**************************
عدت للقصر عند منتصف الليل فلم أستطع الرجوع قبل هذا الوقت
فتحت باب الجناح ودخلت الغرفة ولم يكن هناك أحد , رفعت
الهاتف المرمي أرضا مفتوح بدون شريحة ورميته على السرير
بغيض ثم توجهت لغرفة الملابس وفتحتها فكانت ثيابها كلها هنا
خرجت وتوجهت لممر غرف الأطفال وفتحت الباب فكانتا هناك
نائمتان وجلست ترف مباشرة وقالت " ظننتك ماما هل عادت "
قلت " وأين ذهبت لتعود "
مسحت الدموع من عينيها وقالت " لم أجدها صباحا ولم تأتي
طيلة النهار وجدتي قالت أنها رحلت ولن تعود "
تأففت وهززت رأسي وهممت بالمغادرة حين استوقفني
صوت بيسان قائلة " هل ستذهب لإرجاعها "
قلت مغادرا " لم أخرجها لأرجعها لو تريدكم لبقيت معكم "
نزلت للأسفل وغادرت القصر وتوجهت لغرفة السائق وضربت
بابها لينفتح على وسعه ويقفز من نومه واقفا وقال بخوف
" نعم سيدي هل من مشكلة "
أمسكت قميصه وشددته نحوي بقوة وقلت من بين أسناني
" أقسم إن أخفيت عني شيئا فصلت جلدك عن لحمك "
هز رأسه بحسننا فقلت " أين أرجوان "
قال من فوره " في منزلها طلبت مني .... "
هززته بقوة وقلت " أين كنت تأخذها وتطلب منك أن لا تخبر أحدا "
ارتجف وقال " لم يحدث ذلك أبدا "
هززته بقوة أكبر وقلت " لا تلعب معي وقل الحقيقة أو
لا تلمني يوم الحساب على موتك "
ارتجفتا حدقتا عينيه دليل إخفائه شيء يخاف من اكتشافه
فقلت " إذا تكذب يا عمر "
هز رأسه بلا بقوة فأطبقت يداي عل عنقه أشد من خنقه شيئا
فشيئا حتى توقف تنفسه فأرخيت قبضتي قليلا وقلت
" إن قتلتك فلن يلومني أحد فيك فتذكر هذا جيدا "
هز رأسه بلا بقوة فتركته وقلت " تكلم بالحقيقة إذا "
سعل كثيرا ثم قال " لمركز التسوق والمدعوة سوسن
فقط ومن قال غيره يكذب "
أمسكته من ثيابه وخرجت به من غرفته أجره جرا على الأرض
وقلت " لم أعرفك كتوما هكذا لكنت شغلتك معي في القسم "
سحبته على الحجارة في الحديقة ركبتاه وقدماه تنسلخان على
الأرض حتى قال " دار الرأفة للعجزة والمسنين "
وقفت ورفعته حتى وقف على طوله وقلت " فقط "
قال " نعم "
هززته وقلت بصراخ غاضب " ولما تخفي عني أمرا تطلب
منك إخفائه , لا وتكذب وتنكر وأنا أواجهك "
قال برجفة " لأنها قالت ستقتلني إن قلت لك "
غلبتني ابتسامتي فرميته وقلت مغادرا " في الصباح لا أجدك
هنا أو رأيت حسابك معي واحمد الله أني رحمتك الآن "
عدت بعدها للقصر وصعدت لأجدهم ثلاثتهم في انتظاري
فأشرت بإصبعي جهة الممر وقلت بحزم وأمر
" لغرفكم بسرعة ما يوقظكم حتى الآن "
قالت ترف " ولكن .... "
قاطعتها بحدة " لا أسمع صوتا وكلن في سريره فورا "
غادروا من أمامي وأمجد يسحب ترف من يدها باكية فتركتهم
وتوجهت لجناحي دخلت الغرفة ونزعت سترتي وربطة العنق
ورميتهما على السرير بغيض ودخلت الحمام أطفأ بالماء هذا
التعب والإرهاق وحتى الغيظ ، أي تصرف أحمق هذا يا أرجوان
يبدوا أنكن النساء نفس التفكير ولا تختلفن في شيء , حمقاء لو
كان لك عقل لأثبت للجميع من معه الحق لأني إن تكلمت حينها
لن يزداد الأمر إلا سوءا , ثم يفترض أن ما يهمك نظرتي لك
وبراءتك أمامي فأنا أعلم من أي نوع تكونين والدتي لن يقنعها
شيء وخروجك لذاك المكان كان ما يكون بغير علمي جريمة
وزيدي عليها موضوع موانع الحمل إن كان صحيحا
تستغفلني وتعاملني وكأني طفل لكن الذنب ذنبي أرخيت لها
الحبل حتى سخرت مني ، خرجت من الحمام لبست ملابسي
وغادرت مجددا عائد لمكتبي
*
*
منذ جئت صباحا وأنا أنظف الغبار الذي تراكم في المنزل طيلة
الأشهر الماضية ، وها قد عدت وأسرع بكثير مما كنت أتوقع
تنهدت بأسى ورميت منشفة التنظيف أرضا وجلست على الأريكة
غريب أن يسكت عن خروجي هكذا أو قد يكون لم يرجع للقصر
ولم يعلم لأنه لن يرحمني بالتأكيد ولن يطلب أن أرجع كما قالت
والدته المصون ولن أرجع ولو مت هنا جوعا ، كان يفترض بي
أن جلبت أبناء شقيقتي معي فلم أعد غريبة عنهم لكنها ستكون
فكرة فاشلة أكرر بها خطأ حسناء وسيرجعهم مني بسهولة
تحملت كل شيء حتى ضربها لي وجرح كرامتي لكن أن تصل
لشرفي شيء لن أسكت عليه وإن كان ثمنه خسارتي لأبنائي الذين
ربيت بل ووالدهم الذي لم أعرف الحب إلا معه لكن عند هنا ويكفي
فلم يكلف نفسه عناء أن يسكتها عن قول تلك الأمور التي يخجل
منها الجدار وهوا وكأنه يوافقها الرأي لم يعنيه ولا اتهامها لأم أبنائه
كل يوم أكتشف أكثر أنك لا تعترف بالحب يا جابر وأن وجودي
عندك كعدمه ، مسحت دمعة سالت كالجمرة على خدي بل خرجت
ملتهبة من أعماق قلبي ثم وقفت وتابعت التنظيف وكأني أهرب به
من كل شيء وحتى التفكير , وعلى ذلك الحال قضيت أغلب الليل
ونمت بعدها من شدة التعب ولم أستقض إلا وقت متأخر حتى أن
صلاة الفجر فآتتني , صليت وأخرجت هاتفي القديم وركبت فيه
شريحتي وشغلته لتصل الرسالة المعلقة فيه وكانت من سوسن
فتحتها فكان فيها ( أرجوان ماذا يحدث معك )
نظرت لأحرفها مطولا بحيرة فما يدري سوسن أنه حدث معي
شيء !! اتصلت بها فأجابت بسرعة قائلة " لا الأمر غير طبيعي
أبدا مادمتِ اتصلتِ بي ولم تراسليني برسالة "
قلت بحيرة " وما أدراك بما حدث "
قالت " إذا ثمة أمر ما "
قلت مباشرة " عدت للمنزل "
قالت بصدمة " ماذا !! ولما "
جلست وقلت " لأنه لا مكان لي هناك وهذا هوا مكاني "
قالت " إذا كما توقعت من كلام حامد أن ثمة ما حدث معك "
قلت بحيرة " وما دخل حامد بالأمر "
قالت بعد ضحكة صغيرة " عاد اليوم من عمله في حالة مزرية وقال
ما أن رآني ( أخبري صديقتك تخف على زوجها قليلا ليرحمنا ) "
فتحت فمي وقلت بصدمة " ولما قال هذا "
قالت مباشرة " يبدوا زوجك لم يرحم اليوم أحدا من غضبه
حتى أنه قال بأنه وبخ رئيسهم وأمام الجميع ولم يسلم منه
أحد فما هذا الذي حدث جعله هكذا "
قلت ببرود " هذا طبع جابر دائما فما تغير في الأمر "
قالت " أعلم لكن حامد لم يتحدث عنه هكذا من قبل "
تنهدت وقلت " الموضوع يطول شرحه فاجلبي ابنيك
وتعالي ولنا حديث "
*
*
نهضت قليلا من السرير مستندا بمرفقي أنظر للمختبئة عني خلف
الوسادة وضحكت بصمت , كانت ليلة البارحة ليلة مأساوية فلم
ترضى أن أنام معها حتى وضعت هذا الحاجز بيننا , مددت
أصابعي أبعد بها خصلاتها الذهبية عن وجهها وعيناي تسافران
في ملامحها الفاتنة , زهور يا متعبتي وعذابي لا تعلمي أي حريق
أشعلته بقلبي البارحة وأنا أسمع بكائك المكتوم وأنتي نائمة , أي
عذاب هذا الذي تعيشينه حتى نومك بكاء وأنين , اقتربت منها
وفكرة مجنونة تسيطر علي وعبثا سأحاول منعها , اقتربت أكثر
وقبلت شفتيها قبلة سريعة لتقفز جالسة تنظر لي بصدمة فابتسمت
وقلت " نعتذر عن تدني الخدمات الصباحية لكن هذا العربون فقط "
تنفست بغيض ثم رمتني بالوسادة وقالت بغضب
" ابتعد عني كم مرة سأقولها لك ألا كرامة لديك "
اتكأت برأسي على طهر السرير وقلت بابتسامة
" آه يا حبيبة رضا وقلبه وعيناه "
نظرت بعدها للأعلى حيث السقف وقلت " اشهدي يا سماء يا سحب
الحب يا حكاياتي مع مطر الشتاء ضاع قلبي حين عرف الكبرياء
بل ضاع عمري حين تركت أميرتي الحسناء .... قالوا ضاع منك
الكبرياء .... أغبياء فلا كرامة حين تُعشق الأشياء "
وقفت وقالت متوجهة للحمام " كاذب وممثل أيضا "
قفزت من السرير ولحقت بها وسددت عليها باب
الحمام بذراعي وقلت " سنخرج معا "
قالت ببرود " لا "
قلت بإصرار " بل سنخرج ولو لجلب بعض الأغراض
فمعتصم قادم الليلة بعدما اعتذر المرة الماضية "
أمسكت ذراعي تحاول إبعادها فلففتها حول خصرها فقالت
بضيق وهي تحاول الابتعاد " ابتعد عني بأي لغة تفهم أنت "
حملتها عن الأرض بين ذراعاي وقلت " بلغة الحب طبعا
وستخرجين معي أو خرجت بك هكذا "
دفعتني من صدري وقالت " مجنون ... أتركني قلت لك "
لففت بها حول نفسي فتعلقت في عنقي وقالت
" توقف رضا ... لا "
زدت من قوة دوراني أكثر قائلا " يا يومك اليوم يا رضا
وهذه الشفاه تقول اسمك "
قالت بذعر " توقف سوف أقع أقسم لك "
قلت " نخرج "
تشبثت بي أكثر وقالت " حسنا حسنا توقف "
توقفت عن الدوران وأنزلتها وجلست عل السرير وقلت
بنفس متقطع " أصبتني بالدوار كله من أجل نزهة
صغيرة , مهرك غال جدا يا زهور "
أمسكت فمها وركضت جهة الحمام فتبعتها ودخلت خلفها
مسرعا فكانت تحاول أن تتقيأ ولا شيء يخرج من معدتها
فرفعت لها جبينها بكف يدي وقلت " هذا كله بسبب إهمالك
للطعام ... معدة خاوية تماما "
ابتعدت عني وقالت " بل بسبب جنونك لقد أصبتني
بالغثيان , أخرج من هنا حالا "
قلت مغادرا الحمام " إذا لا تتأخري لكي نرجع مبكرا "
وصلت الباب ليوقفني صوتها قائلة " أخرج وحدك أنا لا
أريد الـ..... "
رجعت من فوري نحوها مسرعا فعادت للوراء قائلة
" أقسم إن أعدتها مجددا صرخت ولممت عليك الناس "
وصلت عندها وحملتها مجددا وقلت " وإن يكن فليأتوا ليروا
فاتنتي وسيعذرني الجميع , قرري نخرج أو نأخذ لفة هنا "
أبعدت وجهها عني وقالت " نخرج فاتركني "
أنزلتها للأرض وخرجت من الحمام وغيرت ثيابي
لا بأس نزهة ولو مجبرة خير من لا شيء
*
*
سمعت طرقا على الباب ففتحت لها ودخلت قائلة " ما هذا
يا أرجوان كاد رجال زوجك أن يزجوني في السجن "
نظرت لها بحيرة وأغلقت الباب وقلت " عن أي رجال تتحدثي !! "
قالت وهي تدخل لصالة المنزل " اللذين عند الباب طبعا , ألم تريهم "
تبعتها وقلت باستغراب " أنا لم أخرج ولم أرى أحدا "
جلست على الأريكة ورمت حجابها وحقيبتها وقالت
" لم يتركني أقرع الجرس حتى اتصل بأحدهم وأعطاه اسمي
كاملا من بطاقتي طبعا وأذن له وكان يناديه بسيدي
فلن يكون غير زوجك "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بضيق " ومن قال أني
أريد من يحرسني ، أو لا يكونون هنا لمنعي من الخروج "
رفعت كتفيها وقالت " لا تصرخي بي فلا علاقة لي بما يجري
ثم قد يكون خائفا عليك ويريدهم أن يحموك "
قلت بسخرية " بل يخاف على سمعته يا نبيهة , إن كانت خادمة
تجسست عليه أعدّها إهانة وجريمة في حقه فكيف أن يؤدي أحد
أعدائه زوجته ، أما أن يخاف علي فلا تنطبق علينا أبدا "
لوحت بيدها قائلة " لما لا تجلسي وتحكي لي ما حدث أولا "
جلست وقلت " نعم فلا شيء لدي أضيّفك به ولم
آكل شيئا منذ صباح أمس "
شهقت وقالت " ولما تعاقبين نفسك "
قلت بتذمر " غبية أي أعاقب لنفسي هذا ، لم آكل لأنه لا طعام
في المنزل وأنا انشغلت في التنظيف ولا رغبة لي في أكل شيء "
هزت رأسها بمعنى اتركينا في موضوعنا فتنهدت بأسى
وسردت على مسمعها كل ما حدث حتى وقت خروجي
فقالت بصدمة " ولم يتكلم أبدا !! "
ابتسمت بألم وقلت " لا طبعا بل لحقني ليستجوبني
إن كان ما قالته صحيحا كما حكيت لك "
قالت بعد صمت " أنا معك أنه أخطأ في حقك لكني
أراه تصرف بحكمة "
قلت بضيق " حكمة !! أي حكمة هذه التي تصرف بها "
قالت بهدوء " لا تغضبي مني يا أرجوان لكن إخفائك لتلك
الأمور عنه تصرف أحمق ، توقعت أن يجرك من شعرك طاردا
لك أو يضربك وأستغرب كيف أن كلام والدته لم يؤثر به "
قلت بصدمة " تضعين اللوم عليا يا سوسن أليس هوا من قال
لي بعظمة لسانه أنه يعرف جيدا من أكون ويثق بي حد أن
ترك لي أبنائه يوما كاملا واختارني زوجة لنفسي ولم يهتم
بما قيل عن والدي "
تنهدت وقالت " أنا لم أقل أنك المخطأة لكنه حد من خطأه وكان
يفترض بك التصرف مثله فهوا لم يدافع عنك أمام والدته لكنه
أيضا لم يستخدم معك أسلوب سحب المعلومات وتعرفي جيدا
براعته فيه أو أهانك وجرحك وصدق كلامها , وأنتي كان يفترض
بك أن تصرفتِ مثله خاصمته وعاتبته أو حتى هجرت جناحكما لكن
فكرة خروجك من القصر كانت غبية وهوا لن يأتي لإرجاعك مهما
حدث لأنك أنتي من خرجت من تلقاء نفسك دون حتى أن يطردك "
هززت رأسي وقلت " ومن قال أني أريد أن أرجع إلى هناك "
قالت بصدمة " ما قصدك بهذا "
قلت " لم يعد لي مكان ولا حياة معه فقد بدأها بكذبة
وانتهت بتهمة في شرفي فأنا في غنى عن كل ذلك "
قالت " حتى الأطفال "
نظرت جانبا وقلت " حتى الأطفال "
قالت بشبه همس " مستحيل ليست أرجوان من تتحدث "
قلت بحسرة " تبعت عواطفي كثيرا وما جنيت شيئا غير أن كثرت
خساراتي , كان في البداية الأطفال فقط والآن أصبحوا هم ووالدهم
وإن استمر الأمر ستتضاعف النسبة وتزيد بأبناء لي منه وأنا من
غبائي استمعت لنصائحك وأوقفت موانع الحمل من مدة وجيد
أنه لم يحصل حمل لأنه سيأخذ طفلي مني بالتأكيد "
هزت رأسها بيأس وقالت " تلك العجوز عرفتْ كيف تلعبها "
قلت بسخرية " لا وتذكرني أنه لن يركض خلفي ليرجعني تضنني
أفعل ذلك عمدا ليراضيني فلتزوجه بابنة راضية تلك علها ترتاح "
نظرت للأرض بشرود وقالت " لكن كيف لم تكوني
تعلمي عن شقيقتك "
هززت رأسي وقلت بحيرة " بل لم يخطر ذلك في بالي ولم أتخيله
ويبدوا والدتي بتكرارها لكلمة ابنتي تعنيها هي وليس أنا "
نظرت لي وقالت " وما ستفعلينه الآن هل ستخبرينه
عن أمر زياراتك لوالدتك "
قلت بجدية " مستحيل فيكفيها ما رأته من رجال الشرطة والسجن
والذل حتى فقدت ثلثي إدراكها وحواسها ولم تسلم منهم إلا حين
ظنوا أنها ماتت دماغيا وسجلوا لها شهادة وفاة ، حتى متى
ستبقى تدفع ثمن جرائم اتهم بها والدي ظلما "
تنهدت وقالت " وماذا ستفعلين الآن "
قلت ببرود " لا شيء سأعود لحياتي السابقة وسأكمل
دراستي وابحث عن عمل "
هزت رأسها بيأس وقالت " وكأنك لا تعلمين من يكون
زوجك وكيف أجبرك على الزواج به سابقا فلن
يحدث هذه المرة سوا ما يريد "
قلت بجمود " سيطلقني ولو خلعته في المحكمة "
قالت بصدمة " ماذا هل تعي معنى أن تحدثي هذه الشوشرة
وهوا صاحب مركز حساس كهذا "
قلت " بل وحضانة أبناء شقيقتي أيضا "
ضحكت وقالت " بربك أرجوان كيف تطالبين
بحضانتهم من والدهم "
قلت بلا مبالاة " لا يهم يكفيه الفضيحة "
قالت بجدية " أرجوان هل تنتقمين من والدته فيه أم تنتقمين
من جرحك منه فلا تنسي أنه يمكنه ردعك عن كل هذا بأبسط
الطرق بل وزجك في السجن دون أن يحتاج لتهمة "
أشحت بنظري عنها ولم أتحدث فوقفت وقالت " لو تريدين نصيحتي
عودي للقصر وتفاهما هناك وإن على الطلاق فقدومك هنا واتخاذك
لقرارات فردية لا يعلم زوجك عنها خطوة أغبى من الغباء ذاته "
قلت ببرود " لن أرجع لمكان أهنت فيه لتسخر والدته مني لأني
رجعت بنفسي ولن أرجع في كل الأحوال فأموت عزيزة
نفس خير من أن أحيا بلا كرامة "
قالت مغادرة جهة الباب " تذكري أنه لن يحصل إلا ما يريد
هوا حتى في موضوع الطلاق "
ثم وصلت عند الباب قائلة " لقد تركت الأبناء وحدهم
سأعود لك في وقت آخر "
ثم خرجت وتركتني كما كنت ، جلست مكاني لوقت أفكر في
كلامها أعلم أنه سيفعل ما يريد هوا أن يحدث لكني لن أسكت
عن جرح كرامتي مهما حدث فهوا لن يضره فراقي بما أنه
لا يحبني وسيعتاد على غيري من مبدأ عشرته الفاشل
وقفت وارتديت حجابي وعباءتي وأخرجت النقود التي تركتها
هنا من قبل زواجي به وهذا ما تبقى لدي فحتى مهري حجرت
عليه المحكمة ولا يمكنني الانتفاع به إلا في المسائل القانونية
لما قوانين هذه البلاد جائرة وظالمة ؟؟ لما مهر الفتاة يسلم
لوليها وإن لم يكن لها ولي حجروا عليه في المحكمة ليدفع في
الإجراءات القانونية كالكفالة عند السجن يالهم من ظالمين
فتحت باب المنزل ليقف أحدهم أمامي قائلا " عذرا سيدتي
لا يمكنك المغادرة دون أوامر من السيد جابر "
قلت بضيق " وهل أموت جوعا من أجل أوامر سيدك "
قال بهدوء " اعذريني سيدتي يمكنك التحدث معه ليسمح هوا بهذا "
ضربت الباب بكل قوتي ودخلت أخرجت هاتفي واتصلت به
وهذا آخر ما كنت أفكر فيه وطبعا لم يجب ولم أكرر
المحاولات بل أرسلت له ( أخبر رجالك يتركوا الباب )
ولم يصل منه أي رد طبعا فأرسلت له
( أريد أن أخرج ... بأي حق تمنعني )
ولا جواب طبعا ليتركني آكل نفسي من الغيظ وبعد أكثر من
ساعة أرسل رسالة فيها ( عندما تضعين عقلك في رأسك
اتصلي بالسائق الجديد ليعيدك للقصر )
ثم رقم السائق فضغطت على الهاتف وعلى أسناني من الغيظ
*
*
جلست على طرف حوض الاستحمام دون حراك لوقت
طويل حتى طرق الباب وقال " زهور لدي مفتاح
آخر للحمام وسأجلبه حالا "
تأففت ووقفت وفتحت الباب فكان واقفا أمامه فأمسك
يدي وسحبني منها قائلا " أقسم أن كل ما تفعليه على
قلبي كالشهد وكوننا معا وحده يكفيني "
استللت يدي منه بقوة وقلت " اتركني وشأني إذا "
وضع يديه وسط جسده وقال بابتسامة جانبية " يبدوا أن
الدوران في الهواء أعجبك وتريدين تجربته مرة أخرى "
تأففت وتوجهت جهة الخزانة وفتحتها قائلة بضيق
" لا أطيقك يا رضا لما لا تفهم هذا "
أخرجت ثيابي منها بغيض فأمسك يدي وقبلها وقال
" هل أخبرك سرا "
قبلها مجددا ثم نظر لعيناي وقال بابتسامة " عندما تذكرين
اسمي في عبارة لا اسمع منها شيئا غيره "
بقيت أنظر لعينيه لوقت أترجم تصرفاته وأستغرب أكثر أنه
رغم كل الشتائم التي يسمعها مني لم تتغير ولا حتى ملامحه
للسوء , نفضت يدي منه وأبعدت وجهي وقلت ببرود
" أخرج أريد أن أغير ثيابي "
ضحك ضحكة صغيرة وقال " ما رأيك تتركين لي المهمة "
نظرت له بصدمة فضحك وقال مغادرا الغرفة
" أمزح حبيبتي ما بك "
قلت صارخة " لست حبيبتك فلا تقل حبيبتي تفهم "
نظر لي من عند الباب وقال " حسنا لستِ حبيبتي فلا تتأخري
كما في الحمام يا حبيبة رضا "
ثم أغلق الباب بسرعة قبل أن يسمع جوابي , غيرت ثيابي بتذمر
مجبرة وأخذت حقيبة يدي وخرجت له فكان جالسا على الأريكة
فوقف ما أن رآني ووضع يداه وسط جسده وقال
" ما هذا يا زهرتي "
نظرت له باستغراب فتوجه نحوي وعاد بي للغرفة
قائلا " هل ترسمين لي على شجار مع المارة في
الشارع ما كل هذه الأناقة "
أخرج عباءتي وألبسها لي قائلا " حبيبتي لي أنا وحدي أقسم
أن نساء الأرض في كفة ووحدها في كفة , لم أقل زهور
فلا توبخيني , قلت حبيبتي أنتي لا تعرفينها "
ثم وقف أمامي وقال وهوا يغلقها على جسدي " ليتها تعلم
فقط أن حياتي من دونها كانت ظلام وأن أيامي معها بكل ما
فيها تساوي عندي الحياة وبهجتها حتى إن جلدتني "
قلت بحزن " قتلتني يا رضا أنا انتهيت فلا تبحث عندي عن شيء "
رفع وجهه لي بسرعة ونظر لي بضياع وحيرة ثم أمسك وجهي
بيديه وألصق أنفه بأنفي وقال بهمس " أعطنا فرصة يا زهور
فرصة واحدة فقط وأقسم أن أعوض كل ذلك "
أمسكت يداه وأبعدتهما عن وجهي وابتعدت عنه وقلت
" ظننتك لم تسمع من عبارتي سوا اسمك "
ضحك وأمسك يدي وخرج بي من الغرفة قائلا
" ومن قال أنني سمعتك "
خرج بي بعدها من الشقة وأغلقها ونزلنا لا يتوقف عن الحديث
أبدا ولا أعرف من أين له كل هذه القدرة على الكلام وكأنه يخرج
بطفلة وليس امرأة , نزلنا للشارع فسار بي على الرصيف قائلا
" لن نركب السيارة طبعا , أريدها نزهة مختلفة "
استللت يدي منه لكنه لم يتركها فقلت بتذمر " قلت سنشتري
أغراضا للمنزل وليس نتنزه على قدمينا أعدني فورا "
تجاهل طبعا كل ما قلت واجتاز بي الشارع يركض ويسحبني
خلفه راكضة كي لا تصدمنا السيارات حتى وصلنا وقال ضاحكا
" أريد أن تصدمني سيارة حمراء لا أريد السوداء
هل تذكرين هذه العبارة يا زهور "
وقفت ووقف هوا لوقوفي ونظر لي وقال مبتسما
" لم تنسيها إذا رغم السنين الطويلة "
نظر بعدها للسماء وقال " اشهد يا رب هي حبيبتي منذ كانت
تريد أن تصدمها سيارة حمراء وتنكر هي ذلك "
أشحت بوجهي عنه وقلت بحزن " كنت طفلة أراك كل شيء
لأني لم أكن أرى شيئا غيرك لكنك لم تكن كذلك لقد شوهتني
من الداخل فحتى إن تزوجتك كنت سأشعر بالنقص كل حياتي "
أمسك يدي وتابع سيره قائلا " ناقصة في نظر نفسك وفي عقلك
فقط , اقسم لو تزوجك عشرة قبلي ما اعتبرتك إلا امرأة كاملة "
سرنا لمسافة ثم دخل بي لمتجر كبير أخذ عربة وبدأ باللف
بها ممسكا لي طبعا وكأني سأهرب منه , واشترى الكثير من
الأشياء المهمة والغير مهمة يقف عند كل واحدة يقرأ كل ما
كتب عليها قبل أن يشتريها بعدها قابلنا رجلا ناداه من خلفنا
من بعيد فالتفت له وعاد بخطوات وحده وسلم عليه ومضى
الوقت يتحدثان فعدت للخلف قليلا ناحيتهما لأسمع ما سر كل
هذا الحديث فنظر لي ذاك الرجل ثم نظر لرضا وغمز له وقال
" ما هذه القذيفة هل لديها شقيقة حلفتك بالله تتصدق بها علي "
قال بضيق وظهره لي " عثمان تصمت أو أقسم أفقأ لك عينيك "
لكم كتفه وقال " قلت شقيقتها وليس هي فلما الغضب "
قال ببرود " لا شقيقات لديها وغض بصرك أو تنسى من أكون "
قال بدهشة " لا شقيقات لها لا تقل أنها حبيبتك تلك
التي صرعتنا بها لسنين "
ابتعدت حينها عائدة للخلف بل اجتزت الكثير من الرفوف مبتعدة
أسير وأنظر للأرض بشرود أفكر كيف يفعل ذلك بي يتركني
أواجه مصيرا هوا السبب فيه ويقول للجميع أنه يحبني , من يحب
لا يدمر حبيبه وينهيه , لو أنه أخبرني فقط بذلك كنت قتلت نفسي
وما تزوجت ذاك الرجل , كنت هربت معه حتى الهروب على
أن أوجه ذاك المصير وحدي
" زهور "
التفت للصوت الذي يناديني فكان رضا قادما نحوي مسرعا
بعربته ووصل عندي قائلا " آسف أمسكني من حديث لآخر
ذاك الثرثار فهوا يعمل معي في الجريدة "
تابعت سيري قائلة " يعمل معك لذلك هوا ثرثار "
ضحك وقال " مقبولة منك بل وجميلة أيضا "
قلت متوجهة جهة المحاسبين " ها قد انتهينا لنعد للشقة "
تحرك بجانبي قائلا " بل سنتناول الغداء في الخارج أيضا "
تأففت وابتعدت عنه فيبدوا لا خلاص منه وعليا استحماله باقي الشهر
*
*
مرت الساعات تلو الساعات ومضى النهر وأنا على حالتي لا
خروج ولا طعام فإن كان قصده بهذا أن يعاملني كالحيوان حين
يدخل جحره ينتظروه ليجوع ليخرج فقد أخطأ ولن أعود لذاك
القصر ولو مت من الجوع , أمسكت هاتفي وأرسلت له
( أخبرهم يتركوني أخرج أو سببت لك فضيحة في
الشارع إن منعوني مجددا )
ليفاجئني برقمه يتصل ففتحت الخط على صوته قائلا من فوره
" أرجوان لا تشتغلي لي مثل منظومة الهواتف
أنا مشغول حتى عن فرك عيناي "
قلت بضيق " أنا أيضا لا أريد سماع صوتك فأخبر رجالك
في الخارج يتركوني أخرج لأشتري طعاما فأنا لم آكل
شيئا منذ صباح يوم أمس "
قال ببرود " القصر مليء بالطعام أمامك "
قلت بجمود " أموت ولا آكل منه رغيف خبز "
تأفف وقال " أرجوان هل تعلمي معدل غبائك كم وصل عندي "
قلت ببرود " لا يهم وإن صرت في الحضيض فأنا
عندك لا أستوي شيئا في كل الأحوال "
قال بحدة " أرجوااان متى سننتهي من هذه الاسطوانة "
قلت بحدة أكبر " لن ننتهي منها أبدا لأنها الواقع
الذي كنت أجهله طوال الوقت "
ثم قلت بخيبة أمل " آخر ما كنت أتوقع أن أتهم وأم أبنائك
في شرفنا وتسكت , أقسم أن الموت هنا جوعا أهون
عندي من العودة هناك "
ثم أغلقت الخط ورميت الهاتف بعيدا عني أزفر بغيض وأشعر
بقلبي يتمزق فما أقساه من شعور هذا شعور الخذلان من أعز
الناس لديك , هذه هي الحقيقة التي كانت أمامك وتغفلين عنها
فأنتي وحدك الملامة يا أرجوان ولا يحق لك لوم غيرك , كله
بسببه كنت قبله مرتاحة البال فمنذ دخل هذا الرجل حياتي حولها
لأعاصير فلم تنفع معه لا حيل نساء ولا غيره , هه وقالت سوسن
تصرف بحكمة أي حكمة هذه التي تهدي بها , أمسكت هاتفي
مجددا واتصلت بالقصر فأجابت إحدى الخادمات فقلت من
فوري " نادي لي سيلا "
تركت الهاتف دون تعليق وبعد لحظات وصلني صوت سيلا
باكية وهي تقول " سيدتي لا تتركي القصر أرجوك لا ترحلي أنتي أيضا "
قلت بحزن " يبدوا أنتي السبب يا سيلا فكل من تحبينها تهج من هناك "
قالت بصوت منخفض " لما تعطيها المجال لتحقق غرضها
بإخراجك , الأولاد لا يتوقفون عن البكاء وخصوصا ترف
عودي ولو من أجلهم "
مسحت دموعا غلبتني وقلت بحزن " اعتني بهم يا سيلا
أرجوك وحدك من أضمن أن تقوم بذلك "
شهقت شهقة قوية وسمعت صوت تلك المتوحشة وهي تصرخ
بها " أقسم إن اتصلت بها مرة أخرى طردتك , لعملك فورا "
جاء بعدها صوتها من سماعة الأذن قائلة " نعم يا ابنة الـ..... "
فأغلقت الخط عليها قبل أن تنهي شتمها وسبها وتشفيها لتنزل
دموع القهر والذل الواحدة تتبعها الأخرى , بعد نصف ساعة دق
جرس الباب فوقفت ولبست حجابي وتوجهت نحوه لابد وأنه أحد
الجيران فهؤلاء الرجال سيتسببون لي بفضيحة , فتحت الباب فكان
الرجل الواقف في الخارج ويده مليئة بالأكياس مدها لي قائلا
" السيد طلب إيصالها "
نظرت ليده ثم له وقلت " لا أريدها ولم أطلبها "
قال بهدوء " لا تسببي لي مشكلة سيدتي "
قلت بحدة " قلت لا أريد فكلها أنت أو أرسلها له "
ثم أغلقت الباب بقوة
*
*
وقفت بجانب الباب ألعب بمفاتيحي حتى خرجت تتذمر وهي
تُخرج يد عدي من شعرها قائلة " ما بك دائما مع شعري لا
أعلم متى ستكبر وارتاح من تربية الأطفال لباقي عمري "
قلت ببرود " هذا في منامك هل تريدي حرماني من الأبناء "
نظرت لي بصدمة بادئ الأمر ثم أمسكت خصرها بيدها
الأخرى وأمالت وقفتها وقالت بغنج " تزوج بأخرى
إذا لتنجب لك واتركني وشأني "
شد عدي شعرها بقوة فصرخت بتألم وبدأت بضربه على
ظهره لتنطلق ضحكتي مرتفعة وقلت " تستحقينها كي لا
يطول لسانك على زوجك ثانيتا "
أخرجت يده بصعوبة وشعرات منه لازالت بين أصابعه
فأخذته منها قائلا " عند هنا ويكفي هل يريدون أن
أجدك بعد عامين صلعاء "
جمعت شعرها المبعثر تتأفف بضيق فأمسكت ذراعها
وقربتها إلي وقبلت خدها بسرعة وقلت " انتظرك في
السيارة البسي عباءتك وحجابك "
انتفضت مبتعدة عني تمسح خدها بقوة وقالت بضيق
" وقح كم مرة قلت لك أبعد وجهك الخشن عني "
ضحكت وقلت " حسنا سأحلق ذقني وشاربي كلما
أتيت لمنزلكم اتفقنا "
قالت بحدة " لا ولا تقترب مني ثانيتا "
قبلت خد عدي وقلت بمكر " لا بأس أصبر نفسي
بهذا حتى أنزل للعاصمة غدا "
نظرت لي بصدمة فقلت بلامبالاة " لا تنظري لي هكذا
فأمري كما أضن لا يهمك "
قالت بصدمة " تعرف نساء يا معتصم "
قلت بمكر " ومن لا يعرف النساء هي تصبيرة فقط قبل الزواج "
غيرت نظرتها للبرود وقالت " كاذب من هذه التي تقترب
منك أنت يا قبيح يا ثقيل الدم حتى المعز تعافك "
ضحكت وغمزت لها وقلت " أشم رائحة غيرة "
ضحكت بسخرية وعادت باتجاه الباب فأمسكت ذراعها
مجددا وسحبتها نحوي وقبلت خدها بقوة وهي تحاول الهرب
مني ثم عضضت خدها كالعادة وقلت " يكفي أني تركت
شفتيك إرضاء لك , بسرعة وخذي شقيقك معك
ولا تتأخري أو صعدت لك بنفسي "
أخذته مني بقوة وقالت " لن أخرج لأي مكان فاذهب
لإحدى نسائك تخرج معك "
ضحكت وشددتها لي وقبلت خدها مجددا وقلت
" أقسم أنك تغارين يا أناناستي وأنه لا امرأة في العالم
سواك تعنيني فبسرعة سنذهب لخالك وزوجته "
قالت بسعادة " حقا سنذهب لهم "
اتكأت على الجدار خلفي ولعبت بمفاتيحي مجددا وقلت
" نعم لكن أمامنا مشوار قبله "
نظرت لي باستفهام وحيرة فمددت أصبعي ورسمت به
على خدها الصغير الناعم قلبا بحركة بطيئة وقلت مبتسما
" أريد أن أشتري شيئا وستختارينه أنتي "
أبعدت يدي وقالت متوجة نحو الداخل
" المهم أن أزور خالي وابنة عمي "
ثم نظرت لي من عند الباب وقالت بابتسامة ماكرة
" وإن كانت هدية فلا بأس وأريد آلة كمان فوالدي
رفض شرائها لي بسببك "
أشرت على شفتاي بسبابتي وابتسمت بمكر فنظرت
لي بصدمة ودخلت قائلة " لا أريده غيرت رأيي "
فضحكت بصوت مرتفع وخرجت لسيارتي
*
*
وقف فوقي ويداه على الطاولة وقال " هذه ثالث رسالة "
وقفت وقلت " ليكن الجميع حذرا فهذه الرسائل
المجهولة أمرها أصبح مريبا "
قال خليل " لما لا نستغلها طعما "
حملت حقيبة حاسوبي وقلت " قد تكون هي الطعم منهم
المهم كونوا والمقربين منكم على حذر أنا بقي منزل عمي
وشقيقتي وزوجها سأضع عليهم حراسة أيضا وعليا
المغادرة الآن وسأعود خلال ساعات قليلة فوفوني بكل جديد "
ثم خرجت من عندهم ومن القسم برمته , ها قد أصبحتم تقتربون
من قبضتي يا ميتين الضمير ، ركبت سيارتي وشغلتها وانطلقت
وركّبت سماعات الأذن بهاتفي واتصلت بمن كان يتصل بي من
مدة وقال من فوره " رفضتهم ثانيتا سيدي حاولت كل
جهدي لكنها رفضت "
تأففت وقلت " حسنا خدهم أنت ولا يغب ناظركم
عن المنزل مفهوم "
قال من فوره " مفهوم سيدي "
أغلقت الخط ورميت السماعات وتابعت طريقي لمدينتي وللقصر
فورا وما أن دخلت بخطوات قليلة حتى سمعت بكاء ترف الهستيري
والغريب أنها في الأسفل ، توجهت نحو مصدر الصوت لأجد سيلا
عند باب المجلس من الخارج تنظر لداخله فقفزت مذعورة ما أن
رأتني وكانت تبكي فتركتها ودخلت فكانت أمي تشد ترف من أذنها
بقوة وهي تقفز باكية وأمي تصرخ قائلة " أنا تقولين عني
هذا يا عديمة التربية قليلة الأدب "
شددتها منها بقوة لتنتبه لوجودي وقلت صارخا
" ما بها ماذا يجري "
قالت وهي تحاول إمساكها مني مجددا " أتركني أربي
من ربتها ابنة تربية الشوارع "
أبعدتها عنها أكثر وناديت سيلا بصوت مرتفع لتدخل
راكضة وكأن ساعة الفرج أتتها فأخذتها وخرجت بها بسرعة
ونظرت أنا لوالدتي وقلت بضيق " ما هذا يا أمي حتى نحن لم
تربينا بالضرب ولم تمتد يدك على أحدنا يوما "
تنفست بغيض وقالت " أنتم لم تدخل عليكم تربية أبناء
المجرمين , هؤلاء يحتاجون لتربية جديدة "
قلت بذات ضيقي " أمي أنا أراهم هنا منذ أشهر ليست بقليلة
ولم ألحظ عليهم سلوكا يحتاج الضرب ولا حتى التوبيخ
فلما نصنع مشكلة من لا شيء "
قالت بغضب " نعم قلها قل أن تربيتها لا تحتاج معها توبيخا
ولا تقويم , هذا وهي تلعب بذيلها من ورائك "
قلت بحدة " أمي لا داعي لهذا الكلام وتوقفي
عن رمي المحصنات "
صرخت بغضب ووجه محمر " نعم يا ابن تربيتي فأنت ستقول
هذا في حقها فهي قد سلبت قلبك وعقلك حتى أنك لم تبقى في
القصر ليومين ولا دقيقة منذ غادرته سيدة الحسن غاضبة منك "
قلت بضيق " ما الداعي لهذا الكلام الآن "
قالت بسخرية " نعم لما لم تذهب لإرجاعها أيضا
وترجيتها لترجع معك "
قلت بحدة " لو كنت من أخرجها أقسم لفعلتها هل ارتحتِ "
ثم خرجت من عندها أتأفف بغيض وصعدت السلالم وتوجهت
لغرفة الفتاتين ليصلني بكاء ترف من قبل أن أصل ، فتحت
الباب ودخلت لتركض جهتي مسرعة وحضنت ساقاي فنزلت
لها وشددتها لحظني وقلت " توقفي عن البكاء يكفي يا ترف "
ثم نظرت جهة سيلا وقلت " ماذا حدث أريد سماعه منك
لا من ترف ولا والدتي "
ثم قلت مهددا " وبلا كذب وتلفيق لأني سأرى التسجيل "
ارتجفت وقالت بخوف " لن أكذب أبدا سيدي وأنت تعرفني "
ثم بلعت ريقها وقالت " ما أن رأت ترف سيارة السائق من الشرفة
تدخل القصر حتى نزلت فارة مني تضنها السيدة أرجوان وحين
وصلت للأسفل أوقفتها السيدة الكبيرة وقالت لها أن تنساها وأن ... "
سكتت ونظرت للأسفل فقلت " وماذا أيضا "
قالت " شتمتها كثيرا ولا أستطيع إعادته فبكت ترف وقالت
لها أنها هي التي تكرهها وبسببها ذهبت من هنا وأنها تريد
الذهاب لها فشدتها من أذنها وسحبتها منها للمجلس "
هززت رأسي بيأس ووقفت فنظروا لي للأعلى ثلاثتهم وقالت
ترف من بين شهقاتها " هل صحيح لن ترجع ماما أبدا "
انحنيت لها ومسحت بيدي على أذنها المحمرة وقلت بهدوء
" سترجع فتوقفوا عن البكاء وإتعاب سيلا معكم "
ثم وقفت وقلت بحزم " ولا أريد أن ينزل أحد منكم
للأسفل ولا تردوا الكلام على جدتكم مفهوم "
هزوا رؤوسهم بحسنا وقالت بيسان " اتصل بها
لنكلمها ونطلب منها أن ترجع لنا "
تنفست بقوة وقلت مغادرا الغرفة " في وقت آخر
وكما قلت يكفي حديثا في الأمر "
*
*
رتبت الكعك والعصير وحدي وزهور طبعا منذ عدنا وهي
في السرير لا أعلم نائمة أم تدعي النوم وكأنها تعاقبني على
إخراجي لها اليوم مرغمة ، أنهيت تجهيز كل شيء فأنا اعتدت
على حياة العزوبية وأن أفعل كل شيء وحدي ومدللتي تلك قد
اعتادت حياة الرفاهية ويخدمها الخدم ، لا أمانع وإن عشت في
خدمتها كل عمري فيكفي أن تحقق الحلم الذي ظننت أنه لن
يتحقق مهما طالت السنين ، شعرت بحركة عند الباب فالتفت
بسرعة فكانت زهور تقف هناك ببيجامتها الحريرية فعدت
لما كنت أفعل وقلت بابتسامة " هل كل هذا نوم يا كسولة
معتصم اتصل وقال أنه في الطريق "
قالت ببحة " ولما لم تخبرني "
التفت لها بكامل جسدي لأرى سبب هذا الصوت وركزت على
عينيها فأرخت نظرها للأسفل فقلت بعتب " لن نخرج مجددا
لا نزهة ولا غداء فارحمي نفسك لترحمي قلبي على الأقل "
قالت مغادرة " لا تخف سأرحمك مني بجميع تفاصيلي فاصبر قليلا "
هززت رأسي بيأس أراقبها حتى دخلت الغرفة وأغلقت الباب
خلفها ، لو أعلم ما الذي تخططين له يا زهور ؟ إن كنتِ ستطلبين
الطلاق فلما تزوجتني هل لتزيدي عذابي بأن تتركي لي ذكرى في
باقي تفاصيل حياتي لأعيش باقي عمري أهدي بك في يقظتي بل
أصبح مجنونا يلف الشوارع يحدث الناس والجماد عنك ، أخرجني
صوت جرس الباب من أفكاري فتركت ما في يدي وخرجت له
لحظة خروج زهور من الغرفة وقد غيرت ملابسها فتحته وابتسمت
للواقف أمامه مصافحا له وقلت " مرحبا بالمعتصم زارتنا .... "
ولم أنهي جملتي طبعا لأنه اندفع للأمام قليلا ليخرج صوت
بتول الرقيق من خلفه قائلة " ادخل هيا سددت الباب كله
ولا أرى شيئا ما كل هذا الجسد المخيف "
ضحكت بصوت مرتفع وسحبها هوا من خلفه قائلا " ستري ما
يفعله هذا الجسد المخيف ثم خالك لا يقل عني بشيء "
تجاهلته وحضنتني وقبلت خدي قائلة " مبارك لكما
حبيبي رضا , ها قد أخذت الفاتنة أخيرا "
سعلت حينها زهور من خلفي ويبدوا شرقت من الصدمة
لكلامها أو الإحراج ودخل معتصم وأغلق الباب قائلا
" أحضان بالمجان وحبيبي رضا وأنا لي الشتائم والتأفف "
ضحكت وقلت " من أراد الورد "
تجاهلتنا ودخلت تسلم على زهور ودخل معتصم ومد لي
كيسا كان في يده وتوجه لزهور واحتضنها وقبل رأسها وقال
" كيف حالك يا زهور "
قالت بهدوء " بخير "
دخل بها جهة الصالة ممسكا كتفها وتبعناهما أنا وبتول
ودخلت المطبخ ووضعت الكيس هناك وعدت لهم وقلت
" اجلسوا هيا لما أنتم واقفون "
سحب معتصم بتول من يدها وأجلسها بجانبه مرغمة
فضحكت وقلت " الحب من طرف واحد مصيبة "
نظر لي ببرود ولف ذراعه خلفها ووضعها على
كتفها وقال " نعم والدليل لديك "
أنزلت زهور حينها رأسها للأسفل فأمسكت يدها وأجلستها
بجانبي أيضا وأحطت خصرها بذراعي وقلت
" واهم واسأل زهور لتتأكد "
كنت أعلم أنها ستنتهز الفرصة لتحرجني أمامهم وستنكر
طبعا لكن المفاجأة أنها وضعت يدها على يدي المحتضنة
لخصرها وقالت بهدوء " نعم والسنين تشهد "
وضغطت على يدي بقوة , لو أفهم ما تنوين عليه يا متعبتي
ضحك معتصم وقال " كله عند والدتي وويلكما منها يا عاشقان "
سحبت يدي من خصرها ووضعت ساق على الأخرى
وقلت بابتسامة " المهم أن لا يعلم جابر "
ضحك مجددا وقال " كله إلا جابر فلا أحد يعلم ما
يخفي تحت صمته وذكائه فلا تستهن به "
وقفت حينها زهور وتوجهت للمطبخ وأبعدت بتول يده عنها
بقوة وقالت بضيق " أبعد يدك عن عنقي يا وقح "
ضحك وقال " دعيني أتلمس الهدية التي كلفتني الكثير "
قالت بضيق " ومن أجبرك على شرائها أنا قلت أريد
كمان لا سلسال به كمان من ذهب "
قرص خدها وقال " ومرصع بالألماس فلا تنسي "
قلت بضحكة " ما قصة الكمان هذه "
وضع معتصم ساق على الأخرى وأعاد يده على كتفها وقال
" ابنة شقيقتك تريد شراء آلة كمان لتصدع به رؤوس
الجميع وهي لا تجيد حتى العزف عليها "
جاءت حينها زهور بصينية الكعك والعصير فقلت
وأنا أتبعها بنظري " قد تكون موهوبة كابنة عمها "
قالت بتول بحسرة " من أين لي بصوتها الجميل يا حسرتي
قلت لعل وعسى بما أن زهور وجابر يجيدان عزف البيانو
ووالدي العود قد تكون لدي موهبتهم "
ثم أبعدت يد معتصم عنها مجددا وتابعت بضيق " لكن هذه
العائلة لا تعترف بالمواهب ويبدوا أني أشبه أحدهم بلا موهبة "
ضحكت وقلت " لابد وأنه أنا فمعتصم رسام ماهر "
وضعت زهور الصينية وعادت للجلوس لكن مبتعدة عني هذه
المرة وقال معتصم " بلى أنت كاتب مميز يبدوا أنها
الطفرة في العائلة "
نظرتْ له ببرود ثم تجاهلته ونظرت لزهور وقالت
" كيف خالي معك "
أنزلت نظرها وقالت بابتسامة مغصوبة " كما تعرفيه "
ضحكت بتول وقالت " لا من ناحية أعرفه فأنا أعرفه "
ثم غمزت لي بعينها وقالت " اسأليني أنا فكم أتعب لي
ساقاي أجمع الأوراق الممزقة لأحظرها له "
نظرت حينها زهور لي بصدمة وقال معتصم باستغراب
" أوراق ماذا "
قلت مغيرا مجرى الحديث " ما هي أخبار جابر هل
مازال على قيد الحياة "
تنهد بضيق وقال " لا تبدوا جيدة ولم أدخل القصر اليوم
بسبب الموجات الكهرومغناطيسية التي تملأه "
نظرنا له بحيرة وقالت زهور " هل حدث شيء "
لوح بيده وقال ببرود " أنقدك الله من ذاك الجحيم
المسمى قصرا فلا ترجعي له أبدا "
تبادلنا نظرات الاستغراب وقالت بتول
" لم أكن أعلم أن ثمة شيء حدث لكنت ذهبت "
نظر لها وقال ببرود " نعم فأنتي لا يأخذك شيء
إلى هناك سوا الفضول "
تجاهلته وقالت ببرود " بل وزوجة جابر وأبنائه "
قالت زهور " ماذا هناك يا معتصم يبدوا الأمر يخص جابر "
تنهد وقال " يبدوا أن شجارا حامي الوطيس قد حدث بينهما
ووالدتي وغادرت زوجته القصر منذ يومين ولا أحد
لديه تفاصيل الحكاية غيرهم ثلاثتهم "
وضعت زهور يدها على صدرها وقالت بقلق " ولما تخرج
أرجوان كانا على وفاق كما يبدوا وتبدوا عاقلة أكثر من ذلك "
رفع كتفيه وقال " هذا فقط ما علمته فأبنائه لا يعلمون ما
حدث ولا شيء لديهم سوا الدموع وبكاء ترف الهستيري "
قالت بتول بهدوء " مساكين هم متعلقون بها كثيرا "
قالت زهور بحزن ونظرها للأرض " أرجوان امرأة رائعة
وعلى جابر أن لا يخسرها بسبب والدتي "
قلت مبتسما " هل كل هذا فيها لقد شوقتموني للتعرف عليها "
شهقت حينها بتول بقوة ووقفت زهور على طولها وأنا أنظر
لها بصدمة على صوت بتول قائلة " أي جريمة هذه التي
ارتكبتها وتستحق عليها عقابا قاسيا من زهور "
قالت حينها زهور مغادرة " عن إذنكم أريد الحمام "
ثم دخلت غرفة النوم ونظري المصدوم لا زال يتبعها ، تغار
يا رضا غارت من كلامك أقسم أنك لا تتوهم , لا ومن زوجة
شقيقها ولم تستحمل أن أتحدث عنها ! أعادني من أفكاري صوت
معتصم قائلا بعد ضحكة " جد لك الليلة مكانا تبات فيه "
حككت شعري وقلت بإحراج " لم أقصد ما فهمت "
قالت بتول بضيق " معها حق لو كنت مكانها لقطعت لك لسانك "
نظر لها معتصم وقال بمكر " ما أروعها من امرأة أرجوان
جمال وقوام ممشوق وجاذبية و... "
قاطعته بابتسامة جانبية " نعم معك حق "
وقف وأوقفها معه وقال بضيق " هيا الزيارة انتهت "
قالت مغادرة أمامه " نعم فلم يعد لهم بك حاجة
بعدما تسببت بمشكلة بينهما "
ثم توجهت جهة الباب ونظر لي معتصم ثم قال مغادرا
" ابنة شقيقتك هذه إما أن أقتلها أو تصيبني بالجنون "
تبعته مبتسما وودعتهما وأغلقت الباب ثم عدت للداخل نظرت
للكعك والعصير الذي لم يقربه أحد ثم توجهت نحوهم لأنظف
كل شيء لكني تراجعت بنظرة واحدة لباب غرفة النوم ولحقت
القطعة من قلبي الموجودة هناك وأنا مبتسم وأشعر بالنشوة فقط
لأنها تغار , نعم تحبني لازالت كما كانت وهذا أكبر دليل لها
ولي ، دخلت الغرفة فكانت ما تزال في الحمام فخرجت محترما
رغبتها في البقاء وحدها قليلا وعدت للصالة ورفعت الصينية
وأعدتها للمطبخ ورتبت كل شيء مكانه ثم عدت للغرفة فكانت
ما تزال في الحمام حتى الآن فطرقت على الباب قائلا
" زهور أخرجي ويكفيك سجن لنفسك "
لم تجب طبعا وكنت سأتحدث ولكن أوقفني صوت هاتفي
فأخرجته وأجبت قائلا " ما هذه المفاجأة ظنناك ميت
زر شقيقتك على الأقل "
قال بأمر " اسمعني جيدا يا رضا سيصل رجلان ستكونان
في حراستهما ولا تخرجا إلا للأمور الضرورية وبرفقتهما "
قلت بتوجس " ماذا هناك "
قال من فوره " حماية للمقربين لي جميعهم فكونا حذرين "
قلت بقلق " يبدوا الأمر خطيرا "
قال " لم يصل لمرحلة شديدة في الخطر لكنه سيكون كذلك
وعلينا التحسب لأي خطر وداعا الآن وسلم لي على
زهور وسأزوركم ما أن أجد وقتا "
نظرت لباب الحمام بتوجس على إنهائه للاتصال ثم طرقت
الباب مجددا وقلت " زهور افتحي أو فتحته أنا "
ولم تجب طبعا فشعرت بالخوف من أن تكون حبيبتي أول
ضحاياهم فباقي عائلته في حماية الحراس في القصر ، أدرت
مقبض الباب والمفاجأة أن الباب كان مفتوحا ففتحته ببطء ودخلت
فكانت جالسة على طرف حوض الاستحمام وتنظر للأرض
فتوجهت نحوها وجلست بجانبها عليه ومسحت بيدي على
شعرها وقلت " زهور أخبريني ما الذي يريحك وأنا
سأفعله , فقط أرحمي قلبي الذي يتقطع عليك "
خرج حينها صوت بكائها فضممتها لحظني وهي لم تقاومني
ولأول مرة تفعلها , ضممتها بذراعاي لصدري بقوة وقلت بهمس
" يكفي يا قلب رضا يكفي أقسم إن كان هجري للبلاد هوا ما
سيريحك ويعيدك كما كنتِ لأفعلها , أقسم لو العمر يهدى لأهديت
عمري لك ولو أن السعادة تشترى بالمال لبعت أعضائي لأشتريها
لك وأراك سعيدة أمامي ليوم واحد فقط قبل أن أموت "
لم تزدد إلا بكاء فزدت من احتضانها أكثر وقبلت رأسها وقلت
" آسف إن كان كلامي ما أزعجك أقسم لم أقصد ما فهمتموه "
ابتعدت عني حينها وقالت ببرود ورأسها للأسفل تمسح
دموعها " لا دخل لي بما قلت ولا يعنيني "
ابتسمت وشددتها لحظني مجددا قلت
" حسنا صدقتك فقط توقفي عن البكاء "
قالت بعبرة " لما نحن فقط والدتنا هكذا لما لا تحبنا
ولا تريد لنا السعادة ... لماذا "
قبلت رأسها وقلت بهدوء " ومن قال أنها لا تحبكم قد
تكون هذه هي طريقتها في التعبير فقط "
شهقت شهقة صغيرة وقالت بأسى " كيف تحبنا وهي تدمر
حياتنا , كيف وهي من زوجتني بغيرك وحرمتني منك لأدفع ثمن
ما أخفيته أنت عنا , كيف وهي تدمر أي زواج لجابر وبدون أسباب
وحرمت معتصم من دراسته لسنين ليدرس مع من هم أصغر منه
بسنوات , قل لي كيف تحبنا كما تقول "
أبعدتها عن حضني ومسحت دموعها وقلت " أششش يكفي بكاء
وعليكم أن لا تستمروا في تدمير ما دمرته هي يا زهور عليكم
أن تبنوا أنتم السعادة لأنفسكم مادمتم ابتعدتم عنها "
بقي نظرها معلق بعيناي دون كلام فمسحت بيدي على طرف
وجهها وقلت بابتسامة حزينة " ليس وحدكم من دمرته فحتى
أنا قتلتني وقتلت حلمي وجرعتني الأسى حين حرمتني منك
وليتك تعلمي ما رأيته من عذاب بعد زواجك وسفري وأنا لست
ابنها لكني لم أيأس وما أن وجدت الفرصة وعلمت بخبر طلاقك
ولو متأخرا عدت لأحاول بناء ما هدمته هي ولا أبقى
واقفا أشاهد حطام ما فعلت بي وبك "
بقيت على صمتها تنظر لعيناي وتتنفس بهدوء وكأنها تستمع
لكلامي منهما أو تبحث فيهما عن شيء ما ولا تعلم ما تحدثه بهذا
من براكين بداخلي , لا تعلم أني أقاومها منذ أيام بقلب رجل
عاشق وعطش لكل تفاصيلها وأنها حتى بأنفاسها المتلاحقة تعبث
بي حد الجنون , مررت أصابعي في شعرها وقربت وجهها لي
غير مصدق استجابتها لما فعلت وكل شيء بي يقول لا تتراجعي
يا زهور لا تقتلي الشوق في أوجه لا توصليني لآخر محطة عند
شفتيك وتتركيني ظمئانا , انحنيت لثغرها وقربتها لي أكثر حتى
كانت في قبضتي نعم تلك الشفاه الناعمة الوردية وأخيرا تعبث
فوق صفحات شفتاي , أجل يا زهور علميني معنى العشق معنى
الجنون في الحب معنى تذوق رحيق الشفتين من امرأة لا ينساها
الرجل مهما طال به العمر امرأة حتى رائحة نفسها توصل للثمالة
سمعت كثيرا عن هذا الرحيق عن هذا الإكسير عن هذا الطعم
والمذاق لكني لم أعرف أنه هكذا فهوا أقوى مما سمعت عنه
وأروع من كل ما قيل فيه , كانت مستسلمة لي تماما وكأنها
منومة مغناطيسيا لكن الوقت يحسدني وحتى الفراغ لا يتفق
معي ليقطع رنين هاتفي تلك اللحظات برنينه المرتفع لتنتفض
مبتعدة عني ووقفت تنظر للأرض بخجل وارتباك وتغطي
شفتيها بظهر أصابعها ثم خرجت راكضة وتركتني لم أشفي
غليلي بعد ولم أروي عطش السنين الطوال فدسست يدي
في جيبي وأغلقته دون حتى أن أرى المتصل من يكون
*
*
مر اليوم الثاني ودخل الثالث وأنا على حالتي سجينة المنزل
وبلا طعام ومنقطعة عن العالم , وقفت وشعرت بدوار خفيف
يبدوا من قلة الأكل حتى أن سوسن مرضت ابنتها ولم ترجع
لزيارتي ، صليت الظهر وجلست على الأريكة فلم يعد بإمكاني
الوقوف أكثر ولا أعلم ما بي ففي السابق كنت أبقى لأيام دون
طعام حينما يبدأ مصروفي بالنفاذ ولم تكن تأتيني هذه الحالة
بسرعة هكذا ، يبدوا أنك اعتدتِ على العز والرفاهية يا أرجوان
وتبطرت معدتك ، سمعت طرقا على الباب فوقفت بهدوء وبطء
وتوجهت له لأفتحه فلابد هذه سوسن إن لم يكن الواقف في
الشارع عاد لمحاولاته من جديد ، فتحت الباب فكان شخص
آخر لكنه دون أكياس في يده ، قال بهدوء " السيد سمح
بأخذك حيث تريدين لكن للمشاوير الضرورية فقط وبرفقتنا "
نظرت للخارج لأرى من هم فكانا اثنان بلباس
شرطة فقلت " ولما كل هذا "
قال " الأوامر تقول بحمايتك ولا يحق لنا أن نسأل وما فهمته
منهم أن أفراد عائلة السيد جميعهم تحت الحراسة "
غريب يبدوا ثمة أشياء تحدث ولا أعلم عنها وتبدوا خطرة
جدا فجابر لا يأخذ حذره من فراغ ، قلت " ومن تكون أنت "
قال " أحد حرس القصر سيدتي والسائق الجديد "
جميل يبدوا لم يعد يثق ولا في السائقين , هززت رأسي
بحسنا وقلت " لدي مشوار ضروري ستأخذونني إليه لكن
ليس اليوم وسأعطيك أنا نقودا لتشتري لي بعض الأغراض "
تنهد وقال " حسنا وأتمنى أن لا يسبب لنا هذا مشكلة "
قلت داخلة " لا تخف مادام سمح بخروجي فلن يمانع "
أعطيته النقود وورقة بالأشياء التي أريدها وأحضرها سريعا
فأعددت طبقا خفيفا وأكلت منه ما يسد جوعي فبالرغم من أني
لم آكل منذ أكثر من يومين لم أشعر برغبة في الطعام فلست
أشعر سوا بالاكتئاب والإحباط وها أنا الآن حتى وضيفة لن
أستطيع البحث عنها مع كل هذه الحراسة , لا بأس فلن يدوم
هذا الأمر طويلا فبعد أن يطلقني لن يحتاج الأمر لحمايتي
ومنعي من الخروج ، ترى هل جد شيء في قضيته تلك أم
مشاكل أخرى وثمة من يهدده ، آه يا رب أحمي أبنائي أقسم
أن أفقد عقلي إن أصاب أحدهم مكروه ، وقفت بعدها بسرعة
قبل أن تأخذني الأفكار في أن يصاب جابر بمكروه فلا علاقة
لي به فلتقلق عليه والدته الحنون البار بها ثم ضحكت على
نفسي وقلت بهمس " أقسم أنها لو كانت أحن الخلق ما
شعرت به مثلي لأني حمقاء وقلبي أحمق مني لكن
كرامتي لن أهدرها من أجله مجددا ولو
تعذبت باقي حياتي بحبه "
ومرت بي باقي أيام الأسبوع مسجونة في المنزل لا خروج
ولا أحد يزورني فحتى سوسن تعبت ابنتها ونامت بها في
المستشفى ولم تعد تحدثني سوا في الهاتف وباختصار وأنا لا
شيء لي سوا مشاهدة التلفاز والهرب من الحسرة والألم كلما
فكرت بما حدث معي وجابر طبعا لم يكلف نفسه ولا عناء
الاتصال بي ولا أعلم عن ذاك القصر شيئا فحتى سيلا لم
أتصل بها مجددا كي لا تجدها تلك العجوز المجنونة فرصة
وتطردها , تأففت وأمسكت عباءتي ولبستها نزلت وغادرت
المنزل برفقتهم طبعا فعلى الأقل لن أطر لدفع المال لسائق
سيارة الأجرة ، أوصلوني للمكان الذي أزوره أسبوعيا فأنا
لم أزرها طوال هذا الأسبوع وأخبرتهم أني سأزور صديقة
قديمة لعائلتنا موجودة هنا فمؤكد ذاك السائق أخبر جابر
عن هذا المكان لكنه لا يعلم لما آتي ولن يعلم خصوصا إن
أخبره من في الخارج ما قلت لهم
طرقت باب غرفتها ودخلت واقتربت منها مبتسمة وأمسكت
يدها وقبلتها فابتسمت لي فقبلت رأسها وجلست بجوارها
قائلة " كيف أصبحت اليوم آسفة لأني لم أزرك "
ثم تنهدت بأسى أعلم أنها لن تسمعني لأنه أقل من ثلث نسبة
حواسها تعمل فقط وقد أصيبت بجلطة مرتين فهي لا تسمع
جيدا مهما صرخت ولا تستطيع قول سوا كلمات متقطعة وقليلة
ونظرها ضعيف جدا لم ترى إلا بعد العدسات ولا تستطيع
المشي أيضا وكنت عاجزة عن إخراجها لتعيش معي لأني لا
أقدر على تكاليف علاجها وطعامها وأجهزتها وحتى بعدما
تزوجت من سوء حظي أني تزوجت برئيس الشرطة في البلاد
وهي في نظر القانون ميتة فلن أفتح أعينهم عليها فلن يصدقوا
حينها أنها لا تستطيع الكلام وسيعذبونها باستجوابها وهذا
إن لم يسجنوها مجددا ، مسحت بيدي على وجهها وقلت
" ليتك تسمعينني وتتحدثين فقط لأعلم كيف تكون حسناء
شقيقتي ولما لم يخبرني أحد سابقا وتركتموني أعيش في
كذبة مرتين أن أبنائها أشقائي ثم أبناء لزوجي ثم أكتشف
الواقع الجديد وهوا أنهم أبناء شقيقتي , لما يعشق الجميع
الكذب علي لما أنا أضحوكة لهم دائما "
" الحقيقة لن تغير شيئا في الواقع يا أرجوان "
وقفت والتفت بسرعة أنظر بصدمة للواقف عند باب
الغرفة ثم تقدم بخطواته نحو سرير والدتي قائلا ونظره
عليها " لو بقيتِ في قصرك وسألتِ لعرفت الحقيقة "
أشحت بوجهي للجانب الآخر ولم أتحدث لأني إن تكلمت
فلن يعجبه ما سأقول ثم لا حاجة لقول شيء لن يغير في
الواقع شيئا ، توقعته سيسأل ماذا أفعل هنا ومن تكون هذه
لكنه جلس على طرف السرير وأمسك يدها وقبلها
وقال " كيف أنتي الآن يا خالة "
لتنفتح عيناي من الصدمة وتزيدني والدتي بأن وضعت
يدها الأخرى على يده وابتسمت له وكأنها تعرفه من سنين
*************
لحظات رجوع نواس للمزرعة بعد زواجه من وسن للكاتبة
همس الريح ومشكوووورة يا عمري الصراحة إبداع
*******
[ فتح الخزانة الموجودة في المكتب و اخرج صندوقا متوسطا
من الخشب ..فتحه و هو ينظر الي القطع الذهبية الموجودة داخله
.. كل قطعة عمل جاهدا ليجمع ثمنها .. و كلما اشتري قطعه بدا
في تجميع ثمن القطعة الاخري ..كل قطعة كان لها انشودة عشق
خاصة بها .. حلم كيف سيلبسها اياها و هو يهمس في اذنها بعبارات
الغرام .. تخيل احمرار وجهها خجلا و هو يقبل اصبعها بعد ان يلبسها
المحبس .. و معصمها بعد ان يلبسها الاسورة ..... سحب الاسورة
الموسومة بتاريخ زواجهم الذي لم يتم سابقا قبل ان يعيد الصندوق الي
مكانه و يغلق الخزنه ..وقف طويلا امام باب غرفتها .. يبتعد قليلا ليجد
اقدامه تشده الي بابها .. هل سيظل هكذا طوال عمره .. مصلوبا امام
محرابها .. تنفس بعمق قبل ان يفتح الباب ليجدها مكورة علي الارض
.. اقترب منها لتلفت نظره علبة دواء .. ليست اقراصها المعتادة ..
عقد حاجبيه و هو يقرا النشرة الطبية المرفقة .. مسكن الم من اقوي
انواع المسكنات ... اعاد العلبة الي مكانها قبل ان يركع امام تلك
الغافية الغافلة عن كل شئ في الدنيا .. لم يكترث لقطع القماش الممزقة
تحتها .. نظر لوجهها النائم بسكينة جعلت قلبه يصرخ بالم ... ضغط
علي كفه بقوة لينتبه للاسورة في يده .. ثبتها علي يدها و هو يطبع
صورتها الوديعة في عقله .. اقترب منها ليحملها للفراش لتتمتم بعبارة
غير مفهومة و تتنهد ثم تهمس "نواس" ..ليحس بنار تستعر داخله ..
نزع قدميه انتزاعا من مكانه لينزع اللحاف و يغطيها به قبل ان يخرج
تاركا الغرفة كلها . .. و بدون ان يغلق الباب ]]
قراءة ممتعة للجميع
.........................