كاتب الموضوع :
بنت أرض الكنانه
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: حمامة الأرباش الفصل السادس عشر ج1
بقية البارتوت السادس عشر
ههديه لكم
نجمة ساطعة
blue may
احلام طائرة
مملكة الغيوم
ممتنة لكم تشجيعي
وانتم من يكتب حمامة الارباش فعلا
نجمة اول من قرأت حمامة الارباش حينما كان اسمها من منطلق حب واول من شجعتني
blue may عرابة القصة في ذلك المنتدى الباذخ
احلام طائرة اكتر انسانة بحبها في الدنيا وهي عارفة
مملكة الغيوم في تلك المرحلة كنت محتاجه لدعمك وردودك الطويلة الجميلة بثثتِ فيا طاقة عجيبة
يللا حاجه على ما أُسُم بلهجتنا
وحبيت ارسم بسمه على شفاهكم قبل ما اقلبها نكد في الفصل القادم
وانتم عارفين نكدي..... مستطير
بس احتمال اتحدف بالطوب واترمى بالشباك وحاجات كتير تحصل
البارتوت الثاني من السادس عشر
ملك
هوى "علي" في قلبها يُضيء العمر إشراقا، هي لم تعشق قبله أبداً بما في ذلك آدمز، آدمز ظهر في حياتها حينما تداعى العالم أمامها، اكتشافها أنها ليست ابنة الصديقي كان صدمة فاجعة لها، آدمز انتشلها من صومعة انهيارها.... من نبذها للحياة وتسربلها في زي الراهبة، هي ممتنة لآدمز مدى عمرها، التقته وهي راهبة تنشد الترانيم في كاتدرائية ستراسبورغ برفقة زميلاتها، ظل يحدق فيها مسحورا ومن ثم تبعها وكأنه ظلها، أبدت استيائها وطالبته بالتوقف عن اقتفاء أثرها ولكنه لم يأبى لحديثها، قدم تبرعا ضخما لدير الراهبات الذي تقيم فيه والذي يدير عدة مشروعات خيرية، شعرت أنه فعل ذلك كي لا تأبه الراهبة الأم بحنق ملك من تتبعه لها، وبالفعل ما خطط له أتى ثمره كاملا فالراهبة الأم اعتبرته كريما ومعطاء ويستشعر حاجة الفقراء، وباتت تمتدحه مع كل زميلاتها في الدير وتَعِدَّها متجنية عليه ومجحفة في حقه.....
التفرغ لعبادة الله والتقرب منه واستشعار عظمته في قلبها كانت فترة لا مناص من مرورها بها خصوصا بعد تخبطها ريثما اكتشفت أنها بلا هوية وليس لها محل انتماء حقيقي.....
فريدة الأحمدي كانت سِكِيرة... مقامرة.... مختلطة العرق، مزدوجة الجنسية تحمل المصرية والفرنسية، كانت منحلة إذا جاز لها أن تصف من منحتها اسمها بذلك، كانت تنحدر من سلالة عريقة إلا أنها كانت مهووسة حينما يتعلق الأمر برجل يلفظها وينبذها، وهذا الرجل لسوء حظ ملك كان والدها أحمد!!!!......
فريدة كانت مختالة فخورة بنفسها وساءها ألا يعيرها أحمد الجبالي أدنى اهتمام وألا يكترث بها.... ظلت تطارده وتُلْقِي بنفسها عليه.... ولكنه عافها وهذا جرح كبريائها فهي فاحشة الجمال وكل الرجال يسيل لعابهم عليها.... كان أحمد الجبالي مطلق والدتها أزاهير آنذاك لسبب لا يعلمه أحد، وكانت والدتها آنذاك تتنقل بين الرجال عبر ورقات زواج متوالية.... ولكن تلك الحقيقة لم تثني فريدة الأحمدي عن مخططها..... أوعزت ليتم اختطاف احدى الطفلتين من سرداق مشتريات بالاسكندرية.... لم ترغب في الاثنتين فقط واحدة لتفطر قلب أحمد عليها للأبد حينما يطالع شقيقتها التوءم ويتساءل بعجز عن مكانها وعن كيفية حالها..... ظلت ملك تجهش في البكاء لأيام وتطالب بأوبتها لعائلتها لكن فريدة كانت تستلذ ببكائها ولم تشفق عليها أبدا، كلما انفطرت في النحيب كلما سكبت لها طعام بائت ضئيل لا يقيها شر الجوع..... وكلما تملكها الهذيان المحموم باسم عائلتها اجتبت لها حَشِيَّة تالفة لتفترشها نائمة.... هددتها فريدة الأحمدي بإحراق وجهها لو ثرثرت في المطار عن حقيقتها وبأوراق مزيفة تمكنت من تمريرها من مصر واستقلتا الطائرة لفرنسا
غيرت فريدة الأحمدي مِلَّتِها كمسلمة..... واتخذت ديانة والدتها الفرنسية عقيدةً لها.... مزدرية الإسلام ومتهمة إياه بأنه سبب تخلف البلدان العربية..... خمر ورجال وسهرات فاحشة.... تلك كانت حياة فريدة الأحمدي..... تشعر ملك بالاشمئزاز... وبرجفة ارتعاب تنتهك بدنها كلما تذكرت تطاول بعض رجال فريدة أحمدي على جسدها... رغم أنها كانت لا تلبث طفلة في مقتبل عمرها ولا تُشكل مطمع في عيون أدنى أحد بفطرة سليمة.... ومن رحمة الله أن الأمر لم يجتاز التحرشات فهو لم يصل مطلقا لأبعد من ذلك..... بهتت ذكريات ملك بمرور السنوات..... عند سن التاسعة صارت الأيام التي عاشتها في مصر ضباب في عقلها....
روكسان ذلك الاسم الذي وصمتها فريدة به..... أرادتها صخرية المشاعر متحجرة الشعور.... كانت فريدة تأمر خادمتها بإلقاء الطير المذبوح لتوه صوب جسد ملك.... كان الطير يلاقي سكرة الموت على جسد الفتاة ودمه يلطخ كل ما فيها.... كانت فريدة غير سوية التفكير تستلذ بالسادية.... وفي أحيان أخرى تزعم غرامها بالصغيرة فتصطحبها في نزهات وتدعي أن هناك جن شرير متلبسها يُملي عليها تصرفاتها وعلى ملك تفهمها والغفران لها.... وحينما تتهدج حواس ملك لها وتقرر مقاربة فريدة والغفران لها تنقلب فريدة وتتلذذ وهي تقوم بحركة تُلقي الروع في قلب الصغيرة.....
أعلنت فريدة إلحادها بعدما تسربت الإنسانية تماما من قلبها.... كانت تجبر ملك على ممارسة طقوس الإلحاد معها وترغمها على التفوه بإهانات لمن خلقها.... كانت فطرة الفتاة السليمة تأبى تدنيسها.... تأبى الاعتراف بأن الكون منظومة عبثية ستبدأ وتنتهي من تلقاء ذاتها.... انطفأ بريق عيونها وذبلت كافة أغصانها وصارن الكون مريرا في نظرها..... كثرة الضرب المنهال على رأس الصغيرة عبر سنوات حياتها مع فريدة - والذي تفاقم حينما أبدت استهجانها وتقززها من منوال الحياة الأخير التي تتبعه فريدة - تسبب في طمس الذكريات التي كانت عالقة في ذهنها عن وطنها الأم.... وعن عائلتها...
على احدى الشطآن.... كانت ملك ترتدي لباس سباحة من قطعتين... كانت في التاسعة آنذاك.... ولكن جسدها كان قد بدأ الدخول في طور المراهقة.... وملك شعرت بأنها عارية أمام أحداق البشر يلتهمون آدميتها وينهشون براءتها..... فريدة أجبرتها على هذا اللباس.... وملك لم تعد تتحمل.... اختطفت مِبْذَل من أمام فريدة لتتستر به و ركضت بعيدا عن أحداقها لتنفطر في النحيب المرير.... لم تبالي فريدة بتتبعها فلقد كانت تتمتع مع صديقها الجديد وتقهقه وإياه عن خجل المعتوهة.... ولكن يدا حانية ربتت عليها..... سألها بصوت ملؤه الدفء بعث السكينة في حناياها :" ما بكِ يا صغيرتي؟!!!!!"
رفعت ملك أحداقها إليه ولأول مرة كانت تطالع الصديقي ميخائيل.... مغترب مصري يغترف من النقود الكثير
أجابته ملك وهي تُسرع الخطى مبتعدة عنه :" لا شيء يا عماه.... ذرة رمل جرحت عيني".....
جذبها الصديقي من معصمها ليديرها إليه وثبت بصره عليها وأعلن مستوثقا من صحة ما يتفوه به :" ذرة الرمل تجرح عين واحدة فما بالك بالعينين؟!!!.... كلتاهما متشربتان دما.... خيوط الدم تشابكت فيهما لتصيرا حمراوتين تماما.... لست أحمقا يا ابنتي فإياكِي أن تعتبريني كذلك!!!!.... أنتِ كنتِ تبكين بمرارة ولا أدري حقاً لمَ ولكن دموعك تؤذيني"....
نطقتها بلهجة مصرية... عاشت مع فريدة ضائعة منها... مطمورة بقاياها في تكوينها:" هو أمر تافه ولكنك تعرف الصغار كم تؤذيهم التوافه!!!"
انكمشت أحداق الصديقي محملقا فيها وسألها بفرحة عارمة تغمره :" أنتِ مصرية؟!!!!"
هزت رأسها لتجيبه بإدراك وهي مثبتة البصر عليه كذلك :" وأنت كذلك!!!"
تناهى لسمع ملك صوت فريدة يأتي من ورائهم متذمرا :" أين اختفيتِ يا فتاة.... خفت أن تكوني ودعتِ الحياة".... نطقتها بتهكم وهي تلوي شفتها وتتخصر
حينما التقى وجه فريدة بخاصة الصديقي تصلبت مكانها محملقة فيه
نقلت ملك بصرها بينهما غير مستوعبة ما الذي يجري
هتفت فريدة غير مصدقة آنذاك :" الصديقي"....
أجابها وهو يومئ برأسه وابتسامة حبور وتوق تعلو ثغره :" بشحمه ولحمه سيدتي".....
اتضح أنه كان هناك علاقة حب ملتهبة بين فريدة والصديقي في الماضي البعيد.... وأن حب الصديقي كان صادقا جدا ومضطرم الجذوة..... وأنه شعر بحائل يعوقه عن فريدة فهما من ديانتين مختلفتين في مجتمع لن يرحب بهما أبدا مجتمعين.... ولكنه قرر تحطيم العراقيل التي تفصله عنها فالحب الذي كان يستشعره هائج وفائر وثائر.... ارتطم برفض والدها له.... وآنذاك لم تكن فريدة تقوى على معارضة والدها..... كان وصيا عليها بالكامل وهي كانت تتبعه..... مدينة له بالولاء المطلق..... لم تكن فريدة تفعل ذلك لأنها تحبه بل لأنها تخاف على إرثها منه وعلى الرغد الذي تعيش فيه لو عارضته وهربت مع المعدم آنذاك الصديقي....
حب الصديقي لفريدة عاد ليتأجج من جديد..... ولم يستقصي عنها مطلقا وهي خدعته ببراءة مزيفة وبتمثيل متقن.... استحال الصديقي نجما في سماء فريدة يسري.... وغمر الصغيرة ملك بحبه ودعمه وتفانيه لإسعادها.... وسافرت ملك فوق قمم السحاب حينما أعلن الصديقي وفريدة وهما متشابكي الأيدي أنهما سيتزوجان..... فريدة استحالت حانية معها جدا في تلك الأيام خوفا من أن تفضحها ملك لدى الصديقي..... وملك بسذاجتها صدقت توبة فريدة..... وشعرت بالفرحة العامرة لأن الصديقي سيظل معهم للأبد.... هو حمايتها من شر الحياة.... هو استجابة الله لصلواتها التي كانت تسكبها بعيدا عن أحداق فريدة كي لا تطيح بها.....
انحنى الصديقي حيالها آنذاك وسألها بعيون تومض إشراقا :" سعيدة للخبر يا ملاكي!!!"
أومأت ملك برأسها وعيونها تشع بألف شمعة وأجابته بتمتمة أجشة :" أنت متيقن من أني كذلك".....
وتلاحما في عناق متقد الجذوة
وحينما انفصلا وعيونهما مغرغرة بالعبرات
سألته ملك بتردد :" أيمكنني مناداتك أبتي؟!!!"
بان التردد على محيا الصديقي ونقل بصره صوب فريدة ليُعيده للصغيرة وهو يتفوه بما فاجأ الصغيرة وأَسَرَّها جدا :" أنا فعلا والدك يا ملاكي...... ذلك خبر قررت أنا وفريدة أن نُعْلِمَكِ به اليوم.... وأنتِ منذ اليوم انجيلا فذلك الاسم هو ما يليق بكِ..... انجيلا الصديقي"...... وانتفخت أوداجه زهوا بها
ارتمت في حضنه تسكب العبرات مدرارا وهي تردد بتوق محموم للكلمة :" أبتي.... أبتي".....
وتوسدت راحته كما يتوسد طفل متعب راحة المهد.........
لقد كان ظمأها لكلمة أبتي مُرْدِي
والشجن حيال حرمانها منها قاتل
**********************
تتضح كل الأشاوات بمرور السنوات
الصديقي عقد اتفاقا مع فريدة أن يعلن أنه والد الفتاة الحقيقي ليكون لها محل انتماء
ففريدة زعمت بأنه قد تم التغرير بها على يد شاب متلاعب خلَّفها حامل ورائه ولكنه لاقى حتفه في حادث منذ سنوات
وأنها اضطرت هجر وطنها العزيز لأنه لن يرحب بأم عزباء أنجبت طفلا عن طريق السفاح
وهي ليست قاتلة لتجهض جنينها هي قررت أنها ستتقبله وتحبه وهذا ما فعلته برغم كل الصعوبات والتحديات
وزعمت أنها باقية على حب الصديقي ولكنها لحظة ضعف ألمَّت بها وترجو من الله ومنه أن يتجاوز عنها ويغفرها لها
بعد زواج فريدة من الصديقي
ظلَّ سر حياة فريدة العابثة سرا في جوانح ملك يختنق
لم تجرؤ على البوح به
خافت من تبدد ذلك العالم الوردي لو فعلت
خافت نبذ الصديقي لها أو تشكيكه في نسبها لو علم أية فاسقة كانتها فريدة
ظلت ملك تتلظى على الجمر لسنوات والتوجس يداهمها في كل ميقات بأن تلك السعادة لن تدوم وفضائح والدتها فريدة ستتجلى لوالدها الصديقي ذات يوم
لو تخلى عنها الصديقي كانت ملك ببساطة ستموت وهاجس أن ينبذها ظل يطاردها لسنوات لينغص عليها حياتها ويحرم عيونها رقدة الأجفان
كانت فريدة تُبدي غيرتها وتأففها من ملك كلما انفردتا في غياب الصديقي
وحاولت إقناع الصديقي بإرسالها لمدرسة داخلية لتصير منضبطة وجدية عندما تشب
ولتُقْصِي الفتاة التي تُذكر الصديقي بزللها في الخطيئة
وكل ذلك لم يُدحض عزيمة الصديقي بأن يُنشئ ملك كأنها ابنته
كان عقيم هذا ما اكتشفته ملك بعد سنين
هي الشراع الذي انتشل قاربه من الغرق المحتوم
وهو من أبرأ الكثير من الندوب الغائرة التي حفرتها فيها فريدة
كانت علاقة نفعية للطرفين ولكنها قائمة على الحب المتبادل الصادق العميق
حبهما وإيمانهما ببعضهما البعض كان الملاذ الوحيد لانتشالهما من دوامة بؤسهما وشقائهما
وتم طلاق فريدة والصديقي بعدما نشبت بينهما خلافات طاحنة
وتعلم ملك بعد مرور السنوات أن المعول الحقيقي وراء الطلاق كان خيانة فريدة الجسدية له
وصار الصديقي الوصي عليها وأغدق فريدة باتفاقية طلاق باذخة وكل ذلك كي لا تطالب بالصغيرة وتنتزعها من أحضانه
قبل أن تموت فريدة كان لا مناص من قيامها بعمل صالح أخير تبعا لوجهة نظرها
وعلى فراش المرض بالمشفى طلبت ملك لتمثل أمامها واعترفت لها بأنها ليست ابنتها أبدا وتباعا هي لا تمت للصديقي بأدنى صلة
وزعمت بأنها فتاة لقيطة كفلتها من ملجأ بمصر
كانت حاقدة عليها حتى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة
لم تصدقها ملك
طالبت الصديقي بإجراء تحليل الحامض النووي لهما لتستوثق من مدى صلتها به
مدعية بأن فريدة زعمت بأنها ليست ابنته وهي تفارق الحياة
زاغ إبصار الصديقي وامتقع لونه وسرت قشعريرة باطشة في بدنه حينما أفضت له ملك بذلك
ذعره كشف لملك الحقيقة
وهو حاول التملص من ذلك المحشر الذي سيحطمهما
أحاط بيديه أكتاف ملك وحدق في وجهها وتوسلها ألا تفعل بهما ذلك
وأَجْزَم لها أنه مستوثق من نسبها
وأنها منه
ولكن عيونه كانت تشي بكل ما يعتريه من هلع
وملك رحلت بعدما عم المساء ربوع المكان
وبعدما طبع الصديقي قبلة على مفترق شعرها متمنيا لها ليلة طيبة ليخلفها في فراشها ريثما دثرها جيدا
تبعته ملك وهو يختفي من أمام أحداقها بحنين لرجل لن تنسى فضله عليها يوما
وحالما فعل التقطت حقيبتها المعدة أسفل الفراش ولاذت من ذلك الجحيم الذي ألقتها فيه فريدة
تلك المرأة الخبيثة أفسدت حياتها حية وميتة
دفنت ملك زهرة نقائها بيدها مغترفة من الجعة بنهم.... مكرسة نفسها لسهرات سرمدية لا تنتهي تبدأ في النوادي الليلية ولكنها غالبا لا تنتهي فيها
بل تنتهي في شقة أحد أفراد شلتها الجديدة
تخبطت وجهاتها وانتشر الغمام الأسود فوق حياتها
كان من الممكن أن تتخلى عن جسدها كما تخلت عن روحها ولكنه ظل نفيسا لها لا تدري لمَ
ربما لأنها وصية الصديقي لها.... أن تحافظ على طهرها لتكون فقط لبعلها
فهكذا كل الفتيات الشرقيات وهي شرقية في صميمها وإن نشأت في بلاد الفرنجة وترعرعت فيها
لم تجرؤ على تخريق الخيط الذي يربطها بهوية الصديقي كأب حقيقي لها!!!!
وفي احدى شقق أصدقائها حينما ثَقُل رأسها من جراء الخمر الذي ابتعلته بشراهة عالية
حاول أحدهم تدشينها ببصمته
ولكنها قاومت وصمدت وحاربت بضراوة عاتية
شعرت كأن غيمة الخمر تنقشع من عقلها
كأنها صاحية وواعية تماما لما يجري لها
ومتحفزة ضد من يضمر لها شرا وينتوي زجها في سبيل الهلاك
وكأن أحدهم يرفع يده في تلك اللحظة بالذات ويبتهل لها النجاة!!!!
حالما فكت ملك نفسها من قبضته غادرت الشقة مهرولة
ولم تعد لذلك المسلك أبدا
توجهت لكنيسة لتصلي فيها
وسكبت فيها عبرات الندم والتوبة
وصارت منذ ذلك اليوم راهبة تبتغي الوصول للسكينة الحقيقية
لربما لكل هذا اتخذت مارسيللا صديقة مقربة منها بعد ذلك
هي كانت آيلة للسقوط
ولذا هي تتفهم مارسيللا ولا تراها تستحق الجمر
هي مستأهلة فرصة لتتوب وتتطهر
كلنا نستحق تلك الفرصة
فكلنا آيلون للسقوط
بعدما أفضى لها "علي" أنها ملك وليست أمان قررت مواجهة أزاهير وسؤالها مباشرة
فاسم ملك الأقرب فعلا لها وتستشعره في دواخيلها يخصها
في غرفة أزاهير..... توجهت نحو النافذة الموصدة لتحدق بها ولم تراوغ واعترفت ببساطة وهي تشبك أناملها في قبضة واحدة
:" نعم أنتِ ملك أما أمان فهي من رحلت في حادث السيارة الدامي..... ونعم كنت أعرف أنكِ الابنة التي انسلخت عني لسنوات.... لم يكن هذا الأمر محل التباس عندي..... لا توجد أم لا تستطيع التفرقة بين أولادها حتى لو تماثلوا.... ونعم لم أتفاجئ حينما انتشر في الجرائد كون ملك الجبالي وانجيلا الصديقي وجهين لعملة واحدة.... أنتِ خدعتيني بادعائك فقدان الذاكرة وأنا خدعتك وزعمت أنكِ الابنة التي نشأت وترعرعت أمام أعيني.... متعادلان يا ملاكي.... متعادلان تماما.... أنتِ مخادعة وكذلك أنا...."....
واستطردت :" بعدما اِخْتُطِفْتِ منا.... دخلت أمان في مرحلة جمود..... كانت طفلة تقارب الخامسة ولكن هيئتها تتراءى لكِ وكأنها تموت.... طيفكِ يسيطر عليها.... يتراءى لها حتى في نوبة نومة متقطعة تداهمها من فرط إعيائها ولكنها لا تطول.... كانت تهذي بأنها تمنت أن تختفي قبل اختطافك لأنكِ تسرقين الأضواء منها.... ولهذا أنتِ اختفيتِ.... لأن الله لبى طلبها... كانت تتيقظ من موجة الغشيان التي تُلم بها من فرط إجهادها وهي تصرخ بأن أحدهم يُطفئ السجائر في جسدها..... ويكيل لها الضرب المبرح وهي لا تتمكن من صده أبدا..... وحشة تلفها حتى ونحن نحيطها.... تقول أنكِ تتعذبين..... أنها شريرة لتُلحق بكِ هذا المصير.... السقم استشرى فيها فالطعام لم تكن تتذوقه وحتى لو أجبرناها على تناوله كانت تتقيأه كاملا.... اختلَّ فودها.... لم يعد يتحمل إهمالها له..... وسقطت مغشية عليها.... في المشفى أعطاها الأطباء محاليل تغذية لتدب الحياة فيها..... وحينما استفاقت..... بدت متبدلة وهتفت في :" أين أمان يا ماما..... لمَ لم تُحضريها معكِ؟!!!"..... فسر الطبيب النفسي حالتها بأنها قررت إحياء ملك ولو على حسابها!!!!.... فكرنا في أن نواجهها بالحقيقة إلا أني رفضت..... لقد عادت تتبسم حينما تلحفت باسمك واستسقت بعطرك!!!!..... صدمة رحيل شقيقتها التوءم كانت فاجعة لها ولكن وطأتها كانت أقل وهي ملك عما كانت وهي أمان.... ومنذ ذلك اليوم صارت أمان ملك.... وصارت ملك روحا تحيا في جوف أمان".....
وأردفت وعيونها مغروقة بالعبرات الكثيفة :" حينما عثرت الشرطة على الملابس التي كنتِ ترتديها قبل اختفائك طافية على سطح احدى الترع بطريق القاهرة – الاسكندري خارت قواي تماما واستسلمت للانهيار..... ولكن أمان ظلت تردد أنكِ حية وأن علينا ألا نيأس ونبحث عنكِ لنعيدك إلينا.... كانت تقول أنها تشعر بكِ.... وتزعم بأنكِ تتنفسين في مكان ما وتبتهلين لله عثورنا عليكِ..... كنت أحسبها ترهات تتصورها..... ولكنها ظلت تفتش عنكِ.... كلما قست عليها الحياة كانت تفتش عنكِ بجنون لتتوكأ عليكِ.... كانت تؤمن بوجودك..... لأنها تعرف في بواطنها بأنها ستزعم أنها أنتِ فقط حتى عودتكِ.... حبكِ كان واحتها حينما يضيق عليها الليل ويلفظها النهار.... علمت بأمر فريدة الأحمدي.... بأنها كانت مهووسة بوالدك وهددت يوما أمام الملأ أنها ستحرق قلبه نكاية فيه لأنه تصرف بجلافة معها..... آمنت بأن يأس المرأة وحقدها حيال رجل قد يمزق أواصر أسرة بالكامل.... استقصت أخبارها وعلمت صدفة أنها تعيش في فرنسا وأنها تزوجت حبيب صباها الذي صار مليونيرا عملاقا.... سيطر عليها هوس الوصول إليها وقررت ذلك فعلا فحجزت تذكرة سفر لفرنسا وذهبت إلى هناك..... بقية القصة أريد أن أسمعها منكِ لأنها لم تخبرني بها..... كيف كان لقاؤكما؟!!!!.....".....
استدارت نحو ملك التي كانت واجمة مشدوهة من جراء ما سمعت واستطردت أزاهير وهي تومئ برأسها :" نعم لا تندهشي هكذا..... هي أخبرتني قبل وفاتها أنكِ حية وأنكِ ستوافي مصر لتقومي بمواساتها لرحيل زوجها نديم..... بعد حادثكما الأليم خُفْت أن تتبددي مني حينما تصلبي عودكِ وتتماثلي للشفاء لذا زعمت أنكِ ملك..... والعجيب أنكِ فعلا ملك".....
سألتها ملك وهي معقودة الحاجبين عابسة :" من كان يشكل تهديدا على حياتها؟!!!.... هل تلقت تهديدات قبل وفاتها؟!!!"...
كلمة واحدة انطلقت من فم أمها لتجمدها تماما :" رائد!!!!"
واستطردت وهي تقترب منها وتدور من حولها :" لم يهددها صراحة.... ولكني لم أثق به يوما.... هو وصولي ومادي وحقير!!!.... له علاقة بمقتل ابنتي.... هذا ما أشعر به.....".....
سرحت ملك بتفكيرها وعلقت شاردة :" التقيته منذ بضعة شهور.... بدى نادما على تخليه عني لصالح ورد...... بدى صادقا جدا"....
ردت أمها بعبوس :" هكذا هم الثعابين.... وهو أرقم أسود لعين.... لم أقبل أبدا زواجه من أمان.... بدى لي طامعا بها فهددتها بحرمانها من ميراثي لو تشبثت به..... وأبلغته بذلك فتخلى عنها بمنتهى اليسر والسهولة وبدأ يحوم حول ورد نوار..... أمان ورثت من والدها أحمد القدر الضئيل فجدكِ عليّ كان لا يلبث حيا ويمتلك كافة مقاليد الأمور.... وهو لم يحب أمان يوما ليشملها برعايته ويبسط لها نقوده.... كانت تمثيلية.... لم أكن أنتوي حرمانها من الميراث فعلا لو تشبثت برائد..... كنت ببساطة أختبره وهو أَخْفَق باقتدار.... ورد كانت واهمة في رائد بسبب أمان.... كان أي شيء تحوذه ابنتي تسعى هي خلفه أيضا.... وأي شيء تراه أمان نفيس لا يغمض لها جفن حتى يصير لها مثله تماما.... برغم كل هذا لن أنكر أنها أحبت ابنتي واعتبرتها قدوتها.... وصارت تحذو حذوها وتسعى لتكون مثلها!!!"....
عادت تلك الفكرة لتستحوذ عليها تماما
حقيقة أختها تكمن في عيون ذلك الشاب المدعو رائد
عيون زئبقية غامضة لا تفصح عن شيء مطلقا على عكس لسانه الأملد الذي يسترسل في الحديث ببراعة منقطعة النظير
وتخالطت تلك الفكرة مع كلمات جورية ذات فين
" اجتبيتيها لتكون صديقتك ولكنكِ لفظتيها بمنتهى السهولة واليسر فقط لأنها وقعت في شباك من أدنيتيه منها، لكِ جانب شرير يا رفيقة!!!!"
تناهى لسمعها صوت أمها ينتزعها من شرودها :" اجلسي يا ابنتي فالحديث سيطول".....
أعربت لها ملك وهي تلاقيها بصريا :" أريد أن أستوضح منكِ كافة الحقائق والأمور يا أمي فهل ستسمحين لي؟!!!"
أحاطت أزاهير أكتاف ابنتها بيديها وقالت وهي مسلطة بصرها عليها :" حياتكِ على المحك يا ابنتي..... خَفَتَ عنكِ الخطر حينما أعلنا فقدانك للذاكرة.... ولكن شهادتكِ في حق رائد عادت لتؤجج النار من جديد!!!!.... محاولة قتلكِ في المشفى بعدما أهرق علي دمكِ لم تُكَلَّل بالنجاح.... ولكنها تجبرني على البوح لكِ بكل شيء.... أعرف أن الصديقي ميخائيل يدعمك وأنه يستخدم كل نفوذه للوصول للمعتدي عليكِ في المشفى..... ولكن لم يَعُد من الممكن أن أخفي عنكِ أي شيء أكثر من ذلك....".....
افترشت ملك حافة السرير جالسة واحتلت أمها البقعة المجاورة وأفصحت بمرارة وكتفاها يتهدلان وهي ناكسة الرأس :" أحد أزواجي اغتصب أختك وهي صغيرة!!!!!..... استحالت تكرهني وطالبت بإدخالها لمدرسة داخلية.... ولم تواجهني بما ارتكب!!!!..... فقط قررت حبس نفسها في مدرسة داخلية كي لا تراه مجددا..... هو من تباهى بذلك أمامي..... تباهى بامتلاكه الأم وابنتها في نوبة جنون عظمة داهمته.... أمان فقدت شعورها بخصوصية جسدها منذ ذلك الحين.... صار تستشعر رخصا في نفسها وأضحى الأمر كابوسا لا يفتأ يقتحم ليلها....".....
طالبتها ملك بصوت أجش وهي مقلصة حيز عيونها :" وأمورة تعود لمن؟!!!.... من هو والدها الحقيقي؟!!!!"
زاغ بصر أزاهير وامتقع وجهها وحاولت التملص من المحشر الضيق ولكن ملك أجفلتها بقولها :" رائد.... أليس كذلك؟!!!"
وطالبتها :" هل يعرف أنه والد أمورة الحقيقي؟!!!!..... وهل لهذا تكرهينه وتريدي إلصاق حادث أختي المدبر به؟!!!"
هتفت أزاهير متبرمة :" هو أرقم أفعوان أنا لا أتجنى عليه..... ولا.... أمان لم تخبره يوما بشأن حقيقة صلته بأمورة...."....
واستطردت:" حينما كانت في مغبة حبه عمياء... استسلمت له كوسيلة لتخبره أنها ليست عذراء لتختبر ردة فعله..... بدت ردة فعله متحضرة وغير آبهة بما وقع لها..... وهذا أسعدها جدا وملأها إيمانا بأنها تحصلت على حبها الحقيقي.... ولكنه طالبها بتكرار الأمر المشين معه وحينما رفضت وأكدت أن هذا الأمر لن يتكرر حتى زواجهما.... وافاني ليتقدم لها وحينها أبلغته بملء فمي أني سأحرمها من كل شيء لو تزوجت به..... أخبرها أنه لا يُمْكِنَه تأمين سبل عيش كريم لها وأنه يُطلق سراحها لتستمر في رغد العيش مع أمها..... وحينها سألته ابنتي وماذا عما وقع بينهما أجابها بقساوة أنها لم تكن مرتها الأولى وأنها ستتأقلم كما فعلت قديما..... حدقت فيه صامتة وتفرست فيه قبل أن تبصق عليه وتغادره.... واستنجدت بعلي وهو لم يخذلها..... سترها ونسب أمورة له في سابقة شهامة غير مسبوقة..."
عاتبتها ملك :" وأنتِ أوغرتِ صدري حياله.... وزعمتِ أنه من كان يقلب أمورة على أمها"....
تململت أمها مدافعة عن نفسها :" حتى أمان كانت تزعم ذلك.... كانت تدعي أنه يوغر صدر الصغيرة حيالها..... ولكن الحقيقة أنها لم تكن تطيق ابنتها أبدا..... كانت تُذكرها بحماقتها في الحب.... وبوالدها الأفعوان الحقير.... "علي" بسط محبته للصغيرة وتقبلها برحابة واسعة.... أنا خشيت أن تتقربي منه بعد حادث السيارة حينما قرر موافاتك مع أمورة ليطمئنا عليكِ في المشفى.... فأحدثت وقيعة بينكما قبل أن تتلاقيا واتهمته بكل ما لم يكن فيه.....".....
أجبرتها ملك على ملاقاتها بصريا وطالبتها بصوت أجش :" أحدثتِ شقاقا بيني وبين "علي" قبل ملاقاتنا لمَ؟!!!"
زاغ إبصار أمها واعترفت بعدما عضت على شفتها السفلى حتى ذاقت طعم الدم :" علي تعهد أن يكون حاميكِ منذ مولدك.... تعهد بحماية ملك وأنتِ ملك.... وستر أختكِ لأنه ظنها أنتِ.... وهو يحتقرني وكان ببساطة سيُبْعِدكِ عني لو نشبت بينكما علاقة حب كما كان مقدرا لها أن تكون"....
سألتها ملك بعدما أطلقت تنهيدة وهي تثبت بصرها عليها :" لمَ طلقكِ أبتي؟!!!"
هزت رأسها وتفوهت قائلة :" ليس لأني معوجة المسلك كما تظنين.... أنا كنت أتزوج على سنة الله ورسوله.... لم أقترف يوما خطيئة تُدني الجبين.... كان مغرما بفتاة تدعى زهر من بلدتنا ولكنها للأسف الشديد تكون أخته من أبيه.... ابنة الجبالي التي لم يعترف بها أبدا.... حينما عرف الحقيقة ترنح عالمه وتداعى وأراد مسكنا لعذاباته فهرب معي ليتزوجني.... فوالده لم يكن يرتضي نكاحه من ابنة الغجر.... وهو لم يعد يبالي بأراء أبيه ومعتقداته منذ مزقته الحقيقة إربا..... ظننتني سأكون ترياقه ولكن دوري معه لم يَعْدُو مسكنا فاشلا ضعيف.... وحينما ماتت زهر كمدا على ابنها الصغير انهار عالم أحمد تماما.... لم يحتمل فقدان زهر أبدا.... ورأى أنه يظلمني بتلك الطريقة فأطلق سراحي..... وصراحة أنا كنت ضجرت منه وتنفست الصعداء حينما أراحني الله منه"....
أطرقت أزاهير برأسها وأعربت بنبرة أبحة خفيضة:" حسنا لمتى سأخدع نفسي.... والدكِ ركلني من حياته تماما وأوصد على نفسه في محراب حبه المحرم ولم يبارحه سوى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.... كنت راضية بالفتات معه ولكنه استكثره علي وأقصاني من دنياه بمنتهى القساوة والضيم...."..... طفرت دمعة من أحداق أزاهير واحتضنتها ابنتها بكل قواها وهي تردد لها لتهدهدها :" عوضكِ الله بالعم مسعد.... يضعكِ في عيونه ولا يرى في الحياة امرأة سواكِ.... لا تكوني مجحفة في حق زوجك الحالي أمي.... افتحي قلبكِ له فهو يستحق....."
تواصلت مع أمها بصريا وهي تؤكد لها :" لقد تخطيتِ حب أبي منذ زمن بعيد يا أمي.... ولكنكِ تخدعين نفسك وتوهمينها بأنها باقية على حبه كي لا تقعي في الحب من جديد.... أنتِ تخشين تحطم قلبكِ في الحب من جديد لو سمحتِ له بالتنفس في دواخيلك.... حسنا.... أنتِ واقعة في غرام العم مسعد بالفعل يا أمي ولكنكِ تبذلين قصارى جهدك كي تُنَفِريه منكِ..... تخشين أن يتخلى عنكِ يوما كما فعل أبتي فتبالغي في حماية ذاتك بادعائك إمكانية العيش بدونه بل والسرور التام بذلك... أنتِ تستهلكين حبه ونعم يا أمي.... الحب الغير متبادل ينتهي بكراهية الطرف العاشق لمعشوقه المتحجر الشعور.... فتداركي خطئك".....
وانتصبت ملك واقفة والتقطت حقيبتها وهي تُبلغ أمها :" ألقاكِ على خير يا أمي.... سأذهب لعلي لأني أريده في أمر هام للغاية...."....
وبدت عجولة وهي ترحل عن أزاهير وتوسعت البسمة الجزلة على شفتي الأم
ارتفع رنين هاتفه المحمول فالتقطه وتوسعت ابتسامته حينما لمح اسمها يضيء الشاشة
شرعه وتناهى لسمعه صوتها العذب الرقيق :" هل أنت في البيت الآن يا علي؟!!....."
اصطنع المسكنة وهو يعتدل جالسا على السرير :" وحدي تماما.... لا ابنتي معي.... ولا زوجتي تؤنسني...."....
تفوهت بيقين :" تُبْرِم شفتك السفلى بامتعاض الآن!!!!"
أجفلته بقولها فأدار عيونه عن محجريهما يستقصي وجودها في المكان رغم تيقنه من خلوه منها....
وسألها وهو معقود الحاجبين ويُعْمِل نظره:" كيف تعرفين؟!!!"
لم تكترث في أن تجيبه ورددت وهي تقطب جبينها :" إذاً أنت وحدك تماما يا شهريار عصرك وأوانك"....
وضع النقط على الحروف :" أنا رجل ملتزم أخلاقيا يا زوجتي.... وكل صولاتي وجولاتي السابقة تندرج تحت بند الحلال".....
سألته بعد برهة صمت :" تدفعني لأغار؟!!!"
سألها غير مصدق برودتها :" هل أنتِ عقلانية هكذا دائما وتحللين كافة الأمور؟!!!"
أجابته بما أجفله وهي تكز على أسنانها :" تجنح نفسي إلى طوفان من الانفعال المصبوب عليك يجبرك بعد ذلك على انتقاء الكلمات وأنت تتحدث معي..... لو أشرت لعلاقاتك المنصرمة سأنتأي بنفسي عنك.... أنا لا أستطيع التعامل مع تلك الأمور أبدا.....".... فاض الأسى من كلماتها
أجاب وهو يبذل قصارى جهده ليُنسيها قساوة كلماته :" أنا مغتر ومختال بنفسي.... عليكِ أنا تتأقلمي يا مولاتي.... وعموما أنا مليار آسف يا حبيبتي وزوجتي وحياتي"....
تفوهت بعد هنيهة صمت :" حسنا.... ألن تسألني لمَ أهاتفك في ذلك الوقت المتأخر؟!!!"
رد برحابة تهدجت لها حواسها :" أنتِ ملاكي.... تهاتفيني في أي زمان ومكان.... لا تكترثي يوما لإمكانية أن أكون غطيط في السبات أو منهوك في الأعمال.... فحينما تتصلين بي تكونين بحاجتي.... وحينما تحتاجيني أشعر أن لحياتي قيمة.... وتستحيل حياتي من كهف مظلم لحديقة غَنَّاء"....
أطلقت تنهيدة وأعربت وهي تلملم شتاتها التي تبعثرت من جراء كلماته المندفعة :" حسنا.... هاتفتك لأني أريد إجراء حديث مطول وإياك.... وهو حديث لا يصلح على الهاتف ولذا فأنا أمام الباب.... لا أمتلك مفتاح لبيتك..... والشتاء القارس يلفني..... فهلا شرعت...."
وقبل أن تُكمل جملتها كان الباب مشروع وهو يجذبها للداخل ليوصد الباب خلفه عبر استخدامه لقدمه......
ولمها في حضنه بقوة عاتية وبمنتهى الشغف وكأنه يحفظها بين ضلوعه
تمتمت له بصوت متلعثم كي تخفي حمم الشوق له التي تفجرت في كيانها:" أمورة برفقة مدبرة منزل أمي.... والحديث الذي أريدك لأجله جدي جدا....".....
هتف بتأفف وحنق وهو يرخي قبضته عنها :" تدفعيني لأفلتك أيتها المنعدمة الشعور"....
نفخت بحنق لاتهامه لها بانعدام الشعور
وهتفت ممتعضة منه :" حينما تعرف أن حبك يسري في جوانحي فياضا.... ويسهل عليك اتهامي بما ليس في..... يحق لي حينها أن أصرح بكونك كريه"....
تشبث بيدها وتبدلت نظرته لتصير منكسرة ومقهورة بعض الشيء وتمتم بضعف ورجاء:" انعتيني بما تبتغين.... ولكن منذ الليلة لا تفارقين"....
واستطرد وهو يبتعد عنها ويكتف ذراعيه حول صدره
وازدرد ريقه وتفوه :" تمكثين بالاسكندرية وتخلفيني في القاهرة ولا تبالين.... شحيحة في الكلام معي عبر الهاتف وتتركيني أسكب مشاعري نحوك كل مرة ولا تبلين ريقي ولو بكلمة حلوة يتيمة.... أشباح إمكانية فراقكِ لي ترتع حولي وتغوص في دمي وأنتِ ببساطة مجافية ومتعنتة معي.... وأنا أموت ببطء شديد...."....
واستطرد ساخطا وناقما :" آدمز ذلك ملتصق بالاسكندرية وأنتِ ترحبين..... الصديقي لا يستسيغني حتى لو استحلت بهلوانا أقفز من حوله وأنتِ فقط تتفرجين.... راقبتِ عدم ترحابه بي ولم تحركي ساكنا يتيم....".....
شعر بيدها تحط على كتفه فاستدار لها وأعرب منفجرا :" حسنا شققت صدرك ولم أعد محل ثقة بالنسبة لكِ ولكل المحيطين بكِ....."
هرع نحو المطبخ وخرج بعد برهة وجيزة بسكين حامي وطالبها وهو يحرك رأسه صوبها ويمسكها من معصمها:" هيا شُقِّي صدري به لنصير متعادلين.... "
تقهقرت بخطواتها وازدردت ريقها بصعوبة وهي تتمتم بذهول :" هل أصبت بشطط؟!!!...."....
واستطردت بعتب :" حبكَ قنديل وفجر ساطع وددت لو أتوكأ عليه لبقية عمري.... وأنت تظنني مازلت أحقد عليك لأنك حاولت قتلي.... وأني أقتص منك بطريقتي"....
نكس رأسه واعترف بخوار قوى وهو متهدل الكتفين :" قلتِ أن رجفة ارتعاب ستظل تعتريكِ كلما لُحْت أمام مجال إبصارك بسبب حماقتي اللعينة"....
أعربت بمزيج من الحنق والمرارة :" ذلك أمر خارج عن إرادتي.... ولكني أسعى لتخطيه.... وجودي هنا يَدل على ذلك....".....
وتململت معربة بيأس:" كلما توارى الأمر في عقلي تدفعه أمام أعيني باستمرار ليعود مثل السوس ينخر في عظمي...."
تغضن وجهه بالبؤس وهو يتمتم لها ويلمها بين ذراعيه :" أنا خائف أن ترحلين....".....
احتضن وجهها بين أكفه واعترف لها:" زيجات فاشلة منيت بها قبلك.... من أرادتني لمالي.... ومن استنزفتني في حفلات ساهرة مع أصدقائها..... ومن كانت تراني ثور فائدته الوحيدة في الحياة غرس طفل في أحشائها.... أما زيجاتي السرية فكانت نزوة وقتية أُشْبِعَها عن طريق الحلال.... وباستخدام ورقة عرفية، كان مالي ونفوذي جواز عبوري إلى حياة النساء، ولكن معكِ المال لا يجدي والنفوذ تبدو شيئا سخيف فالصديقي عاملكِ معاملة الأميرات وأحال جميع سكان الأرض خدما لكِ وعبيد "....
وتكَسَّر الضوء في عيونه وأطرق برأسه شاردا حزين
رفعت وجهه إليها وأرغمته على التواصل معها بصريا وهي تعلق :" حبنا ليس حلما تجري وراءه بل واقعا نسعى سويا لتوطيده وإرسائه... الصديقي غالي جدا عليّ وهو يعاملك بتحفظ وحيطة فقط..... يصعب عليه تقبلك بعدما علم بأن حياتي كانت على المحك بسببك.... أنا مستقلة جدا يا عليّ.... حتى لو اعترض الصديقي عليك أنا قادرة على التشبث بك والعبور بحبنا لشاطئ النجاة... عليك فقط أن تضع ثقتك بي".....
قرر اجتياز ذلك الحديث الذي أَزْحَم الآلام في صدريهما ودعاها :" هيا لنفترش الأريكة لأنصت لما واتيتني ليلا لتسكبين، ولكن هل تسمحين لي ببعض التحرش الطفيف فأنا لست صنم أمام حضرة هذا الجمال الوفير"....
تضرجت وجنتاها بحمرة الخفر من جراء قوله المشاغب وتململت زاجرة إياه :" احترم نفسك يا علي"....
طمأنها قائلا وعيونه تزعم البراءة وهو يسلم يديه للهواء:" أنا بالطبع أحترم نفسي وأحترمكِ يا ملوكة وسأنجب منكِ أطفال بالمراسلة لإثبات ذلك"....
افترشت البقعة المجاورة له وأطرقت برأسها وأعربت بصوت حاسم :" علينا أن نتطلق.... لهذا واتيتك.... هناك محاولة للإجهاز عليّ تمت خلال رقدتي الأخيرة في المشفى.... لا يعلم بهذا الأمر سوى أنا وأمي والصديقي.... لقد استوثقت منذ ذلك الفين أن حادث السيارة مُخَطَط.... وتم عن سابق الإصرار والترصد.... لم تعد هناك شكوك حيال ذلك الأمر.... بقائي في الاسكندرية حتمي فذلك مجتمع أختي وأنا لا أستطيع مغادرته الآن.... الصديقي سلط حراسة مشددة عليّ تتبعني في كل ميقات.... لقد كافحت اليوم لأتمكن من الفكاك منها وهاتفت أبتي لأخبره أني بحاجة لفسحة بعيدا عن أعين الحراس.... هو زمجر ثائرا في طبعا ولكني أختنق ولن أقضي باقي حياتي وتصرفاتي موضوعة تحت المجهر لكي يتأكد أبتي من سلامتي.... أنا سلكت هذا الطريق وسأكمله.... الكل مدان.... وأنت الوحيد الاستثناء لأني أثق بك.... فأنت همجي ومتوحش وحينما تغضب تشق صدر... تفتح دماغ.... لا تخطط لجريمة قتل ببرودة أعصاب....".....
وبان التردد على محياها وهي تردف متحاشية النظر لزوجها:" فارس ابن خالي يسعى للتقرب مني تلك الأيام.... وكذلك رائد.... وأنا صراحة أشتبه في كليهما.... رائد هاتفني منذ مغادرته السجن شاكرا لي حسن صنيعي لشهادتي لصالحه.... وهو اليوم خابرني مجددا وأبدى رغبته الملحة في لقائي....".....
تعثر صوتها وهي تتفوه بالجملة الأخيرة وتحاملت على نفسها لتنهيها
وطالعت عيون زوجها التي تقدح شررا متطايرا فاندفعت تذود عن نفسها :" كنت صارمة معه صدقني.... أخبرته أنه لا يوجد مجال ولكن حديثي مع والدتي اليوم فجر مفاجأة مدوية لي.... أمورة تكون له.... لرائد..... أنا سأُكْمِل دوري كملك والدة أمورة..... انجيلا أو روكسان ماتت في حادث السيارة منذ شهور عديدة..... سأقنع الصديقي بالرحيل عن مصر كي لا يثير الارتياب بكوني انجيلا.... وأنت ستطلقني....."....
تلعثم صوتها وتَفَتَت وهي تردف بعدما تنحنحت وأبعدت بصرها عن زوجها وانكمشت على نفسها وشبكت أناملها في ضفيرة واحدة:" أنا.... سأسمح.... للذئاب.... الذين .... افترسوا... براءة أختي.... بالظهور من .... حولها مجددا... سأعطيهم الضوء الأخضر.... بأنها عادت... أفحش من ذي قبل.... "
أجبرها على التداخل معه بصريا، وتمتم ناهرا وهو يصر على أسنانه، ووجهه مكفهر تماما وصدره يعلو ويهبط بقوة ممزقة لأضلعه:" لا أريد لعيونك أن تتخاذل عن ملاقاتي ولسانك ينفث تلك السموم في!!!!".....
ازدردت ريقها وغمغمت له عله يتفهمها :" لا أريد أن أُهْرِق قيد أنملة من كبريائك الرجولي.... أريد أن أكون حرة طليقة لأحقق العدالة لشقيقتي الوحيدة... أنا لست خائنة ولذا وافيتك لأطالبك بتحريري....".....
شملها برمقة ازدراء وهو يُقَرِّعَها مشمئزا منها :" وإلى أي مدى تنتوين التفريط في نفسك يا ابنة عمي من أجل تحقيق العدالة؟!!!.....
تقلصت تقاطيعها أنينا من طريقته الممتهنة لها في الحديث.... فأوصدت عيونها بقوة عاتية وتفوهت بمرارة صرفة :" ليس لحد بعيد.... ولكن لا يمكنني حتى أن أخضع لأحدهم بالقول وأنا زوجة لك.... لا يمكنني مسايرة أحدهم بتاتا وأنا أحمل اسمك...."....
فتحت عيونها وتشبثت بيده وأقسمت له :" سأعود لك يا حبيبي كن واثق..... أنا أحمل الشوق إليك نبضا متجمرا في حناياي.... "....
واستطردت :"ولم أكن أهاتفك كثيرا كي لا يغلبني توقي إليك فأهرول صوبك ضاربة عرض الحائط بدماء أختي المسفوحة.... رجفة في القلب خفقت فقط لك.... كنت أظنها ميتة حتى شاهدتك... لا يحق لك ازدرائي.... لا يحق لك....".... نطقتها وهي تلوح برأسها يمنتا ويسارا والأنفاس تغص في حلقها
ضمها إليه وغمغم لها بصرامة :" لا يوجد طلاق..."....
وأجفلها وهو يردف بصوت ملؤه العزيمة :" سنخطط سويا.... أعرف أني خذلتك كثيرا.... وأعرف أنكِ لم تضغطي عليّ لأجل مساعدتكِ في قضية مقتل أختك حينما لمحتِ عدم اهتمامي.... كفاني تقاعس عن مد يد العون لكِ.... الخطر يحدق بكِ.... وأنا سأحميكِ.... لن أسمح لأحد بإيذائك أبدا"....
تلاحمت عيونها مع خاصتيه وتفوهت بنبرة أجشة تصدر من أعماقها :" وأنا سأكون لك الليلة.... أنا سأشعر بأني نصفك الآخر فعلا حينما يتم ذلك"....
سألها غير مصدقا وصوته يضج لهفة عارمة :" هل أنتِ واثقة؟!!!.... ألن تندمي؟!!!"
هزت رأسها يمنتا ويسارا وأعربت بملء فيها :" أبدا"....
راقبته مضطجعا على السرير غطيط في السبات هانئ ملء الأجفان
وانسلت هي بهدوء من جواره والحمرة تغطي وجناتها من جراء تذكرها ما وقع
ارتدت ثيابها في الحمام وعادت للحجرة وأطالت التحديق به
وانفرج محياها عن ابتسامة عذبة رقراقة يظللها الخفر
منحته نفسها ليطمئن قلبه حيالها
روت حبهما بليلة سرمدية لا تُنْسَى
اتفقا على إشاعة خبر طلاقهما بدون أن يكون هناك طلاق حقيقي
وأن يكون معها مسجل باستمرار يُمَكِنه من الإنصات لما يجري لها وتحديد مكانها
وتوجهت نحو المطبخ لتعد له الإفطار الشهي ولتسلي نفسها حتى يستفيق
فتلك تبدو ليلتهم الأولى والأخيرة معا
والصباح انبلج ليُنهي لجة الأشواق.... ربما للأبد
___________________________
سلام ووليد
(أن أكون معك , وتكون معي ولا نكون معاً : ذلك هو الفراق)
عاد متأخرا عن المعتاد.... لم يُرِد أن يشعر بخيبة أمل أنها خالفت قولها ولم تؤوب لدارهما كما صرحت أنها ستفعل
من المتوقع أن تغضب
أن ترغب في الثأر لكبريائها
أن تنبذ الإقامة معه في نفس ذات الدار
ولكن برودتها وتقبلها للأمر بتلك الطريقة لم يستسيغهما مطلقا
هو على أهبة الاستعداد لرد كل ما سلبه منها وتقديم مليار صك اعتذار لها
ولكنه يريدها أن تعود لسابق عهدها
على سجيتها معه
على سريرتها النقية التي تبهجه وتأسره
أدار مقبض الباب وشرعه
كان البيت أشبه بالاحتفال المبهرج الصارخ
تدلت طاقات من الورود والأزهار المزينة بشرائط فضية وذهبية من السقيفة
أما الإنارة فكانت كما ضوء القمر الشاحب ومرصعة بنجوم لامعة تتماوج في تقاطعات مبهرة
المفارش العقيقية انبسطت بنعومة لتغطي كافة الطاولات وتناثرت بكثافة المزهريات الكريستالية الممتلئة بالورود الجورية
الممر المؤدي إلى غرفة النوم كان محفوفا بلهيب عشرات الشموع المعطرة بعضها طويل ونحيل والآخر قصير وغليظ.... وكانت الحرارة والرائحة قويتين وتديران الرأس
وشعر بخفقات قلبه تتسارع
وتساءل متميزا غيظا منها (( ما الذي تخطط له؟!!))
هي تزج به من جحيم إلى جحيم!!!!!
**********
لم يغمض له جفن طوال الليل حتى بعدما استرسلت هي في السبات هانئة الأجفان
ظل مستلقيا على السرير محملقا في السقيفة
بدت حينما دلف للحجرة منذ سويعات كما هيلين طروادة التي تقام لأجلها حروبٌ ضروس تمتد أحقاب ودهور
ناعمة... معطرة... مغناجة
بشرتها كما قوارير الفضة وعيونها كما غيمات العسل المصفى
لم تمهله فرصة لينبس ببنت شفة
اجتاحته كما الإعصار
نقل بصره صوبها وهي غطيطة في سباتها
إنه يخاف شرها المستطير
لقد مزقت قلبه إربا منذ أيام قلائل
يشعر معها وكأنها تدس عن عيونه خنجرا ستُشْهِرَه حينما يقف أمامها أعزل لتُخَرِّقه قطعا صغيرة وترميه للطير
باغتته بسؤالها وهي تتثاءب:" ألم تَنَم بعد؟!!!"
أجاب وهو محيد ببصره عنها :" لا..."
تململت منه :" ردودك مقتضبة جدا...."
وتابعت متهمة إياه :" أنتَ أقلقت نومي.... لو ستستمر هكذا.... خذ نفسك واذهب لحجرة أخرى.... أنا أعشق النوم بجنون.... ولا أرحب بإزعاج من أي نوع".....
وجذبت الوسادة لتعدل من وضعها أسفل رأسها وأوصدت عيونها مرة أخرى
سألها وهو مثبت بصره على نقطة في الحائط المقابل :" ماذا تريدين يا سلام؟!!!!"
أجابت ببديهية.... وبنفاذ صبر من مستوى ذكائه المحدود :" أخبرتك... ضعف ما سلبته مني"....
رد عليها بهدوء وإطراق:" أنا لا أملك شيء.... في حياذة أبي كل شيء.... كل ما يمكنني فعله هو رد ما سلبته منكِ ولكني لا أستطيع الزيادة عليه"....
أجابت بفتور :" حسنا.... وأنا لا أريد ما سلبته فقط... بل أريد ضعفه.... وإن لم تتصرف وتبذله لي.... سأصنع جلبة وضوضاء حولك..." قالتها بتهديد وعيونها تومض ببريق وهاج
سألها معاتبا ومستنكرا وهو مشمئز من التطلع نحوها :" ولماذا أنتِ معي الآن كأية زوجة وزوجها؟!!!.... وكيف تسمحي لنا بهذا التقارب وأنتِ تضمري هذا السوء لي؟!!!"
أجابت ببلادة وهي تعتدل جالسة وتكشر عن أنيابها :" تلك نقرة والأخرى نقرة.... لمَ تخلط بينهما؟!!!"
وتابعت ببرود جليدي :" أنا معك الآن لأني أكتسب خبرة في مضمار الزواج.... وذلك كي أستثمرها مع من أنتوي الزواج بهم بعدك..... أنت بددت ثقتي بك ومن الطبيعي أني سأجتازك وسأتزوج رجلا بعدك يكون أكثر رجولة منك....."
ألجمتها صفعة مدوية هوت على وجنتها لتجرحها.... وأحكم قبضة فولاذية حولها وهدر فيها وهو يضغط على أسنانه والغضب لطختان حمراويتان في وجنتيه :" اجتازت وقاحتك وصفاقتك كل الحدود يا ربيبة الحسب والنسب... يا ابنة السلحدار العظيم.... ما يحجمني عن شرب دمكِ هو أني من ابتدأ بالخطأ نحوك.... ولكني اكتفيت من قلة حيائك وتجرؤكِ على التفوه بالقبائح"..... وقذفها بعيدا عنه
لملمت نفسها واعتدلت جالسة القرفصاء من جديد
وتفوهت بهدوء في الوقت الذي كان فيه زوجها يذرع الغرفة جيئة وذهابا كما النمر المحبوس في قفص :" لمَ لم تغادر الحجرة حتى الآن؟!!!...".....
وبدأ انفعالها يتجلى وصوتها يرتفع ناهرة إياه :" أخبرتك منذ بعض الوقت أني أريد أن أنام..."....
واستطردت وهي تضغط على أسنانها وتُضْرِم النيران فيه أكثر وأكثر :" أنا بالفعل أخطط لزيجة جديدة من رجل يستحق.... وأُثْقِل تجربتي في الزواج كي أُسعده جدا.... أنت فقدت كل حقوقك حينما غدرت بي.... وأنا لست خائنة فعلا.... فأنا لم ولن أتورط مع أي رجل حتى أطوي صفحتك تماما وأتخلص منك....."
التفت لها وتفوه وهو يصفق بأكفه ومسمر بصره عليها :" كلمات أخرى مدام أم تراكِ اكتفيتِ....."
((أروع ما في حبنا أنه
ليس له عقل ولا منطق
أجمل ما في حبنا أنه
يمشي على الماء ولا يغرق))
واقترب منها وقبض على فكها ليرفع وجهها إليه فحدجته بتحدي فأَجْزَم لها بنبرة أجشة:" أنا سأروضك يا سلام.... وسأعلمك معنى احترام زوجكِ"....
استفزته ببرود، وهي تستفسر منه زاعمة الغباء :" زوجي المستقبلي تقصد؟!!!!....."...
وتابعت متشدقة وهي تكور شفتها :" لا تقلق عليه.... فأنا سأروض نفسي لأجله.... وسأعشقه حتى النخاع وأذوب فيه تماما.... ".....
اشتدت عضلة قرب فكه احتقانا من قولها
واعتصر أنامله كي لا يقبض على عنقها المرمري ويزهق روحها
وتناهى لسمعه استطرادتها بنعومة أسيلية :" وبالنسبة لاستغلالي لك لأكتسب خبرة تُسعد زوجي القادم فأنت سبق لك استغلالي لتسيطر على مالي...."..... تخلل صوتها العتب رغما عنها
فتماسكت وتابعت بتقاسيم متصلدة :" أنا لا يعتريني أدنى ذنب حيالك وأنا أقوم بذلك..... وعموما مقاربتك تدفع بي لتجشؤ قيء فانعدامها أفضل وأنا مستغنية عن خدماتك تماما!!!"
__________________________
أزاهير ومسعد
كانت مفترشة أرجوحة قطيفية في حديقة قصرها
اقترب منها واحتل البقعة المجاورة لها وتفوه بصوت ملؤه الدفء :" الطقس البارد يعم المكان..... هلمي للداخل كي لا تتجمدي هنا.."
تملت النظر فيه مطولا وسألته بغتة:" ستظل تتحملني إلى متى؟!!!!"
أجابها وابتسامة عذبة رقيقة تفتر عن ثغره وهو يتواصل معها بصريا:" إلى أن أفنى..... حتى بعد الفناء سأظل زوجك إذا كنتِ تريدين ذلك"..... تجلى تردده وتحشرجه مع نطقه الكلمات الأخيرة
فسألته بعتب وهي تقلص حيز عيونها :" أنت مرتاب من أني لن أريد ذلك؟!!!!"
بان الاضطراب على وجهه فأخفاه بالإطراق صوب الأرضية العشبية
رفعت وجهه إليها وهي تتفوه بتمتمة :" جابهني بصرا وأنت تجيب عن هذا السؤال".....
أجاب معترفا :" أنتِ لم تحبيني يوما..... كنت دوما قريبك المنبوذ من قبلك..... راقبتك وزيجاتك تتعدد وحياتك تتدمر وكنت دوما الصديق الذي تتوكأين عليه.... استشعرتِ منذ البدء مشاعري الجياشة حيالك فلم تعيريها اهتماما وغضضتِ الطرف عنها وتابعتِ قصصك العاطفية مع هذا وذاك.... ".....
وأردف والكلمات تغص في حلقه رغما عنه :"وليت الأدبار مع أحمد وأنتِ فخورة ومسرورة بذلك...."....
واستمر قائلا :" وتحطمتِ حينما لفظكِ واستحالت حياتكِ ركام.... تنقلتِ بين أيادي الرجال لتنتقمي من حماقتك في حبه.... كنت تظنين أنكِ تقتصي منه قساوته وجفائه معكِ ولكنكِ صببتِ جام انتقامك على نفسك.... فاستحالت حياتك خرقة ممزقة بالية.... "
تابعت وهي تحيط وجهه الحبيب بأكفها :" وأتيت أنت وأنا في وسط هذا الركام.... لتدعمني وتشملني برعايتك.... لتجعلني أُزْهِر من جديد..... لتكون براحا واسعا أرتع فيه..... ظللت متنحيا رغم أنك صرت زوجي كي لا تجبرني على شيء لا أبتغيه..... كي لا تحيل حياتي زيفا وبؤسا لأني لا أستطيع أن أبادلك ما يعتريك.... ارتضيت بالفتات مني ولم تتذمر سوى مرات قليلة كنت حقا فيها متجنية عليك وأُبْخِس من قدرك لدي....".....
سألها وهو مأخوذ بعيونها الواسعة النجلاء :" وما هو مقداري لديكِ؟!!!!"
أجابته وهي تريح رأسها على صدره :" أنت عصاي أتوكأ عليها حينما ينحني ظهري ويدب الوهن في عظمي.... أنت المَصد حينما تهب الرياح العاتية وتوشك أن تقتلعني.... أنت أماني واستقراري وسكينتي.... أنا جرحتك كثيرا وآلمتك أكثر...."....
ضمها له بحنان وتمتم بأنفاس متهدجة من بين خصلات شعرها الساطعة :" لا تتحاملي على نفسك وتكملي... هذا يكفيني ويرضيني.... لبقية عمري من الممكن أن أعيش بتلك الكلمات الحلوة التي تفوهتِ بها للتو".....
تطلعت نحوه وعيونها مغروقة بالعبرات وقالت وهي تلوح برأسها يمنتا ويسارا:" ولكنها لا تكفيني أنا ولا ترضيني البتة!!!!!....".....
وزمجرت فيه بعصبية منفلتة وهي تشوح بيديها :" كفاك ارتضاءً بالفتات الذي كنت أَمِن عليك به....."
وتابعت وأنفاسها تتلاحق من فرط الغضب الذي يعتمل فيها:" الرجال الذين تزوجتهم قبلك كانوا يعاملوني كحثالة... وأنت عاملتني كملكة متوجة.... وأنا كنت خانعة وذليلة معهم... وأما معك فكنت متجبرة وحقيرة "....
وسألته بمرارة تنبع من أعماقها وهي تشير لصدرها بيديها:" متى ستدرك أني لا أستحق؟!!!!"
احتوى وجهها بين أكفه وأعرب بصوت رخيم :" أريد أن أصحح السؤال لكِ.... متى ستدركي أنكِ تستحقين.... فشل زيجتك الأولى عائد لأحمد كليا.... أنتِ لم تذنبين... وتعدد زيجاتك بعده يعود لكونكِ فقدتِ بوصلة الطريق ولم تجدي مرشدا وموجها يُمسِك بيدك وينتشلك من ضياعك وتخبطك.... ارتطمتِ فقط بالطامعين والمتشفيين.... ولكن وسط تلك المتاهة التي سقطتِ فيها والتي أفقدتك الشعور بالخصوصية حيال جسدك.... لجأتِ لي وطلبتِ عوني وكنتِ بهذا تصرخين وتحتجين على ضعفك المنصرم وتعلنين أنكِ برغم الدوامة التي سقطتِ فيها لم تعودي تقوين على المواصلة فيها لأنها غريبة عنكِ.... لأنها تُميتك بالبطيء.... سواء كنت موجود أو لا كنتِ ستستفيقين وتنبذين ذلك العالم الذي سقطتِ فيه...."....
وأشار لقلبها وأكد لها :" القوة الحقيقية تنبع من داخلك.... وأنا فقط عجلت بالأمر.... لا يُبْخِس قدرك أبدا تعدد زيجاتك.... أنا أحب ما وراء جسدك.... أحب روحك العذبة الهفهافة التي كانت تضج بالحيوية والتمرد ونحن في الصبا.... أبذل كل عمري لأعيد البسمة المتألقة لتعتلي ثغرك.... لأحمل على كاهلي أنا كل همومك كي تستريحي وتسترخي تماما ...."....
تمتمت له وهي مغمضة عيونها وكأنها تستحضر كل تاريخهما سويا :" أنا أحبك...."
تعطلت كافة مؤشراته الحيوية وصار الكون كامن في ثغرها الذي يستطرد بعذوبة ذبحته من الوريد للوريد :" أحبك بقوة... بفوران.... بجنون.... كليا...."....
تلاحما في عناق متوقد الجذوة
وفاضت الدموع من عيونه لتنزلق على وجناته متخللة الشارب واللحية اللذين يسبغانه بحلة الوقار
وطالبها بصوت أجش :" قوليها مرة أخرى..."
رددت بصوت ناعم كما تغريدة الهزار :" قلبي هائم بك.... وعقلي مُسْتَعْمَر من قبلك.... وكياني كله رهن إشارة منك"....
تلاقت عيونهما وتناهى لسمعه صوتها العذب يردف باعتذار :" أعرف أن جو حفلاتي لم يكن يروقك.... كنت أنغمس فيها كي أنسلخ عنك!!!..... كي تظل تربطني بالعالم الذي انتشلتني منه.... سأتوب عنها.... وعد".....
طالبها مرة أخرى بنفاذ صبر وهو يقبض على بدنها:" قوليها مرة أخرى"....
رددت وابتسامة عذبة تنفرج عن محياها :" أحبك بكل حروف الكون.... بكل تغاريد الهزار فوق الأشجار... بكل النجوم المرصعة في جو السماء...."....
والتزمت الصمت لهنيهة لتستطرد وابتسامة ندم مرتعشة تعتلي ثغرها :" أحبك بكل لحظات حِلْمَكَ علي وتفهمك لي... بكل لحظات خذلاني لك وتمسكك بي..."....
وعضت على شفتها وارتمت في حضنه وهي تجهش في البكاء المرير :" أنا آسفة.... أتدري لو كنت طلقتني فعلا في المشفى ريثما تشاجرنا لكنت استحلت ركام.... إن فكرة انسلاخي عنك تذبحني من الوريد للوريد....".....
تلفظ معاتبا لها :" ما زلتِ لا تعرفيني.... كان من المحال أن أتخلى عنكِ في وقت كهذا... بل إن المحال هو أن أتخلى عنكِ أبدا...."
وتابع بضراعة :" إياكِ أن تنغلقي على نفسك مجددا لأي سبب كان..."...
واستطرد بتأمل :" أية معاناة سنتشاطرها.... أية مشاعر إيجابية سنتقاسمها بالتمام"....
أومأت له برأسها وانطلقت من محياها ابتسامة عذبة رقيقة
وتفوهت مصححة له :" لم أنفر منكَ مطلقا حينما كنت تسقط طريح الفراش من فرط الإعياء والمرض.... لم أكن حينها أتوارى في الظل خشية التقاط عدوى كما ساوركَ الظن....".....
أطرقت برأسها وتحاملت على نفسها لتُكمل وهو سمح لها بتلك الفسحة :" دوما اعتقدت أنك تراني امرأة غير تقليدية.... متحررة... نافضة يدها عن أي التزام.... جامحة لا تخضع للقيود..... وأنا كنت حريصة على عدم تحطيم تلك الصورة بعد زواجنا..... خفت أن تنتبه لحقيقة أني امرأة عادية جدا.... فيفتر شغفك حيالي.... وتنطفئ مشاعرك نحوي.... كنت أظن أن تلك الشخصية التي أزعمها أمام العالم هي ما تجتذبك وتستميلك تجاهي.... كما أن منظور عائلتنا لنا كان يوترني ويُقلقني هم يعتبروني رخيصة بسبب تعدد زيجاتي وبسبب امتهاني مجال الفن.... وهم يبثون تلك الأفكار فيك برغم زجرك وتحذيرك المستمر لهم..."
أحاط كتفيها بيديه وتواصل مع عيونها وهو يردد :" تركتك تسهبين في الحديث عما يساورك لأعرف فيما تفكرين.... ولكني أكتفي بهذا القدر...."....
وطالبها بنفاذ معين الصبر وهو يهزها:" قوليها مرة أخرى".....
صرخت بصبيانية ليشق صوتها أجواز الفضاء وكانت آنذاك تفرد ذراعيها ليحلقا في الهواء :" أحبك..... أحبك..... والله العظيم أحبك"
أعرب بذعر عفوي ونظراته تتنقل في كل الوجهات :" أمورة ستتيقظ"....
أخفضت رأسها لتصير بمحاذاته وغمزت له :" أمورة نومها ثقيل عكس جدتها بالتمام"....
__________________________
صباح
تزوير نتيجة الحامض النووري للجثة التي عُثِرَ عليها في الترعة لم يكن أمرا هين
استعملت كل نفوذها ليتحقق لها ذلك
كان لزاما أن تُخَلِّص بلال من أنياب شاهين
كان لزاما عليها ذلك
ترتعب من احتمالية أوبة أعمار للقرية
ولتقضي على تلك الاحتمالية عليها أن تعثر عليها وتسفك دمائها
من يمس بلال بالماء هي تمسه بالنار
وشاهين ينتوي به سوء ولذا فعليها أن تمحي شاهين أيضا من على خارطة الحياة
كلب جدها الوفي سيموت بعظمة مسمومة تقدمها له سيدته وتاج رأسه التي مرغ شرفها في الوحلة قديما مجبرا إياها على الزواج منه
_________________________________________________
الفصل القادم مع كل المحاور الغائبة
تبر.............
اعمار..................
صباح...................
الصديقي وادمز...................
وفصل دامي بكل المقاييس
دمتم بالخير مع هذا البارتوت الحنون
|