كاتب الموضوع :
برد المشاعر
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: أوجاع ما بعد العاصفة (الفصل الثامن والعشرون)
الفصل التاسع والعشرون
فتح بابها الذي بجانب السائق وقال
" أركبي ... قليلا وسأعود "
قلت بحيرة " أركب لما وأين سنذهب "
أمسك وجهي وقبل شفتاي قبلة صغيرة وقال
" أركبي وستعلمين كل شيء في وقته "
ركبت وغادر وتركني في حيرة من أمري , أين سيذهب
بي في هذا الليل ولما في سيارة البر تحديدا !! عاد بعد قليل
وفتح باب السائق ركب وأغلقه كنت سأتحدث لكنه أمسك
ذقني وقبلني قبلة طويلة ثم قال " قلت ستعرفين كل شيء "
ثم شغل السيارة وغادرنا المزرعة ولا أفهم شيئا مما يجري
سرنا لمسافة طويلة حتى صرنا في طريق صحراوي لا شيء
به سوا الجبال والحجارة والأشجار المتفرقة وكأنها أشباح
في الظلام , نظرت لكل شيء حولي ثم قلت " نواس ما
هذا المكان المخيف دعنا نرجع للمزرعة "
ضحك وقال " تخافين وأنا معك يا جبانة ثم معنا
سلاح والطريق آمن لا شيء فيه "
لففت جهته بجسدي وقلت بحماس " هل سنذهب للمكان
الذي تذهب له وفيه صديقك هنا "
نظر لي ثم عاد بنظره للطريق وقال " بل مكان آخر
ومادمتِ ذكرت ذاك المكان فسوف آخذك له من عين
نواس اليمنى قبل اليسرى "
شعرت بسعادة الكون كله تجتاح صدري حينها فهذا هوا
نواس الذي عرفته وحلمت به لسنين وهذه هي الحياة التي
تمنيتها معه , اقتربت منه وقبلت خده بهدوء وعدت مكاني
فأوقف السيارة ونظر لي بصدمة مصطنعة ثم قال بابتسامة
" كرريها لأعلم أني لست أحلم "
نظرت جهة النافذة وقلت " نواس توقف عن هذا "
ضحك وأمسك يدي وسحبها جهته وقبل كفها كثيرا ثم قال
" هيا أنزلي يا قلب نواس "
نظرت من حولي وقلت " هنا !! "
فتح بابه قائلا " نعم وسيعجبك المكان بالتأكيد "
نزلت وتحرك هوا جهتي حتى أصبح بجانبي فنظرت له
وقلت " نواس ما هذا المكان الموحش , هذا بدل أن تأخذني
رحلة في البحر أو تسافر بي تجلبني لوادي الأشباح "
ضحك كثيرا ثم قبّل خدي وقال " ما وادي الوحوش
هذا من أين جئته بهذا الاسم "
اتكأت على كتفه وقلت مبتسمة " الأشباح وليس الوحوش "
ضحك وضمني لحضنه ثم رفعني مجددا وسار بي قائلا
" يبدوا أنك لن تسيري إلا مرغمة يا جبانة
أو أنك استحليتِ حملي لك "
قلت بضحكة " لم أفكر في ذلك ويبدوا أنه أنت
من لديك طاقة لرفع الأثقال "
ضمني له وقال بعد ضحكة " أنتي أخف بكثير من
الأثقال التي كنت أحملها في تلك البلاد "
تمسكت به أكثر وأنا أتذكر معاناته تلك وما عانى هناك وهوا
صغير وما لقي من الجميع بعد عودته وكنت سأتحدث لكنه
سبقني قائلا " أبعدي وجهك يا جبانتي وانظري لهذا "
أبعدت وجهي ونظرت ثم صرخت وتمسكت به بقوة
وقلت " نواس أبعدني عن هنا هل جلبتني لتقتلني "
ضحك وعاد للخلف بضع خطوات قائلا
" وأين أذهب بنفسي إن قتلتك يا قلب نواس هل
تعي معنى أنك قلبي ومن غيره لا أعيش "
حضنته بقوة وقلت بهمس " أحبك نواس أقسم على ذلك "
أنزلني حينها فتمسكت بقميصه وقلت " دعنا نعود
للوراء أكثر سنقع من هذا الارتفاع "
قبّل خدي وقال بضحكة " يا جبانة سأريك مشهدا لن
تنسيه حياتك فقط اصبري ثم أريد أن أسمعك من
يشهد على حبي لك "
نظرت له باستغراب فنظر جهة الجبال البعيدة وجمع كفاه
حول فمه وقال صارخا " وســــــــــــــــــــــــــن "
ليردد الصدى أسمي ثم قال " نواس يحبك بجنووووون "
ليردد الصدى كلماته وكأنه هوا من يقولها لي بل وكأن
الجبال تنطقها فنظرت له بعينان تمتلئ دموعا فنظر لي
ومسح عيناي بأصابعه وقال " لا دموع أبدا حبيبتي لا
أريد أن أرى هذا رجاءا يا وسن "
هززت رأسي بحسنا فضمني لكتفه وقال " هيا أسمعيني
شهادتهم على كلامك أيضا "
ضحكت على الفكرة وقلت " نواس من كل عقلك تقولها "
ابتعد عني وقال بجدية ويداه وسط جسده " نعم أو ذهبت وتركتك هنا "
شهقت بقوة فضحك وقال " كل هذا خوف من البقاء وحدك هنا "
قلت باستياء " بل عد هنا ولا تتركني واقفة وحدي في هذا المنحدر "
ضحك وعاد ناحيتي وطوق كتفاي بذراعه مجددا فلففت ذراعي
حول خصره وأمسكت بقميصه بقبضتي بقوة ونظرت
له فكان ينظر لي ثم قبل أنفي وقال " اشهدي يا جبال "
ثم نظر للبعيد وصرخ " نواس يحــــب وســـن وهي
هوائه الذي يتنفســــــه "
غمرت وجهي في صدره أخفي دمعتي عنه ثم نظرت حيث
نظر وملئت رئتاي بالهواء ثم صرخت
" أحبـــك نوااااااس أحبـــك وحدك "
فضحك وصداها يتكرر وقال " لم أكن أعلم أن الجبال تحبني "
فضحكت على غبائي ثم وضعت كفي بجانب فمي وصرخت
" وســــن تحبك يا نوااااااس تحبك حد الا حدووووود كحجمنا
جميعنا وكالأرض تحتنا والسماء فوقنا .... "
وغاب صوتي حين شدني لحضنه بقوة لتنزل الدموع الواحدة
تسابق الأخرى فقال بهمس " أشششش يكفي بكاء وسن هل
هذا وقته ومكانه "
قلت ببحة " لا أستطيع ، هذا من سعادتي وليس حزني "
قبل خدي وقال هامسا " هيا انظري هناك فقليلا
وسيبدأ العرض "
ابتعدت عنه انظر بحيرة وترقب لأشهق بقوة لمنظر
الأضواء البيضاء التي بدأت تتسابق حيث البعيد تضيء
بالتوالي ليدخل عليها أسراب أخرى لتتحول لمشهد يشبه
نجوم السماء وكأنها نزلت للأرض فنظرت له وقلت بدهشة
" رائع وكأنها نجوم ما سرها وكلها بذات اللون "
أمسك يدي بيده والأخرى تحضن كتفاي قبلها وقال
" هل سمعت عن أكبر مصنع في هذه البلاد "
هززت رأسي بنعم وقلت " بل وفي الشرق الأوسط ككل "
أشار حيث الأضواء وقال " هذا هوا هناك نشاهده من أعلى
أقرب مكان له يشغلونه قبل الفجر بساعة فكم كنت آتي وخاطر
أو وحدي هنا لمشاهدته حين يضيء في الظلام وخاطر من
اكتشف هذا المكان سابقا ولم نخبر عنه أحد ولا نعلم
من يعلم عنه غيرنا "
نظرت لذاك المشهد الغريب مجددا وقلت بدهشة
" لو أخبرتني لكنت أحضرت هاتفي لأصوره "
ضمني له أكثر وقال " ما كنت لأسمح لك فحتى
نحن لم نسمح بها لبعضنا "
نظرت له وقلت مبتسمة " وإن قلت لك من أجل
غزالتك وإن كان لها خاطر لديك "
حضنني وقال ضاحكا " حينها سأقول حمدا لله
أنك لم تحضري هاتفك "
قلت بضحكة " محتال "
أبعدني عن حضنه وبدأ بإبعاد شعري الذي يتطاير مع
الريح عن وجهي قائلا " والحل معه الآن "
قلت بضحكة " ما بك معه يضايقك أنت
أم يضايقني أنا "
قال بابتسامة وهوا يجمع ما يبعده للخلف بيده الأخرى
" بل يعيق مخططاتي وطريقي "
شعرت بأني اشتعلت من الخجل وأنزلت نظري
على صوته قائلا " وأخير يا مزعج "
فتنفست بقوة لأهدئ نفسي لكن لا مجال لذلك فقبلته سبقت
كل شيء قبلة لم أعشها معه سابقا ولم أعرفها فيبدوا كانت
كل قبلاته تلك ناقصة أو خجولة أو مراعية لي أما هذه من
جنونها جعلتني أبادله الأمر وكانت المرة الأولى أفعلها لأتعلم
معه وفي شفتيه هذا الفن الأسطوري ، أغمضت عيناي ولففت
ذراعاي حول عنقه بقوة ليزداد الأمر جنونا ومع الريح شعرت
وكأننا نطير في الهواء ووحدنا في هذا العالم ، حتى شعرت
بارتخاء قبضة ذراعيه على خصري فابتعدت مبعدة شفتاي
ببطء وأنزلت رأسي للأسفل خجلا منه ومما حدث فمسح
بكفه على طرف وجهي وقال بهمس " ما بك حبيبتي خفت
فقط أن تتألمي من ذراعاي ولم أقصد إبعادك "
شعرت بقلبي سيخرج من شدة خفقانه وأنزلت رأسي أكثر
أبعد شعري خلف أذناي فمسح بيده على ذراعي نزولا
حتى طوق بها خصري برفق ليلصقني به وانحني لي
وقال بهمس خافت " وسن أقسم كانت رائعة ما بك "
أغمضت عيناي بشدة وقلبي يقول يا غبي بل خجلت منك
فأنا أراها أروع مما تراها ، همس مجددا وهوا يشدني
له أكثر " وسن "
فرفعت رأسي وعيناي ما تزالان مغمضتان وطوقت عنقه
مجددا بذراعاي وفعلتها أنا هذه المرة وقبلته..... نعم أنا من
جعلت من شفتيه فريستي ليشاركني الأمر سريعا وطوق
خصري بذراعه الأخرى أيضا وحملني عن الأرض ودار
بي حول نفسه ونحن لازلنا في حديث شفاه طويل
*
*
دخلت المنزل وقت الفجر قاصدا المطبخ ووجدت مقصودي
وهي راضية وقلت من فوري " أين نواس "
التفتت لي فزعة وقالت " بسم الله ما بك وليد
لقد أفزعتني يا أحمق "
قلت بضيق " أين نواس بلا كثرة كلام هواتفه جميعها مغلقة "
قالت من فورها " خرج منذ الليل قاصدا البر ألم يخبرك "
قلت بحيرة " وما يفعل في البر يخرج ذاك
الوقت ولم يفتح هاتفه الثريا "
رفعت كتفيها بمعنى لا أعلم والتفتت تنهي عملها قائلة
" أخذ زوجته معه هذا فقط ما أعلمه ولن يرجعا
اليوم ولا أعلم متى "
قلت بحيرة " من منهما تقصدين "
ليقطع حديثنا الصوت الذي نادى راضية من بعيد وهوا
لمي مما يعني أن الأخرى معه وبالتأكيد سيأخذ تلك ما
سيفعله مع مي وهما زوجان بالاسم فقط ، عند هذه النقطة
فقد عقلي التركيز وخرجت لها دون أن أعطي قدماي الإذن
لأجد نفسي عندها تفصلنا بضع خطوات فقط تنظر لي
بصدمة ومؤكد من وجودي هنا ، آه يا مي لا أصدق أنك
لازلت حرة طليقة وسترجعين لي رغم أنك لم تكوني لي
يوما ، بقيت أنظر لها بلهفة وسعادة وهي لا تزال في
صدمتها ثم وضعت يدها على شعرها وكأنها تتأكد من
أنها بلا حجاب واستدارت لتغادر مسرعة لكني سبقتها
وكانت ذراعها النحيلة في قبضة يدي وأدرتها
ناحيتي قائلا " مي انتظري قليلا "
نظرت لعيناي نظرة لم أفهمها لا تشبه نظرتي أبدا ثم
أبعدت وجهها جانبا وقالت ببرود " نواس ليس هنا "
نظرت لها بحيرة فلم يكن هذا تعاملها معي في السابق ثم
مددت يدي لذقنها وأدرت وجهها لي وقلت بهدوء
" لكني كنت أدخل في غيابه بل وأعيش هنا فما تغير "
ابتعدت للخلف وقالت بجمود " ذاك كان في السابق ولا
تلمسني ثانيتا فأنا لا أحل لك ومتزوجة إن نسيت "
ثم ركضت عائدة للأعلى وأنا أتبعها بنظري بذهول ، هل
حكا لها نواس شيئا يا ترى !! ولكن مستحيل لن يفعلها
أعرفه جيدا ، إذا ما بها تغيرت معي هكذا فجأة وتُذكرني
أنها متزوجة ولم تفعلها سابقا ، نعم يا أحمق وهل تعي
أنت لنفسك تخرج لها وهي دون حجاب وتمسك وجهها
ونسيت أنها مي ذاتها لم تتغير أم كلام نواس عن علاّقة
مفاتيحك التي تحتفظ هي بها أنساك نفسك وضننت أنها
إن كانت تحبك ستتخلى عن احترامها ومبادئها ، أخرجني
من أفكاري صوت هاتفي الذي رن فجأة فأجبت خارجا من
المنزل وأنا أقول " أجل سننقله من هناك لم أجد نواس
والوضع لا يحتمل انتظاره جهزوا سيارة إسعاف خاصة "
*
*
بعد صراع طويل معي أجلسني مرغمة عند بداية الصخرة
المخيفة وجلس خلفي وأنا في حضنه ظهري يتكأ على صدره
نشاهد شروق الشمس وأمسك بقوة ذراعاه المطوقة لي وكأنه
هوا الأرض التي سوف تحميني من السقوط وليس احتمال
سقوطنا معا وارد جدا ، كان يقبل خدي وعنقي وأنا لا أفكر
سوا في أني سأسقط من هنا فقلت بضيق " نواس يكفي
توقف أقسم أنني خائفة "
ضحك وغمر وجهه في عنقي أكثر يقبله ثم قال
" جبانة أنا وخاطر نجلس هناك عند الحافة "
أمسكت يداه أكثر وقلت " لا تفعلها مجددا ماذا إن وقعت "
لكنه لم يجب طبعا فحركت كتفي ورأسي وقلت بضيق
" نواس يا مجنون يكفي النهار بدأ يبزغ قد يرانا أحد "
ضحك وابتعد عن عنقي أخير ورحمني وسند ذقنه برأسي
وشدني له أكثر نشاهد منظر الشروق بصمت حتى نزل بيده
أسفل بطني وقال " ترى متى سيصبح هنا نواس صغير "
ابتسمت بسعادة على مجرد الفكرة واتكأت على كتفه
برأسي أنظر له للأعلى وقلت مبتسمة " كله أسبوع
واحد هل تضنني آلة صنع حلوى "
ضحك وانحنى لشفتاي وقبلهما قبلة صغيرة وقال
" بل خمسة أيام فقط يا ظالمة رغم أننا متزوجان من شهر "
قبلت أسفل ذقنه وقلت " ولما الاستعجال ورائي امتحانات
ورسالة تخرج فأخبر ابنك يؤجلها قليلا "
عاد بنظره للشروق وقال بهدوء " لو الأمر بيدي لكان منذ
ست أعوام وقت عودتي لهذه البلاد ، لقد تعبت من الانتظار
فمن هم في سني أبنائهم أعمارهم عشر سنين ويزيد وأنا
حياتي ضاعت أركض في مكاني وكل شيء ضدي منذ ولدت "
أبعدت رأسي عن كتفه ونظرت للأسفل بحزن وشعرت
أن كلامه أنا أحد المعنيين به فماذا كان في يدي لما أبقى
دائما ملامة منه لما لا يقدر وضعي وظروفي ، عاد لخدي
مجددا وقبله وقال بهمس حزين " تأخر ابني كثيرا يا وسن
تأخر حبيب والده فلا تؤخريه أنتي أيضا مزيدا من العمر "
ما يعني بهذا هل زوجته لا يمكنها الإنجاب ليطلبها مني أنا
وماذا إن حملت هي قبلي وحققت له مناه وتركتني في الخلف
ككل مرة ، قلت بحزن " قد تهديه لك غيري يا نواس "
ارتخت حينها ذراعاه عن احتضاني وكأن كلامي فاجأه ثم
قال بضيق " وسن حتى متى سنبقى نتحدث في هذا "
نزلت دمعتي لتسقط على رسغه مباشرة وقلت بعبرة
" قد تفعلها هي يا نواس هذه حقيقة لما نهرب منها "
أبعد يديه عني ووقف وقال بحدة " وسن يكفي أصمتي ولا كلمة "
ضممت ساقاي لحضني وانكمشت على نفسي وقلت باستياء
" تلك هي الحقيقة يا نواس فهل ترضى أنت أن أكون زوجة
لك ولغيرك في آن واحد , أقسم لو كنت تحبني كما أحبك لكنت
فضلت الموت على التفكير بها فقط فكيف إن كانت واقعا أمامك "
قال بحرقة " يكفي يا وسن كم مرة سأقولها "
ولم أسمع بعدها سوا خطواته الثقيلة مبتعدا رغم وعورة
المكان فضممت نفسي أكثر من الخوف فإن كنت جالسة
في حضنه وخائفة كيف إن تركني وحدي هنا ، زاد ارتجافي
لابتعاده وقلت بخوف وبكاء " نواس لا تبتعد لا تتركني
هنا أرجوك ، أي عقاب إلا هذا "
وازداد بكائي وخطواته تقترب مني حتى أصبح خلفي
ونزل مستندا بقدميه وضمني له مطبقا ذراعيه على
صدري وقال بهدوء " لن أتركك هنا يا وسن ما هذا الذي
تقولينه أردت فقط أن أبتعد بغضبي عنك ولا أرفع صوتي
أكثر ،آسف أقسم أني آسف ونسيت أنك ستخافين "
قلت بشهقات متتالية " أبعدني عن هنا لا أريد البقاء أكثر "
أوقفني وغادرنا عائدين ناحية السيارة حتى وصلنا هناك
واتكأت على بابها بظهري أمسح دموعي ونواس توجه
للخلف فتح بابها ثم عاد ناحيتي وفي يده قارورة ماء صغيرة
فتحها وقربها من فمي وأشربني منها بنفسه ثم رماها بعيدا
والمياه تتناثر من فوهتها حتى سقطت أرضا يجري مائها
على الحصى الصغيرة وضمني له قائلا " مي حكمتها ظروفي
يا وسن كم مرة سأقولها لك فمثلما كانت خطبتك من الصقار
بحكم ظروفك كما ترين فزواجي منها كان بحكم ظروفي
ولا أستطيع قول المزيد "
قلت بأسى وأنا أتمسك به أكثر " لكنها تشاركني فيك يا نواس
ولا أستحمل هذا لا أريد أن تكون لغيري أنت لي أنا ووحدي "
زاد من احتضاني أكثر وقال " لنترك كل شيء لوقته وسنجد
له حلا ودعينا الآن نعيش أيامنا هنا كما أريدها أنا ومنذ
سنوات أرجوك يا وسن "
ابتعدت عن حضنه وهززت رأسي بحسنا أنظر للأرض
فمد يده لذقني وأمسكه ورفع وجهي له ومسح دموعي بيده
الأخرى قائلا " ماذا أفعل ولا أرى عينا الغزلان هذه
دامعة ، ارحميني يا فؤاد نواس "
مسحت عيناي بقوة وقلت " حسنا لن أبكي حتى تنتهي رحلتنا "
ضحك وقبل شفتاي قبلة صغيرة وقال " يعني ما
أن نرجع سنعود للدموع "
ابتسمت ثم ضحكت ضحكة صغيرة أمسح طرف عيني
كالأطفال فأمسك وجهي بيديه وقبل شفتاي عدة قبلات
وقال مبتسما " كيف أفعل مع طفلتي يا بشر ستصيبني بالجنون "
قلت وأنا أحاول الابتعاد " نواس قد يرانا أحد ابتعد عني "
أمسك وجهي أكثر وقرب شفتيه من شفتاي وقال بهمس
" ما رأيك بواحدة كتلك لقد قتلتني بها يا وسن "
ابتعدت أضربه على صدره قائلة " نواس أقسم أن
أغضب منك لا تتحدث عن شيء مما كان عند تلك
الصخرة وسنتركه هنا "
ضحك وفتح لي باب السيارة قائلا " كل شيء قد
يبقى هنا إلا تلك تفهمي "
ثم توجه جهته وركب فتنهدت ألعن قلبي وغبائي على ما
حدث وفعلته لكن ليس ذنبي لم أستطع المقاومة ، ركبت
بسرعة على صوت منبه سيارته دون توقف وأغلقت الباب
وأبعدت له يده عنه قائلة بضيق " يكفي ثقبت لي طبلة أذني "
فضحك وشغل السيارة وتحركنا وأنا أحاول ترتيب شعري
على المرآة الأمامية بعدما أدرتها جهتي فقال مبتسما
" إن تعرضنا لحادث سير سيكون بسببك "
أعدتها جهته وقلت " وأي حادث هذا ولا طرق
معبدة هنا ولا ســ.... "
لأقطع كلامي صارخة وأنا أشير بإصبعي للخارج قائلة
" غزال نواس أنظر "
قال بصوت مبتسم " وغزلان أيضا يا غزالة نواس
فهذا مكانهم جلبتك له خصيصا "
كنت أنظر للغزال بدهشة وهوا يقفز قفزا وتحرك
نواس جهته بسرعة وقال " تمسكي جيدا "
أمسكت بطرف النافذة المفتوحة أصرخ بحماس وخوف من
سرعتنا قائلة " هناك دعنا نقترب منه ويوجد واحد آخر انظر نواس "
قال بعد ضحكة صغيرة " سأزيد السرعة إذا "
تمسكت بالنافذة أكثر وزاد السرعة وكلما لف بالسيارة
شعرت أنها ستقع بنا جانبا ثم قال صارخا " خذي
البندقية من الخلف واصطاديه "
قلت بصراخ أكبر " مستحيل لا أستطيع "
قال ضاحكا " جبااااااانة "
ضربته بقبضتي على كتفه وقلت " بل لا أريد أن يموت "
قال " حسنا شاهديه فقط إذا وهناك مفاجأة لك "
نظرت لهما وهما يبتعدان ونواس يخفف السرعة
وقلت بحسرة " ابتعدا ليثني فقط أحضرت هاتفي "
أوقف حينها السيارة فنظرت له بحيرة وهوا يفتح الباب
وينزل ثم توجه جهة بابي فتحه وقال " انزلي سنتبادل الأمكنة "
نظرت له بصدمة فأمسك يدي وسحبني للخارج قائلا
" سيعجبك هذا فقط جربي "
وقفت خارجها وقلت " لا أستطيع لا أعرف "
سحبني للجهة الأخرى وقال " جربي فالأمر سهل
جدا وكثيرات يقدن السيارات "
ركبت منصاعة وقد أكون أحببت الفكرة وأغلقت الباب
وركب هوا بجانبي وأغلق بابه وقال " هيا اضغطي بقدمك
على تلك وتحكمي بالاتجاهات بالمقود وأنا سأحرك
ذراع السرعة بجانبي "
فعلت كما قال فتحركت السيارة فصرخت ضاحكة بحماس
وأنا أقول " فعلتها نواس أنا أقودها فعلا "
ضحك وقال " نعم والآن اضغطي هذه أكثر واستعدي للإسراع "
فعلت كما قال لتنطلق السيارة مسرعة وتقفز بنا فوق الصخور
فصرخت قائلة بذعر " ماذا أفعل أنا خائفة أوقفها نواس بسرعة "
قال ضاحكا " لا تخافي وأبعدي قدمك قليلا "
خفت سرعتها وأصبحت أعتاد الأمر شيئا فشيئا وأقود بحماس
وسعادة ونواس يوجهني لما أفعل حتى ترك ذراع السرعة
والتفت للمقعد الخلفي وأخذ بندقية الصيد وعاد للأمام قائلا
" قودي في ذاك الجانب على ذات السرعة "
تحركت حيث قال وأخرج هوا البندقية من النافذة وجزء
من جسده معها وقال " حركي ذراع السرعة للأمام
درجتين وزيدي السرعة يا وسن وفي نفس الاتجاه "
فعلت ما قال رغم توتري وخوفي وأصبحت سرعتي مخيفة
وأنا أصرخ بأني خائفة وسأبعد قدمي وهوا يصرخ أن أتابع
حتى سمعت صوت إطلاق النار فأبعدت يداي وأغلقت بهما
أذناي صارخة فأمسك نواس المقود وأوقف السيارة ثم فتح
الباب ونزل منها قائلا " رائع لقد اصطدناه ، أنا وخاطر
كان يأخذ منا نصف يوم "
توجه لجهة معينة رفع شيئا ثم عاد جهة السيارة وأراه لي من
بابه كان شيء يشبه الأرنب وليس أرنبا ولا فأرا شيء غريب
حركه وقال بحماس " هذا الحيوان أصعب صيد في البرية
جميعها فكم كان يتعبنا وحصلنا عليه اليوم بسهولة "
كنت أنظر له في يده باستغراب ثم نزلت قائلة " أرمه واركب
مكانك وقُد سيارتك بنفسك أنا تبت عن فعلها ما حييت "
ضحك وقال وهوا يتوجه لصندوقها الخلفي
" كيف أرمي صيدا ثمينا كهذا "
ركبت مكاني السابق وركب هوا وحرك السيارة قائلا
" ستتذوقين طعم لحمه وستعرفين قيمة صيدنا هذا "
نظرت له وقلت بقرف " يع أنا تريدني أن آكل من ذاك الفأر الكبير "
ضحك كثير ثم قال " هذا الفأر الكبير يرابط البعض
لأيام في البر لاصطياده "
قلت ببرود " مغفلين لو يشتروا دجاجة ويأكلوها أفضل لهم "
عاد للضحك مجددا فنظرت جهته وقلت " هل تصطادا دائما "
قال ونظره للأمام " أحيانا نقضي أكثر من أسبوع نخيم في البر "
قلت باستغراب " ألا توجد هذه الأشياء في الأسواق
تشترونها أوفر لكم من كل هذا التعب "
عاد للضحك فقلت بتذمر " نواس لا تسخر مني "
قال بعدما أنهى ضحكه " المتعة في مطاردته
واصطياده ليس شرائه "
قلت ببرود " هواية غريبة "
قال مبتسما " ألم تستمتعي بكل ما فعلته ثم يفترض
بك أن تحبي كل ما يحب زوجك "
شعرت بمشاعر غريبة وهوا يقول زوجك وينسب نفسه
لي بل يؤكد لي أني لست في حلم ، ضممت ذراعه ودسست
وجهي فيها وقلت بألم " آه يا نواس كم بعُد هذا الشيء
وطال حتى أتعبنا ودخل الأغراب وأخذوا هذه
الخصوصية واجتازوها "
مسح على شعري بيده الأخرى وقال " المهم أننا الآن معا
يا وسن هذا المهم فالصعب أن يكون فراقا لآخر العمر "
أبعدت وجهي وقبلت خده واتكأت على ذراعه وبقيت
متمسكة بها وسرنا مسافة حتى وصلنا لطريق ترابي وقال
" دعيني أخرج هاتفي "
ابتعدت عنه وتركت ذراعه فمدها للدرج فتحه وأخرج هاتفا
غريبا كبير وقبيح فتحه واتصل به ، يبدوا أنه الهاتف الذي
يعمل بالأقمار الاصطناعية فلا اتصالات هنا ، قال بعد قليل
" مرحبا بابن الصحراء "
ثم ضحك وقال " وكيف تكون هذه يا غبي المهم أني
في الطريق إليك "
سكت قليلا يستمع ثم ضحك وقال " لا طبعا لا نكبات هذه المرة "
" حسنا نلتقي ونتحدث المهم سأوقف سيارتي عند الغرف
الشرقية لتنزل زوجتي هناك فابتعد أنت ورعيانك
عن الجهة بأكملها "
استمع له ثم ضحك وقال " افعل ما قلت من غير كثرة
حديث يا معتوه وسنلتقي ونتحدث "
أنهى بعدها المكالمة ونظر لي ثم أماما وقال " زوجته وأبنيه
هنا سأنزلك عندها لتأخذي منها شيئا تغطي به شعرك
وتتعرفي عليها وسيعجبك المكان "
قلت بحماس " رائع فكم سمعت عن الأماكن التي ترعى
فيها الإبل والمواشي وقالوا أنها جميلة "
ضحك وقال " من هذا الذي كذب عليك "
قلت بعبوس " نواس ما بك لا أقول شيئا لا تضحك
منه يبدوا تسخر مني "
مد ذراعه لي ونظره أمامه وقال " تعالي يا قلب
نواس هل هناك من يسخر من قلبه "
اتكأت على كتفه وضمني بذراعه فمسحت بكفي على صدره
صعودا حتى طوقت عنقه وقلت بهمس " أحبك نواس
أحبك بحجم لا تتصوره "
مسح على ظهري بيده في صمت يقبل رأسي كل حين وبعد
مسافة وصلنا لسور كبير ومنخفض بعض الشيء فابتعدت
عن كتفه وقلت باستغراب " هل هنا يعيش صديقك "
أوقف السيارة وقال " لا هنا إحدى المفاجأات هيا انزلي "
قلت بحماس " رائع ومفاجأات أيضا "
نزل ودار جهتي فتح لي الباب وأنزلني بنفسه فقلت
ضاحكة " يلزمها سلالم من علوها "
قبل خدي وقال وهوا يغلق الباب " بل أنتي يلزمك
كعب حداء مرتفع "
ضحكت وقلت " وكيف أسير به هنا "
أمسك يدي وسحبني معه نسير بجوار السور أحاول رؤية
شيء مما ورائه ثم قفزت لأرى فوقف وأبعدني قائلا بضحكة
" توقفي يا مخادعة حتى نصل "
قلت مبتسمة " لم أستطع أكاد أموت فضولا "
ضحك وتحرك بي قليلا حتى كنا عند باب حديده منخفض
حتى نصف أجسادنا والباقي أعمدة حديدية فقط ليظهر لي
ما يخفي هذا السور الطويل وشهقت بقوة وأنا أرى العدد
الكبير من الغزلان بداخله بأحجام مختلفة منها النائمة ومنها
الواقفة والتي تقفز وتركض فأمسكت بالقضبان وأنا أنظر لها
وقلت بحماس وصدمة " نواس كل هذه غزلان ما أروعها "
أخرج مفاتيح من جيبه وفتح بأحدها قفل الباب وأبعد
السلسلة الحديدية وفتحه قائلا " نعم كلها غزلان
وملكي أيضا , ادخلي هيا لتريها عن قرب "
قلت بتردد " ألن تؤذينا "
قال وهوا يدخل أكثر " لا وأغلقي الباب بعد دخولك "
دخلت ورددت الباب ووقفت بجانبه أنظر لهم
حولنا وقلت " كلها لك أنت "
وضع ذراعه على كتفاي وقال " نعم ولك أنتي معي فمالي
مالك وأملاكي أملاكك وهذا أحدها "
نظرت له وهوا ينظر لهم وقلت " وما لديك هنا غيرها "
نظر لي وضحك وقبل شفتاي وقال " هل تريدي
أن تحصي أملاكك "
قلت باستياء " نواس ما هذا الذي تقوله "
ضمني لكتفه نشاهدهم معا وقال " لا شيء غيره فالإبل
والمواشي لا تستهويني أما هذه فحبي لها من حبي لك "
ثم اقترب بي حتى سرنا بينهم وكنت أنظر بخوف للضخام
فيها وقلت وأنا أتمسك به " نواس ما بها بعضها مخيف "
ضحك وقال " هؤلاء الذكور تعالي لتري هذا "
وصلنا عند واحد صغير بل يبدوا أصغر المجموعة ونزل له
يمسح على ظهره وقال " هذا آخر مولود عمره أيام فقط "
نزلت مثله ومسحت على وجهه الصغير بسعادة وقلت
" علمت الآن لما كنت تأتي هنا دائما وتبقى لأيام , من
روعة كل شيء في هذا المكان "
وقف ووقفت معه وقال وهوا يمسح على إحدى الغزلان
بجانبه " هذه المخلوقات حذرة جدا ولا تؤمّن لأي أحد ولو
لم يعتادوا رؤيتي لما سمحت لنا والدة الصغير بلمسه "
قلت بخوف " تقصد أنه إن كنت وحدي هنا لخرجت
مليئة بالثقوب بسبب قرونها "
ضحك وقال " لا طبعا إن لم تؤذيها , لكنها ما كانت
ستبقى قريبة منا هكذا وستبتعد عن مكان تواجدك "
لويت شفتاي وقلت بغنج " يالا عديمو الذوق يحبونك
أنت الرجل وأنا المرأة الرقيقة يخافون مني "
ضحك وشدني ناحيته وأمسك وجهي وبدأ بتقبيلي فقلت
بضيق مبتعدة عنه " نواس توقف هذه حيوانات لكنها
تنظر ثم ماذا إن جاء أحد هنا "
حضنني ضاحكا ثم سار بي بينهم فبدأت بالركض خلف
الغزلان الصغيرة بينهم فوحدها أقدر عليها لكني كلما اقتربت
من أحدهم هرب مني ونواس في ضحكة واحدة حتى
قال صارخا " اهربي وسن أحد الذكور قادم من خلفك "
لأصرخ تلك الصرخة المدوية ولم أشعر بنفسي إلا وأنا في
حضنه وهوا يضحك فابتعدت عنه أضربه بقبضتي على
صدره وقلت بضيق " كاذب وكم تحب أن تضحك علي "
أمسك وجهي وعاد لتقبيلي مجددا فابتعدت عنه بقوة
وقلت " محتال لهذا فعلت ذلك "
قال بضحكة " لو لم أفعل هذا لما أتيتِ لي أبدا "
أبعدت يداه وابتعدت مجددا أركض خلفهم وقال ضاحكا
" حسنا تعالي سأقول لك شيئا "
لكني لم أكترث له ولم أخرج معه حتى أمسك لي بأحدهم
ووضعه جالسا في حجري أمسح على ظهره فوضع
يديه وسط جسده وقال " هكذا سأشعر بالغيرة "
ضحكت وضممت عنقه الصغير بذراعي فأبعده عني
بالقوة وقال " يكفي الوسن تشاركني هذا الحضن
هيا بسرعة سنغادر "
خرجنا من هناك وركبنا السيارة وتوجهنا نحو غرف
مبنية حديثا وبجانبها أشياء يبدوا تعمل بالبنزين أو الديزل
من أصواتها ومؤكد من أجل الماء والكهرباء , أوقف
السيارة وقال " انزلي هنا , في هذه الغرف عائلة خاطر "
نظرت له وقلت باستغراب " يعيش وعائلته هنا !! "
هز رأسه بنعم وقال مبتسما " زوجته رفضت تركه هنا
والعيش في المدينة بل كانت وابنيها في خيمة هنا "
نظرت له بصدمة وقلت " غبية "
ضحك كثير ثم أمسك أنفي وقال " ولما غبية تحب زوجها
وتريد أن تكون معه تحت أي ظرف كان هل كنتي
أنتي ستتركينني هنا وتعيشين هناك وحدك "
أبعدت يده ووضعت يداي وسط جسدي وقلت
" ولما لا تفكر أنت بي "
انحنى جهتي وفتح بابي وقال مبتسما " كيف أترك عملي
ورزقي من أجلك ونموت جوعا هيا فزوجته تنتظرك "
استوى في جلسته مجددا فلففت ناحيته وطوقت عنقه
بذراعاي وقبلت خده ثم ضممته بقوة وقلت بهمس
" سأشتاق لك "
مسح بيده على ظهري وقبل خدي وقال
" كلها ساعات قليلة وسنكون معا "
ابتعدت عنه انظر له فأمسك وجهي وقبل شفتاي قبلة
صغيرة وقال " إن لم يعجبك الوضع هنا فأخبريني فقط "
هززت رأسي بحسنا وقبلت شفتيه سريعا ونزلت وطرقت
الباب ودخلت المكان لأجد في استقبالي زوجته التي قابلتني
برحابة ووجه مبتسم وأدخلتني للداخل ، كانت مجموعة غرف
على ما يبدوا وأحدها مطبخ ويبدوا الحمام مستقل في الخارج
كما أنه لا يزال هناك المزيد من الغرف المنفردة غير هذه
دخلنا لغرفة مجهزة بمجلس أرضي أرقى من تخيلي ومن هذه
الصحراء وجلسنا وجاء ابنها ويبدوا لم يتجاوز العامين وقال
كلاما لم أفهم أغلبه فوقفت وقالت " بعد إذنك ابني يبدوا
استيقظ سأجلبه وأرجع لك "
ثم خرجت وعادت بعد قليل تحمل طفلا يبدوا عمره أشهر
وضعته في حجري وقالت " إن لم يزعجك الأمر امسكيه
قليلا حتى أحضر لك فستانا وحجابا كما طلب زوجك "
هززت رأسي بحسنا مبتسمة لها فخرجت وابنها يتبعها
ونظرتُ أنا للصغير في حجري وهوا يلعب بالخيط المتدلي
من قبعة بيجامتي وابتسمت بحب وضممته لحضني ومشاعر
غريبة تولد في داخلي وتمنيت بالفعل أنه ابني من نواس فكم
سيكون ذاك شعورا رائعا أنا حقا أريد ذلك وأكثر منه ، بعد
قليل عادت زوجة صديق نواس وجلبت فستانا طويلا مزركشا
بالخيوط ومدته لي وقالت " أتمنى أن يعجبك ويكون على
قياسك والحجاب معه البسيه وقت الحاجة له "
أخذته منها وقلت بامتنان " شكرا لك واعذري
ثقلنا فالأمر لم يكن مدبر له "
أخذت ابنها مني وقالت " أبدا أنا سعيدة أن زارتني
امرأة هنا ، سأخرج فالبسيه على راحتك "
قلت بإحراج " لو لم يكن فيها ثقل أريد أن أستحم أولا "
قالت مبتسمة " الحمام هنا بجانب الغرفة ويوجد
غيره في الخارج "
وقفت ودخلت الحمام استحممت ولبسته وغسلت البيجامة
لأنها اتسخت قليلا ونحن من مكان لآخر ثم ارتديت الفستان
كانت المرة الأولى ألبس هذا النوع منهم في حياتي فلباسي
كان دائما بنطلونات وتنورات ، خرجت بعدها وعدت للغرفة
فوجدت طعاما تجلس وابنيها حوله وقالت مبتسمة ما أن رأتني
" عليك أجمل مني فجسدك أنحف وأنا ممتلئة فلم
أرتديه سوا مرة واحدة "
توجهت نحوهم وجلست وقلت " كنت ممتلئة قليلا مثلك
لكني الفترة الأخيرة بسبب تعب معدتي فقدت كثيرا من
وزني وسيكون عليك أجمل بالتأكيد "
قالت بعد ضحكة " أبدا نحافتك متناسقة وجسدك جميل ولون
بشرتك الناصح عكس على لونه كثيرا فلا تجامليني "
ثم قربتْ الصينية وقالت " تفضلي شيء بسيط حتى
وقت الغداء فزوجك قال أنك لم تأكلي شيئا "
قلت بحياء " لما تتعبين نفسك نواس فقط يبالغ في
هذا فأنا لا رغبة لي في الطعام "
قالت وهي تطعم ابنها " يبدوا يخاف عليك كثير حتى
أنه أخبر خاطر يتأكد مني أنك أكلتي "
قلت مبتسمة بإحراج " نواس هكذا دائما "
قالت ضاحكة " أو أنكما عرسان جدد "
ضحكت وقلت " أجل تزوجنا منذ شهر فقط "
ثم ضحكنا معا وقالت " شهر ويجلبك للبر بدلا
من أن يسافر بك لمكان أفضل "
مددت يدي للخبز وقلت " هكذا كانت الظروف ثم ما
به البر لقد استمتعت كثير ولم أتخيله هكذا "
وأمضينا الوقت نتعارف ونتحدث وعلمت أنها متعلمة وحاصلة
على شهادة إدارة أعمال وانتهت بالعيش هنا وتربية الأولاد
وما يعجبني فيها قناعتها التامة بوضعها وما يهمها أن تكون
بقرب زوجها ، أعددنا الغداء معا وتناولناه سويا والرجال
وحدهم ثم أخبرتني أن زوجها ونواس خرجا للصيد هوايتهما
المفضلة وبعدما تناولت الغداء ومدحته كثيرا علمت أن السبب
هوا لحم ذاك الشيء الذي اصطاده نواس وأنا أكلت منه
بشهية وأعجبني ولم أكن أعلم أنه ذاك الفأر الضخم
وقضيت النهار برفقتها وخرجنا نتمشى قليلا بجوار غرفهم
وتحدثنا عن مواضيع كثيرة وأعجبت بثقافتها ورقي أفكارها
فهي وهذا البر لا يتوافقان أبدا ، نظرتْ يمينا وقالت
" هذا صوت سيارة زوجك يقترب لنرجع لأن خاطر
يكره خروجي نهارا وحدي بوجود الرعيان "
قلت ونحن نرجع جهة الغرف " وماذا إن
كان رآنا ستتسببين لنفسك بمشكلة "
دخلت قائلة وأنا أتبعها " خفت أن يصيبك الملل هنا سجينة
الغرفة طوال النهار ثم لا خوف منه مادام زوجك معه "
وتابعت وهي تجلس بابنها " كم مرة سمعته في السابق يتحدث
معه عني وأبنائه ويقول له بأنه يظلمنا بالعيش في هذا المكان
حتى أنه هوا صاحب فكرة البناء هنا وأصر عليه بل وساعد
في كل هذا حتى اكتمل البناء ، زوجك إنسان ينذر وجوده
بين الرجال فله قلب يحمل حنان قلب امرأة "
ابتسمت بحب بل بفخر بسبب كل ما قالته عنه فنواس هوا
نواس كما عرفته من قبل أن أراه فقط تقلبات قدرنا من
غيرته ناحيتي سابقا , وقفتْ ودخلت المطبخ ومؤكد لتعد
العشاء ويبدوا أن الصيادان لم يصطادا شيئا أو هكذا ظننت
لأنه ما أن انتصف المساء حتى أحضر زوجها لنا لحما مشويا
على النار وأكلت منه وكأني لم آكل شيئا وأنا من تعشت الآن
فطعمه كان رائعا ثم جلسنا أساعدها في تغيير ملابس طفليها
حين طرق أحدهم الباب وهوا زوجها بالتأكيد لكنها عادت سريعا
وقالت " زوجك يريدك عند النار لفي خلف هذه الغرف وستجديه "
وقفت ولبست حجابي وخرجت ولم أتوقع أن يطلبني للخارج
ظننته سينام مع صديقه ونغادر صباحا ، سرت حول غرفهم
ووجدت أخرى وسرت خلفها أيضا أشعر بالخوف من الظلام
وسكون المكان فلا وجود ولا لضوء القمر , وضوء غرف
صديقه بقي خلفي ، سرت حتى رأيت ضوء النار فشعرت
بالأمان وأنا أرى الجالس هناك يعطيني طهره ووقفت مكاني
حين مر صديقه من خلفه دون أن ينتبه لي ووضع يده على كتف
نواس وقال " تصبح على خير فمؤكد لن أراك قبل الصباح "
شعرت بأني أنصهر خجلا من كلامه وضحك نواس وقال دون
أن يلتفت إليه " نعم وما أفعل بك وأترك حضن زوجتي "
لأشعر أنه سيغمى عليا من الإحراج وعدت خطواتي للوراء
حتى ينتهي حديثهما فيبدوا أنه لا حدود بينهما في هذا فقد
استمر ضحكهما وكان نواس يرميه بالأحجار الصغيرة وذاك
يتحدث ويضحك ، بقيت قليلا حتى غادر صديقه واقتربت منه
وشعر بخطواتي ما أن صرت خلفه فالتفت لي ونظر لجسدي
وفستاني على ضوء النار ثم مد يده لي وقال مبتسما " تعالي يا
غزالة نواس التي لم يزدها البر وملابسه سوا فتنة "
عدلت حجابي أنظر للأرض بخجل واقتربت منه وأمسكت
يده وجلست بجانبه فضمني لكتفه بذراعه ونزع حجابي بيده
الأخرى وقال " هل أعجبك المكان هنا أم نغادر الآن "
حوطت خصره بذراعاي وقلت بهمس " بلى أعجبني "
مسح على شعري يبعده عن وجهي وقال
" إذا يبدوا رحلتنا ستطول هنا "
ابتعدت عنه ونظرت لوجهه وقلت " لولا جامعتي لبقينا
أكثر لكن امتحاناتي اقتربت كثيرا و رسالة تخرجنا
تأخرت بسببي بما يكفي "
حضن وجهي بيده وقبل خدي وقال " كل ما تريديه
سيحدث سنقضي الغد هنا ونرجع ليلا للمزرعة "
بقيت أنظر لملامحه مبتسمة بحب فمسح بظهر أصابعه على
خدي وقال بهمس " لو كنت شاعرا لكتبت قصيدة في هذه
الملامح التي علمتني الليلة أنه لضوء النار حكايا كثيرة حين
يكتب على صفحات الحسن والفتنة فهل السر في
النار أم في حبيبتي "
قلت مبتسمة وعيناي في عينيه " كل هذا ولست شاعرا "
ثم أملت رأسي وقلت بنبرة طفولية " وهل عندك شك
أني أنا من زدت النار روعة "
لأكتشف أن هذه أكبر حماقة مني وفي غير وقتها لأنها جعلتني
فريسة لقبلة مجنونة عبثا سأحاول إيقافها لأنها أضعفتني حد
العجز عن كل شيء سوا عيشها معه ثم أبعد شفتيه قليلا
وتنفس بقوة وقال بهمس وشفتاه تلامس شفتاي
" أحبك غزالتي وأقسم لم أعرف هذا إلا معك "
لم أفهم إن كان يقصد الحب لم يعرفه إلا معي أم قبلته لي
لكني فقط شعرت بالسعادة لكلماته فنزلت دمعتي سريعا لتسبق
أصابعه نزولها فعانقته بقوة وقلت بعبرة " تأخرنا كثيرا نواس
كم تأخرنا عن كل هذا , لما حدث معنا كل ما حدث "
ضمني له بقوة وقبل خدي بحنان وقال " المهم أننا اجتمعنا مجددا
قولي هذا كلما زارت هذه الأسئلة بأحزانها قلبك يا وسن"
شددت ذراعاي على عنقه أكثر وقلت " أجل المهم أننا في
النهاية صرنا معا يا عينا وسن التي تعشقها "
حملني بعدها وسار بي فتمسكت بعنقه وقلت
" نواس أين تأخذني "
ضحك وقل " لغرفتنا هنا طبعا أم تضني أني سأتركك
تنامين الليلة بعيدا عني "
*
*
كنت جالسة مكاني كالصنم منذ استمعت للبرنامج والمتصلة
التي قالت أنها والدة أحزان السنين وكانت تبكي وتطلب أن
ندعو له لأنه في المستشفى وفي حالة حرجة بسبب تعرضه
لحادث مروري ، وأنا هذا حالي جالسة طوال الليل وكل
دمعة تلحقها الأخرى أنتظر طلوع شمس الصباح ووسن
الحمقاء لا تجيب على هاتفها حتى أني من صدمتي اتصلت
بنواس وهاتفه مغلق , يبدوا أنها تنام في حضن زوجها وأنا
هنا أغلي من الانشغال وقلة الحيلة ، وقفت وبدأت بالدوران
في غرفتي أضم يداي لصدري وأتمتم بخفوت " يا رب
صبرني حتى الصباح وأحفظه من أجلي يا رب هوا طوق
نجاتي من همومي , بل ليبقى حيا حتى إن كان لغيري "
وما أن طلعت شمس الصباح حتى خرجت من المنزل ولم
أخبر أحد كي لا يمنعوني فلن يوافق خالي ولا جدتي على
خروجي ، ركبت سيارة أجرة وتوجهت لأكبر مستشفيات
العاصمة في الفور نزلت ودخلت راكضة ألهت وتوجهت
من فوري لقسم الاستقبال كان هناك شاب وممرضة وآخر
يولي ظهره جالس على الكرسي فقلت ما أن وقفت
" هل وصلت حالة لحادث سير أسمه معاد أحمد الشـ "
ولم أكمل جملتي حتى قالت الممرضة
" وصلت قبل ليلة البارحة وتم نقله "
قلت من فوري " أين أخذوه "
رفعت كتفيها وقالت " لا علم لي أخرجه أحدهم في
إسعاف خاصة قد يكونوا أخرجوه خارج البلاد "
أمسكت قلبي وقلت بدمعة محبوسة
" هل حالته خطيرة لهذا الحد "
نظرت للشاب ثم لي وقالت بسخرية " لو لم تكن كذلك ما نقلوه "
قلت بضيق " وهل تريه وقت سخرية واستهزاء إنسان
يموت أسألك عنه ويكون جوابك باردا كقلبك "
قالت بحدة " ما رأيك أن تضربيني أيضا لست من
صدَمه ولا صدم به أو لا أكون قتلته ولا أعلم "
قلت مغادرة " لو كنت فعلتها لقتلتك وكل سلالة عائلتك "
ثم خرجت من المستشفى كل دمعة تلحقها الأخرى ووقفت
لا أعلم أين سأذهب وما سأفعل ، ما به حضي هكذا بعدما
وجدته يموت ويتركني ، ليعيدوه لي حتى مشلول أو من غير
ساقين المهم يرجعوه لي حيا وتلك الحمقاء وسن لا أعرف متى
ستجيب على هاتفها أو يفتح زوجها هاتفه هل هذا وقته الآن
تنام في العسل وأنا أحترق وكأنه ليس صديقه وأنا لا أحد لي
غيرهما ، جربت رقمه مجددا وعلى حاله مقفل لما من يحدث
له حادث يغلقوا هاتفه ؟ شعرت بشيء ضرب كتفي ودفعني
للأمام فنظرت فكان صديق نواس الآخر ذاك الوسيم المدعو
معتصم فكان وكأن ساعة الفرج حلت علي , نظر لي
وقال " عذرا يا آنسة آسف كنت مستعجلا "
آه يالا حظ من تكون زوجتك وسامة فاقت الحد ولباقة وأسلوب
كان سيغادر فلحقت به فمؤكد جاء يسأل عنه وسيعرف كيف
يصل له , ركب سيارة لا تقل جمالا عنه وكأنه خلق لها
وصنعت لأجله وتحرك ليغادر وهاتفه على أذنه فركبت سيارة
الأجرى وقلت للسائق " الحق هذه السيارة وسأدفع لك كل ما تريد "
تبعنا سيارته حتى وصل لمستشفى خاص نزل ودخل وأنا خلفه
عيني لم تتركه لحظة حتى دخل إحدى الغرف فانتظرته بعيدا
حتى خرج فتسللت للغرفة وفتحت بابها ببطء متمنية أن لا
أجدها فارغة لأن صديقه ذاك خرج سريعا وما أن فتحت
الباب حتى وجدته مضجع على السرير يضع ساق على
الأخرى وينظر لي بابتسامة انتصار فشهقت بصرخة أو
صرخت بشهقة عندما قال " وأخيرا يا ملاك الليل "
*
*
شعرت بشيء يجري على يدي فنفضه وجلست صارخة من
نومي لأجد نواس جالسا بجانبي ويضحك وفي يده عود قش
فأمسكت الوسادة وضربته بها كثيرا وقلت بضيق
" ظننتها حشرة من بركم هذا , لقد أخفتني الا تُقدر أني
نائمة كم تهوى إزعاجي يا نواس "
أبعدها وأخذها مني ورماها بعيدا وسحبني ناحيته فخلصت
نفسي منه بصعوبة ووقفت وقلت " ابتعد لن تلمسني عقابا لك "
اضطجع على الفراش تحته مسندا لنفسه بمرفقه وقال بمكر
" جربي وستري ما سأفعل لك "
جمعت شعري للخلف أتأفف منه فضحك وقال
" حله الوحيد قصيه كشعري "
نظرت له بصدمة فمد يده لي وقال " تعالي تعالي "
هززت رأسي بلا وقلت " أين خرجت منذ وقت وتركتني "
ضحك وقال " كنتِ مستيقظة وتدعين النوم إذا "
تحركت مبتعدة أكثر وقلت " بل عدت للنوم مجددا
لأنك تأخرت كثيرا "
مد يده مجددا وقال " تعالي وسأخبرك "
هززت رأسي بلا فقال " تعالي أو جئتك أنا "
قلت مبتسمة " أهرب للخارج "
قال بصدمة " بملابسك هذه أقسم أن أدفنك هنا وأرجع "
شهقت بقوة وقلت " تدفنني يا كاذب يا من تقول أني
قلبك ومن دونه تموت "
وقف وتوجه ناحيتي فهربت من جهة الباب ففتحه ضاحكا وقال
" محتالة أعلم أني أتعبتك ولم أتركك تنامين البارحة لكن لدي
لك مفاجئة في الخارج بسرعة غيري ملابسك وأخرجي "
****************************************************
******************************************
|