كاتب الموضوع :
بنت أرض الكنانه
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: حمامة الأرباش الفصل السادس عشر ج2
قبل ما تحدفوني بالطماطم المعطوبة والحجارة الخشنة تذكروا اني انسانة من لحم ودم وقد ازعل لو قمتم بذلك فاحبس عنكم اخر فصلين من حمامة الارباش .....................................
خدوا نفس عميق وادعولي ربنا يهديني وما تسيطرش عليا نزعتي الدموية عند حلول الفينال
اولا هشكر كل من مر على الرواية ولو بتعليق او لايك.....
دعمكم أحياني وخلاني أنفض الكسل واقرر اكمل الرواية دي
ثانيا شكرا خاص لكل صاحبات تعليقات المتابعة لأنكم كتبتم القصة دي مش انا
blue may
الاميرة البيضاء
توليب المرج
نسائم عشق
الخاشعة
وصديقتي نجمة ساطعة
وصديقتي احلام طائرة
وكليو بتراء
رحاب مانوليا
مملكة الغيوم
احزان الابتسامة
وكل من دعمني في اكتر كبوة نفسية مريت بها في حياتي
وكانت قائمة طوال فترة كتابتي لحمامة الارباش
حيث اني قررت ان الرواية تبقى 19 او 20 فصل بالكثير
فده بيتطلب مني مجهود ذهني لربط كل الاحداث ببعضها لاخراج نهاية منطقية فرجاءً لو تأخرت فصولي القادمة قليلا تلتمسوا لي العذر الا انها لن تتاخر كثيرا وهذا وعد
وحاجه اخيرة حابة اوضحها رغم اني غيرت قليلا في نسيج القصة عن اساسها الاول الا ان نهاية حمامة الارباش مقررة عندي مسبقا وهي لن تتغير ابدا فالزعل مرفوع وكمان الرواية دي انا كتبتها عن إمكانية الغفران مش عن الحب فيه قصص ممكن تكلل بالغفران فيه قصص لا يصلح فيها غفران عموما وعد احاول تكون النهاية محكمة وحلوة حتى لو استدعت منكم بعض التفكير ولكم وافر الشكر
حسبنا الله
((يا ليلةً سنحت في العمر وانصرمَتْ
هَلاَّ رجعتِ؟ وهلاَّ عادَ أحبابي؟))
تبر
كانت متكورة على نفسها في سرير الزنزانة.... عاقدة ذراعيها أمام صدرها..... وشعرها مربوط من الخلف بوشاح منبسط على الجزء الأمامي من فروة رأسها..... خدها متلاحم مع الوسادة التي تستلقي عليها رأسها ... وتصطنع إغماضة الجفن كي تتركها بقية النزيلات وشأنها لتتمكن من التفكير كيفما حَلَى الأمر لها.....
لو كانت امرأة أخرى لم تلاطم الويلات الواحدة تلو الأخرى منذ إشراقة الصبا لأصابها الشطط من جراء ما وقع لها....
من رحمة الله أن عقلها ظل باقيا على رشده ورجاحته بعد كل ما جرى
انتشلوها من حضن زوجها بعد ليلة هناء يتيمة قضتها وإياه
مصطفى حاول ردعهم
أكد لهم أنه سيجلبها بنفسه للمخفر ولكن لا يسوقوها هكذا أمام أولادها
توسلهم واستجداهم الرحمة بها.... وبأسرته
هم لم يأبهوا لتضرعاته
فازدرد ريقه وأخبرهم بعدما ضجت جوانحه باليأس :" حسنا.... أنا سأُحْضِرَها من العلية بنفسي..... لا داعي لتنتهكوا حرمة غرفتنا".....
ارتقى الدرج صاعدا لها
وشرع الباب وتسمر لبضعة هنيهات متأملا إياها وهي غطيطة في السبات ومحياها منفرج عن ابتسامة عذبة وهي تتلو اسمه وكأنه صلاة
نَدَّت عن روحه آهة وجع، وأوصد الباب خلفه وجرَّ نحوها أقدام متثاقلة وافترش السرير بجوارها
ربت على كتفها بحنو لتستفيق
تفتحت عيونها رويدا وتثاءبت وتمطت وتفوهت بسخط وعتب :" لمَ توقظني مبكرا هكذا..... حرام عليك يا مصطفى..... مازال جسدي بحاجة للسبات".....
نكس رأسه كي يواري انفعالاته عنها....
فتوقظت حواسها ورفعت ذقنه إليها وتمتمت بأسف :" لا عليك حبيبي"....
وكررتها بجزم وثغرها يتلوها بتلذذ:" نعم أنت حبيبي منذ إشراقة عمري.... أنت قدري الجميل....."
واعتدلت جالسة القرفصاء وأعربت بتهدج :" أنا جاهزة لأي شيء تبتغيه مني".....
واصطبغت وجنتاها بحمرة الخفر فأخفضت جبهتها وهي تعض على ناجذها من الداخل
ضمها إليه بقوة عاتية على حين غرة وتمتم بصوت أجش من بين خصلات شعرها الساطعة :" الشرطة بالأسفل.... يتهمونك بقتل ذلك الرقيع".....
واعتصر أنامله واستطرد من بين مطحنة أسنانه وبمحيا متجهم مشدود :" ذلك الرقيع ميدو..... يمد بيننا النوى في حياته وحتى بعد وفاته..... كان ينبغي أن أخمد أنفاسه أنا بنفسي لكي لا تتورطي في أمر كهذا....."
كانت تحدق فيه مبهوتة اللون واجمة متهدلة الأكتاف
بسط أنامله على ذراعيها وأَجْزَم لها وهو يتحلى برباطة الجأش كي لا تنتبه لمدى الذعر الذي يكتسح كافة ثكناته وكي لا يتبعثر شظايا أمامها:" سنثبت براءتك وستكونين حرة طليقة.... وسنعوض ما فاتنا..... ثقي بي.... بأني سأبذل قصارى جهدي لتتحرري.....".....
تفوهت له بعدما تماسكت قليلا وهي آخذة في الربت على وجنته :" لا ترهق نفسك هكذا يا مصطفى، لن أتناثر شظايا، أنا امرأة قوية وصلدة وصعيدية، لا تكسرني حتى الرياح العاتية، كل شيء سيكون بخير يا حبيب...."
بترت الكلمة وتنحنحت وأردفت والمرارة ترتفع في حلقها وهي تطمرها بشق النفس :" كل شيء سيكون بخير يا مصطفى"....
قبض على بدنها وشرع يهزه وهو يزمجر فيها ثائرا :" تبتري كلمة حبيبي.... لم أعد حبيبك الآن، صرت فقط مصطفى!!!!!"
نكست رأسها وهي تغالب ترقرق عبراتها وتشبك أناملها في قبضة واحدة :" ليس تخاذلا مني، ولكني وصمت الآن جبينك بالعار، سمعتي ستصير مضغة في الأفواه، سيتندرون عليك لأنك تُبْقِي على زوجة سمعتها محل لغط، والأولاد سيكرهوني ويلعنون اليوم الذي خرجوا فيه من رحمي"
.أعرب متململا منها :" أنهيتِ حديثك المرسل السخيف مثلك أم أن هناك لا تلبث بقية..... نعم أنا أوبخك وأعنفك فأنتِ امرأة بائسة مجذوبة..... لن أسمح لكِ بأن تعيشي دور الضحية وتجلدي نفسك بسياط العذاب..... ولن تنتأي عني مطلقا مهما حاولتِ..... أنتِ مني وموئلك صدري.... ميدو ذلك..... كلانا تسبب في وجوده بحياتنا..... ونحن سنتخلص منه تلك المرة للأبد ونحن مع بعضنا..... سنقضي حتى على ذكراه العفنة التي كانت تزكم في بعض المواقيت أنوفنا وتكدر صفو عيشنا...."......
تشبثت به متفوهة بتأمل واستبشار :" أنتَ لن تتخلى عني البتة؟!!!!"
أجابها فورا وبعتب صريح لها :" أتنازل عن روحي حينها!!!!"
ارتمت في حضنه وتوسلته :" اغفر لي....."
وأردفت بصوت يضج منه الندم الرهيب :" أنا أهرقت ماء وجهك.... وأحططت من كبريائك.... ولكني أقسم لك..... أنت الوحيد المرفوع في قلبي مكانا عَلِيَّا.... وبدني لم يلوثه مطلقا رجل سواك".....
أحاط وجهها بأكفه وتمعن النظر فيها مطولا وأعرب بإدراك :" مازلتِ تعتبرين العلاقة بيننا حرام".....
تفوهت بتأمل :" أنا بريئة والله سيُظْهِر الحق..... وبعدما أغادر السجن أنت ستعقد عليّ رسميا وستجعلني موفورة الكرامة مبجلة الاعتبار".....
بان التردد على وجهه وهو يتمتم بتأثر :" سوما أنا....."
صححت له ومحياها ينفرج عن ابتسامة عذبة لم تشمله بها مطلقا مسبقا :" اسمي تبر يا مصطفى..... نحن مصطفى وتبر ولسنا مصطفى وسوما يا حبيبي".....
سألها بعد برهة صمت وهو يتفرس فيها:" تبر.... هل تعديني ظالم وطاغية لأني حبست عنكِ الوثيقة الرسمية طوال فترة زواجنا؟!!!"
ردت وهي تلوح برأسها نافية :" لا يا حبيبي.... أنا تراءيت لك في بعض الأحيان كامرأة لعوب وكله من جراء تصرفاتي.... أنا أغويتك بخضوعي لك بالصوت وبلباسي الصارخ في ذلك الحفل المشئوم.... لا شك في أنك اعتبرت ما قمت به دعوة صريحة لك..."....
وأكدت له لتزيل من نفسه أية شكوك عالقة :" أنا كنت عذراء يا مصطفى قبل تلك الليلة التي....."
وعضت على شفتها السفلى وبدلت دفة الحديث :" وأنا ممتنة لكَ لأنك لم تتوانى عن تستيري حينما علمت بأمر حملي.... رجل سواك لكان ألقاني لذئاب الطريق تستبيح لحمي وتنهش جسدي..."
انتزعهم من اعترافاتهم صوت نقرات متوالية على الباب
ازدردت تبر ريقها وهي تعرب قائلة ونظراتها متقلقلة :" تلك ولا ريبة احدى الخادمات تستعجلنا..... سأجهز نفسي فورا".....
وانتصبت واقفة والتقطت ثيابا عشوائية من خزينة الملابس وتوجهت نحو الحمام لتبدل وفي غضون وهلات كانت جاهزة
هبطت الدرج ويدها في يد مصطفى وعيونها في حضرة عيونه
تباغت الجميع بهرولة حارس البوابة نحوهم وإعلانه من بين أنفاس لاهثة :" والدتكِ وأخيكِ يا سيدتي في سيارة عند المدخل ويطالبا بالمروق وتلك أول مرة أراهما ولذلك أردت التحصل على الإذن منك.... اسمهم ياقوتة ومنصور على اسم أولاد سعادتكِ وأروني وثائق التحقق من الهوية"....
استحالت تبر واجمة ساهمة مشدوهة
واستشعرت موجات برودة كاسحة تجتاحها
وأعربت بصوت أجش :" أَدْخِلهَم".....
وتابعت تحضه بنهر :" هيا فورا"....
استعجلها الشرطي متململا :" هيا بنا..... لقد تأخرنا"....
أكلمت هبوط الدرج وحدها متخاذلة عن التواصل مع زوجها....
وسلمت نفسها للشرطة ليصفدوا معصميها بقيد من فولاذ ويسوقوها خلفهم
كان منصور الصغير يراقب ما يجري من العلية
لا يجسر على الركض نحو أمه لاحتضانها ومطالبتها بالتوضيح
بتخلصه منها لم تعد هناك خطورة على حياة والده
بإمكانه تنفس الصعداء
ولكنها أمه وهو يود بضراوة أن يجهش بمرارة في البكاء
هي غاضبة عليه لأنه رماها بسهام الكلمات ليلة أمس
لأنه فطر قلبها بقساوة وفظاظة
لأنه أَعْرَب عن احتقاره لها ولم يتورع ولو لهنيهة عن نبذ دورها في حياته
الله يعاقبه هو بقبض الشرطة عليها
لأنه تمنى زوالها
وعاملها وكأنها باغية وليست والدة
ترجلت ياقوتة الكبيرة ووليدها من السيارة وهي مقطبة الجبين لوجود عربة الشرطة في بيت ابنتها الشاردة
وتوسعت عيونها وجوما حينما رأت الشرطة تسوق ابنتها خلفهم وهي مصفودة بقيد الاحتجاز
وكانت تبر الصغيرة متشبثة بيدها وهي ترتجف خوفا من رؤية سيارة الشرطة
وهرولت ياقوتة نحوها فأبدى رجل الشرطة امتعاضه من إعاقة الحركة لأن تلك المرأة الطاعنة في السن تسد الطريق
همَّ بطرح المرأة أرضا ليستأنف المسير فأردعه مصطفى ومنصور الكبير
توسلته تبر :" تلك أمي.... أرجوك دعني أوضح الأمر لها".....
توجهت بإبصارها نحو أمها وتفوهت :" توحشتك جدا يا أمي ياقوتة..... الحياة بدونك كانت خاوية من عبق الحياة..... فارغة ومظلمة وجدباء..... أنا بريئة وسيكشف الله براءتي من فوق سبع سماوات.... ألن تتكلمي يا ياقوتة..... ألن تمنحيني صوتا داعما لأتمكن من مواصلة الحياة"......
هزت أمها رأسها يمنتا ويسارا وأعربت بإيمان ويقين:" لن يهدأ لي جفن حتى تبارحي المخفر..... وستبارحيه.... سأستقصي الأمور وأمك بجوارك فلا تجزعي ولا تقلقي.... أنا هنا يا صغيرتي لأجلك....."
نقلت تبر بصرها نحو الطفلة الصغيرة التي ترتعش فزعا
فأخبرتها ياقوتة :" تلك ابنة أخيك.... أطلقنا عليها اسم تبر تيمنا بكِ لتشب وتصير مثل عمتها الجميلة"....
فاجأت أمها :" أعرف أنها تبر الصغيرة.... أنا أعرف عنكم كل شيء يا أماه.... أقتفي أخباركم منذ سنوات".....
حثته :" لن تقول شيء يا منصور؟!!!!"
خر راكعا على ركبته أمامها وتوسلها :" سامحيني يا أختي الكبيرة".....
ردت عليه بتهدج :" أنا أحبك يا منصور وأنت تعرف..... أنا سامحتك منذ البداية..... لم أحقد عليك سوى لوهلات ولكن طوال السنوات المنصرمة وأنا كنت أبتهل لك سداد الخطى وتوفيق الإله".....
استقلت عربة الشرطة وتبعتها سيارات مصطفى ومنصور حتى وصلت المخفر.....
قبل أن يتم عرضها على الظابط المختص عرفتهما على بعضهما البعض في رواق المخفر
:" ذلك مصطفى السلحدار زوجي ووالد أطفالي.... وتلك أمي وشقيقي العنيد الصغير.... أتمنى أن تتصافحوا قبل دلوفي للظابط.... فأنتم لم تتمكنوا من ذلك في الفيللا".....
سارع الجميع لتلبية طلبها وابتسمت برغم الظروف عن ملء شدقيها
أشياء مريعة كشفتها التحقيقات.....
ميدو ادعى كذبا وبهتانا في دفتر مذكراته أنه كان على علاقة شائنة بها وأنها كانت عشيقته بكل ما تحمله الكلمة من معنى
وزعم أيضا أنها حاولت إخماد أنفاسه قبلا وأنه كان يسعى بجهود حثيثة للاقتصاص منها
هذا أَضْعَف من موقفها في القضية وجعلها على المحك وتحيا بأعصاب متلفة
هي تخشى الهاوية النفسية التي انزلق لها وليدها ولا شك
وماذا عن طفلتها ياقوتة.... لمَ تنبذها دوما - رغما عنها - حتى على مستوى تفكيرها
لمَ لا تحتل الصدارة في ما يغزو خلدها
لمَ عقلها مسلط دوما على وليدها منصور
على الرغم من أن ياقوتة هي أول فرحتها
ربما هي تعرف في كينونتها أنها أم ظالمة لطالما حبذت منصور على طفلتها الكبيرة
منصور هو ثمرة حلال ولكن ياقوتة هي إمارة سقوطها
يا الله ما الذي سيَحِل بها
مصطفى مختفي عن مسرح حياتها منذ نشرت الصحف ما تحتويه مذكرات ميدو من افتراءات وبهتان
تلك ولا ريبة ضربة قاضية لعنفوانه ورجولته
ولكنه لو تخاذل عن نصرتها الآن وهي بين المطرقة والسنديان لن تغفر له أبدا
هي منهارة رغم تماسكها الظاهري
مدمرة تماما والكلاب الجائعة تعوي من حولها وتنهش لحمها
ياقوتة هي من تواظب على زيارتها باستمرار
وتؤكد لها أن منصور مستوثق من طهرها ويبذل كل الجهود الحثيثة ليقتنصها من مخالب ما هي فيه
وأنه تعهد أمام نفسه أنه لن يراها مرة أخرى سوى وهي حرة طليقة
في زمن الغبار الذي عاشت فيه وحدها واتتها من جديد أمها ياقوتة لتنشر رائحة الورد من حولها
لتبثها دعمها ومساندتها والإيمان المطلق بها
القذيفة الحقيقية التي دمرت سمعتها تماما وأحالتها ركام كان ما أقدمت عليه اللعينة سلام
الشمطاء الحقيرة أعلنت في الصحف أن ما يجمع بينها وبين مصطفى علاقة زنا وأنها ورطته بالحمل فاضطر على مضض منحها وثيقة زواج عرفي لتكون غطاء شرعي لأطفاله.... وأنه لم يثق مطلقا بها ولم يَكِن لها يوما أدنى احترام
سلام بغضتها دوما ولكنها توقعت أن تتحلى بحس أخلاقي كي لا تزج بأطفال أخيها في ذلك الدرك الأسفل
هي لن تعفو عنها أبدا..... مطلقا..... البتة!!!!!
***************************************
مازال لا يستوعب لمَ قد يُقْدِم ميدو على نعت تبر بعشيقته في دفتر مذكراته
هي لم تكن كذلك
هي أكدت ذلك
ولكن الفضيحة منفجرة من حوله
وهو لم يعد يقوى على مجابهة البشر
ينكس رأسه كي لا تطالعه رمقات التشفي والازدراء والاستهانة برجولته
يتوارى من الناس لسوء مسلك زوجته
لا.... تبر بريئة..... هي ذهبه الخالص ومعدنه الباهظ النفيس
ذلك خيال ميدو المريض وهو عليه إثبات ذلك
إثبات أنه محض خيال مريض كان مسيطرا على ميدو ولا يمت للواقع بأدنى صلة
دلفت "ألما" سكرتيرته الصبية بهدوء ووقفت أمامه لتنتزعه من شروده وأعربت بأسف وهي تمضغ شفتها من الداخل :" للأسف يا سيدي مصطفى.... شخص آخر ألغى التعاقد معنا..... العمل ينزلق للهاوية!!!!"
هو سيظل فاحش الثراء حتى لو انهار هذا العمل أنقاض
ثروته ستتناقص بالطبع إلا أنها لن تتبدد كليا
علق بصره على نقطة في سطح مكتبه وتفوه بهدوء وهو يعقد أنامله فوق سطح المكتب :" بإمكانك ترك العمل لو أحببتِ.... وسأمنحك شهادة خبرة وتوصية لتتحصلي على عمل آخر سريعا..."
باغتته ألما بقولها وهي تفترش المقعد المقابل له جالسة :" أنا لن أتخلى مطلقا عنك!!!!"
وعاتبته :" كيف يخطر في بالك أني سأتخلى عنك..... ثروة أبي تلاشت وأنت قدمت لي الدعم وجعلتني أتحصل على وظيفة تحقق لي الاكتفاء المادي.... لم تَكُن مثل البقية.... من تجاهلونا ونبذونا كأننا جذام بمجرد إعلان إفلاسنا".....
وتابعت باستغراب وهي تلوح برأسها وتقطب جبينها:" أنا لا أفهم.... كيف تلجأ امرأة لرجل سواك وهي تمتلكك زوجا!!!!".....
وأجفلته باستطرادتها المريرة اليائسة :" ليتك كنت زوجي أنا.... ليتك كنت لي!!!!"
تدلى فكه وجوما من هجوم الصبية المباغت عليه
لملم شتاته وأعرب بهدوء وبنبرة أبوية وهو يُصَرِّف انفعاله في قبضة يديه المتلاحمتين:" ألما.... والدكِ كان صديقي العزيز.... وأنا لم أسدي لكِ معروف بتوظيفي لكِ... وانظري لنفسك أنتِ في عمر الزهور وأنا في خضم الخريف... لا تجوز تلك الترهات التي تفوهتِ بها.... "...
واستطرد موبخا وهو ينتصب واقفا ويتوجه نحوها :" ألما .... أنتِ كما ابنتي.... عيب عليكِ ما تفوهتِ به"....
باغتته ألما وهي تنهض واقفة :" لن أسمح لك بأن تبسط أناملك على أكتافي وتمعن النظر في عيوني وتطالبني بالاعتذار على ما تظنه حماقة تفوهت بها.... دور الأب يصلح مع أولادك أما معي فأنا أريدك حبيب!!!!"
وتلاحمت معه بصريا
واستمرت وهي ترقب الارتباك الذي اعتلى وجهه والتردد الذي يعتمل فيه وكانت تتقدم نحوه بثبات حينها :" أنا أملك خارطة إسعادك.... فقط ثق بي".... ومدت يدها له فكانت وكأنها المغناطيس
كيف انساق ورائها وسمح لها بسحبه للمأذون ليعقد قرانهما
وكيف وصل معها لحجرة بفندق ليقضي شهر العسل وإياها
إنها تُلْئِم جرح رجولته بكلماتها عن المشاعر القوية التي تعتمل فيها حياله
إنها مُسَكِّن محترف يلهيه عن أزمته الحقيقية مع زوجته الحقيقية.... تبر
واستحال جزوعا بغتة حينما انتبه لما ستكون عليه ردة فعل تبر لو عرفت
هي لم تَعُد ضعيفة.... مهضومة الحق.... معدمة
هي تنحدر من عائلة عريقة جدا
لا يفهم حتى الآن لمَ انسلخت عنهم ولمَ وصمت نفسها بأنها ابنة خطيئة في حديثها وإياه
هل أمها ياقوتة وقعت في الخطيئة مثلا وهي كانت نتاجها ونسبتها لزوجها فاروق
خرجت ألما من الحمام وهي تجفف شعرها المنسكب حتى خصرها الممشوق
وتوجهت نحو المرآة لتعدل من زينتها وأبدت تأففها بقولها :" زواجنا المباغت لم يمنحني الفرصة للتجهز جيدا.... كل أدوات الزينة التي أملكها هي فقط ما كانت في حقيبتي"......
وبعدما انتهت اقتربت منه متهادية بخطوات منمقة وافترشت السرير بجواره وأرغمته على التواصل معها بصريا :" توحشتني خلال تلك الدقائق المنصرمة.... أليس كذلك يا حبي"....
وطبعت قبلة عميقة مليئة بالإيحاءات على ذقنه
وسحبته من جديد إلى بئر الخيانة السحيق في حين أنها هنأت نفسها على استراتيجيتها المثمرة
***************************
سلام
((يا عالم الضيم والقيود هلا ترفقت بالطائر الأسير!!!!!))
مكبلة بطبيعتها المؤذية
أسيرة كراهيتها لزوجة أخيها
ظالمة طاغية متجبرة بما ارتكبته في حق أولاد شقيقها
ما اقترفته أمها ملأ قلبها حتى فوهته بالحقد الأسود حيال سوما
هي منحت سوما وصية حبستها عنها هي ابنتها
أمها أعطتها الأثرة عنها
وأخوها أغدقها بالأفضلية عليها
سوما انتزعت منها محبة أسرتها
أعادتها يتيمة وحيدة بائسة
كانت سلام تذرف العبرات فوق سريرها وهي متكورة على نفسها
وتعالى شهيقها ونحيبها
هي لم تقصد ما تفوهت به
مشكلة سلام أنها تتعامل مع الحياة بطفولية شريرة
شريرة نعم
ولكنها تظل طفلة
كانت تدرك تبعات ما تدلي به للصحف إلا أنها لم تكن مدركة تماما
فمصطفى دوما كان منقذها الذي يُخَلِصَها من نزقها وطيشها
وأمها لم تعنفها مرة للسانها السليط نحو سوما
بل على العكس كانت عيونها تلمع بالبهجة حينما تُقْدِم على ذلك
كل هذا لا يشفع لها تدميرها لمستقبل ابن شقيقها
إن ياقوتة متأخرة ذهنيا ستظل عبء على الأسرة حتى تلفظ أنفاسها
ولكن منصور هو مستقبل العائلة بأسرها
هو يقظ ومتوقد الذهن ومُطَرِّد الذكاء
تشعر وكأن صدر الظلام يضيق بها
حتى هو لم يَعُد يطيقها
هي لم تقترف ذلك بدافع الحقد حيال سوما فقط
بل لتُحَسِّن من صورة أخيها أمام الأنام
ولتبرز أنه أضحية لأفعى رقطاء
ولكن هذا لم يتحقق
صورة أخيها اهتزت واضمحلت أكثر
تناهى لسمعها وليد الذي افترش حافة السرير بجوارها :" كنت أحسبكِ سعيدة.... حققت انتقاما هائلا من سوما.... لمَ لم ترفعي نخب انتصارك عليها.... لمَ أنتِ منهارة هكذا؟!!!!"
أطرقت برأسها وتمتمت وهي تزم شفتها :" أنت تعرف بأني لاذعة اللسان ولذا فأنا بالفعل ليمونة حامضة!!"
أَيدها وليد :" معكِ حق.... أنتِ لاذعة اللسان وسوداء القلب أيضا..... أدخلتيني مدى الأحزان لأيام عصيبة وأنا أظنكِ صرتِ باغية من جرائي وأنكِ التقطتِ عدوى مميتة مني.... لم أَعُد أعرف متى تكوني صادقة ومتى تخادعين بتمرس واحتراف لترفعي طعم الملح الأُجَاج لفمي.... الثقة بيننا تقوضت تماما يا ليمونتي"....
اكفهر محياها وهي تعرب بجفاء بعدما استجمعت شتاتها وعادت قوية صلدة وعقدت ذراعيها أمام ركبتيها المضمومتين نحو صدرها ومدت بصرها نحو الأمام :" وكأني أكترث لثقتك بي"
وتابعت وهي ترمقه بملامح متحجرة :" على الأقل بت متيقن من كوني شريرة وأستطيع صنع الجلبة والضوضاء نحو أي كان بتمرس واحتراف.... فاخشاني!!!"
واستطردت :" تهديدي بأن أدمرك مازال قائما لو لم تلبي لي طلبي"
أعرب بأريحية وهو يستلقي على السرير بجوارها :" لم آخذ يوما تهديدك لي على محمل الجد..... ولن آخذه يوما..... أنا أعدت لكِ أموالك التي نهبتها منكِ.... ولكنكِ لن تتحصلي مني على أكثر من هذا لأني ببساطة لا أملك.... افعلي ما يحلو لكِ يا سلام، أنا لم أعد أبالي، ستحطمين علاقتي بأخي الكبير وما الضير، هي محطمة بداخلي منذ سنين، لن ينوبكِ سوى البغضاء التي ستزرعيها بداخل أخي حيالي، أنا سأتركك لضميرك، ولكن قبل أي شيء أود أن أؤكد لكِ أني لم أخنك طوال فترة زواجنا، وليس لشيء سوى لأنكِ أعدتيني شيء بعدما أحالتني الدنيا لا شيء!!!!"
تداخلت معه بصريا لوهلات بدى وكأن الزمن تعطل خلالها
كان صدرها مختلج بمشاعر متضاربة
قلبها متهدج من جراء كلماته العذبة الرقراقة الأخيرة
وروحها لا تلبث غائرة الجرح تنزف دما غزيرا لأنه اتخذها درج في زمن مضى ليستولي على وفرها
كيف تنسى أنه طوال الوقت الذي قضياه معاه كان يتآمر ضدها ويسعى للاستيلاء على نقودها
كيف فقط تنسى أنه في الوقت الذي كانت فيه تسكب عليه قاطبة أحاسيسها كان يسخر منها في سره ويتسلى بخداعها
تمتمت وهي تثبت بصرها على نقطة في السرير :" مشكلتنا مطوية في ذهني أمام الحريق الذي ألحقته بأخي وأولاده....".....
وهجمت بأناملها على سحنتها لتبعثرها ببربرية.....
وتابعت وهي لا تلبث مطرقة :" تلك الصحافة البغيضة استفزتني ووجهت أسئلة عن فارق السن بين أخي وبين زوجته... وبأنها لا تلبث في ريعان الشباب بينما هو في خضم الخريف.... وأن هذا قد يفسر إقدامها على خيانته مع ذلك الميدو... أردت أن أنتزع تلك الكلمات السامة من حلوقهم وأُخْرِسَهم للأبد فقلت ما قلت.... أخي ليس مضمحل الرجولة ولذا لجأت زوجته لرجل سواه....."....
ووجهت بصرها نحو وليد وتابعت :" أخي يمتلك سلطة رجولية كاسحة على النساء..... هو فقط متعثر الحظ ولا يتورط سوى مع الباغيات".....
قَطَّعَ لها الكلمات وهو يشوح بيديه وملامحه عابسة:" لا يوجد تبرير لفضحكِ أخيكِ يا سلام..... كفي عن التبرير لنفسك!!!!".... كانت نهرة قاسية لها وكأنه يصفعها لتستفيق
واستطرد :" في الماضي سعيتِ لتخليصه من زوجة باغية..... مادلين.... أتذكريها.... أعجبت بكِ وبمحبتكِ الدافقة حيال أخيك.... ولكن الآن لا أرى سوى امرأة حاقدة.... بسبب غلها المتفاقم نحو زوجة أخيها دمرت أسرته بأكملها...."
نهضت سلام غير آبهة بالرد عليه والتقطت ثيابا من الخزينة وابتدأت في ارتدائها وتفوهت بهدوء ورزانة :" سأذهب لمصطفى.... يجب أن أتحدث وإياه ليستوعبني ويغفر لي كما كل المرات المنصرمة....".... تلفظتها بتأمل واستبشار.....
انتصب وليد واقفا هو الآخر وتفوه باحتقار لها :" حسنا وأنا أيضا سأذهب لمتابعة أعمالي.... فهي وفية ومخلصة أكثر منكِ.....".....
والتوى فمه ساخرا وهو يردف :" وبالنسبة للعرض السخي المجاني الذي تقدمينه الآن أنا لست مهتم به البتة.... روحك الملوثة بالكراهية والمتلبسة جسدك الفاتن تسقمني..... ولذا فأنتِ كلك على بعضكِ لا تساوين شيئا عندي".....
تصلب جسدها لهنيهة قبل أن تسحقها قشعريرة باردة ورسمت على وجهها قناع من اللامبالاة لتخفي الألم الثخين الذي استقر في أحشائها إزاء ما تفوه به
وتحدثت متشدقة بخيلاء وهي مستهينة بقوله المنصرم :" لو كنت ترى تبديلي ثيابي أمامك عرض سخي فأنت بالتأكيد تركز معي جيدا يا "لودي".... ولو كنت تركز معي هكذا فأنا بكل تأكيد أساوي كل شيء عندك..... تدعي أنك لست مهتم.... حسنا بإشارة مني أستطيع أن أجعلك راكعا على ركبتيك أمامي.... ولكنها أنا التي تعفك وتزهدك وتحتقرك"....
هوت على وجنتها صفعة مربدة ألجمت لسانها تماما وتشابكت عيونهما مع بعضهما لوهلة وجيزة قبل أن تنكب عليه مسددة له الضربات وهي تهتف بهيستيرية ومن بين أنفاس متلاحقة:" أنت يا حقير تصفعني أنا.... أنا أمقتك..... ليتك تموت وتتعفن في الجحيم..... كان قولي المنصرم صائبا ولذا صفعتني.... أنت بالفعل رهن إشارة واحدة مني.... أنت صاغر وذليل أمامي..... أنا بالفعل كاذبة باحتراف وأتسلى بك جيدا.... خنتك بالفعل أثناء سفرتي إلا أني حينما عدت صدقتني.... صدقتني لأنك لا تقوى على لفظي من حياتك.... أنا أسير في عروقك كما الإدمان لا يمكنك مقاومتي أبدا...."....
سَمَّر بصره عليها لهنيهة وعضلة تشتد قرب فكه وهو يعتصر أنامله كي لا يزهق أنفاسها
وأجفلها بتمتمته الناعمة كما الحرير :" أنتِ تستفزيني لأفعل هذا.... حسنا يا صغيرتي".....
وهجم على جسدها فحاولت التملص منه ولكن قوته كانت تفوقها بأشواط وبمرور الوقت تسربت لها أحاسيس جعلتها تستسلم له عن تتمة رضا
بعد وقت قليل بدأ في ارتداء ثيابه بهدوء وأعرب بدون أن يلقي عليها نظرة :" أنتِ طالق.... لا تلزميني بشيء..... روحك المتعطشة للقصاص بغيضة ومعتمة وأنا منكِ اكتفيت.... افعلي كل ما يحلو لكِ بي.... أنا لا أهتم.... أنتِ طالق بالثلاثة يا ليمونة حامضة مريرة المذاق"...... التوى فمه عن سخرية منها وخلفها ورائه شاحبة شحوب الموتى
***********************************
في حجرة الياقوتة الصغيرة
كانت ياقوتة الكبيرة تلاعب ياقوتتها الصغيرة.... إنها ممتنة لابنتها لأنها تحبها لتلك الدرجة التي تُطْلِق على وليدتها اسمها.... هاتفت جمرة لتوافي ابنتها لتزورها وتتعرف بها ولكنها أبت بضراوة وادعت بأن الظروف لا تسمح.... في حين أن ياقوتة تعرف بأن جمرة تغترف من رغد العيش في قصرها ولا تكف عن الإنفاق ببذخ خصوصا وأن ياقوتة ربطت لها مصروف شهري كبير.... لم يخبرها أحد بما نشرته الجرائد بالعكس وليدها منصور أخفى عنها الأخبار متعمدا ولذا فهي لا تعرف ما تفوهت به سلام.... وتنتظر انقشاع الغمة عن ابنتها بفارغ الصبر.... هي ليست مستساغة تحفظ منصور الصغير وإياها..... الولد متقوقع عن نفسه ولا يفصح عن أفكاره البتة.... وهم كفوا عن إرساله للمدرسة للتعلم خوفا من أن يتندر عليه أحدهم أو يزفه في الطرقات متسليا بأن أمه قاتلة لعشيقها....
يا الله فَرِّج همومنا وارزقنا انقشاع الغمة
بغتة تناهى لسمع ياقوتة الكبيرة زمجرة كما الرياح الهوجاء :" أليس هناك أحد هنا؟!!!"
تفوهت لصغيرتها ياقوتة :" حِلِّي أسري يا أميرتي الصغيرة.... سأذهب لأرى من وافتنا الآن كما زوبغة أمشير...." كانت ياقوتة تتفكه مع حفيدتها فلقد تمكنت من خلق لغة تواصل مذهلة معها
وأجفلتها ياقوتة وأسنانها تصطك ببعضها وجسدها يرتجف ارتعابا وهي تزداد تشبثاً بها:" إنها عمتي سلام..... هي دوما ذات صوت جهوري وتؤذيني بالكلمات!!!"
جزعت ياقوتة وهي تقبض على الصغيرة :" لمَ عيونك مغرغرة بالدمع يا صغيرتي وزائغة النظرات؟!!!!.... لا يقوى أحد على إيذائك مادامت بي حياة....."..... وزرعت الصغيرة في حضنها لتبثها الإيمان بها وانسلخت عنها على مضض لتلاقي تلك التي لا تطيقها الفتاة.....
كانت ياقوتة تهبط الدرج حينما تلاقت عيونها مع سلام التي هتفت بعنجهية :" أنتِ الخادمة الجديدة..... ولمَ أنتِ رتيبة في الحركة هكذا..... هل تسيرين على قشر بيض أم ماذا".....
وهبت فيها راعدة :" هيا اهبطي سريعا أيتها العجوز الهرمة"....
وسألتها وهي متململة من تراخي الخادمة الجديدة عن مداهنتها وتملقها:" أين سيدك مصطفى.... ناديه فورا"....
أجابتها ياقوتة وهي لا تلبث تمشي الهوينا هابطة الدرج وكانت تكز على أسنانها موضحة لها كل حرف يتشقق من ثغرها :" زوج ابنتي مصطفى يلاحق أعماله.... هو لم يَعُد ليلة أمس".....
حركت سلام رأسها للأسفل وأعربت بإدراك حريري وعيونها تومض ببريق شرير :" إذاً فأنتِ أم الباغية.... وأين كنتِ يا والدة..... أكنتِ تصطادين الرجال كما ابنتكِ من الطرقات... وحينما جار عليكِ الزمن قررتِ الأوبة لدور الأم المعطاءة"....
سألتها ياقوتة حينما صارت بمواجهتها :" لمَ أنتِ خبيثة وشريرة هكذا يا فتاة؟!!!!"
ازدردت سلام ريقها وأعربت بصوت أبح جهوري وهي تشوح بيديها :" لست أنا الخبيثة بل ابنتكِ.... هي من حملت سفاحا من أخي لتجبره على الزواج بها.... ابنتكِ..."
وهوت صفعة مربدة على وجه سلام ترنح لها جسدها وتناهى لسمعها ياقوتة تقول من بين مطحنة أسنانها :" تفترين على ابنتي كذبا يا لعينة!!!"
فاندفعت منفلتة الأعصاب تقبض على جسد ياقوتة وتصرخ فيها بهيستيرية :" لست أكذب.... ياقوتة ابنة حرام.... اسألي حتى ابنتكِ الطاهرة.... هي ستُصَدِّق على قولي.... ابنتكِ لوثت سمعة عائلتي.... أخي صار في الحضيض النفسي من جراء فسقها..... أعمالنا تنهار من جراء فحشها....".....
وتلاقى بصرها مع ياقوتة وهي تردف بغمغمة :" الشريرة والخبيثة من تلاعبت بشرف أخي وهدمت كل بناه عبر امتدادة عمره..... ابنتكِ ستتعفن في السجن لأنها قتلت عشيقها..... كانت تخون أخي.... حتى أخي يعرف ذلك يقينا في قرارة نفسه".....
قبضت ياقوتة على فك سلام وطالبتها بصوت أجش :" غادري كي لا أتهور وأخنقكِ....."
ارتفع صوت أثير سلام فشرعته والتزمت الصمت لهنيهة قبل أن تصرخ بسرور بالغ:" حقا يا ألما.... أنتِ وأخي تزوجتما.... ذلك خبر مبهج طبعا..... لا مناص من أن نحتفل سويا".....
وبان التردد على محياها وهي تسترسل بحذر:" هل أخي بجوارك؟!!!!.....".....
ولأنها في حضرة والدة سوما لم تجسر على الاستطراد بما يهز كيانها.....
(( هل هو ناقم عليّ؟!!!"))
أوصدت سلام الهاتف فتناهى لسمعها صوت ياقوتة الهزيل المتحشرج وهي تُكَذِب ما وصل لها :" أنتِ تكذبين..... أنتِ فعلا مؤذية كما قالت حفيدتي"....
هتفت سلام باستهانة وهي تتخصر :" تقصدين تلك المنغولية الدميمة..... ابنة الخطيئة..... ابنة الباغية.... بالتأكيد هي لا تعرف أين تقبع أمها الآن....."
وانتبهت سلام لكون ياقوتة الصغيرة تتجسس عليهما من العلية وهي متشبثة بدميتها ولأنها خرقاء في كل شيء فتَخَفِّيها مفضوح بالنسبة لعيونها وسمرت سلام بصرها عليها وتفوهت بصوت كما حفيف الأفاعي :" أمكِ في السجن.... قتلت من عبثت بشرف والدكِ معه.... هي لن تؤوب مطلقا..... لو لا تصدقيني فاسألي والدكِ وأخاكِ.... ووالدك تزوج أخرى وهي من ستشذبكِ وتُربيكِ أيتها المتخلفة القبيحة..... بل وستنجب له طفلة باهرة الجمال تنتزع منكِ الأضواء وتُرِيكِ كم أنكِ دميمة!!!"
كانت ياقوتة الكبيرة واجمة غير مستوعبة كمية الشر المنطلق من ثغر تلك اللعينة
تنقل بصرها بين سلام وبين حفيدتها التي اندفعت بغتة تسابق أقدامها الريح كي تغادر تلك البقعة التي تتواجد فيها عمتها المؤذية
كانت البوابة مشرعة كخطأ غير مقصود من حارسها
وانطلقت الصغيرة عابرة إياها كما السهم والدموع تغشي مجال إبصارها
هرولت سلام وياقوتة الكبيرة للحاق بها
انتبه منصور الذي كان غارقا في نوبة نوم متقطعة داهمته رغما عنه من فرط إعيائه والذي كان يتثاءب وهو يطالع النافذة المشرعة في حجرته
وانطلق راكضا بأقصى طاقته بعدما أَبْصَر أخته وهي تعدو مخلفة القصر ورائها
ارتفع بوق حافلة مسرعة مزمجرا
وغشى وميض الحافلة عيون الصغيرة
ليرتطم جسدها بها وتتمزق أشلاء وطارت دميتها الجميلة في الهواء لتستقر على الأرض ولم يسعفها الوقت فدهستها سيارة أخرى مسرعة لتلتحق بصاحبتها التي صعدت روحها للسماء.....
************************
((ولأن الحياة مؤلمة... فإنها تسير رغم عنا لتحشرنا في زوايا لم نكن نتخيل أن نصل إليها))
صباح
منذ طفولتها البائسة وهي تعاني من رمقات جدها الشهوانية لها وتحرشاته المستمرة بها
منذ طفولتها البائسة وهي تتناحر مع شقيقتها من الأب حليمة للظفر بقلب جدتها الفاحشة الثراء
منذ طفولتها البائسة وهي مجرد ترس في طاحونة تمزقها هي إربا
بلال كان من يسد ثغراتها النفسية من جراء طفولتها الغريبة
كان رفيق صباها الذي تمنت منذ الأزل أن يطويها بين أحضانه
بلال كان مستقيم
كان يحافظ عليها حتى من رمقته لها
كان ثقله كرامة وشهامة
ولكنه كان لقيط!!!!!
كانت أمه بائعة هوى من الغجر ووالده حام حولها ليتمتع بها وقتيا
وحينما حملت اختفت عن القرية تماما ولكنها عادت بعد عام وهي متزوجة والد بلال
اتضح أن الرجل لأنه ذريته كانت قاصرة على البنات قرر أن يُبْقِي حملها ولكنه انتوى فقط الزواج بها لو وضعت صبيا يحمل اسمه ويصلب عوده في الحياة
بناته من زوجته الأولى هن من فضحن كون شقيقهن ابن سفاح
أردن الإطاحة به كي يكون إرثهم من والدهم مقصورا عليهم
ابن الزنا لا يرث والديه حتى لو تزوجا بعد ذلك
حقيقة شرعية يعلمها كل مسلم
وذلك كان هدف البنات من الثرثرة حول موعد زواج والدهم من أم بلال
فهو تزوجها بعد إنجابها الصغير
ولكن مأربهم لم يُكَلل بالنجاح
فوالدهم أصر على أن بلال ابن حلال ونكاية فيهم كتب كل أملاكه لوالدة بلال لكي لا ترث بناته الشريرات أدنى شيء
ولحق والد بلال ببارئه بعد ذلك بأيام قلائل
واستحوذت أم بلال على كافة ممتلكات زوجها وطردت البنات من بسطة عيش أبيهم
وكانت حريصة على تنمية ثروة زوجها المرحوم
ولم تبالي بالرجال مطلقا رغم سمعتها السابقة كساقطة
أحاطت بلال برعايتها وكانت تؤكد له أنه ابن حلال وأن أخواته الطامعات هن السبب في تردي صحة والده ومفارقته الحياة
كان لبلال جحيمه الخاص وكان لها جحيمها الخاص
هذا ما جمعهما وجعلهما عاشقين
رحبت والدة بلال بمصاهرتها لقيثارة وبتزويج ابنها من صباح
لكن جدتها من طردتهما من دارها وقالت بملء فيها أنها لن تزوج حفيدتها ابن حرام
كانت صدمة مهولة هبطت على بلال
هو يعرف عن قيثارة أنها نزيهة ولن تفتري كذبا على أمه
إذاً فما تردده أخواته باستمرار حقيقي
هو ابن سفاح
ألغاها بلال من حياته في ذلك الوقت
وأَجْبَر أمه على توزيع نقودها كلها على أخواته من أبيه ليعوضهن السنوات العجاف اللواتي قضيناها معدمين
احدى أخواته كانت عقيم وترعى ابنة زوجها من امرأة أخرى
تلك الأخت تقاسمت معه ما أعطاها إياه
لم ترتضي أن يستحيل فقيرا معدما
وشجعته ليتزوج ابنة زوجها تقوى
اعترض بلال بلطافة على طلب أخته الكبيرة
فهو كان لا يلبث يهوى صباح
فتَمَلَّك الشيطان من الأخت أن ينبذ شقيقها الطيب تستير من تعدها ابنتها بسبب تلك الصباح أمر لم تتقبله
كانت الأخت تعلم عن شاهين أنه كلب جدها الغير مؤتمن
فطلبت منه المدد ووعدته بأن تبدل له نقدية طائلة لو فصم عرى الأحبة
كانت الخطة أن يحاول التقرب من صباح مستغلا نبذ بلال لها
فهو ولو كان لايزال باقيا على حبها إلا أنه لن يتزوجها مطلقا مادامت ترفضه الجدة قيثارة
صدت صباح محاولات شاهين للتقرب منها وهي تبرز له كم هي مشمئزة منه
كان شاهين كلب جدها ولذا فهو تباعا كان يعلم كل أسراره ويكاد يكون ابتزه ليزوجه حفيدته
ولكن جدها كان صلدا في الموقف هذا فهو رفض بضراوة أن تتزوج حفيدته من كلب!!!!!
ويكاد يكون هو من هدد شاهين إذا لم يرتدع ويعود فأرا في جحره كما كان فهو من سيقلم أظافره ويقتلع لسانه من سقف حلقه ويقطع أيديه وأرجله من خلاف
التزم شاهين الوداعة بعد ذلك مدعي أن تهديد شكري له لم يؤجج حقده عليه
وبان الصدع في العلاقة بين شكري وشاهين
وبات شكري يسعى لتحجيم نفوذ شاهين
لم يَكُن لدي شاهين ما يخسره
حاك لصباح مؤامرة لتوافي شقة صاحبتها الفقيرة في المدينة حيث أنها مريضة
ولكنه في المقابل بذل للصديقة نقود طائلة لتُخْلي له الشقة لسويعات ولتهاتف صباح قبلا ناشدة إياها زيارتها حيث أن الطبيب كتب لها دواء وهي لا تمتلك ثمنه
حينما وصلت شرعت لها الصديقة الباب وقبل أن تنبس صباح ببنت شفة امتدت يد لتكمم ثغرها وزكمت قطعة قماش مبللة بمخدر أنفها
حقق مأربه الوضيع منها وبذلك كانت صباح من توافق فورا على عرضه باصطحابها لمأذون ليمنحهما وثيقة زواج رسمية
كان حملها من شاهين نكبة وحطَّت عليها
وبلال لم يستوعب خيانتها السريعة له
فتزوج بتقوى لإسعاد قلب شقيقته التي قبلت به وقاسمته نقودها
سنوات وهي محرمة على شاهين لمسها
وهي تمقته بكل حواسها
وسنوات وهي تتحرق توقا لبلال
اكتشافها وجود علاقة آثمة بين شاهين وتقوى أمر أوجمها وأحالها ساهمة غير مصدقة مفككة الدماغ
اكتشفت الأمر صدفة حينما وافت شاهين في مكتبه لتتشاجر معه من جراء سرقاته التي باتت علنية لها ولجدتها
وشهدت تقوى وهي في موضع مخل وإياه
كانت توافيه منقبة كي لا يتعرف عليها أحد
وحيث أن مكتب شاهين في المدينة المجاورة للقرية فلن تقتفي العيون أثرها أو تشتبه بها
حينما اختفت تقوى من القرية
تعالت الثرثرات بأن بلال أَلْحَق بها سوء فلقد كانت على خلاف حامي الوطيس معه قبل اختفائها
وحققت الشرطة مع بلال
كانت صباح تعرف بأن شاهين يغسل قذارته بطريقته المعتادة
بإلصاق جريمته بخصمه ليضرب عصفورين بحجر واحد
كانت تعرف بأن المعول وراء الثرثرة كان شاهين
هو من حرض أحدهم لينشر الخبر في القرية كما النار في الهشيم
ولكن لم تُسْفِر التحقيقات عن الشيء الكثير
وتم إطلاق سراح بلال
بظهور الكيس الذي يحوي جلبابا مشربا بالدم وخنجرا مصطبغ ببقع الدم
وبعد ذلك بالعثور على الجثة المطموسة التفاصيل
بات وضع بلال حرج
وكان لزاما على صباح أن تتصرف
كانت متيقنة من أنها جثة تقوى وبأن شاهين تعمد إظهارها ليُلقي ببلال في غيابات السجن
تم استخدام خصلة من شعر تقوى لإجراء تحليل الحامض النووي للجثة
صدقت أخت بلال على أن الخصلة تعود فعلا لتقوى
وكذلك قريبات تقوى من جهة الأب
فمن المعروف عن تقوى احتفاظها بخصلات شعرها المقصوصة لتستخدمها لإطالة شعرها وقتما أحبت
تدخلت صباح مستخدمة كل نفوذها لتزوير تقرير الطب الشرعي وأفلحت في ذلك
النقود لطالما اشترت لها ما تبتغي
الشيء الوحيد الذي لم تفلح النقود في تحقيقه لها
كان جمعها بمن أحبت
كانت صباح مستلقية على سريرها والأفكار تتواتر عليها
وبغتة شرع شاهين الباب ليصفقه خلفه وتقدم نحوها بعيون تومض شررا مخيف وتبدلت ملامحه على حين غرة ليستولي على حافة سريرها وهو يتمتم لها مهنئا بنعومة ويُقرب أنفاسه منها :" مبارك لكِ تخليص بلال من السجن.... ولكن تخلصكِ مني سيتم على جثتكِ أنتِ الهامدة.... لو فكرت في لم الشمل مع بلال سيكون عليكِ أن تتذكري أن شاهين جُبِلَ ليكون شرير".....
واعتلت ابتسامة مقيتة ثغره وهو يردف وكان يدق على وجناتها حينها :" أفيقي يا صباح..... ليس لكِ مني فكاك".....
تراجعت صباح بجسدها وشبكت أناملها في قبضة مضمومة وقالت بملامح متصلدة منغلقة التعابير :" ذلك ذات ما تفوه به جدي الله يجحمه لجدتي قبل أن يلاقي حتفه مقتولا..... لست أنا من تتهدد يا شاهين..... أنت من ينبغي عليه أن يستفيق!!!!!"
قالتها بنعومة جففت الدم في عروقه
وارتعدت لها فرائصه
فهو يعرف الحقيقة
يعرف كل شيء......
***************************************
دلف أحد العساكر له وتفوه برسمية :" هناك سيدة تريد مقابلتك يا حضرة الظابط تقول أنها تدعى ريحانة وأنك تعرفها".....
قطب سيف جبينه غير متذكر هوية تلك الريحانة فأعرب بنفاذ صبر :" أَدْخِلَها وكفى"....
دلفت ريحانة بهدوء وافترشت المقعد المقابل لمكتب الظابط.....
أَعْمَلَ سيف نظره وهتف :" أنتِ هي.... صديقة أعمار زبرجدة".....
أومأت ريحانة برأسها وتمتمت:" نعم أنا هي"....
وجابهت سيف نظرا وأعربت وابتسامة باهتة مريرة تتشقق من ثغرها :" حينما قابلتك أول مرة اعتبرتك فلقة قمر..... بارقة أمل لم تسمح لي أعمار زبرجدة بأن تلوح في أفق رؤياي.... السجن امتص عمري أنا وزبرجدة وأذاب شبابنا وأحالنا جيفة بعدما كنا شابتين يافعتين مفعمتين بالأمل في الحياة.... أعمار دوما وصفتني بالمتذبذبة الأركان المتخبطة الوجهات.... وذلك يليق بي.... التهمة التي تم إدانتي فيها كانت جريمة قتل.... قتلت أمي بأعصاب باردة لأنها سبق ودست السم لأبتي لتتخلص منه ويصفو لها عيشها مع عشيقها... تلك الفأرة الجبانة التي هي أنا استحالت في لحظة قاتلة تتلذذ برؤية نوافير الدم تتفجر من جسد والدتها.... لن أسهب في الحديث عني.... وعموما أنا ممتنة للقضاء الذي أَشْفَقَ على عمري الغض الصغير وحكم عليّ بخمسة عشر عام.... في السجن لم يَكُن لي ظهر فصرت بهلوانا يجتذب القهقهة عليه وذلك كان أفضل من إحالتي خادمة لاحداهن.... حينما دلفت أعمار السجن كانت منغلقة على نفسها.... حاولت احدى السجينات الثريات نتف ريشها والحِطَّة من قدرها.... لم يعجبها تقوقعها على نفسها.... وعدم تملقها لها.... واستخدمتني لأقوم بحركة تجتذب القهقهة عليها..... أَلْصَقْت ذيلا بثوبها من الخلف.... تطلعت نحوي حينها كانت تعرف بأني الفاعلة فمن سواي تجيد تلك الأمور.... وابتسمت عن ملء شدقيها لي.... كانت فتاة مجذوبة ولازالت.... لم أفهم لمَ ابتسمت لي حينها..... بمرور السنوات عرف المعول وراء ابتسامتها.... كانت سعيدة لأني أحططت من قدرها..... كانت تستلذ بإذلال البشر لها.... كانت بتلك الطريقة تكفر عن ذنبها..... كانت تمنحني الضوء الأخضر لأباشر بإهاناتها دون رادع منها..... وواتت السلطانة الزنزانة.... وأية هيلمان لسجينة سواها اضمحل بمجرد وصولها.... لم تعجبها أعمار كذلك.... وسعت لمضايقتها وإزعاجها لأنها لم تداهنها مثل البقية.... وبغتة انفجرت الزائدة الدودية للسلطانة وحدثت لها مضاعفات خطيرة واحتاجت نقل دم فوري فتبرعت لها أعمار عن طيب خاطر بمجرد معرفتها بأنها تحمل ذات زمرة دمائها.... صارت زبرجدة المقربة للسلطانة..... ولم يجسر أحد على إزعاج زبرجدة بعد ذلك بما في ذلك السلطانة نفسها..... حينما خرجت من السجن تلقفتني السلطانة وأدخلتني في مجال أعمالها.... وصرت قوادة آثمة مثلها.... واكتسبت ثقة بالنفس ولم أَعُد بهلوانا.... وأحببت هذا الهيلمان ونسيت أني بت أعمل في مستنقع قذارة.... خططت مع ساندي كيفية إعادة أعمار لتصير طوع بنان السلطانة.... استخدمنا أمورا عرفناها عنها وحققنا مأربنا.... وأعدناها..... رغم أن كلتينا أحبت أعمار في زمن مضى إلا أننا لم نرتضي أن تظل بريئة ولا تتلوث مثلنا بتلك القذارة التي نعمل فيها.. كان عليها أن تسقط مثلنا لنستريح كلنا!!!!...."....
أطلقت ريحانة زفرة حارقة وأعربت وهي تتواصل مع سيف بصريا :" أعمار لم تموت..... تلك الجثة التي انتشلتموها لم تَكُن لها..... أعمار ستضيع لو صارت مثلي ومثل ساندي.... أعمار تختنق وتتهاوى.... وتلك برغم كل شروري المنصرمة تظل صديقتي الوحيدة.... أنا أتوسل إليك الوقوف بجوارها.... أعمار لها عائلة تحبها ولا مناص من أوبتها لها..... وهي حدثتني عنك.... عن كونك انتقلت لقريتها وتعمدت إذلالها منذ ذلك الوقت.... أنا متأملة فيك على عكسها!!!!.... أنت مختلف عن بقية الظباط الذين كانوا يتوافدون على سجننا.... لم تكن متعجرف مثلهم.... لست زائغ البصر مثل بعضهم.... لست شهواني مثل من سبقك ذلك الذي يدعى سامح والذي لم يكن يتوقف عن استغلالهم.... أنت نزيه.... ولكن عيبك الوحيد أنك تطلق أحكاما خاطئة وتصدقها.... أنا أستجير بك..... بأن تُعيد الظبية الشاردة لقريتها موفورة الكرامة.... بأن تنقب عن الحقيقة خلف الأكاذيب التي طمستها..... هل تجرؤ يا حضرة الظابط؟!!!!"
سألها سيف وهو مقطب جبينه مفكرا :" كل ما استخلصته من كلامك أن أعمار حية وأنها تعمل قوادة الآن!!!!"
قاطعته ريحانة محتدة وهي تصفع ظهر المكتب بحدة طائلة :" ذلك لأنك بليد التفكير.... أعمار رفضت أن تسير في ذلك الطريق.... هي رفضت بضراوة.... والسلطانة ماتت.... وهي مهددة الآن بقتل توت وناجي وسلمان إذا لم تذعن وتستجيب.... إلى متى ستظل العدالة معصوبة الأعين.... يبدو أني أخطأت بالمجيء".... وشملته برمقة احتقار وغادرت كما العاصفة العاتية المكان
ظل واجما لهنيهة قبل أن يلحقها بأقصى طاقته.....
وبغتة جحظت عيونه عن محجريهما حينما رأى من كانت تنتظر ريحانة في سيارتها.....
وهتف بتلقائية وهو غير مستوعب أبدا:" أم محمود!!!!"
جابهته أم محمود نظرا وتفوهت بصرامتها الصعيدية وهي تشمخ بأنفها:" بشحمها ولحمها".....
*******************************************
|