كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
تَوكلتُ على الله
الجزء الثلاثون
اليوم الماضي
على مَكتبه يَستقر دليله الذي ظَفَر به في زيارته للمصرف المُنجلية عن حريقه غَشاوة الأسرار،عَقَد أفكاره..أحلَّها ثُمَّ عَقَدها من جديد رابطاً أطراف الخيوط واحداً بالآخر ليرسم بها جواباً يَسطره أسفل أسئلته الحائرة..،سلاح walther P99 .. ابتسامة ثقة لَوَّحت على شفتيه المُتدثرتان أسفل أصابعه المُتشابكة..صناعة ألمانية بعيار تسعة ملم..،اذاً الحَريق لم يُشعَل من فراغ،فنيرانه اقتاتت على الجرائم الماضية المُغلَق مَلفَّها على ورقة الانتحار..حيثُ يختفي المُجرم تحت جُنح التظليل مُلقياً سيفه على الضحيَّة،ليصور المشهد انتحـار وُلِدَ من رحم اليأس المَسجون بين القضبان..،الساعات التي قضاها مُتصفحاً ملفات المُتهمين الستة و العشرون أيقظت ما كان نائماً لسنوات..استطاع أن يمتزج مع الدماء مُستنشقاً خباثة الإجرام الحاذق..نافثاً أجوبة مَسقومة لا زالت تحتاج لصقلٍ يُصيرها أدلة قاطعة تذهب به للمُجرم مُباشرة..،تَصافق خفيف لأهدابه نتج عن صوت طرق الباب الذي أعقبهُ دخول هاينز المُشاركه المنزل منذ قدومه و من خلفه آستـور..أزاح يديه عن موضع شفتيه مُتراجعاً للخلف ليستند باسترخاء و الابتسامة لا زالت في مكانها..تضاعفت و هو يسمع كلمات آستور الذي اقترب ينظر للملفات،:يبدو أنَّك توصلت لشيء
أجاب بهمس،:أشيـاء و ليس شيء واحد
تساءل و أنامله تَمس السلاح،:و ما هي ؟
أصدر صوت مُعارض من بين شفتيه ليُجيب،:لا لن أفصح عنها
هَزَّ رأسه بتفهم قبل أن ينظر لهُ ليقول بجديَّة،:أنا عائد لبرلين
أرفع التَعجُّب حاجبيه و لسانه أفصح عنه،:مــاذا تقول ؟! "التفت لهاينز مُتسائلاً" أنت أيضاً ؟
أجاب بابتسامة،:نعم،فحبيبتي تنتظرني
وقف و الاستنكار عَقَد المنطقة التي بين حاجبيه،قال مُحادثاً آستور،:كيف ستذهب؟و عملنا على القضيَّة ؟
أجاب بهدوء،:بقائي هُنا لمدة أطول سيجعل الشكوك تحوم حولي " و بنظرة غابت مفاهيمها عن عقل هاينز أردف" أنت تعرف ماذا اقصد
نَطَقَ بحيـرة لاحت على ملامحه،:و الفتاة ؟!
مالت شتفيه بابتسامة مُعقّباً،:انقيــل "ضحَكَ و هو يَرى علامات عدم الفهم على وجه مُحمَّد،أردف" في لُغتك تنطقونها مالاك أهذا صحيح ؟
ردَّدَ بخفوت و عيناه تنحتان في الفراغ ملامحها،:انقيل "رفع عينيه لهُ مُتسائلاً" اسمها ملاك ؟
،:نعم،و الصورة التي لديك عندما كانت في برلين قبل أعوام،هي و عائلتها "اقترب منه و كفاه تنحشران في جيب بنطاله مُردفاً" انت تعمل على قضية والدها
عَقَدَ ذراعه على صدره مُعَقّباً بثقة،:قضية انتحـار
ابتسم بفَخَر و يده ترتفع لتُربت على كتفه،:اذاً استوعب عقلك الأمر،هذا جيد جداً "استدار مُواصلاً" حل هذه القضية سينقلك لأجوبة كُل أسئلتك "نَظَر له من خلف كتفه مُردفاً بثقة مُنقطعة النظير" هذه القضية ستكون خلاصك
,،
غـادر المنزل و بُكاء ابنته سَحابة سوداء تُفرغ على روحه حَرائقها..بُكاؤها تَعلَّقت بأطرافه سكاكين اقتطعت نياط قلبه الواقف على باب الندم..لم يَعتقد و لو لوهلة أنَّ فؤاد ابنته البريء يتفتت احتياجاً لوالدته..أفرغت دمعات صامتة على صدره فيما مضى تُعبر فيها عن شوقها لحس أنثوي يُناغي مسامعها..لكن اليوم..،زَفَر بارتجاف و باطن يده يمسح على صدره يُخفف من وطأة شهقاتها المُتقطعة بوَجع..أضرمت احتياجات في قلب ابنتك فيصل..من أين لك الغُفران ؟! أوقف السيارة أمام المَصرف الذي قصده لمُحاسبة من هو مُتأكد بتورطها بهذه التُهمة..حذرها من إخبار جنان،لكن كما توقع لم تأبه بتحذيراته و مشت خلف مشاعرها التي قادت جنان إليه كالفاقدة عقلها..،ترك المصعد بعد أن وصل للطابق القابع فيه مكتبها..و دون أي إستئذان فتح الباب و الغضب مَرسوماً على ملامحه..وقفت هي بارتباك و عقلها مُباشرة أودى بها إلى سوءٍ قد أحاط برفيقتها و هي التي مُنذ عصر الأمس لم تُحادثها..و هذا غَريــب..،تركت مكتبها مُقتربة و هي تتساءل بخوف امتص اللون من وجهها،:فيصل جنان فيها شي ؟
فَتحَ فمه يُريد أن يُطلِق تأنيباته لكن بصره التقط وجهي المُوظفتين الواضح الفضول عليهما..استدار هامساً،:تعالي برا
تبعته و ارتعاش بسيط بدأ يزور أطرافها..أغلق الباب قبل أن يبتعد معها لإحدى الزوايا..قابلها هامساً من بين أسنانه،:انا مو حذرتش ما تقولين لجنان،ليش تعاندين ؟
اتساع مُتعجب عانق مُقلتيها ناطِقةً،:ما قلت لها شي فيصل،اصلاً من امس العصر مادري عنها و اتصل لها موبايلها مغلق ! "دَثَّرَ العَطفُ ملامحها و كفاها بانقباض استقرتا على قلبها مُردفة" يا عُمري اكيد حالها كان صعب يوم عرفت
أغمض عينيه للحظة مُزيحاً خيالها المُرمد من حريقه ليقول بعدم اقتناع،:مافي غيرش يدري بجنى و انتِ اقرب وحده لها
أجابت و الصَدق يَراه ينضح من عينيها،:صدقني ما قلت لها،اعترف اني حاولت اقول لها بس ماقدرت
يده استقرت على خصره و هو مائل في وقوفه مُتابعاً سير أفكاره التي تَجَمَّعت لتصطاد الذي أوصل الخَبَر إليها..هو مُقتنع في داخله أنَّهُ هو الوحيد القادر على إخبارها بطريقة لا تنتهي بانهيارها و عَويلها المنشورة أجنحته في سماء ذاكرته حتى الآن..لا يدري ماهي الطريقة و لكن لا زال يَحوم حوله الماضي الذي كانت فيه بين أحضانه تنثر شذا أنفاسها المُرتعشة و دموعها تَسقي ليله الأَلْيَل مُنبتة وسط روحه كلمات استعصت على لسانها..يَذكر أنَّهُ احتواها بذاته،امتزج مع انكساراتها مُتحسساً شروخها يَقيس مَدى عُمقها،ليُحيك بشرايين قلبه ضمادة تُكبِح سيل دمائها الباكي..لكن الآن بعد أن كان للفراق كلمته،لا حُضن يتلقف جَسدها الوهن ولا روح يُصيرها الليل مخدعاً لبَوحها..فأي احتواء ذاك الذي اعتقد أنَّه سيحتضن انهيارها ؟
،:آخر مرة كلمتني العصر قالت لي بتروح المغرب تقابل زوجة أحمد
نَظر لها بانتباه و شَكّه بدأ يقترب من تلك الصامتة مُنذ عودتها من لندن..أكملت ندى بتفكير،:انا انتظرت تكلمني تخبرني شنو صار بينهم بسـ "رفعت عينيها إليه و بنبرة استشفَّ مقصدها" فيصل ياسمين تعرف بوجود جَنى صح ؟
,،
أمـام المرآة تقف تتأمل انعكاس ملامحها الطفولية..بشرتها الحَليبية لا تشوبها شائبة،لامـعة بطبيعية زادها الإهتمام ألق..خصلات مُموجة يتخللها لون بُني فاتح عابراً قارَّاتها الشقراء..عينان واسعتان يُباغتهما نُعاس عند الطَرف،أهداب مُلتوية بنعومة مثل بتلاتٍ أحنتها قطرات ندى صباحية..حيث من بينهن يتضح التماع زُمردها الثمين..أنف صغير و شفتان زهريتان ملمومتان بإغراء..،ابتسمت بثقـة..فجمالها لا ينكره إلا الأعمى...حَسب رأيها ! مال رأسها و هي تتبع خيال تلك..تعتقد أنَّ خصلات شعرها غارقة في لون بُني داكن لا يلفت الأنظار..عيناها كما يتضح لها أضيق من عينيها و لكن أهدابها أطول..زَمَّت شفتيها و ذاكرتها تُواصل رسم ملامحها،لها أنف صغيـر و نحيل مُقارنة بأنفها المفروش عند نهايته..شفتاها يغيب عنهما الإغراء المطلوب..اذاً هي أجمل ! عادت لتلتبس الثِقة المُتسلقة جبل الغرور بعدما أوصلها فكرها الأعوج لهذه النتيجة..استدارت مُتجهة لسريرها،جَلَست لتنحني للدرج القريب،أخرجت الدفتر الصغير،غلافه اللحمي اقتاتت على أطرافه السنين..فتحته تستقبل إصفرار الأوراق المُفصح عن عُمرها..الصفحات تتشعب فيها الكلمات بتراصٍ ينم عن مَدى جدّية كاتبها..تَركت الصفحات الأولى مُتجهة للنهاية،حيثُ هُناك سُجِن الاعتراف الذي لن تَبوح بهِ أبـداً..،زاغ فِكرها لساعات الفَجر..حاولت أن تتجاهل برود عبدالله معها و انشداهه لنـور التي لا تجد فيها ما يجعله ينسى نفسه بوجودها ! على الرغم من البَوح الكاذب الذي أبدعت في عزف موسيقاه على مسامعه إلا أنَّهُ تجاهلها تاركاً المقعد ذاهباً إليها..،أغلقت الدفتر ثُمَّ أعادته إلى مكانه..تحتاج أن تتخلص منه،زَفَرت بحيرة و هي تتذكر كلماتها الراجية..تلك الكلمات المَيّتة تقف سداً بينها و بين القضاء على هذا الدفتر الذي يجب أن لا يصل ليد عبدالله إن كانت تُريد أن ينعقد اسمها باسمه..وأسفاً أنَّ مُهمّة إيصاله إليه تتوسد كاهلها مُنذ عام..،
,،
فاتتها المَرحلة الأولى من المُسابقة و التي تَمَّ فيها إقصاء خَمسُ طالبات لم يَحالفهن الحَظ في مواصلة المشوار..كانت تقف مع مجموعة من المُعلّمات يُراقبن التجهيز للمرحلة الثانية..على وجهها سَكَنت ملامح الهَلع و رائحة الحريق لا زالت قابعة بين طَيَّات أنفاسها..تُشارك عُبور الأكسجين رئتيها..بُهوت واضح نَثَر رماله على بشرتها السَمراء و عيناها تَطوفان حولهما سّرب طيور مُهاجرة للحظة التي واجهتها عيناه الغريبتان..مثل قطعة جليدٍ بين رمالٍ صيفية و ورقة خَريف بين إخضرار أشجار ربيعٍ يانع..،لا تدرِ لماذا هذا الشعور يتسيد أفكارها ناقلاً عقلها لبؤرة ضيّقة يُستعصى عليها أن تبحث فيها عن جواب..لم تقتنع بالحريق..اتصال المصرف و المرأة المُثيرة للريبة..لم تكن محض مصادفة..أبداً..،حَرَّكت عدستيها جهة إحدى المُعلّمات التي كانت تتحدث،:يقولون النار بدأت في الطابق الأخير و انتقلت لين باقي الطوابق
عُقدة خَفيفة لاحت بين حاجبيها و حواسها أعلنت انتباهها..أخرى أكملت،:ايــه قبل لا تاكل الطابق الثاني طفوها،الحمد لله ما كان في إصابات
أضافت الأولى،:بس قريت في الجريدة إن انقذوا بنت كانت مختنقة في واحد من المكاتب،زين والله الباقي قدروا ينجون
ازدردت شُكوكها نِصال جَرَّحت حلقها المُتقرّح..تساءلت ببحَّة،:تتكلمون عن شنو ؟
أجابت إحداهن،:البنك اللي احترق،معقولة ما سمعتين عنه ؟
تحمحمت و هي تتراجع للخلف مُجيبة بخفوت بعد أن اجترع اليقين صوتها،:بلى سمعت
استدارت عنهما لكن صوت الأولى أوقفها،:ملاك وين رايحة ؟
قبل أن تُجيب قابلتها فاطمة التي كانت للتو تدخل القاعة لتتساءل باستغراب،:ملاك وين بتروحين ؟ المسابقة دقايق وتبدا،انتِ صاحبة الفكرة مايصير ماتحضرين لثاني مرة
نَطَقت و قُيود ظنونها أحكمت قبضتها على أنفاسها حتى بات استنشاقها يقف على مُنحَدر الإنقطاع،:ماعليه فطوم راجعة،شوي بس
تجاوزتها بخطوات سريعة..تَمشي على سفوح ذلك الصباح مُعيدةً إحياء المواقف..الاتصال الغريب من المصرف الذي لا تعلم بوجوده حتى،إنكار الموظف للرقم..المرأة التي بدأت تتأكد بأنَّها ليست موظفة فيه..و عينا ذاك..! دَلفت لمكتبها مُتوجهة مُباشرة للحاسوب..جلست على المقعد،أمسكت الفأرة بيد مُرتعشة مُنتقلة لمُحَرّك البحث..بأناملها المُتدثرة ببرودة الصدمة ضغطت على أحرف لوحة المفاتيح لتظهر لها بعد ثوانٍ صفحة مَملوءة بالوصلات المُستهلَّة باسم المصرف..اختارت الوصلة الأولى التي نقلتها للموقع الرسمي له..عيناها تَتحركان بسُرعة فائقة مُسابقة الثواني للإرتقاء للقمَّة التي تختبئ عندها أسرار هذا المَصرف..فحاسَّتها السادسة استعادت وَعيها مُعتقدة أنَّ فوق تلك القمَّة يقف قاتل والدها..،واصلت بحثها لتتجه للقسم الخاص بالتعريف عنه..التفتت يميناً مُتناولة قُصاصة ورق صفراء و قلم لتنقل بعض الكلمات بتركيز وَضح في عينيها اللامعتين..،دقائق و أغلقت الصفحة لتتراجع بهدوء ساندة ظهرها للمقعد و الورقة في يدها..رفعتها أمام عينيها تنظر بتركيز و شفتين مَزمومتين..،مصرف خاص مؤسسه ألماني و المُساهمين فيه من عدَّة دول أوروبية..على رأسها روسيا ! لا وجود لمُساهمين عَرب..و لا أثر لإسم مؤسسه..بدأ عمله الفعلي قبل عشر سنوات تحديداً،و لهُ فرعان آخران في برلين و موسكو ! اقتربت من المكتب مُتكئة بذراعيها على سطحه الأملس و هي تُخفض القُصاصة فوقه..ظِلالٌ من جنون أغشت بَصرها و رياح عزمٍ أرعن طالت من ملامحها..و هُناك فوق أرضية المَصرف رأت نفسها تَقف..،
,،
ماضٍ
اقتلعت كلماتهن و أشاحت مسامعها عن نصائحهن الباهتة..المُقتاتة على بغضٍ لم تَكن مُنتهبة للأيَّام حين أحاكته..حاولن بأساليبهن أن يُقنعنها بعدم الذهاب..جَسَّدن أمام ناظريها مساوئ قد تتفجّر من الفعلة التي ستقدم عليها..لكن هي رَتَّبت أمورها و اتفقت مع زوجها المُتفهم قرارها بكُل إرادته و هاهي تَتَبع المَسير الذي اختارته بعيداً عن نفثاتهن..،كانت تجلس على السرير و أمامها تستقر حقيبة السفر المُتوسطة الحجم..أخبرها أبا حنين أنَّ بقاءهم هُناك قد يستمر لأكثر من ثلاثة أشهر،خَطَّطت في عقلها كمية الملابس التي تحتاجها هُناك..لها و لإبنها..كانت تطوي أحد الأقمصة عندما دخل زوجها الغُرفة..ابتسم لها بحُب و قدماه تَقودانه إليها..هَمَسَ لها و عيناه على ابنه الغارق في النوم بجانبها،:بعد باقي ثياب ؟
شفتاها لم تستجبان لجمال ابتسامته..أدارت وجهها عنه ماسَّة أنفها بظاهر سَبَّابتها مُجيبةً بهمس،:لا ذلين آخر شي تبع بسَّام
لَحِقت عيناه هُروب عينيها الواضح،مال رأسه يَميناً ليتسنى لهُ النَظر لكامل وجهها..لم يغب عن بصره تَمَلُّك الارتباك من أهدابها..و من خديّها استطاع أن يجترع الاحمرار المُتأهب لفصلٍ من الدموع..،رفع يده مُعانِقاً ذقنها ليُدير وجهها إليه مُستقبلاً الفيض العابر بوَّابة عينيها..التقطت أسنانه شفته السُفلية قَبل أن يهمس بتأنيب و أنامله تتشربان دموعها الساخنة،:افـــا ام بسَّام ليش هالدموع ؟
استسلمت لأفعاله الحَنونة سامحة لجسدها أن يلتمس شيئاً من دفئ جسده..احتضنها..ذراع على كتفها تتلقف وَهنها الغافي فوقه..و ذراع استقرَّت يدها فوق رأسها..تجتذب ما أثقل رأسها من سلبيات يعلم مؤججها..أخفض رأسه يسمح لفمه بالعبث بمسامعها مُستعيناً بكلماته الخاصًّة لها،:يعني آخر شي تبين عيوني تشوفه قبل لا تسافرين دموعش ؟ تبين تألمين قلبي ؟
رفعت رأسها مُواجهة عينيه تَرجو جواباً،:انت مو راضي بسفرتي ؟
أجابها بسؤال،:أنا قلت اني مو راضي ؟ "أردف بعد أن رأى هزَّة رأسها النافية" بيَّن علي اني مو راضي ؟ "هَزَّة رأس أخرى و من بعدها أكمل" زين من وين جبتين الفكرة اني مو راضي؟
تَنَشَّقت هواء بعد أن اخفضت رأسها لتستند به على صدره و أصابعها تعبث بأزرار قميصه..بهمس مُتردد قالت،:خواتي قالوا ان ما يصيـ
ابعدها و هو يقاطعها و يداه تُحكمان قبضتهما الحانية حول وجهها،:و من ولي امرش انا ولا خواتش ؟ انا راضي ما عليش فلانة شنو تقول و علانة شنو تقصد "ضَيَّق عيناه مُردِفاً بمشاكسة" ها شروف اشوف في ناس صار كلامهم اهم من كلامي
بَلَّلت شفتيها و ابتسامة ناعمة تلتقط أطراف شفتيها..عَقَّبت بهمس،:مو القصد حبيبي،بس والله انا لو مو خايفة عليها ما سافرت،زوجها واختها وياها و يمكن ما يحتاجوني هناك بس ما قدر اظل اهني احاتيها "إغماض حائر نال من مُقلتيها و هي تُردف" وهم صادقين مايصير اتركك انت و البنات و اسافر،و مُمكن السفرة تطول
زَفَرت و ملامحها تتصدَّع بانزعاج من الضوضاء المُحتدمة في عقلها..أفرجت عن عدستيها مُبصرة وجهه القريب غارق في ابتسـامة واســعة تُناقض التَشتت الذي تعيشه..نَطَق بنبرة والهة،:تدرين انش بكل أحوالش جميلة ؟ حتى وانتِ حايرة و مو دارية شنو تسوين تجننين "قَبَّل خدَّها النَدي قبل أن يهمس بتساؤل مُداعب" شنو السر يا حلو ؟
أحنت جبينها على كتفه القَريب بتعب و هي تقول برجاء،:مو قاعدة امزح كلّمني بجدية
مال رأسها لتنظر إليه و هو يتحدث،:و انا بعد مو قاعد امزح "مَسَّ جانب رأسها بسبَّابته و هو يُكمل" هذا ريحيه و لا تفكرين في اي شي غير السفر،البنات انا عندهم ما بيضيعون،و كلها شهر بتخلص امتحاناتهم وبنجيكم "أشار لبسَّام المُضجع سريرهما مُردفاً" بس هذا لو تخلينه عندي بعد احسن
بتنهيدة عَقَّبت و عيناها تتأملان براءته،:تدري فيه مو راضي،و من عرف اني بسافر ما تركني حتى وقت النوم يخاف اروح عنه
بابتسامة هَمَس،:انا ادري ليش هاللي مايستحي يبي يروح،عَيَّار حجته ما يبي يتركش بس هو في باله شي ثاني
ضَحَكَت بخفَّة،:حرام عليك يعني شنو في باله ؟ مسكين الولد بريء و مشاعره بريئة
أبعد عينيه عنه لينظر لها و بصدق،:خوفي تكسر قلبه هالمدللة اذا كبرت
بثقة قالت،:لا تحاتي،هي بتكون له و هو لها
أرفعت السُخرية حاجباه و هو يتسائل،:و شنو اللي يخليش واثقة هالكثر ؟
داعبت ذقنه مُجيبة بنبرة استوطنت مسامعه،:إحساسي..إحساسي يقول لي انها بتكون من نصيبه ان شاء الله
,،
حاضر
نظـرات تأنيب و اتهام تلتهمها من كُل حدب..رأت عدم الرِضا جَلياً على ملامحه مُتعاضداً مع عُقدة ذراعيه فوق صدره العريض..عقلها حاول أن يربط الفِكرة ليجترعها..لكن استعصى عليها فتح بوابة استيعابها..بَلَّلت شفتيها و ضحكة حائرة قصيرة انفلتت منها قبل أن تنطق بلحن جاهِل للموقف،:فيصل انا ماني فاهمة شي،شدخل أنفال في جنان !
زَمَّ شفتيه..اذاً لا علم لها بمُعضلة شقيقتها التي تُعايش غيرتها لوحدها،لا مُعين لها في الحَرب التي تَشنها على جنان..،أحلَّ عُقدة ذراعيه مُتقدماً من المَكتب ليُرخيهما فوقه..أخفض بصره مُنشدهاً لحديث نفسه..لا دخل لهُ في موضوع الاثنتين..كُل ما يهمه هو ابنته،و لن يُقحِم ياسمين في الدوامة التي اتضح أنَّها غافلة عنها..هو حادثها لتأتي إلى المصرف ليؤنبها على إفصاحها بأمر ابنته الذي لم يكن أحد على دراية بوجودها غيره هو..هي،سلمان و زوجته..،
،:فيصل
رفع عينيه إليها بصمت و هي أكملت لانتباهه و الرجاء لسانها،:فيصل صدقني انا توني قبل يومين قايلة لأختي عن جَنى،و ابداً ما كان قصدي شي سيء،بس امهد لهم السالفة قبل لا تجي و تخطبني "مَسَّت بأطراف أناملها جانب وجهها مُردفة بحيـرة" بس مادري ليش أنفال سوت هالشي،اصلا شلون قدرت توصل لجنان !
بهمس بـارد نَشر جليداً على حواسها،:صدقتش ياسمين،و يمكن اختش كان قصدها تساعدش او شي "قَطَعَ كلامه فجأة رافعاً مُستوى التَوَجس في قلبها،دعكَ طرف حاجبه بإبهامه مُردفِاً و عيناه بذات البرود تلتحم بعينيها المُتعطشتين لاقتراب" ياسمين..بخصوص الخطبة،تدرين اللحين جنان عرفت بالبنت،و اهلي من قبل معارضين طلاقنا "شَبَكَ أصابع يديه وهو يُواصل" فيعني اقول نأجل موضوع الخطبة لين ما تستقر الأمور أفضل
تصافق سريع باغت أهدابها لتُبصِر الشتاء يُلَوّح لها من بعيد،فبعد أن أشرقت شمس جنان زاخِرة بأشعة اللقاء النَقيَّة ها هي تَلمح الظلام فوق جَواد الافتراق يقترب منها و صوت حوافره تتجانس مع دقاتها المُتأهبة للذبح..سـاعة الذبح متى فيصل ؟ فهل لدي بعضاً من الوقت لأُلملم شتاتي و اهرب بعيداً و بين ذراعي تتخبط روحي المُتعلّقة بسرابك ؟..نعم انتَ سـراب..كُنتَ و لا زلت..كُلَّما قَرَّبتك الحياة مني امتطيت فرسك الأعوج قاصداً تلك الناطقة عينيك بعشقك لها..أرى حواسك تَعبُد خيالها ليلاً نهاراً و يستطيع جَواي أن يشعر بالتفات فؤادك لذكرياتكما معاً كُلَّما حاصرك الصَمت أو نسمة هواء بادرة تُوقظ اشتياقك لدفئها..أسفاً انَّي أرى القصائد تُكتَب بحبر عينيك غَزلاً نَقيَّاً لها و قلبي يرفض استسلامه..،ازدردت غَصَّتها المُختنقة قبل أن تنطق ببحَّة أقلقته،:فيصل بتأجل موضوع الخطبة " و بابتسامة مَريرة كانت سلاحها الأضعف أكملت" ولا بتلغيها نهائياً ؟
بتأنيب أجاب،:ياسمين شهالحجي ؟!
استنشقت نفس عميـق قبل أن تُبلل شفتيها المَطليتين بلون لحمي فاتح،بجديَّة تساءلت و عيناها تقتحمان دُروب عينيه التائهة،:فيصل انت للحين تحب جنان ؟
فَغَرَ فاهه لتَذوي الكلمات من لسانه ذائبة في الهواء بلا أجنحة تُعيدها لفمه الذي أطبقهُ ببطئ ليفغره من جديد يَحكي مُعاناته مع حبال التَلعثم التي كَبَّلته..أيُّ سؤال هذا الذي نَطَق بهِ لسانكِ ؟ بل أيُّ سيف و أيُّ رُمح مَرَّرتيه بين طَيَّات روحي المُتهدلة مُنذُ فراقها..،في جوفي يرتفع صدى هتافات نبضاتي..ادَّعي أنَّني فَقدتُ سمعي،نَسيته بين زُحام هَمساتها..أُشيح بوجهي عن إلتواء عروق قَلبي بوَجع مُميت من رياحٍ تحمل بين راحتيها رائحتها الفَريدة..تلك الرائحة التي باتت تَسكن رئتي رَجُل غيري..هل أُحِبها ؟ فأنا يُخاصمني النوم مُتسلقاً عتبات الليل بَحثاً عن وسادة صدرها،و يَلطم بَصري السَحاب حاجباً عني التماع قَمراً كان ذات ماضٍ ضوءنا الذي يحدو خطواتنا..أنا الذي ترتجف روحُه قَهراً لارتباطها برجُل غيري..تهتُ بعد غيابها و بصمات أصابعي لا زالت تقتات على تصدّع جُدران عشنا الصغير في لندن..فكنتُ لليالٍ فقيرٌ ابحث عن ذكرى قد نامت بين الزوايا لأبتاعها بمبلغ حُبي المُنقطع الأنفاس..فهل أُحِبّها ؟! أخفض بصره دافناً بَوحه المُسيطر على مُقلتيه..نَطَق و بحَّة صوته الطبيعية تعاظمت،:اي احبها،في النهاية هي بنت عمي ما اقدر اكرهها عشان اللي صار بينا
نَظَر لها بعد أن أنهى جُملته ليستقبل علامات عدم الرضا على وجهها،شفتيها مَزمومتان بضيق و عُقدة إنزعاج خفيفة تسكن مابين حاجبيها..هو يعلم جيداً أن جوابه الدُبلوماسي لم يقنعها..تَراجع للخلف ليستند و هو يقول،:ياسمين ارجوش انسي جنان و حاولي تبعدينها عن موضوعنا،صدقيني الشي متعلق بأهلي و بنتي و بس،انتظر تستقر الأمور و بكلمهم
هَزَّت رأسها تُحاول أن تجتر عباءات التفهم لتتوشحها كابحة سيل حواسها المُتوجسة..انتبهت لعودة صوته..أخفضت بصرها تنظر للابتسامة الصغيرة المُحاوطة زوايا شفتيه،:ياليت قلت لش تجيبين السي في مالش عشان تسلمينه لقسم التوظيف
أرجعت ظهرها و ابتسامة عاندتها لتستقر فوق شفتيها ردَّاً عليه..أرفعت حاجبها لتتساءل،:يعني بتتوسط لي ؟
اتسعت ابستامته مُجيباً ببحته المُميزة،:لا طبعاً،بس لأني ادري ان البنك محتاج لموظفين من تخصصش فتعالي جربي حظش ويا باقي المتقدمين
وقفت و هي تُثبّت حقيبتها على كتفها مُعقّبة،:ان شاء الله باجر "رفعت يدها بسلام" مع السلامة
بهمس ارتقى لقمَّة أفكاره المُعَقَّدة،:مع السلامة
,،
خَلَعَت ثوب الصلاة ببطئ انعقد بهِ البرود تَحَفُزاً للفعل الذي قَرَّرت أن تمتطي هودجه..طَوته بالبطئ نفسه ثُمَّ أعادته مع سجادتها لمكانهما المُخصص..استدارت جهة النافذة..زَحَفَت بقدميها الحافيتين إليها..أزاحت الستائر بظاهر أصابعها تُلقي نَظرة على السماء..تُحادثها بعينيها،بؤبؤاها يتسعان و يضيقان ليُشكوان لقمرها فعل الرياح المُبعثِرة دواخلها..بين نارين هي واقفة،أمامها رجُلها،على شفتيه تُغني ابتسامة تَدعوها للرقص معه على ألحان حياة تبدو باذخة الجَمال.. و لها ألحان لا تعرف سوى أوتار الفَرَح..و من خلفها يعتلي نَوح صندوقها الرافض نُكرانها لرسائله..يصلها عَويل الكَلمات و تَحطُّم النقاط فوق الحروف..لترتسم أمامها لوحة من سواد تُناقض البهجة التي كانت تتقلَّدها أوراق الرسائل..صديقاتها مُنذُ أعوام..،أرخت رأسها على النافذة،مالت بهِ جهة غُرفة ملابسها،هُناك حيثُ يقبع في خزانتها الصندوق..ضَمَّت شفتيها بتفكير..بسَّام أخبرها أنَّ عشاءهما سيكون عند التاسعة..اذاً لديها قُرابة الثلاث ساعات لتُنهي المُهمَّة العويصة..،خَطَت بهدوء و ذراعيها ترتفعان لاحتضان جسدها المُسيطرة عليه بُرودة غريبة..هل هي أعراض التَحَرُّر ؟ أيضطرب القَلب بفزع و ينوح الجَسد بصمت عندما تقترب لحظة التحرر من الماضي ؟ الماضي الذي تفاوتت ذكرياتته بين جمالٍ وقُبحٍ لهُ أنياب لا زالت آثارها تسكن روحها التي أصبحت مُعتلَّة بين يدي بسَّام المُداويها بهدوء عَذب يُشبِه إزهار ورود الرَبيع..،زَفَرت عُلَلِها عندما توقفت أمام الخزانة..فتحتها ثُمَّ انحنت مُتناولة الصندق المركون في زاويتها..أغلقتها ثم استدارت عائدة..،جلست على السرير المُستقرة فوقه رُكبتيها..مَرَّرت لسانها على شفتيها و هي تُرجع خصلاتها خلف أُذنها العارية من حُلي..و باليد الأخرى أخفضت الصندوق..كان صندوق من الحديد الخفيف مُتوسط الحجم،رمادي اللون تتوسطهُ فتاة تَرقص الباليه و جسدها يرتدي فُستان أسود لطالما تَمَنَّت لو كانت تملك واحداً يشبهه،فتحته بخفَّة،كان لهُ قفل نُحاسي يُرفَع من الأسفل ليُفتح..اضطرمت نيران مُلهِبة في جوفها بانت آثارها على وجهها الذي تَجمَّعت حوله صفيحات الدم مُعلنة امتلاكها لملامحها الناعمة..ارتعشت أهدابها من وطأة الدموع المُتَأهب قوسها..بانت لها الرسائل المُرتبة حَسب التاريخ..مَدَّت يدها لتلقط أقدمهن..حَطَّت على أرضها في ذكرى ميلادها الثالث عَشَر..التقطت باليد الأخرى آخرهن..و التي زارتها يوم امتحانها الأخير في الجامعة..،كان يتنكر خلف المُناسبات ليُودع رسالة وسط قلبها..حتى أصبح مجموعهن تسعةٌ و عشرون رسالة..،أخرجت الأولى من الظرف الأنيق و بالتوالي أخرجت الثانية..رفعت الورقتان بطرف إبهاميها لتستقبل خطّه الذي أرغمها على اجتذاب ذرات الهواء لتهدئة الزعيق الناشر أجنحته وسط جواها الباكي..،خطّه استقلَّ قطار الزَمن ليتحَور من ركاكة إلى نُضوج تجلَّى أيضاً في مُفرداته..استهلَّ الأولى بعزيزتي،و خَتم الأخير بــ حَنيــني ! اعتقدتُ أنَّي حَنينه إلي..إلى أنوثتي و ذاتي..تَشَرَّب عقلى سَكراً عشق رجُل كُنتُ ألتقي معه خلف أسوار الكلمات..كنتُ استنكر وجود رجُل يَهيم في مدائن امْرأة واقعاً و ليس بين صفحات التاريخ المُخلَّد في الأذهان..و لم أكن أعلم أن استنكاري كان في مَحلُّه،و أنَّ ذاك الهيام لم يكن سوى هَوان أطرحني مَدمية فوق أرضِ الحقيقة النتنة..،هَمَسَتْ و الدَمعُ يتأرجح فوق رمش عينيها،:معقولة كل هذا كان جذب يا راشد ؟!
,،
يتبع
|