لا تلهيكُم عن العبادات والطاعات
ما شاء الله تبارك الله
للكاتبة
AURORA
..
الفصل الحادي عشر
تسلل ضوء الشمس حتى يُزعج منامها وترفرف بغابه رموشها الكثيفة . في كل صباح تستيقظ به تكون في قمّه سعادتها ونشاطها , تعمل بحيويه كزهره مُتفتحه دون ان تشعر بالسيطره فلا احد هنا يأمرها ويعبرها عامله , بل هي من تقوم في ذلك بنفسها بطيب خاطر , ومع ذلك مازالت اثار ما فعلته بها زوجه خالها عالقه بها ومازال الخوف لا يُفارقها ويكتنزها من رأسها لأخمص قدميها , خاصه عندما يتكلم بها ابن عمها بسوء ويظلمها كما فعلت زوجه خالها .
لا تستطيع ان تقول انها تنسى كلامه المسموم وانه لا يؤثر فيها انها تتناسى ذلك فقط من اجلها ومن اجل الفُتات الذي بقي من روحها وأُنوثتها , وقد اصبحت معطوبه بسببهم تُحاول ان تُداري هذا العُطب بابتساماتها الهادئة , وتُخفي خوفها ولا تعرف ان كانت تنجح في ذلك ؟؟؟ أم انها لوحه حزن واضحه لكل من يمر بقربها !!! .
تململت في مرقدها , وذراعيها تتطمى براحه , حتى قفزت من السرير شاهقه .
فزّت رسيل من نومها , وشعرها كشعر قطه منفوشه الشعر , وضعت كفها على صدرها تقول بهلع
: بسم الله الرحمن الرحيم , وشفيك ؟؟! فجعتيني .
تنهدت ميرال براحه وقالت : انت الفجعتيني قمت ولقيتك جمبي , بدون حتى لا تعلميني انك بتنامي عندي !!! , خلاص ارجعي نامي عارفتك نوامه انا بروح اجهز الغدا عشان جدتي وعمامي .
,
عند الظهيرة , عاد رِجال العائلة من صلاه الجُمعة وكما هي العادة في كل اسبوع يبقون عن الجده , ويطمئنون على احوالها . بعد وجبة الغداء الشهية التي اعدتها ميرال , عادت إيمان لقصرها القريب وعلى شفتيها ابتسامه من الخُبث , فقد اخبرها فيصل قبل قليل برغبتة في الانتقال إلى القصر هذا اليوم وهي اعتذرت لتقوم بتحضير الجناح الخاص به , وغادرت سوزان لتأخذ قيلولتها المعتادة ولحقتها ابنتيها اسيل وريما وكذلك دينا , بينما بقيت رسيل في احد الغرف مع ميرال وميس .
قال سلمان وابتسامه تُزين محياه : يمّه ما شاء الله تبارك الله على ميرال بنت اخوي , ما توقعت انه من ظهور واحد لها بتلفت هالأنظار , مع اني ما شفتها امس بحفلتها بس أكيد انها كانت مثل الورده .
سرح فهد رغماً عنه بما حدث البارحة ومرت صورتها أمام عينيه , لقد كانت كالورده بحق , لم يُبالغ والده عندما وصفها بهذا ولكن ما فائده الظاهر ان كانت الأخلاق كالتُراب . جرجر أفكاره التي تنحني لمحنى خطير , منحنى التمتع بحُسنها الفتّان الذي بهره البارحة وجلب له الأرق وداس على هذا الانبهار بعُنف . انه يثق بجدته ويثق بحكمها على البشر فهي من قضت هذا العمر وتعرف كل شي من خُدع ومُؤامرات فهي من فتحت ذهنه على حركات دينا الملتوية والغير سوية , ربما يكون مخطئاً بحق ابنه عمه عندما يُصدق عنها كلام الناس دون ان يعرفها بنفسه , وهي التي تمتلك كل البراءه والطيبة , ولكن عقله يجبره أن لا يثق بالنساء " فكيدهنّ عظيم " مهما كان . وأرهف السمع لما يقولونه عنها الآن .
ابتسمت الجده بفخر : ايه وانت الصادق يا وليدي , وفوق كذه سنعه وذربه , هي الطابخه الغدا اليوم وكل من ذاقه مدح فيه , العاملة ماعاد اشوفها بالشقة ابد ولا عاد ودي اشوفها , من يوم جت وهي ماسكه كل شي ضيّ عيوني .
قال سعد بزهو في ابنه اخيه : ماشاء الله , ماشاء الله .
ونظر إلى ابنه فيصل وأردف : بس لو انّا عرفنا عنها قبل لا تتزوج وتعطي كلمه للعالم , كان ماحد غيرك تزوجها .
ابتسم فيصل وقال بهدوء : الحمدلله يبه مرتاح مع زوجتي , وامورنا طيبه وعال العال .
تنحنح سلمان , وعدل من جلوسه وقال : إلا على هالطاري , يمّه من صباح الله خير داق علي أبو منصور و ابو طلال , تعرفين ابو منصور صديقي من ايام المدرسة , وابو طلال بينا وبينهم شغل و طالبين ميرال لعيالهم , عاد الشباب اعرفهم من زينه الشباب , وش رايك .
اطبقت الجدة شفتيها بصرامة , ليس من المعقول بعد ان عثرت على حفديتها ينتزعوها منها بهذه السرعة , فهي لم تهنأ بها ولم تشبع من رائحتها . قالت بهدوء وهي مسبله اهدابها
: مضايقتك ميرال بشي يا ابو فهد ؟؟؟
قال بقوه : افا بس , وش بتسوي لي بنت اخوي , وتضايقني فيه ؟؟!
قالت الجده بهوء وغصه تملأ قلبها : طيب لا عاد تجيب هالطاري , هي ما صرلها الا اسبوع عندي , ما مدامي اشبع منها .
ابتسم سعد بوقار وقال : يا يمّه البنية مصيرها رح تتزوج وتروح بيت زوجها , ما رح تكون عندك باقي العمر , احنا مو مستعجلين على زواجها بنسأل زين عن التقدموا لها وما رح نرميها لأي احد مو مقطوعه من شجرة , وبنعطيها لأحسن واحد .
أومأت الجده برأسها و الحزن يغشى عينيها من هذه الحقيقة التي تعرفها جيداً , وكان فهد ينظر اليها بوجوم وليته يستطيع أن يفعل شيئاً من أجلها , ولكن لا يستطيع ان يحل جميع المشكال , ففي النهاية هو مُجرد بشر !!! .
*****
زقزقت عصافير الصباح تمُدها بالانتعاش , وتسلل ضوء الشمس الذهبي الوهاج بجماله ونقائه عبر الستائر الخفيفة , واختلطت انفاسها الزمهرير بعطرها الذي رشته على حُلتها الأنيقة بنطال يلتصق على ساقيها كجلدٍ ثانٍ لها بقماش مُطبع كجلد النمر يعلوه قميص أبيض ذو اكمام تصل إلى مرفقيها أظهر نحاله خصرها و اكتناز صدرها .
التقطت الفرشاه من حقيبتها , وجلست برقه على الكُرسي امام منضده الزينة البسيطة في الفندق , تُسرح شعرها الطويل الذي يتمايل كشلال غزيرعلى أكتافها وظهرها , سارحه بحياتها الجديدة.
ووجها مُتغضن بقلق شديد , من تفكيرها بالمستقبل وما سيحدث لها مع هذا الذي يُسمى زوجها ؟؟؟! .
كانت غافله عن عينيّ الذئب التي تترصدها قُرب الباب , وتتأمل حركاتها حركه , حركه , وتكاد أن تهجم عليها حتى تلتهما بتلذذ .
تنحنح بخشونه وهو يدلف لغرفه النوم , أما هي فقد انتفضت بفزع وقد أيقظها من افكارها التي شردت بها وقالت بحده
: عما ان شاء الله ما تعرف تدق الباب ؟؟؟ , فجعتني افرض وقف قلبي الحين وش بتستفيد ؟؟؟!! .
ازدرت ريقها وهي تراه بقربها , متى تقدم منها كل هذه المسافة دون ان تنتبه إليه ؟؟! , لأول مره تُركز بملامحه و شكله .
شعره فحمي كشعرها , انفٌ مستقيم , وحنكٌ مُريع بعظمتيّ خديّه اللتان تشبهان الازميل وغير ظاهرتين بوضوح .
تجعدت شفتاه باستهزاء أبرع به وقال : سلامه قلبك , ماتشوفين الشرّ .
صغرت عينيها , ولم تُدرك أن جسدها كان قد ارتعش لرجولته , فسبب تقطعاً في انفاسها , وتسارعاً في دقات قلبها , وقالت بعِلياء يليق , مُتجاهله كلامه بها : أبغى اروح عند أهلي , وبطمن عليهم ما حد يرد عليّ وقلقت عليهم .
أومأ برأسه وقال على مضض : مو مشكله بنروح لأهلي , ابوي مسوي عشا عشانا , وأكيد اهلك بكونوا هناك .
توجهت إلى الأريكة وهي تلتقط عبائتها , تهُمّ بارتدائها حتى أجفلها صوته الذي انطلق كرصاصه من فوه مُسدس , قال بشكّ : بتروحي بذي الملابس ؟؟! .
ارتفع حاجبها الأنيق باستفهام وقالت بسرعه : ايه بروح فيها .
اعتدل بوقفته الكسوله وقال بأمر صارم : ما في روحه فيها بدليها , وبعدين بنمشي مره ضيقه وأبوي بكون موجود وأعمامي بعد .
قالت بصوتٍ ساخط : معليش تراني ماني متفصخة , ولا رح اسمحلك تتحكم فيني وفي لبسي , هذا الناقص بعد !!! .
التفتت تتابع ارتداء عبائتها مُتجاهله له , وشعرت بريح قد مرت بقربها تنتزع منها العبائه وصوته الحاد يهدر بنفاذ صبر
: انا زوجك !!! , ومن واجبك انك تطيعي كلامي , اذا قلت مافي روحه بهالملابس يعني ما في روحه .
ثم نظر إلى قدها المشوق والأشبه بقد عارضه الأزياء وأردف بمكر : ملابسك ضيقه , لو ودك بمساعده وانتِ تشيلينها أتشرف اني اساعدك .
احمرّت وجنتيها بوضوح وهي تقول بقوه : وقح !!! قليل أدب أنا ببدل بنفسي , هالمره رح امشيها بس عشان ما ودي الوقت يضيع وانا مشتاقه لأهلي .
أومأ برأسه وهو يبتسم على خجلها الذي اظهرته حركاتها البلهاء , يقول بصوت مُرتفع حتى يصل اليها في دوره المياه : ترا عادي لو ودك تلبسينها قدامي ما رح اقول شي , اقدر اتفاهم مع ضيقها .
خرجت معه بعد ان نظر اليها من الأسفل للأعلى برضى , و علاوه على هذه الملابس المُثيرة التي ارضته و التي هدّت حزام الراحة الذي احاط نفسه به كلياً , كان صوت طرق كعبها ينخر اذنيه نخراً , عليه أيضاً ان يمنعها عن ارتدائه بالأماكن العامة .
*****
تتابعت تلك الايام , ومضت هذه الليالي , حتى غابت شمس هذا اليوم وأصبح المدى جمراً ورماداً في الأفق البعيد .
كانت تجلس بطريقتها المُعتاده , طريقه تتضح بها اناقتها ورشاقه ساقيها التي تُأرجح أحدهما على الأخرى بترفُعّ , قالت بهدوء دون أن تُظهر أي اختلاج من اختلاجتها
: إلا ان شاء الله ما اكون أزعجتك بجيتي المفاجأه وزياد هنا ؟؟؟!
ابتسمت ريما بلطف : أبد حبيبتي لا ازعجتيني ولا شي , اصلاً زياد مو هنا وكنت طفشانه وجيتي وسليتيني .
نهضت برقيّ وهي تهمس برقه : خذي راحتك البيت بيتك , بروح اشوف العاملة الجديدة ما تعرف شي هنا .
أومأت أسيل برأسها وقد حاشها الملل , لقد ظنت أنها ستأتي وتجد زوج أختها وتجبره على أن يتحدث إليها , فهو منذ عده اسابيع يتجاهلها وحتى انه لا يُجيب على الأرقام الغريبة التي تتصل منها وكأنه يُدرك انها هي من تتصل .
ماذا حدث لهم ليحدث معها ما حدث ؟؟! , هل هي سيئة لدرجه أنه لا يرغب بها ؟؟! .
أجفلها صوت باب الفيلا الذي فُتح على مصراعه . والتفتت برأسها حتى ترى زياد , و تتهوه شفتيها عن بعضهما ويخرج من بينهما هواء ضجيجٍ صاخب , وبريق سعاده قد توشح مُقلتيها وأختفى ذلك , عندما أشاح زياد برأسه وعاد ليُغلق الباب . لم تنتظر وانتفضت على قدميها حتى لا تتهوه منها الفرصة الوحيدة وقد جاءت إليها . هرعت إلى الباب لتفتحه بعنف دون أن تفكر بستر نفسها .
هذا الأمر لم يهمها من البداية ولم تكن حريصه عليه !!! , لو تُرك الأمر على عاتقها لما تحجبت وتركت العبائه في السفر !!! , ولكنها مُجبره على ذلك .
قالت بلهفه : زياد , استنى شوي !!!! .
تنهد بعمق وزفر ذلك النفس الذي خرج مُتحشرجاً من رئتيه , والهمّ يغلِبُه دوماً هذه الفترة , بسبب ملاحقه هذه الشيطانة له في كل مكان حتى وهو يتجاهل اتصالاتها وكل شيء من طرفها ,
لم ولن يُعطيها العُذر مهما كان فهي قد تكون لم تتجاوز السابعة عشر من عمرها ولكنها تعرف جيداً خطأها وتُدركه , بحق الله أنها طالبه بالجامعة !!! , لقد أخطأت عائلتها بادخالها مُبكراً للمدرسة وقد زادها الأمر غروراً وصِلفاً , وربما أخطأوا في تدليلها حتى تكون بكل هذه الوقاحة والعنهجية . توقف عن السير دون أن يلتفت لها وقال يهدر بحده
: نعم !! , وش تبين مني ؟؟! مو قلتلك ماعاد أبغى أعرف أي شي عنك !! , ما عندك كرامه .
ارتعشت شفتيها ولعقتهما وهمست باختناق تعرف تأثيره عليه : زياد تكفى , لا تعاملني كذه ممكن أتحمل هالمعامله من أي احد إلا انت !! .
عقد حاجبيه من نبرتها التي تؤثر به سابقاً , وقد تجاهلها لافظاً باستهجان : تستهبلين انت !! , كيف بعاملك وانت ناويه تخربين حياتي وتشتتي عيلتي وأطفالي وزوجتي ؟؟؟!! , قال بسخرية مريره , اكيد ما رح تتوقعي أعاملك مثل أميره او حتى مثل أخت .
هزت رأسها بعنف وقالت باستنكار : أنا كنت أميرتك دايماً لسنه , كنا نتكلم مع بعض وكنا مبسوطين , وعمري ما رح اكون أختك انا مو أختك !!! , انت بعتني وتزوجت اختي وكسرتني .
لقد أخطأ سابقاً عندما خان ثقه عائله الكاسر وبات يتحدث مع أسيل لمده سنه كامله ظن نفسه مُغرماً بها ويميل إليها ,
وإذ بها كانت تغويه فقط وتُعجبه ظاهرياً وكانت بقمه حيويتها , أما اخلاقها فهي سيئة ولا تُطاق فقد كانت تكشف اوراقها دون أن تنتبه في بعض الأحيان وهو ليس بمُغفل ليعرف صُغر عقلها .
الله يُعاقبه الآن على خيانته لهذه العائلة الطيبة , التي احتك بها بعد زواجه من ريما , و يُخطئ الآن ويخون زوجته بوقوفه معها والتحدث إليها , لذلك هتف بصرامه
: خلاص يا بنت الناس !! , لين هنا وكافي , البيدك وتقدري تطوليه سويه , اما فكره اني اخون زوجتي معك وهي على ذمتي فهاذي انسيها , وحتى ولو صار وطلقتها مستحيل أكون معك بيوم , التفكري فيه مستحييييل !!! .
عقدت ذراعيها , وهي تُحدق بظهره وقالت بهدوء يختبئ خلفه الكثير , فهذه المره الأولى التي تراه عن قُرب لهذه الدرجة , كان طويلاً و كتفاه الضخمان يرتفعان ويهبطان بعنف متناغم مع عنف انفاسه , لقد أثارت جنونه وسخطه وهذا ما ارادت الوصول اليه
: ما يهمني تكون معي , ممكن تحافظ على زوجتك لو تبغى , بس ترجع تكلمني مثل اول وانا اوعدك ما اسوي شي ولا امسك عليك شي واهددك فيه , لأنه لو طلقتها أنا ادري انه مستحيل نكون مع بعض يعني أهلي ما رح يرضوا يزوجوني لك وانت تارك اختي , ولّا !!!!! .
اتسعت عينيه بحده من جرأتها وقذارتها , وهي بهذا العمر وقد فعلت الأفاعيل به , فكيف بها عندما تكبُر , صدق من قال وأنّ النساء كيدهنّ عظيم , قال بتحفز : وإلّا ايش بتسوي مثلاً ؟؟! , تهدديني أنت ووجهك ؟؟؟ .
ابتسمت بتهكم : رح ابذل كل وسعي أنه ريما تعرف أنك تخونها , وأكيد ما رح أكون أنا بوجه المدفع , المهم تتطلق منك وتعرف قذاراتك من يوم كنت تكلمني فيه , ومسوي نفسك المطوع التبت عن ذنبك !!!!!!! .
مالت شفتيه بالتواء غضب , وقبض على قبضتيه حتى ابيضت سلامياته , ونفرت عروق ذراعه من الغضب , وقال بقوه وهو يُقسم أنه سيُحارب من أجل الحفاظ على أسرته الصغيرة من هذه الشيطانة : الماتطوله يدك , الحقيه برجلك رايح جاي .
تحرك بخطواته , ينهب الأرض نهباً , والغضب قد ملأ عينيه , بينما كانت أسيل تصيح في اثره وقد غامت عينيها بالدموع , تُناديه داخل قلبها لأن يعود ويصفح عنها ويستمع إليها .
أجفلها همس ريما تقول بتعجب : أسيل بِسْم الله عليكِ وش تسوين هنا , في أحد دق الجرس ؟؟ .
قالت اسيل بذهن مشوش : هاا ؟؟ , لا بس فكرت في أحد دق الباب وما يدري انه في جرس .
التفتت على أختها , تردف بعينين حاشهما الاحمرارا من كتمها الدموع : أنا صار لازم اروح , دق عليّ ابوي وقال اني تأخرت , يلا مع السلامة .
غادرت المنزل تحت إستغراب وتعجب ريما من حالها الغريب , وهي لا تعرف ما الذي جرى لها , وقتلتها الدموع التي تُحاول كتمها , هناك ما يحدث لأختها وترفض التصريح به , كل ما تتمناه أن تكون بخير وتملأها السعادة وكفى , لا تُريد اكثر من ذلك فهي لا تُحب رؤيه الحزن والهمّ على ملامح اخوتها جميعاً .
ألا يا ليت الزمن يعود حتى تعرف حقيقه هذه الاُخت البائسة , لما تمنت لها السعادة , فتلك الدمية الحمراء لم تفكر بها ولا للحظه وهي تخونها وتطعنها بظهرها , الطعن في الظهر مؤلم للغاية عندما يكون من الأقراب , ألا يقولون " انّ الأقارب عقارب " .
*****
جاء شهاباً عند الليل أضاء السماء ببريقه في عتمه الديجور , والقمر يضوي وسط السماء السرمدية , والنجوم تُزين السماء .
ابتسم بسكون , لذلك الضجيج الصاخب الذي يخرج عبر افواه اصدقائه الذين يتبادلون احاديث متفاوته وكل ثنائي منهم يتناقش بموضوع اهم من الآخر .
انه مكان آخر يجد به راحته بعيداً عن مشاكل زوجته التي لا تنتهي , وصوتها المُرتفع كهزيم الرعدّ .
أجفله أحد أصدقائه الذي يجلس بقربه ويُعد من اصدقائه المُقربين للغاية , يربت على كتفه بما يشبه الصفعة
: إلا الفهد وين سرحان آخر الليول ؟؟! لو مشتحن " مشتاق " لزوجتك عاد الشكوى لله لين نشوفك المره الجايه , انت يلا تنشاف وأكيد المدام بعد مشتاقه , روح بس وريح راسك بدل ذا السرحان وعقلك بعيد .
قهقه فهد بإتزان , دون أن يُظهر لأي أحد تلك المراره التي تشرخ حنجرته , و طعم الصدأ الذي يملأ حلقه , وقال يُحوِّر الكلام
: إلّا انت المتى ناوي تهجد وتركد ؟؟! , بدل ما تهيت بالشوارع تالي الليل , وترجع ترتاح في بيتك عند زوجتك وعيالك .
غصّ حلقه عنما ذكر امر الأطفال , قد يكون لا يُحب الأطفال ولا ازعاجهم كثيراً !!! , ولكن ليس هناك رجلاً لا يتمنى أن يكون له أطفالٌ من صلبه ودمه , يحميهم , يُداريهم ويكونون عوناً له .
انه فقط يمنح نفسه الصبر حتى تَحْمَل زوجته , ولا يفتح معها هذا الموضوع كثيراً حتى لا يجرح مشاعرها , فهو متأكد من سلامته في كل سنه تمر يقوم بفحصٍ شامل ونتائجه دوماً تأتي سليمه , فلهذا ليس لديه إلا الصبر والتوكل على الله .
رفع يوسف كفيّه ومال برأسه بمرح وقال باختيال
: خلاص اجل بخلي هالموضوع عليك وأنا اثق فيك وبذوقك , ويا بخت مين وفق راسين بالحلال .
اتسعت عينا فهد وهو يُدرك ماذا يقصد صديقه .
إن كان هو لم يتوفق في أي زواج من زواجاته الماضية , فكيف يُريد منه صديقه المُقرب ان يختار له زوجه ؟؟؟
وهو يجد نفسه وجه شؤم في موضوع الزواج , لا يمكنه أن يُجازف بذلك ويُغرق صديقه مع امرأة لا يعرف كنَهها , فقال بصرامه , واقترب حاجبيه من بعضهما
: أنا مالي شغل , طلعني و لا تدخلني في هالموضوع أبد , وبعدين يوم تصير مشاكل مع زوجتك تدْعِي علي الدليتك عليها .
يوسف : أفا بس , ماعاش مين يدعي عليك يا الحبيب , اجل خلاص نأجل الموضوع شوي مو مستعجل توني .
قطب فهد جبينه وقال مازحاً : وين توك وانت بتشيب وتطق الثلاثين بعد كم شهر .
قال يوسف وهو يحسب على اصابعه بمرح : ابد يا الخويّ بعد كم شهر , بصير ثمانيه وعشرين تنوي ما فاتني القطار مثلك وشيّبت , وانت تزوجت بدري مره مستحيل أتزوج وانا سته وعشرين .
هز فهد منكبيه يُعدل جلوسه ويقول بهدوء
: وانا كنت أدور راحه البال والاستقرار , والحمدلله على كل حال .
ابتسم له يوسف بموده , وهو يدعوا له بداخله أن يهون عليه مشاكله ومصائبه , فهو يعرف انه صديقه المُقرب لم يعثر على هذه الراحة التي يلتجأ إليها , ولم يجد هذا الاستقرار الذي يتقصَّاه , وربما هذا الأمر الذي يجعله يتريَّث قليلاً بموضوع الزواج وألّا يُعجِّل به
,
دخل إلى منزله بعد أن أسعد نفسه بعض الوقت مع اصدقائه ورفه عن نفسه , قبل ان يعود لوحدته في غرفته الفسيحة , داخل فيلا صغيرة يعيش بها لوحده مع والدته الحبيبة بعد أن فقد أخيه .
ضجيج الراديو القادم من المطبخ , ظلام المكان ودفئه و الأصوات المعدومة حلوه والتي تدل على الحياة , وكأن والدته خلدت إلا النوم , أراد الذهاب إليها ليطمأن عليها فليس من عادتها ان تنام قبل ان يعود إلى المنزل وتطمأن عليه , ولذلك كان يعود مُبكراً حتى لا تسهر من أجل انتظاره .
اعتلى عتبات الدرج , واجفله صوت والدته القادم من غرفه الجلوس , والمُجعد من كبر السنّ
: يوسف !!! .
نزل بهدوء يقول بتعجب : بِسْم الله يمّه وش فيكِ جالسه بالظلمة ؟؟؟! , فيكِ شيء ؟؟! , تشتكين من شيء ؟؟!
فتحت ضوء المصباح بقربها , وتطلعت إليه بعينين مُصغرتين وكأنها تقوم بدراسته قبل ان تُفجِّر قنبلتها أمامه , وقالت بتأهُب
: لا يمّه ما فيني إلّا العافية , تعال اجلس اول , واعطيني الأمان و اوعدني ما تعصب ولا ترفع صوتك عليّ !!! , عشان اعطيك العلوم .
ازدرد ريقه وقال بهدوء ظاهري : ينقص لساني يمّه يوم ارفعه عليكِ , قولي يمّه قولي الله يستر .
قالت والدته : اول شي , انت كنت مع الفهد ؟؟! , وش علومه ؟؟!
يوسف بنفاذ صبر , وهو يشعر بأمر سيء قادم لا محاله : ايه , ايه كنت معه , الحين ماعليك منه ومن علومه يزقح , وش بسوي يعني ؟؟؟! .
فركت كفيّها بحِجرها وكأنها قد ارتكبت جُرماً ما , وهمست وهي تنظر لكفيها اللذان تقشر جلدهما من الاحتكاك : طيب , انا اليوم تحمست بالمره وخطبت لك رسيل الصغيرونة , اخت الفهد بدل توأمها القشرا ما حبيتها .
لا يرى امامه إلا الضباب , أم انه يتخيل هذا الضباب ؟؟! الذي يغشى عينيه .
تأوه بصمت هزّ اعماقه , وفُرجت شفتيه ليمُر الهواء عبرهما صاخباً مُرتعشاً , ليُسبب تقطعاً بأنفاسه وتسارع في دقات قلبه , من هذه القُنبلة التي القيت على رأسه .