كاتب الموضوع :
بنت أرض الكنانه
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: حمامة الأرباش الفصل الرابع عشر
السلام عليكم
ممتنة حبكم ودعمكم لي
وبعتذر لكي نجمة ساطعة لاني قلت من ايام اني هنزل الفصل بس حالت ظروف انهائي كتابته على اللاب
انا بجد مبسوطة كتيرة من دعمكم لي واتمنى انه يستمر
ههدي كل من ترك تعليق ولو بسيط هنا هذا الفصل شاكرة الى ما لا نهاية دعمه لي
الفصل الخامس عشر تسيطر عليه اشعار نزار قباني واحمد شوقي وفاروق جويدة وابراهيم ناجي
بصراحة عمري ما غرقت في محيط شعر للدرجة دي قبل كده
اتمنى يعجبكم
وممتنة عميقا لكم
وكل الخواطر هي لشعراء عظماء وليست لي عدا الخاطرة الوردية فهي تخصني
مفترق الطرق
تبر
لا تستطيع أن تصف علاقتها بابنها بأنها في طور تحسن وتعافي، هي جامدة جدا، قاحلة كما الصحراء، هو لا يسمح لها بأن ترغمه على الإنصات والاستيعاب، هو منغلق الحواس عن الاستماع لها، يرميها بنظرات شزرة، ويراقب تحركاتها وسكناتها، ويبدو ممتعضا حينما تختفي هي ووالده عن مجال بصره، ما زال يرتعب عليه منها ويرتاب في نواياها حياله، هي لم تخبر مصطفى بما تناهى لأذن الصغير، هي لم ترغب في تكديره حينما استفاق، وهو سيلومها ويعنفها لأن غسيلهم القذر استحال منشورا أمام أحداق ولده، إن ابنها متقوقع تماما على نفسه ولا يسمح بمساحة تواصل سوى مع ياقوتته، قد يكون الأصغر منها عمرا إلا أنه خول ذاته مسئولية الاعتناء بها وتدليلها وتلبية كافة طلباتها
هي فقط أجبرته مرة على الاستماع لها وأقسمت له أنها لن تلحق ضيرا بوالده ما دام بها نفس يحيا، ولكنه فكَّ أسر قبضتها حينها ومضى مبتعدا غير عابئ حتى بالركض منسلخا عنها بل كانت خطواته متريثة متمهلة وكأنه يخبرها بلغة جسده أنها محض هواء بالنسبة له وأنه لا يطمر أية دموع في مآقيه تستوجب العدو مبتعدا كي يتمكن من سكبها، هو جلمود صخر لا يلين، هل ألحقت بصفحة قلبه جراحا لا تندمل؟؟.... هل إذا صار شخصا متشرنقا على ذاته مشمئزا من صنف الحريم ستكون هي السبب؟؟!!!..... هل سيزول يوما العطب الذي حفرته في دواخيله بالأزاميل؟؟؟.... ركونها للمذلة تسبب في كل تلك الفوضى، هي كانت منغلقة على معاناتها وغير واعية لكون أحدهم يتأثر بما تقترفه في حق ذاتها وبأنه ينزف دما غزيرا من جراء كونها تلزم الاضمحلال وكأنه قدرها.... حينما تسقط الأم من عليائها من ينتشل الابن من ذلك الحضيض.... تلك الجفوة الممتدة بينهما تذبحها وتفري أكبادها.....
هي استحالت مشدوهة ساهمة غير مصدقة حينما تفوهت ياقوتة الصغيرة بفحوى أن شقيقها أخبرها أن عليها أن تحب الخير لأمها تماما مثلما تحبه لنفسها كي لا تكون مدللة أنانية..... هل يتحدث بالخير عنها أمام أخته..... هل تلك الكلمات بصيص أمل تلوح في أفق رؤياها أم أنها لمع سراب تدل على أن ابنها لا يقدر على تهشيم عالم أخته الوردي وانتزاع ركائر الثبات التي تستند عليها.... ربما هي في عوز لعون مصطفى في النهاية حتى لو طلبت ذلك على مضض وهي آنفة.... ابنها هو الأثمن من مجمل هذا الركام المدفونة هي تحته...
هي لم تحب ياقوتة الصغيرة حينما كانت حامل بها، هي لم تجري إجهاضا وتتخلص منها لأنها لا تعرف أوكار تحت بئر السلم، ولأن مصطفى بدا راغبا في تستيرها طالما الأمر شمل جنينا مزروعا في أحشائها، لو كانت تخلصت من طفلها لما حظيت بهذا التستير المنقوص الذي أعطاها إياه مصطفى، مهما كانت سليطة اللسان وتبدو غير مكترثة ببرمة الأمر حينها إلا أنها كانت تعلم في مكنوناتها أنها ليس قاتلة لتسفح دم جنينها وليست ساقطة لتنبذ فرصة تستيرها....
زواج عرفي.... مجرد قصاصة مهترئة لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتِبَت به..... تلك هي علاقتها بحبيبها الغادر ووالد أطفالها، هل ابنتها لقيطة لأنها نتاج علاقة سفاح..... سؤال يداهمها بقساوة في كل مواقيتها..... هل عيشتها مع مصطفى تندرج تحت بند الحرام فالزواج الذي تعرفه يحوي وثيقة سطرها مأذون ووكيل وشهود والكثير من الزغاريد والشربات الزاهي اللون....
وليلة العمر بالنسبة لها تعني الأعيرة النارية المنهمرة صوب السماء وحلبة فسيحة يتجمهر حولها الرجال يراقبون فيها العريس ممتطيا ظهر جواد أصيل، يُراقِصَه ببراعة وخفة على دقات المزمار الصداح، أما هي فتسير في موكب مهيب مفروش بالزهور والبتلات، وتكون مختالة بعفتها وبغتة يرفعها عريسها على ظهر جواده وينطلق بها لعشهما الهانئ ليحيا في سعادة أبدية...... تلك صور تتزاحم في عقلها وعليها أن تئدها من جذورها لقد كُتِبَ عليها التصاق وصمة العار الأبدية بجبينها ومثل ذلك الحلم ليس سوى عذابا صرفا لها
وخاطبت نفسها بتعقل إن علاقتها بمصطفى حلال حتى لو كانت عبر قصاصة زواج عرفي لن تسبغها يوما بحق الزوجة في أية معاملات قانونية، إن الزواج العرفي يُضيع حقوق الإناث فالفتاة المزجوجة فيه لا ترث زوجها أبدا ولا يعطيها القانون أدنى حق عليه.... حسنا هي لا تريد من مصطفى إرثا، وهي زوجته أمام الله ورغما عن أنفه فزواجهم محاط بالإشهار والقاصي قبل الداني يعلم عنه وذلك أهم شرط في الزواج ليكون صحيحا وحلالا....
وغزتها تلك الفكرة فشحبت لها أطرافها، لكم هي حمقاء تلك التي ترحل عن بيت أبيها لأي سبب كان، تصير منهشا لكلاب الطريق يتكالبون عليها وينشبون مخالبهم فيها ممزقين براءتها وعفتها إربا.....
هل هي نادمة لأنها غادرت منزل أبيها حيث كانت معززة مكرمة....... كثيرا وجما وجدا... كان بإمكانها استيعاب ياقوتة الكبيرة وتقلب مزاجها بعدما تعلم بأن الفتاة التي أنشأتها بدفقة محبة خالصة تكون ابنة زوجها من جراء علاقة قذرة..... إن ياقوتة طيبة جدا.... كانت تبر ستتمكن يوما من تذويب الجليد الذي أقامه منصور حائلا بينهما.... كانت ستُطْفِئ نار قهرها.... كانت ستجتاز معها ذلك الحاجز النفسي الرهيب بحضن يتشبث بها ويأبى انسلاخها.....
هي تتبع أخبار أخيها وتقتفي أثره جيدا، هي لا تستطيع الظهور أمامه مطلقا، بأية عين تواجهه هو وياقوتة، بعين من اقترفت خطيئة وأوصمت جبينها بالعار، هي تسامحه..... لو كانت متعمدا أن يُجْهِز على علاقتها بياقوتة بما أفرغه على أسماعها بقساوة وفظاظة هي تسامحه..... لو كان يسخر منها ويستخف بها طوال حياته هي تسامحه..... هي لا تَكِن له ضغينة فهو شقيقها الوحيد الذي عرفته وترعرعت وإياه..... وهي لا ينتابها الهلع من إمكانية عثورهم عليها ومعرفتهم بفعلتها الشائنة فيقرروا إخماد أنفاسها.... كل ما يعتريها هو الازدراء لنفسها وإيمانها المتأصل بدواخيلها بأنها لم تعد شريفة لتليق بهم وتستحق منزلة بينهم.... ولذا هي مدت بَيْنا بينها وبينهم لن يتقلص يوما.....
هي أعطت منصور من دمها حينما كان جريحا من جراء حادث أليم ألمَّ به، هي تعلم جيدا أنهما يحملان نفس زمرة الدم، وغزت عقلها تلك الذكرى البغيضة.... حينما انفجرت زائدتها كان الطبيب يتحدث أمامها عن وجوب توفر دم قبل خوضها الجراحة لكن منصور لم يكن متواجدا لأجلها ووالدها داخ كثيرا حتى جلب لها ما تحتاج..... كان حانقا على ابنه لأنه علم بمصاب أخته ولم يعبأ بها ولم يراعي كونه الوحيد في الأسرة الذي يحمل زمرة دمها..... هي تتفهم منصور فلقد كان أهوجا وطائشا ويافعا جدا ليشعر بنتاج أفعاله على أسرته..... هو ولا ريبة تعقل وصار مسئولا الآن.... تتمنى له كل الخير وأن يرتقي كافة درجات النجاح الباهر...... هو حاذق وماهر جدا رغم أنه لم يعرف يوما عن نفسه ذلك، رسوبه كان عائدا لحقده عليها وكراهيته لها، حينما رحلت عنه ازدهر شأنه وصار صرحا عظيما..... هي كانت المعول وراء فشله.... هي.... هي من تحبه بكل حروف الكون وتفتديه بكافة شغاف روحها.....
وهو لم يعد صغيرا لتقلق بشأن علاقاته النسائية ولكنها تقلق فهي شقيقته الكبرى.... أخيرا تخلص من بسنت ولفظها من حياته ولكنه في المقابل تزوج بفتاة ملامحها لا تبعث عن الراحة مطلقا..... من يمدها بأخبار أخيها بعث لها صورة لزوجته الجديدة وبدت في عيونها منفرة وخبيثة حتى أكثر من بسنت..... ما الذي اقترفه شقيقها في حياته ليصير حظه من النساء تَعِسا شقيا هكذا..... ولتحوم حوله الساقطات كما الذباب حول صحن العسل....
هو ليس سعيد هي تعلم هذا، فصورته الحديثة والتي تحصلت عليها أخيرا بعد تردد في طلبها من جاسوسها تدمغ ذلك باليقين، يبدو بائسا وشقيا ولا تدخل السعادة قلبه من أي طريق....
لقد أرسلها جاسوسها عبر الحاسوب وهي طبعتها وأودعتها محفظتها وصارت تختلس لها النظر كلما انفردت بنفسها، ومن ثم استحالت تلتهم تفاصيلها وتنكب مقبلة إياها بكل كيانها.... إنها من ريح أخيها الذي يحمل سيماء والدها..... من تلك الصورة تستمد أمانها وتستشعر وتدا يربطها ببلدتها الغالية النائية عن جسدها والمدموغة في روحها....
هي لا تفكر في هوية أمها الحقيقية، تشعر بأن مجرد التفكير نكران وجحود بأفضال ياقوتة عليها.... لو كانت والدتها حليلة لأبيها لما كان نسبها لياقوتة بالحيلة، إن والدها منصف ولن يجور على حق أم في رعاية وليدتها، ما دام والدها تلاعب بالأنساب هكذا فهي لقيطة ولا شك.... هي ليست ابنة حلال أبدا تماما مثل طفلتها المنغولية..... لربما لهذا وقعت في غرامها.... وصارت لا تطيق فراقها.... حينما أدركت أنها تحمل نفس وضعها مع الفارق بأنها لن تتعقل يوما لتفهم ماهية ابن الحرام التي تدمغهما سويا....
كانت الأفكار تتوارد عليها في مكتبها واستمرت سابحة في فلكها... وهي تتكأ بمرفقها على سطح مكتبها وتُسدل أهدابها.... هي تحب العناد لو كان في سبيل لفت نظر زوجها لها.... لذا فهي خُلقت لتعترض على أي قرار يصدره... تجادل وتناقش وترغب في تنفيذ عكسه وحينما يضيق ذرعا بها يفضي بنفاذ صبر أن تفعل ما يحلو لها فتنفذ ما خطط له مسبقا بالحذافير!!!!.... هي احتلت مكتبا صغيرا مجاورا لمكتبه لم ترتضي أن تشغل مكتبه على الرغم من كونه أكبر وأكثر فخامة وهي رئيسة مجلس الإدارة لأنها لم تحب أن تقزمه في عيون رعاياه أو تنتقص من مقداره.... ولكن مناوشات العمل أمرٌ آخر.... تُشعرها بأنها حية من جديد.... هذا السجال بينهما يبث إيمانا في دواخيلها بأن لهما فرصة وأنها ستكون معتوهة لو لم تقتنصها....
بدا مدير مكتبها منزعجا وهو يدلف لها ويخبرها وهو يزم شفتيه :" سيدة سوما هناك أحدهم بالخارج يطلب مقابلتك يقول أن اسمه مراد العجمي وأن هناك سابق معرفة به".....
مراد..... أيكون هو.... ذلك الذي افترى عليها كذبا في الماضي وزعم أنها بائعة هوى رخيصة وكما مكب النفايات العَفِن.... ما الذي يريده منها.... ولمَ مدير مكتبها هارون مستاء من إلقائه ذلك الخبر عليها.... أيغار عليها ذلك المعتوه.... يغار على ثروتها.... يخشى من روعة تقاسيم مراد.... يراه منافسا لا يستهان به.... إن زوجها محق... هارون لا يبعث عن الطمأنينة....
الشركة كلها تتحدث عن صدع قائم بينها وبين زوجها وهارون يتسنى ذلك ليتقرب منها ويستحوذ عليها...
هي تستخدم هارون لتثير غيرة زوجها ولكن.... منذ تلك الوهلة ستجبره على التزام حده وإياها
وتمتمت وهي مضيقة حيز عيونها وتسند رأسها على متكئها :" أدخله"...
مع تقدمه نحوها بخطوات وجلة وهو ناكس الرأس
طالبته وهي مشدودة المحيا :" أوصد الباب خلفك يا مراد"....
وسألته بمجرد أن استوى جالسا على المقعد المقابل لمكتبها:" لمَ تتذكرني بعد كل تلك السنوات؟!!!"....
رد بعدما أطلق تنهيدة وهو مطرق برأسه :" لقد قذفتك فجنيت الحصرم في حياتي.... بعدما استقلت من العمل لدي مصطفى أنشأت لنفسي عملا مستقلا بسيطا وراعيته يكبر ويزدهر... وبغتة كل شيء تهاوى.... تبددت كل النقود التي بذلت سنوات عمري المنصرمة لجنيها... وابنتي الوحيدة عانت سرطانا نادرا بالدم وراقبتها وهي تتداعى وكنت معدما لأتمكن من توفير سبل العلاج الحديث لها.... هي ماتت وزوجتي الحبيبة انفصلت عني...."....
ورفع بصره ليلاقيها واستطرد :" لم يعد أمامي سوى أن أكون شيخ منقطع للعبادة.... ولكن يجب أن أتطهر من ذنبي.... لسنوات وأنتِ تداهمين أحلامي وتذبحيني بنظرات الإدانة القاسية التي تسدديها لي... أتيتكِ لأطالبكِ بأن تكفي عن زيارة منامي... أحلامي كوابيس بسبب اقتحامك الدءوب لها.... أنتِ تزوجتِ مصطفى وأنجبتِ منه أي أن مسعاي للتفرقة بينكما لم يُكَلَّل بالنجاح... وزوجك ولا ريبة علم بطهرك بمجرد أن أتم زواجه منكِ فلمَ لا تتركيني وشأني... أنا رجل انزلقت للهاوية على كافة المستويات... مطاردتكِ لي لن تحقق لكِ شيء... فالله أخذ مني كل ما سبق وأعطى... أنا رازح تحت كنف الإملاق وراضي بذاك ولكن كفي أعينكِ عني في السبات... ما تفعلينه بي حرام!!!!!.... و لا..... هو لم يعد سبات هو استحال نوبات متقطعة بسببكِ.... فعيوني - منذ تَقَوَّلْت عليكِ زورا - لم تستقر في السبات أبدا"
تململت تبر في مقعدها وأعربت بزجرة :" امسح دموعك يا مراد فذرف العبرات لا يليق بالرجال"....
وتابعت بعدما أطلقت تنهيدة وهي تبسط أناملها نحوه:" أنا أسامحك.... وأمنحك كل صكوك الصفح والغفران.... أنا لا أحمل ضغينة نحوك... وكما أشرت وسأضيف... زواجي مستقر ومصطفى يثق بي وترهاتك المغرضة لم تلحق بي أدنى ضير!!!!!... بإمكانك أن تستريح يا مراد ولو تريد معونة مادية لتقف على أقدامك مجددا أنا مستعدة... "....
واستطردت بصوت ينبع من أعماقها :" لنكُن صرحاء... أنا استغللتك وأنت انتقمت... أنا من بدأت!!!!!"
أحنى هامته خجلا منها وصرح متمتما:" أنتِ تأسريني بأخلاقك الرفيعة سيدتي.... وتثبتي لي كم أنا وضيع بجوارك... أنا من يستحق لقب مكب النفايات"....
وأردف :" وبالنسبة لرغبتكِ في مساعدتي ماليا.... أنا لم آتيكِ سعيا لهذا... السماح يفوق أية نقود.... هو أغلى ما يمنحه إنسان لإنسان... غفرانك هو ما بث الحياة في عروقي مجددا.... شكرا لكِ"....
كان هارون يضم قبضتيه في ضفيرة واحدة ويقوس بدنه وهو محتل مقعده خلفه مكتبه في الرواق
ودلف مصطفى فاستحال واجما لبرهة من حالة هارون فهو يبدو كمن تغلي أعصابه على المرجل...
سأله بعنجهية :" هل سيدتك سوما في مكتبها؟!!!"
نهض ببطء مصطنعا التهذب لقدوم رب عمله
وأعرب بصوت كما الفحيح :" معها السيد مراد العجمي بالداخل... سمعتها تأمره بإيصاد الباب خلفه بمجرد مروقه لحجرتها"....
بدا الاسم مألوفا بالنسبة لمصطفى وإن كانت طريقة نطق ذلك الهارون للكلمات تبعث عن التوجسات.... هو يوحي له بشيء غير لطيف
إن زوجته عنيدة ولا تتقبل النصح أبدا
بقاء هارون حائما حولها لا يرضيه
ذلك الرجل البغيض يسعي للنفاذ بينهما لفلق عرى علاقتهما
وبغتة تذكر هوية مراد العجمي
فتجهم واكفهر وانطلق صوب حجرتها ليقتحمها
التفتت الأنظار صوبه بمجرد اجتياحه الغرفة كما الإعصار
تفوهت زوجته بهدوء لتمتص غضبه وهي تجابهه بصرا:" أستاذ مراد أتى ليقدم اعتذاره لأنه قذفني أمامك في زمن مضى... ويتراءى لي أن لعناتي المصبوبة عليه أضرمت الدمار في عمله وأحدثت صدعا بينه وبين زوجته ليحدث انفصال... وأنا أنأى بلعناتي أن أكون صببتها على نسله فابنته لاقت حتفها بسبب مرض خبيث رحمها الله"....
أخفض مراد جبينه وتمتم بضراعة لمصطفى :" أنا أعتذر لكَ أيضا سيدي.... فالسيدة سوما كما العملة الذهبية النادرة.... سمعتها فوق مستوى الشبهات.... أنا من أحطتها بلغط حينما لاحظت عشقها الواسع لك.... تلظى قلبي على ألسنة الحقد المصوب حيالها، حينما أدركت أن كل ما جنيته من جهود حثيثة للظفر بها كان هباءً منثورا.... فأنا لم ألفت يوما انتباهها!!!!!"....
اللعين الذي ظلت كلماته المدوية تتردد بدواخيله لسنوات يريد أن يمحي كل ما ارتكبه من فظائع بجرة قلم
بدا صادقا في عيون مصطفى فهو ضامر البدن مقصوف العود وكأنه صلى الجحيم فعلا وذاق شتى ألوان العذاب والابتلاء
كظم غيظه واعتصر أنامله حتى ودعتها الدماء ولفظ من بين مطحنة أسنانه :" انصرف فورا من هنا.... أنا أتماسك بشق النفس... جريمتك النكراء لن يلغيها مليار اعتذار.... أنا لا أتقبل أسفك.... ارحل عنا يا بغيض لا ربحك الله"....
بعدما رحل مراد ناكس الرأس ذليلا
عاتبته تبر وهي تتوجه نحوه :" لمَ تلك القساوة يا مصطفى.... ابنته تلاشت من الحياة.... هو كفنها وأودعها التراب... مهما كان ما تفوه به في حقي أنا سامحته!!!!"
سخر منها وهو يحيد ببصره عنها ويتخصر :" آه طبعا زوجتي امرأة حنونة جدا ومتفهمة لتصرفات رجل عربيد مثله تسبب في..... رمقي لها بدونية وإقامتي علاقة غير شرعية معها"....
تهدج صوته مع الكلمات الأخيرة
أما هي فقد جذبته من ياقة قميصه وأعربت بزجرة صارمة وهي ترجرجه :" اخرس.... تلك الكلمات لا ترددها.... "
وتبدلت سحنتها ليبرز البؤس والشقاء منها وأردفت بنبرة أبحة وقد تملكها الهذيان :" أنت قاسي وجلمود وتدهس مشاعري باستمرار!!!!.... أنا أكرهك... أكرهك.... لمَ تذكرني بوحلتي يا بغيض؟!!!"....
ومادت الأرض من تحت أقدامها وأظلمت الدنيا أمام أحداقها وسقطت مغشية عليها
اعتراه الجزع حينما سقطت أمامه كما ورقة في مهب الريح
تلقفها مانعا إياها من السقوط
وحملها للأريكة ليفرد جسدها الضئيل عليها
وأسرع لمكتبه ليجلب كولونيا يزكم بها أنفها لتستفيق
كان مرتعبا ونظراته متقلقلة
ويتشبث بيدها كما الطفل بأمه
سعلت وبدأت عيونها تتفتح رويدا رويدا
سحبت يدها بعيدا عنه بمجرد أن زال الضباب عنها
واعتدلت جالسة وجابهته :" أنا أكرهك... غادر مكتبي...لا... ذلك المكتب الصغير لم يَعُد يرضيني... أنا أملك أسهما أكثر منك وسأستولي علي الشاسع الفسيح أما أنت فستنتقل لهنا...."
اقترب منها رويدا رويدا غير عابئ بالثورة المحتدمة فيها
وردد على مسامعها :" أنا آسف.... أنا غيور.... اهدئي... لمَ طلبتِ من ذلك الخسيس أن يوصد الباب خلفه لتصيرا وحدكما في الحجرة"....
تهكمت عليه وهي تقوس شفتها عن ابتسامة ساخرة مريرة :" وتتصنت عليّ.... وتبعا لظنك لما سأُقْدِم على ذلك؟!!!.. آه تذكرت أنا حقيرة ورخيصة وهو مليح التقاسيم متناسق العود والشيطان ثالثنا".... تفوهتها بنعومة أسقمته
كظم غيظه بشق النفس وأعرب وهو يعتصر أنامله حتى هجرتها الدماء ويحني بدنه نحوها والغضب لطختان حمراوتان يتوقدان في وجنتيه :" أنتِ مستفزة وأنا لم أعد أتحملك"....
جابهته وهي تنتصب واقفة وعيونهما متلاحمين :" أنا أريدك أن تتزوجني رسميا"...
شملها برمقة تقييمية وأعرب بقساوة وغلظة :" الزواج الرسمي تتمتع به من تستحقه فقط.... أما من ترتضي العرفي فحياتها كلها عرفي.... لا فكاك لها منه!!!!"....
وتابع بفم شَمُوس ممزقا نياط قلبها :" تطلعي لنفسك يا سوما في المرآة.... ستجدي امرأة تفكيرها غير سوي.... متذبذبة الأركان.... هلامية الملامح... تتلذذ برمقات الإعجاب التي يسددها الرجال صوبها.... وتطرب حواسها من أية إطراء يفرغونه على مسامعها... تدعي الشرف والنزاهة وهي أبعد ما تكون عن ذلك... هذا منوال حياتك تتبعينه مع كافة رجالك وآخرهم هارون!!!!.... قبل أن تطلبي العقد الرسمي يجب أن تكوني شريفة كفاية لتناليه!!!!"
هزت رأسها يمنتا ويسارا وأعربت وهي مسمرة البصر على أحداقه :" لم أعد أصدقك!!!.... ستظل تكذب باحتراف حتى على نفسك!!!... أنت تعرف أني لست معوجة المسلك ولا منحرفة التفكير حتى.... ولكنك تحب زراعة تلك الأفكار الخبيثة بدواخيلي.... أنت تتلذذ حينما تُفقدني الثقة بنفسي... في الحقيقة... المتذبذب الأركان والهلامي الملامح والذي يحمل طابعا غير سوي بتفكيره هو أنت وليس أنا.... أنت... أنت من يركض خلف الحرام بالمشوار ويعف الحلال وكأنه جذام... أنا ناشدتك لتتزوج أخرى عوضا عن إقامة العلاقات المحرمة فلم تحفل بتضرعاتي... أنت من يستهويه العبث بقلوب النساء... العزف على أوتار أوجاعهن لتتجلى لهم حنون وداعم ولكنك في الحقيقة تستغلهم وتتلهى بأجسادهن.... أنت تعكس عيوبك في!!!..... تتهمني بما ليس في.... تُقيم ضلالات وتصدقها وتسمح لها بفلق عرى علاقتنا... أنا لم أعد أقوى على الاستمرار وإياك.... أية كلمة أتفوهها أمامك يتم تحويرها وتحميلها ما لم تتضمنه.... أية سكنة لي تفسرها تصرفا ماجنا تبعا لهواك.... أنا طلبت من مراد إيصاد الباب لأن الجدران لها آذان وخفت أن ينبش سيرة الماضي فتتلوث سمعتنا أكثر من ذلك.... أعتقد أنك لا تصدقني كما المعتاد ولكني جازمة من كوني سأتطلق منك فالحياة معك جحيم وعذاب"
قبض على بدنها وتفوه من بين صرير أسنانه وأوداجه منتفخة حنقا عليها :" الطلاق ليس علكة تلوكينها وقتما تبتغين ذلك"....
وتابع مهددا :" ولدي منصور متعلق بي بضراوة بعد مصابي على يديكِ، من اليسير أن ينقلب عليكِ بإيعاز ضئيل مني، وياقوتة أصلا تحبذني عليكِ، فأنا اعتبرتها أميرتي في الوقت الذي كنتِ فيه لا تطيقين التطلع حيالها، ستخسرين يا سوما لو عقدتِ العزم على الفكاك من تلك الزيجة العرفية، فأولادك رهن إشارة صغيرة مني، وتهافتك على التخلص مني لن يعني سوى كراهية أولادنا لكِ"....
وربت على وجنتها وهو يرمقها بلمعة تسلية ويردف بنغمة أسيلية :" تجشمي عناء تحملي يا صغيرتي فليس لكِ فكاك مني".....
وقبض على فكها بوحشية وهو يستطرد بصوت مفخخ غضبا وحنقا عليها :" وتلك الوصية اللعينة التي كتبتها أمي قبل وفاتها لا تساوي ثمن الحبر المسفوك فيها، هي لا تخولك صلاحية تقزيمي، أفيقي.... أنتِ عديمة الخبرة من اليسير عليّ أن أتخلص منكِ لو انتويت ذلك، اسمكِ الذي تركته يلمع ويتوهج بفرقعة إصبع مني يتلاشى للأبدية، أنتِ رئيسة مجلس الإدارة هنا بفضل سعة صدري، وأنتِ بدوني تغرقين، لو لم أستفق من غيبوبتي في الوقت المناسب لكانت تلك المؤسسة منهارة، ولكانت ثروة عائلتي المبذولة فيها متبددة"....
عاتبته بقساوة :" أكل ما تحفل به هو النقود؟!!!"
وسألته وهي متداخلة معه بصريا وابتسامة ساخرة مريرة تتشقق عن ثغرها :" أتتحملني فقط لأجلها؟!!!!"
تململ وشوح بيديه قائلا :" من منا يحور الكلمات ويحملها ما لا تتضمنه.... أنا أم أنتِ؟!!!..... أنا أقصد أني من صلب عودك في مضمار الأعمال.... لم أحيلها أرض عراك.... أنا أحببت وجودك بجواري وسمحت لكِ بذاك!!!!".... نطقها بلكنة متهدجة.....
((عبثاً ما أنطق سيدتي....
إحساسي أكبر من لغتي....
وشعوري نحوك يتخطى....
صوتي .. يتخطى حنجرتي....
عبثاً ما أنطق سيدتي .. ما دامت
كلماتي .. أوسع من شفتي))
أطرقت تبر برأسها وتمتمت محتقنة على ذاتها :" لك القدرة على تعميري بكلمة وتدميري بسكنة!!!!.... يجول الضوء في روحي حينما تترفق بي فحسب فكيف الحال لو أحببتني قليلا وأشعرتني بذلك...."
((أنا كتاب ضارعٌ في يدك.... يحصد الفضلة من إيمانك....
ليتك تضع به جُلَّ إيمانك ليتحرر كما العصفور صوب يديك))
تقدم نحوها والتقط يديها ليحتويهما بين يديه :" امنحيني الفرصة وسأُشْعِرَكِ بحبي كاملا"....
عاتبته وهي متلاحمه معه بصريا :" كل ما يشغل تفكيرك وتراوغ لأجله العلاقة الجسدية؟!!!!...."....
ولوحت برأسها نافية :" الحب ليس ما تظن.... الحب شعور أشمل وأقوى وأطهر وأعم"....
واستطردت معاتبة ومؤنبة :" من أحال تاريخنا الجميل خرائب؟!!.... من هدم بغلاظة قدسية حبنا؟!!!.... من لا تحركه فينا سوى الشهوات ومن أجل ذلك يدك كل المحرمات !!!!.... حبنا كانت له حرمة وأنت أهرقتها!!!.... كيف يستقيم حب بلا شرف؟!!!.... إلى متى سنظل نمثل أن كل شيء تمام؟!!!"..... نحن لسنا على صواب بخداعنا لأنفسنا"....
سألها بضراعة :" ألا يمكنكِ أن تتحملي جنوني؟!!!... أن تغفري اندفاعي ونزقي حينما تضطرم بداخلي الغيرة حيالك؟!!!...."....
واستطرد وقلبه متصل بدقاتها :" لو كنت أستطيع لتبت عنكِ ولكن كيف عن روحي المتاب وأنفاسي عالقة بكِ؟!!!.... أتحسبيني سعيدا لكوني أهواكِ رغما عن أنفي؟!!!!.... وأتحسبين أنني الوحيد المخطئ في تلك العلاقة؟!!!!.... وهل كنتِ نزيهة للغاية معي؟!!!!.... تُقام في رأسكِ أفكار فتدلين بأفكار أخرى ولا تعترفين بما يجول في دواخيلك.... مرت بيننا سنوات فهل سبق وأخبرتيني استشعارك حرمانية علاقتنا لأنها عرفية؟!!!!.... الآن بعد سنوات تفجرين الأمر.... أنتِ لستِ صريحة يا سوما.... أنتِ لستِ حقيقية معي.... دوما تخفين مشاعرك وتتذرعين بترهات تستخدمينها كدرع واق يفصلكِ عني.... ".....
ردت عليه وهي لا تلبث متواصلة معه بصريا :" نعم أنا لست حقيقية.... فوجهي الحقيقي لن يعجبك أبدا.... الجمال لم يكُن يكسوه بل بقع النمش التي أخضع لجلسات علاج بالليزر كل ستة شهور من جرائها.... وجهي الحقيقي لن يعجبك لأن الثقة كانت منعدمة فيه وبدون توفر سبب وجيه..... أنا لست حقيقية فعلا.... وذلك يعود ربما لأنني لست سوما أبدا!!!!!"....
أمسكت ذقنه بين أصابع يدها وأخبرته وأنفاسها تلفح وجهه :" سأسرف في الحديث عن الماضي الليلة ولكن في بيتنا.... تلك الحوارات لا تصلح في العمل... أرأيت كم أنا كفؤة ومتمرسة في عملي.... مجاذبتنا أطراف الحديث هنا كان خطأ وأنا انتبهت لتلك الحقيقة قبلك.... أنا صلبت عود الأعمال حينما كنت طريح الفراش مسترسل في الغشيان.... وأنا لن أسمح لك بالادعاء بعكس ذلك.... فلولاي ولو كنت سمحت لأختك بأن تتقلد زمام الأمور هنا لكانت تلك المؤسسة فعلا محض خرابة الآن وفي طي النسيان.... قد أبدو أمامك مندفعة ومتهورة في القرارات ولكن ذلك ابتدأ فقط بعدما ولجت لهنا وطاب لي تحديك ومعارضتك.... حينما كنتْ في المشفى كنت متريثة جدا.... وتستطيع سؤال أي حد هنا عن ذاك!!!".....
في البيت
بعدما أحالته ياقوتة منهوكا فلقد طالبته بحملها تارات مديدة وأحالته في مواقيت أخرى حصانا تمتطيه .... أهلكته حوارات طفولية ولعبا يهد الحيل....
وشكلت حيلولة بينه وبين حوارا مسترسلا مع سوما.....
داعب الوسن أجفانها أخيرا فارتحلت في خلده وهي هانئة القسمات وتحتضن دميتها الجميلة
غادر مصطفى حجرتها فلاقى ولده في الرواق
بدا في عيونه مضطربا وكأنه انتظر خروجه من حجرة أخته ليلتقيه
ربت على كتفه وسأله وهو يحتضنه بعيونه وملامحه تنفرج عن ابتسامة عذبة :" كيف حالك يا بطل؟!!!"
هز منصور رأسه وتفوه وهو يزدرد ريقه :" أنا بخير.... لقد ابتهلت لله نجاتك وعاهدته بأنه لو حقق لي مبتغاي سأكون ولدك أنت فقط طوال حياتي وسأجعلك تفتخر بي دوما"....
قطب مصطفى جبينه وكرر كلمات الصغير :" ابني أنا فقط؟!!!!...."
واستطرد وملامحه تطلق سراح ابتسامة واسعة وهو ينحني صوب الصغير ويداعب خده :" يبدو هذا القول شيئا جميل.... رجل من ظهر رجل.... هكذا أبتغيك!!!!".....
أطرق منصور برأسه وأعرب مغمغما :" أنا أعتذر لكوني قمت بمجانبتك منذ أوبتك للبيت.... فبرغم كون عيوني تركض خلفك أنا كنت متحفظا معك ومقيت...."....
وتواصل معه بصريا وصرح والعذاب يفريه :" ولكني لم أعتد على حضنك..... ولم أحظى يوما بالعلاقة الوطيدة التي تربطك بياقوتة...."....
واعترف وهو مطرق برأسه :" أريدك أن تعاملني كما ياقوتة...."
وتشابك معه بصريا وهو يستطرد بعنفوان وتبرم:" ليس مثلها تماما.... فإنها حمقاء لأنها فتاة!!!!.... ولكني أقصد..."
وتلعثم الصغير وهو يردف :" ألا يمكنك... أن تحبني مثلما.... تحبها.... أعرف أني رجل ولست بحاجة للتدليل مثل الفتيات الحمقاوات.... ولكني أقصد..."
واعتصر الصغير أنامله وطفرت دمعة من أحداقه
انكب مصطفى عليه وشمله في حضن عاصر وهو يردد :" أيها الأحمق أنا أحبك مثلها تماما"....
وشمل وجه ولده بين كفيه وهو يستطرد مغالبا عبراته ويمازحه قائلا :" ولكنها كما قلت.... محض فتاة.... والفتيات كلهن مدللات وحمقاوات.... ويستهلكون والدهم تماما.... أما الرجال فهم من يصلبون عود والدهم.... ومن يبقونه شامخ الأنف في تلك الحياة.... وأنت رجلي الصغير والحبيب يا ولدي".....
وتهدج صوته مع الكلمات الأخيرة
كانت تبر تحيط خصرها بيديها وتتكئ على حائط الرواق وعلقت باقتضاب متهكمة ومحياها متجهم :" الحب أضرم النيران في حقول الذرة!!!!".....
توجه نحوها وأمسك ذقنها بين أصابعه وتفوه متندرا على حالتها الغريبة :" يا من يَغِل صدرك من رؤية مشهد من المفترض أنه يَسُرك...."
وتابع بنعومة :" افردي سحنتك قليلا..... فمن الممكن أن نضمك في المشهد"..... قالها برحابة
تلفتت أحداقهما صوب منصور الذي أعرب بضِغْن يحمله لأمه :" ولكني لا أريد.... لا يحق لك يا أبتي أن تقرر شيئا نيابة عني.... لو تريد مشهدا معها فتفضل أما أنا فسأرحل..... عمت مساءً أبتي".....
شعرت بنفسها تخر من السماء فيتخطفها الطير أو تهوى بها الريح العاتية في مكان سحيق
شعرت بروحها تختنق
بثقل رهيب يجثم فوق صدرها كما الطَوْد
إن ولدها يستلذ بتعذيبها ويضمر كراهية غير متناهية لها
في حجرة تبر
سألها :" ستظلين منفطرة في النحيب؟!!!"
كانت جالسة القرفصاء على سريرها متداعية من جراء قساوة وليدها....
وكان مصطفى يحتل طرف الفراش ويحاول صرف الكرب عنها ويبذل جهود حثيثة لإعادة البسمة لثغرها
وتابع :" ستُشْعريني بالذنب فأنا لم أنهره وأوبخه حينها.... ولكنكِ من تشبثتِ بيدي وطالبتيني ألا أنفعل وأدع الأمر يمضي".....
هزت تبر رأسها وقالت من بين أنفاس متقطعة من جراء إجهاشها في البكاء :" هو لا يحبني.... هو يحتقرني...."
وتواصلت مع أحداق مصطفى واتهمته :" كله بسببك.... أنا عشت مسفوحة الكرامة مهرقة الاعتبار في بيتك..... وأنت كنت تعرف وكنت تستلذ بذلك.... أنا أمقتك".....
ودفعته باحتقان مزمجرة فيه :" ارحل من هنا.... أنا لا أرحب بأي مشهد معك!!!!.... أنا أريد مشهدا فقط مع أولادي..... أنت تقلبه عليّ بمسكنتك وبراءتك الزائفة...."....
وتابعت تنعي حظها العاثر :" لمَ لم أسقط أنا من على الدرج؟!!!!.... لكان يحبني أنا الآن ويراك على حقيقتك متحجر القلب.... سبب تجرع أمه الحنظل في تلك الحياة...."
تلاحمت معه بصريا وتفوهت بغتة :" أنا لست سوما ذلك ما كنت أنتوي إخبارك به الليلة.... أنا تبر فاروق التبريزي..... اسم والدي لم أغيره.... ولكن اسمي أنا طمسته من السجلات.... أنا تبر!!!!..... صعيدية المنبت.... ولا بد من كونك استشففت ذلك من انفعالاتي فكلها تنطق بلهجة بلادي.... أنا ابنة زبدة.... ثراء عائلة التبريزي يفوق ثرائك بمراحل.... والدي لم ينجب من أمي ياقوتة.... كان قلبه ينبض لها حبا واسعا لم أستشعر مثيله يوما وإياك.... ولكن لأن الأبناء زينة الحياة الدنيا أنجبني من علاقة محرمة ولكنه نسبني لأمي ياقوتة.... والحمد لله الذي جبر بخاطر أمي بعد سنوات من العقم، فمنحت أخي منصور الحياة... تلك حقيقتي.... بعد ملاقاة والدي لحتفه تناهى لسمعي حقيقتي فقررت الفرار من حضن بيتي فتلقفتني بين براثنك لتنشب مخالبك في روحي...."
وأطلقت سراح تنهيدة رتيبة وثبتت بصرها على نقطة بعيدة وأردفت :" كانت مجرد حقيقة قاسية لم تكن تستحق أن أغادر عالمي الذي عشت فيه موفورة الكرامة لأجلها.... أحبذ الجحيم في بيت أبي عن سنوات هناء وإياك.... فما بالك وأنت لم تُسْقيني سوى البؤس والشقاء!!!"....
ورددت أمام أعينه :" أنا تبر!!!!"
أجابها وهو يلوح بأكتافه غير مكترثا :" حسنا وأنا مصطفى"....
وتابع وابتسامة رقيقة تفارق محياه :" ليس لي اسمان ولكن لي قلب واحد تتبوئين عرشه وكأنك مليكته منذ أزل الحياة!!!"
عبس جبينها وهي تسأله :" أنت تتقبل الموضوع بسهولة ويسر... ألا تغضب؟!!!"
سألها وهو مقطب الجبين ويُعْمِل نظره :" أتحرضيني على ذلك.... هل يستوجب الأمر ذلك.... أم يستلزمني أن أقوم بذلك"....
أجفلها بأن جذبها بغتة ليحتضنها بضراوة استكان لها كيانها
تمتمت له :" أحب أن أكون زوجتك فعلا يا مصطفى.... هل تظن أن الأسوار التي كانت تعزلنا عن بعضنا البعض تحطمت.... وهل تحسب أن اعترافاتنا أزالت العراقيل التي كانت تحجبنا عن بعضنا البعض..... هل تكون تلك هي الحقيقة.... أن بارقة الأمل ستنشر بساطا على بيتنا وستصير جزءً من حياتنا"....
احتوى وجهها بين أكفه وتداخل معها بصريا وهو يزمجر بحنق :" أنتِ تتفوهين كثيرا...."
أجابت بخنوع ومحياها يفتر عن ابتسامة عذبة :" حسنا سألتزم الصمت.... وستكون تلك الحجرة لنا نحن الاثنين لبقية عمرنا"....
((وتعطَّلَتْ لغةُ الكـــــــــــــلامِ وخاطبَتْ عَيْنَىَّ في لغة الهــــــــــــــوى عيناك))
كانت ياقوتة تمعن في التفكير، سوما التبريزي تفتتح مشروعا جديد، خبر يتصدر جريدة تقرأها لها حفيدتها ابنة منصور، فلقد ابيضت عيونها حزنا على صغيرتها ولم تعد ترى، والصغيرة تقرأ بمنتهى التعثر والسوء ولكن ياقوتة تشجعها، فهي نافذة اطلاعها على عالم القاهرة الذي يحوي ابنتها، كلفت الكثيرين للبحث عنها ولكن مطالعة الجرائد صارت هاجسها وشغفها....
تلك ابنتها ولا ريب، لا وجود لصورة في خبر، مثل تلك الأخبار تكون دوما مزينة بصورة، ولكن ابنتها تخشى نشر صورها كي لا يصلوا لها ولكنها وصلت....
وهبت ياقوتة من جلستها مع حفيدتها ونادت خادمتها :" بهانة.... وضبي أمتعتي فإني راحلة الآن صوب القاهرة وإني مستعجلة فلا تتلكئي وتفقأي مرارتي كي لا أُسَرِّحَك وأستريح منكِ...."....
أمسكت تبر الصغيرة - حفيدتها من منصور - بثوبها وتوسلتها :" اصحبيني معكِ جدتي".....
وافقتها جدتها وهي تومئ برأسها :" بالطبع سأصطحبك.... تبر الصغيرة ستلاقي تبر الكبيرة!!!!"
دلف منصور للحجرة ليسأل أمه عن سبب صوتها الجهوري وعن سبب رغبتها في الرحيل للقاهرة الآن وهم في جوف الليل.... وتسمر مكانه حينما سمعها تتحدث عن ذهابها لملاقاة تبر الكبيرة فقطب جبينه وسألها غير مستوعبا :" تبر من.... ومنذ أين عرفتِ أين هي؟!!!!!"
أعربت أمه بصرامة وهي تشمخ بأنفها :" ستصحبني يا منصور.... تبر فرت بسبب كلماتك وأنت من سيعيدها معي لتُكَفِّر عن ذنبك الرهيب حيالها....".....
ورعدت فيه بغتة :" هيا جهز حقيبتك....".....
وتابعت متململة :" ليس ذنبي كوني قرأت الجرائد بمساعدة ابنتك ليلا.... بل ذنبك أنت.... فأنت من نَزَهتها اليوم مع أخواتها طوال النهار ولم تُعِدْها لي سوى ليلا.... أنا لن أسامحك يا منصور لأنك أخرتني عن ابنتي!!!"
مع انبلاجة خيوط الصباح
كانت مسترسلة في السبات وتخللت أنامله خصلات شعرها المنبسطة على الوسادة وقرر أنها بمجرد استفاقتها سيُدْلي لها باعتراف سيغير حياتهما للأبد
وشعر بسيارة تقتحم قصره... وتناهى لسمعه صوت هدير محرك يتوقف على غرة... ولا يدري لمَ تشبث بتبر بغتة... شعر بجزع مبهم يعتريه
طمأنته وهي تتثاءب فجَذْبِه لها تسبب في استفاقتها :" لا تقلق نحن معا على طول الطريق"....
التقط روبا قطيفيا وارتداه وتوجه صوب النافذة ليفهم ما يجري
استحال واجما حينما ارتطم بصره بسيارة شرطة تداهم بيته
اعتصر أنامله من فرط الارتعاب وألقى نظرة جانبية على تبر التي لم تستوعب بعد المستجدات
وضغط على أسنانه ليواري انفعالاته والتهم الخطى صوب السيارة والقلق ينهشه حتى النخاع وهو يحث نفسه على السير كي لا يتداعى وينهار
حينما وصل بهو قصره كانت الخادمة قد شرعت الباب بعدما دقَّ أحد ناقوسه بلَجَاجَاً وإلحاح
وجَّه الشرطي بصره صوب مصطفى وتفوه قائلا بمهنية باردة :" مطلوب القبض على المدعوة سوما فاروق التبريزي.... فهي المتهمة الأولى في مقتل محمد البايض الشهير بميدو!!!!"
_____________________________________________
وليد
((أراكِ الضوء حين تضل قافلتي وتطويني متاهاتي))
تلك الليمونة تغيب فتسلبه نكهة الحياة، وكأنها توازي في أعينه كل الحياة، استراحت منه وتحصلت على إجازة زوجية تُرَى كيف تنفقها، هي استراحت وهو مشتت الذهن من جراء رحيلها عنه، أين في الدنيا مكانا ليست فيه، يراها في كل الوجهات والزوايا، كان من الحماقة أن يظن نفسه قادرا على خيانتها، الأمر لم ينجح ولم يشتهي لوهلة أن يُكَلَّل بالنجاح، ود لو يخبرها قبل رحيلها بزلته وبأنه انتوى النكث بيمينه لها والذي يفضي بأن يكون مخلصا لها طوال حياتهما
لقد طالبته بهذا يوم زفافهما حينما أراد أن يُتِم زواجهما
"لست من هواة الزواج والطلاق كثيرا.... الزواج لدي مرة واحدة ويدوم.... لو تنتوي التسلية لا تقربني.... أعرف أن متعددي العلاقات يستحيل عليهم الوفاء لامرأة واحدة.... وغالبا يقعوا في الخطيئة أو الزواج الآخر بعد اقترانهم بحليلتهم الأولى.... لو كنت هكذا لا تورطني فيك... أنا لن أتحمل مرارة الخيانة يا وليد!!!.... لو تريدني ستُقسم لي يمين.... ألا تلمس امرأة أخرى سواي حتى يفرقنا الممات!!!....أنا أريد زوجا مخلصا ليس بارعا في استخدام الكلمات والتلهي على أوتار قلوب الفتيات"
وغاب عقله في جب ذكريات كثيرة معها، هو أصر على ارتدائها ثوب زفاف اسطوري رغم رحيل أمها قبل زفافهما بوقت قصير لأنها تستحق ذلك ولأنه أراد أن يعوضها غياب عائلتها عن يوم عرسها
لم يُرِدْها بفرحة منقوصة ولكنه لا ينكر أنها عاشت وإياه بسعادة مبتورة
إنه أحيانا يغار عليها من أخيها
فهي تراه صَرْحَا عظيما مقارنة به
ولا تكف عن امتداحه وترديد مواقفها وإياه
كان مستقليا على سريرهما مسندا رأسه على وسادتهما الوثيرة يحملق وهو سارح التفكير في السقيفة
((أسألكِ هل تجرؤين على تحدي ماضيّ المخزي المشين
على محو آثامي التي ارتكبتها ذات فين
على غسلي من ذنوب تثقل كاهلي منذ سنين
أسألكِ هل تجرؤين
هل تملكين شمعة تضيء ظلام قلبي الذي يحاكي الجحيم
هل تفهمين مأساتي؟؟؟
وهل تشفقين؟؟!!!
متى دخلت دائرة المعاصي؟؟؟؟
ومن جرّ أقدامي نحوها بدهاءٍ مكير؟؟؟؟
كيف سأتخلص من شرارة تسربت تحت جلدي وقبعت فيه لأعوامٍ وسنين؟؟؟؟
قلبي يدق لكِ كما الطبل من خلف أضلعي
ولكن لأجل الكبائر يهرول مثل المجانين
هل تفهمين؟؟؟؟؟
مذلولٌ بإدماني للمسلك الأعوج الكريه
معصوب الأعين في دوامة من صنع يداي الآثمتين
غريقٌ أنا فهل تنقذين؟؟؟؟؟
هل تكوي ندبات روحي؟؟؟؟
وهل تحرقين؟؟
لا تغارين!!!!!!
كانوا لا شيء وأنتِ تدركين
أنتِ من تملكين فؤادي وتأسرين
أنتِ طوق الحمامة الذي ظللت أبحث عنه لسنين
اللهو والعبث يجريان في دمي
ولكنكِ صميم فؤادي المشتت بين النزوات والرغبة في الخشوع لرب العالمين
هل تفهمين؟؟؟؟؟
أدرك أن كل هذا ليس كافيا
ولكن هل تحاولين لأجلي؟؟؟؟
وهل تنجحين؟؟!!!!!!))
لم يستطع الكف عن الاغتراف من الجعة حتى وهي موجودة، وإن كان لا يُفْرِط فيها ويتمضمض جيدا بعدما يُفَرِش أسنانه وذلك قبل ولوجه للبيت.... وكل ذلك كي لا تكتشف الأمر!!!!..... لا يريد أن يخيب أملها فيه!!!!
هو لن يحتمل ذلك!!!!
لقد تزوجها ليسيطر على إرثها وتمَّ له ذلك ولكنه لا يقوى على لفظها
لقد عاش منغمسا بألوان قوس قزح وإياها وصوت العندليب الصداح يرفرف من حولهما
وحاول الخروج من صومعة أفكاره التي تدور في رحاب تلك القاسية المتجبرة التي يطيب لها العيش بعيدا عنه
فتوجه صوب خزينته في حجرة المكتب ليُخْرِج تسجيلات مخلة لملك يحتفظ بها
الخبر منتشر كما الهشيم في النار ومتصدر كافة الجرائد
(ملك وانجيلا توءمتان)
إذاً الأخت الشريدة تم العثور عليها أخيرا
إلا أنها ميتة تماما
فعلي أخبره أن الحية هي ملك والدة أمورة أما شقيقتها التوءم فهي من لاقت حتفها
إنها تستحوذ على عالم أخيه
وهو لن يصمت بعد الحين
سيساومها لترحل عن أخيه للأبد
وإلا فإنه سيفضحها بيديه ولو على نطاق الأسرة فهي تحمل كنية عائلته
هاله أنه لم يعثر على التسجيلات
وتردد اسم بدواخيله
إنها سلام من استحوذت على تلك التسجيلات
هاتفها وهو محتقن الغضب وأتاه صوتها الناعس بعد وهلات
" من يتحدث؟!!!"
سألها وهو محتدم الغضب من جراء استهتارها ويعتصر أنامله غيظا منها:" هل من عادتكِ الإجابة على الاتصالات بدون التحقق من هوية المتصل؟!!!"
ردت وقد ضاقت ذرعا منه :" ومن سواك سيهاتفني في مثل ذلك الوقت المبكر يا غضنفر؟!!!!.... أصلا كل رفقتي معي في سفرتي وكلهم نيام فلقد سهرنا لوقت متأخر.... أنت الوحيد الذي لا يتوقف عن إزعاجي في سباتي!!!!"
((ناجاها بروحه.... حينما يَكون قَلبُكِ سمائي الواسِعة و كَتِفكِ غيمة أسند رأسي إليها سيكون ظُلماً أنْ تغيبي))
ونسى أمر التسجيلات وهو يعاتبها :" أنا مزعج يا سلام؟!!"
وتابع متحشرجا ومتألما :" أتدرين؟!!!!... منذ رحلتِ وأنا أنتظرك... أنتظر اهتمام... أنتظر سؤالك.... أنتظر على جمر ولكنكِ لا تكترثين.... أنتِ فقط نسيتيني وتستمتعين بحياتك ولا تبالين حتى بطمأنتي عليكِ... ولكن أنا حينما يأتي كل ليل أحن إليكِ بجنون ولكن يمنعني عنكِ وحش الكبرياء... حتى في النهار الشوق لكِ يضج بلا هوادة في جوانحي، الحياة في بعدك جدول أحزان، وعالم فارغ وخاوي ولا تنبثق منه نكهة حياة"....
تنهدت سلام بنفاذ صبر وتفوهت بعدم مبالاة :" ذلك الكلام مبتذل جدا يا وليد.... نحن تزوجنا.... فلا داعي لتنهدات الشوق تلك... وعتابك المبطن أنا لا أتقبله... تلك نزهة أستلذ بها أتستكثرها عليّ؟؟.... انضج يا حبي.... وتَجَاوَز ترهات المراهقة تلك... أنا لست من الفتيات التي يحيل حنينها لشخص كل الأشياء مضجرة في أحداقها... أنا أستمتع بالحياة فالعمر قصير لأُضِيعَه في مشاعر شوق تُفسِد الملذات.... السفر لدي حياة وأنا أحبذه بدونك وسيكون عليك الاعتياد لو تريد لنا مواصلة الحياة معا!!!!!..."
لم يصدق أنها توجه له تلك الكلمات
وكأن زوجته الحلوة الدافئة استحالت إنسانة باردة مقيتة
انفجر فيها معبرا عن كل ما يجيش في صدره من خيبات :" ما الذي حلَّ بكِ.... أنتِ لم تكوني هكذا..... وكأن زوجتي تبدلت بأخرى جلفة فظة لا تطاق"...
تنهدت متأففة منه
وبغتة تناهى لسمعه صوت ذكوري ناعس يتفوه :" استيقظتِ حلوتي.... كانت ليلة لا تُنْسَى قطتي"....
لم يستوعب مرمى الكلمات للحظات
واستحال قلبه يضرب بألم على أضلاعه بغتة
كان مثل من تلقى ضربة مطرقة ثقيلة من العدم
والتي لم يكن لديه أية دفاعات ضدها
شعر بأقدامه تستحيل هلاما فالتمس الطريق لأقرب مقعد وسألها مترنحا ومستغيثا بها وهو مقطب الجبين :" ما الذي يجري يا زوجتي!!!!"
أعربت بنفاذ معين الصبر وهي تحاول مداراة تلبكها:" فتحت التلفاز لأشاهد فيلما.... فأنت أيقظتني وما حدث حدث يا زوجي العتيد.... لن أتمكن من الاستغراق في السبات مجددا"....
سألها وهو لا يلبث على حاله الزائغ البصر المُشَتَّت الذهن:" وما اسم الفيلم؟!!!"
تنهدت وسألته بعبوس :" ولمَ تستفسر؟!!!"
أجاب وهو يرتقي بحاجبيه صعودا ويغالب ترقرق عبراته وابتسامة ساخرة مريرة تتشقق عن ثغره:" أريد أن أشاهده أنا أيضا!!!!.... فهو يبدو مسليا"....
خيم الصمت عليهما لوهلة ثقيلة قبل أن تجيب بتنهيدة :" حسنا لم يكن فيلم... هناك شخص معي في الحجرة!!!... استرحت!!!!"
وتناهي لسمعه زوجته وهي تعرب ببلادة :" غادر هيا.... قد نلتقي مجددا أيها النمر المخملي.... نعم غادِر فذلك حديث خاص يشملني بزوجي"....
وأعادت حديثها لتوجهه لوليد :" أنت لا تفهم... أنت السبب في خيانتي لك... احدى نسائك قصدتني وأخبرتني أنها تحمل مرض نقص المناعة المكتسبة وأنها ولا ريب نقلته لك.... وزعمت أنك تعلم ومع ذلك تزوجتني غير مكترثا بنقل المرض لي.... أنا لم أصدقها ولكن الهواجس ساورتني خصوصا وأنها أشهرت تحليلها في وجهي وعرضت عليّ مقتطفات من علاقتكما الخاصة...."....
تنهدت سلام وأردفت :" لم تَكُن تلك المشكلة يا وليد.... أنا لم أحفل بما قالت قدر اكتراثي بما تفوهت به بعد ذلك.... زعمت أنكما لا تلبثان على علاقة وأنكما تسخران من غبائي وثقتي اللا محدودة بك.... وأرتني مقطعا مسجلا آخر يجمعكما.... لو تذكر أنا دفعتك لتبدل تصفيفة شعرك قبل زواجنا بيوم.... وأنت لم تقص شعرك هكذا قبلا... وذلك المقطع كان يحتويك بتلك التصفيفة التي انتقيتها لك... لم يكُن هناك شك أنه مقطع حديث وغير مفبرك.... أنا قررت حينها بعدما جبت في الشوارع مطولا أن أرحل عنك... وفي بلاد الفرنجة أنا أجريت التحليل وحدي... وكانت النتيجة كما تفوهت تلك الساقطة... أنا أحمل السيدا... أنت نقلتها لي!!!!.... لا يحق لك عتبي أو زجري أو حتى قتلي بعد ذلك يا وليد... أنت فقدت كل الحقوق حينما ارتطم بصري بنتيجة التحليل.... ذلك ما كان يشغلني حيال جسدي... أنت دمرت حياتي... وأنا لم أعد راغبة سوى في الانتقام منك... بسببك استحلت ساقطة... بسببك أنت.... قد لا أعود مطلقا يا وليد إلى أرض مصر.... أنا سأهاتف أخي وأتوسله أن يتحمل نفقاتي في بلاد الفرنجة.... عموما أنت سلبتني ما أردت دوما.... أنا أعرف أن كل أموالي تحت حياذتك الآن عدا نصيبي في المؤسسة التي تملك معظم أسهمها سوما.... كان توكيل عام يخولك التصرف في كل ممتلكاتي إلا أنك تركت تلك الجزئية البسيطة، فبيعك لها كان سيكشفك أمامي سريعا وأنت أحببت سذاجتي في حبك وأردتها أن تستمر لأطول فترة ممكنة... بعدما كشفت لي تلك الساقطة حقيقة علاقتنا المهترئة، نقبت عما تفعله بنقودي فوجدتها لم تَعُد نقودي.... "....
والتزمت الصمت لهنيهة لتردف :" أنا حامل يا وليد رغم حرصنا على عدم حدوث ذلك وما يسقمني أنه منك أنت.... ونعم تسجيلات ملك معي ولو فكرت في إلحاق السوء بي لن تَكُن تسجيلات ملك المعيبة هي المنشورة عبر كافة وسائل الإعلام فحسب بل إن دفتر مذكراتك بحوذتي واعترافاتك المقززة بخيانتكِ لأخيك مع ملك أثناء فترة زواجهما قابعة فيه..... لو تريد حفظ الأسرار في مكانها لا تعكر صفو حياتي.... ومعلومة أخيرة سأدلي لك بها لم أكن عذراء حينما تزوجنا... أجريت تلك العملية التي تعيد البكارة.... ولكني كنت أنتوي أن أكون زوجة مخلصة لك إلا أن قذاراتك دنستني".....
وبغتة انقطع الاتصال تماما.....
وقذفت مزهرية لتحطم المرآة - التي كانت تحتل الحائط المقابل لها - شظايا متناثرةً
وانفطرت في نحيب بَكَّاء منهارة على السرير
((أعترض على أن يكون هناك شخصٌ متمرغ في وحلة الوصب مثلي!!!.... سحابة الحزن تلقفتني وأبت أن تلفظني.... نفحة ريح عاتية نفثت سمها في حلمي.... أنا لم أعد أنا حتى الهلام يرفض بضراوة أن يُشَكِلني))
استجمعت شتاتها بعد ساعات مطولة، ورمقت وجهها عبر شظايا المرآة التي لا تزال تحتل الحائط، ولم تتهاوى كما بعضها على الأرضية
وجهها تبعثر وجوها كثيرا تطالعها
تحدق بها
تبغضها!!!!
حسنا هو يستحق
هو أَجْهَز على حلمها
وتلك البداية فحسب
ستحيل حياته سعيرا عما قريب
فما في جعبتها لم ينفذ بعد!!!!
أدارت تسجيلا في هاتفها لينبعث صوت استخدمته لتمزق زوجها إربا
" استيقظتِ حلوتي.... كانت ليلة لا تُنْسَى قطتي"....
ورغم حالتها المتداعية انفجرت مقهقهة غير قادرة عن التوقف أبدا
كانت قهقهة عجيبة فلقد كانت العبرات تخالطها
والنشيج في بعض المواقيت يتخللها....
________________
ظل متسمرا مكانه غير واعي للكون من حوله
هو رجل ضائع في نفق مظلم بدون ضوء يقوده
لقد اجتاز للتو تحولا جذريا في حياته
زواجه الوردي اتضح أنه نسيج دامي مهترئ
وزوجته الرقيقة استحالت رخيصة من جرائه
وهو موصوم بمرض مرعب تشهق الأسماع رهبةً له و من مجرد ذكر اسمه
إحساس بالعار من نفسه زحف إلى شرايينه فلقد لوث حبيبته وملأ قلبها حتى فوهته حقدا
وهاتف احدى رفيقاته في الحرام لتوافي مخدعه هذا
البيت الذي تعاظمت حرمته في قلبه ها هو سيدنسه
سيعود للحضيض الذي هو فيه أصلا من سنوات
ولكنه سينقل لها المرض الذي تزعم سلام أنهما يحملانه
شعر بتأنيب الضمير
لا.... هو ليس خسيس لينقل المرض لفتاة لا ذنب لها ومهما كانت أخلاقها
دقَّ جرس الباب فتوجه ليشرعه وهو يسأل نفسه هل هو دنيء لتلك الدرجة التي تُسَوِمَه نقل هذا الوباء لسواه
إنه ينزلق لهاوية أعمق مما كان فيها
تجاوز وازعه الأخلاقي وقرر أن يعود عربيدا أسوأ مما كان
وفتح الباب.....
___________________________________________________
|