الفصل الحادي عشر
استيقظت اليوم متأخرة على غير عادتي فأنا أكره كثرة
النوم صباحا , فتحتْ فرح باب الغرفة ودخلت متوجهة من
فورها للخزانة وفتحتها وقالت" أين فستانك ألتفاحي لا تنسي
أنك أعطيتني إياه , عليا وضعه مع الأغراض "
قلت بابتسامة صغيرة وأنا ألف شعري جالسة على السرير
" أخذته للمغسلة لا تنسي أني لبسته مرة وأنتي عروس عليك أخذه جديدا "
التفت إليا وقالت " تعالي وانظري معي لحقيبتي لم أعد اعرف
ما ينقصني, جواد الغبي هذا لا أعلم كيف يفكر ليسافر
بي صباحا من الفندق للمطار "
غادرت السرير قائلة " لا توتري نفسك كثيرا فكري فيما
ستحتاجينه أول ليلة والباقي يمكنكم شرائه في أي وقت "
أمسكتني من يدي وقالت ساحبة لي معها " تعالي معي "
قلت وأنا أسير خلفها بسرعة " فرح اتركيني ادخل الحمام أولا "
ولم تكترث لي طبعا حتى وصلت بي لغرفتها , فرح من أسبوع وهي
على هذا الحال فمنذ علمت بسفر جواد وأنها ستذهب معه وهي لا شيء
لديها سوى التسوق والتذمر والبكاء لأنها لم تجد كل ما تريد ولن يقام
لها حفل زواج ونسيت أن أهم شيء لديها وهو الرجل الذي تحبه ويحبها
ليلة البارحة نامت فرح معي على ذات السرير , شيء لم نفعله منذ
طفولتنا واختارت توديعي به , وقفت بي عند حقائبها المفتوحة وقالت
" وضعت كل شيء وأشعر أني لم أضع فيها شيئا وهناك شيء ناقص "
قلت " لما لم تدوني كل ما ستحتاجينه في ورقة "
قالت وهي تغلق إحداها " دونت كل شيء ووضعته فيها "
ثم قالت مغادرة الغرفة " بقي الفستان عليا الذهاب لإحضاره اليوم "
جلست أرتب الحقيبة الأخرى وامسح دموعي التي أجاهدها منذ وقت
وهاهم بقايا أهلي يتركونني ولن يبقى لي سوى خالتي التي لا أعلم
متى سيأخذها الموت مني هي أيضا, عادت فرح بشيء في يدها
رمته في الحقيبة من بعيد وغادرت مجددا, غابت لوقت ثم عادت
ووقفت عند الباب وقالت " هيا غيري ثيابك لتخرجي
معي نحضر الفستان ونختار باقي ملحقاته "
وقفت وقلت " عليا زيارة خالتي فأنا في العادة أقضي نصف
اليوم الأول من العيد في منزلها ولم أذهب لها بالأمس فعليا
قضاء بعض الوقت معها "
وضعت يداها وسطها وقالت بضيق " ستنتقلين للعيش معها وتكونا
معا حتى تشبعا , لا أريد أن تفارقيني هذان اليومان يا وسن "
قلت ماره من أمامها ومغادرة الغرفة
" لا استطيع يا فرح هذا عيد وليس أي يوم عادي "
توجهت لغرفتي دخلت الحمام استحممت وخرجت غيرت ثيابي
وغادرت المنزل فعليا زيارتها ولو لبضع ساعات
*
*
عدلت لها الوسائد خلف ظهرها قائلا
" أمي عليك أن تنتقلي للمرحلة الثانية من العلاج "
اتكأت على الوسائد وتنهدت بتعب وقالت
" لا نفع من كل هذا ولن أتركهم يحرقوني مجددا بالكيماوي "
جلست أمامها وقلت " لما نتوقف بعد كل هذه المرحلة من
العلاج وبعدما تحملتِ كل ذاك الألم "
نظرت جهة الباب وقالت " لا تتعبني معك يا نواس واتركني براحتي "
تأففت ولذت بالصمت مشيحا بوجهه عنها ثم نظرت لساعتي وقلت
" ما بها هذه الممرضة تأخرت هكذا "
قالت بابتسامة صغيرة " هل مللت من البقاء معي بهذه السرعة "
قلت بضيق " أمي ما هذا الذي تقولينه "
قالت مباشرة " وسن قالت ستأتي اليوم لأنها لم تزرني
بالأمس فيمكنك المغادرة ما أن تأتي "
قلت بسخرية " لهذا أريد أن اذهب قبل أن تأتي لأجنبها رؤيتي "
هزت رأسها بيأس وقالت " حتى متى سيفر كل واحد منكما من الآخر "
قلت ببرود " هي تريد هذا "
قالت مغيرة مجرى الحديث " قال جواد أنك من سيتكفل بأمر
علاجها وعلى هذا الحال لن يكون هناك علاج "
قلت بعد صمت " كلفت من سيستفسر لي عن المتخصصين
في هذا ووقتها لكل حادث حديث "
قالت بهدوء " أين جواد اليوم لم أره أبدا "
ضحكت وقلت " زوجته تلك لن ترتاح حتى تصيبه بالجنون
وها هوا اليوم يعمل تحت إمرتها "
قالت بضحكة " الذنب عليه فهوا لم يخبرها بموضوع السفر والزواج
إلا من أسبوع فقط , لا وسيغادران من الفندق صباحا للمطار "
قلت " جواد تعمد فعل هذا من أجل وسن فحالتها الصحية تتحكم فيها
نفسيتها فيريد أخذ فرح مباشرة دون أن تودعها "
قلت بصدمة " هل سيأخذها دون أن تراها "
نظرت للأرض وقلت " هذا ما يخطط له وستُسقط فرح الطائرة به بالتأكيد "
تنهدت وقلت بحزن " مسكينة هذه الفتاة خسارتها تتوالى ولم يبقى لها أحد "
نظرت للأرض بصمت ولم اعلق بشيء فسمعنا حينها باب المنزل يفتح
فوقفت وتوجهت لحمام الغرفة , لابد وأنها الممرضة سأتوضأ وأغادر
لأن الظهر سيقام قريبا وسأصليه في مسجد حيِّنا لأذهب للمزرعة
*
*
فتحت الباب بالمفتاح الذي تركه لي جواد لدى فرح لأنه مشغول
اليوم وقد لا تأتي الممرضة مبكرا وهوا يضن أني سأستيقظ باكرا
وآتي إليها حتى تأتي ممرضتها لكني نمت على غير عادتي , أغلقته
خلفي ودخلت , كان المنزل هادئا وكأنه لا أحد فيه , توجهت لغرفة
خالتي طرقت الباب وفتحته ودخلت , كانت على حالها دائما تجلس
على السرير والممرضة تبدوا في الحمام المفتوح من صوت الماء
حمدا لله أنها لم تبقى وحدها , نظرت لها بابتسامة صغيرة
حزينة وقلت " كل عام وأنت بخير يا خالتي "
مدت يداها لي وقالت " تعالي يا مشاغبة كيف لا تأتين لي يوم العيد "
اقتربت منها وجلست بجوارها على السرير ونمت في حضنها
فقالت ماسحة على رأسي " كل عام وأنتي بخير يا وسن يا ابنتي "
نزلت دمعتي وقلت بحزن " لا تتمني لي هذا يا خالتي أرجوك "
قالت ماسحة لدموعي وأنا في حضنها" هل هناك
من يكره الخير له يا وسن "
قلت بحزن " بلى أنا لأنه لا مكان لي على هذه الأرض
لما لا ارحل كأهلي "
تنهدت وقالت بضيق " وسن توقفي عن قول هذا فأين ذهبنا نحن "
ابتعدت عنها ومسحت دموعي وقلت " يعز عليا فراق فرح
وزوجة والدي , لم يبقى لي سواك فهل سترحلين وتتركيني "
انفتح حينها باب الحمام أكثر وخرج منه نواس وتوجه من فوره
لباب الغرفة وخرج منها دون أن ينظر ناحيتنا ولا يتكلم فأنزلت
رأسي أرضا في حزن ووصلني صوت خالتي قائلة" نواس ابن
خالتك في كل الأحوال ... كيف لا تخرجي له في العيد "
نظرت لها بصمت فقالت " ليس هوا من أخبرني طبعا بل جواد "
أشحت بوجهي عنها دون كلام فقالت
" كان عليك أن تحترميه على الأقل يا وسن "
نظرت لها وفتحت فمي لأتكلم فقالت من فورها
" هيا قومي وعيدي عليه يبدوا دخل لغرفته ولم يغادر بعد "
قلت بضيق " خالتي ما هذا الذي تقولينه لقد رأيته بنفسك كيف
مر من أمامي دون حتى أن ينظر ناحيتي "
قالت بضيق أكبر " هوا رجل العائلة الآن يا وسن في مقام
والدك وشقيقك وعلينا جميعنا احترام رأيه واحترامه "
قلت بتذمر " ولكن ... "
قاطعتني قائلة " نواس قضى يوم ألامس كله معي هنا ولم يغادر
إلا لمنزلكم وعاد ثم غادر العصر للبر فورا لأنكم ستأتون فهوا
يعتبركم أهم جزء في يوم العيد وأنتي أهنته بهذا "
نظرت للأسفل بصمت فقالت بأمر " هيا اذهبي له يا وسن لا أريد
أن يمر العيد وكل واحد منكما مخاصما للآخر ولا يكلمه "
وقفت في صمت وغادرت الغرفة وتوجهت للغرفة الأقرب لها
وهي غرفة نواس , طرقت الباب طرقات خفيفة ففتحه ووقف
أمامه ننظر لبعضنا بصمت ثم أنزلت رأسي وقلت بهدوء
" كل عام وأنت بخير "
قال بنبرة عتاب " وأنتي بخير يا وسن على الأقل من أجل
فرح فهي لم تمت ولن تموت في أي وقت "
ثم غادر من أمامي وأنا أتبع قفاه بنظري حتى اختفى ثم أغمضت
عيناي وارتجف جسدي على صوت ضربه لباب المنزل خارجا
منه ونزلت دمعتي تروي للعيد آخر حكاياتي فيه, مسحت عيناي
وعدت جهة غرفة خالتي دخلت وأغلقت الباب خلفي وجلست على
الكرسي أمامها تتحدث معي وأنا أنظر للأرض بحزن وشرود وبالي
مع فرح ومع قلبي المجروح منه مع ماضيا الغائب ومستقبلي التعيس
حتى أخرجني صوتها من أفكاري قائلة " وسن ألا تسمعينني "
نظرت لها وقلت " نعم خالتي "
قالت " أنا أناديك منذ وقت وأنتي في عالم آخر
وكأني أتحدث مع نفسي "
قلت بإحراج " آسفة شردت قليلا "
قالت بهدوء " هل تشاجرتما مجددا "
أبعدت نظري عنها وقلت بحزن " أين أجد مكانا في الأرض
لا أراه فيه يا خالتي , أقسم أنني تعبت "
تنهدت وقالت بحزن " ليث لدي شيء أفعله فلا يزيدني تعب
على تعبي غيركما "
قلت بابتسامة سخرية " هوا بأفضل حال انشغلي عليا أنا وحدي "
قالت بعتب " وسن أنا وقفت معك في كل شيء تركتك تدرسين من
مالك رغم أنه غير راض عن ذلك وعاندته في بقائنا هنا رغم أني
أعلم جيدا أنه أمر متعب له أن نكون نحن هنا وهوا هناك فلما هذا الكلام "
قلت باستياء " هل أنا المخطأة المذنبة وهوا من معه كل الحق "
قالت ببرود " لو لم يكن معك حق ما وقفت في صفك لكنه أيضا
يعد نفسه مسئول عنا وتفكيره صحيح "
وقفت وقلت " سأعد لك الشطائر التي تحبين أكلها من يدي "
ثم غادرت غرفتها للمطبخ لينتهي هذا الحديث الموجع للحواس
قضيت مع خالتي الوقت حتى العصر وكانت الخادمة والممرضة
هنا فوقفت لأغادر فقلت خالتي " ما يزال الوقت مبكرا يا وسن "
قلت وأنا آخذ حقيبتي من على الأريكة " فرح مستاءة مني وعليا
مساعدتها تعرفينها تفقد عقلها إن حاصرها الوقت "
قالت بابتسامة " وفقهما الله وأفرحني بك أيضا في يوم كهذا "
ابتسمت ابتسامة حزينة وقلت " أنا أخذت حصتي من الجراح وانتهى "
ثم خرجت مودعة لهما
*
*
وصلت المزرعة نزلت ودخلت المنزل من فوري بحث عنه
حتى وجدته , وقفت عند الباب مستندا بذراعي عليه وقلت
" ماذا تفعل هنا وأنا اعتمدت عليك في الإشراف على إطعام
الخيول وتنظيف الإسطبلات أم نسيت أنه اليوم وقت التنظيف "
نظر لي ثم عاد بنظره للحاسوب أمامه وقال
" اترك عنك كل ذلك وتعال لترى "
قلت بتذمر " وليد اتفقنا أن معاذ سيتكفل معي بمستلزمات الخيول
جميعها وأنت وجواد بالعمل هنا , جواد مشغول الآن
وسيسافر وأنت تجلس تتسلى على الانترنت "
لوح لي بيده وقال " تعال قلت لك ولا توجع لي رأسي "
قلت بلامبالاة " هل أرسلت لمي ما قلت لك عنه "
قال ونظره على الحاسوب " نعم ومنذ صباح الأمس "
قلت " وكيف حللت مشكلة المقاسات "
قال " اشتريتها بمعرفتي "
قلت بهدوء " وليد لما لا تشرح لي حدود علاقتك بها وكيف
علمت بمقاس ثيابها إن كنت لا تراها منذ سنوات "
توترت ملامح وجهه ونظر لي وقال بحدة
" نواس هل تشك بي وبزوجتك "
قلت ببرود " لا طبعا وأنا لم أقل ذلك "
وقف وقال " ما تعنيه إذا بما قلت "
قلت " أعني كن واضحا معي يا وليد هل تحب الفتاة وتريدها أم لا "
مر من أمامي قائلا " قلت لك ألف مرة لا , انظر في الحاسوب
خبر آخر صفقة لك وما قيل عنها "
وغادر الغرفة مستاءً , لا اعلم لما أشعر أن ثمة حكاية بينه وبينها ولو
في نفسه فقط لكن وليد لا يخفي عني شيئا ! دخلت الغرفة وجلست
أمام الحاسوب وتابعت كل ما قيل , رائع هذا سيزيد سمعتنا في
السوق وسيساعدنا في الصفقة القادمة وليد قام بعمل جيد , تجولت
بعدها كثيرا في أخبار السوق والتجارة ثم أغلقت الحاسب
وخرجت للإسطبلات ووجدته هناك , وقفت بجانبه ووضعت
يدي على كتفه وقلت " هل أنت غاضب مني "
قال ببرود " بالتأكيد "
قلت بابتسامة " آسف يا وليد ولا تؤاخذني على أفعالي هذه الأيام "
نظر لي وقال " نواس لا تظلم مي معك بالظنون عدني
بذلك فيكفي الفتاة ما أصابها "
قلت بذات ابتسامتي ضاربا بيدي على كتفه " أنا لا أضن بها سوء
يا وليد لا تقلق من هذه الناحية فقط أردت أن تفتح لي قلبك "
عاد بنظره للعمال وقال بهدوء " قلبي لم يغلق أمامك يوما ولا شيء
بيني وبينها وحتى إن فرضنا أنه كان ثمة شيء في نفسي فأنا لم
أعد استحقها ولا هي تحل لي "
لذت بالصمت ولم أزيد الخوض في الحديث أكثر فهوا معه
حق الفتاة باتت زوجتي وهذا الكلام لا يجوز
*
*
في الصباح استيقظت على صوت فرح توقظني فقلت وعيناي
مغمضتان " فرح حمدا لله أنك لا تتزوجين كل شهر "
قالت بتذمر " هذا ليس يوما للنوم يا وسن هيا لتساعديني "
جلست أمسح وجهي بيدي فقالت " لو كنتي متزوجة لقلت
بأنك حامل, ما كل هذا النوم على غير العادة "
نظرت للساعة في هاتفي وقلت بصدمة
" إنها الثامنة يا فرح ما الذي سنفعله من الآن "
قالت من فورها " علينا إنهاء كل شيء باكرا وعليك الذهاب
لمنزل خالتك تعرفين أنه لا نساء هناك "
غادرت السرير قائلة " الحفل عائلي ما سأفعله هناك "
عدت بأصابعها قائلة " نحن وزوجات أخوالي الثلاث وجارتا
خالتك وصديقتي حنان وزوجة صديق لجواد ألا يكفون هؤلاء كلهم "
قلت وأنا أتوجه للحمام " أمري لله لا راحة حتى في إجازة العيد "
دخلت الحمام وأغلقت الباب وتوجهت للمغسلة أغسل وجهي مرة
تلو الأخرى أمنع نفسي من البكاء بعدما هربت من عينا فرح الوارمتان
من كثرة بكائها الذي تخفيه عنا , عليا أن أكون قوية وسعيدة من أجلها
فهذا أفضل من أن تتحطم مثلي ونصبح في اثنتان بدلا من واحدة
خرجت بعدها من الحمام ولم تكن في الغرفة , غيرت ملابسي ولبست
حجابي وخرجنا معا ننهي باقي أعمالها حتى حان وقت ذهابها للمزين
تركتها هناك وعدت للمنزل رتبت مع زوجة والدي ما ستأخذه
معها لمنزل خالتي من أجل الحفل ثم استحممت وأخذت الثياب
التي سألبسها من أجل الليلة , كان فستانا أزرق اللون قصير لعند
الركبتين حريري به نقوش بالخيوط الذهبية عند الحزام والحواف
السفلية وبحمالات عريضة ذهبية أيضا , وضعته في كيس مع الحداء
الذهبي وإكسسوارات مخصصة له وخرجت من المنزل وتوجهت
لمنزل خالتي , وصلت وطرقت الباب ففتحت لي فتحية وقالت
مبتسمة " انتظرك منذ وقت فجواد سيفقدني عقلي "
قلت بابتسامة وأنا أدخل " وفرح هناك أفقدتني عقلي أيضا "
قالت وهي تتبعني للمطبخ " أحضر كل شيء من أجل الحفل وأي
شيء أقترحه عليه لا يعجبه , حمدا لله أنه ليس حفلا كبيرا "
انشغلت معها لوقت في رؤية ما أحضر ثم قلت
" عليا رؤية خالتي وسأعود لنجهز كل شيء "
قالت من فورها " حسنا وأنا سأخرج الأطباق للطاولة "
خرجت بعدها من المطبخ وطرقت باب الغرفة ودخلت
وجدت الممرضة تحقن لها المغذي فاقتربت منهما وقلت
" مساء الخير "
ردا عليا التحية معا وقالت خالتي مبتسمة
" جيد أنك أتيتِ قبل أن يطرد جواد فتحية من هنا "
قلت بابتسامة " يطردها ويسافر ويتركنا "
قالت بضحكة متعبة " يبدوا فكر أنك ستكونين هنا ولن نحتاجها "
ضحكنا معا ثم خرجت وعدت جهة المطبخ ورتبت مع فتحية
كل شيء في صالة المنزل وفي مجلس الرجال لأن عددهم قليل
فلن يحتاج الأمر لوضعهم في مكان آخر , أعددنا العشاء معا
لأن جواد لا يريده من المطعم ولم أتركها حتى أطفأنا المواقد على
جميع القدور ولم يبقى سوى سكبها , جهزنا السلطة والعصائر
ثم استحممت وأخذت كيس ملابسي وغادرت المنزل وعدت
لفرح في المزين , دخلت ووجدتهم يضعون لها اللمسات الأخيرة
فاقتربت منهم وقلت " هل انتهيتم "
قالت المتخصصة في الماكياج بتذمر " لم تساعدنا أبدا تبكي
طوال الوقت وكأنها ستموت وليست تتزوج "
نزلت مني دمعة غلبتني مسحتها وقلت
" سأغير ثيابي , أريد أن تضعوا لي الماكياج وتسريحة شعر "
ثم غادرت من فوري لغرف التبديل ارتديت الفستان ووضعوا
لي ماكياجا خفيفا ومناسب للفستان ورفعوا لي شعري للأعلى
ثم انتقلت حيت فرح فكانت جاهزة , وقفت أمامي فقلت باندهاش
" فرح ما كل هذا الجمال "
نزلت دموعها وحضنتني وقالت باكية
" كيف سأبتعد عنك يا وسن سأشتاق لك يا شقيقتي "
لم استطع أمساك دموعي التي نزلت دون توقف ثم ابتعدت
عني ونظرت لملامحي وقالت " وسن هل تشعرين بشيء آسفة حبيبتي "
قلت بابتسامة حزينة " لا عليك يا فرح هذه الآلام ملازمة
لي منذ الصباح , بت أعتاد عليها "
تنهدت وقالت " انتقم الله ممن كان السبب منذ البداية "
قلت بحزن " توقفي عن الدعاء عليه يا فرح فمهما
كان بيننا هوا ابن خالتي "
قالت بضيق " بل لأن قلبك الأحمق لازال يحبه "
حملت الغطاء الخاص بها وقلت " هيا بسرعة فخالك على وصول
وجواد سيأخذك ووالدتك من شقتنا وأنا عليا العودة لمنزل
خالتي من أجل استقبال الضيوف "
لبست عباءتي وحجابي وتلثمت بطرف الوشاح لإخفاء الزينة ولم
يبقى سوى عيناي ثم خرجت وفوجئت بجواد في الخارج, نزل من
السيارة وتوجه نحوي فقلت مغيرة لصوتي " ماذا تريد يا سيد "
ضحك وقال " أعرف عيناك وأميزهما من أميال يا مخادعة "
ضحكت وقلت " كاذب بل عرفتني من عباءتي فعيناي هناك كثر مثلها "
فتح لي باب السيارة وقال مبتسما" وعباءتك مشابهاتها
أكثر أما عيناك لا مثيل لها بالأسود الثقيل "
ركبت السيارة قائلة " لو سمعتك فرح لصبغت ليلتك أنت بالأسود الثقيل "
أغلق بابي وركب وقال " لا تفتني بيننا يا مهرتي خيرا لك "
ضحكت وقلت " هل تتدرب علي يا أحمق "
ضحك وانطلقا بالسيارة فقلت " هلا أخبرتني ما جاء بك هنا "
ضحك وقال " جئت لأسرق عروسي من عند الباب
فأخطئت وجلبت واحدة أخرى "
ضحكنا سويا ثم قال " الضيوف بدؤوا بالوصول وعليك
أن تذهبي لاستقبالهم لهذا جئت لأخذك "
*
*
وقفت في الأسفل أنا ومعاد لاستقبال باقي ضيوفنا وبقي وليد
في المجلس مع أخوال فرح حتى يأتي جواد , نظرت للواقف
بجانبي وقلت" ومتى سنفرح بك أنت أيضا فقد أتعبت
قلب والدتك وتشتكي لي منك بالأمس "
ضحك وقال " حتى يتزوج وليد أولا "
قلت بضيق " يالها من حجة تعلم أن وليد حاله أردى منك "
قال بضيق مصطنع " ما بك أنت معنا تزوجت وتريد
تزويج الجميع مثلك "
ضحكت وقلت " لا أريد أن أرى أحدا منكم حرا طليقا "
قال ببرود " أنا سبق وجربت حضي والخروج من الطلاق
بزواج آخر يليه فكرة فاشلة "
قلت بسخرية " هذا لأنه لم تلعب إحداهن بعقلك لسقط
الشعار والقناع أيضا "
وصلت حينها سيارة جواد ونزلت منها وسن متلثمة بوشاحها
وترتدي عباءتها , ليس لأن جواد من أحضرها عرفت من تكون
بل من عيناها منافسة الغزلان وكأنها تنوي قتل المقتول , ثنيت
نفسي ومشاعري وأبعدت نظري عنها مجبَرا وهي تقترب لتدخل
المنزل , اجتازتنا ودخلت في صمت وصفر معاد بعدها بصوت
منخفض وقال " لمن هذه العينان بحق الله ولا تقل أنها زوجته "
قلت بهدوء يعاكس دواخلي " اصمت يا معاد ولا حرف آخر "
اقترب منا جواد حينها وقال" أمازلتما هنا !! متى
سيكتمل ضيوفكم لأذهب لجلب زوجتي "
قال معاد من فوره " هل تعني أن تلك الغزال التي
دخلت ليست زوجتك "
نظرت له وقلت بضيق " معاد أحفظ لسانك عن
محارم غيرك خيرا لك "
نظرت لجواد فكان ينظر لي نظرة أفهم مغزاها جيدا وكأنه
يقول لي أطلق سراح الفتاة , قال معاذ بحسرة
" هي متزوجة إذا يالا خيبة الأمل "
قلت ببرود " أرى القناع سقط سريعا "
قال جواد متوجها للداخل " إن أردت خطبتها فهي لك "
ودخل المنزل وقال معاد من فوره " أفهماني شيئا أنتما "
نظرت جانبا وقلت " لا شيء لأفهمه لك وابحث لك
عن عروس غيرها "
لم افقد عقلي بعد لأزوجها لأحد أصدقائي المقربين , وإن فرضنا
وحدث وزوجتها فسيكون لشخص يسكن في أبعد مدينة عن هنا
*
*
دخلت المنزل أوجاعي في قلبي هي التي تزداد , هل أصبحتَ
تكرهني حد أن تشيح بوجهك عني يا نواس !! توجهت لحقيبتي
أخرجت الحبوب المسكنة وتناولت منهم اثنتان رغم أنهما لن
يخففا من الألم إلا قليلا , عليا أن أجرب علاجا للقرحة فهذا لا
يفيد ولن تخف ضغوطي النفسية أبدا وأنا أقترب في كل يوم من
مسبباتها أكثر فأكثر , توجهت بعدها للضيوف سلمت عليهم
وكانت خالتي معهم تجلس على الكرسي المتحرك , توجهت بعدها
للمطبخ وأنهيت مع فتحية باقي التحضيرات واستقبلت باقي الضيوف
وأحضر جواد فرح ووالدتها , كانا جواد ونواس كلما أرادا شيئا
نادى فتحية وهي تخبرني ما يريدان , لو كنت زوجة نواس من
عامان لكان الآن لا ينادي غيري ولكان ابننا يركض مع الأطفال
لم أتخيل يوما أن تتزوج فرح وأنا لست زوجته بل متزوج بغيري
ومن الغريب أنها لم تحضر اليوم لكانا قتلاني أكثر وهوا يناديها
وتخرج له وتدخل مبتسمة , أمسكت معدتي بقوة وغادرت للمطبخ
أحاول طرد الأفكار وليس الهروب , دخلتْ زوجة والدي خلفي
وقالت " ما بك يا وسن هل أنتي بخير "
قلت بابتسامة " أنا بخير لا تقلقي ما بكم تعاملونني كأني طفلة "
قالت " فرح لم تسكت حتى غادرت خلفك رغم أني أخبرتها
أننا نخنقك بكثرة مراقبتنا لك لكنها بدأت بالبكاء فجئت
كي لا يتحول الحفل لمناحة "
ابتسمت بحزن وقلت " كم سأشتاق لها وأفتقدها تلك المشاكسة "
قالت بحزن " فلنأمل أنها بضع سنين قليلة ويعودان "
وضعت يدي على كتفها وقلت " أعرف فرح جيدا لا يمكن
لأي معجزة أن تجعلها تستقر بعيدا عنا "
ضحكت وقالت " وفي هذا أنا أتأمل لأنها قالت بالحرف الواحد
سأرجع ولو وحدي ويبقى هوا هناك إن أراد "
ضحكنا سويا ثم خرجنا عائدتان حيث الضيوف الذي بدأ عددهم
يتناقص شيئا فشيئا حتى غادر الجميع ودخل جواد ليلتقط بعض
الصور هوا وفرح ودخلت أنا للمطبخ فلا أريد رؤيتها تغادر
يكفيني يوم الغد ثم نواس سيدخل لوالدته ليتصورا مع جواد
أيضا قبل أن تغادر المصورة
*
*
بعدما التقطت لنا المصورة بعض الصور تحت إصرار من جواد
لأني لا اكترث لكل هذه الأمور أنزل عروسه وتوجهت للمطبخ
لشرب الماء لأنزل لباقي الشلة التي تنتظر في الأسفل لإيصال جواد
وعروسه للفندق , المطبخ في منزلنا يأخذ ممرا مستقلا هوا والحمام
وبابه في نهاية الممر مباشرة , وقفت عند بداية الممر أنظر للواقفة
هناك التي كنت أضن أنها في غرفة والدتي مع والدة فرح
وقفت متكأ بالجدار أشاهدها في صمت بفستانها القصير وشعرها
المرفوع تعطيني جانبها , وقفت أتأمل الحلم والماضي مجتمعان في
طيف امرأة فما أصعب الحلم حين يبقى حلما للأبد وما أصعب
الماضي حين يسافر معك للمستقبل ويبقى مجرد ماضي
شعرت بيد تمسك كتفي فنظرت لصاحبها فكان جواد
ابتسم لي بحزن وقال " لا تنسى ما كنت تقوله دائما يا نواس
ليس رجلا من يشاهد جسد امرأة لا تحل له "
ابتسمت بألم وخرجت أمامه في صمت , من قال لك أني أشاهد
جسدها يا جواد فما لا تعلمه أني كنت أشاهد شيء أصغر من جسدها
بكثير وهي الدمعة التي تنساب على خدها ببطء , لماذا وجد الحب
إن كانت ستوجد الجراح ولماذا وجد الشوق إن كان سيوجد الكبرياء
سؤالان لا جواب لهما فلا حب بدون جراح ولا شوق بدون كبرياء
أوصلنا جواد وزوجته للفندق نزل ونزلنا جميعا وباركنا له فقال
معتصم " هيا نكمل سهرتنا في أفضل مكان في العاصمة
فلا أقسى على قلب العريس إلا أن يعلم أن شلته يسهرون
معا وهوا ليس معهم "
قال جواد بمكر " بل أنا من حضي بما لم يحضا به
أي منكم حتى الآن فمن سيقهر من "
ضحكنا جميعنا وغادرنا بعدما نزل بعروسه
*
*
وصلنا الفندق ودخلنا الجناح المخصص لنا وفتح جواد الباب
وهوا يتمتم بلحن أعرف جيدا لأي أغنية يكون , لف ذراعه
حول خصري ليدخلني فقلت وهوا يغلق الباب
" ماذا كنت تقول لي قبل أن ندخل لم أكن أسمعك "
وصلني صوته المبتسم وهوا لازال يسير بي في الجناح
" لم أكن أتحدث معك أنتي "
وصلنا الغرفة وأزال الغطاء عني فقلت " مع من إذا أيها الخائن "
ضحك رافعا رأسه للأعلى ثم نظر لي وأمسك وجهي
بيديه وقال بهمس " لطوق الياسمين "
أمسكت يديه المحتضنة لوجهي وقلت بابتسامة
" لازلت تذكر هذه الأغنية "
قبل خدي وقال مبتسما " وأحفظها كاسمي كيف
وهي أغنيتك المفضلة "
نمت في حضنه فشدني له بقوة وقال
" هذه أسعد ليلة في حياتي كلها منذ عرفتك "
ابتعدت عن حضنه ونظرت له بضيق فضحك وقال
" أمزح ما بك "
امتلأت عيناي بالدموع فأمسك وجهي مجددا وقبل جبيني
وعيناي وخدي وقال " آسف حبيبتي أقسم أنها لم تكن سوى مزحة "
نزلت مني دمعة مسحتها بأطراف أصابعي وقلت بحزن
" ليس هذا ما أبكاني "
وضع أنفه على أنفي وقال بحنان " وما يبكي يسمينتي إذا "
شهقت شهقة صغيرة وسط دمعتان تدحرجتا من عيناي وقلت
بصوت مبحوح " كلما زادت فرحتي الليلة كلما زاد حزني على
وسن , كانت اليوم بحالة سيئة وتكابر فليتك رئيت وجهها
حين كان يصلنا صوت نواس مناديا فتحية "
ضمني لحضنه وقال ماسحا على ظهري
" لن تكوني فرح إن لم تبكي لأجلها ليلة زواجنا "
قلت بعبرة " رغما عني يا جواد كيف أنام في حضن من
أحب ولا أتذكر أي ليلة ستنامها هي الليلة "
تنهد وقال " ليست وحدها من سيعاني الليلة يا فرح
فالقلوب المحطمة كثيرة "
كنت أود أن أقول ( إلا شقيقك طبعا ) لكني أعرف نتائج هذا
وهوا شجار محتم بيننا وسيغضب مني في نهايته , قال بعد
ضحكة صغيرة " أعلم ما سبب كل هذا الحزن إنها
العناكب الموجودة في شعرك "
ابتعدت عن حضنه ونظرت له بصدمة فأخرج أحد المشابك
الكريستالية من تسريحة شعري وقال " مثل هذا "
ضحكت رغما عني فحضنني مجددا وقال بابتسامة
" نعم هكذا أريدك فرح حبيبتي التي عرفتها دائما وهيا
افتحي شعرك الطويل من قال لك أني أريده هكذا "
قلت بضحكة " وكيف يكون فستان زفاف مع شعر مفتوح "
ثم ابتعدت عن حضنه وقلت " أخرج إذا لأغير ثيابي
وأفتح تسريحة الشعر "
أمسك وجهي وقال " بالتأكيد ولكن ثمة دين عليك الإيفاء به أولا "
نظرت له باستغراب وفتحت فمي لأتحدث فقبلني قبلة طويلة وأنا
أضربه ليبتعد عني ولكنه يتعمد فعل ذلك ويكتم صوت ضحكته
ليخرج من أنفه ولم يتركني إلا حين أراد هوا فابتعدت عنه أتنفس
بقوة وقلت بضيق " ما هذا !! لو كنت بالوعة ما كنت هكذا "
ضحك وقال مغادرا " هذا العربون فقط ولم تري شيئا بعد
بسرعة لا تتأخري وأزيلي هذه العناكب "
ثم خرج وأغلق الباب وأنا أراقبه بابتسامة , توجهت لطاولة
التزيين ووقع نظري على التذاكر فوقها فماتت ابتسامتي وتنهدت
بحزن , كم يعز عليا فراق أهلي وهذا الوطن بما فيه
*
*
بعد ساعات عدت للمنزل فتحت الباب ودخلت بهدوء,عليا
التحدث معها في الأمر فكل ما كنت أنتظره زواج جواد وها
قد حدث فلا يمكنني ترك المسألة معلقة كل هذا الوقت, وصلت
للصالة وتقابلت وفتحية فقلت مباشرة " من بقي في المنزل "
قالت وهي تجمع الأطباق " لا أحد وسن كانت تريد مساعدتي لكني
أصررت عليها أن تغادر فتبدوا لي ليست بخير وتكابر فقط "
قلت مباشرة " ما بها "
قالت متوجهة للمطبخ " لا أعلم هي كما يعرفها
الجميع إن سألتها لا تقول "
تنهدت وغادرت جهة غرفة والدتي وطرقت الباب طرقات
خفيفة ثم فتحته ودخلت , كانت الغرفة مظلمة فتراجعت لأغادر
فوصلني صوتها قائلة " تعالى يا نواس أنا لم أنم بعد "
دخلت وشغلت النور واقتربت منها وساعدتها لتجلس وجلست
أمامها فقالت مباشرة " ظننتك في المزرعة "
نظرت للأرض وقلت " جئت لأتحدث معك في أمر مهم "
قالت " وأنا لدي ما أقوله لك ما دمت أتيت "
نظرت لها بصمت فقالت " قل ما لديك أولا "
عدت بنظري للأرض وقلت " سأحضر مي نهاية الأسبوع القادم "
عم الصمت الغرفة فرفعت رأسي ونظرت لها فقالت
" تحضرها أين تحديدا "
قلت بضيق " أمي لا تنسي أني ابنك وأنها زوجتي واطمئني
سآخذها للمزرعة ولن أجلبها هنا "
قالت بهدوء " نواس ابتعد بزوجتك عن وسن حاليا على الأقل "
نظرت لها بصدمة وقلت " ما تعني بحاليا "
قالت ببرود " زوجة خال فرح سألتني عن وسن وقالت
أنها تريدها لابنها الطبيب "
****************************************************
******************************************
مر ثاني أيام العيد وها نحن سندخل الثالث وبالي مشغول طوال
الوقت بكلام نزار معي تلك الليلة في نهاية السلالم حين أوقفني
وقال " سما هل لي بطلب توافقي عليه من أجلي فقط "
بقيت أنظر له بحيرة فتابع " هل توافقي "
قلت " لأجلك أوافق طبعا ولكن قد لا اقدر عليه "
تنهد وقال " سما صديقي الذي سيأتي في الغد أو بعده يكون
رئيس الشرطة الجنائية ومن أمسك قضية عائلتك "
امتلأت عيناي بالدموع وهززت رأسي وقلت
" لا ... لا تطلب مني مقابلته والتحدث معه "
تنهد وقال " سما هوا لن يتحدث معك في شيء بخصوص
القضية لأني أخبرته أنك لا تريدين ذلك "
مسحت عيناي وقلت " وما الذي تريده مني إذا "
قال بهدوء " أريد أن تقابليه وتعامليه كما تعاملي الجميع , هوا لم
يغلق قضية أهلك كما تضني ويبحثون حتى الآن عن المجرمين
لأنها سلسلة جرائم لم تبدأ معك ولم تنتهي عندك وهم تكتموا عن
أمرك عمدا لأنهم لم يعرفوا كيف يصلون إليك وخافوا عليك منهم "
بقيت أنظر له بعدم اقتناع فأمسك كتفاي وقال
" أقسم أنها الحقيقة يا سما وأنا اطلعت على ملف القضية بنفسي "
قلت بحزن " ولكنك وعدتني أنك أنت من سيساعدني ولن أقابلهم "
قال بجدية " نعم وأنا عند وعدي ولكنها عصابة كبيرة وخطيرة
على ما يبدوا ولن يكون الأمر سهلا كما ضننت وسنحتاج
مساعدتهم قليلا وما أن تصبح العصابة في قبضتهم ستكونين
اليوم التالي عند عائلتك "
قلت بعد صمت " هل أنت منزعج من بقائي معكم "
بقي ينظر لي بحيرة لوقت ثم أبعد يداه عن كتفاي وقال
" ولما تقولين هذا يا سما "
أخفضت نظري وقلت بإحراج " هل تصدقني إن قلت لك لا أعلم لما "
ضحك وقال " إذا لا تفكري فيه ثانيتا مادمتِ لا تعلمين سببه "
رفعت نظري له في صمت فقال
" هل تفعلينها لأجلي يا سما وتقابليه وكأنه رجل عادي "
قلت بحزن " من أجلك فقط سأحاول "
ابتسم لي ثم قال مغادرا جهة غرفته " تصبحين على خير "
ومنذ ذاك الوقت وأنا أحاول إقناع نفسي بكلامه وبأنهم لم يغلقوا
القضية وأنهم لم يبحثوا عني من أجل حمايتي , لم يأتي صديقه
اليوم ومؤكد سيأتي في الغد , أخرجني من سيل أفكاري
صوت خالتي قائلة " سما ما بك صامتة طوال الوقت "
تنهدت وقلت " لا أعرف لما لا أريد مقابلة صديق
نزار الضابط ذاك "
قالت بابتسامة " جابر ليس سيئا كما تتصوري أنا أعرفه من
سنوات صديقا لنزار وكم كانوا يتناقشون في القضايا هنا عندي
وأرى مدى اهتمامه بالمظلومين وإمساك المجرمين "
قلت بحيرة " وما دخل نزار بقضاياه !! "
قالت مبتسمة " لا أفهم كثيرا في الأمر لكن وبحكم أن نزار خريج
قسم الهندسة وبامتياز فهوا يحسب له أشياء كثيرة تخص مواقع
الجرائم ويساعده , أنا فقط استمتع بسماع نوع الجريمة ونقاشهم
حول المذنب وكأني أشاهد فيلما بوليسيا وخياليا أيضا "
ضحكت ضحكة صغيرة فقالت " لا تحضُري جلساتهم مثلي كي
لا يموت قلبك وتصبحي نسخة عني تستمعي بدم بارد "
قلت بحزن " لهذا إذا هم لم يحترموا جثت أهلي لأنهم بقلوب ميتة "
تنهدت وقالت " هم اعتادوا هذا يا سما هل تتصوري نفسك تقتلين أحدا "
هززت رأسي وقلت " لا بالتأكيد "
قالت مباشرة " وبرأيك كيف يستطيع المجرم ذلك "
قلت بهدوء " لأنه اعتاد القتل "
قالت مبتسمة " كم أنتي فتاة ذكية وهذا ما ألحظه عليك دائما
ومؤكد الآن فهمتي مقصدي فهم اعتادوا رؤية الأموات "
نظرت للأرض وقلت بحزن " ولكني لم أعتد رؤية أهلي
ميتين ورؤية أفراد الشرطة يسخرون منهم "
ثم نظرت لها بعينان دامعتان وقلت
" لم أستطع محو تلك الصورة من دماغي مهما حاولت "
تنهدت ولاذت بالصمت فوقفت وقلت " سأصعد لأنام وعشاء نزار
جاهز في المطبخ أخبريه حين يعود فيبدوا سيتأخر "
قالت بابتسامة " بالتأكيد بنيتي تصبحين على خير "
صعدت لغرفتي محاولة النوم وليس لأني أشعر بالنعاس
*
*
دخلت المنزل واقتربت من غرفة والدتي والغريب أنه لا
أصوات لهما كالعادة , وقفت عند الباب فكانت والدتي تمسك
مسبحتها وتتمتم بالتسبيح ولوحدها فابتسمت ما أن رأتني
وقالت " سما تركت لك عشاءك في المطبخ "
قلت باستغراب " ما بها نامت مبكرا هل هي متعبة "
قالت وقد عادت بنظرها لمسبحتها" لا ليست متعبة ولكن
تبدوا مستاءة وغير مستعدة لمقابلة جابر غدا "
دخلت وقلت " لكني أفهمتها أنه لن يتحدث معها في أمر القضية مطلقا "
تنهدت وقالت " الفتاة لا تتقبلهم في ذاتهم وليس
الحديث معهم عن قضيتها فقط "
قلت مغادرا " عليها إجراء هذه المقابلة معه لأنها
الخطوة الأولى والأهم "
دخلت المطبخ وكان عشائي في الأطباق ومغطى بورق القصدير
خرجت من المطبخ وصعدت للأعلى وقفت عند باب غرفتها
وطرقت الباب عدة طرقات خفيفة ففتحته لي وكما توقعت لم يكن
باديا على وجهها أي أثار للنوم وقالت من فورها
" تركت لك العشاء في المطبخ هل أخبرتك والدتك "
قلت باختصار " نعم أخبرتني "
أخفضت رأسها وقالت " هل تريد أن أسخنه لك "
لذت بالصمت ولم أتحدث فرفعت رأسها ونظرت لي
فقلت " بل لن آكله أبدا "
نظرت لي بصدمة فتابعت " سما إن كنتي لا تريدين مقابلة جابر
غدا لن تقابليه لكن لا تفعلي بنفسك هكذا فمنذ أخبرتك وأنتي
شاردة الذهن وحزينة ولا تتحدثين حتى مع والدتي "
أخفضت نظرها وقالت " أنا لم أقصد إزعاجكم ولكن .... "
قاطعتها قائلا " إذا لا تقابليه حسنا "
هزت رأسها بلا وقالت " أنا وعدتك أن أفعلها من أجلك "
قلت " ولما الحزن والهروب إذا "
قالت " أنا لم أهرب "
قلت بجدية " بلى تهربين يا سما ليس مني ولا من والدتي بل من نفسك "
بقيت تنظر لي بحيرة فقلت " تعلمين أنهم سيساعدونك وأنك
ستساعدين الكثيرين غيرك ومثلك لكن نفسك لا تطاوعك أن تفعليها
عائلتك ماتوا يا سما لن تنفعيهم بفعل هذا , ستخدمينهم فقط إن
ساعدتِ العدالة في القبض على المجرمين "
قالت بهدوء " ولكني لا أعرفهم ولا أعرف من يكونون
فكيف سأساعدهم "
وضعت يداي في جيوبي وقلت " ماداموا يطاردونك ويبحثون
عنك فهم متأكدين من أنك تملكين شيئا يوصلنا لهم "
بقيت تنظر لي بحيرة وصمت فقلت بهدوء
" سما لا تخرجي لمقابلته إن كنتي لا تريدي ذلك حسنا "
بقيت على صمتها فقلت " لا تجبري نفسك ولا من
أجلي , تصبحين على خير "
ثم غادرت من عندها ودخلت لغرفتي وأغلقت الباب , بعد
وقت طرقت الباب ففتحت لها وكانت تحمل صينية الطعام
نظرت لي وقالت " تناول عشائك سأقابله بدون أن اجبر نفسي "
قلت بابتسامة " تعشيت في الخارج هل تضني أني سأقاوم
طعامك اللذيذ وأغضب منك .... لا لن أفعلها يا سما "
قالت بصدمة " ولما قلت أنك لن تتناوله أبدا "
قلت بضحكة " لم أقصد ما فهمته "
قالت مغادرة به " إذا سأتناوله أنا وخالتي وأنت ستكون الخاسر "
ابتسمت وأنا أراقبها وهي تنزل السلالم , كم يسعدني أنها بدأت
تعتاد علينا أو عليا تحديدا فهي خجولة كثيرا وحساسة بشكل كبير
وأي شيء يجرحها بسرعة , أتمنى أن أُسلم هذه الأمانة لأهلها
في أقرب وقت ولا أتسبب بأذيتها بما سنفعل
عند الصباح خرجت من غرفتي نزلت لغرفة والدتي وقفت أمام
الباب حيث كانت هي وسما وقلت " هل تناولتم الفطور بدوني "
قالت والدتي بضحكة " هذا عقاب لك على كثرة
نومك وتركك لعشائك البارحة "
قلت بتذمر " لم أنم البارحة بسبب التحضير لكن ما ذنبي في العشاء "
قالت بضيق مصطنع " سما حضرته لك وحدك البارحة لأننا لم نكن
نريد أن نتعشى وأنت يا حضرة المهندس أكلت أوساخ
المطاعم وتركت عشائها "
دخلت مقتربا منهما وقلت " رائع ولما لا تريدان أن تتعشيا ها "
قالت أمي ببرود " حمية من أجل الرشاقة "
ضحكت كثيرا ثم قلت " سما لا تحتاج حمية وأنتي يا أمي
ما تفعلين بالرشاقة في هذا العمر "
تجاهلتني ولم تجب ونظرت جهة سما وقالت " يقولون أن الرجل
إن تعشا خارج المنزل يعني أنه يريد افتعال مشكلة ليقول لا أريد
عشائكم ويسجن نفسه في غرفته ليؤنب المرأة ضميرها وتراضيه "
نظرت لي سما من فورها وضحكت ضحكة صغيرة فنظرت
لها بضيق فقالت بدفاع " لم أخبرها اقسم لك "
قالت أمي بصدمة " لم تخبرني بماذا ما تخفيان عني "
قلت ببرود " لا شيء "
ضحكت وقالت " آه فهمت الآن لهذا قلت أنك لا تريد
العشاء يالك من رجل يا مخادع "
خرجت من الغرفة وتركتهما على صوت ضحكاتهم , ياله
من موقف سيء ومحرج أوقعت نفسي فيه , أمي لا يفوتها
شيء وستفهم الأمر على مزاجها بالتأكيد
توجهت للمطبخ دخلت ووجدت فطوري على الطاولة فابتسمت
بعفوية , كان من المفترض بي أن لا يفوتني هذا فهي لن تتركني
بلا إفطار أبدا , مشكلتي أنني سأعتاد على الراحة وحين تذهب
سأحتاج لوقت لأعود لروتيني السابق
تناولت فطوري ثم عدت لهما وكانت سما تجلس مع والدتي على
السرير تريها البوم صور زواجها , وقفت وقلت بابتسامة جانبية
" كم مرة أرته لك يا سما , أنا عن نفسي فوق المائة مرة "
قالت أمي بضيق " لا شأن لك بنا هذا عوض أن
تفرح أني أريك ذكرياتي "
ضحكت فقالت سما مشيرة بأصبعها على الصورة
" من هذا في هذه الصورة "
ضحكت أمي وقالت " هذا طويل اللسان الواقف هناك عند الباب "
كتمت سما ضحكتها وقالت " لما شعره هكذا ظننته هندي "
ضحكت والدتي ووضعت أنا يداي وسط جسدي وقلت بضيق
" يبدوا أن والدتي علمتك السخرية مني يا سما "
نظرت لي ثم قالت بهدوء " لم أقصد "
ثم ابتسمت وقالت " تعال وانظر لها لم أعرفك فليس ذنبي "
خرجت من الغرفة فسمعتها تقول لوالدتي " يبدوا غضب مني "
قالت أمي بضحكة " اتركيه سيُضرب عن تناول الغداء
لتعتذري منه وتنتهي المشكلة "
أمي هذه ستصيبني بالجنون وتؤلبها علي أيضا
قالت سما " أنتي فهمت الأمر خطأ هوا لم يفعل ذلك
البارحة أنا من فهمه بشكل خاطئ "
غيرت أمي مجرى الحديث تحكي لها عن الصور وغادرت
أنا جهة الباب على صوت طرق عليه فتحته فكان جابر
وأبنائه , رفعت ابنته الصغرى عن الأرض وقلت
" جيد أنك أتيت بهم لأن والدتي ستقتلك إن لم تفعلها "
أدخلهم أمامه قائلا بضحكة " ما كنت سآتي قبل أن أحضرهم
معي لأني أعرف مصيري منها جيدا "
ثم قال بصوت منخفض " ماذا بشأن الفتاة "
قلت متوجها نحو الداخل " أدخل هيا ولا تنسى ما اتفقنا عليه "
دخلت وهوا يتبعني ثم دخلت الغرفة وأنزلت الفتاة وقلت
" هذا جابر أحضر لك إنتاجه كما وعدك "
دخل وضرب كتفي وقال " ولما لا ترينا إنتاجك أنت لنرى "
مدت والدتي يداها وقالت
" ما أجملهم كوالدكم تماما تعالوا وسلموا علي "
نظروا لوالدهم فقال " هيا سلموا على جدتكم "
اقترب الفتى والفتاة الشقراء بيسان منها وبقيت ترف التي
رفعت رأسها لوالدها وقالت " هل هي جدتنا أيضا "
رفعها جابر من ذراعاها وقال
" لا هي والدة صديقي هذا وفي مقام جدتكم فنادوها جدتي "
رفعها لها للسرير ووقفت سما مبتعدة وفي صمت تنظر له
بتركيز , سلم على أمي وعيد عليها ثم نظر ناحية سما وقال
" مرحبا يا سما وكل عام وأني بخير "
نظرت لي ثم أخفضت بصرها وقالت بشبه همس
" وأنت بخير , شكرا لك "
قالت أمي وهي تنظر لسما " هذه سما سلموا عليها "
توجهوا لها ونزلت لهم قبلتهم ثم مسحت على شعر
أمجد وقالت " ما اسمك "
قال " أمجد "
نزلت منها دمعة مسحتها ووقفت ويبدوا أنه ذكرها بشقيقها الميت
فهوا في نفس سنه ومن الصورة التي رأيتها له شعره وعيناه
كأمجد تماما , نظرت لها ترف ثم لوالدتي وقالت
" هل هي شقيقتك "
ضحكنا جميعنا وقالت " لا هي ليست شقيقتي "
عدّتْ بأصابعها وقالت " نحن كان لنا أخت نناديها ماما ووالدي
ميت فظهر لنا والد ونحن أبنائه وتلك ليست أمنا لكنها الآن
أصبحت ابنته أيضا وستعيش معنا "
ضحكنا وقالت والدتي " اللوم على والدكم الذي أدخلكم
في كل هذه المعمعة "
قال جابر وهو يجلس على الأريكة
" بل ذنب من هربت بشيء لا يخصها وحرمتني منه "
كانت سما تنظر لنا بحيرة ومعها حق كيف ستفهم كل ما يقال
نظرت لها وقلت " اسمعي هذه الحكاية يا سما "
نظرت لي بحيرة فأشرت لها بعيناي جهة جابر كي لا يفهم
الأطفال وقلت " كان ثمة رجل لديه فتاة وثلاث أزهار سرقت
الفتاة الأزهار وهربت بهم لسنوات حتى وجدهم الزوج عند فتاة
لا تعرفهم وتضن أنهم من حديقة والدها وهم ليسوا كذلك فقرر أخيرا
الرجل أن يتزوج فتاة الحديقة لان الأزهار لا تعيش بدونها "
ابتسمت سما ومؤكد فهمت القصة فهي فتاة ذكية ولماحة
نظر لي جابر وقال ببرود " قصة مملة هل لديك علم "
ضحكت وقلت " لا تتركني أحكي الجزء الثاني منها "
قالت والدتي " وبالطبع أخيرا قرر الزواج بفتاة الحديقة "
خرجت حينها سما متجهة للمطبخ وجلسوا أبناء جابر بجواره
عدا ترف التي أجلستها والدتي عندها وقال جابر
" يبدوا لم تتقبل فكرة مقابلتي بعد "
قلت " علينا بالصبر قليلا فكونها وافقت على
مقابلتك وحده يكفي الآن "
قال بضيق " لنرى أين ستأخذنا أفكارك "
قلت بهمس وغيض " اسكت لا تسمعك ونعود لنقطة البداية "
قالت أمي ماسحة على شعر ترف
" ومتى قررت الزواج بها أم الموضوع مؤجل للعام القادم "
ضحك جابر وقال " لا تقلقي في القريب العاجل "
نظرت لها ترف وقالت " والدي سيتزوج من "
نظرت أمي لجابر فقال " جدي لنفسك مخرج الآن "
قالت أمي بابتسامة " أجده ولما لا "
نظرت لترف وقالت " يتزوج من ماما لتصبح معكم دائما
حتى آخر العمر وينجبان لكم أخوة آخرون "
ضرب جابر جبهته بصدمة وضحكت أمي وقالت
" وجميلين مثلكم "
نظرت ترف لوالدها وقالت " هل هذا صحيح "
قال أمجد " أنا كنت اعلم أنه سيتزوجها "
قالت بيسان " لما لا تأتي دون أن يتزوجها هل ذلك ضروري "
ضحكت وقلت " ستكون المرة الأولى والأخيرة التي
تحضرهم فيها هنا "
قال جابر بضيق " هذا هوا المؤكد "
قالت أمي ببرود " لا تحلم بهذا ستجلب زوجتك أيضا لأتعرف عليها "
دخلت حينها سما بالعصير والكعك قدمت للجميع ثم جلست على
الطرف الآخر لسرير والدتي في صمت فقال جابر ناظرا لها
" كيف حالك يا سما "
قالت باختصار " بخير "
قال " تحدثت ونزار في أمر دراستك وسأوفر لك الحماية وأسجلك
في مدرسة خارج العاصمة هي في مدينتي وحكومية سأجعل
من يراقبك لحمايتك ولكي لا تضيع دراستك "
نظرت له باهتمام وقالت " حقا سأعود للدراسة "
نظرت لجابر من فوري فتبدوا الخطة ناجحة وستسعد سما
بكونه هوا من سيفعل هذا لأجلها , قال جابر
" نعم وسيساعدونك في كل الدروس التي فآتتك هذه الفترة "
نظرت لي ثم لوالدتي وقالت لها بابتسامة " لن تضيع دراستي "
قالت أمي بابتسامة " نعم يا سما فجابر إن قال شيئا لا يتراجع
عنه وسيحميك فترة غيابك عن المنزل "
قلت بابتسامة " واخبرينا طبعا إن كان هناك وجدان أخرى "
ابتسمت وقال جابر " ابنة عمي تدرس هناك في السنة الأولى مثلك
هي أكبر منك بعام اسمها بتول وستحبينها سأخبرها لتساعدك في
التعرف على مدرستك الجديدة ولا تقلقي من شيء فلا حق يضيع
وهي موجودة فلسانها أطول منها "
ضحكنا جميعنا وابتسمت سما له , جيد هذا تقدم كبير
ومضى بعدها الوقت من حديث لآخر وسما تلوذ بالصمت
أغلب الأحيان حتى وقف جابر ليغادر فقالت والدتي
" لازال الوقت مبكر ابقوا للغداء معنا "
قال " لدي عمل كثير ولا يمكنني البقاء أكثر "
قالت أمي بابتسامة " أعان الله تلك المسكينة على زوج
غير موجود إلا بالاسم "
ضحك وقال " وهل سأرابط عندها فكلن له وضيفته وعليه تأديتها "
قالت " اترك الأولاد يتغذوا معنا إذا "
قال مباشرة " أخاف أن يتعبوكم "
قالت بابتسامة " أنا لن يتعبوني في شيء "
ثم نظرت جهة سما وقالت " هل توافقي على هذا لأنهم
إن اتعبوا أحدا سيتعبونك أنتي "
قالت مبتسمة " لا بأس لا يبدون مشاغبين "
قال مغادرا " إذا سآتي عصرا لأخذهم "
وتركتهم أيضا وخرجت خلف جابر وتحدثنا قليلا بشأن سما
*
*
بقيت برفقة الأطفال ودخلوا معي للمطبخ وساعدوني أيضا وقالوا
أن والدتهم كانت تتركهم يساعدونها , كانوا مؤدبين جدا وخلوقين
ومرحين أيضا , جهزت الغداء ودخل علينا نزار المطبخ ووقف
عند الباب وقال " كيف سيكون شكل الغداء اليوم يا ترى مع
كل هذه الأيدي المشاركة فيه "
قالت ترف بمرح " أنا و بيسان أعددنا السلطة "
ضحك وقال " إذا لن آكلها "
مدت شفتيها مستاءة فضحك عليها ثم نظر لأمجد الذي يعصر
الليمون ومنشغل به وقال " أمجد كلفوك بالمهمة الصعبة "
نظر له وقال " لأني رجل أعصرهم بسهولة وهم فتيات لا يستطيعون "
قالت ترف مشيرة لي " هل هي زوجتك "
تمنيت أن انشقت الأرض و بلعتني ولا أعرف من أين
جاءت هذه الصغيرة بهذا السؤال أمامه لكنه ضحك وقال
" لا هي ليست زوجتي "
قالت بحيرة " هي ابنتك إذا "
ضحك وابتسمتُ أنا بحياء وقال " قد تكون كذلك "
نظرت له بحيرة ثم أبعدت نظري عنه , هل يعتبرني ابنته حقا
لم أره للحظة والدي هوا صغير على أن يكون والدا لي , حسنا
وما علاقتي به يراني كما يريد , قالت ترف بحيرة
" هي ليست زوجتك ولا ابنتك ولا شقيقة
الجدة من تكون إذا "
نظر لي ثم لها وقال " هل رأيتِ والدتك تلك ما تكون في منزلها "
هزت رأسها له بنعم فقال بابتسامة " وسما مثلها هنا سيدة المنزل "
كم شعرت بالسعادة تغمرني من كلماته هل حقا يعتبرني هكذا
حمدا لله أن وضع هذه العائلة في طريقي فكم هم طيبون
وليس جميع الرجال أشرارا كما ضننت , نظرت له بابتسامة
امتنان فابتسم لي وغادر في صمت
أنهينا إعداد الغداء وأدخلنا الطاولة للغرفة وتناولناه جميعا وعند
العصر جاء والدهم لأخذهم , كم كان اليوم جميلا بوجودهم وملئوا
الفراغ الكبير فيه , عند نهاية المساء كنت جالسة مع خالتي في
غرفتها وهي تستمع لنشرة الأخبار من المذياع وأنا جالسة في
صمت فأوقفته وقالت " سما ما بك صامته "
نظرت لها وقلت بابتسامة " وما لدي لأقوله أنتي تستمعين
للمذياع وأنا لا اشعر بالنعاس "
ثم تابعت " كم أبنائه رائعين لم أشعر بالوقت معهم أبدا "
قالت بابتسامة " نعم فتلك الفتاة ربتهم ونعم التربية "
قلت بحيرة " وما قصتها كيف كانوا لديها وتضنهم إخوتها "
تنهدت وقالت " قصتهم طويلة مفادها أن والدتهم أخذتهم ورحلت
بهم ولم يجدها جابر لسنوات ثم اكتشف أنه تم تغيير أسمائهم كإخوة
للفتاة التي ربتهم وهي أيضا لا تعلم , تركتهم والدتهم عندها قبل وفاتها
وأخبرتها أنهم إخوتها وبعد خمس سنين وجدهم جابر وأعادهم منها "
قلت بحيرة " قصة غريبة حقا "
قالت بهدوء " الحياة مليئة بالغرائب يا ابنتي ومن يرى
غيره يحير في أمر نفسه "
ثم قالت بابتسامة " ما رأيك في شيء يرفع عنا كل هذا
الملل ونقضي عليه سهرتنا "
قلت باستغراب " ما هوا !! "
قالت " اصعدي لغرفة المخزن التي أحضرت منها الألبوم
هناك صندوق كبير به كتب أحضري واحدا "
قلت " كتب عن ماذا ! "
قالت بابتسامة " إنها روايات كان زوجي يحب قراءتها "
قلت بحيرة " روايات !!! وما تكون تلك "
قالت " هي قصص خيالية مشابهة للواقع هاتي إحداها وستفهمين "
صعدت للمخزن في الأعلى , هي الغرفة الثالثة في الممر يضعون
فيها أغراضهم الزائدة , توجهت للصندوق الذي أخبرتني عنه
وفتحته , كانت مجموعة من الكتب كما قالت , رفعت إحداها فكان
مكتوب على غلافه ( خلف أسوار المدينة )(للكاتبة برد المشاعر)
أغلقت الصندوق وأنزلته معي وصلت الغرفة ودخلت وجلست
أمامها حيث كنت فقالت " إقرائي لنرى القصة التي اخترتها "
فتحت الغلاف وورقة الإهداء ثم ورقة مكتوب فيها ( الفصل الأول )
قلبت الصفحة وقرأت بهدوء (( لطالما كان هذا الظهر في نظري هوا
الحامي لي من عقبات الحياة وعواصفها , لطالما كان ذرعا يمسك
عني كل مفاجأات الزمن رغم أني لست من صلبه ولا تربطني به أي
صلة قرابة لكنه كان سندي وعضدي الذي لم أعرف غيره وها هوا
اليوم يقف بيني وبين أسوء موقف قد أقف فيه كل حياتي ليحول بيني
وبينهم كالجبل الصامد وهوا يلقي عليهم الخبر كالقذيفة المدمرة
يقف بيني وبين ثلاث وجوه تعيش الصدمة والمفاجئة وحتى
الكره والحقد ووجه رابع بملامح حنونة ودافئة تستقبل الفاجعة
وكأن شيء لم يكن
كما حدثني عنهم تماما وكما وصفهم لي وكأنه يحدثني الآن
تحرك أحد الوجوه بابتسامة ساخرة ناظرا لوجه والدته وقال
" بما أن من يعنيها الأمر راضية فما النفع من رأينا نحن "
ثم غادر بعدما وجه لي نظرة حارقة كالنيران ( وائل ) لطالما قال
لي عنه والده أنه شاب مظهره أهم ما لديه في الحياة وينفع أن يكون
رجلا دبلوماسيا بما تعني الكلمة من معنى , ضرب الباب خلفه ولم
نسمع سوى لعنه لهذا اليوم ليأتي دور الابن الأوسط ( أشرف )
الذي هز رأسه بيأس وابتسامة لا مبالي ثم خرج يتبع شقيقه
وكما وصفه لي تماما يسجن نفسه في عالمه الخاص والباقي
فليفنوا وليصنعوا ما شاءوا وبقيت في مواجهة الابن الأكبر صاحب
النظرة الجليدية ولم يخطئ والده حين قال لي أن عمله صنع منه
مجرما وليس محققا , لم تكن نظراته تصيبني ولم ينظر جهتي قط
بل كانت كلها لوالده , ابتسم ابتسامة جانبية ثم نطق
" هذا عوض أن تزوج أبناءك تتزوج أنت وبمن ..... "
ابتسم بسخرية وتابع " بطفلة تصغر ابنك الأصغر بكثير "
نطق حينها الواقف أمامي قائلا بصرامة " احترمني يا فراس
وتذكر أني والدك أم أنساك سلك التحقيق هذا "
نقل حينها نظره ناحيتي لينظر لي نظرة استصغار فرفعت رأسي
ونظرت له بثبات فأنا أكره أن ينظر لي أحدهم بدونية , لست
ضعيفة لأخاف أن أواجه كهذا الموقف لأن هذا الرجل الذي رباني
هوا من علمني كيف أواجه ضعفي فكانت آخر كلماته لي قبل
قدومنا هنا " رُدين يا صغيرتي المرأة تملك قوة لا يملكها أعتا
الرجال ما لم تحب فإن تحركت عاطفتها تحولت لأضعف
كائنات الأرض فلا تحزني إن شعرتِ يوما بالضعف
فتلك أجمل ما خص بها الله جنس حواء "
فلم يعلمني هذا الرجل العظيم كيف أكون قوية فقط بل علمني
كيف أواجه تقلبات شخصيتي كي لا أضيع بين أعاصير
مشاعري يوما واستنكر ما قد أصبح عليه
بقينا ثلاثتنا فقط ونظرت لي صاحبة العينان المتبقية زوجته
( سعاد ) ومدت يداها لي فركضت نحوها وحضنتها
بحب وقلت بابتسامة " مرحبا بضرتي "
ضحكت قائلة " أنا من تقول لك هذا وليس أنتي "
تخلل حديثنا ضحكته الهادئة وهو يقول
" لو كانت ضرتك حقا ما حضنتها هكذا "
ابتعدت عني تنظر لوجهي بابتسامة وقالت
" لو فعلها قتلته وقتلت العروس "
نظرت بعدها لزوجها وعقدت حاجبيها وقالت
" أرى أن المشكلة ستكون أكبر مما توقعنا "
اقترب منا وضمنا بذراعيه لحضنه قائلا " سيعتادون الأمر
ومخططي لن أتراجع عنه حتى تقرر رُدين من ستختار منهم " ))
انتهت حينها الصفحة ثم نظرت لخالتي وقلت بحيرة
" غريبة هذه القصة "
قالت بابتسامة " وممتعة أيضا أليس كذلك "
ابتسمت وقلت " نعم لكن لم افهم كيف هي زوجته وليست زوجته "
قالت بابتسامة " يبدوا قدمها لأبنائه على أنها زوجته لتعيش
بينهم على طبيعتهم وتختار منهم زوجا لها "
قلت بحيرة " ولما قال أنها زوجته "
قالت " لأن زوجة الوالد لا يحل للابن أن يتزوجها مهما طالت
السنين حتى إن مات والده لذلك هوا أراد أن تعيش معهم
على أنها لا يمكنهم الزواج بها مهما كان "
قلت بابتسامة " تبدوا مشوقة وممتعة "
قالت مبتسمة " إن بقينا نقرأها لن نتوقف حتى تنتهي فسنقرأ في كل
مرة صفحتين كاليوم ولا تنسي انه ورائك دراسة ستعودين إليها "
وضعتها بجانبها وقلت " إذا سأتركها هنا لأني إن أخذتها
لغرفتي فلن اصبر وسأقرأ المزيد منها "
ضحكنا ووقفت أغلقت النور بعدما وضعت لها الماء بجانبها
وصعدت لغرفتي
****************************************************
******************************************
بعدما مدة طويلة من الصدمة حين أنهيت الاتصال معه بكلمة
الموافقة وجلوسي مكاني مصدومة كالدمية لوقت طويل قلت
بهمس " هل وافقت وحقا قلت موافقة !! "
اتصلت على الفور بسوسن فأجابت قائلة " نعم يا أرجوان .... أعطها
له بسرعة أو ضربتك , لا بارك الله في اليوم الذي عرفت فيه والدكم "
ضحكت رغما عني وقلت " لو سمعك زوجك لقطع لك لسانك "
قالت بضيق " ما أكثر ما يسمعها مني وما يزيد غضبي أنه
يحب سماعها ويضحك علي أيضا "
ثم قالت مباشرة " ماذا حدث معك لن تتصلي هذا الوقت إلا لشيء "
تنهدت وقلت " وافقت يا سوسن جننت ووافقت "
ضحكت كثيرا ثم قالت " يبدوا أعجبك كلامي عن ما سيحدث "
قلت بضيق " هل جننتي , ما هذا الذي تقولينه "
قالت من فورها " وما السبب إذا وأنتي التي ازددتِ رفضا "
قلت بغيض " تصوري أخبر الأطفال أني سأذهب للعيش معهم
للأبد إن أنا وافقت , لا واتصل لهم بي ليعرفوا رأيي "
عادت للضحك مجددا فقلت بحدة " سوسن توقفي عن الضحك "
قالت بين ضحكاتها " ولما لم يفعلها منذ البداية ويريح رأسه "
قلت من بين أسناني " هل أصبحت أنا الآن وجعا للرأس يا سوسن "
قالت بعد ضحكة " لم أقصد ولكن بالفعل لما لم يفعلها إلا الآن "
قلت بضيق " لأنه كان يأمرني أمرا طبعا أما الآن وبما أنه وضع
الموافقة في يدي قام بإشهار هذه الورقة الرابحة "
قالت بهدوء " ولما لم تفكري في هذه النقطة ؟ كيف فآتتك "
قلت ببرود " خشيت حقا أن يخبرهم أنه طلب مني العيش معهم ولكني
رفضت ولم يخطر في بالي أن يتعامل معي بهذا الخبث ظننته نزيها "
اكتفت بالضحك فقلت بغيض " ولكنه جنا على نفسه سيرى
إن لم أصبه ووالدته بالجنون "
قالت بهدوء " أرجوان لا تنسي أنه بينكما اتفاق
على أن يخرج من مشاكلكم "
قلت ببرود " لم أنسى "
قالت من فورها " ولا تفكري في نقطة أنك ستمنعينه من
نفسك لأنك ستكونين الخاسرة وبالضعف "
قلت بذات برودي " أعلم "
قالت " ما الذي تخططين له إذا "
قلت مباشرة " أصل هناك ولكل حادث حديث لكن أن يضن أني
لقمة سائغة ويستضعفاني كلاهما ويلعبان بي لن يحلما بها
ولن يعجز دماغ الأنثى عن فعل ما تريد "
تنهدت وقالت " أتمنى أن توفقي حقا يا أرجوان ففكري أن
تكسبيه لا أن تهزميه وكوني حكيمة كما عرفتك دائما "
تنهدت بأسى وقلت " لا تنسيني من دعائك يا سوسن إن
خرجت جثة من هناك بسببهم "
ضحكت وقالت " ولا تنسي أنتي أنني صديقتك واستقبليني في قصركم "
قلت بتذمر " أنا أسبح في وادي وأنتي في وادي آخر "
قالت بهدوء " ماذا خططتما للأمر "
قلت بشبه همس " لا شيء حتى الآن "
تنهدت وقالت " أتمنى لك الخير والسعادة يا صديقتي وأنصحك
أن لا تكرري أخطاء زوجته الأولى ومؤكد فهمتي
من كلامه ما كانت أخطائها "
قلت بحسرة " لما أتزوج بهذه الطريق الغريبة , أنا لا أصدق
أنني سأتزوج وبمن ! وكيف ؟ أشياء كالخيال "
ضحكت وقالت " هذا لأنك لا تفكرين في الزواج فلو كنتي تبحثين
عنه لما وجدته , هذا حامد قد عاد وداعا الآن ووافني بكل جديد "
قلت بهمس " وداعا "
*
*
بعد عودتي فتحت باب غرفتهم ودخلت فقد تركتهم صباحا ينتظرون
جوابها حتى أخذتهم لوالدة نزار وعدنا , نظروا لي في صمت وانتظار
ويبدوا أنهم ينتظرون رؤيتي ليعلموا , قالت بيسان " ماذا قالت "
ضحكت على أشكالهم وقلت " ماذا لو رفضت "
قالت ترف بصدمة " هل رفضت أن تعيش معنا "
قلت " بل وافقت "
صرخوا ثلاثتهم بفرح وأشرت بيدي للمربية لتلحق بي وخرجت
من الغرفة ونزلت لغرفة المكتب وهي تتبعني , دخلت وجلست
على كرسي المكتب ووقفت هي أمامي فقلت
" تعلمين الآن أن وضيفتك انتهت "
نظرت للأرض وقالت " نعم يمكنني المغادرة متى أردت "
قلت من فوري " ستغادرين متى أتت والدتهم الآن لا , وشيء
آخر أنتي تعلمي أنك الوحيدة التي أبقيتها من ثلاثتكم لأن سلوكك
مع الأطفال أعجبني لهذا لدي صديق ضابط مخابرات لديه ابن
ضرير وصغير يعيشان وحدهما ووالدته أي جدة الصغير
يحتاجون لمربية جيدة وأنا رشحتك لذلك فإن كنتي موافقة
باشرتِ العمل لديهم فور مغادرتك من هنا "
قالت بعد صمت " حقيقتاً أنا أحببت أبناءك ولم أعمل مربية لأمثالهم
من قبل وبت أخاف من تجربة أخرى تكون أسوء منهم ولا أنجح فيها "
قلت وأنا أغادر الكرسي " من هذه الناحية اطمئني فأنا أعرف صديقي
ووالدته جيدا ولك الخيار وأبلغيني بقرارك غدا "
ثم خرجت من المكتب وتوجهت لجناح والدتي طرقت الباب ودخلت
على لحظة خروجها من غرفتها فقلت " يبدوا تنوين الخروج "
وضعت حقيبة يدها على الأريكة وقالت وهي تجلس
" ليس مشوارا ضروريا يمكنك الدخول "
دخلت وجلست أمامها وقلت
" أرجوان ستكون هنا خلال أيام وكان عليا إعلامك بالأمر "
قالت ببرود " ولما تعلمني إن كنت لا تأخذ برأيي "
قلت بجدية " أمي أضننا تحدثنا في هذا مطولا وأمور
الزواج لن يتدخل فيها أحد "
قالت بضيق " يعجبك زواج معتصم الشبيه باللعب وزواجك
القريب الجالب للمشاكل والله أعلم ما ستقرر زهور "
قلت بهدوء " معتصم يريد بتول واختارها بمحض إرادته وتعرفين
عناده جيدا إن رفضتِ ثم ما السيئ في بتول هي ربت أخوتها ويد
واحده مع والدتها وطوال سنين دراستها لم نعلم عنها شيئا سيئا فلما
نكرر خطأ زهور في رفضك لمن كانوا أنسب لها ممن تزوجت "
قالت بجدية " أنا لم أقل أن شيئا يعيب بتول لكنها طفلة وهوا
طائش وصعلوك حتى دراسته لم يبدأها إلا الآن ثم تخفون عن
الفتاة أمر مهم كهذا أي لعب تلعبونه وبالنسبة لزهور لم يكن
اختياري لها سيئا هي من تتكتم عن السبب الذي وصل بهما
لذاك أن هرب بعدما ضربها حد الموت وطلقها ولم
يمضي على زواجهما أكثر من شهر "
تنفست بقوة وقلت " رضا طلب زهور وأنا تكلمت معها في
الأمر وأي أحد يخطبها أعلميها وهي ستختار وانتهى هذا
يا أمي , اجعلي لي شئنا ولو مرة واحدة في حياتك "
أشاحت بوجهها وقالت ببرود " لو لم أجعل لك شئنا ما سكت
عن هذا كله لأنك من قرره لكن أفهِم تلك الفتاة جيدا أن
الاستهتار لا تحلم به هنا "
قلت بهدوء ممزوج بالضيق " أفهمتها شيء واحد سأُفهمه لك
أيضا وهوا أني لن أكون عنصرا في مشاكلكم ولن يتكرر خطأ
حياتي مع حسناء في الماضي , مصلحة أولادي أولا وسأكون
مع الرأي الصواب ولن أتدخل في باقي الأمور التافهة الهامشية "
قالت بحدة " هل بات كلامي ورأيي تافه وهامشي "
قلت بضيق " بعض الأمور أصغر من أن تتحول لمشاكل
كبيرة يا أمي , تفاهمي معها وجدا لنفسيكما حلا "
قالت بقسوة " ولما تتزوجها إذا وأنت موقن من أنه
ستكون بيننا مشاكل لها أول وليس لها آخر "
قلت ببرود " تعلمين أسبابي جيدا ولن يفيد تكرار ما قلناه "
قالت بجمود " أنت لا تتعلم من أخطائك أبدا وستكرر ذات الخطأ
الأول حين تركتها تهرب مع رجل غريب بأبنائك وسببت لنا فضيحة "
تنفست بقوة مهدأ نفسي وقلت " حسناء هربت مع زوج والدتها وليس
رجلا غريبا وإلا ما كنت تزوجت بابنته فهي خالتهم ولا أريد
مشاكل في المستقبل أنا في غنا عنها حين تعلم أنهم أبناء شقيقتها
والسبب الآخر والأهم في زواجي بها تعليم الأولاد "
لاذت بالصمت فوقفت وقلت " لا أريدك أن تغضبي مني يا أمي
لكنه قراري النهائي من أجل مصلحة الأولاد فلم أفكر حتى في نفسي
وبات واضحا لك ولها حدودي فيما يخص تناقضكما في الرأي "
ثم خرجت مغادرا من جناحها , أعلم أنه ولا واحدة منهما
مقتنعة بما أقول وستفعل ما في رأسها لكن المهم عندي أن
يرفعا من دماغيهما إدخالي في أي شيء سيحدث بينها
*
*
مر يومان لم يتصل بي عريس الغفلة ولم أره خلالهما , يبدوا غيّر
رأيه أخيرا , آه كم أشتاق للأطفال وأحتاج لهم وأبدوا كما قال أناقد
نفسي , سوسن المضحكة أرسلت لي البارحة أسماء لمراكز عناية
بالبشرة ومحلات متخصصة بملابس العرائس كمن كذب كذبة وصدقها
وتضن أنه بالفعل سيمارس حياته معي كزوجين طبيعيان , هي تهدي
بالتأكيد هذا الرجل لا يريد زوجة هوا يريد مربية ومعلمة ووجدهما
لدي وهذا ما أنا أكيده منه وسعيدة به أيضا , سمعت قرعا لجرس الباب
فلبست حجابي ونزلت , ليس هوا بالتأكيد فهوا كالأشباح يدخل دون
إذن , فتحت الباب فكان أمامي فتاة تبدوا من دولة غير هذه البلاد
وخلفها يقف رجلان , قالت بابتسامة " صباح الخير سيدتي "
نظرت لها بتوجم ... سيدتها !! منذ متى كنت سيدة أحد ؟ قالت عندما
طال صمتي " السيد جابر أرسلني والسائق والحارس لأخذك للسوق "
نظرت لها مطولا بصدمة ثم قلت " قلتي لماذا !! "
قالت بذات ابتسامتها " للتسوق سيدتي , هوا لم يخبرنا بشيء سوا
أنه علينا أخذك لشراء كل ما تريدينه وإيصاله للقصر "
ثم التفتت للخلف وأخذت من الذي خلفها شيئا مربعا ثم نظرت
لي وقالت " هذه إحدى بطاقات السيد سندفع ثمن كل ما تختارينه "
قلت والصدمة لم تفارقني بعد " ما تعني بكل ما سأختاره "
قالت بهدوء " ظننتك والسيد متفاهمان على الأمر , أعني
الملابس الأحذية الحلي وكل شيء تختارينه أنتي "
ما يعني ! هل أنا متشردة وعليه تغيير مظهري ولما لم يخبرني
بهذا, كل شيء يأتي لقوله وليأمرني به وهذا لا , قلت ببرود
" عودوا من حيث أتيتم "
نظرت لي بصدمة وقالت " ولكن سيـ.... "
قلت بضيق " لن أذهب معكم فارحلوا في حال سبيلكم "
قال المخيف الواقف خلفها " لا نستطيع مخالفة الأوامر سيدتي "
قلت بجدية " الأوامر لك أنت وليست لي "
أخرج هاتفه قائلا " انتظري قليلا "
أجرى اتصالا وقال " سيدي الآنسة ترفض الذهاب معنا "
خرج حينها الصوت المزمجر من سماعة الصوت من علوه وقال
هذا المغلوب على أمره " أخبرناها سيدي ولكنها ..... "
قاطعه بصراخه مجددا فقال " حاضر سيدي "
أنهى المكالمة وقال " لا تسببي لنا المشاكل يا آنسة
لأنه عليك الذهاب معنا "
دخلت للمنزل وصعدت لغرفتي وأخذت هاتفي واتصلت به لكنه
فلم يجب هذا المتعجرف المتحجر , وصلت بعدها رسالة ففتحتها
فكانت منه وفيها ( لن ينزل حق من حقوقك كزوجة أليس هذا ما
تريديه فمن ضمن المكانة التي اشترطتها أن تتجهزي كغيرك )
تأففت ورميت بالهاتف بعيدا عني ثم عدت له مصعوقة وقرأت
الرسالة مجددا, ما يعني بلن يسقط حق من حقوقي ! لبست حجابي
وعباءتي ونزلت لهم محاولة تجاهل كل هذه الأفكار , خرجت
وركبت السيارة الفاخرة التي توصل الأطفال للمدرسة وحكوا لي عنها
أخذوني لمركز كبير ومشهور لم أحلم يوما أن أدخله حتى من باب
الفضول وبدأت بالتنقل في المحال وهما خلفي وكأني أعيش فلما
أمريكيا وأمثل دور أحد الأثرياء فيه , مررت بجانب محل لقمصان
النوم ولا شيء غيرها فيه فابتسمت بسخرية وتخطيته متجاهلة له
فلن أحتاجه ولن أدخله لأني سأكون مسخرة له حين يأخذون الثياب
للقصر ويرى من ضمنها هذه التفاهات وطبعا سيضحك علي وفي
وجهي أيضا فلن يفوت كهذه الفرصة, دخلت أحد المحال النسائية
الخاصة بفساتين السهرات وانطلقت إحدى البائعات نحونا
كالصاروخ قائلة " تفضلي سيدتي ما الذي تحتاجينه "
قلت وأنا انظر للمعروضات حولي " أريد ذاك الفستان الأسود وذاك
الأخضر فاختاري لي ما يكون مناسبا لجسدي من ناحية المقاسات "
أخرجتهم لي من فورها مع مجموعة أخرى طبعا تصر عليا
أن أجربها وأنها على الموضة فأخذتهم منها فليس ورائي شيء
الوقت مفتوح أمامي ولا شيء ورائي أفعله والمال ليس من جيبي
قست كل المجموعة آخذ رأيها والفتاة التي أرسلها وأعجبني ثلاث
فساتين اشتريتهم وخرجت أحسب ثمنهم بأصابعي , يا إلهي ثمنهم
يساوي رواتبي لثلاث أشهر , تجولنا كثيرا واشتريت كل ما أعجبني
وليس ما يلزمني فقط , هذا ثمن بسيط لتضحيتي بالعيش في
ذاك الجحيم ومع أولائك الوحوش
وصلنا حينها للطابق المخصص بمحلات الذهب والمجوهرات
فتوجها بي لمحل معين لم أختره أنا , دخلت خلفهم فرحب بنا
صاحب المحل وأخرج علبة كبيرة سلمها للحارس فأخذها منه من
فوره وخرج بها ينتظرني في الخارج فخرجت كالبلهاء لا أفهم شيئا
وقال حينها " إن أنهيت كل شيء سنأخذه للقصر ونعيدك لمنزلك "
قلت ونظري على العلبة " ولما كل شيء باختياري إلا هذا ولم أره حتى "
قال من فوره " هذا على دوق السيد وطلبه "
قلت من فوري " هل لي أن أراه "
قال " معذرة سيدتي لا أستطيع "
تنهدت بضيق وغادرت وهما يتبعاني , دخلت لمحطتي الأخيرة
وهي محل خاص بالأطفال لأشتري هدايا لأبنائي ومن ماله أيضا
يالك من مضحكة يا أرجوان أعجبك هذا الدور في مركز التسوق
ونسيتِ ما ينتظرك ثمنا لكل هذا , اشتريت هدايا لسوسن وأبنائها
أيضا ثم خرجنا وقلت " هذه سآخذها معي للمنزل "
قال الحارس " الأوامر أن نأخذ ما تطلبين أخذه فقط "
قلت بعد تفكير " حسنا سآخذ بعض الأغراض ممن اشتريته "
أوصلوني للمنزل أنزلت الهدايا وأحد الأثواب مع ملحقاته لألبسه
عند ذهابي هناك فقد يكون لديهم أحد فأنا لا أعلم عن ترتيبه للأمر
هناك رغم أنه لم يتحدث عن حفل ولا يفكر فيه وهذا أفضل فأنا لا
أريد أن تحرجني والدته أمام طبقتهم المترفعة
دخلت المنزل وكل مفاصلي تؤلمني من اللف والتنقل بين المحلات
من يرى مبنى المركز من الخارج لا يتخيل انه هكذا من الداخل
رميت بحقيبتي على الأريكة وتوجهت للمطبخ لأعد شيئا خفيفا آكله
فلم آكل في المطعم الموجود هناك طبعا لأنهما لابد وسينقلان له
كل ما فعلت وسيعتقد أني أهذر ماله عمدا , ههههه غبية وما سيقول
عن كل تلك الأشياء التي اشتريتها , لا وهدية لصديقتك وطفليها
ولكن الذنب عليه لما يجعل حسابه مفتوحا لي
تناولت طعامي ونظفت المطبخ ثم خرجت وتوجهت لحقيبتي
أخرجت هاتفي ووجدت رسالة منه , لابد سيشتمني على إهداري
لماله , فتحت الرسالة فكان فيها ( غدا صباحا سآتي لأخذك للمحكمة )
نظرت للحروف بصدمة أقرأها مجددا , كيف علم أنه لا ولي لي
وزواجي لا يتم إلا عن طريق المحكمة !!! يبدوا يعلم عني أكثر من
نفسي, صرخت بعدها وقلت " ماذا !! في الغد "
*
*
فتحت الكتاب ومررت صفحاته حتى وصلت لآخر شيء وقفت عنده
( القصاصة السادسة ــ حلم من الماضي البعيد )
قلبت الورقة وقرأت (( ورقة مطوية قلم حبر طرفه مكسور وجريدة
أخرى , فنجان قهوة وأغنية بموسيقى حزينة وطفلة صغيرة بفستانها
الحريري الطويل ترقص بالمقربة من تلك الطاولة على أنغام تلك
الموسيقى , حافية القدمين شقراء الشعر وزرقاء العينين وثلجية
البشرة , في أحد أصابعها خاتم ماسي تلف حول نفسها مبتسمة
رغم الحزن في كلمات تلك الأغنية ورغم سواد قهوة الفنجان
تلف وتضحك وتتطاير تلك الخصلات الذهبية وتنظر بحدقتيها
الزرقاء للواقف هناك عند الجدار , صاحب الابتسامة الميتة
والنظرة الحزينة والقلب المشتاق , ينظر بشغف لطيف الراقصة
أمامه يتمنى لو فقط يسير نحوها ويحملها من خصرها بذراعيه
ويلف بها وهوا رافعا لها للأعلى تماما كما كانا في ذاك الزمن
البعيد, لازالت تلف بجسدها وتركز نظراتها على عينيه وكأنها تخبره
أنها المستحيل أنها الغربة في الليل الطويل المظلم , لو فقط يصل
ولو لتلك الورقة وذاك القلم ليكتب فيها قصيدة أو أغنية أو حتى
رثاء يرثي به حاله , لو يستطيع أن يصل حتى لفنجان القهوة
ليسكبه على فستانها الأبيض الحريري لتبكي وتركض إليه وتخبره
أن ثمة من سيعاقبها على اتساخ فستانها وتطلب منه أن يخبأها
فلا يجد مكانا سوى حضنه يخفيها فيه , تماما كما كان في ذاك
الزمان البعيد , ولكنه لا لن يستطيع لأن كل شيء هناك من بعثرات
خياله وذكريات ماضيه ولا شيء حقيقي هنا سوى تلك الجريدة
التي لا يريد أن يقترب منها لأنها ستخبره أن حبيبته لم تعد كما
كانت , لم تعد الطفلة الشقراء ذات الفستان الحريري الطويل
ولم يعد هوا في نظرها فارسها الوحيد , لذلك هوا لن يفعل
شيء سوى أن يُميل رأسه جانبا ونظره لازال على عينيها
ويبتسم لها الابتسامة الوحيدة اليتيمة لعلها تصل إلى قلبها يوما
وتخبرها أنها هي عشقه الوحيد كانت ولازالت وستضل للأبد ))
أغلقت الكتاب ومرت أطياف تلك الذكرى السوداء أمامي
وذاك الرجل يصرخ بي ويزمجر بغضب وهوا يدوسني بقدميه
" لن تخدعوني يا ابنة الحسب والنسب لن تضحكوا عليا لأخفي
عاركم وأتستر عليك , لن أخاف شقيقك ومركزه وستدفعين ثمن
خداعكم لي وثمن عبثك من وراء عائلتك أو بعلمهم لا يعنيني ذلك "
رميت بالكتاب بعيدا عني ولا أعلم لما أقرأه وهوا سبب رجوع
تلك الذكريات السوداء لرأسي دائما , لماذا أكاذيبك يا رضا وحدها
من تعود بي لذكرياتي المُرة التي لم أنساها مع ذاك الرجل
ضممت ساقاي بذراعاي جالسة على السرير وخبأت وجهي فيهما
وعادت بي الذكرى من جديد ولكن لشخص آخر وزمن بعيد
(( رفعت رأسي ونظرت له وقلت بابتسامة طفولية
" هيا نخرج يا رضا "
نزل عندي وفتح لي مشابك شعري كعادته ومشطه بأصابعه
موزعا له على أكتافي ليبيح لي أول الممنوعات عني وهي ترك
شعري مفتوحا في غير وقت النوم وسار بي على أطراف الحديقة
حتى أخرجني من القصر لألعب مع الأطفال وهوا يقف بعيدا
يراقبني كي لا يضربني أحد أو يطردني من لعبتهم وأنا ألوح له
بيدي كل حين فيبتسم لي ويرفع لي كفه دون تلويح ))
رفعت رأسي ووقفت مغادرة السرير أريد أن أنسى كل شيء
ولا شيء يساعدني على النسيان لا شيء أبدا
خرجت لجناحي وسمعت طرقات خفيفة ومتقطعة على
باب الجناح فتوجهت نحوه وفتحته فنظرتْ لي الواقفة
خارجه بابتسامة وقالت " هل أدخل معك "
ابتسمت وقلت " تعالي ادخلي يا بيسان "
دخلتْ وأغلقتُ الباب خلفها قائلة " لما أتيتِ إلي "
توجهت من فورها لحوض الأسماك في غرفتي وبدأت
تراقبهم بسعادة وقالت " ما أجملها هل هي حقيقية "
اقتربت منها وقلت " نعم هي حقيقية وحية "
نظرت لي وقالت " هل نستطيع إمساكها "
ابتسمت وقلت " لا فإن أخرجناها من الماء فستموت "
قالت بحزن ونظرها على الأسماك
" مسكينة كم ستشرب من الماء ستنفجر معدتها "
غلبتني ضحكتي التي لم اسمعها منذ وقت طويل حتى أني نسيت
كيف تكون , اقتربت منها ومسحت بيدي على شعرها وقلت
" لم تجيبيني يا بيسان لما أتيتِ إلي "
نظرت لي للأعلى وقالت بابتسامة " هربت من المربية لأزورك "
نزلت لعندها وقلت " ولما تهربين منها "
قالت بعبوس " جدتي لا تريد أن نخرج من ممر
غرفنا , وغرفتك بعيدة عني "
ابتسمت لها وتوجهت لغرفتي وأنا أقول " تعالي اتبعيني يا بيسان "
دخلت الغرفة وهي تسير خلفي ثم أجلستها على السرير وفتحت
خزانتي وأخرجت صورة وجلست بجانبها وأريتها لها فأمسكتها
وقالت بدهشة " صورتي !! "
قلت بابتسامة " بل صورتي أنا حين كنت في عمرك الآن "
نظرت لي بصدمة وقالت " هذه أنتي !! "
هززت رأسي لها بنعم فقالت بابتسامة " مثلي أنا أليس كذلك "
قلت وأنا ألعب بجديلتها بين أصابعي " نعم أنتي مثلي "
ضحكت وقالت " كما قال ذاك صديق بابا الذي اسمه رضا "
ماتت ابتسامتي خلف صدمتي وقلت " ماذا قال لك ؟؟ "
قالت " قال تشبهينها في كل شيء وحين سألته من تكون
قال حبيبتي وكلمات لا أفهمها "
ابتسمت بحزن وأبعدت نظري عنها فقالت
" ماما ستأتي للعيش معنا وجئت لأخبرك "
نظرت لها باستغراب وقلت " من ماما هذه فوالدتكم ميتة "
قالت بابتسامة " التي كانت شقيقتنا ثم وجدنا
بابا وظهرت أنها ليست شقيقتنا "
قلت بحيرة " ولما ستأتي هنا "
رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم بابا يقول سيتزوجها
المهم أنها ستبقى معنا للأبد "
كما قال جابر إذا أخرج أمي من مواضيع الزواج في العائلة
قلت بابتسامة " هل تحبينها كثيرا "
فتحت ذراعيها على وسعهما وقالت " أجل هكذا "
ابتسمت وقلت " وهل تحبينني أنا "
هزت رأسها بنعم ثم قالت " هل حقا حين أكبر سأكون
كونتيسة جميلة مثلك "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " كونتيسة !! "
هزت رأسها وقالت " نعم مثل بابا إمبراطور وماما إمبراطورا "
ثم عدت بأصابعها وقالت " ودوق أمجد ولورد معتصم والأميرة ترف "
ثم أشارت لنفسها وقالت " والأميرة بيسان "
فتحت لها مشابك شعرها وأحضرت المشط ومشطت لها شعرها
ثم توجهت للخزانة أخرجت الصندوق الكبير في داخلها فتحته
وأخرجت منه أحد فساتيني حين كنت في سنها وألبسته لها فلفت
به حول نفسها وقالت بفرح " كم هوا جميل مثل فستانك تماما "
أمسكتها من يدها وحملت الحقيبة التي في أعلى الخزانة وقلت
" تعالي معي يا بيسان سنفعل شيئا ستحبينه "
أطاعتني من فورها وخرجت بها من الغرفة , وها هي هذه الطفلة
تخرجني من غرفتي وعزلتي للمرة الثانية , نزلت بها للطابق
الأول وتوجهت للغرفة التي لم أزرها منذ سنين , فتحت الباب
ودخلت وهي معي يدها في يدي , ما تزال الغرفة كما هي لم
تتغير أبدا , وضعت الحقيبة على الطاولة ثم فتحت السحّاب
وأخرجت منها آلة التصوير وتبثها على الطاولة ثم توجهت للبيانو
الذي لم المسه من وقت طويل , فتحت الغطاء وجلست أمامه
ونظرت لها وقلت " اقتربي يا بيسان وافعلي ما سأقول لك "
*
*
عند الصباح استيقظت على صوت رنين الهاتف فأخرجت يدي
من تحت اللحاف وأدخلت الهاتف معي تحته ونظرت لأسم المتصل
بعين واحدة مفتوحة ثم أجبت قائلة " سوسن ما بك مزعجة هكذا
قلت لك سأستيقظ بنفسي , مادمتِ متحمسة جدا تزوجيه أنتي إذا "
وصلني صوت رجولي ثقيل قائلا بضيق
" نعم وزعيني على صديقاتك أيضا "
جلست مفزوعة ونظرت للرقم بتركيز ثم أعدت الهاتف
لأذني وقلت " من أين تحصلت على هاتف صديقتي "
قال بسخرية " افتحي عينيك جيدا يا آنسة وانظري للاسم "
نظرت له فكان سوسن لكن الرقم ليس لها هذا رقم مميز فهوا
رقمه بكل تأكيد من أين لتلك المعدومة بهذا الرقم , لقد فعلتها
بي تلك المخادعة إذا حين زرتها البارحة وأخذت الهدايا لها
الوقحة سترى ما سأفعل لها, أعدت الهاتف لأذني وقلت " نعم "
قال ببرود " أنا في الأسفل بسرعة لا تعطليني ورائي
مشاغل كثيرة "
شددت على أسناني بغيض أكتم كلماتي كي لا أنفجر فيه
هذا المتعجرف المغرور لكن علاجك عندي يا عدو النساء
غادرت السرير ودخلت الحمام سريعا وخرجت , غيرت ملابسي
ولبست عباءتي وحجابي ونزلت له , سيد المنزل والآمر الناهي
فيه وجدته جالس على الأريكة لا ويشرب القهوة , وبكل وقاحة
يعد القهوة في منزلي أيضا , لم أقابل في حياتي أوقح منه
وقفت عنده وقلت ببرود " صباح الخير "
قال ونظره على الفنجال في يده " الآن صباح الخير "
تنهدت وقلت " جابر اترك عني وعنك لعب الأطفال "
نظر لي بابتسامة جانبية فقد فهم مقصدي جيدا , وضع
الفنجال على الطاولة أمامه ثم وقف قائلا " لا تعامليني بمبدأ
ما قُلتَه لي سابقا أعيده لك الآن لأن اللعبة لن تعجبك "
قلت وأنا أسير خلفه خارجا من الباب " قد تعجبنا ونتسلى بها "
قال وهوا يفتح الباب " إذا لا تنسي أوراقك جميعها كي لا
نعود مجددا لأخذها يا .... آنسة أرجوان "
وقد ضغط على الكلمتين الأخيرتين ليذكرني أني منذ قليل
قلت له جابر فقط ولأتذكر ما قلته سابقا حين ناداني باسمي دون
رسميات , من صدمتي لم استطع الرد عليه , من أين جاء لي
حظي التعيس بهذا الداهية ؟ سيأتيك اليوم يا أرجوان الذي
ستقولين فيه وبحرقة جملة سوسن الشهيرة
( لا بارك الله في اليوم الذي عرفت فيه والدكم )
ويبدوا قريبا جدا , خرجت خلفه وصعدت السيارة وانطلقنا في
صمت حتى قال ونظره على الطريق " سنتم كل شيء
وآخذك للقصر أم لك رأي آخر "
نعم فكل الرأي لي ولا تتحرك دون أخذ رأيي , قلت بهدوء
" أريد العودة لمنزلي أولا لدي بعض الأغراض
أريد تجهيزها لآخذها معي "
قال ونظره لم يفارق الطريق " إذا سأتصل لك بالسائق لتعودي
معه أنا مشغول اليوم سأترك لك السائق يأخذك للقصر متى تريدين "
لم اعلق بشيء ولن أقول أنت ستكون زوجي وأنت من عليه
أخذي لأني في هذا الزواج اعلم أنه لا يعتبرني زوجة وأنا
أكثر منه لا أعتبره زوجا ومستغنية عن خدماته, وصلنا
المحكمة وأتممنا الزواج وأنا انظر للعقد بحسرة حين كنت
أوقع عليه والقاضي يسألني إن كنت موافقة , آخر ما تخيلته
أن أتزوج , وبمن !! بوالد أشقائي , كم في الحياة من عجائب
وهذا الصخرة أعجوبة لوحده
خرجنا بعدها من مبنى المحكمة وكان السائق في الخارج فتح لي
باب السيارة وتوجهت من فوري لها وركبتها دون أن أتحدث معه
أو أسمع منه كلمة , ركب السائق وعاد بي جهة منزلي وأنا متكئة
على النافذة أنظر للسيارات بشرود طوال الطريق , صحيح أني لم
أكن أفكر في الزواج من اجل الأطفال ولكني كأي فتاة كنت أتمنى
إن تزوجت أتزوج رجلا حنونا عطوفا يحبني ليس كهذا الصخرة
وليس يوم كهذا اليوم , حتى بعد أن صرت زوجته لا كلمة جميلة
منه لا همس لا أمسك يدي وأخرجني معه ولا حتى كلمة مبارك
لنا أيتها التعيسة أرجوان , تنهدت بأسى ورفعت رأسي
وقلت موجهة حديثي للسائق " أوقف هذه الأغنية "
امتثل لأمري فورا فلم يزدني بؤسا سوى سماعي لهذا
اللحن وهذه الكلمات الرومانسية الحالمة
أوصلني للمنزل وقال بأنه سيبقى في الخارج حتى يغادر بي
ولو بقي النهار بطوله لأن الأوامر هكذا , طلبت منه أن يترك
لي رقم هاتفه ويغادر لكنه رفض فدخلت للمنزل وتركته , هوا
اختار هذا فليتحمل إذا , غطيت أثاث المنزل دون أن أحرك شيء
منه من مكانه فمن يعلم قد أعود له قريبا , صعدت بعدها لغرفتي
استحممت ولبست الفستان الذي تركته هنا ولم أضع شيئا على
وجهي وتركته على طبيعته ومر الوقت من تنظيف وتغطية
أثاث وتجهيز لنفسي حتى بعد الظهيرة وذاك السائق لازال في
الخارج , رحمت حاله وأعددت وجبة سريعة لي وله وأخرجت
له الطعام للسيارة فقبله من فوره , عدت للمنزل نظفت الأواني
التي أكلت فيها ثم أغلقت جميع الغرف والمطبخ والحمامين
وأخرجت هدايا الأولاد ووضعتها في السيارة وقلت للسائق
" سأسلم على جاراتي القريبات مني وآتي إليك "
قال من فوره " كما تريدين سيدتي ويمكنني أخذك بالسيارة "
قلت بابتسامة " شكرا منازلهم هنا قريبة , لي صديقة
تبعد عن هنا بشارعين ستأخذني لها قليلا "
هز رأسه بحسنا فشكرته وأغلقت باب السيارة وسلمت على
جاراتي المقربات وكل واحدة منهن صُدمت لخبر زواجي وحين
سألنني عن العريس وعرفنه من يكون قالوا أنه فُتحت أبواب
السماء لدعواتي ويالهم من واهمين , كل واحدة منهن كان
في ملامحها معرفتهم بأمر تردده على منزلي والجميع
خائف من السؤال لأنهم بالطبع سيخافون منه , عدت
للسيارة ركبتها وأخذني لمنزل سوسن , نزلت وقرعت
الجرس ففتحت هي الباب لي فنظرت لها بضيق وقلت
" لم أكن أريد زيارتك على الموقف السيئ الذي وضعتني
فيه صباحا لكني أفضل منك وجئت لأودعك مؤقتا "
ضحكت وقالت " ولما مؤقتا وليس أبدا "
قلت ببرود " لأني أجزم بأنني عائدة لك عما قريب "
ضحكت وقالت " هيا أدخلي "
قلت من فوري " عليا أن أرحم المسكين ينتظرني منذ الصباح "
نظرت لي بصدمة فقلت بضيق " سوسن السائق أعني فلا
تعكري لي مزاجي فوق تعكيره "
حضنتني وقالت بدموع " سأشتاق لك يا أرجوان "
قلت بحزن " سأزورك دائما فأنا لن أسافر يا غبية "
ضحكنا معا ثم غادرت من عندها ووصلنا القصر بعد نصف
ساعة من السير بالسيارة , دخلت للداخل واستقبلتني خادمتان
وصعدتا بي للأعلى فقلت ونحن نصعد السلالم " خذاني لغرفة الأطفال "
أخذاني لممر غرفهم فورا , طرقت باب غرفة ترف و بيسان وفتحته
ودخلت فكانت المربية معهم وما أن رأتاني حتى قفزتا ركضا ناحيتي
ونزلت لهما واحتضنتهما بشدة , هذا أجمل ما في الأمر كله هؤلاء
الأطفال الذين أصبحت زوجة والدهم الآن ولم أعد فتاة غريبة عنهم
قالت ترف وهي تحضنني بقوة " أحبك ماما وأخيرا ستبقي معنا "
قلت بحنان ماسحة على شعرها " نعم صغيرتي ولن أترككم أبدا "
وقفت المربية وقالت " أنا سأغادر الآن فوظيفتي انتهت هنا
أتمنى لك السعادة سيدتي , أبناءك من ألطف وأفضل من
قابلت ونعم التربية حقا , وسررت بمعرفتك "
وقفت وصافحتها وقلت " شكرا لك يا آنسة أنتي مؤدبة
جدا أتمنى لك التوفيق "
اكتفت بالابتسام لي وغادرت الغرفة من فورها
نظرت بعدها من حولي وقلت " أين أمجد "
قالت بيسان " أخذه عمي معتصم معه "
قلت " أين السجادة لم أصلي العصر والمغرب يقترب شيئا فشيئا "
ركضت ترف وأحضرتها لي على الفور فأخذتها منها وقبلت
خدها وقلت " هل تصلون كما أوصيتكم "
قالت بيسان " نعم ماما نحن والمربية وأحيانا بابا "
ابتسمت وقلت " هذا جيد حبيبتاي "
قالت ترف "سأصلي معك "
قلت مستغربة " ألم تصلوا بعد ! "
قالت من فورها " بلى لكني أريد أن أصلي معك "
ضحكت وقلت وأنا ألعب بغرتها بين أصابعي
" لا يجوز حبيبتي الصلاة مرة واحدة فقط سيغضب الله منك "
قالت بحزن " حقا سيغضب مني "
قالت بهدوء " نعم حبيبتي وسنصلي المغرب معا لا تقلقي "
ابتسمت بسعادة فوقفت وطرحت السجادة وصليت ثم نزعت
عباءتي , كنت أرتدي فستانا من الفساتين التي اشتريتها كان
طويلا باللون الأحمر الغامق له أكمام قصيرة جدا وفتحة عند
الصدر مربعة الشكل , لو كنت اعلم انه لن يستقبلني غير
الخادمات ما كنت لبسته , قالت بيسان " ماما فستانك جميل "
قلت بابتسامة " وفستانك أيضا "
قالت وهي تلف به " عمتي زهور ألبستني إياه البارحة
ولم أترك المربية تنزعه مني ونمت به "
قلت بحيرة " عمتك زهور ألبسته لك !! "
هزت رأسها بنعم وقالت " هي جميلة ولطيفة ولديها
حوض أسماك في غرفتها "
نظرت لها ترف وقالت وهي تمرر يدها على عنقها
" لو رأتك جدتي تذهبين هناك لذبحتك "
قلت بصدمة " ولما لا تذهب هناك ! "
قالت ترف " جدتي تقول لا تغادروا ممر غرفكم
وتركضوا في ممرات القصر "
يا إلهي ما كل هذا الجبروت والجنون , هذه ليست سوى
المعلومة الأولى ولكني لن أسمح بهذا أبدا , جمعت شعري ولففته
وأمسكته بمشبك أخرجته من حقيبة يدي وأمضيت بعض الوقت معهما
حتى أذن المغرب وصلينا , لا أعرف أين أخذوا ثيابي لأغير هذا
الفستان ولا أستطيع سؤال احد لأني لا أعلم حتى كيف أتحرك هنا
بعد ساعتين طرق أحدهم باب الغرفة ودخل فكان امجد الذي ركض
مسرعا نحوي واحتضنني وقال " ماما لما لم تقولي أنك ستأتي اليوم "
جميل ولم يخبرهم أني سآتي , يقول فقط مع يهمه ويخدم مصلحته
قلت بابتسامة " حدث الأمر سريعا بني "
ثم أبعدته عن حضني وقلت " أين كنت رائحتك هكذا !! "
قال بابتسامة " أخذني عمي معتصم للخيول إنها كثيرة
وجميلة وأركبني إحداها أيضا "
قالت ترف ويدها وسطها " ولما لم يأخذني أنا "
نظر لها وقال ببرود " أنتي فتاة لا يأخذك "
مدت شفتيها وقالت " أريد الذهاب "
قلت " هيا بني عليك أن تستحم بسرعة "
قال من فوره " حاااضر "
وغادر الغرفة متوجها لغرفته استحم وعاد لينظم إلينا
بعد وقت طرق أحدهم الباب ودخلت خادمتان بالطعام
وكانتا غير اللتان أوصلتاني إلى هنا , وضعاه على الطاولة
وقالت إحداهما " السيد اتصل وأمر بإحضاره لكم هنا الليلة "
قلت بابتسامة " شكرا لكما "
ثم قلت مباشرة " أين ملابسي وغرفتي هنا "
نظرتا لبعضهما باستغراب فيبدوا سألت سؤالا سخيفا أو لا يعلمان
أني تزوجت بجابر وسأعيش هنا , هل سأقيم مع الفتاتين هنا في
غرفتهما ؟ حسنا ملابسي على الأقل , قلت بهدوء
" يمكنكما المغادرة "
غادرتا في الفور , تناولنا العشاء سويا وعادتا بعد نصف ساعة
وأخذتا الأطباق وقالت إحداهما مشيرة للهاتف في الغرفة
" إن احتجت أي شيء سيدتي الهاتف موصول بالمطبخ وغرفة
الخدم والسائق أيضا , في الأزرار الثلاث الأولى "
قلت بابتسامة " شكرا لك "
وغادرتا مجددا صلينا العشاء وجلست على الأرض أدرس بيسان
قليلا وترف تنام على ظهري ولم أنهاها كما في السابق فانا اشتقت
حتى لمشاكستها لي وأنا أدرس أخويها , وامجد كان يمسك كتابه
ينتظر أن ننتهي لأرى دروسه , فتح حينها أحدهم الباب ونظرنا له
جميعنا فكان جابر , سويت جلستي وأبعدت ترف عني وأجلستها
في حجري فقال بهدوء ممزوج بالجدية " مساء الخير "
قلت بشبه همس " مساء النور "
ركضت ترف ناحيته فرفعها من ذراعيها وقبل خدها
وهمس لها شيئا فقالت " حاضر بابا "
ثم انزلها فقالت مشيرة بإصبعها لي " ماما جاءت وأنت غير موجود "
كتمت ابتسامتي بأصابع يدي ولا أعلم من أين له هذا التحكم في
نفسه ولم يضحك مما قالت , نظر جهة امجد وقال
" لغرفتك يا أمجد ألا ترى أنها العاشرة "
وقف امجد وقال " كنت انتظر أن تدرسني بعد بيسان "
قال من فوره " تدرسك غدا الوقت أمامكم بطوله , هذا وقت
النوم هيا بسرعة كلن في سريره "
توجه أمجد نحوي وقبّل خدي وقال " تصبحين على خير ماما "
ثم خرج مارا بوالده وقال له نفس الشيء وغادر الغرفة لغرفته
وتوجهت الفتاتان من فورهما لأسرتهم وبقيت المربية أرجوان
جالسة على الأرض , نظر لهما ثم أطفأ النور وقال مغادرا
" اتبعيني لجناحنا يا أرجوان "
نهاية الفصل
الفائزة بجائزة الفصل هي حبيبتنا ليل شتاء لأنها أول من توقع عريس وسن
وجائزتك مثل السابقين أي حدث تختاري أكشفه لك من الفصل القادم
ومبرووووك يا عسل وتستاهلي