لا تلهيكُم عن العبادات والطاعات
ما شاء الله تبارك الله
للكاتبة
aurora
..
الفصل السادس عشر
كان يسير وقد سلبه التعب كُل طاقته المكنونه وكسر شوكته , لم يبقى إلا بعضُ الفُتات من الطاقة التي تجعله يعود بسلام للفندق . عاد من الطريق الآخر والأسرع حتى يصل إلى زوجته التي تركها تقف عند البوابة وحيده , و التي هي بالطبع تشعر بالتعب أكثر منه بما انها مُجرد أنثى ضعيفه الجسد وهشة العود .
رأها , ويا الله !! كم أوجعت قلبه رؤيتها هكذا وهي تتخبط عند العامود وتُصارع الإعياء من الوصول لعينيها . تقدم نحوها فور أن رأى امرأتين غريبتين تجلسان عندها , وهي وكانت قد اغمضت عينيها وتهمس بقوه وهي تُحاول جاهده فتح عينيها حتى لا تخرّ صريعه : وين فهد ؟؟! ابغى فهد زوجي !! , لا تسوا لي شي الله يخليكم , لا تأذوني .
قطبت احدى المرأتين حاجبها وقالت بلُطف : لا تخافي يا بنتي ما رح نأذيك , بس نبغى نساعدك .
قال فهد يتنحنح بخشونه خلفهما : عفواً ممكن تخلوني اتصرف مع زوجتي واشوف ايش فيها , محتاجه انها تتنفس .
ابتعدت المرأتين عنها وقطبت الأُخرى من صِلفه وكأنها ووالدتها تخنقان زوجته , واقترب منها فهد يرفعها بخفه وأصبحت ذراعة المفتولة خلف عُنقها ويربت على وجنتها بخفه : ميرال , قومي يلا , ميرال يلا قومي .
قالت المرأه الكبيرة : خُذ يا ابني رش عليها شوي مويه عشان تصحصح , وشربها العصير وخليها تاكل التمر يمكن انخفض سُكرها .
أخذ منها فهد الماء دون أن ينظر لها وشكرها , وبلل يده بماء زمزم وهو يُطبطب على وجهها الرقيق , حتى بدأت تفتح عينيها البلوريتين , وقال يتنهد بعُمق : كيفك الحين ؟؟! وش تحسين فيه ؟؟! , اخذك المستشفى .
ابتعدت عنه بخجل فور ان ادركت أنها تبقى فوق ذراعه وقالت بتعب : لا , لا ماله داعي المستشفى , دخت شوي بس الحين احسن .
قالت المرأة بابتسامه : الحمدلله انك بخير , هو الواضح انك ما اكلتي شي قبل العُمرة عشان كده دُختِ , اشربي العصير عشان تتحسني أكثر , ألف سلامه عليكِ .
قالت ميرال بامتنان : الله يسلمك يا خالة , مشكوره .
غادرت المرأتين وبقي فهد ينظر لها وهي تأكل التمر بهدوء وقد بدأ اللون يعود لوجهها , وقال فجأه : ايش جابك هنا ؟؟! , انا تركتك عن البوابة .
نظرت له وقالت بصوتٍ مُتعب : كان في مجموعه كبيره من الناس فجأه دخلت بينهم وما قدرت اطلع تعبت و كل واحد يدفني للثاني , لين لقيت نفسي هنا وما عرفت أرجع لمكاني .
أشار فهد أمامه بمسافه قصيرة نحو بوابة ضخمة : أنا تركتك هناك , بس اول مره تجين فأكيد لخبطتي بين البوابات وتهتي .
أومأت برأسها وهي لا تستطيع التحدث أكثر , قال فهد وهو ينهض عن الأرض : تقدرين تمشين للفندق ؟؟! ولا اجيب " تاكسي " ياخذنا .
نهضت بهدوء : لا أقدر أمشي .
وصلا لفندقهما ,فقال فهد وهو يشعر بالذنب لتركها كل هذا الوقت من دون طعام فهو معتاد على ذلك والطعام القليل , بينما نسي وجودها معه وانها بالتأكيد تشعر بالجوع : بخليكِ هنا شوي وبروح اشوف اذا في مطعم مفتوح الحين عشان اجيب شي ناكله .
قالت ميرال بسرعه : لا , ما اعتقد في شي مفتوح الحين احنا بالفجر , انا ابغى انام بس مو جوعانه .
نظر لها بشك : أكيييد , تراني نسيتك أنا عشاني متعود ما أكل كثير .
نهضت وهي تتوجه لدوره المياه وتحمل بين ذراعيها منامه ذات أكمام طويله : أكيد .
خرجت من دوره المياة والماء يتقاطر من شعرها ويجد طريقه على منامتها القطنيه وقد بللها نوعاً ما , وكانت قد سرَّحت شعرها بشكل عشوائي ورفعته بمشبك كبير , وكان فهد يمُد جسده على السرير وكان شعره رطباً مُتهدلاً على وجهه وقد استحم في الحمام الآخر , ولم تعرف ميرال ماذا عليها أن تفعل ؟؟! و أين تذهب لتنام ؟؟! فهي تخجل كثيراً ولا تستطيع ان ترمي بنفسها بجواره , فقررت أن تجلس بهدوء على الكُرسي الذي بقُرب النافذة الزُجاجية المُمتدة من السقف إلى الأرض وهي ترى الناس يُصلون ويطوفون حول الكعبة .
فُزعت عندما سمعته يقول لها بصوته الخشن القوي : مو قلتِ بتنامين ؟؟!
أومأت برأسها , بينما هو رفع حاجبه وقال : طيب وش تسوين هناك , تعالي نامي .
وأشار بذقنه بجواره , احمرت وجنتيها وهي تنهض بهدوء وتجلس على طرف السرير بنعومه وتدخل قدميها أسفل الغطاء وتسحبه لذقنها , و تحمدالله أنه قد تكلم فظهرها يكاد أن يتحطم من التعب وتحتاج أن تمُدة وتُريحه قليلاً .
أولاها ظهره وهو يُغلق الضوء الصغير بجانبه وقد رحِم خجلها الشديد منه وقد كان واضحاً على ملامح وجهها وحركاتها البلهاء .
تنهدت براحه عندما أغلق الضوء ومدت نفسها بهدوء على السرير حتى تُغمض عينيها . وشهقت بصدمه عندما شعرت بذراعيه المفتولتين تُحيطان بخصرها , وتسحبها بقوه إلى صدره حتى التصق ظهرها بصدره وكأنهما أصبحا كجسد واحد .
كانت تفوح منه رائحه ما بعد الحلاقة , وشعرت به يُمرغ وجهه بشعرها الرطب وهو يستنشق عبير شعرها , ويهمس : هششش , ما ابي أسمع ولا حرف رح ننام مانيب مسوي شي الحين .
كان قلبها يتخبط بداخل صدرها , وانفاسها قد تعثرت داخل حُنجرتها , بينما شعرت به يُمرر كفه على ذراعها ويقول بصوتٍ خافت : وش فيكِ تتنافضي ؟؟! أهدي ما في شي يخوف .
كان يسمع صوت انفاسها المتوترة , وعقد حاجبيه من خوفها الغير مُبرر بالتأكيد هي لم تكن تظن أنه لن يأخذ منها حقوقه فهو يريد طفلاً وعادت هذه الرغبة تجتاحة بقوه وأكثر من قبل , يشعُر بالحنين لطفله الذي ودَّع هذه الحياة مُبكراً , ولسوء حظها فقد وضعتها جدته في طريقه .
بعد عده دقائق شعرت بانتظام انفاسه وتناغمها مع عضلات جسده وارتخائه , حتى ترتخي هي وأخيراً بعد موجه الخوف التي انتابتها من قربه , وتغُطُ في نومٍ عميق وأحلام سعيده تراودها مع رجُلِها الذي يحتضنها الآن , .فمنذ البارحة وهو يُعاملها باحترام ولم يقسوا عليها حتى وان كان يتخلل صوته البرود , فهي شعرت معه بالأمان في الحرم المكِّي فلا أحد معها هنا حتى يحميها غيره .
*****
فتح عينيه بهدوء وقد نام لساعات قليلة , فهو معتاد على النوم القليل والأرق الدائم , كابوسٌ ما يُراوده بأنه قد تزوج مره أخرى !! , نعم انه كابوس فهو لن يُخطئ للمرة الرابعة ويجلب على رأسه مُصيبة أخرى غير التي عنده .
رمش بعينيه بقوه وهو يفزّ من السرير وينظر ببهوت باتجاه الشهقة التي صدرت من فم زوجته التي تجلس على الكُرسي بقرب النافذة الزجاجية الضخمة , عندما أجفلها بنهوضه المفاجئ كالملسوع .
قال يفرُك صدغة بعد ان استعاد قليلاً من وعيه وأدرك أن هذا ليس بكابوس بل إنها حقيقه مرّه : كم الساعة الحين ؟؟!
ردت بنعومه وصوتها مختلط ببحة النوم فهي أيضاً لم تستيقظ منذ مده طويلة : الساعة وحده الظهر .
نهض عن السرير وهو يدلُف لدورة المياة , خرج وتفاجأ عندما رأها تُرتب السرير , فقال بصدمه
: ماله داعي ترتبين السرير , بس نطلع الحين بيجي العُمّال يرتبوا الجناح .
كانت قد انتهت من ترتيبه , بل كانت المرة الأولى التي تذهب فيها إلى فندق فلم تكن تعرف ماذا عليها أن تفعل ! فقامت بترتيبه حتى لا تكون مهمله في عينيه .
خرجا معاً حتى يُصليّا الظُهر في الحرم المكي , ثم ذهبا لإحدى المطاعم البسيطة حتى يتناولا طعام الغداء .
لم تكن معتاده على الطعام الجاهز فكان هذا الطعام لذيذاً بفمها وقد أعجبها كثيراً , ثم بدأت موجه توترها وكيف ستخبره بما تُريد .
همست بخفوت والطاولة حاجز بينهما وقد اشعرها ذلك ببعض الأمان : فهد !!
خرج إسمه من بين شفتيها رقيقاً جذاباً بنغمه يسمعها للمرة الأولى , هل يُبالغ إن قال أنه أحب إسمه أكثر من قبل ؟؟ وأحب همستها بإسمه التي هي أحلى من النايّ .
قال بهدوء وهو يأكل الأرز : سميّ .
همست : سمّ الله عدوك , بس كنت حابه اسأل كم يوم بنجلس هنا ؟؟!!
أصدر صوتاً ساخطاً بداخله وهو يُحدث نفسه " هه وأنا العلى بالي انها مختلفه عن القبلها , و طلعت أردى تنتظر اليوم النرجع فيه "
قال وهو يلوي شفتيه : ليه تسألين ؟؟! مليتِ وودك ترجعين ؟؟
هزت رأسها نافيه وهي تقول بسرعة وقد فهمت مقصده : لا لا مو قصدي , بس عشان إذا بنجلس قليل ودي أخذ عمره كل يوم بنجلس فيه هنا ! هاذي المرة الأولى الأجي فيها مكه وبصراحه ما ودي ارجع بدري وانا ما شبعت منها , واحس عمرتي امس ما استغليتها كويس , وكنت تايهه ما أعرف شي .
طرقت رأسها بخجل وهي تتكلم بسرعة حتى تُبرر له , اتسعت عيناه وقال بهدوء وهم يعقد ذراعيه لجذعه : احنا بنجلس اسبوع هنا , بس ما نقدر ناخذ عمره ثانيه تحللنا من احرامنا امس , لو انك قايلتلي من أمس كان تصرفنا .
احمرت وجنتيها ولم تستطع ان تخبره بأنها خجلت من ان تتحدث معه البارحة وان اليوم قد فُكتّ عقده لسانُها فجأة .
قال مُردفاً وهو ينهض : تعرفين إني طيّار وهالرحلات القصيرة اروحها اغلب ايام السنة يعني نقدر نعتمر كل شهر مره او مرتين , يلا قومي خلينا نروح نصلي العصر بالحرم .
ابتسمت وهي تنهض معه ويتوجهان للحرم ويُصليان العصر , لم يكونا بحاجه إلى سياره فكُل شيء موجود بقربهم .
كانت تُحدق بالحَمَام الذي ينقُر الأرض المُلتهبة من الشمس نقراً كثيفاً ويبحث عن رزقه , كان مشهده جميلاً للغاية وهم مجتمعين حول بعضهم , وكانت تتعجب من اقتراب الناس وعدم هرب الحَمَام منهم وكأنهم يعرفون أن هذا المكان محمي من الله وأنه لا داعي للخوف حتى يهربوا من المُعتمرين الطيبين اللذين يقومون باطعامهم .
نظرت لفهد وقد كان مُنشغلاً بالحديث بالهاتف , وأخرجت قطعه من الخُبز من الكيس الذي معها وكان من طعامهم الزائد . واقتربت بخوف من الحَمَام , وهبطت بهدوء نحوهم وهي تمُد ذراعها .
شهقت بخوف عندما رفرف الحمام بعُنف , وعادت للخلف وهي تراه يُحلق حولها برفض .
سمعت صوت فهد يقول : ما رح يرضون ياكلون الخبز وأصحابهم في الجهة الثانية مستمتعين بالحبوب .
نظرت له وقد أشار بذقنه حيثُ مجموعه ضخمه من الحمام في زاوية معينه تُحاوط الحبوب وتنقرها بمنقارها .
قالت بيأس : خساره كنت ابغى أأكلهم وأخليهم يجوا على إيدي بس ما معي غير هالخبز .
أمسك بكفها وهو يسحبها معه إلى أحد " الحجات التي تبيع الحبوب " واشترى منها كأساً من الحبوب , ويُعطيه لها ويقول
: يلا طيب , لو ما تخافين أكليهم ؟؟! بس ها لا يطلع صوت صراخك من الخوف مو لحالنا إحنا هنا .
ابتسمت أجمل ابتسامه يُمكنها ان تبتسمها ويكفيها ان تشعر بهذه السعادة بقُرب الحرم المكي وهي تُطعم الحمام .
وضعت القليل من الحبوب بكفها وهي تمُدها أمامها حتى يهجُم عليها سربٌ من الحمام ولم يكن الأمر مُخيفاً كما كانت تتخيل بقدر ما كان جميلاً وهي تتغلب على خوفها من هذه المخلوقات الضعيفة التي لا تؤذي .
قهقهت بمرح وهي تحاول كتم صوت ضحكاتها حتى لا تعلو ويغضب منها فهد , وأما هو فقد كان يقف خلفها ويستمع لصوت قهقهاتها ويبتسم بهدوء دون ان تصل ابتسامته لعينيه , وقد أنهى مُكالمته للتو مع صديقه يوسف , الذي فاجأه بأنه تقدم لأخته منذ اسبوعين دون أن يخبره أحد بذلك . جرجر أفكاره عن هذه المُكالمة . و حدَّقّ بها بعُمق يرى رقتها بإطعام الحَمَام , واستمتاعها بهذه المُهمة وضحكاتها الجميلة , لقد كانت جميله حقاً .
تقدم بخُطىً واثقه وقد تحمس لأن يُجرب شعورها الذي تشعر به ! يُجرب إطعام الحمام ليعرف ما الذي يجعلها تضحك بهذه الطريقة الناعمة ؟؟! هل هو ممتع حقاً إطعام الحمام ؟؟! ام انها تُبالغ ؟؟ يُريد لهذه الضحكه والبسمة على شفتيها أن تنتقل له .
وقف بجانبها وهو يُعبئ كفه بالحبوب ولم يكد يرفع الكأس حتى يهجُم عليه سرب أخر من الحمام قام باجفاله حتى تعثر وسقط أرضاً , لم تستطع ميرال كتم صوت ضحكاتها وهي تضحك بصوتٍ ناعم ولكنه مُنخفض لا يصل إلا إليه .
نظر لها نظرات حاده حتى كُتم صوت ضحكاتها وهي تسعُل بحرج , نهض عن الأرض والغضب تصاعد لعينيه و ينفض ثيابه بنزق , وقد اُفسد مزاجه بهذه الحركة التي لم يجد بها أي متعة تُذكر , وقال بخشونة من إحراجه : أمشي يلا بلا حركات تافهه بنرجع الفندق .
دخلا إلى الفُندق , وكانت ميرال تضغط على شفتيها من خوفها أن يضربها بسبب ضحكها عليه , لقد ندمت الآن لأنها سمحت للضحكة أن تجتاحها , فلقد كانت سعيدة جداً وهي تُطعِم الحَمام وجاء موقفه وضحكت رُغماً عنها .
أغلق الباب خلفه وارتعشت بخوف وهي تُعطي ظهرها للنافذة وتنظر له , كان كالنمر المُرقط وهو يقترب منها بهدوء وخطوات غداره , حتى وقف أمامها مُباشرة .
هذه المرة هو يُريدها ويُريد اتمام زواجهم لقد تجاهل هذا الأمر الليلة الماضية لتعبهم في أداء مناسك العُمرة , أما الآن فضحكاتها ما تزال ترِنُّ برأسه , وابتسامتها تحكي أنّ ثغرها معصية , هو أراد أيضاً عقابها بطريقته لسُخريتها به أراد إحراجها ورؤيه احمرار وجنتيها القُطنيتين .
كانت الستارة مكشوفه وأراد أن يُغلقها حتى وهو مُتيقن أنهم بعيدين عن مجال الرؤية من العيون المُتلصصة , فمد ذراعه بعفويه باتجاهها , وصدمت ميرال عندما وضعت ذراعيها امام وجهها بطريقه حمائية وهي ترتجف خوفاً , كأنه !! كأنه سيضربها ؟؟؟؟
مرر ذراعه فوق كتفها وهو يُغلق هذه الستارة , ويلتفت إليها ويُمسك بعضديها وهو يقول بقوه : طالعي فيني !!
نظرت له وهي ترمش بعينيها والخوف لم يُغادرهما وهمست : أنا آسفه ما كان قصدي أضحك !!
قال باستنكار : ترى الضحك ما هو حرام ! ولا هو عيب ! ولا هو ممنوع !! ليه تعتذرين ؟؟ موقفي كان يضحك من جد وأنا لا ني أول ولا أخر انسان تصير له مواقف زي كذه , وعصبت عليكِ تحت من إحراجي بس , ولو صارلك انت بعد على بالك بطبطب عليكِ أكيد رح أضحك , بس الأبي أعرفه ليه كل هالخوف وفكرتي أني ممكن أضرك أو أضربك بشي أنت مالك ذنب فيه ؟؟! وحتى لو لك ذنب أنا آخر تصرف أتصرفه هو الضرب والعُنف وخاصة مع الأطفال والحريم .
ترقرت عينيها , لا تعرف ماذا تقول له ؟؟ هل تقول أن زوجه خالها تقوم بضربها بشده وحرقها بالسجائر عندما تُكسر كأسٌ من زجاج أمام قدميّ ابنها ويُجرح بها ؟؟! و تضع اللوم عليها وأنها هي من تعمدت وضع الكأس أمامه لتؤذيه , هل تخبره كم أصبحت تخاف منها ومن كل حركه وهمسه تقوم بها حتى لا تتعرض للأذى ؟؟ .
كتمت شهقه مريرة كادت أن تخرج منها , وهي تطرُق برأسها ولا تعرف ماذا تقول ؟؟ وقد فضلت الصمت .
فهم نظراتها وارتعاشاتها , بالتأكيد هي زوجه خالها الشريرة لقد رأى بنفسه كميه الشرّ بعينيها , كما أخبره والده بالباقي من حقدها .
ربااه كم آلمتك هذه المرأة !! وأرى هذا الألم في عينيك , هل جعلتكِ تخافي حتى أوصلتك لهذه الحالة الحساسة بالخوف من أي حركه عفويه لأن تظني بأنها أذى يُصيبك ؟؟ ماذا فعلت بك تلك المرأة ؟؟ أخبريني و دعيني أُكمل طريقي بما فعلته , بسبب إخفائهم لكِ عنا وعن جدتي التي كانت تتوق لرائحتك .
كانت هشه ورقيقه تحت ذراعيه القويتين , تأوه بقوه وهو يرفع رأسها بين كفيه ويرى الدموع تتغرغر على مُقلتيها , لم يكن يوماً ممن يتأثرون من دموع النساء فهو يراها دموعاً كاذبه كدموع التماسيح .
وحدّق فهد بالجدولين الصغيرين اللذان تدفقا نزولاً على وجنتيها النديتين , ولا يعرف لما تأثر ؟؟! سيُجن ويعرف لما تأثّر بدموعها ؟؟
لم يُقاوم أكثر وهو ينحني قابضاً شفتيها بين شفتيه كالنسر حين ينقضُّ على فريسته , تلاشت ساقيها من تحتها فلم تشعر بها وكأنها شُلَّت,يرفعها عن الارض بخفه وكأنه تعب من الانحناء, ويحملها بخفه إلى حيثُ يقبع مضجعهم , فقُبلتها أثارت به الكثير من الأحاسيس , أحاسيس مُتشابكه لم يُحدد كنهها , كل ما يشعر به هو رغبته الشديدة في أن ينالها و ينهل من عذوبتها ورقتها .
أما هي فقد كانت خائفة جداً كانت قُبلتها الأولى و رقيقة للغاية ولكنها كانت تزداد تطلباً في كُل ثانية , كانت تخاف أن يرى ما حاولت إخفائه !! تخاف أن يرى علامات عذابها لسنين ماضية , علامات مازالت تقبع مكانها !! , كيف تُفسر له ما رمرت به عندما يُطالبها ؟؟! لن تستطيع التفسير فهي تنزف دماً وألماً عندما تتذكر !! فكيف بها تُفسر؟؟! وهي تنزف بذوراً جديده تنمو للربيع .
*****
وهاهي الأرض تُشرق بنور ربها ويمضي اليوم كأي يومٍ طبيعي , والجميع يخرُج لعمله ويؤديه على أكمل وجه وبإتقان , بينما الذي لا يكون طبيعي البعض الآخر من الجنس البشري الفظيع اللذين يمدون جسدهم بكسلٍ ذريع على الأريكة , تماماً مثل بسام .
نظرت له والدته بقله صبر , وذراعه تتدلى بجانبه وكفه الأخرى تستقر على صدره , بينما يفغر شفتيه كالأبله وصوت شخيره أزعجها , فنظرت لميس وهي تُعانقها وتهمس لها
: اشتقت لك يمّه , شلونك عساكِ بخير ؟؟ وزوجك يعاملك زين ؟؟ وكيف اهله معاكِ ؟؟ عساهُم ما يأذونك .
ابتسمت بخجل عندما تذكرت زوجها وطاقته الرجولية التي لا تهدأ فمن بعد تلك الليلة وهو لا يترُكها تتنفس بشكلٍ جيد , وقالت برقه : الحمدلله يمّه بخير , كلهم يعاملوني زين و يقدرون حالتي الصحية , إلا خليكِ مني وقوليلي أنت شلونك وشعلومك ؟؟!
تنهدت أمها وهي تنظر لابنها وتقول : مثل ما انت شايفه يامك , جالسه وحاطه ايد على ايد وهالولد ما منه فايده وعايشين على بعض الصدقات , والفلوس القليل اليجيبها .
اكفهر وجهها وهي تبكي داخلها دماً بدل الماء وقلبها ينزف وأخيها يرُش عليه الملح عنوة , لو انها فقط تستطيع أن ترى أمامها لكانت عَمِلَت وفعلت المستحيل حتى تبقى أمها مُعززة ومُكرمة ولكن ليس بيدها شيئاً , ليس بيدها , كل ما تأمله الآن أن تستعيد بصرها حتى تستطيع العمل من أجل والدتها .
قالت امها بهدوء : أنا بقوم شوي يا قلبي , بسويلك شي تشربيه .
كانت تُحرك كفيها بجانبها تبحث عن والدتها حتى وجدت كفها والتقطتها وهي تُقبلها بعُمق : تسلم إيدك يا الغالية الله يخليكِ لي وما يحرمني منك ومن وجودك , بس تكفين أجلسي ما ابي اكل واشرب شي , اشتقت لك واشتقت لريحتك , ما ابي شي .
قهقهت والدتها بخفه وهي تقول : طيب , طيب انت ما تبين بكيفك انا متعوده اشرب شاي العصر , ما ني مطوله .
ذهبت والدها وذهبت معها رائحتها التي تُشبه المِسك , قفزت بفزع عندما سمعت صوت أخيها المُتحشرج من النوم يقول بخشونه : اووه العميا هنا !! أفا عليك بس كان علمتينا طيب انك بتنزلين من برجك العاجي وتتكرمين علينا وتجينا و نفرش لك الأرض ورد وريحان .
عبست بوجهها بضيق وقالت : ماله داعي كلامك يا بسام , وكأنك ما تعرفني انا مثل ما انا ما في شي يغيرني .
أخرج لسانه بلا أحترام : ايه علينا أقص إيدي لو بقيتي مثل ما انتِ نشوف مع الوقت وش بصير !!
تنهدت بصبر وهي تقول : بسام أنت للحين ما لقيت شغل , حرام عليك التسويه بأمي , أنت ولدها الوحيد وانا وتدري بحالتي لازم ترعاها وتصرف عليها هذا من البرّ فيها , ولا تخليها تنهان للناس ولا تحرجها , تكفى يا خوي سوي شي عشانها .
مات شفتيه وقال : وش بإيدي اسوي ما حد يقبل يشغلني عندهم , لا يكون تبين اشحذ الوظيفة بعد , يخسي اليخليني أشحذه عشان يوظفني .
ميس : مين قال تشحذ , انت رح تدور رزقك بس .
بسام : طيب قولي لزوجك يعطينا ويعطي امك هالفقيرة , ناس مرتاحه ومعينه من الله خير وخيرهم مالي الأرض , مافيها شي لو ساعدنا بالأخير صرنا أهل .
ميس بذهول : طيب قول ماشاء الله تبارك الله , رح تنظلهم حرام عليكِ وش ذا لسانك عوذه منك , وبعدين انسى اطلب من فيصل شي هو مو مسؤول يصرف علينا وعزت نفسي أهم من أي شي ثاني .
ضغط بأسنانه على شفته السُفلى وهو يسخر منها ويُقلد كلامها : قال عزت نفسي قال . ثم أردف بوقاحه ويتخلل كلامه كثيرٌ من الجهل : اقول انثبري بس , بعد تتعوذ مني شايفتني شيطان , وبعدين زوجك ذا الخبل مسوي نفسه دكتور كبير ولا قدر يرجع عيونك مكانها , ونافخ ريشه علينا , يعني إني احسن منكم , اقول بس لو انك شايله هم امك كلميه يعطيك شي عشانها , انا مانيب متعب نفسي بشي , ذا الناقص بعد تتأمر عليّ .
همم بسخرية وهو يُربع قدميه على الأريكة ويمُد ذراعه على ظهرها ويلتقط جهاز التحكم بالتلفاز ويُقلب القنوات , شعرت وان الأرض قد انهارت من أسفلها ربما هو لم يُوضح كثيراً مقصده ولكنه أخيها وتفهمه أكثر من نفسه فهُما عشره عُمر , وهمست تقول لقلبها " يا الله !!! عشان كذه زوجني بهاذي الطريقة يبغى يستغل فيصل ومعتبره بنك مُتحرك , يبغاه يصرف علينا " , طرقت برأسها وهمست " يا رب أكون غلطانه , يا رب لا تكسرني بأخوي يا رب لا تكسرني فيه "
أتت الأم وفي يدها كوب الشاي يتصاعد دُخانه للأعلى , وقالت بعجب : بسام وش فيكم تتناقرون مثل العادة ؟؟! خلاص خلّ اختك بحالها لا تناشبها .
مضى الوقت سريعاً لأُمٍ وابنتها , حتى جاء الوقت الذي تُغادر به ميس , عانقت والدتها بشده ولم ترغب في تركها , فمن بعد حديث أخيها وشمها لرائحه الخُبث في صوته بدأت تخاف كثيراً من هذا المُستقبل .
ابتسم فيصل وكان قد ترجل من سيارته حتى يُسلمَ على والده زوجته ويطمئن على أحوالهم , كان متواضعاً جداً لدرجة انه لم يتقزز من منزلهم القديم المُهترئ ولم يُركز على المنزل وموقعه ومابه من اثاث .
قال بحلاوة لذيذة : ميس خلاص خنقتي عمتي تراك كذه تحسسيني بتأنيب الضمير لأني ما أجيبك هنا كل يوم .
قال بسام بفظاظه : وليه تجيبها كل يوم ان شاء الله , سايبه هي ما لها بيت يضفها .
تأفف فيصل بخفوت ثم قال بإبتسامه مُحببه يتجاهل وجوده كلياً : خلاص يا عمتي وهذاني بعطيك كلمه من الحين , لو ميس قالت بس انها اشتاقت لك بجيبها هنا علطول وبنفسي لأني ما أأمن عليها السواق .
قال بسام بخفوت يميل برأسه دون ان يسمعه أحد : عشتو بس , وبعد صار يخاف عليها !!
أخذ فيصل ميس يقودها نحو السيارة وتوجه لإحدى المطاعم , حتى يجعلها تُرفه عن نفسها قليلاً , وقد قضيا معاً وقتاً ممتعاً لم تعد تخجل منه مثل السابق بل كانت تتجرأ بالحديث معه , وعرقت عنه الكثير كما عرف عنها , ففي كُل يوم تزداد علاقتهم تشبثاً ويأملان أن تستمر حياتهما كذلك هادئه ورقيقه ومليئة بالمودة والألفة , مُتجاهلان أن الأمور لا تبقى كما هي عليه للأبد .
عادا إلى القصر وكالعادة كان يُمسك بكفها ويقودها على الدرج للبوابة الداخلية بينما يتبادلان الضحك على بعض المواقف اللاتي حدثت معهم في الصِغر .
أجفلهما صوت إيمان الهادر من غرفه الجلوس يقول بمراره : حشا يمّه يا فيصل , كذه طالع لجناحك بدون لا سلام ولا كلام مو مالين عينك أنا وأختك , ولا محنا قد المقام .
نظر لهم فيصل مُقطباً وقال بإعتذار : يمّه سامحيني ما انتبهت انكم في الصالة , كنت أشوف طريق ميس .
لوت والدته شفتيها بعدم رضا وأشارت بكفها غير راضيه ويتضح على ملامحها الحُزن الحقيقي , ظناً منها أن ابنها توقف عن الاهتمام بها وأصبحت زوجته هي شُغله الشاغل : خلاص شوف طريقك , دربك خَضِر يمّه .
تنهد بعُمق وهو يقول : دقيقه يمّه بس بودي ميس الجناح وارجعلك علطول , لا تزعلين مني ما يهون عليّ زعلك يا الغالية .
كان يسير معها ويهرول بخطواته وعندما ابتعد عن أنظار والدته واخته , مال بجسده وهو يرفعها بين ذراعيه .
شهقت بصوتٍ مكتوم وهي تهمس بخجل : فيصل وش تسوي ؟؟! الحين بشوفنا عييييب عليك .
فيصل بمرح : لو يشوفنا كان ما شلتك يا الدُبة , بس كذه اسرع بوصلك واروح اراضي أمي , ولا تتحركين وتسوين شي إلا لما أرجع .
شهقت مره أخرى وقد تجاهلت جميع كلامه , وركزت على نقطه واحده منه : حرام عليك أنا دُبه الحين ؟؟؟ .
أنزلها عند باب الجناح ودفعها بخفه للداخل , وقال بضحكه : إيه كسرتي ظهري ذي المسافة الشلتك فيها , أثرك ثقيله .
لم يكن فيصل ذا جسد رياضي ضخم الجُثة , بل كان طويلاً ورشيقاً ذو عظام ثقيلة , ولهذا لا يستطيع حملها لأماكن طويلة حتى وإن كانت ميس في قمّه الرشاقة
مطت شفتيها بدلال تُمثل الحُزن , الخبيثة !! تعرف ان هذه الحركة تغويه ولا يستطيع مُقاومتها من شفتيها , و قد سرق قُبله سريعة من شهدهما , وقال وهو يرفع صوته قليلاً : ادخلي الجناح وانتظريني , بس اجي براضيك انتِ بعد بطريقتي الخاصة .
اتسعت حدقتيها بذهول وقالت : قليل الأدب !!!
فيصل وهو يُعطيها ظهره : تراني سمعتك , بس ارجع بعلمك شلون تكون قله الأدب الحقيقة .
غطت عينيها , وقد اجتاحها خجلها الفطري , وهي تتمنى أن لا يكون هناك أحدٌ قريب منهما وسمع ما قاله زوجها الوقح !! .
دخلت إلى الجناح وهي تبتسم بسعاده وتتمنى من الله أن يُديمها عليهما .