كاتب الموضوع :
simpleness
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ذات مُقيّدة حوّل عُنُقِ امْرَأة / بقلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
توكلتُ على الله
،
فَقدُ ذّات
أصبحت لُغَتَه الألمانية جَيّـدة..من السهل عليه الآن أن يُحادث بائع الخضروات وأن يستفسر من موظف المكتبة عن أحد الكتب التي يحتاجها للدراسة..
كانت الساعة تُشير إلى الثامنة و جليد !
ابتسم بخفة و عيناه تتركان الصفحة ثلاثة و عشرون من الكتاب إلى النافذة يساره..قبل ساعتان كانت ملامح المنطقة واضحة و جليّة..لكن الآن معطف قطني أبيض يغشاها بأكملها مُخفياً لون الأرض الرمادية و هياكل السيارات المتوقفة على جانب الطريق..،
حَنيـنٌ داعب أهداب عينيه الواقفتين على ناصية وطنه و هو يتذكر طلب أخته المُضحِك
"،:ابي تحمل لي ثلج وتجيبه وياك اذا رجعت،ترى بزعل اذا حقرتني و ماجبت"
تلك الشَقِيَّة اشتاق لها قلبه العائش على الصور و المُكالمات التي لا تُشبِع رغبة شوقه..مرَّ على رؤيَتَهُ لها ولأهله ستة أشهر..و لا يستطيع أن يذهب لهم في العُطَل،يُريد أن يُكمِل دراسة اللغة سريعاً ليتفرغ لهم بعد ذلك.. و قبل موعد سفره سَيُفَكِر كيف سيحمل الثلج إلى شقيقته !
Hallo
استدار للصوت و للكلمة الألمانية الأولى التي تعلَّمها..وقعت أنظاره على شاب يبدو في مثل عُمرِه..قصيـر نسبياً ذو بشرة قمحية بإحمرار أعطاه طابعاً طفولياً..شعر ذهبـي قصيـر لا يُغَطي أذنيه القابع في إحداهما قرط على شكل حلقة صغيرة..يرتدي سترة بيضاء من فوقها معطف جلدي و سلاسل فضية بأحجام مختلفة تتدلى من عُنُقِه إلى صدره المكشوف أعلاه..
أعاد ظهره للخلف مُستنداً إلى الكرسي و بهدوء ردَّ التحية
،:مرحباً
أشار الشاب بإصبعه إلى الكرسي أمامه مُستأذِناً الجلوس..هزَّ هو رأسه،:تفضل
جَلسَ و قابله بإبتسامة واســعة استنبط فيها شيءٌ من الغبــاء ! تحمحم يُخفي ضحكة باغتت حلقه وهو يُغَيِر من وضعية جلوسه ليستند بذارعه اليُمنى على الطاولة الخشبية مُتَقدماً بظهره..و بتساؤل
،:هل تعرفني ؟
ضحك ذاك مُحَرِكاً رأسه بالنفي،:لاا لا اعرفك.."استراح في جلسته و أردف" لكن أردت منك بعض المساعدة..بالطبع ان كنت تستطيع
عَقَّدَ حاجبيه باستغراب..أيُّ مساعدة يحتاج منه هذا الشاب الغريب..لا يعتقد أن بقدرته تقديم مساعدة له وهو ابن البلد ! لكنه ردَّ مواصلاً معه ليعرف ماهو نوع المساعدة
،:بالطبع..ان كنتُ استطيع
رَفعَ ظهره واعتدل في جلسته..قرَّب جسده للطاولة وشبك أصابع كفيه..ضمَّ شفتيه للحظة قبل أن يقول
،:لاحظت أنك تترد على المكتبة منذُ أكثر من شهر..و رأيت أنك تقرأ العديد من الكتب..على الرغم أنهُ يبدو من خلال قراءتك للكتب الخاصة باللغة الألمانية أنك جديدٌ عليها
و صَمَت
ابتسم بخفة ليقول حاثاً إياه على الإكمال،:حــسنـاً ؟!
ابتسم لهُ و أكمل،:والدي يُحِب القراءة،بل يعشقها..وأنا كما هو واضح لست ممن يستمتع عند قراءته لكتاب.."تنهد ليُردِف" لذلك أردت منك أن تُحببني في القراءة..بأي طريقة..فوالدي لن يهدأ إلا وإن رأى كتاباً في يدي "ابتسم بسعة" هذا كُلَّ شيء
كان ينظر للشاب بحاجبين ارتفعا تَعجُباً من هذا الطلب الشبيه بصاحبه..،لم يتوقع أن تكون هذه المساعدة ! بالمناسبة..،هل هناك طريقة تُحَبب المرء في القراءة ؟ أليس الأمر فطرياً ؟! أو أن اعتقاده خطأ ؟! انتبه لصوته
،:أنت تفهمني صحيح ؟
هزَّ رأسه،:نعم أفهمك لكـن "بلَّلَ شفتيه قبل أن يُكمل" لكن لماذا تطلب مني أنا ؟
بصـدق قال،:لأن شخصاً مثلك على الرغم من أنها لغة جديدة وغريبة عليه إلا انه لم يجعلها مشكلة بالنسبة له..فأنت تقرأ كُتب في شتى المجالات،فأنا اشعر ان شغفك الواضح بالقراءة سوف يساعدني
ضحك بخفة،:يبدو أنك راقبتني جيداً ؟
رفع حاجبه،:بالطبع،لم اطلب منك المساعدة الا بعد أن تأكدت من جاهزيتك
تساءل،:بما انك لا تحب القراءة..لماذا انت هنا ؟
مدَّ شفتيه بضيق وهو يقول،:مُهِمة قسرية
بعدم تأكد تساءل،:تقصد بالقوة ؟
هزَّ رأسه بالإيجاب،:نعم..فوالدي خصص ساعة كل يوم لأقضيها في المكتبة..
حرَّكَ رأسه بخفة،:هذا من دواعي سروري يا
و قبل أن ينطق الشاب قاطع حديثهما صوت أمينة المكتبة وهي تهمس بحدة
،:أيها الشابان،اخفضا صوتكما قليلا أو اخرجا للشارع..انها مكتبة
هزَّ رأسه باعتذار،:عُذراً سيدتي
رمقتهما بنظرة ضائقة و ابتعدت..عضَّ على شفته السُفلى وهو ينظر للشاب بطرف عينه..انتبه لهُ يمدُّ يده..نظر لها ثُمَّ رفع عينيه لوجهه المُبتسم منذ قدومه..ردَّ الإبتسامة و يده امتدت تُصافحه..يده السمراء تناقضت مع يده الفاتحة..سمع همسه
،:اسمي هــاينز،و أنت ؟
ابتسم لهُ و فخر عانق عينيه قبل أن ينطق بإسمه الغريب على مسامع هاينز
،:مُحَـــمَّد
’
الجزء الثامن
،: مثل لون الخَمر لكن حــلال
ضغطت على رأسها بأصابعها المُتَألمة الأطراف من فرط ضغطها المُستمر منذ ساعتان..عانق الهَمْس مسامعها بإكراه حتى سبب وَجعاً لا يُطاق في رأسها..مثل شريـط احتفظ بهذه الجملة فقط،يُعاد مراراً لِيَنحَر أنفاسها المُنتظمة قُبَيل احتلال الذكرى
همست بتعب يستنجد و رأسها يميل بإعياء على الوسادة،:ياربــي
الصوت لم يصمت،يزداد ضجيجه في قلبها الذي تكاد حُجَراته أن تنفصل و تتبدد قوتها،نبضة غَدَّارة التوت بلؤم شلَّتهُ لثوانٍ كانت كفيلة بأن تَهدُم بُنيان خمس سنوات..،رفعت ذراعها بوَهن، استكانت صفحة كَفَها على بطنها المُسَطَّح..حرّكتها بخفة..تُبعثر غُبار الزمن عن كتابها الأسود الذي أغلقته بعد أن اختتمتهُ بتوقيع كان حِبرُهُ دماً...
أيُعاد الجُرح مرَّتين ؟!
تنتهي صلاحية وَجَعُه بعد أن يَجرَع إكسير الروح و يُفنيها فوق أرضٍ ابتلعت تُرابها شفقةً لهذه الروح المُحَطمة،لتوسدها قبراً انجلت عنهُ شمس فجرٍ جديد..يصبح الظلام اللغة و الكلمات ريحٌ صرصر تلتف على الأعناق حبلاً من جليد يقطع بقايا عُروق لم يُكمَل مسير دمائها..
و بعـد أن يُعثَر على الضوء،و يجيئ الرَبيع مُلَوِحاً ببتلاته،فارشاً فُستانه الأحضر مُشَيِعاً تابوت الحُزن على أمطار عينٍ مُوَدِعة.. لا تلبث الزهرة أن تتعرى تحت أشعة الشمس الدافئة إلا جاء صيفٌ حــارق يَبصُق حُمَماً تُذيب الجليد المُتَكَتل على جسدها..يُلغي خدمة غُرَزِهَا و يبدأ باستقبال سيل الدماء و الرقص بقسوة على جراحها العارية..
سقطت من عينيها دمعة،شقت طريقها حتى وسادتها التي تشربتها بِرَحَابة..مسحتها بقوَّة و هي ترفع جسدها عن السرير..لن تستلقي كمسكينة هُضِمَ حقها..لن تستسلم لدوامة الذكريات..اكتفت أوجاع..نهضت مُتوجهة إلى دورة المياه..فتحت الماء تملأ حوض الإستحمام،ولَيتَ الروح تُملأ بعد تَسَرُّب جَفَّفَ بَحرَها..خَلعت ملابسها وألقتهم بإهمال في سلة الملابس المُتَسِخة..ففي باطن عقلها ملابسها قد اتسخت من استفراغ ذاكرتها المُقرِف..،
استرخى جسدها..أخفت رغوة سائل الإستحمام الكثيفة جِرحَ فخذها..أسندت رأسها للخلف و يُمناها ارتفعت تتكئ برأسها عليها..أغمضت عيناها ببطئ ونفس عميق تَجَرَّعَتهُ رِأتيها..لا بُدَّ أن تبتر يد الماضي الطويـلة قبل أن تسرق ما نَمى من فَرَحٍ في قلبها..!
طَرقات على الباب أيقظتها من محاولتها،فتحت عينيها بكسـل و عُقدة خفيفة بين حاجبيها..سَمعت صوت والدتها
،:جنـان بتتأخرين؟
رفعت ظهرها قليلاً و هي تُجيب ببحة،:اللحين طالعة ماما
اغتسلت بسرعة عن الصابون،لم يُسعِفها الوقت لتغسل شعرها الذي ظلَّ مرفوع دون أن يُصيبه الماء..ارتدت رداء الإستحمام و خرجت لتُقابل والدتها تقف وسط غُرفتها بتشابك كفين أوجسها.،
تساءلت وهي تَشد الرداء على جسدها،:شصاير ماما؟
تنهـيدة فَرّت من صدرِ أمٍ تراكم البؤس على قلبها..تقطع طُرقاً غير مُعّبَدة،تنجرح بصخور يُلقيها عقلها الضائـع عند قدميها،بتَيه تمشي و ذراعاها تتخبطان تُريدان ان تهتديان للحقيقة بعد أن غاب النور عن مُقلتيها...،جلست على السرير بظهر انحنى من حملٍ وَرَثَته إكراهاً عن ابنها الأكبر، ضغطت على كفيها تُصَبِر علَّة التوتر..
هي جلست بالقرب من والدتها،و يدها امتدت تحتضن كفيها..غصَّة باغتت قلبها و كفيها ترتعشان بين يدها مثل طَير انقطح جناحه أثناء بحثِه عن لُقمة تَسد جوع روحه..
،:ماما حبيبتي شنو فيش ؟
استدارت لها و خطوط انتظار على وجهها أضناها السَهر حتى اشتدت خوفاً،:اخـوش قال بس أربعة أيام و بيرجع من السفر..اللحين صار له اسبوع .. و من سافر ما اتصل
سحابة الجليـد التي تمنَّت أن تستشعر سقوطها قبل زمن جاءت لها و ألقت حمولتها حتى تأكدت من تَجَمُّد أقسى عِرق في قلبها لتهمس بسُخرية لاذعة أحرقتها قبل أن تحرق والدتها
،:يمكن اختفى مرة ثانية
انتفضت بذُعر و هي تُنفِر يدها بعيداً عنها..عيناها احتوت دمعاً عقد صفقته معها لثلاثة عشرَ عاماً..ضرب على صدره و أقسم أن لا يَترُك ليلاً إلا و هو سارقٌ من عينيها الوَسَن..بتَهَجد همست
،:الله لا يقوله عشان اموت مرة وحدة
احتضنت كتفيها بذراعها،:مامااا ليش هالكلام اسم الله عليش بعد عمرٍ طويل
بتأنيب،:انتِ ما سمعتين شقاعدة تقولين ؟
قبَّلت كتفها،:آسفة ما كان قصدي
رفعت يدها تمسح خيالاتٍ أغشت ملامحها بزفيـر راجف أوجع رئتيها..طبعت جنان قُبلة على خدها قبل أن تهمس،:خلاص ماما والله آسفة "وأردفت" يمكن انشغل و ماصار عنده وقت يتصل
نظرت لها والدتها لتبتسم إبتسامة واسعة تُخَفف من وقع جملتها الغير مدروسة التي أطلقها لسانها "المتبري منها" على حد قول والدها..ابتسمت لها والدتها إبتسامة اختلت من جميع المشاعر و تقيَّدت بشعور الحيـرة المُنغرز شوكها في الروح..أخفضت بصرها لفخذ ابنتها الواضح جرحه..همست بقهر استوطنها و نشر أجنحته حاجباً عنها قطرة مطر تروي التياعها
،:كل واحد منكم خاش عني اشياء الله اعلم شنو حقيقتها
استشعرت ذراعها الخطر،تركت كتفيّ والدتها بهروب صريـح حرَّكت منهُ والدتها رأسها بأسى لتُكمِل،:ادري مافي فايدة و لا بتقولين الصدق
أبعدت وجهها بضيـق..يكفيها ما عاشته من زعزعة مشاعر قبل ساعات،همست،:ماما قلت الصدق من زماان
أمسكت ذقن ابنتها بقوّة و أدارت وجهها ليقابلها و بحدة نطقت،:شايفة عقلي عقل طفل عشان اصدق انه جرح عادي هاللي في فخذش ؟ "تراجعت يدها عن ذقنها حتى فخذها لتتحسس الجرح و أكملت" لو كان عادي ما احتاج أنه يتخيط بخمس غُرز
زمَّت شفتيها و أهدابها انسدلت تُخفي ما التمع من ذكرى في عينها..اكملت والدتها بحرَّة أحرقتها،:الله يستر من الا خاشينه يا اولاد امكم
,،
رمالٌ تجمعت ذراتها على أطراف قدمها،و بأصابع يدها النحيـلة تُمَسّد عليها بخفة،يدها الأخرى التفت ذراعها على رجليها المُرتفعتان..خصلاتها مثلَ حُلم تتطاير بنعومة..بين حينٍ و آخر تُميل رأسها لتُبعدها عن عينيها السابحتين في بحرٍ تَخافُه،و في جوفها قلبٌ يتمنى لو تُبَلِلَهُ قطراته المالحة...
تنهيـدة فارغة من المشاعر خرجت من أنفها المٌرتفع بغـرور فِطري،مالت شفتاها الصغيرتين بإبتسامة مُتَمَلمِلة،رأسها انخفض ليستقر ذقنها فوق رُكبتيها..أغمضت تلك العسليتين،الصافيتين كسطح نهرٍ عذب..نسيــم البَحر و قرقعة أمواجٍ استوطنت أُذُنها موسيقى كلاسيكية يدور جسدها حول نفسه على أنغامها الحالمية..فتحت عينيها بكسـل و رأسها يميل على رُكبتيها،منظر شاعِري ينتظر عِناق أنثى و رَجُل تُلهِبهما قُبلة..
ضحكت بسخرية وهي تقف بتمايُل..أيُّ قُبل يُفَكِر فيها عقلها؟..هو و إلى الآن لم يُقرِّبها إليه كزوجة،و هي مُرتاحة لهذا البُعد..لا تستيطع أن ترتبط بعلاقة تَجهل عواقبها..لا مجال لِكَسرٍ جـديد..و إن اختلف السقــوط ! حرَّكت أصابعها على فستانها الأبيض من الخلف تُبعِد ما عَلِقَ من رمال..،استدارت وبأصابعها أرجعت خصلاتها خلف أذنها..رفعت عينيها بهدوء و هي تخطو بقدمها لتصطدم بهِ يقف على بُعد خطوتان من مكان جلوسها..،ارْتَدت في مكانها و وجوده صدمها.. لم تشعر به ! مُنذ متى كان واقفاً ؟!
نطقت بما في خاطرها،:من متى وانت اهني ؟
ابتسم لها بخفة وهو يُلغي الخطوتين..رفعَ يده لشعرها يُزيل بعض الرمل الذي علق بين خصلاتها..تراجعت للخلف وهي تُرمِقه بنظرة ضيـق لِلَمسَتِه..تجاهل ما تُرمي إليه عينيها الجميلتين و همس
،:من زمـان..
زمَّت شفتيها..لم يُعجِبها الجواب..فهذا يعني أنه تأملها لفترة طويـلة،و عيناه تَنَبَهت لسكناتها و حركاتها..ليـس هذا البُعد الذي هي راغبة فيه ! زَفرت و قدماها تحركتا..و قبل أن تتجاوزه شعرت بملمس يده على معصمها..ارتعشت من قبضته،يده كانت دافئة بطريــقة غريبة،غرابة أشعرتها للحظة بإرتخاء بغــيض..رفعت عينيها له و عُقدة رافضة بين حاجبيها..حرَّكت معصمها دلالة على عدم ارتياحها،خفف من قبضته و بخفة سحبها وهو يُديرها حتى أصبح ظهرها مُقابلاً له..
تَصَلَّبَ جسدها و حرارة صدره ينسلخ منها جلدها الرقيـق..ذراعاه التفا حول خصرِها ويديه تشابكتا مع يديها المُتَجَمِدة الأطراف..أصابعه ضغطت بخفة تستنبط حديثاً من خطوط كفها غاب عن لسانها المُنعَقِد،أخفض رأسه إلى رأسها وهو يزيد من احتضانها و بتطارد تزداد دقاتها المضطربة،هَمَسَ عند أُذنها باعثاً مع كلماته أنفاسه الدافئة ليُرسِل شرارات نَمَّلت أُذُنِها وجانب عُنُقِها..
،:ليش دائماً تهربين ؟
رَفَعَ رأسه قليلاً ينظُر إلى جانب وجهها المُتَشنج،احمـرار شديد كان يُعانقه،خجل زَيَّن أنوثتها الفريـدة،ابتسم و رأسه يعود لمكانه..و هذه المرة اقترب حتى لامست شفتاه أُذُنها
،:الى هالدرجة قُربي يضايقش؟
أنهى جُملته بقُبلة خفيـفة خلف أُذُنِها،ناعمة مثل وقع نسيم دافئ على موجات البحر..استنشق بعُمق عَبَقها الأثيري..رائـحة باردة يتعرف عليها للمرة الاولى،مُثيرة أسكرت عقله في ثوانٍ..،أراد أن يتعرف على المزيـد ،أن تنتشي روحه أكثر و تغيب في عالمها الأنثوي،تحرَّكت شفتاه بجرأة إلى وجنتها القريبة..طبع قُبلات بطيئة و مُلهِبة،طرف شفتيه لا يَكاد يلمس وجنتها و كأنهُ يُقَبلها هَمساً ! عَبرَ طريق وجهها لتنحرف شفتيه عند انحناءة عُنُقِها،انجرف مع التيار و واصل طبع بصماته،يستنشق عطرها و يُزفِر عطره ليُسيطر على أماكن النبض في جسدها..
،:بـ ـ سـ ـااام
خَرَجَ صوتها مُهَيجاً من نيران قُبلاته،ازدردت ارتباكها الفظيع..حالة استنفار تعيشها عروقها،حرَّكت رأسها بِخَدر تُريده أن يَعتق عُنُقِها..بتهجد نطقت راجية
،:بـسـ ـ ـام بس خلاااص
خفف من وطأة ذراعيه لكن جسدها لا زال في حصاره..رفع رأسه وصوتها أفاقه من سَكرته..ازدرد ريقه بصعوبة وهو يُديرها إليه..لم تستطع أن ترفع عينيها إلى عينيه،مراسم الخجل أغشت ملامحها و شفتيها تميلان برعشة بُكاء..رفع كفيّه يحتضن وجهها البَدِر،مسح بإبهاميه أسفل عينيها..و بهمس مُبتَسِم
،:و لا يهمش خلاااص "و أردف بمزاح" ساعات اقول من هالرفض الا اشوفه هذي اهلها غاصبينها على الزواج
تَصلَّبت ملامحها و جُملته خرجت من حلقه تقطع بنصلها مجرى النفس..تجمَّدت عيناها على صدره و ارتعاشة البُكاء استوت رعشة خوف من نبشٍ طالته كلماته...،هو استشعر التَغيّرُ الذي طرأ عليها.. تقلَّصت إبتسامة المُزاح و عيناه تلتهم ملامحها التي بدأ يتلبسها سوادٌ قضى على ملامح الخجل..أرجع رأسه للخلف،تركت كفيه وجهها ببطئ مُتَحفز..تَمَسَّكَ بكتفيها،ضغط و بحذر يخشى الحقيقة سأل
،:حنـين..انتِ مغصوبة على الزواج ؟
,،
حَملَ ابنته ذات السابعة إلى غُرفتها بعد أن غطَّت في نوم سَبَقَهُ حديـث متواصل أفصحت فيه عن كُل ما في قلبها البريء..أنزل جسدها على السرير،غطاها و بحنان امتدت يده الكبيرة تمسح على شعرها القصير..
تصافق رمشيّه يقتنصان الثواني لإلتقاط صورة تحتفظ بها عيناه في قلبه..اشتاق لهذه الصغيـرة التي من فرط حبها استنسخت طِباعه و ما يُحب و مايَكره،حتى أن ملامحهما الطفولية غدت تشبَهه كُلَّما تقدم بها العُمر..طَبع قُبلة على جبينها قبل أن يغلق الضوء و يخرج بهـدوء..،
تقابل مع ابنته الكُبرى وهو متوجهاً إلى غرفته..ابتسم لها بحب وهي اقتربت تُقَبل رأسه..تساءل،:وين اخوش ؟
،:نام من عقب العشا،تعرفه ما يحب السهر ايام الدوام..يله بابا تصبح على خير
،:و انتِ من اهل الخير
دخل غرفته..أغلق الباب من خلفه و رأسه يطل للداخل بعينيه يبحث عنها..تجاوز دورة المياه وغرفة الملابس....،اهتزاز وَتَرْ نتج عنه نغمة تراقصت عليها نبضاته..كانت هي المُسبب لهذه النغمة..على السرير يجلس جسدها المُنتمي إليه منذ سبعة عشرَ عاماً..تُرَّطب ذراعيها الناعمتين مثل القُطن..و ساقيها مائلتان بجانبها،قطعة ألماس لامعة تنتظر وقع أصابعه عليها..اقترب منه ببطئ،اقتراب الأسد من لبؤته..انتبهت له،نبهها عطره أم شيءٌ آخر اخفاه القُلب..!
نظرت لهُ ببرود على مشارف الذوبان.. بــاذخة الجمال ! يعترف أن جمالها لم تلتقِ عيناه بمثله أبداً، و لا حتى خيالاً بين سطور قصصه..أدارت وجهها عنه تُكمل عملها...هو جلس مسحور على الأرض قُبالتها..أتَخرج الحوريات من البحر ليلاً ؟! تتلصص باحثة عن رَجُل لترمي بشباكها على قلبه.. أمسك قدميها..حرَّكهما بخفة حتى استقامت ساقيها أمامه..بأطراف أصابعه تناول قليلاً من "اللوشن" ذو الرائحة الخفيفة و بدأ بتحريك أصابعه بتمرُّس عاشق على ساقها..ببطئ تنزلق يده إلى الأعلى و الأسفل..تُثير أعصاب حسّها الغافية في غيابه..هَمَسَ و عيناه لم ترتفع لها
،:من جيت للحين ما كلمتيني !
أغلق علبة اللوشن بجانبها و جواباً منها لم ينطقه لسانها..و عيناه بعيدتان،اتكأ بباطن كفيه على السرير الفائز باحتضان جسدها وهو الذي تجاهل عبور مدينته بعد إهداره لتذكرتها المُلَوّحة بها بين أصابعها..رفع جسده بخفة حتى أصبح قُبالتها،استلى على يديها المنقطعة عنهما الحياة فترة بُعده..ببطئ مُخيـف..حد الموت مُخيف،ينظر للقلب بعيني حمراوتين،فيهما شيءٌ من الغُربة و انكسار حُب طاهر،قبَّل باطنها،يُرَبت بقبلته على زعل كفيها..يغسل بقايا الفراق ويلتهم بأنفاسه غُبار اليُتم الذي أحدثه هو...هو بنفسه..بذاته الضائعة بين البينين..
بين حُب امرأتين يتخبط..و هل يعشق قلب الرجل امرأتان في الوقت نفسه ؟
عَشَقَ أولى مُراهقة طائشة..قادتها إليه جُرأتها و فقدها لعضيدٍ كسر قيد الحماية الرابط بينهما وجعلها تائهة تبحث عن وجهه بين الرجال..و كان هو ولا يدري كيف أصبح هو ذاك المُغترب ؟! بنظرة وابتسامة تناقضت فيها البراءة بكَيْد أنثى لم تتعدى السادسة عشر..كيدهن عظيم و هن في المهد ينادونك لتطبع قُبلة على رأسٍ لم يتجرع سُماً من الحياة بَعد !
و الثانية..كان عُشقها سلس خفيف و هادئ..صيبٌ رقيق نسماته الباردة المرافقة للسحاب تملئ جوف صدره..ليبقى داخله فــراغ،إلا من صدى دقات قلب تذرف من شدتها مسامات جلده عَرقاً حفزته أنثى ضاعفت العذاب عليه..
يُحبها و يُحب تلك..أحب تلك و يُحب هذه..أحب مراهقة و عاشر امرأة حتى امتلكت قلبه..و تلك الجريئة باغتت سنينه بعد انقطاع ظن فيه أن قلبه نسيَّ كيف ينبض لأجلها و انعقد اسمه بإسمها..حلالٌ هي أصبحت،لهُ وحده،مثلما تمنى عندما رآها بثوب مدرستها الأزرق..!
لم تُقاوم عيناه..رفعهما إليها،كاشفاً ستار بَصَره ليلتقي بفيض أغرق وجنتيها..نَفَسَها لنظرته اضطرب و صوت حاد بحشرجة اخترق أذنه..امتعض من شهقتها،تُجاهد النَفَس بصعوبة..فتحت فمها مُحركة لسانها تُفَرِغ شكوى قلبها..بتقطع خرج صوتها
،:شنو تبيني اقول و انت غايب عن البيت خمسة ايام ؟
ضغطت على يده بوَهَن ترتجي منهُ إنكار وهي تُردف،:كنت عندها صح ؟
أطبق جفنيه و تنهيـدة غادرت صدره المُثقَل..تركت كَفيه وارتفعت يديها لصدره تقبض على قميصه..تهزه تُريد أن ينفلت من لسانه تكذيب لظنها..تتمنى أن تكون قد أساءت الظن ليُطفئ غليان روحها المُسعر.. ارتفع صوتها بصراخ مبحوح استقبلته أُذنه عالياً و حاداً صَلَّب قلبه..
،:تحجى أحمد كنت عندها..نايم عندها صح ؟ قوول و ريحني قــ ـ ـو
بُتِرت كلماتها،و غاب صوتها في نحيـب مريـر استطعمهُ لسانها..بضُعف التجأ رأسها إلى صدره..أحاطت ذراعاه بوقاحة لم يُنَكس رأسها الندم جسدها المُرتعش خيبةً من استيلاء أنثى على زوجها..لسنين ظلَّت تتأمل بوادر فَقدها بين عينيه و في حركاته وشروده الواضح..إحساسها الخاص هَمَسَ لها بوجود امرأة أخرى ذات مرة أخطأ و نادى ابنته الكُبرى باسمها لتتيقن هي و تبدأ رحلة عذابها..أخفض رأسه لرأسها،يستمع لبُكائها بصمت أسود..خبَّأ وجهه في شعرها،يُخفي خطيئته النكراء..خيانة مفضوحة لم يتستر عليها..يُداوي آثارها و يُضَمد ما سببته من جراح لايدري هل ستلتئم،ام أن خلاياها قد أحرِقَت.. وأصبح موتها مُؤبداً...و لا فائدة من أي دواء !
,،
تفاقمت الأفكار في عقلها،غسيلٌ للمخ أجراه الخط الأحمر الذي أوجده ذلك المُتَقلب بينهما،رسمهُ بدمٍ نَضَخَ من قلبها في ليلتهما الأولى،الليلة التي انتظرتها أنوثتها على جبلٍ أخضر زُرِعَت فيه بذورها الجنينية حتى أنبتتها الأرض أنثى طاهرة،يكسو البياض روحها البريئة،جسدها العُذري ارتعش خَجَلاً لِقُربه من الاعتناق مع جسد رجولي يطوي بين كفيه دفئاً لم يُذيب جليد نفثته أنفاسه بقسوة..
حول سبابتها تُدير خصلتها الفاتحة التي اصتبغت بلون كستنائي التمس شيئاً من شعاع الشمس في ساعات الغروب الأخيرة،ليمتزج بحريرٍ ينساب بسحرٍ على كتفيها و انحناء ظهرها المُثير..شاردة بتحليق مُضطرب الجناحين بين مُستقبل زاهر و حاضر يتدثر خوف في قلبها من انقطاع طريق مُستقبله المجهول !
زَفَرت فكرتها المترددة بين سقوط و البقاء مُتَعَلقة في جوف غيمة باردة،تخاف أن تسقط و بدلاً ان تتشربها زهرة يانعة أن يلتهمها بحراً يسوقها بُخاراً بمبلغٍ بخس إلى سماء واسعة تتخبط بين هبات رياحها الشديدة..
نهضت من جلوسها الأقرب من الإنسلاخ على موقد اللهب،رفعت شعرها ذيل حصان بالربطة المطاطية الخفيفة التي تسكن معصمها طوال يومها،رتبت ملابسها،خطوة تعيسة لمرآتها تَتَبِعَها كلما أرادت أن تُقابله..ملابس نوم بسيطة،سروال بحري ضيق يرتفع عن كاحليها بشبر،أطرافه من الدانتيل الرقيـق أُحيط مثله فتحة صدر قميصها الأبيض..خرجت من غرفتها الصديقة،خَطَت الأربع خطوات الفاصلة بين غرفتها و ساحة معركته السرية..تنفست بعمق،سمت بالله ومدت يدها تطرق بابه الموصد..دائماً !
انتظرت بعد طرقتها اليتيمة أذن بالدخول،أصابعها تتجاذب بتصادم لم تشعر بوجعه من تخدير الخوف لأطرافهم..شَجَّعت نفسها و قَرَّبت رأسها من الباب تحاول التقاط همس كسـول قد يكون لسانه قد نطقه..رفعت يدها بتردد لتطرقه ثانية..لكن انفتاحه المفاجئ جعل خطواته ترتد بفزع للخلف..
عـاري الصدر و شعرُ رأسه غارق في الماء دليل عل استحمامه القريب..تقطيبة مُغالية لمشاعرها تَلَبَّست ملامحه،نومٌ يبدو في عينيه المُنسَدِل نصف جفنيهما..يده اليمنى مبسوطة على طرف الباب ويُسراه اختفت وراءه..بهمس مُعدَم الشعور
،:نعــم ؟
رفعت كفيها تتلمس أطراف شعرها،حبلُ إعانة و إنقاذ لمقابلة الجمود الذي أمامها..ازدردت ريقها تُهَيئ أحبالها الصوتية..و بصوت منخفض نطقت
،:بغيت اكلمك في موضوع
ضمَّت شتفيها و هاجس حام فجأة فوق رأسها..أتُفتَح المواضيع بين الأزواج بعد الثانية عشرة صباحاً ! ..أليست فظاظة أن تُقاطع نومه ؟ لكنه لم ينم..مُقبِل على النوم،لكن هي تعتقد أن رجلاً مثله لا بُدَّ انه يرفض المُناقشات الليلية..فهو لم يترك طبعاً غريباً إلا و تشَبَعه ! لا خبرة لديها في العلاقات بين الأزواج..،
قاطع هواجسها سؤاله،:شنـو ؟
تنهيدة باطنية..إذاً لا يُمانع النقاش..تقدمت خطوة و كلمته الوحيدة رشت قليلاً من الجُرأة على روحها المُتَخَوفة..
،:كنت ابي اقول لك ان قررت بعد تفكير أسجل في الجامعة
و قَبلَ أن تميل زاوية فمها لتكشف عن إبتسامة تُكمل بها حديثها نطق هو،:سوي الا تبينه،شي ثاني ؟
لو كان عالماً بأسرارها عند الغضب و الحَرج لرأت عيناه معالم الإنفجار التي أحدثها تعليقه المَنتَقِص لإهتمام فُغِرَ فم روحها المُتَعطشة للإرتواء منه..قبضة يدها أحمَّرت من شدة ضغطها و شاركها الإحمرار وجهها المُنصَعق من ردّه المُحرج..أرني اهتماماً ولو تَصنُعاً..اسألني عن التخصص الذي قضيت أسابيع أفكر فيه..تحقق عن الجامعة التي سأقضي نصف يومي بين جدرانها..تكلم..أنطق..فالحروف لا تُشترى و إن بيعت فهي لا تُكلف المرء شيئاً..متوفرة بلا انقطاع في سوق الكلام..فرّحني بكلمة..هديتك لي ولو كانت بغلاف أسود،فلا عليك سَأُلَوّنه داخل قلبي بألوان اُسعِد نفسي المسكينة بها،أكذب بها على روحي..اُصمِتُها و أسد فوهة حسرتها..سأخبرها همساً أن رَجُلـ ـ ..لا لن انسبك لذاتي..فأنت لم تكن أبداً لي ..سأخبرها أن يُوسُف قد ابتاع أخيراً حديثٌ مُستَهَلَّه الإهتمام...،
أنزل عينيه عنها و أدار نصف جسده مُستعداً لأن يُغلِق الباب..لكن صوتها المُتَحد بهجوم أوقفه
،:انت ليــش ما تحس ؟!
التفت لها بقوَّة..عقَّد حاجبيه ..تساءل و كأنهُ لم يسمع،:نعـم ؟!
ارتفع صوتها بحَرقة،:ليــش ماتحس..باارد ما تقدرني..ماتقدر اني زوجتك تهتم لي و تشاكرني الكلام
بذات البرود الذي الهبها،:اللحين شنو يدخل هالحجي ؟
رَفعَت تلك الغارقتين،:اقول لك ابي اسجل في الجامعة ما سألتني ولا شي بهالخصوص،ما اهتميت ما كأنه هالشي مُستقبلي !
اقترب منها مُبتعداً عن الباب،:يعني شنو تبيني اقول ؟ تبيني اعارضش مثلاً ؟ هذا انا عطيتش الحرية بالتصرف مثل ما تبين
اقتربت هيَّ تمشي على جمر،:اسألني عن التخصص الا اخترته،الجامعة اللي ابي اروحها.."رفعت يدها إلى صدرها تُشير" حسسني اني زوجتك خلني اشوف اهتمامك..مابي منك شي صعب..بس ابي احس ان في رجال يساندني
رفع يده إلى خصره يقف بميلان و الأخرى ارتفعت لشعره تُرجعه للخلف وهو يهمس بتأفأف،:استغفر الله ياربي
أكملت بيأس و قلة حيلة قيَّدت أطرافها،:مافي أمل منك "حرَّكت كتفها و هي تُردف باستهزاء" انا الغبية كنت انتظر تفاعل من واحد مثلك "ارتفع صوتها بقهر" شنو متأملة من واحد ثلاث سنين عايشة وياه في بيت واحد و ما اعرف عنه ولا شي..مختفي كأنك مجرم مادري شقصتك و شنو بلاويك.. انــاني ما يهمك الا نفسك تجيني وقت حاجتك بس "تَهَجَّدَ صوتها و رأسها يميل لكتفها" وبعدين ترميـ ـ ـني بدون أي ذرة احساس..لو كنت ادري انك انـ ـ ـاني هالكثر ما تزوجتـ ــ ـك
رَفَع رأسه لها..احتدت نظراته لكنها لم تخف و لم تتراجع خطواتها كالعادة،فهي حالياً غريقة في بحرٍ اختلطت فيه جميع المشاعر المُتعِبة..و لا مجال لشعور آخر..بفحــيح كان سُمه مُوجع أكثر مما توقع عقلها
،:يعني أنـا الا تحسبين سعيت عشان اتزوجش ؟
ذراعها بدفاع ارتفعت تُحيط بها جسدها..درعٌ تصد كلماته القادمة بسرعة السهم قبل أن تخترق قلبها..و لكنها أسفاً ارتعشت لتأوه روح استشعرتهُ عروقها..كلماته أصابت القلب و واصلت حتى انغرست في الروح..دون رحمــة !
اقترب منها و هو يهمس من بين أسنانه يُواصل ذبحها حيَّة،:لعلمش،طول هالثلاث سنين اللي تتكلمين عنهم انا كنت انتظرش تتعبين و تطلبين الطلاق
وَقفَ أمامها و أكمل مراسيم ذبحها،:اذا تبين الطلاق ترى انا جاهز في اي لحظة...انا رجال ابي اشتري راحتي
أنهى فيضانه المُدّمر و استدار عائداً إلى قصره الذي يُحيك فيه شره..أما هي و آه منها هيَّ..لو تشعر الجدران لبَكت شفقةً و رأفةً على حالها..قدماها تَرجُفان بضُعف،للحظة نسيت كيف تقف..اضطربت عضلاتها،اقتربت من الهوان وموت الإحساس..سقطت بانجذاب مؤلم فاقه ألم روحها..اجتذبتها الأرض الخالية من دفئ يُسنِد كَسرَها..بباطن يدها تَمَسَّكت بالأرض تحبو طفلةً سُلِبت منها عروستها..تزحف لتنجو بنفسها من قصفٍ أودى بحياة قلبها..على الأرض خلَّفت عيناها بُقعاً شفافة انعكست فيها صورتها المُفجِعة..شهقات مُتتالية آلمت صدرها..تتنشق بارتعاش و النحيبُ يَرتفع عابراً حَلقها بعبرة ماراً بأنفها ليُحرِقه ليتوقف عند مَحطة عينيها التي تفتح أبوابها مُفرِجة عن قطرات تُنحِت أثرها على خدها الناعم..
وَصَلت غُرفتها القريبة المفتوح بابها،دخلتها و أغلقته،تتوحد بنفسها،تنطوي مع بُكاءها،تعقد صداقة جديدة مع الأنيـن،استندت على الجدار قُربَ الباب،رفعت ساقيها تحتضنهما لتتوسد قساوة رُكبتيها،خبأت وجهها فيهما،تُخفي جرحها..تَستَتِر على نَفي أنوثتها..
حَطَّمَها..ألغى وجودها بكلمات لم يحسب لها حساب..لم يُفكر قبل أن ينطقها لسانه،نَسيَ أنها تحمل في جوفها روح رقيـقة هَشَّة تنحني بمُجَرد أن يصطدم بها هواءٌ قاسي..نَثرَ أنوثتها على الأرض و بقدمه وطأها يُبَعثِرَها مازجاً إياها بتراب تراكم على رئتيها يمنعها من جَر نَفَس جديـد..أهداها إلى الموت بسخـاء..كَفَّنها بكفن التحقير..دفنها دون أن يُصلي عند قبرها..أشعرها بحجم مكانتها لديه..وضيعة هي بالنسبة له..هُناك بالقرب من قدمه،مُهَمَّشة مثل ورقة مُصفّرة جعدتها قسوة الزمن بعد أن سقطت من غُصن شجرة بَخُلَت عليها بظلٍ يقيها حريق شمس لم تهتدي إلى قلبها قط..
أنهاها..أنهى الحُــور التي انتظرته لزمن على باب جنتها الأنثوية !
,،
ساهرٌ برفقة هاينـز الذي تَمَنى لهُ عدة مرات أن تكون سهرته مع امرأة حسناء تُراقبه و تطمَئن على وجع كَتِفه..مرت ثلاثة أيام على ما حدث،المُهمة و لله الحمد تكللت بالنجاح..في النهاية تم القبض على المُتَهَمِين من قبل الشرطة، و كما أخبره آستور أنه بعيد كُلَّ البُعد عن القضية..حتى الآن
استنشق من سيجارته و ذاكرته تعود للأيام الماضية،بالتحديد بعد الإتصال الذي وصله من آستور..تحت ضوء القمر المُتَوَسط سماء الريف المُرَصَّعة بالنجوم، وعلى كُرسي خشبي بجانب كُرسي هاينز المُندمج في غناء اغنية أضاع لحنها،مُشاركاً إياه الإستنشاق وبين اصبعيه تتكأ من يحترق بها ولو القليل من ضيق الروح..قفزت ذاكرته إلى الغُرفة 407
،
وصلته الجَلبة في الخارج..تحرَّك بسرعة إلى الباب و السلاح أرجعه خلف ظهره..وضع أذنه يسترق السمع..أصوات همهمات لم يستطع أن يُميزها..وضع يده على القفل ليفتحه لكن اهتزاز هاتفه في جيبه أوقفه..أخرجه و هو يتراجع للخلف..وضعه في أُذنه دون أن يتكلم وصوت يصرخ اخترق مسامعه
،:موهاميـــد اهرب لقد اكتشفوا أمرنا !
اتسعت عيناه بصدمة..لم يكن يتوقع أن يُكتَشف الأمر..فسذاجة هذا العجوز و رُعبه الواضح جعله يجلس على كُرسي الراحة،فهو لم يتوقع للحظة أن يشعر بغرابة الوضع..تحرَّكت عيناه للباب،و بسرعة أقفله.. ثوانٍ و مقبضه يتحرَّك في محاولة لفتحه..التفت بسرعة يبحث عن مخرج،نظر إلى النافذة من بعيد..تقدم خطوة لكنه توقف و هو يتذكر أنه في الطابق الرابع..عضَّ طرف إبهامه بقهر،لن يستطيع أن يقفز..هو قادر لكن حتماً سيجذب الناظرين..بدأ يمشي ذهاباً و إياباً يحاول أن يتصيد فكرة تنقذه..المحاولات تطورت إلى محاولة كسر الباب.. صوت بيمي الصارخ يصله بوعيـد..وضع يده في جيبه بعد أن أقفل الهاتف،اصطدمت أصابعه المحشورة في جيبه بشيء معدني..تحسسه..ثوانٍ و ابتسامة مَكر حاذق تكونت على شفتيه..رفع بصره للأمام و بهدوء تقدم..
في الخارج
بيمي و رجال الأمن يحاولون كسر الباب..لا بُدَّ أن يُقتل هذا الكاذب..لن تُكشَف خطتهم..لا يدري كيف استطاع هذا الرجل أن يعرف بها،باحتراف خدعهم..لن يجعله يفلت من يده
واصل رفس الباب بقدمه..كان يقترب من الإنفتاح..لكن صوت حاد قاطع مُحاولته..وضع يده على الباب و الأخرى رفعها أمام الرجلان يوقفهما تحت أنظار رئيسه..نظر للمبقض،أخفضها إليه بخفة أغمض عينيه و أنزلها ليتفاجئ بالباب يُفتَح..نظر بصدمة لديريك،ابتسم بعدم تصديق وهو يفتحه بخفة..انفتح بأكمله لتتراءى أمامه النار وهي تأكل الغرفة..صرخوا بفزع وهم يتقدمون للداخل..النيران التهمت أطراف الستائر الفخمة،و تنتنشر على دعائم السرير الخشبية..همس ديريك بأسى
،:غُرفة فُندقي
تقدموا أكثر في الغرفة محاولين إخماد النيران..صوت إغلاق باب قوّي نبههما ليصرخ ديريك بقهر
،:لقد هرب
ركض بيمي بسرعة فاتحاً الباب ليسقط بصره على طيف جسد يخرج من الجناح..صرخ بأعلى صوته
،:أوقفـــووه
هُوَ
يجري بأقصى سُرعته،فوق رأسه وضع معطف بذلته و سلاحه أخفاه تحت بنطاله أسفل ساقه بعد أن ثبته حولها بربطة عُنُقِه..كان يجري بين ممرات الطوابق مُستخدماً السلالم و لسانه يصرخ مُحَذرا بكلمة واحدة
..feuer..feuer
كان مقيمو الفندق يخرجون من غرفهم بهلع،بعضهم صدق و البعض حَسِبَها خدعة قبل أن يصدمهم بالواقع جرس الإنذار..تجاوز الناس وهو ينظر بعين واحد من تحت معطفه و لم يتوقف عن الصراخ بكلمة حريق..وصل الطابق الأرضي..تجاوز الرُدهة وهو يَنسل من بين تَجَمع المُقيمين المُرتبك..خرج من باب الفندق الدوار ليُرادف خروجه دخول رجال الشرطة بأسلحتهم بعد أن وصلهم بلاغ قبل نصف ساعة عن وجود اتفاقية مواد ممنوعة في الفندق !
تجاوز الشارع المُقابل للفندق.. وعيناه التقطتا خُلو الموقف من السيارة السوداء..أخرج هاتفه من جيبه وفتحه وهو في غمرة جريه،ضغط الاسم المطلوب و رفعه لأُذنه،ثوانٍ و جاءه الرد..
،:قُربَ المطعم الفرنسي في الساحة الكبيرة
،:انا في الطريق ســـو
سيارة مُسرِعة بتهور شقت طريقها و صدمت جانب جسده المُنهَمك في هُروبه..سقط على الأرض و تدحرج جسده ثلاث مرات حتى اصطدم كَتِفه بعمود إنارة..تأوَّه و صوت فرقعة يرتفع من كَتِفه.. رفع رأسه بملامح منكمشة يبحث عن هاتفه،كان مُلقى على بُعد اربع خطوات عنه..ابتسم بسخرية،مُحال ان تنتهي مُهمة و لا يُصاب فيها !
وضع باطن يده على كَتِفه وبرجليه اتكأ على الأرض ليقف..تناول هاتفه و ابتعد عن السيارة التي خَرَج منها رَجُل لم يرى ملامحه يصرخ بغضب بكلمات لم يُفَكر أن يسمعها..رفع الهاتف و الخط لا زال مفتوح..
،:موهامــد أين انت ماذا حدث موهاميـد تكلم موهامـ
،:انا بخير لا تقلق،انتظرني و لاتتحرك دقيقتان و انا عندك
،
رافق هاينز بعد أن وصل محل وقوف السيارة..حاول معه ليقله المُستشفى ليفحص كتفه..لكنه رفض بشدة و أمره بالذهاب مباشرة لكوخه..و هُناك وضع فوقه قطعة قماش مُبللة بعد أن استلقى على أريكته الواسعة..وصل هاينز اتصال من آستور ليُخبره بنجاح المهمة في اللحظة الأخيرة..فالعضو الذي كان يحمل البضاعة و الذي هو تنكر بشخصيته قد تم القبض عليه أثناء محاولة هروبه من الفندق..و بعد تحقيق اعترف هو و العجوز الجبان..حالياً هو بعيد عن القضية..و لا يدري هل سيمر الامر مرور الكرام أم ان رسماً تَخَيُلياً سيفضحه !
,،
صباحاً..يوم جديد و خطوة جديدة بالنسبة لملاك..على كُرسي مكتبها الخاص تجلس..رافعة سماعة الهاتف الأرضي تضغط أرقام تنقلها من دفتر كبير بجانبها يحوي أسماء و أرقام تخص الطالبات..وضعت السماعة على أذنها و يدها ارتفعت ليستقر ظاهر أصابعها على شفتها..ثوانٍ وجاءها صوت رجولي رخـيم
،:الـو نعم
،:السلام عليكم،صباح الخير
،:و عليكم السلام،صباح الخير
،:الأخ ابو غازي ؟
،:اي نعم،من على الخط ؟
بثقة نطقت،:عمي وياك الإستاذة ملاك مُشرفة مدرسة بنتك سُمية
،:يا هلا..شصاير يابنتي سُمية فيها شي ؟
،:عمي بغيت اكلمك في موضوع بخصوص سُمية..اذا تقدر تشرفنا المدرسة
~ انتهى
،
|