كاتب الموضوع :
عبير قائد
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: رواية .. ترنيمة عذاب سلسلة أسياد الغرام لعبير قائد .. مكتمله
أخفى أوس ضحكته ومضى ينظر للسقف بينما والده يهتف بحنق:
-يستأهل, وأنا سأعلقه معك..
-توقفا أنتما الاثنان.. كيف تقولا هذا الكلام عن جساس..
هتفت توبا باندهاش ثم أضافت بغضب:
-هو لم يخطف خطيفة .. انها زوجته وكل ما يفعله من حقه.
-ليس من حقه أن يفعل وقد دعونا نصف المدينة.
هتف نضال بغلظة لترفع اصبعها محذرة:
-أنت بالذات حبيبي.. لا تفتي في هذا الموضوع.
احتقن وجه نضال وأطبق شفتيه بعنف لتضحك فاطمة عالياً ثم تهتف:
-توقفوا جميعاً..
التفت الانظار اليها بانتباه ترتسم على وجهها نظرات حالمة وهي تعانق ذراع حسن زوجها وتسند رأسها على كتفه قائلة:
-اتركوهما لبعض الوقت.. انهما بحاجة للانفراد لوقت طويل, يكفي ماعانياه معاً, ألاتظنون؟
تبادل الجميع النظرات وصمتوا لبرهة قبل أن يقطع أوس الصمت وينهض جاذباً ترنيم خلفه:
-في هذه الحالة لا فائدة من بقائنا هنا, فليعد كلٌ الى بيته, أنا وترنيم لدينا رحلة في مساء الغد, سنودعكم الآن جميعاً.
ابتسمت ترنيم بشغف وهي تودع عائلته وتعانق سلمى وسارة وبالأخص العمة فاطمة التي همست في أذنها:
-اعتني بنفسك جيداً ولا توافقيه على أفكاره الجنونية على الدوام.
ابتسمت بخجل واومأت للمرأة التي ربت زوجها وتعتبره ابنها الذي لم تلده, كانت تعرف أنه قد أخبرها بأمر حملها, وكيف لا.. كان يحاول نشر بهجته حيثما كان كي لا يصاب بالتخمة وينفجر على حد قوله, ولكنها تتفهم قوله لفاطمة بالذات, هي نفسها تعتبرها كأم.
-لا تخافي ماما فاطمة سأكون حذرة.
ابتسمت لها فاطمة وقبلت وجنتيها وأوصتها بزوجها ونفسها مجدداً ثم التفتت لأوس الذي عانقها بقوة وهو يرجوها بخفوت ألا ترهق نفسها وأن تتبع تعاليم الأطباء وتواظب على علاجها..
بعد أيام..
مصر.. المنصورة ..
استقبله البواب كالعادة بكل بشر وترحيب, وسبقه في الصعود الى الشقة العليا, لاحظ في طريقه أن المشغل مقفل..
تنهد واستمر بطريقه الى حيث فتح الباب واستقبلته النظرات الذاهلة..
-مرحباً شيماء, أين هي أمي؟
قال جساس بتوتر لتتلعثم الشيماء وهي تخبره أن والدته في غرفتها.. وقبل أن يتحرك كلمته:
-جساس هل أنت بخير؟
التفت اليها وعقد حاجبيه يفكر بالسؤال ثم ابتسم بتوتر:
-أنا لم أكن بحالة أفضل بحياتي.
ابتلعت شيماء ريقها وهمست بنبرة باكية:
-خالتي ليست بخير.
عبس للحظة ثم اندفع لغرفة والدته دون أن يكلف نفسه عناء الطرق على بابها, كانت ترقد على فراشها وعينيها في عالم أخر..
_أمي؟!!
انتفضت نرجس بقوة واستدارت اليه.. عينيها تتسعان بقوة تكاد تحتل وجهها.. لم يصدق أن هذا الشبح الذي لم يره لمدة قصيرة فقط.. تكون أمه؟!! لقد فقدت نصف وزنها تقريباً..
وجهها شاحب هزيل.. عينيها تلمعان بدموع حبيسة..
-جساااس؟!!
تمتمت غير مصدقة ليسرع ويرتمي بين ذراعيها, احتواها بقوة وقبل رأسها بعمق ثم همس بألم صادق:
سامحيني أمي.. لم أستطع المجيء قبل الأن..
-أنت بخير؟!
همست بذهول وهي تتحسس وجهه ليومئ فتبكي بارتياح وهي تعانقه تحمدالله بلا توقف..
-سامحني بني.. أرجوك ان تسامحني..
اغلق عينيه بقوة.. يسامح؟؟
ربما لا يستطيع أن يغفر كلياً ماعرف مؤخراً أنها فعلته.. ولكنه لا يقدر على لااستمرار بالغضب والألم.. لم يخبره والده أو سيف مافعلته أمه.. ولا حتى صوان, كان الشيخ الذي يقرأ عليه هو من أخبره .. الشيخ الذي حذره من تناول طعام أو شراب لا يعرف مصدرهما.. الشيخ الذي طلب منه قراءة سورة البقرة يومياً ليقيه من السحر وعمائله.. حينها أدرك..
لم يكرهها أبداً.. لقد شعر بالغضب وليس أي شيء أخر.. انه غاضب.. حانق..
ولكنها أمه.. أمه الحبيبة فكيف يكرهها أو يعاملها بسوء. تنهد بقوة وابعدها عنه للحظة هاتفاً:
-أنا بخير يا حبيبة القلب, أنا في رحلة شهر العسل مع زوجتي.
تجهم وجهها ولم ترد فابتسم:
-أعرف أنك لا تحبين صوان, وربما هي كذلك.. ولكنك امي.. وهي زوجتي.. لن أسمح لأحداكما أن تؤذي الأخرى أتفهمين أماه؟!
-افعل مايحلو لك بني.. لقد انتهت ايامي.. ومن الأفضل أن أبقى بعيدة. هكذا تعيشان براحة بعيداً عني.
ابتسم لمحاولتها المثيرة للشفقة:
-أنت أمي.. وأنت مسؤولة مني الأن, سأحاول ان أرضيك حبيبتي, ولكنني ابداً لن أؤذيك.. أو أسمح لأحد ان يفعل. ثقي بي.
نظرت له بأسى ثم سألته:
-هل جاءت معك؟
اومأ ثم قال:
-سنغادر الى اسطنبول بعد أربع ساعات, انها تنتظرني في فندق هل تودين زيارتها؟
عبست فضحك بجفاء ونهض قائلاً بحزم:
-لقد أردت رؤيتك أمي, للاطمئنان ولتعرفي أننا حولك مهما حصل, لذا..
-ألن تبقى بعد؟
هتفت بلهفة ليبتسم ويقترب ليقبل وجنتيها هامساً بحزم:
-أخبرتك أنني في رحلة شهر العسل أمي.. حين نخطط للعودة أعدك أن أعود اليكِ وأن ابقى معكِ بعض الوقت.
ابتلعت ريقها وهمهمت:
-أتعدني؟
-لقد وعدتك بالفعل.
ثم عاد يقبل رأسها ويودعها باقتضاب..
لقد انتهكت امه كل الخطوط الحمراء بما فعلته لتفرق بينه وبين زوجته متناسية ان كل ضرر وعمل سحر لا يتم الا بإذن الله, وربنا كما يبدو لم يأذن بما كانت تخطط له.. لقد حفظه وحفظ له زوجته..
نعمته وجنته التي لن يفرط بها بعد الآن ولن يسمح لأحد أن يقترب منها..
وأمه على رأسه.. ولكن بعيداً كل البعد عن عائلته الصغيرة التي تنتظره بلهفة ..
***
رومـا ..
نافورة تريفي..
كانت تقف عابسة .. عينيها على المياه المتدفقة من بين التماثيل التي تحرس الأمنيات تحت أقواس من الحجارة المنقوشة .. محاولة السيطرة على دقات قلبها, تحتضن مذكراتها وتمعن النظر في الماء المتدفق أمامها, أخذت نفساً عميقاً ونظرت لأوس الواقف الى جوارها وقد ظللت عيناه نظارة سوداء قاتمة تحميه من أشعة الشمس, وتخفي عنها بعض من مشاعره, شبكت أصابعها بأصابعه وتقدمت نحو حافة النافورة, وبمساعدة جسد أوس الطويل كانت تتخطى المرتادين الكثر والسواح للنافورة, وصلت الى الحافة وكعادتها في كل عام, انحنت على السور وبكل هدوء غمست المذكرات في المياه والتي تكفلت بتقليب صفحات عام كامل من الأحداث.. من الألام والدموع.. كان عاماً قصيراً جداً.. انتهى قبل الأوان, ولكنه انتهى.. فصل من حياتها انتهى والى الأبد.
أخرجت المذكرات بعد دقائق.. لفتها بحرص بحقيبة من النايلون, لتشعر بذراعي أوس تحوطها بقوة أغمضت عينيها محاولة السيطرة على دموعها بينما يهمس لها برفق:
-لنعد الى البيت حبيبتي.
-اومأت بتصلب وتركته يقودها الى منزل كمالة عبر الأزقة العبقة بروائح البهارات الهندية والأصوات العالية.. المتاجر الضيقة, والبسطات الخشبية التي تعج بالمصوغات الرخيصة ..
الباب الخشبي القديم فتحه أوس بسهولة.. ومضى بترنيم لتجلس على أريكة بسيطة ثم احكم اغلاقه, وعاد اليها ليجلس القرفصاء أمامها وعينيه تتمعنان في عينيها الزائغة بحرص:
-هل أنت بخير؟!
تنهدت ونظرت الى الحقيبة التي تحتوي على المذكرات ثم رفعت عينيها لأوس وهمست مختنقة:
-لم أعد أريدها.
عقد حاجبيه:
-أأنت واثقة ياحبيبتي؟
-نعم أوس.
همست بارتجاف, وترقرقت عينيها بالدموع قائلة:
-لم تحمل سوى الذكريات السيئة, وأنا لم , أنا لم أعد أريد أن أتذكر.
لاحت على شفتيه شبه ابتسامة ثم نهض على عقبيه وقبل قمة رأسها هامساً بخشونة:
-سنتخلص منها معاً.
راقبته يتوجه نحو المدفأة الجدارية فقالت محذرة:
-أوسي.. هذه المدفأة لم تفتح منذ وفاة كمالة قبل شهور.
-لا تقلقي..
همس مبتسماً.. وسرعان ماكانت النار تشتعل في الخشب وتقرقع بخفوت ..
اشار لها أن تقترب ففعلت وتقرفصت بين ساقيه الطويلتين وراقبته يحرك الخشب لتشتعل النار أكثر.
-هيا ترنيم.. أحرقيها بيديكِ.
تنهدت وترددت للحظة قبل أن تحسم ترددها وتبدأ بتقطيع الصفحات المبلولة وترميها في النار الواحدة تلو الأخرى..
راقبت ألسنة اللهب تتصاعد بجشع لتبتلع الورقات التي تشبعت بالماء .. لا ترحمها وانما تزيدها المياه ضراوة..
ساعدها أوس بصمت وتراكمت الأوراق والنار تستعر أكثر.. سعلت ترنيم .. وأدرك أوس أن الأدخنة تتراكم ولا تخرج من أعلى المدخنة كما يجب..
-انتظري..
نهض وبدأ يتفقد فتحة المدخة السفلية بسنار طويل لتحذره ترنيم:
-أووسي..لا تفعل هذا..
-لا تقلقي ترنيمة انا اعرف ما افعل.
راقبت بصمت..كان يحاول التأكد من فتحة المدخنة السفلية وهي تناديه محذرة ولكن ذلك الكبرياء الرجولي الأحمق:
-ترنيم اصمتي وشاهدي كيف يتصرف رجال الشيب.
سمعت صوتاً مزعجاً عالياً جعلها تهب من مكانها وتتراجع وهي تنادي اسمه ولكنه لم يأبه لتحذيرها.. وسرعان ماكان هناك كومة من مخلفات وسخام تسقط من المدخنة على النار لتنتشر الأدخنة والرماد بجنون حولهما جعل ترنيم تصرخ ما بين الجزع والضحك المجنون وهي ترى أوس وقد غطاه السخام من رأسه لأخمص قدميه وشعره الأسود أصبح رمادياً كشعر أبيه وهو يحاول التراجع من النار التي تطايرت حوله ولسعت السجاد والأرض الخشبية..
|