يلحقها قبل أن تختفي بين البياض..ما دام أنَّها نطقت باسمه فلن يُفَرّط بها قبل أن يظفر بما تحمله من كنوز ثمينة..،خَرج مع اقتراب أحد الشبَّان للرجُل الذي كانت تتشاجر معه،كان رجُل خَمسيني يَحمل رُتبة المُفتش..زَفَرَ بقلق و هو يمسح وجهه بحرارة حتى احمرّ..تساءل الشاب،:ماذا كانت تُريد ؟
نَظَر لهُ و السهر شارك التعب ليُصبغان أسفل عينيه..بهمس أجابه،:كالعادة تبحث عن آستور،تُريد أن تفتح ملف أحد القضايا المجهولة المُجرم
تساءل بحيرة،:و ماذا ستفعل انت ؟
حَرَّك كتفه بضيـق لعَلَّهُ يتخلص من أتربة تراكمت فوق كاهله مُنذُ قُدوم هذه الامْرأة المُتكرر..المُشكلة أنَّ القضية التي تُطالب بإعادة التحقيق فيها حَسَّاسة للدرجة التي يُحَرَّم على أحد أن يهمس باسم أحد ضحاياها..يتذكر تلك الليلة التي وقعت فيها الجريمة بتفاصليها الدقيقة التي لم تُفارق ذاكرته حتى بعد مَضي خمسةٌ و عشرون عاماً..،كان فَجراً جليدي لكن الأرض اصطبغت بدماء حَمـراء طالت أجسادهم التي حَضرت للموقع بعد فوات الأوان..تلك الشَجرة احتفظت بين جذوعها بدماءهم المُضَرَّجة بشكل وَحشي نادراً ما يُبصِر ببشاعته..الصُراخ و معزوفة النَحيب المُفتتة الأحشاء..سَيَّارات الشرطة و صوت الإسعاف الصامَّ الآذان..كُل ذلك أرجعهُ قُدوم هذه الأنثى..،انتبه للصوت
،:برونو ماذا ستفعل،هل ستتصل بآستور ؟
هَزَّ رأسه بالنفي ثُمَّ قال،:سوف انتظره حتى يعود و سأُريه ما صَوّرته أجهزة المُراقبة ليسمع كُل حديثها
،
خطواتها الغاضبة احتضنَ الجَليد آثارها،كانت تمشي و من جسدها تتطاير سلبيات لها نهايات مُقَوَّسة تُعيدها الريَّاح لتخترق جلدها ناخرة عظامها لتُصَيّر الألم وَسماً لا يُغادرها..يتغذى على قواها و يرتشف من دمها مُبصِقاً دَماً أسود يُضَخ من قلب اللاإنسانية..أغمضت عينيها بقوَّة تُريد أن تقتطع أفكارها المُحورة روحها لروح غَريـبة لا تعرفها،بــاردة لا تُثيرها رياح حُب ولا حنان..و هي التي تسلل الحُب من بين فراغات أصابعها مُستلّاً معهُ وجودها..فهي أصبحت عَدَم..لا تشغل حَيّزاً و لا تُتَرجم معانيها..كلمة ضائعة بين أبياتٍ من قصيدة سعيدة..طَيرٌ هاجرَ سَربه و انزوى فوق جذعٍ لا ظلال له حتى اختنق من استفراغ غيمات..هي صوتٌ يَصرخ بين أُناسٍ وُلدوا بمَسمعٍ مَيَّت لا يجترع بحَّات الحناجر المُنتهَكة ضحكاتها..،
،:لحظة يا سَيّدة توقفي
لم تلتفت لتنظر لصاحب الصوت الذي اخترق حديث نفسها يَقيناً منها أنَّهُ لا يقصدها..
،:انتِ صاحبة القضية توقفي
تباطأت خطواتها و عُقدة استغراب سَكَنت مابين حاجبيها..استدارت بهدوء تبحث بعينيها عنه..انتبهت لأحدهم يقترب و أنظاره مُصَوَّبة نحوها..أدخلت يديها في جيبي معطفها الأماميان الرَمادي المُتناسق مع قُبعتها الصوفية المُرتخية من فوق رأسها على الجهة اليُسرى..لا يبدو شُرطياً،و لا مُحققاً..هيئته بعيدة عن هيئة العاملين في المركز..،تَوَقَفَ أمامها تاركِاً مساحة معقولة بينهما..زَفَر براحة و ظهره مُنحني قليلاً من مشيه السريع و المُتعب فوق الثلوج..اعتدل في وقوفه و هو يُعيد ترتيب معطفه و شاله..هي ارتفع حاجبها ببرود و عيناها تَطوفان عليه مُتتبعة حركاته تنتظر الذي سيأتي بعد هذ النداء..،شَدَّ شفتيه بابتسامة ضاعفت من تكاثر الجليد وسط ساحة مُقلتيها..نَطَق بهدوء،:لقد سمعت بعض الحديث الذي دار بينكِ انتِ و ذلك الرَجُل "دَعَكَ خَدّه مُواصلاٍ" كذلك استطعت ان اسمع الاسم الذي نطقتِ بــ
قاطعته بالعربية مُتسائلة،:انت عَربي ؟
أطبق شفتيها و إمارات تَعَجُّب تَلَقَّفت ملامحه..أكملت هي بثقة بعد أن رأت صمته و عيناها تَجولان على سُمرته الجَذَّابة،:بالأحرى خليجي..صح ؟
مَسَّ طَرف حاجبه بسَبَّباته مُجيباً و عَدَم التصديق لا زال مُتربعاً بين عينيه،:ايـــه..بحريني
رفعت كتفيها و على العَكس تَقَوَّست شفتاها بمُفاجأة ناطقة،:والله ! شهالصدفة..مني وفيني يعني
أكمل هو ما بدأه و الآن رغبته في معرفة علاقتها بذاك تضاعفت و السبب جنسيتها التي صدمته..قبل دقيقة كان يعتقد أنَّها بريطانية تَركت أرضها إلى هُنا من أجل رجُل قد طالها رصاصه أثناء سفره المُتكرر للندن..،:الصدفة الاكبر اني جاي لنفس الشخص اللي تدورين عليه "راقب ملامحها يبحث عن تَغيّر يُعَبّر عن اهتمامها للذي ينطقه..لكن لم تصطدم عدستاه سوى بالبرود الذي يُنافس هذا الجليد المُشاركهما اللحظة..أردف وهو يتقدَّم خطوة مُتَخذاً طَريق عَمله الذي يحترفه" مُمكن اعرف من انتِ و شنو علاقتش فيه ؟
تبادلا نَظرات الصَمت المُناقض الصَخب العارم حولهما..على الرغم من اكتساح الثلوج لبرلين لكن الطُرق كانت كالعادة مُزدحمة..خاصَّة في مركز المدينة الذي يتوسطانه..أبعدت بصرها مُلتَفِتة يِساراً بعيداً عن عينيه الواضح رَغبتهما في كشف أغوارها المُوصدة بحديدٍ لم يصدأ بعد..أرجحت الرياح شَعبٌ من خصلاتها البُنية لتمس وجنتها البيضاء المُزهرة و طرف شفتيها الناعمتين..بأناملها أبعدت الخصلات و هي تعود لتُقابله ناطِقة بنبرة تَحَرَّرت من البرود،:انا اللحين مشغولة، شوف "أشارت للجهة التي كانت تنظر إليها قبل لحظات مُردِفة" في محل ورد هناك اشتغل فيه تقدر باجر تمرني الصبح تكلمني و اذا ما كنت موجودة اترك لي خبر عند العجوز
تراجعت خطوة و قبل أن تستدير أوقفها سؤال،:شنو اسمش ؟ "ابتسم بخفَّة قبل أن يُردِف" انا رائد و انتِ ؟
ردَّت لهُ ابتسامة تَفْتَقِر للود و هي تُجيب،:وَعــد
,،
حاضر
لَبَّت نِداء قطرات الماء التي شَبَكَت أصابعها تُعين بعضها البعض لحَرث أرض جسدها المُتَخم بأترِبة شوائبها حَرمت ثمارها من نُضجٍ لهُ مذاق السعادة..اغتسلت بالكامل مُبتدِئة بالماء الدافئ مُوزِعة استرخاء بين عضلاتها المُتصَلّبة لفترة من حَجم الجرح الذي تلقتهُ روحها..ثُمَّ ارتفعت شهقاتها أسفلَ ماءٍ بــارد استخرج من عُقرِ أرضِها سُموماً شَوَّهت مَسير أيَّامها الماضية التي قضتها في التَطبيب فوق جرحها و مُداواتهِ و إحاكة أفكارها بخيط غُرَزه المُهتَرئ..أغلقت الماء ليرتفع صوت السُكون..تَدَثَرت برداء الاستحمام المُلتَف حول جسدها ليُثَبَّت عند صدرها كاشفاً عن جزء من ظهرها و كتفيها المُضجعة فوقهم بضع قطرات..جَفَّفت جسدها جَيّداً..رَطَّبته بمستحضراتها الخاصَّة قبل أن تستره أسفل فُستان قُطني يتجاوز رُكبتيها..زَهري فــاتح كصبغة خدَّيها النَديين..تَوَشَّحت بفوطة صغيرة أرختها على كتفها تمتص الماء الباكي من خصلاتها حتى لا تُغرِق ملابسها..أغلقت مصابيح غُرفة ملابسها الفاصلة بين غُرفة النوم و دورة المياه لتخرج بخطوات التمست شيئاً من هُدوء الليل..التفتت يساراً تنظر للساعة المُعلَّقة..كانت تُشير للتاسعة و بضع دقائق..حَرَّكت عدستيها بخفَّة جهة سريرها و في ذاك التَحريك مَرَّت على كائن يُشاركها في إحياء الأنفاس وسط الغُرفة المأهولة بالجمادات..بسُرعة فائقة عادت للذي اقتطع مُرورها لتتصلَّب قدماها على الأرضية الخَشبية..رفعت يدها تَشد على الفوطة و هي تُقَرّبها من صدرها الذي ارتفع بحركة مُفاجِئة للأعلى نتاج استنشاقها العَنيف لذَرَّات الهواء المُماطلة في اقترابها لرئتيها،و كأنَّها تُشاكسها مُختبرة قوَّتها التي قَرَّرت تَقلُّدها..الارتباك سَيَّر أهدابها مُثيراً شَغباً بين شعبهن المُلتوي بنعومة جَمَّلت عينيها الواسعتين..ازدردت ريقها قَبل أن تُمَرّر لسانها على شفتيها تُعيد فيهما الحياة..و ببطئ اقتربت عندما رأت وقوفه و تَقدُّمه ناحيتها..بوجهه الهـادئ،النَقي من شوائب ضغوط قد تُزعزعه..،توقفا و المسافة بينهما قَصَّرها شَوقٌ خَفي يُداعب خلجاتهما برِقة تبعث شُعوراً غَريباً في قلبيهما..مثل شلالٍ بـارد ترتطم حُبيبات مائه الشفافة بوجهيهما..شُعور لذيذ..لهُ رائحة و خَدَر الحُلم..،سار عابراً مملكتها الأنثوية مُحتلاً بعينيه كُل مدائنها غارساً عَلمه وسط الأرض التي يُكثَر عندها ذَوي النبضات..مثلاً..أرضُ عينيها،ازدرد ريقه و روحه تَغوص بين زُحام الأهداب لتصطدم بعدستين فيهما يَرى حياة مِلؤها السعادة و شَمسُها ابتسامة رقيقة يبني بها سَقفُ راحته المُهدَّم منذُ الطفولة..لو أنَّهُ شاِعراً يَصُفَّ قلائد الغَزل حَول جيدها الصافي..مالت عيناه إلى عُنُقِها جهة جريمته الدميمة..أسرابٌ من غربان نَعَقَت مُخَلّفة تَصَدّعات بؤسٍ بين تَشقُّقاته انطوى طيف طفولته يبكي مُستقبلاً أعرج..هو ليسَ شاعِراً بل جَلّاداً يلتهم بسوطه روح أنثاه..هذه البريئة..،هي كانت تُتابع بصمت الحكاية التي تُعزَف ألحانها على أوتار حواسه..لتتسلل بنشاز مُخلخلة توازن نبضاتها لتلد ضيقاً يَنوح عَليه..ارتعشت بخفَّة من ملمس أصابعه الباردة لوجنتها..صوته الهامس حَيَّ مسامعها بعد غياب أيَّام،:انتِ زيـــنة ؟
بغرابة راودتها رغبة بالابتسام و هي ترى ملامحه انكمشت بنَدم و خيلَ لها و هي تنظر إليه أنَّها تُبصِر طفلاً لم يتجاوز عُمره الخامسة يُجاهد سخطه من سوء فعلته ليُفصِح عن إعتذار..لكنَّها جاهدت تلك الابتسامة لعدم جاهزية الموقف لها..،هَمَسَت و عيناها تُراقب تَخَبُّط بؤبؤاه بين اتساعٍ و ضيق،:ايــه الحمد لله
شاركت يُسراه يُمناه احتضان قَمرها المُنير هامسِاً بنبرة تَكَسَّرت أصداءها فوق صخورٍ من وجع،:حــور انـا آسـف "أفرغَ زفرة ضياع مَسَّتها حواسها المُتيقظة إليه وهو يُعايش إغماض لحظي قبل أن يحني رأسه مُستَقرَّاً بجبينه على جبينها الناعم،أكمل بذات الهمس"ادري إن الأسـف مــ
قاطعت حديثه التائه مُتحرّرة بصعوبة من قُيود خجلها المُعارض خطّتها المُطالبة بشجاعة أمالت رأسها بخفَّة لتحتويه بكامل حواسها سابغة فيضاً على روحه التي تراقصت بذهول..احتوتهُ مُعتنقة ديانة شفتيه،مُتعَلّمة مبادئه و مُحتفظة بقيوده وسط قلبها لتُكَبّل نبضاتها لو حاولن أن يمتطين غَدرَ الزمن..رفعت ذراعيها تُحاوط بهما عُنُقِه تستشعر مُلكيته لها..رجُلها الهارب إلى زوبعة الماضي حيث هُناك يتخبط باحثِاً عن طفولته المَحرومة..يُهامس الجُدران و يتذلل الأرض من أجلِ عَودةٍ بها هُو يتصدى للذكرى المُتجدد نَزفُها عاماً بعد عام..،هُو جاءها و بين كاحله تستقر قُيود العار الرافضة تنجيس غرفتها..جاءها مُعتَقِداً أنَّ فصلٌ من جليد سوف تنثره على روحه المُتَقَلّبة مُضَعّفة بعتابها النيران الشاعلة ضميره..لم يتصور و لو للحظة أنّها ستحمله فوق جناحيها الطاهرين..حمامة بيضاء تهديه للنجوم و تَغفو معه فوق القَمر..تهمس لهُ بهديلٍ أنَّها تُريده..تَوَدُّ أن تُشاركه مَسير حياته المُلَغَّم..،ابتعدا و الأنفاس قد نُسِيت فوق ذلك القَمر..تَوَقَّفَ عن ارتشاف خمرها و عضلة عند جفنه لا زالت تَرف تُعاين بعثرتها..بصره مُتَعَلّقاً بوجهها المُعلِن لونه خسارته لاحتلال الاحمرار الفظيع المُبتلع ملامحها..تشعر بحرارة تُحَلّق بحرائقها على جلدها..كيف في لحظة تعَرَّت من خجلها مُلتبسة جُرأة ها هي الآن تشعر بسببها بألم خلف عُنُقِها من شدَّة إخفاضها لرأسها..هي تَمَنَّت لو تنصهر حتى تتبخر لتختبئ بين ذرات الهواء بعيداً عن عينيه..لو يبتلعها سواد الليل و يحملها فوق سَحابة تتوسدها هَرباً من أنفاسه السالخة وجهها..،ناداها و هو يُحاول رفع رأسها يُريد أن ينعم بخير عينيها،:حــور
و خلاصاً من الضجيج المُحاوطها من الخارج و الداخل دَفَنَت وجهها عند كتفه سامحة لنبضاتهما بالامتزاج..احتضنها شاداً بذراعيه على جسدها المُرتعِش..أخفض رأسه هامسِاً لأذنها و الضياع لا زال مُرابطاً حنجرته،:حـور أنــ ـا أنـا يقولون مَريـض ما اقـدر اعيـ
قاطعته بحَنو و أصابعها المُرتعشة تضغط على ذراعيه بحنان استشعرتهُ خلاياه المُنتحرة..هَمسَت لهُ بصوت قد اختنق من عُظم المَشاعر المُختلطة،:ما عليــه يُوسف ما عليه،انا عندك ما بتركك..اثنينا ان شاء الله بنتغلب على المرض
عَجَباً أنَّهُ لا يتسطيع وصفَ الفرح..فاحتكار الحُزن لعُمره استنزف هُرمون سعادته حتى بات بلقعاً بُحَّت بوابته من طَلَبِ السعادات..نَبضٌ صغير كان يتراقص وسط جواه عازفاً لحناً ظَنَّتهُ روحه السعادة..،تَوَسَّد وجهه عُنُقَها الدافئ المُتزين بشذاها الفريد..هَمَسَ و التردد تَلَبَّس لسانه،:يعـ يعني بترجعين البيت ؟
قَطَفت شفتيها ابتسامة حُب تُعاد ولادته..يالله طِفل..طفل لا زالت روحه مُعَلَّقة بالبراءة فكيف بمرضٍ لعين هي غير مُتأكدة من صحّة تشخيصه أن يجترع هذه البراءة مُخَلّفاً بقايا ها هي تُسعى لجمعها؟..ناداها من جديد..،:حــور
أجابتهُ و رأسها يميل براحة على كتفه،:بكمل الليلة مع أمي و باجر ان شاء الله اجيك
,،
التبست بُرود مُتهدل الأطراف و هي تراه يقترب من مكان وقوفها..حيـلة بلهاء تلكَ التي لعبها مع جُود التي تعرف كيف ستوبخها..وقَفَ أمامها فَتَحَ فمه يُريدُ أن ينطق و قبل أن يرتفع صوته استدارت لتبتعد عنه لكنَّ يده التقطت ذراعها مُحكمة قبضتها القويَّة عليها..شَدَّتها تُناشد هُروباً من سطوته الزارعة ضيقاً وسط صدرها..هَمَسَت و الغَصَّة قد نالت من حروفها المَبتورة،:اتركنـ ـي لا تلمسـ ـني مابيـــك ما بيــ ـك
قبضته الأخرى زارت ذراعها الحُرَّة مُستخدماً كُل قوَّته لتثبيت حركتها..هَمَسَ برجاء شاب من غُربة قَسرية،:جنـان ارجـوش ولو لمرة اسمعيني خلينا نتكلم
نَظَرت إليه بحدقتين توسعتا للترحيب بضيوفها المُلازمين دارها مُنذُ أيَّام..و بصوت اعتلى من فَرط قَهرٍ صال و جال لسنوات داخلها مُسفِكاً دماء أسقت روحها حدَّ الوَجَع..حَدَّ المَوتِ و الألم..حتى باتت عَروساً مُحنَّاة بدمِ فقد العضيد..،:نتكلم شنـو نقول ؟ اي أعذار تافهة تبي تسمعني ؟ محمد أرجوك اتركني،لا تحاول ترجع علاقتنا مثل أول "و من بين أسنانها استلَّت الكلمات خَنجراً فَرَّقَ حُجرات قلبه" لأنه هالشي مُستحيـــل
تَخَلَّى عن جموده و الغرابة باتت تتعلق فوق ظهره مُواصلة مسيرها معه ليعلو صوته مُواجهاً صوتها الحاد،:و ليــش مُستحيل ؟ امي و ابوي و علي و الكل طبيعين معاي الا انتِ،رافضتني و رافضة وجودي في حياتش
بصرخة اقتلعتها من أرضها المَنسية من فصل ارتواء،:لأنّي انتظرتك يوم اتخرج من الثانوية تبارك لي و ما سمعت صوتك،بغيتك تساعدني في اختيار تخصصي بس كل ما اتصل ابي اكلمك يدق يدق و محد يجاوبني "تحشرج صوتها و الكلمات تَمَرَّغت في وحل الغصَّات،و عينيها تَزُفَّان الدموع فوق وجنتيها أردفت"كنت واثقة إنَّ أخوي،عضيدي ما بيتركني في ليلة عُمري
التوت نَبضة وسط قلبه و عيناه تُبصران مأساة أخوية نُشِرتَ راياتها بأيدٍ حُرّم عليها مس باب الجنَّة..قَبَضَ كفّيه بقلَّة حيلة و مسامعه تُصَمَّان من صوت تَكَسَّر شهقاتها..ليته ينطوي قُماشاً ناعماً فوق خَدّيها يتشرب مدامعها..أو يذوبَ مَوجاً دافئاً يحتضن ارتعاشات جسدها..،هي ارتفعت زاوية شفتها اليُسرى تُشاركان حاجبيها السُخرية ذاتها هامِسةً،:بيجي بيزفني لزوجي اللي رماني
اقترب خطوة منها لكن يده التي ارتفعت أمام وجهه بقسوة اقتطعت آماله الفقيرة جَمَّدَت خطواته..أرجعتها لتحتضن نفسها بذراعيها لتنطق بصوت تَيَتَّم من الحياة،:تبي نرجع مثل أول ؟ "رَمَشَ ببطئ و استنكار لا مُستوعب لاح لها من بين عينيه،أكملت صافعة ذاته بشرطها القافز إلى ماوراء المُستحيل" رجّع لي من ولد خالك الخمس سنين اللي حرمني فيهم من بنتي
,،
على أريكة شقته جالِساً جَسده و الروح تَحَلَّلَت بين الأزمان عائدة لماضٍ تَخشى الذاكرة أن تَصحو يَوماً و تَجد أنَّ قَبراً قد سرقهُ منها..،يجتذب النظرات مع هاتفه،بتفكيرٍ تَمَنَّى لو أنَّهُ يتحور إلى أحرفٍ تتلاصق ببعثرة و تُسافر لمحطَّة مسامعها..أو رسالة بلا وَرق تُحاصِر بصرها الفاقد رؤيته..،كان جالساً بجسد مُتَقدَّم و ساقان مفتوحتان..مرفق ذراعه اليُسرى يتكئ فوق فخذه و باطن يده مُستَقَرّاً لذقنه المنقوشة بين شُعيراته القصيرة إحدى الذكريات..يُمناه ممدودة أمامه مُسيطرة على هاتفه المُحتضن صوتها منذُ ساعات..و أسفاً أنَّ نبرته الناعمة لم تُخالط نبرته الجبانة..تَلَقفَّت السُخرية أطراف شفتيه و حَسرةٌ تغلغلت في عينيه حتى استرجع حَريق نبع تلك الليلة الشُؤم..تردد السؤال في داخله للمرة الألف..هل كان اتصالها يتعلَّق بتلك الليلة ؟..ذاك كان ينظر للتلفاز دقيقة وإليه عشرون دقيقة..أصابهُ ملل من هذا الصمت الناشر أذرعه حول المكان..مُنذ أن انتهى اتصالها و صديقه على هذه الحالة.. و هو الذي أتاه لينسى همَّ صدود زوجته..،انتبه له وهو يبتسم و عيانه لا تزالان مُعلَّقتان على الهاتف..هَمَسَ بملامح غائصة في التَعَجُّب،:شكله جننته هالنور "رَفَعَ صوته يُناديه" طــلال
هَمهم دون جواب أو التفاتة تقطع فصل النظرات..أكمل رائد باستنكار،:خــوك صار لك ساعتين مقابل هالتيلفون "و بجديَّة أراد بها أن يُشاكسه" حبيبي طلال ركّز،هذا تيلفون اتصلت عليه حبيبتك،مو هي نفسها بين يديك"ضَرب باطن يده بالأخرى مُردِفاً بكلمات أراد بها نرفزته"ياخي فكنا عــاد حتى عشا ما تعشينا مت جــووع ما صارت نور اتصلت !
حَرَّكَ عُنُقِه ببطئ ليرمقه بنظرة تطايرت منها شذرات حدَّة أرجعت رائد للخلف و الذي نَطَقَ بحَنَق،:جم مرة قايل لك لا تطالعني بهالنظرة،انت بدون شي عيونك تخوف..كأنّك قطو بايقين عياله
تَجاهل سُخريته الدائمة لعينيه فنفسيته غير جاهزة لمُزاحٍ ثقيل..أرجع جسده مُسنداً ظهره للأريكة و هو يُخفِض الهاتف على فخذه..لو يَملك الجُرأة لأعاد الاتصال،سيصمت لن ينطق بحرف..فقط سَيُوَجّه حواسه لصوتها السالب نبضاته مُنذُ طفولتها..آآآه ليت سنينها تتقلص لتعود طفلة يحملها فوق كتفه..يرفعها إلى السماء مُطَرَباً بضحكتها النَقيَّة من حُزن..يتلقفها بذراعيه قبل أن يُودِع قَبلة فوق وجنتها القُطنية لتَشكو بدلع يعشقه من وخز شعيرات لحيته،:اححــح طلال يعَوّر
خَبَّأ ملامحه المَفضوحة بيديه و هو يُطلِق سراح تنهيدة ارتفعت بسببها أصوات أبواق الحسرة في قلبه..رفعهما ليُخلَّل أصابعه خصلات شعره الداكنة على عكس عينيه المُمتزج اخضرارهما برمادية لم تَكن سوى رمادٍ من مُخلّفات حرائق ذاته المنبوذة..حَرَّكهما لرائد الذي قال بجديَّة،:يوم انك مشتاق لها هالكثر ليش ما كلمتها من أول ؟
هَمسَ وباطن يده يُرَبَّت على فخذه،:مو اللحين يا رائد،كل شي في وقته
أنهى جُملته و وقف ليتساءل رائد بحاجبان معقودان،:وين رايح؟
أجاب وهو يتوجه للباب،:تقول يوعان،خلنا ناخذ لنا اي شي ناكله و نروح الطرَّاد..ابـي البحر
,،
يتبع
|