لا تلهيكُم عن العبادات والطاعات
ما شاء الله تبارك الله
للكاتبة
AURORA
..
الفصل الثامن
والشمس جاءت بالإشراق كما زقزقت عصافير السماء أغذب الألحان , والبحر زينه أثر أرجواني طفيف تركته أشعه الشمس الدافئه على صفحه المياه الساكنة .
بينما تسللت أشعه الشمس البلورية من خلال أنسجه الستائر الخفيفة للغرفة البسيطة بديكورها وتصميمها .
كانت ترمش بعينيها علامه على استيقاظها , وكما هي العاده لم ترى أمامها غير السواد القاتم . تحركت قليلاً بمضجعها حتى ارتطمت بشيء صلب كالحجر , قامت بتحسسه بكفها وهي لم تستعد وعيها بعد . وحدقتيها تتسع تلقائياً عندما لمست شيء ما أدركت أنه الفم والأنف المُستقيم كنصل السيف , حتى تيبست كفها بمكانها .
كان هو على الطرف الآخر وقد استيقظ قبل رُبع ساعه , يُحب دوماً فور أن يستيقظ , أن يبقى مُستلقياً على السرير حتى يستعيد وعيه ويمنح روحه النشاط كما يتنفس بعمق رتيب . تفاجأ بكفين ناعمتين تقوم بتحسسه باستغراب , وأدار رأسه وحسب , يتأمل مُتسلياً تقلُبات تعابير وجهها الجميل عن قُرب , فور ان ادركت بأن من تلمسه لم يكن غيره هو .
شهقت برعب وانتفضت للخلف مذعوره , وهي تعلم جيداً انه مستيقظ من حركته على السرير وصوت انفاسه المُلتهبة تهدر من انفه كتنين , حتى أحرقت اناملها التي لامسته .
ضمت كفيها لصدرها ولا تعرف كيف تتصرف , وسمعت نفس تلك النبرة الغليظة المختلطه بالحنان , وكانت قد جاءت بأجلها في ذلك اليوم بالمشفى , فكيف الآن وهو بقربها وستسمع هذه النبره الرخيمة دوماً , إلا أجل غير مُسمى ؟؟؟!
: همممم صحصحتي ولا بعدك دايخه من النوم .
همهمت بهدوء واشتعلت وجنتيها بدفئ : لا صحيت , خلاص .
ارتفع حاجبيه الأنيقين وقال بعبث : يعني مستوعبه الحين اني زوجك من أمس , وماله داعي ذا الشهقة والخوف .
- ما خفت !! , بس استغربت كنت توني قايمه واستوعبت الحين !!! .
- هممم واضح على شكلك أصلاً توك قايمه !!! .
فغرت شفتيها قليلاً , بشهقه مكتومه , وهي تُرتب شعرها المُشعث من النوم , بخجلٍ شديد .
ابتسم بهدوء . والتفت عاقداً حاجبيه من قليل الذوق الذي يتصل به بهذا الوقت , التقط هاتفه بقبضته وأجاب بفظاظة
: أصبحنا وأصبح الملك لله , وش تبي من صباح الله خير ؟؟!! .
على الطرف الآخر , كان يحشر الهاتف بين كتفه وأذنه , بينما يُغلق أزار قميص حُلته الرسمية للعمل , وقال بصرامة ولهجة حاده
: أقول أذلف بس , هذا جزاتي متصل بقولك آخر الأخبار , بس ما تنعطى وجه !!! .
عبس فيصل بحاجبيه
: وش عندك من الصُبح وانت تدري اني عريس .
ابتسم فهد بقسوة يهتف
: أهااا !! , قلت لي عريس أجل , صباحيه مباركه , بس أول مره اشوف عريس بروح لدوامه .
- تدري صار كل شي فجأه وباخذ اجازة اليوم , إلا ماقلت لي وش صار ؟؟! ليه متصل ذا الوقت ؟؟! .
قال فهد , يُمرر لسانه على شفتيه , ويضع لمسته الأخيرة برش العطر الثقيل على حُلته
: بنت العم , صارت عند جدتي البارح .
رفع فيصل جذعه وجلس بإهتمام , والمُلاءات مُشعثه من حوله وقال بهدوء
: متى صار هالحكي ؟؟! وليه ما حد علمني ؟؟! .
قال فهد باختصار
: أمس دق علي جارهم وخبرني برجعتهم ورحت لهم مع ابوي وعمي وجبناها , بقولك التفاصيل بعدين , الحين أنا مشغول عندي رحله , يلا سلام .
اغلق الخط بوجهه , وكان فيصل يُحدق مبهوتاً في هاتفه , ثمّ نظر لزوجته وقال بهدوء
: اليوم ان شاء الله بتجي عامله الظهر , عشان تنظف البيت وتساعدك , أنا بطلع لدوامي و أخلص شغلي المهم وأخذ اجازه وأجي ما رح أتأخر ان شاء الله , واليوم بإذن الله بنمر بيت جدتي عشان تتعرف عليك وتتعرفي على بنات عمي وهم بعد أخواتي بالرضاعه ما عدا وحده منهم جت تعيش عند جدتي من أمس لها قصه طويله , يحكوها لك البنات بس نروح هناك .
توترت وهي تفرك كفيها باضطراب اتضح على ملامحها , لم تكن تستطيع ان ترا ملامحها وكميه الرُعب التي اجتاحتها كما فعل فيصل , عندما ذكر امر الخروج للعالم حيث النور .
فهي لم تخرج من قوقعتها أمام الناس إطلاقاً , وكانت طوال الوقت مدفونه بالظلام في منزلهم المُهترئ القديم , كانت تخشى الخروج والخوض بين الناس , كانت تخشى استهزائهم وسخريتهم منها وهي لن تتحمل ذلك , قلبها ضعيف لا يتحمل !!! .
قال فيصل بنبرته الرخيمة التي آلمت قلبها
: بسم الله عليك , وش فيك ؟؟! .
تجرأ وهو يقترب منها يلتقط كفيها بين كفيه الخشنين , حتى شعرت بالأمان وقالت بخوف , وهي تبدأ بالارتعاش
: ما ودي أطلع !!!! .
ارتفع حاجبه بتحفزّ , واخفضه بهدوء عندما أردفت
: أنا أخاف من زمان ما طلعت من بيتنا بسام ماكان يرضى أطلع لمكان عشان لا أفشله , وأول مكان طلعته كان معك لما رحنا المطعم , كنت خايفه وخجلانه مره وما قدرت أقولك اني مو متعوده اطلع بحالتي هاذي !!! , ما اقدر اكرر التجربة المحرجة مره ثانية صعب علي .
أطبق فمه بصرامه , وكم يشعر بالغضب على ذلك الرجل القذر من يُسمى بأخيها , على ما سببه لها من رعب في الخروج من المنزل .
قال بهدوء وهو ينهض عن السرير
: ماعليه لا تخافين بكون معك بس نطلع , وبكون كل شي تمام في البيت بس تجي العامله , أنا متأكد اخواتي رح يوقفون معك ولا رح يصير شي بالعكس رح تتسلين معهم .
توترت شفتيها ودكعتهما معاً بوجوم , ثم أردف فيصل بصوتٍ حريري
: لازم تواجهي الواقع وتقوي نفسك وتطلعي من هاذي الشرنقه وتعرفي وش صار بالعالم من حولك !!! , حتى لو ما قدرتي تشوفي بعيونك في نِعَم ثانيه ربي أكرمها لك , الشمّ , السمع والحمدلله جسمك سليم تقدرين تمشين وتمسكين الأشياء , لا توقفين حياتك عشان نعمه وحده بس سلبك ياها ربي ووحده القادر انه يرجعها لك , ولا تنسين انه في ناس من لما تولدوا وهم ما يشوفون ومع ذلك مستمرين بحياتهم وناجحين فيها .
توجه إلى خزانه الملابس حتى يُخرج ثياب عمله والتفت لها , ينظر لها ويميل برأسه قليلاً وقال مُمازحاً
: وبعدين على حسب ما سمعت في دراسات تقول , الحبسه بالبيت رح تسبب لك الجِنان .
هزّ منكبيه مُسبلاً أهدابه , وكأنها تراه
: عاد وانت حُره لو جاك الجنون مالي دخل .
أما هي فكانت ترتكز بركبتيها على السرير الوثير , و
تضع كفيها على رُكبتيها كطفلٍ صغير , ورمشت كثيراً برموشها منذ أن بدأ كلامه .
قفزت مُجفله عندما سمعت صوت إغلاق بابٍ قريب منها , وخمنت انه باب دوره المياه .
رق قلبه لاهتمامه بمشاعرها , رغم ادراكه بأنها لن تراه فانه احترمها وقام بتبديل ثيابه في دوره المياه , ومع تأخره أدركت بأنه يستحم .
خرج فيصل وهو يرتدي حلته الطبية الزرقاء بدون المعطف الأبيض , من حراره الجو التي ستقتله لو خرج به الآن , فاكتفى بوضعه على ذراعه , قال وهو يُخلل أنامله بين شعره يمنحه بعض الحيوية
: ها فكرتي بالقلته ؟؟؟! , ولا بعدك مصره يجيك الجِنان وانت هنا لحالك .
ضحكت بخفه كما احمرّت وجنتيها , وقد فتنته ضحكتها الناعمة , بحق الله !!! , ألا تفتنه وهو برجل حُرّ وهي امرأته وحلاله ؟؟! .
قالت بهدوء واشتعلت عينيها بالتصميم
- طيب موافقه , رح اجي معك .
- تمام , انا جهزت لك ملابسك بالحمام عشان لا تدوري عليها وبروح الحين أجيب لك فطور , في شي معين تتسلي فيه أجيبه معي و لا .. .
حركت يديها بقوه وهي تقول
: لا لا , عادي اقدر اتصرف لا تتعب نفسك وتجيب فطور في كرسون وحلويات بالدرج الجمبي , أمشي حالي فيها .
عقد حاجيبه يُفكر بأن يأخذها الآن لجدته , فهي الوحيده التي ستكون حنونه عليها مع والدته بالرضاعة , كما أن رسيل بمرحها لن تؤذيها كما ستفعل أسيل , ولكن تراجع عن قراره فالوقت ما يزال مُبكراً للغايه كما انها ليست معتاده عليهم , ويُفضل ان يكون معها عندما تتعرف اليهم , وليس لديه الوقت لذلك الآن !!! .
قال بهدوء مُتوتر خائف عليها , وهو يخرج من الباب
: طيب أنا بحاول ما أتأخر أبداً , وبجي ان شاء الله قبل لا تجي العاملة .
ابتسمت ويا للغرابه فهي تشعر بالأمان , صوته الرخيم وهو يبدو خائفاً عليها , اهتمامه بها وحرصه الشديد على راحتها ,
طمئنتها بأنه سيكون هو منارتها حين تضيع , وأنه سيكون شمعتها التي تُضئ لها الطريق , وسيكون هو صوتها حين تُريد النِداء .
*****
جلست أمام طاولة الزينة ويلتف على جسدها مبذل من حرير , ووجهها مُحّمر من شده البُكاء طوال الليل , حتّى أن النوم لم يصل إلى عينيها الحمراوتان .
لا تُصدق أن ابنها بِكرها وفرحتها الأُولى قد فعلها حقاً , وتزوج البارحة وفي غفله منها دون أن تعلم , وإن لم تنتظر زوجها في الفِراش لما علمت بزواجه إلا هذا الصباح !!! .
زواجاً هي ترفضه بقوه و بكل المقاييس ,
كانت قد تتغاضى عن حالتهم الإجتماعية التي ستُسبب لها الإحراج و بالتأكيد لم تكن ستقبل بسرعه , ولكنه يبقى هيناً جداً مُقابل أن يأخذ امرأة ضريره أيضاً بدل ان تعينه في حياته ومنامه يقوم هو ابنها الحبيب فيصل بن سعد الكاسر بالاهتمام بها .
كيف يستطيعون هؤلاء الفتيات وضع براثنهم على أولادهم بهذه السهولة ؟؟!! كيف ينجحون بجذبهم بهذه الطريقة للزواج ؟؟!
, بل اولادهم الحمقى , كيف يقعون بمثل هذا الفخّ الوضيع ؟؟!
أسبلت أهدابها تُداري دمعتها من النزول , فما حدث قد حدث ووقع ابنها صريعاً لزواج غير مُتكافئ الأطراف , لم يستمع لها ولا حتى لكلامها تجاهلها وتجاهل تهديدها وكسرها !!! , كسرها كما لم يفعل من قبل !!! .
أُجفلت من كفيّن خشنتين حطتا رحالها على أكتافها , نظرت للمرآءه أمامها حتى ترى زوجها , ينظر لها بنظرات صامته , كانت ملامحه غير مقروءه لها , وسمعت صوته الوقور يقول
: انت الحين بتخليني أندم العلمتك انه فيصل تزوج أمس
تنهدت بحزن وقالت : أكيد بتقولي وما كنت رح تخليني غافله وأدري من الأغراب , مو غابني " قاهرني " إلا أنك رحت معه بعد وزوجته بنفسك وكنت وليُّه .
مرر لسانه على شفتيه وهمس بصوت وصل إلى اُذنيها
: ما كان عندي نيه أني اخسر ولدي وأرفض واهاجم بهذي الطريقة رح يعنّد ويصر على قراره أكثر وأكثر ولا رح يحسب لنا حساب يعني الشغله عنده بتكون بس عنّاد , أنت قلبك قلب أم ورح تتأثري من زواجه بهاذي الطريقة طبعاً وما ألومك , بس اتمالكِ نفسك بأسرع وقت ممكن , ونصيحتي لك لا تبعدي ولدك عنك وتنفريه منك هو على باله اليسويه صح !! , قربي منه وأكسبيه وخلي هالبنت عندك قدام عيونك ومثلي انك متقبلتها وانه الأزعجك طريقه زواجه وأنك كان ودك تفرحي فيه بفرحه كبيره , ماتدرين وش ممكن تسوي فيه بس يكونون لحالهم .
تشتت أنظارها بالغرفه , ثم حطت عيناها على عينيّ زوجها المُصمم , وقالت ببهوت
: يعني تقول أجيب بنت ابليس عندي لبيتي , بين أهلي وناسي .
أومأ برأسه موافقاً : إيه بالضبط خليها عندك , هي أصلاً ماتشوف راقبيها وشوفي وش نيتها , وايش تبغى منا ؟؟؟! , ورح يسهل علينا نطلعها من حياتنا ويطلقها فيصل بارادته وبدون ضغط .
- بس هو يحبها اكيد , ولا ماتزوجها شلون رح يتركها ؟؟! .
هنا قد التوت شفتيه بابتسامه خطيره وقال باصرار
: لا يحبها ولا شي !!! , من يوم جاب سيره انه يبي يتزوج من مريضه عنده , رحت بنفسي للمستشفى استفسر واسأل والممرضه السعودية العنده قالتلي وش السالفة من اولها , لأنها كانت حاضره كل الدارما الصارت هناك .
اتسعت حدقتيها وزوجها يسرد عليها كل ما حدث , وختم حديثه قائلاً
: يعني فيصل الحين , حاس بالمصيبه الطيح نفسه فيها , وهو في أشد حالات ضعفه الآن , نكسبه احنا لصفنا ونخلي العدو في ملعبنا دامه ضعيف ومجروح عشان يسهل علينا نتخلص منه .
التمعت عينيها ببريق السعادة , وهي تُدرك كل شيء , وكأنّ هذا التحليل كان منطقياً لأن ابنها قد اخبرهم فجأه وبدون سابق انذار عن رغبته في الزواج ,
كانت تعلم ان ابنها يُريد ابنه عمته ملاك وقد كان يُلمح لها كثيراً من قبل , وكانت تتجاهله فتلك الفتاه لا تروق لها وتشعر بأنها سيئة لا تليق بابنها ,
فهي المرأة التي تختلط بالنساء والفتيات في العائلة وخارجها ولم تكن تعجبها بحركاتها وثيابها الفاضحة للحياء ... .
أجفلها زوجها وقاطع تسلسل أفكارها , عندما قال وهو يهُمّ للخروج من جناحهم الضخم الذي يبدو اشبه بشقه مُصغّرة
: البسي واستعدي , بنروح نتغدا الظهر عند امي عشان ميرال , وبعد فيصل وزوجته بيجون لا اوصيك عامليها زين حتى ولو بتمثيل .
أومأت برأسها وهي تعرف ماذا ستفعل تماماً ؟؟! , وكيف تتخلص من هذه العلقة التي دخلت لحياتهم و تمُصّ دم ابنها !!! .
*****
زفرت ثاني أوكسيد الكربون بتعب هدّ أطرافها , وجلست على الكرسي بالمطبخ , تتنفس بعمق نفساً هادراً بلا هواده , وحبتيّ الفيروز تُحدقان بشرود أمامها , ونبضات قلبها تهدأ تدريجياً .
ربااااه المنزل مُتسخ للغاية , فما ظهر منه أمام العين هو ماكان نظيفاً تقريباً , أما الأشياء المُختفيه عن العين فهي تعُجّ بالغُبار والأوساخ والقاذورات , قامت بتنظيف الشقة الكبيرة جيداً فور ان استيقظت مُبكراً كالعاده ,
والنوم بحضن جدتها جلب لها شعوراً لم تشعر به في حياتها , حتى تنام كما لم تنام من قبل , لم تكن معتاده على القذارة وزوجه خالها كانت تجبرها على التنظيف كل يوم , وكانت تشعر بالأغبره وتشتمّ رائحتها حتى جلبت لها الحكّة بجسدها .
أما الآن فهي تشعر بالراحة التامة فعلاً وهي تشتمّ رائحه النظافة , النفاذة بوضوح .
ابتسمت لجدتها بحب , وهي تراها تخرج من غرفتها ورذاذ ماء الوضوء يتقاطر من وجهها وكفيه , مُستنده إلى عصاها الخشبية , هرعت إليها حتى تُساعدها على المشي .
جلست الجده بتعب تلتقط أنفاسها المُتناثره , خطوات قليله بين غرفتها وغرفه الجلوس أدّت لإنهيارها , وكأنها كانت تُسابق في سباق الماراثون .
توازنت أنفاسها أخيراً , بينما كانت ميرال بجانبها عابسه الملامح خوفاً عليها , وقد طرق الخوف أبوابه لقلبها الرهيف ,
هل يُمكن أن تخسرها بعد أن وجدتها أخيراً ؟؟! , لم يعطف أحدٌ عليها و لم تذق طعم هذا الحنان والدفء إلا في أحضانها , لقد كانت غريبه كلياً عنها ومع ذلك فقد استقبلتها جدتها الحبيبة بأحضانها دون أن تتأكد من تحاليل الحمض , وكأن قلبها كان دليلها , وأسفاه على هذا القلب الضعيف و كان الغُرباء أحنُ عليها من الأقربون , هي لا تُريد خسارتها أبداً ليس وقته لخسارتها ولن يكون !!!! .
قالت بوجوم
- جدتي خليني اوديك المستشفى شكلك تعبانه .
- لا يمه ما عليك أنا بخير , أصلاً عيالي كل شهر شايليني وموديني اسوي فحوصات وخرابيط مدري وش هي , يقولون عشان صحتي لازم نشيك كل فتره .
أغمضت عينيها وأختبئت حبتيّ الفيروز تحت جفنيها , وتنهدت بعمق
: الحمدلله يا رب المهم انك بخير , مو أي شي ثاني .
ابتسمت الجده بخفوت وهي تُمسِّد فخذها
: ما بقى من العمر إلا الراح يا بنيتي , عشت وشفت في هالدنيا وشبعت عويناتي من كل شي , الأبيه بس أشبع منك أنت وباقي أحفادي , ولو ربي كتب لي عمر أشوف عيالك وعيال أحفادي كلهم .
مدت ذراعها للأمام بدون اهتمام , وأردفت
: وغير كذه ما أبغِي شي من هالدنيا .
كحبتيّ تُفاح اصبحت وجنتيها و همست بخفوت
: ان شاء الله تشوفي أولادهم .
التفتتا نحو باب الشقة , الذي بدا يصيحُ مُناجياً ليفتحه أي أحد , كي يدخل الطارق الفظ الذي يقف خلفه ويطرقه حتى آلمه .
نهضت ميرال بنعومه تتوجه نحو الباب وتهمس بصوتها الرقيق
: مين على الباب ؟؟؟! .
انفجرت ضاحكه وهي تسمع صوت ابنه عمها رسيل , تقول ساخطه وبسرعه دون أن تصمت
: هاذي أنا من بكون يعني ؟؟! حرامي مثلاً بيستأذن يدق الباب , فكي الباب خلصينا مت من الحرّ , أعوذ بالله وش ذا جهنم مو ديره .
دخلت رسيل تولول , وتلعلع كالرعد , حتى كُتم صوتها فجأه على صوت الجده الحاد
: رسيلوه ووجع ان شاء الله , انت وذا الصوت تقول صوت بعير " جمل " , خير ان شاء الله وشوله تصيحين على هالصبح ؟؟! .
وضعت ميرال كفها تُغطي فمها وتكتم ضحكاتها , نظرت لها رسيل بطرف عينيها المُلتهبتين بالغضب وهي تتوعدها , وبدون أن تنتبه الجده على حركتها , جمعت اصابعها بحركه تهديديه صريحه .
ثم قالت ببراءة
: ما سويت شي يا جده بس الجو حر وانا ملطوعه بره , المهم ما علينا , فيصل دق قال بعد الظهر بيجي هو وزوجته وانا انصدمت صدمه عمري , الأخ متى خطب ؟؟! , عشان يتزوج كذه فجأه وليه ما درينا ؟؟؟! .
لوت الجده شفتيها وقالت بهم من المشاكل التي ستأتي العائله من والدته بسبب فعلته الشنيعه دون أن يُفكر
: تزوج أمس , وليه مافيه زواج ؟؟! , لأنه الماخذها فقيره على باب الله , وبعد ضريره الله يشافيها يا رب , عاد هالله هالله فيها ما اوصيكم عليها حطوها بعيونكم مهما يكون , البنيه مسكينه وداخله على غُرب وغير كذه ما تقدر تشوفنا .
كانت رسيل البارحة قد أخبرت ميرال عن شجره العائلة الصغيرة , وعلمت ان فيصل المقصود هو ابن عمها سعد المرح الذي كان يُلقي عليها النِكات البارحة ومع ذلك لم تُخفي هاله الهيبة من وجهه الوقور , وحزنت كثيراً لحاله زوجه ابنه فهي تشعر بها وبوضعها وكميه إحراجها فهي لا تقل إحراجاً عنها وقد دخلتا للعائله بآنٍ واحد .
قالت بهدوء وهي تغسل الأطباق في المطبخ
: ولا يهمك يا جدتي رح انتبه لها عشان ما تأذي نفسها .
رسيل : وانا بعد بنتبه لها , وفيصل انا بوريه زعلانه منه حتى ماعلمنا انه تزوج , كذه علطول بالسر .
قالت الجدة
: لا تخافين يا المطفوقة " المستعجله " أبوك قال بنسوي حفل استقبال كبير عشان الكل يدري ببنيتنا ميرال , ومره وحده يكون إعلان لزواج فيصل , عشان حاله حرمته ما تسمح لطنه ورنه كثير , وامك هي البتتصرف وتمسك كل شي .
مطت ذراعيها بالهواء وهي تشعر بالفرحه العامرة وتصرخ
: وااااااااااااااااااااو , يعني بكون في حفل كبير وناااااسه .
كانت تقفز كالمجانين وهي تُعانق ميرال بقوه وتدور معها تعبيراً عن فرحتها , وميرال تضحك على حركاتها فالبرغم من مرح ساره إلى انها لم تكن بهذا الجنون كابنه عمها الظريفة .
همست الجده بيأس , وكفيهاّ تحُطان بين ركبتيها وتهز رأسها بأسف
: يا رب ثبت علينا العقل والمِنّة , ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .
,
جلست العائلة على طاولة الغداء , ولم يتركوا هذه العاده منذ زمنٍ طويل , يحبون الاجتماع كل اسبوع أو اسبوعين حتى لا يقطعون صله الرحم بينهم , ويحمدون الله أن قلوبهم على بعضها لا يُوجد بينهم غلٌ او حقد , إلا من بعض الغيرة التي تظهر في بعض الأحيان .
قال سعد موجهاً كلامه إلى أخيه الذي يجلس يمين والدته وبجانبه زوجته بحجابها
: إلا يا سلمان وين ولدك الفهد , ماعاد ينشاف !! .
قال سلما بابتسامه وهو يلتقط قطعه اللحم بشوكته : عاد تدري شغله مو بهاذي السهولة , مسافر هو الحين برحله داخليه بيرجع اليوم ان شاء الله .
وألقى قطعه اللحم بفمه بأناقه , وسمع والدته تقول له بامتعاض
: إلا حرمته بنت ابليس , للحين مسويه زعلانه ولا جت .
سلمان وقد تنحنح : ايه يمّه للحين ما جت , الله يعين هو يحاول ينَجِّحْ زواجه , وان شاء الله خير .
همست الجدة دون أن يسمعها أحد : " وهو يجي من وراها الخير بنت ابليس " .
الجده كانت الوحيده التي ترى دينا على حقيقتها , فدينا كانت تظن الجده قدّ خرّفت من كبر السن وتتعرى أمامها بقله أدبها وحيائها دون أن تهتم أو تخجل من ذلك , والجده كانت تُجاريها بذلك , وقد أدركت قريباً ان حفيدها الغالي بدأ يكتشف زوجته وتمثيلها المُريع للطيبه والحنان وبدأت تخرج من قوقعتها التمثيلية القذرة .
أما بداخل إحدى الغرف في شقه الجدة , كانت تجلس ميرال , رسيل و ميس ,
التي خجلت من الجلوس مع العائلة على الطاولة في الخارج , بينما أطفال ريما يعبثون حولهم , وصرخت رسيل بانزعاج
: هي وجع انت وهي تعالوا اجلسوا بسررررعه , اطفحوا سمّ الهاري , مدري شلون تاركتكم امكم فوق راسي .
ابتسمت ميرال لهم بحنان , وقد كان لقائها بابنه عمها ريما بارداً نوعاً ما !!! , فهي لم تكن معتاده على الأغراب على ما يبدو فلم تلمها على برودها إطلاقاً , فهي تبدو عاقله رزينه وليست كرسيل الفوضوية .
قالت بلطف
: رسيل حرام عليك , تراهم اطفال وفيهم نشاط اكيد بطلعوه ما رح يكبتوه .
رفعت صوتها قليلاً وقالت بنعومه
: سليم , وريف , تعالوا يلا عشان أأكلكم .
وهكذا مضى النهار , كانت ميرال لطيفه مع الجميع وتُطعم الصغار وتعتني بهم , فقد كانت تعشق الأطفال كثييراً وتعشق الاعتناء بهم واللعب معهم , وكانت تساعد ميس بتناول طعامها وقد اصبحتا صديقتين مع رسيل, التي لم تكف عن نثر المرح والسعاده في المكان فقد جعلته اكثر حيويه ونشاط , وقد استمتعت بجلوسها مع عميّها وزوجاتهم اللتين كانتا مُتحفزتين لها , وكأنهم يقومون بدراستها .
قالت زوجه عمها ايمان وهي تنظر لميس بجانبها بعد أن خرج الرجال
: كيف حالك يا ميس ؟؟! ووش اخبارك ؟؟! , بعرفك بنفسي
ـ وبسخريه مُبطنه ـ
بما انك ما تشوفيني , أنا ايمان ام فيصل زوجك , يعني حماتك .
توترت شفتيّ ميس بوضوح , وهي تُجيب باضطراب
: الحمدلله خالتي , الله يسلمك تشرفت بمعرفتك .
لوت شفتيها بضيق وقد انتبه عليها الجميع , بينما ردها حاولت ان تودعه كل اللطافة واللياقة وقد نجحت , عكس ملامحها العابسة
: وانا تشرفت أكثر حبيبتي !!! .
قالت ريما بمداخله تقطع شحنات التوتر التي حدثت بالمكان , وقالت برفق
: ميرال تسلمين يا قلبي , اولادي بالعاده ما ياكلون أبداً , بس اول ما أكلتيهم ماشاء الله تبارك الله خلصت صحونهم , مصدومه جداً .
قالت ميرال برقه
: ولا يهمك حبيبتي , احب الأطفال واتحملهم , ماعندك مشكله .
همست ريما لزوجه عمها : خالتي ايمان , دق علي فيصل وقال بياخذني السوق مع زوجته الحين , عشان تشتري لها ملابس جديده , ويحتاج مساعدتي ـ بتردد اردفت ـ تعرفين وضعها .
اطبقت إيمان فمها بصرامة , وقالت
: إيه الله يعافيكِ روحي معهم وساعديها واختاري لها اشياء زينه , بتجي وتعيش عندي بالبيت وبكون عندنا ضيوف ما ودي اتفشل منهم .
همست بخفوت : ولا يهمك !! .
وقفت ريما بأناقه كما هي عادتها دوماً , وقالت بإستئذان
: جدتي عن اذنك , بروح أنا وميس مع فيصل للسوق في اشياء مهمه بنتقضى لها .
أومأت الجدة بتفهم وقالت
: مو مشكله يمّه , روحوا الله معكم بس خذوا معكم رسيل وميرال , حتى هي ناقصها أشياء , عشان حفله الاستقبال الأسبوع الجاي .
قالت ريما : طيب , يلا قوموا بسرعه تجهزوا ما رح ننتظر كثير .
انتفضوا واقفين وكم كانت ميرال تشعر بالحرج فهي لا تملك من المال إلا القليل , ولا تظن انه سيكفي حتى تشتري ما يُناسب احتفال ما في مُجتمع مُخملي كهذا المُجتمع , دعت الله بداخلها أن يُيسر لها حالها ولا يُصغرها لأحد ما .
,
بداخل السوق , تفرقت ميرال ورسيل عن فيصل وزوجته وريما التي تُرافقهم حتى تختار لميس ما يُناسبها .
كانت الفتاتان تُغطيان وجههما بالنقاب فلا يتضح منهما إلا عينيّهم , ولا داعي للقول أن حبتيّ الفيروز اللامعتين قد جذبت أزواجاً من العيون الحاسدة والمُعجبة , والمفتونة .
قالت رسيل بابتسامه : والله يا انه عيونك ذي مشكله ماشاء الله تبارك الله , احمدي ربك اخوي فهد مو هنا ولا كان خلاك غصب تغطيهم .
عبست بحاجبيها وقالت باستفسار من جرأته لو كان صحيحاً
: يخليني اغطيها ؟؟! .
رسيل : ايه , مره كنا طالعين انا وهو مع ملاك بنت عمتي وما رضى يخلينا لحالنا بالسوق ناخذ راحتنا أوووف وما يطيق السوق يعني طلعه سريعه , وهي كانت فاتشه وجهها ما تغطيه , وطبعاً عمتي وزوجها راضين ماهمهم بنتهم الوحيدة والدلوعة , وما يحتاج اقول كيف الشباب مثل المغناطيس عندنا , وفهد عصّب بقوه وعيونه حمرّت من العصبية وغيووووور بقوه على كل حريم العائلة كلهم , فخلاها غصب تغطي وجهها , وهي خافت منه وغطت .
عضت ميرال شفتيها المُرتعشة , وقد بدأت تخاف منه منذ ذلك اليوم الذي رأته عندما نزلت من سياره عمها حتى تُقابل الجده للمره الأولى , فشكله كان مُخيفاً جداً وعينيّه تلمعان تحت ضوء القمر , اثار القشعريرة والرعب في اوصالها , كهرباء سرت بعروقها .
وعلى ذكر ملاك ابنه العمة المُدللة , اتسعت حدقتيّ رسيل بصدمه , وشهقت بقوه وهي تتعرف إليها بوضوح , ولا تُصدق ما تراه عينيها أمامها .