الفصل السادس عشر
بقيت أنظر له بصدمة حتى كسر نظرته وقال بهدوء
" كيف حالك يا مي "
تنقلت بنظري بين ملامحه ثم قلت ببحة " بخير "
قال ونظره لازال أرضا
" إن احتجت أي شيء فترة غياب نواس فأخبريني فقط "
قلت وعيناي لا تزالان معلقتان به " هل أنت صديق نواس الذي يعيش هنا "
رفع نظره لي وقال " نعم إن لم يضايقك ذلك "
قلت من فوري " أبدا ولما سأتضايق فقط تفاجأت لأني لم أكن أعلم "
قال باستغراب " ألم يخبرك نواس !! "
هززت رأسي بلا وقلت " قال فقط أنزلي بالحجاب "
قالت راضية مبتسمة " عرفاني بكما فيبدوا أني
أعرفكما ولا أعرفكما أيضا "
نظر وليد جهتها وقال " مي تكون ابنة خالتي "
كانت تتحدث معه بمفاجأة وأنا عيناي علقنا على ملامحه
كنت أعلم أني منحوسة ولكن ليس لهذا الحد , وليد وهنا ! وبعدما
علمت أنه أراد خطبتي ! لو أعلم فقط من هذا الذي دعا عليا دعوة
سيئة وصلت للسماء فورا , كنت أعلم أن وليد يواجه مشاكل مع أحد
أعمامه وأخذ كل أموال والده منذ سنوات وأنه يعمل في مدينة
بعيدة لكن لم أتوقع أن يكون هنا
قالت راضية بابتسامة " إذا أنتما أبناء خالة ولا أعلم "
قال مغادرا ونظره للأرض " نعم وإن احتجتما شيئا فلا تترددا "
ثم غادر , نعم اختفى من أمامي كما جاء , ترى أيكون احد
أسباب زواج نواس بي طلب من وليد ؟ ولكن مستحيل ثم لما
لم يرجع لخطبتي رسميا أم صدّق كل ما حدث ولكن ما كان
ليخاف إن كان نواس يعاملني بقسوة إن كان بالفعل يصدق أني
فتاة سيئة , أخرجني من أفكاري صوت راضية وهي تقول
" مي أنا أكلمك "
نظرت لها وقلت " ها ... لم أسمعك "
قالت بابتسامة " أتحدث معك منذ وقت وعيناك معلقتان
عند الباب , يبدوا فوجئت بوجوده هنا "
هززت رأسي بنعم دون كلام فلازلت أعيش تأثير الصدمة
وإعصار اللقاء بعد كل هذا الوقت , قالت بابتسامة
" وليد نكهة المنزل هنا رغم أنه مزعج ويزعجني كثيرا لكني
لا أتخيل المكان من دونه ولم أتصور أن يكون ابن خالتك "
قلت بشبه همس " ولا أنا "
ضحكت وقالت " ولا أنتي ماذا "
قلت وعيناي ستدمعان " ولا أنا تخيلت هذا "
ثم غادرت المطبخ وصعدت لغرفتي فورا أحاول فقط أن لا أبكي
فتحت النافذة ووقفت أمامها لأجده في طرف ساحة الخيول المقابلة
يمسك لجام إحدى الخيول ويلف بها حول نفسه في حركتها البطيئة
وهي تدور حوله , فأغلقت النافذة وابتعدت عنها , تخيلي هذا يا مي
هوا أمامك الآن في كل مكان في المزرعة ولا مهرب لك منه
توجهت من فوري للخزانة أخرجت الصندوق وأخرجت منه علاقة
مفاتيحه وجلست على السرير قبضت بيدي عليها بقوة وضممتها
لصدري لتنزل دموعي التي أسجنها منذ وقت
*
*
أخرجتْ إحدى سماعتي الأذن من تحت حجابها
وقالت " وسن بسرعة ضعيها واستمعي "
نظرت لها ثم نظرت للبعيد وقلت ببرود " ملآك توقفي عن الجنون
واتركي هذه الإذاعة , حتى في الجامعة تستمعين لها "
وضعت لي السماعة تحت حجابي عند أذني ورغما عني ثم رفعت
الصوت في هاتفها وقالت " سيتصل بالبرنامج الآن لقد ذكروا اسمه "
تنهدت بضيق وأنا أستمع معها للمذيع وهوا يقول
" سنترك لك الخط مفتوحا يا أحزان السنين "
جاء حينها الصوت الرجولي الهادئ وكأنه روحاني يبعث في
النفس السكينة قائلا " شكرا لك أردت فقط أن أقول أنّنا كلنا في
الحياة مسافرون والحياة باقية كما الحزن باقي , موضوع حلقتك كان
مميزا جدا كنت انتظر أن أستمع لمداخلة ملاك الليل أولا ولكن يبدوا
ثمة ما منعها الليلة , رأيي في موضوعك أن الموت نعمة أكثر من
كونه نقمة فنحن نحزن على موتانا ونشتاق لهم ونفتقدهم وفي ذات
الوقت نحمد الله أنهم غابوا عنا ونحن نحبهم ويحبوننا فبعض الأحياء
ماتوا من وجودك وهم على قيد الحياة فتتمنى أنهم ماتوا قبل أن تصدم
بهم وبحقيقتهم , جعلتني الليلة أسافر كثيرا بذكرياتي لكل من ماتوا
وغابوا عني من سنوات وتذكرت أشياء جميلة عنهم وجعلتني أبتسم
تلك الابتسامة الحزينة فشكرا لك وتحيتي لكل مستمعيك الليلة
وكما أقول دائما لن أحزن إن سرقت من فرحي السنين "
نزلت دمعتي ومسحتها وأنا أتذكر أمواتي أيضا على صوت
المذيع يقول " مداخلة مميزة ككل حلقة ومداخلات كثيرة وجهت
لك التحية وتنتظر مداخلتك وملاك الليل فشكرا أحزان السنين "
أخرجت السماعة من حجابي ورميتها عليها قائلة بضيق
" من قال لك أني أريد أن أحزن على حزني , لا بارك الله
فيك ولا في أحزان سنينك ذاك "
ضربتني على كتفي وقالت " لا تدْعي عليه يا مغفلة "
ثم ضمت يداها لصدرها وقالت
" استمعت له البارحة والإعادة فجرا والآن ثالث مرة "
نظرت لها بنصف عين وقلت
" ولما لم تصدعي رؤوسهم أنتي أيضا بشعاراتك ككل حلقة "
ضحكت وقالت " أردت أن أرى إن كان سيفتقدني أم لا "
قلت ببرود " ملاك ما هذا الهراء لا تتعلقي بالأوهام وتنتهي كنهايتي "
وقفت وقالت بضيق واضعة يداها وسط جسدها
" مابك يا وسن تعكرين المزاج وتتعسينني في غمرة فرحتي "
وقفت أيضا وقلت " لا أعلم كيف تتعلقين بشخص عبر برنامج في
المذياع كل ما بينكم شكرا يا ... شكرا يا .... وكلامك رائع وووو
ملاك لا أريدك أن تسقطي على قلبك فنحن الفتيات مغفلات دائما
ونصدق الرجال بسهولة وأراك أكبر مغفلة في الوجود , هوا
حتى لم يقل شيئاً تصدقين به نفسك "
تجاهلتني وغادرت داخلة لمبنى الجامعة ووقف أمامي
طلال قائلا " مرحبا وسن أين ملاك وماذا عن رسـ ..... "
قلت مغادرة من أمامه " ليس بعد سنوقف كل شيء الآن "
ثم خرجت من الجامعة عائدة للمنزل , نواس سيعود اليوم ومؤكد
سيزور والدته الآن لأني غير موجودة فأنا بث كالوباء يهرب منه
دائما لذلك علينا تصفية الحسابات سريعا
*
*
طرقت الباب وفتحته على ابتسامتها الحنونة قائلة
" مرحبا بني وحمدا لله على سلامتك "
دخلت واقتربت منها وقبلت رأسها وقلت
" سلمك الله كيف أنتي الآن "
قالت بهدوء " أشعر أنني أفضل , كيف كان عملك وتجارتك "
جلست وقلت " جيدة ولم يضع تعبنا سدا "
قالت مبتسمة " وفقك الله بني ولي عليك عتب يا نواس "
قلت من فوري " لماذا يا أمي ما الذي فعلته "
قالت بلوم " ألم نتفق أنك لن تدفع أي نقود بخصوص دراسة
وسن فلما تذهب للجامعة وتدفع كل المال "
قلت بضيق " لأن ابنة شقيقتك فقدت عقلها , كيف تقدم على منحة
الجامعة من أجل رسالة تخرجها كالأيتام والمتسولين ليدرجوا أسمها
معهم وكأنهم يتصدقون عليها وعلينا والمال لدينا يكفيها وكل دفعتها ويزيد "
قالت بجدية " ولكنك تعلم وجهة نظرها وسبق واتفقنا هنا جميعنا
ووافقت هي على كلامك وجاءت للعيش معي وأنت ضربت كلامي
وكلامها عرض الحائط بأن تنهي دراستها بعيدا عن مالك "
قلت بحدة " أي جنون هذا الذي تقولينه يا أمي كيف لا أدفع لها المال
هي في النهاية ابنة خالتي وأنا وليها ووكيلها "
قالت ببرود " ذاك قبل أن ينكسر كل شيء , وسن مجروحة مثلك
يا نواس ولست وحدك تشعر بالذل ولك كرامة "
قلت بضيق " تقفين في صفها دائما وضدي , تشعرين بها وبي لا "
تنهدت وقالت " بل اشعر بكل واحد منكما وكما أقول لك ضع
نفسك في مكانها أقولها لها دائما "
أشحت بنظري للجانب الآخر فقالت " تكلم لما سكت "
نظرت لها وقلت بحدة " وهل تعلمي أنها طردت السائق من أمام
الجامعة وتركب سيارات الأخرى فكيف أتعامل معها برأيك "
فتحت حينها وسن الباب وقالت
" تتركني وشأني ولا دخل لك بي هكذا تتعامل معي "
وقفت وقلت بحزم " اسمك لن يدرج مع من تتصدق عليهم
الجامعة بالمال قلتها وانتهى الكلام في الأمر "
رمت بإصبعها في الهواء وقالت بغضب
" كم مرة قلت لا أريد مالك لما لا تفهم أنت "
صرخت أمي بتعب " توقفا وأنتما كالأطفال "
نظرت لها وقلت صارخا " لا لن نتوقف هل تراني رجلا أمامها
أم طرطور تفعل ما يحلو لها وأوافق على ما تريد وكلها
أمور أبعد ما تكون عن العقل "
قالت وسن بحدة " نعم بت أنا الآن في نظرك المجنونة الطفلة وأصبحتُ
الآن صاحبة الأفكار الناقصة عديمة التربية التي لا تحترم الرجال "
نظرت لها وقلت بحدة " وسن احترميني "
قالت بحرقة " وزدها عليهم هي أيضا "
قلت بغضب " وسن توقفي "
امتلأت عيناها بالدموع وقالت ببحة بكاء
" نعم فأنت بعدها أصبحت لا تراني سوا نكرة ناقصة عقل "
أشحت بوجهي جانبا قبل أن أرى دمعتها تنزل على خدها
فوصلني صوتها قائلة بحزن " سأتزوج وأرحمك مني يا ابن
خالتي لترتاح ويرتاح دماغك "
رفعت نظري جهتها بسرعة مصدوما فلم أجدها عند الباب
اختفت !! رمتني بها وغادرت , نظرت جهة والدتي فقالت بضيق
" متى ستعقلان كليكما , حمدا لله أنكما لا تملكان السلاح "
بقيت انظر لها بجمود ثم قلت " من هذا الذي ستتزوجه ؟ "
قالت بجدية " كيف ترفض ابن خالة فرح من نفسك
ودون أن تسألها عن رأيها "
قلت بعد صمت " وكيف علمتم بذلك "
قالت ببرود " علمت منها وهي لا اعلم كيف علمت "
نظرت جهة الباب بغيض .... تحدث معها إذا , لم يخطر
في بالي أن يفعلها , ما قصده بهذا أيلعبها من ورائي
" وهي وافقت "
أعادت هذه الجملة عيناي لوالدتي لأنظر لها نظرة من أصابوه
برصاصة في قلبه وبقيت انظر لها كالتائه فتابعت " قالت أنها موافقة
فأتمم الأمر معه , هوا الحل الوحيد لكما والسنين كفيلة بمحو كل ما كان "
رميت بيدي في الهواء وقلت بحرقة
" أي سنين وأي هراء يا أمي ما الذي ستمحوه السنين من ماذا "
قالت بهدوء " أنت تزوجت ولك حياتك وستصبح لك عائلة وهي
أيضا عليها أن تُقدم على هذه الخطوة وتبتعد عن هنا هوا
الحل الوحيد بكل سلبياته "
نفضت سترتي أريد الكلام بغضب الصراخ أي شيء ولم يخرج من
حنجرتي ولا صوت فتوجهت لباب الغرفة وأغلقته بقوة وعدت جهتها
وقلت ضارباً على صدري وبحرقة " تقتلينني يا أمي هل
تريدي قتلي بالبطيء "
امتلأت عيناها بالدموع وقالت بأسى
" ولما تقتلها هي يا نواس , توقفوا عن إحراق قلبي عليكما "
كانت المرة الأولى التي أرى فيها دموعها تملأ عيناها رغم
مرضها وألمها لسنين فجلست بجانبها وضممتها لحضني
استمع لبكائها المكتوم ثم قبلت رأسها وقلت
" كل ما تريدينه سيحدث , أموت أنا ولا أرى دمعتك يا أمي "
ابتعدت عن حضني وقالت " وتفعلها حقا ومهما كانت "
مسحت دموعها وهززت رأسي بنعم فقالت
" حتى إن لم ترضاها نفسك "
قبضت على يدي بقوة وقلت بألم " أعدك بذلك "
قالت من فورها " تزوجها إذا "
بقيت أنظر لها بصدمة فقالت " أنت وعدت فأفي لي بوعدك "
وقفت انظر لها بصمت فقالت بجدية " تزوجها أو اتركها تتزوجه "
قلت بضيق " وهل تري زواجي بها حلا وسينهي المشكلة ؟ هوا
سيعقدها أكثر وزيدي عليه أن تعلم أنك من طلب هذا "
نظرت لي بصمت وثبات وكأنها تذكرني بوعدي لها منذ قليل
فهززت رأسي ثم نظرت لها وضربت على صدري بقبضتي
وقلت بأسى " مجروح منها يا أمي مجروح حد الوجع وأنتي
تري بعينك كيف تزيد جرحي في كل مرة أكثر "
قالت بجمود " وتحبها ولا تستطيع تزويجها لأحد وكلما تحدثت
معك في الموضوع انتفضت واقفا وكأن الكرسي تحتك تحول
لمسامير , أنت تناقض نفسك يا بني "
أبعدت نظري عنها وأمسكت عيناي بأصبع يدي أتنفس بقوة
فوصلني صوتها هادئا " تزوجها وارحم نفسك على الأقل
والجراح كفيلة أن يداويها القرب يا نواس "
أبعدت يدي عن عيناي ونظرت لها وأشرت بإصبعي للباب
وقلت بسخرية " أنتي ترينها بعينك كيف تهينني ومع هذا لا
تعلمي ما تفعله بداخلي , هي لا تزيدني إلا جروح "
قالت بهدوئها ذاته " أنا أراها كما أراك وكل واحد منكما يجرح نفسه
قبل أن يجرح الآخر , لا تمت بحسرتك يا بني فلن ترتاح إلا وهي
في حضنك فلا تتركها لغيرك ولا تستهن بالأمر فأنت لم تجربه "
لذنا بالصمت لوقت طويل حتى وصلني صوتها قائلة
" ماذا قررت "
نظرت لها وقلت " ليس الآن "
قالت من فورها " متى إذا "
أبعدت نظري عنها وقلت " لا أعلم حتى أنسى جرحي أولا "
قالت بهدوء " عامان مرا يا نواس إن كنت لا تعلم "
نظرت لها وقلت " هي لن توافق في كل الأحوال "
قالت بسخرية " تبحث عن الحجج يا نواس ؟؟ أتركها
تتزوجه إذا وأرني كيف سيشفى جرحك "
تركتها وخرجت من الغرفة ومن المنزل برمته
*
*
وصلت المنزل مقربة العصر فأنا وطلال قررنا العمل على
رسالة التخرج بالخفية عن وسن ولن ننتظر حتى تحل مشاكلها
وابن خالتها على حساب وقتنا ومستقبلها ومستقبلنا , توجهت
للداخل ومررت بغرفتها أولا طرقت الباب ومددت رأسي
قائلة بابتسامة " مساء الخير على أروع جدة في الوجود "
رفعت رأسها مما كانت منشغلة به وقالت ببرود " أي جامعات
هذه التي يبقون فيها حتى المساء ! أين تذهبين يا فتاة "
دخلت وقلت ضاحكة " وأين لي غير الجامعة نحن نعمل على
رسالة التخرج , أخبرتك مرارا "
تنهدت وقالت " أعرفك مجنونة وتعرفين والدك جيدا لا يرحم "
جلست بجوارها على السرير وضممت كتفها وقلت بحنان
" ووالدي لم يتركني هنا معك لأدرس في جامعة العاصمة إلا
لأنه يثق بك وبخالي وبي وإلا ما وافق وأنتي تعرفيه أكثر مني "
هزت رأسها بنعم دون كلام فقلت " الم ترجع إيمان بعد "
قالت بضيق " متى ذهبت لترجع ومتى رجعت لتذهب اتركيها
هناك علنا نرتاح من شجارهما الدائم قليلا "
ضحكت وقلت " لم يكن هذا كلامك سابقا وكنتِ تقولين
دائما أن ابنك لا يخطئ "
قالت ببرود " اذهبي وأعدي شيئا نأكله بدلا من الجلوس والثرثرة "
وقفت وقبلت رأسها وقلت " من عيناي ولتعلمي فقط فوائد إيمان
على الأقل تطهوا لكما الطعام "
تمتمت بكلمات لم أفهمها فخرجت مبتسمة , أعان الله إيمان
عليك وعلى ابنك , طهوت شيئا سريعا نأكله ووقف خالي
عند الباب وقال " رائحة طعام هنا "
نظرت له وقلت مبتسمة " بل رائحة رجل بلا زوجة فاذهب
وأحضرها فأنا لا يمكنني الدراسة والاهتمام بالمنزل معا "
قال ببرود مغادرا " هي خرجت من نفسها وهي تعود ومن نفسها "
تنهدت بضيق وأكملت ما كنت أفعله , وضعت له ولجدتي الطعام
وأخذت طعامي لغرفتي فلست بمزاج لهما فسيفتحان
الموضوع نفسه ويصدعان رأسي بمشاكلهم
أنهيت طعامي وصليت المغرب ونمت من فوري حتى
صلاة العشاء استيقظت وصليت وخرجت للمطبخ طبعا لأعد
شيئا للعشاء , ألم تجد وقتا لترجع لأهلها غاضبة إلا الآن
آه منكم أنتم الرجال , ترى هل أحزان السنين مثل خالي وابن
خالة وسن !! لا لا هوا يبدوا هادئا ورقيقا وصوته يا إلهي عذبا
كالماء ليس ذنبي بل الذنب عليه هوا علقني به , نعم ليس وهم هوا
حقيقة وهذا يكفي , ترى كيف شكله وما هوا اسمه وما هي قصته مع
اسم أحزان السنين , نظرت للمقلاة وصرخت بصدمة وأبعدتها عن
النار , لقد كاد يحترق العشاء بسببه , تعشينا معا ثم عدت لغرفتي
وانشغلت بدراستي وعند الحادية عشرة والنصف فتحت المذياع في
هاتفي ووضعت السماعات في أذناي وأنا جالسة على السرير كي لا
يفوتني شيء من البرنامج ولا أسمع مداخلته , بدأ المذيع في استقبال
الاتصالات حتى شعرت بالمرض من الذي يشكي والذي يبكي
ويحكي قصته وكان موضوع الحلقة عن النسيان , انتظرت طويلا
ويبدوا أنه لن يتصل هذه الحلقة , أمسكت الهاتف واتصلت بالبرنامج
فأدخلوني بسرعة لأني بث صاحبة مداخلة مهمة فيه ولا يتركوها
تنتظر طويلا , قال المذيع بصوت مبتسم
" ها هي ملاك الليل سوف تعطينا رأيها في موضوع حلقتنا "
قلت بصوت هادئ " لا أذكر أنني نسيت لحظات بائسة وأشخاص
آذوني لكن بعض الأحيان يسألني أحدهم أتعرفينني ؟ أنا في ذاك
العام مررت أمامك وابتسمت لك فأضحك عليه في قلبي وأقول ما
يضنني لأذكر من يكون بينما وفي يوم آخر أتقابل مع شخص آخر
بالمصادفة فأقول هذا أذكر يوما رأيته نظر لي نظرة سيئة أو قال
لي كلمة جرحتني فنحن نذكر الإساءة ونتحجج بأننا لا نستطيع
النسيان بينما ننسى الإحسان مثلما ننسى ديونا يريدها الناس منا "
ضحك المذيع وقال " معك حق كم ننسى ديوننا وكم نذكر مآسينا "
قلت بابتسامة " نعم فإن سألت أحدهم عن اللحظات السعيدة في
حياته سيستغرق وقتا لتذكر حدث كبير جدا وإن سألته عن أحزانه
لسرد لك منها حتى تعبت , هذا بالنسبة للأحداث والأشخاص بصفة
عامة أما الحبيب فشيء لن أتكلم عنه لأنه أصعب أنواع النسيان "
قال المذيع " شكرا لملاكنا الليلي وبما أنك المتصل الخامس
فإهداء الأغنية سيكون لك كالعادة فلمن ستهديها "
قلت بعد تفكير " اممم للمتصل بعدي وعمتم مساء "
قال المذيع " إذا أغنية ( لم أنساك ) إهداء من ملاك
الليل للمتصل القادم "
استمعت الأغنية حتى نهايتها وانتهت موسيقاها على صوت
المذيع قائلا " وهذا المتصل الجديد معنا أحزان السنين "
صرخت بحماس ضاحكة وارتميت على السرير على صوت
ضحكته الهادئة وهوا يقول " كانت الأغنية من نصيبي إذا فشكرا
يا ملاك , لن أتحدت عن النقاط الأولى لأنها وفتها حقها ككل مرة
أود فقط أن أتحدث عن مسألة الحبيب ونسيانه يكون بحجم مساوئه
وهنا ستنجح معادلة ملاك فحين ستذكر مآسيه جميعها فسيسهل
عليك نسيانه إلا إن انكسرت المعادلة وأصبحت تذكر محاسنه فقط
بالنسبة لي لم يصعب عليا نسيان الإنسانة التي أحببتها لأنها
لا تستحق ولكنها سدت نفسي حقا "
ثم ضحك هوا والمذيع وقال المذيع " جرب مجددا قد ينجح الأمر "
قال بصوت مبتسم " كل شيء في الحياة يجوز , ليلة سعيدة
أتمناها للجميع ولن أحزن إن سرقت من فرحي السنين "
ثم أنهى المكالمة ولم أوقف المذياع طبعا حتى انتهى البرنامج وكأني
أخاف أن يتصل ثانيتا ولا أعلم به , استمعت لباقي المكالمات وأنا
أموت غيضا من الفتيات اللاتي يسألن عنه ويطلبن من المذيع سؤاله
عن معلومات شخصية عنه رغم علمهم أنه لا يريد التحدث عن نفسه
وأنا لا أجني من متابعة باقي البرنامج سوى أن تحترق أعصابي
أبدوا غبية لكنه شعور يتملكني حقا
*
*
منذ عاد نواس قبل يومان ومزاجه لا يعجبني أراه كئيبا ويجلس
لوحده يفكر كثيرا لا أعلم في ماذا ! وكأنه يحمل هموم الدنيا
فوق كتفيه , يبدوا حدث معه شيء في سفرته الأخيرة أو بعد
قدومه , اقتربت منه وقلت " هل أعد لك شايا بالزنجبيل هوا
مهدئ جيد للأعصاب وأراك منزعجا جدا "
قال ورأسه في الأرض جالسا على الأريكة
" لن ينفع في شيء أريد فقط أن أبقى وحدي "
قلت بهدوء " سأعده لك واشربه ولن تخسر شيئا وأريد
زيارة والدتك متى وجدت الوقت مناسبا "
قال وحاله كما هوا علية " في الصباح آخذك لها "
قلت بابتسامة " جيد فأنا متشوقة للتعرف عليها "
نزلت بعدها للطابق السفلي دون أن أزيد كلمة , ترى هل قابل
المدعوة وسن في رحلته ! لابد وأنها سبب حزنه مادامت أمور
تجارته على ما يرام , دخلت المطبخ وبدأت بإعداد الشاي له
وأضفت له الزنجبيل ووقفت أنتظر أن يجهز على دخول
راضية قائلة " ابتعد عني لست في مزاج لك يا وليد "
تبعها قائلا بضحكة دون أن يراني
" لا مفر لك مني يا روضة باق لك هنا "
وماتت ضحكته حينما رآني في المطبخ وقالت راضية
" ماذا تفعلين يا مي لما لم تخبريني أفعل لك ما تريدينه "
قلت بابتسامة صغيرة ونظري للأرض " لاشيء متعب كوب شاي فقط "
قالت وهي تتوجه للثلاجة " خلصيني من ابن خالتك
هذا فسأهرب من هنا بسببه "
قلت بابتسامة ونظري عليها " لن يسمح نواس بذلك
وهوا أكثر من أخ له "
أخرجت رأسها من الثلاجة قائلة " فقط دعينا نجد حيلة
فالنساء لا يغلبهم شيء "
قال وليد بضيق " كنت أعلم من البداية أنك خائنة والآن تأكدت "
نظرت له وقالت ببرود " لم أكن أعلم بأني أعمل في جهاز مخابرات "
ضحك وقال " لهذا أمن البلاد بخير لأنك لست فيه "
ضحكتُ بضحكة غلبتني فنظرت لي راضية وقالت بضيق
" نعم تضحكين , هوا ابن خالتك وأنا ليس لي إلا الله "
قال وليد بمكر " وأين ذهبت أنا "
رمت بيدها في وجهه قائلة " أخرج هيا لا تعكر لي مزاجي أكثر "
نظر لي وقال " هل تسمعينها يا مي وقالت إن خرج
وليد من هنا خرجت بعده "
بقيت أنظر له بصمت بل بحسرة , لم أقترب من وليد قبلا كما
الآن ولم أعرفه هكذا بروح طيبة تبعث السرور لمن حولها
أبعدت نظري عنه حينما لاحظت أن نظراتنا علقت في بعضها
دون أن ننتبه وغادر هوا من فوره وكأنه هرب من شيء أو فهم
شيء , يا حمقاء يا مي كيف تغلبت عليك مشاعرك ؟ أنتي في
نظره متزوجة وبصديقه أيضا , سكبت الشاي في كوب وصعدت
به ولم أجده , بحث عنه فكان في مكتبه يقف أمام النافذة اقتربت منه
وكان وكأنه في عالم آخر ولم ينتبه لوجودي , كانت عيناه على
إسطبل الوسن المنفرد عن باقي الإسطبلات وكأنه يراها من
خلفه ويتحدث معها ويمنع نفسه من النزول لها
وضعت كوب الشاي بقربه وقلت بهدوء " سأذهب للنوم هل تريد شيئا "
قال بهدوء وعيناه مكانهما " شكرا يا مي وتصبحين على خير "
تركته وغادرت المكان وأغلقت الباب خلفي وتوجهت لغرفتي
عند الصباح جهزت نفسي وغادرنا لزيارة والدته , وصلنا العاصمة
بعد مقربة النصف ساعة ووقفنا أمام منزلهم هنا ونزل وأنا أتبعه
دخلنا وتوجه من فوره لغرفة معينة وأنا خلفه , طرق الباب ودخل
ملقيا التحية ثم نظر لي للوراء وقال " أدخلي يا مي "
دخلت ووقع نظري على الجالسة على السرير بملامح متعبة
وأول ما خطر في بالي مكالمتها لي يوم العيد دون كل مكالماتها
اقتربت منها وقبلت رأسها وقلت بهدوء
" كيف حالك يا عمتي وأمدك الله بالعافية "
قالت مبتسمة " حفظك الله يا ابنتي وسررت بلقائك "
قلت مبادلة لها الابتسامة " بل أنا من سررت بهذا حقا وكنت
أود زيارتك منذ وقت لكن نواس كان مشغولا "
اكتفت بالابتسام دون تعليق وقال نواس
" سأغادر قليلا وأعود لك بعد ساعة يا مي "
نظرت له وقلت باستغراب " ولما بسرعة هكذا !! "
نظر لوالدته ولم يتحدث وشعرت وكأن ثمة سبب وراء ذلك
سمعنا حينها باب المنزل يغلق وكان نواس سيقول شيئا على وقوف
فتاة أمام الباب بحقيبة على كتفها ومذكرات في يدها , كانت مبتسمة
وماتت تلك الابتسامة ما أن رأتنا وكأن ثمة من سكب عليها ماءً باردا
كانت بملامح جميلة لكني لم أركز على شيء سوا عيناها , لقد
كانت أغرب عينان رأيتها في حياتي بل أجمل وأوسع ما رأيت
تجعلانك تنظر لهما فقط ولا تركز على باقي ملامحها , كانت تنظر
لي بجمود وكأنها تمثال حجري وشككت أن تنفسها توقف , لابد وأنها
الفتاة التي تقرب لنواس , ظننتها صغيرة حين قالت راضية أنه وليها
وذهب لأخذها للمستشفى ليلا , كنت أنظر لها بحيرة من نظرتها
الجامدة لي فنظرتُ لعمتي فكانت تنظر للفتاة بتوجس وريبة وكأنها
تخاف أن يحدث لها شيء , نقلت بعدها نظري لنواس فكان ينظر
للأرض دون أي ردة فعل وكأنه تجمد هوا أيضا فعدت بنظري
للفتاة فكانت على حالها تنظر لي فقلت بابتسامة
" لابد وأنك قريبة نواس التي يكون وكيلها لقد سرر.... "
قاطعتني قائلة بسخرية " نعم أخبرك أيضا أني اليتيمة العالة المتسولة "
نظرت لها بصدمة وقال نواس بضيق ونظره لازال للأسفل
" وسن يكفي "
****************************************************
******************************************
خرجنا اليوم صباحا لنزور قبو منزلنا , ركبت سيارة نزار وانطلقنا
لتتبعنا بعد مسافة ثلاث سيارات سوداء , وصلنا المكان ونزلنا على بعد
مسافة ونزلوا هم في أماكن لم أراها , سرت برفقة نزار في المساحة
الخالية حتى وصلنا الأشجار وسلكنا الطريق المؤدي للباب وصلنا هناك
ووصل صديق نزار ورجاله بعدنا على الفور , نظرت لهم جميعهم
ثم نظرت لنزار فقال " هيا يا سما "
نظرت لعيناه مطولا ثم توجهت نحو اللوح أزلت الأوراق
وفتحت لهم الباب ووقفوا ينتظرونني فنزلت الأولى وهم يتبعونني
شغلوا مصابيح كثيرة حتى أصبح كل الممر مضاءً فسرت وهم
خلفي وكأنهم يخشون أن يكون ثمة فخ لأقع أنا فيه قبلهم , وصلنا
للفتحة أغلقتها وتابعنا سيرنا حتى وصلنا القبو فوقفت وشعرت بالخوف
وكأني لم أكن فيه لأشهر وحيدة , شعرت بيد على كتفي فنظرت لصاحبها
فكان نزار ينظر للبعيد ثم أشار بإصبعه وقال " مفاتيح الإنارة هناك "
توجه واحد منهم وشغل جميع مفاتيح الإضاءة لتنير القبو بأكمله وابتعد
نزار جهة صديقه جابر وتوزع رجاله يبحثون في كل مكان وهوا واقف
يداه وسط جسده ينظر لكل شيء نظرة شاملة , تبدوا شخصيته مخيفة
جدا ونظرته حادة رغم أن نزار طويلا وعريضا إلا أنه أضخم منه , نظر
ناحيتي وقال " ستفتحين لنا الباب الموصول بالمنزل أيضا نريد أن
ندخله دون أن يلحظ أحد أننا دخلنا إليه "
نظرت لنزار فأشار لي برأسه أن أفعل ما يريد فتوجهت حيث السلالم
وفتحت لهم الباب وصعد عدد منهم للأعلى , اقترب رجل من جابر
بحقيبة في يده وقال " من الخارج يستحيل اللعب في نظام الأبواب
لكن الداخل ممكن وأستطيع إضافة بصمة واحدة "
قال جابر " جيد "
اقتربت منهم وقلت " ماذا ستفعلون "
قال جابر ونظره على جدران القبو البعيدة " سندخل بصمة
أخرى غير بصمتك لفتح الأبواب تحسبا لأي طارئ "
قلت ونظري معلق به " لمن "
نظر لي مطولا بصمت ثم قال " لي أو لأحد رجالي طبعا "
هززت رأسي بلا فقال بضيق " لا تتعبينا معك يــ .... "
صرخ نزار بحدة " جابر "
نظر له نظرة قوية فقال نزار بضيق " ليس هذا اتفاقنا لكي
تأتي بكم إلى هنا وأعرفك جيدا عند كلمتك "
قال جابر بضيق أكبر " جد لنا حلا لهذا إذا "
نظر نزار لي في صمت فنظرت للأرض وقلت بهدوء
" أنت وغيرك لا "
قال جابر بضيق " نفذ بسرعة "
فتح ذاك حقيبته وأخرج شيئا أخذ به بصمات نزار وبصماتي وابتعد
جاب رجاله كل المكان وفتشوه تفتيشا دقيقا وكلما عاد ناحيته واحد
منهم قال أنه لم يجد شيئا فنظر لنزار وقال
" النقود يجب أن تخرج من هنا فعددها كبير وبقائها غير مستحب "
قال نزار " وأين سنذهب بها ؟ أنا أرى أن القبو أأمن مكان لها
خصوصا أن سما لا حساب مصرفي لديها "
قال جابر " لا يمكن فقد يحدث حتى ماس كهربائي أو يتعمدوا
إحراق المكان وهم في الخارج لظنهم أن ثمة دليل بداخله ولن
نستبعد حتى أن يدخلوه بأي طريقة كانت "
نظر نزار ناحيتي وكأنه يريد رأيي فقلت " نخرجهم "
لأن كل غرضي من المجيء هنا إخراج النقود , قال جابر
" سنضعهم في حسابك "
قال نزار معترضا " مستحيل هذا لن يحدث أبدا "
قال جابر بضيق " ولما ؟ ومن غيرك فأنت تعلم أنها مبرمجة
عليك أنت وحدك ولن ترضى بأن نضعه في أي حساب آخر "
قال نزار بحدة " جابر هذا الكلام لا داعي له "
ابتعد جابر بنا عن البقية وقال بغيض
" نزار احترمني أمام رجالي وتحدث معي بأدب "
قلت بضيق " يكفي لا تتشاجرا بسببي "
قال نزار " لن يحدث ذلك ولا تنسى أن لها عائلة سيضنون فيما
بعد أني سرقت من نقودها لذلك لديك سيكون أفضل ولن يحاسبوك
على شيء وأعرفك نزيها ولن تقرب منهم قرشا واحدا "
قلت بضيق " لما لم يسألني أحد عن كل هذا
هي أموالي لذلك سآخذها معي أنا "
نظرا لي باستغراب فقلت بإصرار " أريدها عندي "
فتح جابر فمه ليتحدث والسوء باديا على ملامحه فأوقفه نزار
مشيرا بيده وأمسكني من يدي مبتعدا بي عن الجميع وقال
" سما ما هذا الذي تقولينه ؟ كيف تأخذين الأموال معك
ماذا إن سرق أحدهم المنزل وكما تعلمي المفتاح كان
لدى أغلبهم وقد يكونوا أخذوا نسخة عنه "
قلت من فوري " استبدله بآخر "
قال بضيق " سما لا يمكنني النوم مرتاحا وكل هذه الأموال في
منزلي وتحت عهدتي , يكفي أني لا أنعم بنوم هادئ وأتجول حول
المنزل ليلا أكثر من مرة خوفا من أن يكون أحدهم يراقبك أو وجدك "
هززت رأسي بلا وقلت " بل أريدها معي نزار أريدها "
نظر لي مطولا بصمت ثم قال
" ولما وأنتي بنفسك قلتي أنها لم تعد تعنيك ولا تريدينها "
لذت بالصمت فقال " ليس من العقل فعل ذلك يا سما "
قلت بضيق " لما تعاملني دائما كالطفلة , لا أقول شيئا سليما
ولا أتصرف بحكمة , لما تجرحني دائما يا نزار "
نظر لي بصدمة وقال " متى حدث ذلك !! "
قلت وقد ملأت دموعي عيناي " كثيرا "
تركني وتوجه ناحية جابر تحدثا لوقت ثم عاد ناحيتي
وقال " سنفعل ما تريدينه لكن عديني أولا أنه لن ينقص
منها مليما واحدا ولأي سبب كان "
بقيت أنظر له بصمت فقال بجدية
" عديني يا سما أولا وأنا أتق في وعودك جيدا "
يا إلهي إن وعدته لن أستطيع أخذ شيء منها لأدفع باقي ثمن
الهدية وأشتري الأشياء التي تلزمني دون أن أكلفه بها وإن لم
أعده سيعلم أني أفعل ذلك لآخذ منها , نظرت للأرض بخيبة
أمل وقلت " أعدك "
عاد حينها ناحية جابر وبدأ رجاله بإخراج النقود وغادرنا القبو
وكان نزار هذه المرة من أغلق الطريق وفتح باب الخروج
وأغلقه أيضا لأن بصمته أصبحت معرفة لبرمجة الأبواب
صعدنا السيارة وعدنا جهة المنزل ونحن في الطريق رن
هاتف نزار فأخرجه ونظر للمتصل وقال " وأخيرا "
ثم أجاب عليه دون كلام ثم قال " رهام "
سكت بعدها لوقت ثم قال بهدوء " أنا مشغول الآن وداعا "
رهام !! أليست خطيبته التي ذكرت دعاء وخالتي اسمها
هل عادت له كما قالت دعاء ! نظرت لوجهه وكأنني كنت
أبحث عن جواب لديه , تمنيت أن يتحدث معي ويحكي لي ما
قالته له وما بينهما , شعرت بضيق كبير ودموعي تريد النزول
ولا أعلم لما !! نظرت جهة النافذة أحاول كتم دموعي ولم أستطع
فبدأت أمسح كل واحدة تنزل منها حتى قال نزار " سما مابك "
قلت ببحة " لا شيء "
وقفنا حينها عند باب المنزل ونظر باتجاهي وقال
" كيف لا شيء , ما الذي يبكيك "
نظرت لعينيه بحيرة وصمت ثم نزلت من السيارة ووقفت عند
باب المنزل فنزل وفتح لي الباب فتوجهت من فوري لغرفة
والدته وأدخل هوا والرجال صندوقَي الأموال , ركضت
لحضن خالتي من فوري فقالت ماسحة على كتفي
" مابك يا سما من هذا الذي أبكاك "
بقيت أبكي في حضنها بصمت فدخل نزار وقالت له
" من الذي أبكاها وما الذي حدث "
وصلني صوته قائلا " الجواب لديها فلم نفعل شيئا اليوم ضد رغبتها "
ابتعدت عن حضنها ومسحت دموعي وقلت
" لا أريد زيارة القبو فقط لقد أشعرني بالحزن "
قال نزار " لن نأخذك له بعد أن أصبح بإمكاني فتحه لهم "
وقفت وقلت ونظري أرضا " سأصعد لغرفتي لأرتاح قليلا "
*
*
خرجت سما من الغرفة ونظري يتبعها وقالت والدتي
" ما بها "
نظرت لها ورفعت كتفاي وقلت " لا أعلم لم نغضبها في شيء
وفعلنا كل ما طلبته وكما تريد "
رن حينها هاتفي فأخرجته وكان رقمها مجددا , بعد كل تلك
الرسائل اتصل بي الرقم اليوم لأفاجئ أنها رهام ولم أكن أتوقعها
أبدا , استأذنت من والدتي وصعدت لغرفتي ليعود الرقم للاتصال
مجددا فأجبت قائلا " ماذا يا رهام "
قالت من فورها " اشتقت لك يا نزار "
قلت بسخرية " ضننت أنك لا تعرفين الشوق "
قالت بحزن " أعرفه كما أعرف الندم والحسرة لقد لعبوا
بي وتزوجته رغما عني أقسم لك "
قلت ببرود " أتعلمي آخر ما توقعته أني حين سأسمع صوتك لن
أشعر حتى بالألم أو الجرح ولا حتى الكره فأنتي ميتة من
حياتي نهائيا والآن فقط اكتشفت ذلك "
قالت بعد صمت " بل لم تنسني ونحن نحب بعضنا
مثلما لم أنساك أنا "
قلت بسخرية " أنتي لم تعرفي الحب يوما أما أنا فقد كان
هناك منه الكثير لك ومات "
قالت من فورها " أنت عاتب عليا فقط وأنا أعذرك "
قلت بضيق " لا تعذريني ولا لدي ما أعتب عليك فيه أنتي ماض
وانتهى يا رهام ومن باعنا بالمال نبيعه بالتراب "
ثم أغلقت الهاتف في وجهها ورميته على السرير بغيض
تافهة وتتذكر الآن أن لها حبيبا هجرته منذ سنين
*
*
دخلت غرفتي وفتحت صندوق النقود ونظرت له بأسى , لم يعد لك
نفع بعدما وعدته , سأتركهما لأيام هنا ثم سأطلب من نزار أن يضعهما
في حسابه , ولكنه رافض لذلك ... إذا يضعهم عند جابر فلم أعد أريدهم
جلست على السرير أشعر بالضيق من تلك المسماة رهام , لو فقط
يشرح لي أحدهم ما يحدث معي , لما لا أريد أن يرجع لها ! نعم لأنها
لا تستحقه ولأنها تركته وهوا يحتاجها , حسنا ودعاء أيضا لا أريده أن
يتزوجها لأنها.... !! ممكن سيئة , إذا يتزوج غيرهما .... لا لا أريد
تأففت واستلقيت على السرير أحاول التفكير في أشياء أخرى ثم
وقفت وتوجهت للخزانة وأخرجت المجسم الذي سأهديه له و لمّعته
مجددا رغم أنه يلمع ثم حضنته بابتسامة , ترى هل ستعجبه هديتي
ثم ماتت ابتسامتي حين تذكرت أن تلك التي اسمها رهام قد تهديه
شيئا أجمل من هذه , نظرت بعدها للسلسال الذي أهداه لي في عنقي
وفكرت أن أنزعه لكني تذكرت وعدي لخالتي أن لا أنزعه أبدا
أعدت المجسم لخزانتي , سيكون عليا جمع مصروفي مجددا حتى
أعطي لبتول نقودها , آه خمس وسبعون كثير وسأحتاج وقتا لجمعها
جيد أني حصلت على الهدية لأني ما كنت سأحلم بها أبدا ولكن ماذا
إن لم تحضر بتول المبلغ فلن يكون أمامي حينها سوى أن أعطي
المدعوة مروى إحدى قطع حليي الذهبي بدلا من النقود لأني لن
أستطيع لمس النقود بعدما وعدته ومن الجيد أنها أحضرتهم بل
أحضرت معها مئة كاملة ومروى تلك كذبت علينا ولم تغب كما
قالت فسددت لها بتول باقي المبلغ , نزلت بعدها للمطبخ وأعددت
الغداء ومر باقي اليوم لم نرى نزار إلا وقت الأكل وكان صامتا
طوال وقت الطعام على غير عادته ولم يتحدث سوى بجمل
مختصرة ونام مبكرا أيضا , جلست مع خالتي وقالت
" هل نقرأ قصتنا أم ليس بعد "
قلت مبتسمة " فكرة جيدة لأني أشعر بالضيق "
قالت باستغراب " نزار يبدوا ليس طبيعيا اليوم وأنتي أيضا فما بكما "
فكرت أن أخبرها بما حدث لكني تراجعت فالأمر يخصه وليس
من أحقي أن أخبرها به , نظرت لها وقلت
" خالتي هل أسألك عن أمر "
قالت من فورها مبتسمة " بالتأكيد بنيتي "
قلت " كيف يكون الرجل صديقا وحبيبا "
ضحكت وقالت " لا يكون الاثنان معا "
قلت مبتسمة " لم أقصد نفس الشخص عنيت كيف
يكون حبيبا وكيف يكون صديقا "
بقيت تنظر لي في صمت فقلت " هل سألت شيئا سيئا "
قالت مبتسمة " لا طبعا لكن هل أجيب فقط أم ستتحدثين
معي عن معنى السؤال لديك "
قلت باستغراب " لم أفهمك خالتي "
قالت مبتسمة " حسنا سأشرح لك مثلا نزار ودعاء صديقان أو لنقل
نزار يعد دعاء صديقة له أي يسلم عليها يطلب منها شيئا تستطيع تقديمه
له ويساعدها إن احتاجته لكن لا يكن لها مشاعر خاصة فهي صديقة
وليست حبيبة وهكذا بالنسبة للرجال "
قلت بحيرة " كيف يكن لها مشاعر خاصة "
قالت من فورها مبتسمة " أي يفكر فيها دائما يحب التحدث عنها يريد
رؤيتها في كل وقت ولا يريد أن تبتعد عنه أبدا وغيره الكثير "
قلت بحيرة أكبر " يعني إن فكرت في أحد طوال الوقت واحتجت
له ولم أرد أن يبتعد عني أكون أحبه "
قالت " ممكن "
قلت مباشرة " وكيف أتأكد "
قالت بمكر " عن ماذا ستتأكدين "
شعرت بالارتباك وقلت " سمعت صديقتاي في المدرسة يتحدثان عن
رجل تحبه إحداهما وآخر صديقها وخفت أن أسأل وتضحكان علي "
قال " لا عليك يا سما أنا أشرح لك كل ما تريدي فليس من العيب أن
تحب الفتاة العيب أن تخطأ وتبيع نفسها لشاب لا يستحقها ويخسرها الكثير "
قلت باستغراب " كيف يُخسر الشاب الفتاة أنا حقا كالحمقاء التي لا تفهم شيئا "
ربتت بيدها على سريرها وقالت " تعالي واجلسي هنا عليك معرفة كل
هذا يا سما كي لا تتعلميه من صديقاتك أو تعلمي عنه بعد فوات الأوان "
توجهت نحوها وجلست بجانبها فبدأت تحكي لي بصوت منخفض
وعيناي مفتوحتان على اتساعهما حتى انتهت فنظرت لها وقلت
بصدمة " ماذا تعني بأنه لا يحدث إلا بين الرجل وزوجته "
قالت " أعني كما قلتيه الآن , فكوني حذرة دائما يا سما واعلمي
أنه لا تُسلم المرأة نفسها إلا لزوجها "
وقفت وقلت " لا لن أتزوج أبدا "
ضحكت وقالت " بلى وستنجبين أبناء جميلين ومؤدبين مثلك
تلك هي سنة الحياة وفطرة البشر "
هززت رأسي بلا غير مستوعبة فقالت بضحكة
" حينما ستحبين أحدهم ستريدين ذلك بنفسك "
شعرت بجسمي كله ارتجف من الإحراج وقلت وعيناي
أرضا " مستحيل "
وصلني صوتها قائلة " لما سنستبق الأحداث فستجربين بنفسك
وستعلمين أن هذا شيء تشعرين به اتجاه شخص واحد دون البقية
كما في مشاعر الحب لا تكون إلا لشخص واحد ولن تشعري بها
اتجاه غيره , أي البقية كلهم في كفة وهوا وحده في كفة "
أمسكت قلبي بيدي وتذكرت كل تلك الأشياء التي أشعر بها
اتجاه نزار , مثلا أني لا أريد إغضابه ولا أن أخرج من حياته
ولا أن يرجعني حتى لأهلي وأن أراه كل يوم , تزاحمت في رأسي
الأفكار فهززت رأسي أنفض كل تلك الأفكار منه قبل أن أفكر في
الأمور المحرجة التي حكتها لي خالتي وأتخيلها معه ثم نظرت لها
وقلت " وهل من ضمنها أن لا تحبي أن تقترب منه امرأة أخرى "
قالت بابتسامة " تلك اسمها الغيرة ويسمونها ملح
الحب فمن لا يغار لا يحب "
قلت " كيف تكون "
قالت " أن تري أي رجل يقف مع فتاة أو يبتسم لها فلا يعنيك ذلك
لكن الشخص الذي تحبينه سيزعجك فعله لها جدا حد أن تتألمي في
قلبك وتبكي وقد تخاصميه أيضا وتغضبي منه لفعلته تلك "
قلت بصدمة " وهل قلتي أنه من لا يغار لا يحب "
هزت رأسها بنعم وقالت " نعم ومن يغار على شخص فهوا يحبه "
جلست على الكرسي بذهن شارد فوصلني صوتها قائلة
" ألن تحكي لي الآن سبب كل هذه الأسئلة بعدما أجبتك عليها جميعها "
نظرت لها وقلت " بقي سؤال آخر "
قالت من فورها " عليك به إذا لأجيبك عليه "
قلت بعد تردد " ماذا أفعل إن أحببت يوما شخصا "
نظرت لي نظرة غريبة ثم قالت
" تعالي وأخبريني عنه لنجهز عليه وأزوجك به "
هززت رأسي بلا مصدومة فضحكت كثيرا ثم قالت " لا تخافي من
الأمر هكذا يا سما انظري الكثيرات متزوجات وسعيدات أيضا "
أمسكت الرواية وقلت " لنقرأ روايتنا وننسى كل ذلك "
ضحكت واكتفت بالصمت فقرأت رغم أني بنصف تركيز أو أحاول
الهرب من أن أفكر في شيء (( في اليوم التالي وتحديدا عند الصباح
كان أشرف في انتظاري في الخارج لأخذي للسوق طبعا كما وعد
ولم يخبرني ما يريده مني كمقابل , خرجت أركض مسرعة وأعدل
حجابي ففتح بابه قائلا " ساعة لتخرجي يا مستهترة "
فتحت الباب وركبت قائلة " صبرك قليلا أنت قلت سنخرج
عند العشرة وهي لم تأتي بعد "
انطلقنا وهوا يقول " في المرة القادمة أقول العاشرة يعني
تكونين جاهزة عند التاسعة مفهوم "
ضحكت وقلت " يعني يوجد مرات قادمة "
ضحك كثيرا ثم قال " حسب تعاونك معي طبعا "
نظرت له باستغراب فنظر لي وقال
" لا شيء بالمجان يا زوجة والدي العزيزة "
قلت ببرود " يالك من مبتز لا تفعل شيئا لوجه الله أبدا "
قال ببرود " لا شيء بدون مقابل هذه الأيام "
وقفنا حينها عند إحدى الإشارات وكان في السيارة التي بجانبنا
فتاتان ففتح أشرف نافذته ورمى لهما من نافذة سيارتهم ورقة
صغيرة مطوية فنظرت له الفتاة بابتسامة ولوح لها وانطلق على
ضوء الإشارة الخضراء فقلت " ماذا رميت لهما "
قال ونظره على الطريق " لا تتدخلي فيما لا يعنيك يا فتاة "
قلت ببرود " خفت فقط أنك تتاجر في المخدرات ويمسكوك وأنا
معك , أنا صغيرة ولم أعش حياتي بعد "
ضحك كثيرا ثم قال " أفضل شيء فعله والدي أن تزوج بك "
قلت بضيق " لا تسخر مني أو ألغيت الاتفاق "
قال بلا مبالاة " أنتي الخاسرة "
حركت كتفي بلامبالاة أيضا ولم أجب عليه , وصلنا عندها
لمجمع للتسوق أوقف السيارة عند المواقف المخصصة وقال
" وصلنا يا أم لسان , هيا تشرف المكان بمعرفتك "
ضحكت وقلت " شكرا يا أبو عينين زائغتين وتشرف المكان بطلتك "
نزلت واقفة خارج السيارة فنزل هوا أيضا ونظر لي وقال
" احترميني يا طفلة أنا أكبر منك وابن زوجك إن نسيتي "
ضحكت ضحكة ساخرة وقلت " جيد كنت سأنسى يا ابن زوجي
فتذكر أنت أني زوجة والدك وأني صغيرة فأرفق بي "
أغلق بابه قائلا " من يراك وأنتي صامتة يقول لنفسه ما هذه
الملاك برب الكون فإن سمعك كره جمالك الخداع "
ضربت باب سيارته بكل ما أوتيت من قوة فأنا أعرف أن هذا أكثر
ما يؤدي الرجال فصرخ بغضب " إن كررتها ثانيتا لن تركبيها تفهمي "
سرت جهة الدخول للمجمع التجاري قائلة ببرود " أنت الخاسر حينها "
سمعت صوته ورائي يتمتم بغيض " إن لم يربيك فراس فسأربيك أنا "
وقفت والتفت له وقلت " أنا متربية وأحسن تربية
لن يربيني فراس ولا غيره "
اجتازني قائلا بسخرية " سنرى يا ابنة الحسب إن لم يجعلك
تخافين من ظله لا أكون أشرف ابن رياض "
سرت خلفه ولم أبالي بكل ما قال فلن يخيفني فراس ولا أنت
صحيح أنه مخيف لكني لن أخاف منه مادام والدهم خلف ظهري
وكما في البارحة حين زارني في غرفتي يقول بكل وقاحة لننهي
حديثنا وما أن مر والده أمام غرفتي قائلا ( لغرفتك يا فراس )
حتى غادر من فوره منصاعا ولو مكرها
دخلنا وقال " اذهبي تسكعي كما تريدين سأكون في المطعم في
الطابق الثالث , أمامك ساعتين ثم أجدك أمامي هناك لنكمل
الاتفاق أو أبقيتك هنا وغادرت "
غادر بعدها على الفور فأخرجت لساني له وغادرت لأجد شابا
يضحك على حركتي ثم حياني بيده فتجاهلته وتابعت طريقي
تجولت كثيرا واشتريت ما أريد لأن عمي رياض أعطاني
مالا يكفيني بزيادة ثم صعدت للطابق الثالث , ساعتين قليل لقد
كنت أركض ركضا لأدرك كل شيء الفستان والإكسسوارات والحداء
ولم أشتري الماكياج لأن الوقت لم يكفيني , وصلت عنده وقلت
بضيق " لم أكمل تسوقي بعد فساعتان قليل جدا "
قال ببرود " اجلسي هيا يكفيك طمع "
جلست متضايقة فقال " علينا أن نتم الاتفاق الآن "
قلت بنفاذ صبر " نعم أسمعك "
قال بصوت منخفض " ثمة فتاة سأقابلها هنا بعد ربع ساعة
وستقولين لها أنك شقيقتي وكل ما سأطلبه منك "
نظرت له بصدمة وقلت
" ماذا !! هل ستختطفها أم ستخدعها وتأخذها لشقة "
قال بحدة " أخفضي صوتك يا غبية ماذا أختطفها وآخذها لشقة لسنا
في فيلم يا مجنونة فقط هي صدعت لي رأسي تزوجني وتعالى لخطبتي
فستخبرينها أنك شقيقتي وأني قلت لكم أني سوف أخطبها قريبا "
نظرت له بنصف عين وقلت " هكذا إذا أنت تخدع الفتيات ومغازل أيضا "
قال بعد ضحكة صغيرة " بل أتسلى قليلا قبل أن أتزوج
وأرتبط من عنقي فلا شيء في هذا "
قلت ببرود " بل مخادع وتخدع الفتيات "
قال بلامبالاة " أنا لم أخدعهن هن يصدقن أنفسهن "
قلت " وما الذي تريدني أن أقوله للفتاة إن كنت
لست تخدعهن يا نبيه "
اتكأ على ظهر الكرسي وقال " تلك شيء آخر غيرها حين
تقول تعالى لخطبتي أطردها من حياتي نهائيا "
قلت " آه فهمت هذه لا تريد طردها "
قال " نعم يا ذكية "
قلت بمكر " ولما يا ذكي "
قال بعد ضحكة " تعجبني قليلا ولكن ليس زواج ووجع رأس أريدها
هكذا نتحدث عبر الهاتف ونلتقي في أماكن عامة وفقط "
تململت في جلستي وقلت " أنا جائعة ولم أكمل تسوقي
أو لن ننهي الاتفاق "
اقترب وقال بغيض " لا تستغليني يا رُدين خيرا لك "
قلت بعد ضحكة رقيقة " سأخبرها أني خطيبتك إذا "
تأفف وقال " قابليها أولا ثم سأفعل ما تريدين "
قلت ببرود " لا تفكر في خداعي "
قال بهمس " أش أش ها هي قادمة "
وصلت حينها لطاولتنا فتاة طويلة وممشوقة القوام بملامح جذابة
وبدون حجاب بشعر أسود فاحم وناعم يغطي كتفيها , ألقت علينا
التحية وجلست بكل وقاحة فابتسم لها هذا الخبيث وقال
" مرحبا بجوجو حبيبتي "
قالت مبتسمة " استحي من شقيقتك يا أشرف "
ثم نظرت لي وقالت " سررت بمعرفتك يا رُدين "
نظرت له بصدمة , وأخبرها باسمي أيضا !! ماذا لو علم أني
في مخطط مع والده ليزوجني لأحدهم , قلت بابتسامة
" وأنا كذلك يا جوجو "
ضحكت وقالت " يبدوا أن أشرف لم يخبرك باسمي رغم
أنه قال لي انه حكا لك عني كثيرا "
نظرت له بشماتة فهددني بعينيه فقلت مبتسمة
" نعم ولكني أحب طريقته في مناداتك "
ثم أخرجت هاتفي وقلت " أريد رقم هاتفك لأني أحببتك
من قبل أن تصبحي زوجة شقيقي "
ثم نظرت له بمكر كي لا يفكر في خداعي لأني سأفسد عليه كل
شيء حينها فنظر لي بغل وتجاهلته ناظرة لها وهي تسجل رقمها
لدي ثم أخذت هاتفي منها ووقفت وقلت " لدي مشوار لأحد المحال
انتظرني حتى أعود يا أشرف ولا تنسى أنا أحب الدجاج المشوي
مع الأرز بالخضار ومشروبي الكولا "
ثم غادرت من عندهم ضاحكة وأنهيت تسوقي وعلى مهل
ولم أفكر في الجالس ينتظرني في الأعلى وبعدما انتهيت
عدت له فكان جالسا مكانه مكتفا يداه لصدره وأمامه الطعام
الذي طلبته فجلست وقلت " رائع أنا أشعر بالجوع حقا "
قال ببرود " كلي بسرعة علينا المغادرة وإن
أحضرتك ثانيتا اقطعي لي ساقي "
قلت بمكر " ولا من أجل جوجو "
نظر لي بضيق فقلت بضحكة " ما هذا الذوق الذي لديك
تبدوا كعارضات الأزياء وأكبر منك أيضا "
قال بذات بروده " لا شأن لك , كلي بسرعة وبدون كلام "
رميت يدي باتجاهه بلا مبالاة وقلت " مهلك علينا لما أنت
منزعج من أجلها كثيرا , ظننتك لا تحبها كما قلت "
قال بابتسامة ساخرة " هل تغارين منها "
ضحكت كثيرا ثم قلت " ولما سأغار منها يا غبي لا هي
أجمل ولا أصغر مني ثم أنت ابن زوجي فلما سأغار "
قال ببرود " لا يعنيني لما فما أعرفه أنكن تغرن بدون
سبب وحتى الأم قد تغار من زوجة ابنها "
وقفت وقلت " لقد سددت لي نفسي هيا لنعود للمنزل بسرعة "
وقف وقال من بين أسنانه " آه لو لم يتزوجك والدي فقط "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت " لكنت لعبت بي مثلهن أليس كذلك "
ضحك وقال مغادرا أمامي " بل لكنت تزوجتك أنتي وتسليت معهن "
حملت أكياسي وسرت خلفه وقلت بضيق
" لا أحسد المسكينة التي ستتزوجك "
قال بلامبالاة رافعا كتفيه " ومن قال لها أن تتزوجني ثم أغبى الرجال
من يربط نفسه بواحدة , لما خلق الله الكثير من النساء "
تأففت وأنهيت الحديث بصمتي , هذا يبدوا صعلوكا وإن اخترته
هوا سيكون عليا إصلاحه أولا وهذا إن صلح , ضننت لوهلة
أنه أفضل إخوته لكنني أخطأت , كانت فكرة عمي رياض جيدة
في أن أعيش معهم وأعرفهم عن قرب , وصلنا السيارة وركبت
قائلة بضيق " عديم ذوق أنت الرجل تسير أمامي خالي
اليدين وأنا أحمل الأكياس "
انطلق قائلا " أكياسك وليست أكياسي يا سيدة الحسن "
رن حينها هاتفه فأجاب عليه قائلا " مرحبا مرمر حبيبتي "
سكت قليلا ثم قال وهوا ينظر في مرآته الجانبية
" حقا خلفنا لم انتبه لك يا ملاكي "
جميل وهذه جديدة غير جوجو , قال بعد ضحكة " هل تغارين
يا قطتي هذه شقيقتي هل أعطيها لك تكلميها لتصدقي "
هددته بيدي أني سأريه ولن أكلمها فأخذ صندوق نظارته الشمسية
وضربني به على رأسي فنظرت له بكره ثم ملت جهته وقلت بصوت
عالي ورقيق " أشرف حبيبي هل هذه التي تقول عنها مزعجة "
أغلق الخط بسرعة ونظر لي بحقد فتجاهلته ونظرت جهة النافذة
ووصلنا حينها للمنزل ونزلت على توعده أنها آخر مرة يأخذني
فيها فسرت متجاهلة له وعندما وصلت الباب التفت له وهوا
يقف أمام سيارته وقلت ويدي وسط جسدي والأكياس في الأخرى
" بل أنا التي لن تذهب معك ثانيتا فراس وثقل دمه أرحم منك "
قال بابتسامة جانبية " لو سمعك لقطع لسانك "
قلت بعد ضحكة ساخرة " ومن سيخبره ؟ لا تفكر بها فلن
يصدقك لأنني سأنكر ذلك يا قيس النساء "
قال بابتسامته الجانبية ذاتها " وماذا إن أخبرته أنك قلتي عنه كونان "
قلت بسخرية " وهل يطال أن يكون كونان على الأقل
ذاك صغير بعقل كبير وتأتي منه المنافع "
ضحك وغمز بعينه لشخص ما خلفي فالتفت بريبة لأجد فراس
واقفا مستندا بالباب المفتوح وينظر لي فشهقت بذعر وقال هوا
بغل من بين أسنانه وبنظرة حارقة
" أفهم من كلامك أني كبير بعقل صغير ولا نفع مني " ))
رفعت نظري لها وقلت " سيريها على ما قالته "
ضحكت خالتي وقالت
" طويلة لسان وإن كان ثمة من سيربيها فسيكون فراس "
قلت بهدوء ونظري على الرواية
" أشعر وكأني لم أقرأ شيئا فلم أركز أبدا "
وصلني صوتها قائلة " هذا لأن بالك مشغول بما تحدثنا عنه "
رفعت نظري لها وقلت " لكن أشرف كان سيئا يخدع الفتيات
تماما كما قلتي , هوا يتلاعب بمشاعرهن "
هزت رأسها بنعم وقالت
" وهذا ألطفهم لأنه لا يستغل الأمر ليخسرها براءتها "
قلت بحيرة " وكيف تعلم الفتاة أن الرجل يتلاعب بها "
قالت بابتسامة " لابد وأن تكتشفه يوما لكن المشكلة أن تكون أحبته "
تنهدت وقلت " والحل يا خالتي "
قالت من فورها " الحل في ماذا يا سما "
قلت بضيق " في كل هذه الأمور المعقدة فيبدوا كما
قالت بتول لا حب إلا بعد الزواج "
قالت مبتسمة " كما أخبرتك يا سما ليس عيبا أن تحب الفتاة لأن
الحب إن دق بابها لن يسألها أبدا فهوا شعور يفرض نفسه
لكن الخطأ أن تحب من لا يستحق "
وقفت حاضنة للرواية في صمت فقالت
" ماذا عن الهدية التي حدثني عنها ألن تريني إياها "
هززت رأسي بنعم مبتسمة وقلت
" بالتأكيد مادام نزار نائما كي لا يراها قبل الغد "
لاذت بالصمت مبتسمة فنظرت للأرض وقلت بحيرة
" ترى هل ستعجبه "
وصلني صوتها قائلة " بالتأكيد يكفي تعبكم لشرائها "
نظرت لها مبتسمة ثم وضعت الرواية بجانبها وخرجت من
عندها وصعدت السلالم لأحضرها لها ففوجئت بنزار خارج
من غرفته وما أن وقعت عيناي في عينيه حتى شعرت بقلبي
يخفق بشدة وكأن كل كلام خالتي مر أمامي حينها فأنزلت نظري
واجتازني قائلا " سأخرج قليلا يا سما خليل جارنا ابنه مريض
سنأخذه للمستشفى فأخبري والدتي كي لا تقلق "
ثم نزل السلالم مسرعا ونظري يتبعه حتى اختفى فضربت
قلبي ضربات خفيفة وهمست " اهدأ ما بك جننت هكذا "
ثم دخلت الغرفة أخرجت المجسم ونزلت أريته لخالتي فأعجبها
كثير واثنت على اختياري وقالت أن نسخته الأصلية في الأسواق
باهظة الثمن كما قالت مروى فأعدته سريعا لغرفتي ونمت أتجنب
التفكير ودون جدوى والسؤال الوحيد الذي يدور في دماغي
( هل أنا أحب نزار فعلا )
في اليوم التالي أحضر نزار شخصا غيّر قفل الباب وقال أنه
لن يعطي نسخة عن المفتاح إلا لصديقه جابر و أمضيت أنا
أغلب الوقت في إعداد قالب كعك من أجل نزار , هذه الكعكة
لم أعدها هنا قبلا ولم نكن نعدها أنا ووالدتي إلا في أعياد الميلاد
وبما أن اليوم إجازة ولا مدرسة لدي فتركت لها كل وقتي لتكون
جميلة وكما أريد , وعند مقربة المساء أدخلت الطاولة لغرفة
خالتي أجرها وحدي حتى أوصلتها وأخرجت المفرش المخصص
للأعياد وغطيتها به وجهزت كل شيء .... الكعك والعصير
والحلويات وأحضرت المجسم ووضعته عند طرف الطاولة
وبدون تغليف طبعا لأنه لا نقود لدي لأشتري غلافا وبعد وقت
طويل سمعنا باب المنزل يفتح وعاد نزار أخيرا , وقف عند
الباب ونظر للكعكة مباشرة دون أن ينتبه للمجسم وقال مبتسما
" ما سر هذا الاحتفال "
ضحكت خالتي وقالت
" عيد ميلادك يا غبي ألا ترى الكعك وهدية سما يا أعمى "
نظر للمجسم حينها ثم نظر لي نظرة بلا أي تعبير ثم دخل
مقتربا منه ووقف عنده وقال " من أين اشتريته يا سما بل بماذا "
فتحت فمي لأتحدث فسبقني قائلا بلهجة قاسية لم أعرفها منه
سابقا " ألهذا أردت المال من القبو , لتصرفيه علي وتشتري
هذا الشيء المكلف , وتعدينني وتخلفين وأنا من وتقت في
وعدك لي , هل أخرجتهم لتتصدقي بهم علينا "
امتلأت عيناي بالدموع وعجز لساني عن قول أي شي من
الصدمة وقالت خالتي بحدة " نزار يكفي هل جننت "
تأفف وغادر لتعلق مفاتيحه في خيوط مفرش الطاولة
فسحبها بقوة وسحبه معه ليقع المجسم أرضا ويتحول لقطع
أمام عيناي المصدومتان لأنه تقليد وإن وقع سيتفتت بالتأكيد
ثم خرج دون حتى أن يلتفت لما أحدثه من ضجيج بتحطمه
****************************************************
******************************************
فتحت جريدته الصباحية التي تركها على الطاولة لأتسلى بها
قليلا فوجدت صورته فيها يقف في مكان أرتعش له كل جسدي
من الدماء المنتشرة فيه والخبر تحت عنوان ( سلسلة جرائم المصانع )
نزلت للخبر وقرأته كان يتحدث عن جرائم متسلسلة تمر بها البلاد
وهذه الجريدة أول من حصل على صورة لمسرح أحد الجرائم وأبشعها
ولفتَ انتبهي عبارة في المقال تقول ( الجرائم التي أعجزت رئيس
الشرطة الجنائية جابر حلمي من عُرف بأنه لا جريمة في البلاد
تصمد أمامه ) ثم انتقلت لآخر المقال وفيه ( فمتى سيتحول اللواء
جابر الحلمي لهدف لهم وهم يرونه يلاحق جرائمهم ويربط ليله بالنهار )
عدت بعدها لصورته وشعرت بغصة في صدري وألم في قلبي
حين فكرت أن يقتلوه ويتركوني وأبنائه , صحيح أني كنت أعيش
وهم معي من دونه لكن الآن وهنا لا يمكننا ذلك من غير وجوده
وصحيح أني لم أجتز مسافة كبيرة معه ولم أغير فيه شيء بعد
فلم يحبني ولم يقل لي ولا حتى كلمة غرامية ولم تتغير أوقات
عمله المزدحمة وها قد علمت لما , لكني أشعر بالاحتياج له حقا
ولازالت تدور في عقلي كلماته لي البارحة حين كنت في
حضنه وهمس وشفتاه تلامس شفتاي
" كم أصبحت حياتي هنا هادئة بعدك يا أرجوان "
كورت الجريدة بين يداي ورميتها في سلة المهملات في ردهة
الجناح , لا بارك الله في أخباركم ولا تساؤلاتكم ولا جريدتكم
خرجت بعدها من جناحي وتوجهت لغرفة الفتاتين لأنه من
الغريب أن لا تزورني ترف حتى الآن ! دخلت ووجدتها وسيلا
تلعبان لعبتها المفضلة فابتسمت بعفوية , مسكينة هذه الخادمة
ستصيبها بالجنون قبل وقتها , دخلت لداخل الغرفة فقفزت
ترف لي واحتضنتني قائلة " صباح الخير ماما "
قبلت خدها وقلت " صباح الخير يا حبيبة ماما , أين
أنتي لم تزوريني اليوم "
ابتعدت عن حضني وقالت " سيلا لم تتركني "
نظرت لها فقالت من فورها " أوامر السيد جابر سيدتي "
نظرت لترف وقلت " بابا لا يريد حبيبتي "
مدت شفتاها مستاءة فضحكت وقلت
" ستعلق شفتاك هكذا ويبقيان ممدودتان دائما "
ضحكت وقالت " لكن بابا سمح لي أن أجلس بجوارك
على طاولة الطعام كي لا أذهب لغرفتيكما صباحا "
قلت بابتسامة " لأجل هذا إذا "
قالت بعبوس " لكني أريدهما كلاهما , لما لم نعد ننام معا كالسابق "
خرجت حينها سيلا وقلت " لا يمكن حبيبتي "
قالت باستياء " لماذا "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " لأني أصبحت مثلك في السابق "
نظرت لي باستغراب فحضنت وجهها الصغير الجميل بيداي
وقلت مبتسمة " أنتي أصبحتِ كبيرة الآن أليس كذلك "
هزت رأسها بنعم فقلت " والكبار لا يحتاجون لحظن أحدهم
ليناموا فيه بنيتي إلا إن ابتلوا بذلك "
لوت شفتيها غير مقتنعة فقلت " ما رأيك لو دخلنا نلعب بالقلعة
قليلا دون علم أمجد وبيسان ويكون سرنا "
قفزت موافقة بمرح وتوجهنا كلينا للغرفة وبدأت هي باللعب والتحدث
دون توقف عما تفعل الآن وأنا سافرت بذهني للبعيد , عليا البدء
في الخطوة التالية وهي والدته العزيزة , جولة له وجولة لها كي لا
يتشاجرا على الدور , ضحكت ضحكة صغيرة فقالت ترف
" لما تضحكين وحدك ماما "
نظرت لها وقلت بابتسامة " جننت بنيتي , ومن يعرفه ولا يجن "
" ومن يكون هذا "
التفت للخلف مصدومة بالواقف أمام الباب ينظر لي بابتسامة
سخرية فأمسكت المشبك من شعري وأخرجته ورميته بعيدا ثم
عدت بوجهي أماما حيث ترف وقلت مبتسمة من حركتي
" شخص لا تعرفه طبعا "
توجه نحونا ونزل يلعب بإحدى الدمى بين يديه واقفا بجانبي
وقال ونظره عليها " خيانة في وضح النهار سيدة أرجوان "
عدلت شعري منزلة له لينساب على ظهري مغطيا له وقلت بمكر
" من يترك زوجته طوال النهار دون أن يراقبها يستحق "
اقترب مني وهمس في أذني قائلا
" لم أعلم أنها لن تكون على قياسك لما كنت اشتريتها "
نظرت له بصدمة توقفت معها أنفاسي , كيف علم أني قستها
اليوم وأنها ليست على مقاسي ! قلت بصدمة " تراقبني ! "
ضحك وقال " ليس دائما لكنت اكتشفت مكانك ليلة الأشياء تلك "
نظرت له بضيق فقال " ترف نادي لي سيلا من جناحي "
وقفت وخرجت من فورها قائلة " حاضر بابا "
ونظرت أنا له وقلت " ظننتك تعمل وليس تراقبنا "
غرس يده في شعري وقال وعيناه في عيناي
" القصر مزود بجهاز مراقبة للحماية وأنتي حين رميته
مغتاظة فتح جهاز الإنذار والمراقبة يا ذكية "
أبعدت يده عني وقلت بضيق " جابر لا تسخر مني "
جلس بجواري على الأرض وأخذ إحدى الدمى ورماها علي
فتأففت في صمت فشدني له حتى بات وجهي في وجهه وقال
" ضننت أنني تنين وليس جابر "
نظرت له نظرة عابثة ثم قلت بهمس " أنت قلت ذلك يا تنيني ولا
ترميني بشيء ثانيتا يا جابر خيرا لك فلست ندا لي "
ضحك بصوت عالي فادعيت الإغماء على كتفه وقلت وعيناي
مغمضتان " ما هذه الضحكة الرائعة التي لا نسمعها إلا نادرا "
أمسك وجهي بيديه وقابله لوجهه وقال بابتسامة جانبية
" أخبريني كيف أتعامل معك أنتي ومع مزاجك المتقلب "
قلت بابتسامة " جابر لا تنسى أن ابنتك ستدخل علينا في أي
وقت , وبسرعة لعملك يا سيد مشغول "
قرب وجهه مني أكثر وقال " اثبتي على شيء تنين أم مشغول "
غمزت له بعيني وعضضت شفتي ثم ابتسمت وقلت
" بل تنين مشغول "
ابتسم واقترب ليقبلني على صوت شهقة ترف التي تعرف دائما
متى تظهر فاختبأت خلف ظهره وظهري عليه جالسان على
الأرض ليصبح هوا مقابلا لها وحده فسمعت صوتها المصدوم
وهي تقول " ماذا تفعلان "
ضحكت بصمت واتكأت برأسي على قفا عنقه وقلت بهمس
" جد لك حلا الآن ولا تنسى أنني حذرتك "
قال بغيض هامسا من بين أسنانه
" بل أنتي تخرجينا منها بسرعة أو أريتك حسابك "
قالت ترف بضيق " ماما ألم تقولي سابقا حين رأيناهم مرة
في التلفاز أنهم سيئين ولا يفعل الجيدون ذلك "
عدت للضحك في صمت فوكزني جابر بمرفقه لأتكلم فقلت
" نعم حبيبتي لكن نحن لا بأس لأننا متزوجان "
قالت ضاربة بحدائها الأرض " بل سيئان أنتما الاثنين "
قال جابر بحدة " ترف "
فغادرت باكية وابتعد واقفا وقال بضيق
" ولما تتركين الأولاد يرون هذا في التلفاز يا فاضلة "
وقفت ونظرت له وقلت ويداي وسط جسدي
" أخبرتك منذ البداية أن تكون حذرا ثم أنا لم أكن أشاهد
هذا ليشاهدوه وحدث الأمر بالخطأ في منزل جارة
لي وكان مرة ولم يتكرر "
سمعنا حينها صوت إحدى الخادمات تقول من
الخارج " سيد جابر "
نظر جهة الباب وقال " تعالي "
وقفت عند الباب وقالت " السيدة الكبيرة تريدك في المجلس العائلي "
توجه نحو الباب مغادرا وهي غادرت أمامه فتبعته للممر وأمسكت
يده قائلة " انتظر لن تذهب قبل أن نصلح الأمر "
ثم سحبته نحو غرفة الفتاتين ودخلنا وكانت ترف مرتمية على
السرير تخفي وجهها في ذراعيها وتبكي فقلت بهدوء
" ترف حبيبتي انظري إلي "
نظرت لنا ثم عادت كما كانت فقلت " هل يرضيك أن أغضب منك "
جلست ونظرت لنا بعبوس فابتسمت وقلت " ترف ألسنا متزوجان "
هزت رأسها بعم فقلت " والمتزوجان لا بأس أن يفعلا هذا وغيرهم لا "
نظرت لي بصمت وتشكك فنظرت جهة جابر ورفعت جسدي على
رؤوس أصابعي وقبلت خده من الأسفل ثم نظرت لها وقلت
" فقط لأننا متزوجان هذا عادي جدا حبيبتي لكنه لم يحصل أمامكم "
هزت رأسها بحسنا فابتسمت لها ومددت يداي قائلة
" إذا تعالي لحضن ماما "
نزلت من السرير راكضة نحوي وخرج جابر في صمت
احتضنتها مطولا ثم قبلت خدها وقلت
" وكما علمتكم دائما حبيبتي ما نراه لا نقوله لأحد "
قالت بهمس " حسناً "
أبعدتها عن حضني وقلت " سننزل قليلا الآن وستسبقينني
للمطبخ حتى ألحق بك حبيبتي حسنا "
هزت رأسها بالموافقة وخرجت ويدها في يدي حتى وصلنا للأسفل
وتوجهت هي للمطبخ وسرت أنا نحو غرفة الجلوس التي نزل لها جابر
طرقت الباب ودخلت فكانا معا كما تمنيت , ألقيت التحية وتوجهت
نحوه جلست على الأريكة بجانبه مقابلة له , ساق على الأرض
والأخرى تحتي وهمست في أذنه وأصابعي تلعب على ظهر كفه أمام
مرأى من والدته " أريد زيارة سوسن أنا والأبناء , نسيت أن
أخبرك فوق ولا أريد إزعاجك في عملك "
نظر لي بصمت ثم هز رأسه بحسنا دون كلام فابتسمت له وقبلت
خده وانتقلت لأذنه مباشرة وهمست له مجددا " شكرا يا تنيني "
ثم نظرت لعيناه فضحك ضحكة صغيرة غلبته ووقفت
من فوري وغادرت قائلة " آسفة على مقاطعتي لكما "
ثم خرجت ولم أغلق الباب وبقيت واقفة بجانبه فسمعت
والدته تقول بضيق " لكل شيء حدوده وهناك أمور اسمها حياء "
وقف وقال " سأتحدث مع رضا في الأمر ونرى ما سنفعل "
فابتعدت مسرعة حين سمعت خطواته تقترب , رائع نجحت
في الخطوة الأولى ولن يقول لي شيئا طبعا , أولاً لأنه لا يريد
التدخل بيننا كما قال وها هوا ينفذ ذلك حتى أنه لم يعلق بشيء
على ما قالت , وثانيا لن يستطيع قول شيء بعدما فعلتها أمام
ابنته ولم يتكلم , هذه البداية وانتظري الخطوة الثانية يا عجوز
النار , توجهت حينها للمطبخ وانشغلت مع ترف في إعداد
شطيرة إفطارنا المعتادة
*
*
دخلت القصر أحمل الكيس الصغير في يدي , هوا لم يأتي منذ أيام ولن
يأتي الآن بالتأكيد إلا إن جلبه حضي التعيس ككل مرة , تسللت لغرفته
وفعلت ما جئت لأجله ووضعت السلسال الذي يضم حرفا الباء والميم
بالإنجليزية وكنت أضن أنه حرفي وحرف والدي واستغربت أساسا
كيف لذوق والدي أن يتغير هكذا فجأة ويحضر لي سلسالا جميلا هكذا
تركت له أيضا ما يعدل مزاجه كما قال وتوجهت لغرفة الأطفال
دخلت وقلت " مرحبا لابد وأنك أرجوان "
التفتت لي الجالسة تعطيني ظهرها وقالت ترف بمرح " بتووول "
ثم انطلق نحوي فحملتها وقبلتها ووقفت أرجوان وقالت مبتسمة
" مرحبا يا بتول وأخيرا تعرفت عليك , ترف تتحدث عنك دائما "
قبلت ترف وقلت " كنت مشغولة قليلا بدراستي "
وطبعا أنا لم أزر القصر بعد ذاك اليوم الذي قص فيه شعري
سوى تلك المرة التي أخذني فيها لتلك الغرفة وكاد يقتلني بالخوف
أنزلت ترف على دخول بيسان وأمجد الذي قال من فوره
" أين عمر ومصعب "
ضحكت وقلت " يالك من رجل عديم ذوق سلم عليا أولا "
رمى بيده بلامبالاة وغادر لغرفته على ضحكتي وأرجوان
ثم جلست معها نتحدث قليلا ونتعارف وبيسان دخلت الحمام
لتستحم بمرافقة ترف طبعا فهي لا تفوت فرصة يمتلئ فيها
حوض الاستحمام ولا تكون أول داخليه , بعد قليل دخلت
علينا الخادمة وقالت " سيدتي السيد معتصم هنا "
تيبس جسدي وقالت أرجوان " حسنا شكرا لك "
وقفت من فوري فقالت " مابك يا بتول وقفتي "
قلت باستعجال " سآتي بعد قليل لقد نسيت شيئا , وداعا الآن "
وغادرت مسرعة وأسرعت أكثر وأنا أجتاز غرفته التي
كان بابها مفتوحا ومؤكد هوا بدخلها الآن , ولم استطع
التنفس بارتياح إلا حين صرت أمام باب منزلنا
دخلت وصعدت لغرفتي ووقفت عند النافذة أراقب
الطريق لأرى سيارته حين تمر مغادرة لأرجع لأرجوان
*
*
دخلت غرفتي ليلفت انتباهي كتابة حمراء على مرآة الخزانة
اقتربت منها ووقفت أمامها فكان مرسوم بأحمر شفاه وجه
دائري بعينان وفم مبتسم يخرج لسانه وتحته مكتوب
( تُسلم عليك أجمل علكة بالفراولة وتركت لك أمانتك )
نظرت للغرفة باستغراب فكان ثمة كيس صغير عند طاولة
السرير فتوجهت نحوه وحملته وأخرجت ما يحوي فكانت باقي
نقودي التي أعطيتها لها وهي خمس وأربعون والسلسال أيضا
فأعدتهم للكيس وخرجت من الغرفة من فوري ومن القصر أيضا
وتوجهت لمنزلهم , طرقت الباب ففتحت لي والدتها فقلت
" أين هي بتول "
قالت بحيرة " في غرفتها , عادت من قصركم للتو "
قلت ونظري جهة السلالم " هل لي أن أصعد لها "
قالت مغادرة " بالتأكيد بني لا يحتاج أن تسأل "
غادرت هي مبتعدة وصعدت أنا من فوري لغرفتها وفتحت
الباب فكانت واقفة عند طرف النافذة وتنظر للخارج ولم تنتبه
أنه أنا من دخل فلوحت لي بيدها قائلة " لم أكلمها يا أمي سأعود ما
أن يغادر معتصم , لا أعلم أي حظ تعيس يجلبه كلما ذهبت "
قلت بسخرية " حظك تعني أم حظي أنا "
نظرت لي بسرعة وشهقت بصدمة وتوجهت من فورها
للسرير وصعدت فوقه فقلت بضيق
" لن تهربي مني ولو تسلقتِ الخزانة "
قالت مشيرة بسبابتها للباب " أحرج من غرفتي يا وقح "
توجهت نحوها وأمسكت بساقها قبل أن تقفز من السرير
وأسقطتها عليه وتبت كتفيها على السرير وقلت صارخا
في وجهها " متى سيتوقف لعب الأطفال "
قالت بضيق وهي تحاول أن تبتعد
" باقي نقودك وسلسالك أنا لم أفعل شيئا خاطئا "
ضغطت على كتفيها أكثر وقلت بغيض " لم أعطيك النقود
ولا السلسال لترجعيهم يا بتول فهل أخبرك عقلك الصغير
أنها إهانة لا يقبلها أي رجل في الوجود "
ثم ابتعدت عنها وأخرجت الكيس من جيبي ورميته على
صدرها وقلت بحزم " إن كنتي تريدين رؤية معتصم جديد
فلا أرى السلسال في عنقك يا بتول "
ثم غادرت من عندها ومن المدينة بأكملها
*
*
دخلت القصر متوجها لجناحي فعليا أخذ القرصين والأوراق
والتحدث مع رضا أيضا قبل أن أغادر لأني لن أرجع قبل الغد
دخلت غرفة النوم وأخذت الأوراق والقرصين من الخزنة هناك
ثم ضغط زر الهاتف وقلت " أخبري أرجوان تأتيني للجناح "
وقفت أفتش في الأوراق حتى دخلت فنظرت لها وقلت
" سأغادر ولن أرجع قبل الغد والدتي لديها مجمع
نساء الليلة وتريدك معها "
لاذت بالصمت فقلت " أرجوان عليكما التغاضي عن
مشاكلكما أمام الناس على الأقل "
بقيت على صمتها فقلت " أريد سماع رأيك "
قالت حينها " لم أرد إدخالك في مشاكلنا كما طلبت
مني سابقا لذلك لن أتكلم "
قلت وقد عدت بنظري للأوراق " تكلمي وسأستمع فقط "
عادت للصمت فنظرت لها وقلت " أرجوان ليس ورائي أنتي فقط "
امتلأت عيناها بالدموع دون كلام , أي سياسة تتبعها هذه المرأة
أعترف بأني بت لا أفهمها أحيانا , اقتربت منها حتى وقفت أمامها
مباشرة وقلت " تكلمي يا أرجوان وسأنصفك إن كان الحق معك "
نزلت دمعتها فمسحتها وقالت " هذه فتاة يتيمة تزوجها جابر لأنه
رأف لحالها , كنت أريد أن أزوجه ابنة راضية لكن الأعرج يسبق
العداء أحيانا , لولا الأولاد ما كان تزوجها من أساسه , لا ليست ابنة
حسب ولا عز وقد أجرها الله على اعتنائها بالأبناء بأن انتشلها
جابر من الفقر وأحضرها هنا "
ثم سكتت وأنزلت رأسها أرضا فقلت " هل قالت لك هذا "
قالت ورأسها لازال أرضا " بل قالته كتعريف لي لبعضهن وأمامي "
تنفست بقوة واستغفرت الله ثم قلت " إذا لا تنزلي لضيوفها "
رفعت نظرها لي وقد عادت لصمتها وكأنها تخبرني أنها عند
اتفاقنا وأنها تكتم وجعها لأنه لا أحد لها فتنهدت وقلت " أعلم أن أمي
تخطأ أحيانا لكنها والدتي وعليا على الأقل أن لا أتطاول عليها بلساني "
ابتسمت من بين حزنها وقالت " أريد أن يصبح أمجد مثلك أنت حين
يكبر لذلك يعجبني برك بوالدتك ولا أنتقدك فقد ينصفني هوا حينها "
ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت " هل أخبرك سرا صغيرا "
نظرت لي بحيرة فقلت وأنا العب بخصلة من غرتها بين أصابعي
" أحيانا ألعب مع عقلي لعبة صغيرة بأن أتوقع ما ستقولين "
بقيت تنظر لي باستغراب فقلت مارا بإبهامي على بقايا دمعتها
" ولما أمجد وليس ابنك أنتي مني "
شتت نظرها بعيدا عني وقالت
" هوا ابني أيضا إلا إن كنت لا تعتبره هكذا "
أمسكت ذقنها وأعدت نظرها لي وقلت
" بالتأكيد ابنك , وما تريدين أيضا أن يكون فيه مثلي "
أشارت بإصبعها على الشارات في بذلتي وقالت ونظرها
عليه " هذا "
ثم انتقلت لكتفي وقالت " وهذا "
ثم لرأسي وقالت " وهذا "
ثم وضعت إصبعها على قلبي ولاذت بالصمت فقلت
" وماذا عنه "
هزت رأسها بلا ثم نظرت لعيناي وقالت " ليس كهذا طبعا
لأنه خالي وأنا أريد أن أكون فيه عند أمجد "
بقيت أنظر لها بحيرة متنقلا بنظري بين عينيها ثم فتحت فمي
لأتحدث فوضعت أصابعها على شفتاي مسكتة لي وقالت
" لا تتحدث عن هذه النقطة الآن يا جابر ولا تغضب مني "
ثم أزالت أصابعها وقبلتهم قبلة صغيرة وغادرت من أمامي قائلة
" سأنزل الليلة من أجلك أنت ومن أجل مكانتها لديك "
أوقفتها مناديا لها فالتفتت لي فقلت
" إن كان من أجلي فانزلي أو لا "
التفتت مجددا وضننت أنها ستغادر لكنها توجهت لأدراج
طاولة التزيين ونزلت للدرج السفلي فتحته وأخرجت منه
شيئا وعادت ناحيتي ثم أمسكت بيدي ووضعته فيها وقالت
" لاحظتك هنا دائما تقرأ في المصحف بعد أن تصلي الفجر
اشتريت لك هذا المصحف الصغير لتأخذه معك حين
تبات خارجا كي لا تترك وردك اليومي "
ثم نظرت لعيناي وقالت " اعتني بنفسك من أجلنا يا جابر أرجوك "
قبضت على المصحف بقوة ثم ضممتها لصدري وقبلت رأسها
وخرجت من عندها في صمتي لأني لا أريد قول شيء وليس
لأني لم أجد ما أقول , وصلت للأسفل وقابلتني الخادمة قائلة
" السيد رضا ينتظرك في المجلس "
قلت متوجها نحوه " أخبري ( آني ) لتخبر زهور تنزل لي هناك "
ثم دخلت للمجلس فوقف من فوره وقال " وأخيرا ألقيت القبض عليك "
صافحته بقوة وقلت ضاحكا
" بل أنا من سيلقي القبض عليك ويرميك في السجن لأرتاح منك "
ثم جلست وقلت " أجلس لأنها تريد قول شروطها لك بنفسها وفي حضوري "
*
*
جلست مصدوما ولم أستوعب ما قال , لما تطلب أن تقولها هي
ولما بوجود جابر وليس والدتها أو حتى معتصم أو عمها
بقيت جالسا بتوجس أحاول توقع ما ستشترط حتى انفتح
باب المجلس ببطء ودخلت منه ترتدي حجابا أبيضا يكشف
زرقة عينيها ويزيد بشرتها الثلجية توهجا , أخفضت نظرها
ما أن وقع علي وأغلقت الباب وبقيت واقفة مكانها فقال جابر
" تعالي أجلسي يا زهور "
قالت بشبه همس ونظرها لازال أرضا " مرتاحة هكذا "
قلت أنا من فوري " قولي شروطك يا زهور واعلمي أني
موافق عليها من قبل أن تقوليها "
رفعت نظرها لي ثم نظرت لجابر ثم عادت به للأرض وقالت
" شقتك وسيارتك وحسابك في المصرف كلها تنتقل لي وباسمي
كتابك الذي ستنشره بعد أربعة أشهر ثمن كل طبعاته مهري
وقبل ذلك لن أخرج معك من هنا "
وقف جابر وقال " زهور هل جننتي "
وقفت ووضعت يدي على كتفه وقلت بهدوء " أنا موافق "
نظر لي جابر بصدمة وكان سيتحدث فقلت
" الزواج يكون الآن ولن آخذها قبل أن تأخذ مهرها "
خرجت حينها زهور في صمت ونظر لي جابر وقال بضيق
" هل جننت يا أحمق ستضع نفسك على الحديدة "
قلت بابتسامة صغيرة " كل ذلك لن يوفي شيئا "
نظر لي باستغراب ثم قال " ما الذي بينك وبين زهور يا رضا "
قلت بابتسامة " لا شيء لكنها لن تتق في رجل بسهولة
بعد زواجها الأول يا جابر "
بقي ينظر لي بحيرة فقلت مغادرا
" بعد أن ترجع نحدد وقت عقد القران "
نهاية الفصل ....... ومتم في حفظ الله جميعا