كاتب الموضوع :
غربة خريف
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: روايتي الفلسطينية { انتفاضة } بقلمي
كل عام وأنتم بخيــر ليلاسيون ..
تفضلوا الفصل الخامس ..
الفصل الخامس
1
عكا \ فلسطين
في زقاق المدينة القديمة ؛ عكا ، البيوت المتلاصقة والأشجار المطلة من خلف السور ، على امتداد الشارع الضيّق عبوراً ببرك المياه التي خلّفتها أمطار البارحة ، وفي منتصفه يقبع منزل يدلّ على بساطة ساكنيه .. بيتٌ من حجر تهالك أعلاه لتتمرد بعض الأغصان وتخرج مزيّنةً الواجهة الأمامية ، بابٌ من حديد تآكلت حوافّه بفعل الأيام والصدأ .. من خلف السور تظهر جدران البيت الداخلية وقد هلك دهانها وسقط بعضه ليُظهِر بقعاً داكنة في أنحاءه وتستقيم من فوقه فوهة مدفأة [ البواري ] والتي ما زالت قائمة منذ الشتاء الماضي إلى أن يعتدل الجو صيفاً .. طرق الباب عدة مرات حتى لظَنَّ انه سوف يحطمه .. جاءه صوتها : ميـــــن ؟
تململ في وقفته وقد كان هذا آخر ما يتمناه ، أن يتصادم مع تلك الشقية : حمادة
فتحت الباب ووقفت في طريقه ( كالسد ) ووضعت إحدى يديها على الحائط المقابل لتمنعه من الدخول : نعم !!
دفع نفسه للداخل بهمجية تليق للتعامل مع هذه [ المشكلجية ] لكن يدها اعترضته بقوة وغضب : شوو مفكرها وكالة داخل هيك من غير اسئذان
بثقل دمه المعتاد بالنسبة لها : واللــه حضرتِك أدرى بالوكالات .. ( الوكالات ؛ هي المؤسسات الخاصة بتقديم المعونات ، سواء التعليمية أو الصحية أو الغذاء وحتى المال )
جن جنونها ونسيت كل وعد قطعته بأن لا تتشاجر معه : واللــه ! شــو قصدك ؟
دفعها مجدداً هروباً من مشادة كلامية قد تنتهي أو بالأحرى ستنتهي مؤكداً بشجار حاد .. وهي بدورها تدفعه نحو الخارج بغضب من كلمته الأخيرة .. وعلى علوّ أصواتهما إلا انهما فضّا الشجار بسماع صوت أحدهم .. عاد حمادة للخلف قليلاً والتوتر أخذ منه ما قد أخذ ..
بحدة وعتاب : تعال حمادة ( ولما لم يبد أي استجابة ) تعاااال
تقدم نحوه مخفض الرأس وواضعاً يده خلف رأسه خوفاً من الضرب : آه
أمسكه من ياقته من الخلف وشدّه إليه : شو قاعد تعمل عند دار الناس وليش بتتطاوش مع البنات مو عيب عليك !!
حاول التملص منه دون جدوى وتأوه أخيراً : أمي ودتني اجيب غرض وهاي ( مشيراً إلى فلسطين ) مش مخليتني ادخل
تملكه الإحراج من ابن عمه هذا الذي يريد الدخول كيفما كان ونظر نحو الفتاة التي كانت قد فتحت الباب كاملاً ووقفت مستندة إليه رافعة إحدى قدماها للخلف ومكتفّة يداها حول خصرها وتنظر إليهم بغضب ، قال : آسف خيتا ابن عمتي لسا صغير بس خلّيه يدخل يجيب الغرض لأمه
فلسطين دون أن تنبس ببنت شفة عادت للخلف بالباب قليلاً معلنة موافقتها على دخوله .. اما جواد فقد دفع حمادة نحو الباب ليدخل ، دخل وهو يبتعد قدر الإمكان عن فلسطين لكيلا تضربه .. تفكر في نفسها لو ما تدخلش هذا الطويــل لكنت قتلته لحتى يعلم أن الله حق .. أرادت الدخول لكنها انتبهت إلى الواقف هناك نظرت إليه وقالت : نعم خيّا ( أخي ) ؟
تحمحم محرجاً فهو لم ينتبه انه أطال الوقوف وأعرب عن أسفه وراح في سبيله تلاحقه عيونها المستغربة " المقاوم ابن خال حمادة ! حمادة أكيد مش مخول ( مخول : طالع لخواله ، يعني يشبه صفات أخواله ) " [ جواد ؛ 19 سنة ، أسمر طويل القامة بما يناسب عمره متوسط البنية ، شعره قصيرأسود وعيناه بلون بني داكن وهي تظهر لناظرها سوداء ، يغطي ذقنه شعر خفيف باتقان ، ويتخلل حاجبه فراغ بفعل ضربة خنجر .. انهى تعليمه الثانوي والتحق بالجامعة وهو الآن في عامه الجامعي الاول تخصص هندسة كهرباء ].. أطلّت برأسها من الباب الداخلي وبصوت مرتفع : يماا أنا طالعة عند سلام
لم يأتيها الرد فاعتبرته ردّاً ، فكما يقول المثل المعروف { السكوت علامة الرضا }
2
نابلس \ فلسطين
تعانق الكوفية بين يديها وتشدها كثيراً مانعة الدموع من التمرد ، تشاهد تــاريخ شعبنا الحافل بالملاحم والمذابح ؛
مذبحة دير ياسين التي صادف ذكراها قبل أسبوعين تماماً ؛ 9 أبريل 1948
[ قرية دير ياسين إلى الغرب من مدينة القدس ، حيث وقعت مجزرة دموية كردة فعل وحشية من عصابتي شتيرن والأرجون الصهيونيتان وعامل رفع معنوية لليهود بعد خيبة أملهم من التقدم العربي على الطرق الرئيسية اليهودية
ففي عام 48 وعقب انسحاب القوات البريطانية من فلسطين تاركة حالة من عدم الاستقرار عندما قام جيش التحرير العربي والمؤلف من الفلسطينيين ومتطوعين من مختلف البلدان العربية على تشكيل هجمات على الطرق الرابطة بين المستوطنات اليهودية وقد سميت تلك الحرب بحرب الطرق .. وفيها أحرز العرب تقدماً في قطع الطريق الرئيسي بين مدينة تل أبيب ( تل الربيع فلسطينياً ) وغرب القدس مما ترك 16 % من اليهود في فلسطين في حالــة حصار
مما زاد أحقاد اليهود وتلك العصابتين فقامتا بالهجوم على دير ياسين الصغيرة نسبياً ..
وبعد التمكن من تغطية مذبحة دير ياسين تبين أن عدد القتلى وصل إلى 254 من القرويين .. وكما روى مراسل صحفي عاصر المذبحة : " إنه شيء تأنف الوحوش نفسها ارتكابه ، لقد أتو بفتاة واغــ" ]
أغلقت التلفاز سريعاً وهي تضع يدها الأخرى على فمها وتنهار في وقفتها لتجلس أمام التلفاز والصور الكثيرة السوداء لا تزال عالقة بمخيلتها .. انتحبت بحرقة وهي تغمض عينيها بشدة والكوفية ما زالت تتشابك مع أصابعها تقربها لفمها تارة ولصدرها تارة أخرى .. لقد عايشت جدتها المذبحة تلك وحدثتها عنها كثيراً لكن ذلك الكثير لم يكن له مكاناً في ذاكرتها كما كلماتها الاخيرة في روايتها للقصة : " دم وكطع ( قطع ) ... كطع مفتتة و .. وريحة الموت .. كرية ( قرية ) كاملة .. روس بلا عيون .. والرضّع ما بتفركيهم ( تفرقيهم ) عن اللعب .. يماااااا يا قليبي .. ااخييي يا يمااا " لتدخل بعدها في نوبة بكاء مبكٍ لمن يسمعها .. أصبحت كجدتها لا تكف عن تذكر الماضي ورثاءه .. عانقت الكوفية من جديد وهي تستذكر كلمات صاحبها ( من بعيد تراقب رحيله .. ومن بين الجميع رأها هو فالتفت إليها وبدأ بنزع الكوفية من حول رقبته رامياً بها نحوها مما جعل الجميع ينظر لهما وهو يقول بصوت مرتفع : ديــــري بـــالــك عليـــها .. يشير نحو قلبه .. وعليــــه .. ، التقتطها وهي تنظر إليه ترددت كثيراً لكنها نطقت أخيراً بعد أن أدار وجهه : بـــوداعـــة اللـــه يـــا .. حمــزة .. التفت نحوها للمرة الثانية والأخيرة شعرت به يريد أن ينطق بشيء لكنه لم يفعل ) .. اغترب محبوبها .. واغترب قلبها معــه .." بعض الناس كالوطـن فراقهــم غربــة "
3
عمان الغربية \ الأردن
تقف على شرفة بيت صديقتها .. بيتٌ أقل ما يقال فيه انه فخم ، كبير تمتزج فيه جماليــة الحجر السكري اللون وصوت خشب الأرضيات الرنّان ، حولــه حديــقة بسيطة من ضمن التصميم ليس إلا ، يتمركز بيتهم وسط حي من أحياء عمان الغربية الهادئــة ، بهدوء قاطنيها ، " عيشة الأغنيا مملـة " هذا ما لاحظته قبل أن تشعر بوجود صديقتها حاملة صينية العصير وتقدمها لها قائلة : شكلو منظر الشجر عجبك !!
ابتسمت وهي تأخذ الكأس وتجلس : آه حلو ما شاء الله
أمالت الأخرى فمها من غير تعليق لتبادرها ولاء السؤال : شو مالك !!
رفعت عينيها لها وهي تشرب من كأسها باندفاع طفولي وأردفت : امم مبعرف حديئتكم ( حديقتكم ) أحلى أمك بتهتم فيها
ولاء : حديقة !! ههههههههههههه الله يقطع شرك كلها كم قوارة جنب بعض
براءة : ههههه بس والله أحلى
ولاء : هههههه هبلة .. وضعت قدماً فوق الأخرى .. متى نازلين ع فلسطين ؟
براءة تحرك رموشها بسرعة وتضم يديها نحوها : الخميس
ولاء بصبيانية : يختي مش عارف كيف بدك تروحي ما أنتي طنطة ..
براءة : بالله ! لا أنا مو طنطة وبتشوفي
ولاء وقفت ومدت جسمها من الشرفة ونظرت إلى براءة وهي على حالها : براءة !! .. جيبيلي معك حلاوة فلسطينية
غصّت بالعصير : الي الله .. كنت مفكرك رح تحكيلي " براءة ديري بالك ع حالك .. رح اشتائلك يا براءة "
ولاء تدفعها بقدمها وهي تنظر للأسفل : لسا ما اجا وقت التوديعة هههع
تكلمتا كثيراً حول الهدايا التي ستحضرها وما الذي ستفعله وأن عليها أخذ الكثير من الصور هناك ولم تنسى ولاء أن تطلب منها كتابة اسمها على ورقة وتصويرها في كل مكان تزوره هناك ..
ولاء ، في عمر براءة ، وصديقتها منذ الإبتدائية ، ذات شعر أسود متوسط الطول وعيون زرقاء ، بنيتها قوية بشكل لافت بالنسبة لفتاة ، متفوقة بدراستها رغم طبعها النشيط " كثير الحركة " ، من عائلة متوسطة الحال ، أردنية المولد والأصل ، لكنهـا تعشق الأرض الفلسطينية ، تكمن مواهبها في الرياضة بأغلب أنواعها ، يتيمة الأب ، تعيش مع أمها وأخوانها الكبار ..
4
عكّا \ فلسطين
من مضــافة يفوح منها رائحــة الهيـل والقهوة العربيـة ، ترتفع أصوات الرجال بالترحيب والإحتفاء بالجّاهــة ، " يا حياالله يا حياالله " " اتفضلو " " الله يزيــد فضلك يا بو مروان " .. صاح المعزّب ( صاحب البيت ) : يا هلا بيكم من مقفاكم لـِملفاكم
جلس الرجال بعد السلام .. تقدم المعزّب وقدم القهوة العربية لشيخ الجّاهة [ أبو محمد .. عم أبو علي .. قدّمه أبو علي لشيخة الجاهة لأنه كبير عائلتهم في فلسطين ] .. أمسكها الأخير ووضعها أمامه قائلاً : قهوتكو مشروبة
أبو مروان بصوته الرجولـي : ابشر باللي جيتو بيه واقدر عليه
محركاً يده كعادة الشيوخ : طالبين من عندكم مهرة تاكل بإيدها
ردّ والقبول يستوضح من عيونه : وأنا اتشرف وإن وافقتْ البنت أنا ما ازيد الملح ( الطيب ) إلا ملاح ... استأذن ليأخذ رأي ابنته
..: هاا يا أم مروان نادي البنت
جاءته سلمى على استحياء ووقفت بجانبه قرب المضافة : سمّ يبا
أبو مروان ويديه تلتف حول كتفها : سمّ الله عدوينك يا عيون أبوك .. آه يبوي موافقة ؟
سلمى : الشور شورك
أبو مروان : يبوي من ناحيتي علي زلمة قد حاله .. ودين وأخلاق ما شاء الله .. والرأي أول ع آخر رأيك !!
سلمى ارتبكت حروفها : مــم .. مـوافقة
أبو مروان قطّب حاجبيه : مو موافقة ؟
سلمى بحرج استدركت : لا قلت موافقة
أبو مروان وقد اطمئن قرّبها إليه وقبّل رأسها : هههه مبارك يبوي
عاد إلى الرجال باسم المحيّا وبإشارة نحو فنجان القهوة أمام أبو محمد ، قال : اشربوا قهوتكو .. تراها جتكو عطيّة ما من وراها جزيّة
تناول أبو محمد فنجانه وشربه وهزّه للواقف أمامه ( مروان ) وبنبرة الفخر خاطبهم : اقرو ( اقرؤا ) الفاتحة وعلى بركة الله
وراح مروان يضيّف القهوة هو وابن عمّه للرجال
إما عند النساء فقد تعالت أصوات الزغاريد .. وراحت أم علي تبارك لأم مروان وتضم سلمى نحوها .. " لولولولولوليــــش " ، كان الحاضرين ما بين أقارب وجيران ، اما من طرف العريس فكانت عائلته وعمّ والده وأولاده وأهل والدته ( الرجال فقط ) ، وقدمت العصائر والكنافة النابلسيــة للحضور كـَ[حلوان] من أهل العريس ..
ولأن الناس كما يقال في ذاك الوقت ( لبعضها ) .. قضوها ليلة سامرية على ألحان الشبابة واليرغول والشباب يرقصون الدحيّة والمجوز ، والصبايا يغنين الأغاني الشعبية تارة ويشغّلون المسجل تارة أخرى .. وعرفت الرصاصات طريقها نحو سماء عكا القديمة ذلك اليوم ليزداد الحضور أضعافاً ، في بيت أبي مروان النساء يصخبن بأغانيهم " من هو عازمكن يا بنات الحارة .. مو هو عازمكن يا بنات الحارة .. ( ويرد النصف الآخر منهم بنفس المقطع ) عازمنا العريس هالشب النوّارة .. عازمنا العريس هالشب النوّارة "
وأمام منزل العروس الرجال والشباب أغلقوا الطريق بدبكاتهم " تنغني ع البدّاويـة ردّو حلالي ويا مالـي .. بهالفرحة الشلبيـة .. الكل الليلة أهليّة .. وع صف البدّاويـة .. نادي كل الرجالـِ .. يا حلالي ويا مالي ..،، [ المغني ] الله والحامي الله .. [ الشباب ] الله والحامي الله .. [ المغني ] ع هالليلة يا ما شاء الله .. [ الشباب ] الله والحامي الله .. [ المغني ] وجينا يا غالـي جينا .. [ الشباب ] الله والحامي الله .. [ المغني ] نمدلك أيادينا .. [ الشباب ] الله والحامي الله .. [ المغني ] وعنك ولا نتخلى .. [ الشباب ] يباا الله والحامي الله .. "
كانـت ليلـة من ألف ليلة كما يقولون .. وفي أنفسهم يتساءلون إذا كانت هذه الجّاهة والتي لا غناء فيها أصلاً ، فكيــف سيكون العرس !! لا بد انـه سيكون سبع أيــام بلياليهـا .. فهذا علي الشبّ الوحيد في عائلتـه
قراءة ممتعة :)
|