انصدمت عائشة من عصبية جميلة فهي أول مرة ترى جميلة بهذه العصبية فكم كانت حنونة عليها كابنة لها لم تلدها لكن
اليوم رأت الوجه الاخر لجميلة تلك الفتاة الطيبة و التي لا تستطيع ايذاء نملة فكيف كانت لها الطاقة لكي تهين صهيب و
عائشة،و هنا تنهدت بعمق فدخل اليها صهيب و علامات القلق تظهر في وجهه فسألها"أمي مابك؟هل أنت مريضة؟"و هنا
تنطلق دموع عائشة قائلة له"لقد دمرنا براءة جميلة"و هنا يقترب منها صهيب و يأخذها في حضنه يهدأها قائلا لها"كفاكي
بكاء يا أمي فلا أحد يستاهل دموعك الغالية هذه"و بعدما تبتعد عائشة من حضنه و تتجه الى غرفتها ثم تغلق الباب وراءها و
دموعها أبت التوقف،وعندما تركت عائشة صهيب هكذا استغرب تصرفها و اعتقد أن الموضوع لا يتعلق بجميلة بل بعز.
لم تستطع الحاجة عائشة مواجهة عز بقرارها الأخير فما كان منها الا أن أرسلت له رسالة و عندما وصلت اليه كانت السعادة
تغمره من أعلى رأسه الى أخمص قدميه محدثا نفسه"أحب استعمالك للغة العشاق القدامى،فأنا أحب رسائلك و خطوات
أناملك على ورقتك هذه"ثم بدأ بشمها فكانت من رائحة عطرها المحبب الى قلبه الذي يتمثل في رائحة الورود،و من ثم فتح
الرسالة و بدأ بقراءة أسطرها وهو يلتهمها التهاما:
"السلام عليكم سيد عز التاجي شرف كبيرأن تطلب يدي بعد مرورك بكل هذه الظروف و هذا دليل على أنك لاتزال تثق بي و
تحبني و لم تنساني طيلة تلك السنوات الخوالي و لمعلوماتك أنا أيضا لم أنساك لحظة واحدة في حياتي رغم زواجي من
حاتم،فلم أكن ارى الا صورتك أمامي و أنت تبتسم لي بكل حب و شقاوة فأنا أتذكر كل همساتك و لمساتك التي كانت
خاصة بي فقط فأنت لم تشاركها مع أي امرأة أخرى و هذا أسعد قلبي و أثلج صدري كثيرا،لكن ارجو أن تسامحني و أن
تعذرني على هذا القرار الذي جاء فوق ارادتي فمصيرنا الفراق ففي البداية كان بسببك و بسبب غباءك و سامحني على
هذه الكلمة و الان بسببي نعم بسببي فأنا رافضة لطلب زواجك مني سامحني فالانسان الوحيد الذي أعيش من أجله في
هذه الحياة هو صهيب و مادام صهيب رافض لهذه الزيجة فأنا لن أستطيع أن أفعل شيء بغير ارادته و لابد أن تفتخر من ابنك
فهو يشبهك و لهذا اطلب منك اخر طلب ارجوك لا تؤذي صهيب فهو في الأخير ابنك و هو يفكر في مصلحتنا و مصلحة الجميع
و الان استودعك الله الذي لا تضييع ودائعه و السلام عليكم".
و عندما يفرغ عز من قراءة الرسالة يشعر بخدر في كامل جسده فتسترخ عضلاته و هو غيرمصدق أن عائشة رفضته و هنا لم
يستطيع التحكم في أطرافه فجثى على ركبته و عيناه تنفجر من الدموع فشد على رسالة حتى تجعدت ثم احكم قبضة يده
الأخرى و صار يتوعد في صهيب،جميلة،رندة،وردة،عمران و الكل نعم الكل صار يتوعد فيهم ثم وقف بعد ذلك على رجليه و بدأ
برمي الأوراق التي على مكتبه ثم أمسك قارورة الخمر و رماها باتجاه الحائط فأصبحت شظايا زجاج ثم بدأ بالبحث على علبة
سجائره و عندما وجدها بدأ باشعالها الواحد تلوى الاخر حتى نفذت و بدأ برسم مخططه الاجرامي و هو يبتسم بشر و دموعه
تنكسب في صورة متناقضة فهو الان في أكثر الحالات جنونا فالان لا يعد يفرق بين الصديق و العدو فهو الان يريد قصف الجميع
فكلمة عز فوق كلام الجميع ثم خرج من مكتبه و هو في حالة يرثى لها ثم أخذ سيارته و انطلق بها بسرعة جنونية متوجه
الى قرية رندة و الحاج حسين.
استيقظت جميلة و كلها نشاط لعودتها الى دروسها فلقد حلت معظم مشاكلها فالبارحة عندما استقت السيارة بعد
مواجهتها مع صهيب وجدت مكتب محاماة فذهبت اليه و بدأت باجراء معاملة الطلاق ثم ذهبت الى المشفى للاطمئنان على
جنينها و هناك وجدت أبوها في استقباله و الفرحة تشع من عينيه فاسرع الخطى باتجاهها و حضنها ثم سار معها و هو
يحتضن كتفها الا أن وصلا الى مكتبه و اجلسها على المقعد الذي يقبع خلف مكتبه ثم جثى بالقرب منها و أخذ يتلمس
وجهها ثو خاطبها مبتسما"كيف حالة صغيرتي الان؟"فتجيبه بابتسامة واسعة"أنا بألف خيرمادام أنت بقربي فأنت الوحيد الذي
أحببتني بصدق"فيقبل وجنتيها ثم بسألها بلوم"مادام أنا هكذا لماذا لا تعيشين معي فالبيت كبير وواسع؟"فتجيبه بخجل"لا
أستطيع يا أبي امهلني بعد الوقت حتى أستقبل الأمر و أعدك أنني سأعيش معك فطفلي أصبح يزعجني قليلا"ثم لمست
بطنها و ابتسامتها لا تزال مرسومة في وجهها،فيخاطب رامز حفيده قائلا"اعقل يا ولد و الا سأعاقبك شر عقاب فهذه جميلتي
و لن أسمح لأحد أن يضرها"ثم يضحك فتضحك معه جميلة لكن سرعان ما تدمع عيونها فيتفاجأ أبوها تغير حالها فيسألها
بقلق"هل يألمك شيء؟"فتجيبه و قد زادت شهقاتها"يألمني قلبي يا أبي"فيحتضنها رامز ثم يهدأها قائلا"حبيبتي جميلة أنا
أعلم أنه صعب عليك فراق صهيب لكن مابيدي حيلة هو آلمك و جرحك كثيرا فارجو ألا تفكري فيه"لكن جميلة اجفلت لما قاله
ابوها و ابتعدت عنه ثم قالت له"أنا عندي موعد سأطمئن على ابني"ثم تمسح دموعها و تترك أبوها في حيرة فتغادر باتجاه
غرفة الطبيب المسؤول عن حالتها فتطرق الباب و عندما تسمح لها بالدخول تدخل بهدوء و تحييها بابتسامة مرهقة"مساء
الخير دكتورة"فترد عليها الدكتورة قائلة"تفضلي حبيبتي"ثم تبدأ بمعاينتها ثم تسألها"هل تودين معرفة جنس المولود؟"فتجيبها
جميلة"لا أفضل أن تكون مفاجأة لي"فتبتسم لها الدكتورة ثم تعطيها منديل لتمسح السائل الذي وضعته على بطنها،فتتفاجأ
جميلة من سرعتها و تقول لها"دكتورة هل كل الأمور بخير؟فأنا أظنكي أسرعتي في معاينتي"فتجيبها الدكتورة بابتسامة
واسعة"حبيبتي لا تخافي كل شيء عادي،لكن في المرة القادمة أود رؤية زوجك لكن أحييه على اهتمامه الشديد
بكي"فتجفل جميلة ثم تغادر و لا تضيف أي كلمة و عندما تخرج من الغرفة تقابل زوجين يريدان الاطمئنان على جنينهما فرأت
السعادة في وجههما و كيف أن زوج المرأة يتلمس بطنها بكل حنية و يحضن كتفها و هنا تدمع عيونها فتركض خارجة من
المشفى أمام أنظار الزوجين المستغربين تغير حالها و أبوها رامز الذي تنهض بأسى على حالة ابنته،و هنا استفاقت جميلة
بعدما انتهت من حمامها الدافيء ثم ارتدت ملابسها المتكونة من سروال جينز أسود و تيشارت بلا أكمام أصفر مع فيزت
خفيف أسود ثم ارتدت حذاء رياضي مريح و سرحت شعرها على شكل ذيل حصان ووضعت الماسكرا على رموشها و ملمع
شفاه أحمر و أخذت حقيبتها و لبست نظراتها السود بشكل عيون القطة ثم خرجت متوجهة الى جامعتها و هناك التقت فادي
فابتسمت به محيية اياه"صباح الخير فادي أراك اليوم نشيط على غير العادة،فما سبب سعادتك يا ترى؟"فيجيبها و عيونه
على فتاة شقراء جميلة جدا"غادة يا جميلة جعلت ليلي نهاري و نهاري ليلي ،فلا تود مكالمتي و لا تريدني أن أطلب يدها
من أبوها حتى أحسن التصرف مع من حولي و أن لا أكلم أي فتاة غيرها"و هنا يتفاجأ بأنه يتكلم مع جميلة فيعتذر فورا منها و
يسرع باتجاه
غادة التي غضبت منه و لم تنتظره كالعادة ليكملا طريقهما باتجاه قاعة المحاضرات،و هنا انفجرت جميلة بضحكة
هادئة و هي لم تتوقع أن يقع فادي في الحب و تنقلب حالته هكذا،ثم تنزع نظراتها حتى تمسح دموعها و عندما ترفع نظرها
تلتقي بنظرات صهيب الموجهة اليها فيبقيا للحظة يتأملان بعضهما و كل منهما يلوم الاخر بصمت،فلاحظت جميلة أن صهيب
نمى ذقنه كثيرا لكن منظره هذا زاده جمالا و جاذبية خاصة و هو يرتدي تيشارت أزرق و جينز من نفس اللون حيث انعكس
لون لباسه على لون عينيه فالتمعت بلمعان مذهل و هنا ابتلعت جميلة ريقها و أبعدت نظرها عنه اما هو فكان في عالم ثاني
و هو يتأمل بروز بطنها قليلا فزادها جمالا و أنوثة فزاد شوقه لها لكن سرعان مااختفت من ناظره فترك المكان و غادر الى مقر
عمله و هو يبتسم فعلى الأقل جميلة مثله تبادله نفس المشاعر فهي لاتزال تحبه بالرغم أنها تحاول اخفاء ذلك لكن عيونها
تفضحها دائما لكن السؤال الذي شغل باله لماذا كانت تبتسم مع فادي؟فهو يعلم أن فادي يحب فتاة أخرى فلقد ارسل
أتباعه لمراقبته حتى لا يجرأ على الذهاب الى جميلة في غرفتها كما راقب هذه الأخيرة لحمايتها من أي واحد يريد التعرض
اليها بسوء.