كاتب الموضوع :
بنت أرض الكنانه
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: حمامة الأرباش الفصل الثالث عشر ج2
طبعا مفيش ردود تبل الريق
طبعا انا كتير زعلانه
الفصل الرابع عشر ههديه ل نجمة ساطعة واختي الحبيبة
الفصل الرابع عشر
الاستمرار حيا بدون روح
ياقوتة الكبيرة وجمرة....
حدجتها ياقوتة برمقة ازدراء نارية وعبرت وهي تكشر عن أنيابها اشمئزازا منها :" ألن تكفي عن التمثيل... ابنة خلفتيها قطعة لحم حمراء تسألين عنها بعد تجاوزها الثلاثين؟!!!!.... لو كنت أضمر شرا لابنتي تبر لما صبرت عليها لتصير فتاة يافعة في العشرين.... لقد ولت الأدبار بعد ملاقاة فاروق لحتفه.... "....
وانطفأت جذوة عيون ياقوتة وهي تردف بحشرجة أبحة... وبإطراق وأسى :" أنا أفتش عنها منذ سنين"....
وأولجت ياقوتة بصرها لجمرة وتفوهت باحتقار لها وهي توجه لها إصبع سبابة نافر من قبضة مضمومة :" تأتين لهنا متألقة... مرتدية أروع حللك... واضعة مساحيق تجميل متقنة لتخفي حقيقة سنك الطاعن.. ويكون لكِ من البجاحة ما يُمكِنَك من التشكيك في محبتي لابنتي...."
قوست جمرة ظهرها لتصير أكثر قربا من ياقوتة وتفوهت وابتسامة مقيتة تتراقص على ثغرها :" من الجيد أنكِ كنتِ تحبين تبر.... أعرف أنكِ بلهاء يا ياقوتة لتراعي ابنة زوجك بمنتهى التفاني والضمير.... هل أخبرك فاروق بكل شيء عنا؟!!!!.... أتحبين أن تستمعي لبعض التفاصيل الخاصة جدا مني؟!!!!!"
قصف الدم وجنتي ياقوتة وأعربت بنبرة أجشة يتجلى منها الاحتقار لجمرة :" أليس لديكِ حياء يا امرأة؟!!... ماذا تريدين يا جمرة؟!!!... ادعائكِ أنكِ لا تلبثين زوجة فاروق لا أصدقه.... والتمثيلية الوضيعة التي تمثليها لن تنطلي علي... أين كانت أشواقك لتبر طوال كل تلك الأعوام المنصرمة؟!!.."
جالت عينا جمرة في أنحاء البهو الفسيح الذي تجالس ياقوتة فيه... كان مبلط بأحجار ثمينة من الأجر التبني اللون.. أما عن الأثاث فكان باهظ الثمن من الخيزران ومطلي باللون الجمشتي، كانت حبات الكريستال اللامع تتدلى من الثريا الفخمة التي تتوسط السقيفة والتي تتشكل على هيئة فراشة مرفرفة بأجنحتها، أما الجدار المطل على شرفة من زجاج فكانت الستائر الرقيقة الناعمة المطبوع عليها البتلات تغطيه.... إن ذوق ياقوتة رفيع ولكن النقود من تُمَكِّنها من إحالته لفعل بديع....
تبدلت نبرة جمرة وهي تعيد بصرها لياقوتة :" أنتِ لم تكوني تعرفين أنني والدة تبر قبلا.... كلماتك الأولى أوحت لي بذلك.... فكيف استنبطتِ الأمر بدون أن يفصح لكِ أحد عنه"....
ثبتت ياقوتة بصرها على نقطة في الأرضية وتهدلت أكتافها وهي تتمتم بصوت أبح خفيض :" تحمل عينيكِ.... الأمر بهذه البساطة.... وأنا أحفظ عيون ابنتي لأعرف من يضاهيها.... لم أعرف أنها ابنة فاروق سوى بعد وفاته..... لربما استرقت تبر السمع ومنصور يحادثني عن الأمر.... ولهذا ولت الأدبار كي لا ترى في عيوني نظرة كراهية لها... إن تبر هفهافة الروح وتحبذ ألا أتلوث بالبغضاء عن بقائها في الرغد ورفاهية العيش... هي فضلت انسلاخها عني كي لا أمقتها... أرادت أن تحافظ على الصورة المضيئة التي كانت تجمعنا سويا"....
وتشابكت عيون ياقوتة مع جمرة ورددت وهي تزم شفتها وتغالب انسكاب عبراتها :" تلك أمور لا تفهميها.... فلا داعي للخوض فيها"....
أطرقت جمرة برأسها وغمغمت من بين أنفاسها :" أنا لا أبرر يا ياقوتة ولكن... كانت لي زيجة غير موفقة وكان الوضع المالي لأسرتي يتداعى أيضا في تلك الأونة.... وكنتِ أنتِ صديقتي المقربة.... تسمحين لي بالدلوف لبيتك... لأرى عشقا واسعا يربطك بزوجك.... وألمس تفانيه لإسعادك وتكريس نفسك كليا له.... من الطبيعي أن أحسدك يا ياقوتة!!!.... كنتِ نضرة أكثر مني... سحركِ يفوق سحري.... لديكِ مال وفير وزوجك يجتازكِ ثراءً أيضا.... تتبادلان حبا وشغفا لم أرى له مثيلا على أرض الواقع... كان ما ينغص عليكِ حياتك إخفاقك في الإنجاب... أنتِ عرضتِ على فاروق الزواج بأخرى ليكون له ذرية وهو ظل يأبى لسنوات.... أنا فقط تمكنت من إقناعه بوجهة النظر التي تبنيتها قبلي.... بأن زواجه من أخرى لن يؤذيكِ!!!!.... مادام سيمنحكِ طفلا منه..... ظل معارضا للفكرة ولكن انهيارك لم يساعده ليثبت على موقفه!!!.... تعاستكِ... لم تعودي قادرة على إخفائها.... صارت تتجلى على سحنتك.... استحلتِ تهملين بيتكِ.... ولا تكترثين لمظهرك المتداعي أمام الناس.... لو لم تكوني هكذا يا ياقوتة لم يكن فاروق ليخونكِ أبدا!!!!.... لقد أراد إعادة دبيب الحياة لعروقك!!!!"....
تداخلت جمرة بصريا مع ياقوتة التي كانت عيونها مغروقة بالعبرات الكثيفة.....
استطردت جمرة وهي تطلق نفسا صاخبا :" تزوجنا سريا بناءً على رغبته.... واختفيت من حياتك بناءً على رغبته أيضا.... حملي بتبر كان مبعث سرور له وحاولت استقطابه ليصير كليا لي وقتها ولكن حبك لا يبرحه مهما فعلت... كانت حياة عجيفة أحياها معه.... فكرت في إخباركِ بزواجنا لأهدم بيتكِ وإياه... ليصير كليا لي... ولكني كنت أرى بعين اليقين نتيجة ما كنت أنتويه.... كان سيركلني من حياته حينها غير عابئ بأدنى شيء.... كنا نمكث في مدينة الأقصر وهو كان يسمح لي بفسحة حرية غير مسبوقة من رجل تجاه زوجته..... كانت نفس فسحة الحرية التي يغدقكِ بها.... كان يثق بكِ ويعتبر كل النساء وفيات ومخلصات مثلكِ!!!!.... تعرفت على رجل يفوقه ثراءً وكان حملي عائق أمام زواجي منه.... ظللت على اتصال به... أُمَنِّيه بأني سأكون له وأرى ما يضمره لي.... ادعيت أن زوجي قاسي وجلف ومنعدم الحس.... وأني تزوجته رغما عني لأحافظ على مكانتي في مجتمع المخمل... لم أقم بالإجهاض لأني تعرفت على الرجل الآخر في مرحلة متقدمة من حملي والإجهاض كان يشكل خطرا عليّ وينتقص من خصوبتي مستقبلا.... وتناهى لسمع فاروق احدى حواراتي مع الرجل الآخر عبر الأثير... فاستشاط غضبا و.... لم يسدد لي الضربات المبرحة احتراما لحقيقة حملي... أوصد عليّ الأبواب من يومها... وصرت منعزلة عن العالم الخارجي تماما.... حينما وضعت حملي... ضم الصغيرة لقلبه وقرر أنه لن يؤذي والدتها فقط سيقصيها من حياته هو وطفلته... أَجْزَل لي العطاء فلم أحتج صراحة على ما ارتآه!!!!.... هرعت نحو الرجل الآخر فتلقفني بين أذرعه وعقدنا قراننا بعد انتهاء العدة بيومٍ واحد.... كان يبدل النساء كما الملابس والأحذية... لفظني بعد أشهر قلائل ولكن وأنا محملة بالنقود الطائلة التي فاقت ما أغدقني به فاروق مسبقا.... وصارت مهنةً لي يا ياقوتة.... مهنةً وضيعةً تبها لوجهة نظركِ ربما ولكن.... تلك حقيقتي ولم ألاقي سوى ما سعيت إليه!!!!!.... بعد سنوات من استنزاف الرجال المسنين لنضارتي وشبابي عثرت على شاب مليح.... كنت أكبره بعشرين عام لكنه زَيَّن لي أن علاقتنا هي ما ظل يفتش عنه طوال حياته... أنا انجرفت وراء الحلم المستحيل.... بأن ذلك الشاب يريدني لنفسي وليس طامعا بي.... كنت أتوخى الحذر منه لا أمنحه تفويضا ليتصرف في أي شيء أملكه.... كنت أعرف في دواخيلي أنه مخادع يتلاعب بي..... فيجب في النهاية أن أتجرع من ذات الكأس الذي أذقته للجميع..... تلك هي العدالة يا ياقوتة...... وبسبب هواجسي تلك أنا لم أهنأ معه رغم معسول كلامه.... ورغم أني عصَّبت عيوني بيدي هاتين كي لا أستفيق... ولكنه كان أكثر دهاء ومكرا مني.... ظل حريصا على الكلمات المنمقة ينطقها بصوت مثخن بالأحاسيس.... وفي أثناء حوار عبر الأثير معه أمطرني فيه بكلمات غزل ترضي ظمأي للرومانسية منذ سنين دسَّ لي ورقة من مجمل بوسطة أوقعها كل صباح.... سلبتني كل شيء.... اتضح أن سكرتيرتي زوجة سرية له.... وهما تآمرا عليّ..... هو تشدق بملء فيه يا ياقوتة بأني معتوهة!!!!.... وبأن أمر سلبه نقودي لم يكن يستحق منه أن يتزوج بي.... فأنا في النهاية وقعت على كمبيالة دستها لي زوجته الأخرى بدون مراجعة وتدقيق.... هو شتت ذهني يا ياقوتة بإسباغه الحنان لي..... وهو وزوجته تسنيا ذلك ليطيحا بي..... "......
تواصلت جمرة مع أحداق ياقوتة وهي تردف :" كانت لي ابنة أخرى يا ياقوتة أنجبتها من زوجي الرابع.... أنجبتها ليكون لي ذرية.... لم أكن أتوقع مستقبلا مع والدها أصلا.... فهو كان من ذات الصنف الذي اعتدت الزواج به بعد فاروق.... أودعتها مدرسة داخلية لأني لم أستطع رعايتها..... وحينما كبرت عاشت معي وعلمتها أن الحياة هي النقود..... هي الرغد ومهما تطلب الأمر لتحقيق ذلك.... لن أُدْخِلَك أكثر في دهاليز علاقتي بها.... المهم أنها ماتت!!!!.... ماتت بسبب أفكاري السامة!!!!.... وأنا معدمة يا ياقوتة.... ابنتي المتوفية لم تعد مصدر دخل لي!!!!!.... ونعم أنا سأبتزكِ أنتِ وولدك ومهما تطلب الأمر ذلك.... سأدعي أن تبر هي ابنة سفاح!!!!.... ابنتي من علاقة آثمة جمعتني بأبيها.... أنا لا تهمني السمعة يا ياقوتة.... أنا أريد نقود حتى ولو كان الثمن أن أحيل ابنتي لقيطة بيدي!!!!..... وحتى لو أَثْبَتِ زواجي بفاروق سأزعم أنه تزوجني لتصحيح غلطته معي.... تلك الحلة الأنيقة التي أرتديها هي آخر ما تبقى لي من لباس مهندم.... الباقي تهالك وصار رثا ويزعجني!!!!..... أنا سأظل أضع مساحيق التجميل يا ياقوتة حتى في تلك البلدة المتزمتة لأني لا أحتمل بشاعة وجهي الحقيقي!!!!...."
هزت ياقوتة رأسها وأعربت بتمتمة خفيضة :" من الجيد أن ابنتي تبر ورثت الصلاح من أبيها.... الحمد والشكر لله كثيرا.... لو كان الأمر مادةً يا جمرة فأنا سأعطيكِ.... ليس لأنكِ مبتزة بل لأنكِ بائسة بأفكارك واستدررتِ شفقتي بمنوالك الأعوج في الحياة.... عل ربي يهديكِ يا جمرة.... عله يفعل لتلاقي السلام!!!!!"
تهدلت أكتاف جمرة وبان العجز بشعا على محياها رغم محاولتها إخفائه بمساحيق التجميل المتقنة وتمتمت وهي محنية الجبين:" دوما تغدقيني بكرمكِ يا ياقوتة"...
واستطردت بضراعة :" طبيعتي لا تلبث مؤذية.... سامحيني!!!!.... ادعيت أنني ظللت زوجة فاروق حتى وفاته لأجرحك وأزرع شقاقا روحيا بينكِ وبينه ولكنكِ تعرفيه.... لم يكن بقادر على خيانتكِ لفترة طويلة.... بل لم يكن قادرا على خيانتكِ أبدا يا ياقوتة"....
هزت ياقوتة رأسها وأعربت بصلابة :" كفاكِ خنوعا وذلة لأجل النقود يا جمرة.... صدقيني هي لا تستحق كل ما فعلتيه لأجلها.... وإمعانا في كرمي واحتراما لكِ باعتباركِ والدة طفلتي.... يمكنك البقاء معي هنا لو تحبين يا جمرة!!!!.... أنا لست غريبة الأطوار لأقدم لكِ عرضا سخيا تبعا لوجهة نظرك كهذا!!!!!.... أنا أيضا أريد أن أتطهر يا جمرة.... أريد أن أزيل العوائق النفسية التي تسببت في تبدد طفلتي مني.... أريد أن أثبت لنفسي أني لست مثلكِ!!!!"
وكانت بسنت قد نفضت تداعيها... واستعدت لمعركة تُمْنِّي فيها نفسها بهزيمة نكراء تلحقها بساندي وتلصصت كما هو طبعها وعرفت كل ما تفوهت به المرأتان بالحذافير.....
________________________
أعمار زبرجدة
استيقظت من سباتها بادية عليها علامات الانشراح والسعادة... وتمطت وتثاءبت وتجلى عليها الكسل اللذيذ.... إن الحب شعورا عذبا وجميل خصوصا حينما يكون متبادل بين المحبين.... وبغتة تبدد هناؤها كله... إنها عتيقة الطراز صعيدية من الصميم.... إنها متقدمة في العمر لتتمكن من الإنجاب... والأسرة لا تستتب أمورها بدون ذرية.... هزت رأسها نافضة أفكارها التي نغصت عليها حياتها وأوأدت سعادتها في لحظة واحدة.... سلمان انتظرها لسنين.... لم ينظر طوال سنوات بعادهما لصنف الحريم.... ولكن حماتها أسماء والتي تقيم معهم في نفس الدار ترميها دوما بكلمات مبطنة مفادها أنها مجرد هوس يسيطر على وليدها سينطفئ بعد حين... وهذا الحين اقترب لأنها لم تعد منتأية عنه بل صارت تساكنه نفس البيت.... هي لم تعد حلم شباب القرية.... هي لم تعد شهاب لامع يخطف بصر وليدها.... هي محض فتاة معدمة متقدمة في العمر لم تعد هالة النضارة تحيطها بل جمالها ينحسر عنها بحكم مرور السنين.... وجدت نفسها تتكور على ذاتها وتكتف ذراعيها أمام صدرها وتجهش في البكاء المرير.... وتنهار في التتمة على السرير....
إن ذنبها يكدر صفو عيشها.... يجعلها ترى نفسها غير مستحقة لأدنى شيء... متى تلاقي سلامها الداخلي.... متى ينفرج كربها النفسي..... أهذا شيء يندرج تحت بند المستحيل.... من الجيد أن سلمان لم ينتظر استيقاظها وارتحل في إثر الأعمال... لكان وصمها بأنها زوجة نكدية وتلك حقيقة يجب أن تخفيها عنه كي لا يطير!!!!....
الأعمال!!!!.... ناصر يضيق عليه الخناق.... لربما يجب أن تجابه ناصر.... ينبغي أن يتعقل فهو لم يعد شابا صغير.... عليه أن يفهم أبعاد الكارثة التي حلت عليهم في زمن مضى... الكل فيها مدان ولا ينبغي أن يستمر بتلك الروح الانتقامية المظلمة..... وبتلك الأفكار اللا أخلاقية المقرفة....
تناهى لسمعها صوت قرع متخاذل على الباب فقطبت جبينها متسائلة عن هوية الطارق، اقتحمتها صورة جمال شقيق زوجها الأصغر، ذلك المقيت العَفِن لكم تبغضه، لا يكف عن التحرش بها لفظيا، ويبدو أن الأمر يتم بإيعاز من حماتها فهي تغض الطرف عن ارتحال جمال هذا في إثرها - حالما تغادر حجرتها - ليلتصق بها ويمطرها أحاديثا فارغة يدس فيها بعض الكلمات المثخنة بشيء غير مريح، ويبدو أن حماتها هي المدبرة كذلك لاقتحامه غرفتها وهي مستغرقة في سباتها ذات مرة.... أعمار طردته شر طردة بعدما أشبعته ضربا كما اللص في سوق الثلاثاء.... ولا تدري أكان من الجيد أم السيء أن سلمان كان مسافرا حينها...
هي مستوثقة من أن فأر مثله لن يتمكن أبدا من إيذائها لكن ألم يكن رأيها في شكري المثل.... أنه محض فأر جبان ولكن اتضح في التتمة أنه ثعبان..... لمَ داهمتها صورة جمال من مجرد طرقة حيية على الباب.... هل صار يفزعها ويقض هنائها وراحة بالها.... ما بها هل هي حمقاء أم أنها تهاب ذلك الدنيء الذي يطمع بامرأة أخيه.... من غير المنطقي أن يكون هو الطارق فهو مثل الخفاش لا ينشط سوى ليلا والنهار يفضحه ولذا لا يجرؤ على طرق باب حجرتها فيه.... كما أن تلك الطرقات المترددة الخفيضة لا تصدر من شخصية وقحة وسافلة مثله.....
هو لم يقم بحقاراته في وجود سلمان أبدا، هو كان ينتظر مروقه ليبدأ في التقرب منها.... تارة بمعسول الكلمات... وتارة بتهديدها بأنه سيزعم أمام أخيه أنه على علاقة شائنة معها وأنها هي من أغوته وذلك إذا لم تستكين له وتمنحه ما يريد... هي لم تكشفه أمام أخيه.... ربما لأنها ليست واثقة من ردة فعل سلمان فلربما يصدقه وينحرها بتكذيبه لها..... ولربما لأنها لا تبتغي أن تزرع شقاق بين سلمان وأخيه.... ولربما لأنها واعية لكون الأمر يتم بمباركة حماتها وبذلك فإن جمال ليس المذنب الوحيد هنا.... بل هو محض تابع لأمه.... هي من تُسَيِّره.... من تخطط له بالحذافير!!!!.... أن تتسبب في صدع بين سلمان وأمه أمر ستشمئز من نفسها لو أقدمت عليه، إن حماتها محقة، هي وصمة عار في جبين زوجها، هي أحنت هامته حتى لو ادعى هو عكس ذلك، هي نقطة سوداء في تاريخه.... وعرقل أمام طموحه السياسي الذي كان يسعى إليه.... أن تبذل حثيث جهودها لإزاحتها من طريق ولدها أمر لا تلومها عليه!!!.... ولكنها لا تطيق أسلوبها الدنيء.....
نفضت تلك الأفكار التي تواترت على ذهنها وهبطت بأقدامها لمستوى الأرضية لتدس أقدامها في خف سُكَّرِي وتوجهت نحو الباب متسائلة وهي معقودة الحاجبين :" من؟!!!!"
كانت شفاء تعتصر أناملها توترا، وتتلفت يمنتا ويسارا هلعا من أن يلمحها أحد.... لقد قصدت أعمار خِفْيَةً عن عيون أمها..... سرى فيها تيار بارد شملها من قمة رأسها وحتى أخمص قدميها حينما تساءلت أعمار بتجهم عن هوية الطارق فسارعت لتجيب وهي تزدرد ريقها الذي تيبس وتتفوه بنبرة خفيضة جدا :" أنا شفاء"....
عقدت أعمار حاجبيها غير مستوعبة سبب زيارة شفاء لحجرتها.... إنهما لا تتبادلان الكلمات سوى لِمَاما.... يتراءى لها أن حماتها أوغرت صدر شفاء حيالها وزرعت أفكارا في دماغها تفيد بأنها فاسدة منحلة وينبغي أن تتحاشاها كي لا تتلوث بنهجها.... لقد كانت شفاء تتجنبها وكأنها طاعون وهي الآن تقرع بابها.... هذا أمر عجاب!!....
شرعت أعمار الباب.... وحينما لمحت رجفة جسد الفتاة وزوغان بصرها وانحسار الدم من وجهها أدركت أنها قصدتها بدون معرفة والدتها فبغتة جذبتها من يدها وأوصدت الباب خلفهما...
ربتت على كتفها وحادثتها تهدهدها :" اجلسي والتقطي أنفاسك"....
أذعنت شفاء لها..... وافترشت مقعد وثير في طرف الحجرة وعضت شفتها السفلى وتنحنحت وتمتمت بنبرة خفيضة وهي ناكسة الرأس:" أمي كانت تراكِ حجر عثرة في سبيل زواجي.... فمن سيتقدم لفتاة أخوها الكبير - والذي كفلها وأنشأها - مقترن بفتاة متورطة في فضيحة أخلاقية ومغادرة الزنزانة منذ وقت قليل.... كنت أرى أن أخي لم يحافظ على أمانة أبي بتجنيبي الضير بإصراره عليكِ وتشبثه بكِ... كنت ناقمة عليكِ حتى انتبهت لتقرب جمال منكِ.... ظننتكِ تغويه.... وصرت أرقبكما عن كثب....حتى رأيت أمي تعطي جمال مفتاح حجرتك في غياب أخي.... سقطت من عليائها حينها وإن التمست لها العذر فأنتِ نكبة تبعا لوجهة نظرها وحلت علينا.... أنا مازلت لا أريد إغضابها مني ولذا لا أجاهر باحترامي الكامل لكِ.... فأنتِ تصديتِ لجمال بعنفوان امرأة غيورة على عرضها ولم تتسببي في جلبة له أيضا كي لا تفضحيه أمام سلمان.... أنتِ احترمتِ تلك العائلة وجنبتيها شرخا هائلا..."
بغتة شعرت شفاء بأنفاس أعمار تلفح وجهها... لقد افترشت طرف المقعد الذي تتكئ شفاء عليه.... وجابهتها أعمار نظرا وطالبتها :" لم تقصدي حجرتي لتقولي فقط تلك الكلمات.... لقد تعبت من المراوغة في تلك الحياة.... أَفْرِغِي ما في جعبتك يا شفاء...."....
لم تتمكن من المداراة فعيون أعمار كانت مسلطة عليها تخترقها وتفضح مكنوناتها.... وهكذا انطلقت الكلمة من لسانها كما قذيفة مدوية :" ناصر!!!!"
لم تستوعب أعمار زبرجدة الكلمة التي نطقتها شفاء لوهلة.... ظلت محملقة بها واجمة وكأن على رأسها الطير....
رفعت أعمار - بحركة حادة - ذقن شفاء بإبهامها وأرغمتها على التواصل معها بصريا وسألتها بخشونة وتوجس :" ماذا فعل بكِ ناصر؟!!!"
زاغ إبصار شفاء وردت بنبرة أبحة متقطعة بعدما بَهُتَ لون وجهها بغتة :" لم... يفعل.... شيء"....
سألتها أعمار وهي مسلطة بصرها على ارتعاشة عيونها :" إذاً لمَ تبدين مذنبة؟!!!"
اعترفت شفاء :" أنا أعرفه منذ كنت صغيرة.... فلقد كانت كل نساء القرية يشيدون بروعة تقاسيمه وبهاء إطلالته .... أنا أعرفه!!!!.... ولكني عندما رأيته زعمت أني لا أعرفه... و..... ما مدى صلتكِ به؟!!!.... يشاع أنه ترك البلدة بسببك.... بأنكِ رفضتِ الزواج به فتحطم قلبه وتناثر أشلاء..... كنت أستمع في صغري لكون حليمة ورأفت الممثل خطيبين وبغتة هرب ناصر مع حليمة.... أتفهمين شيء.... الكل ينعته بالمتعجرف المتغطرس البغيض.... صالح صديق أخي أخبرني أن سبب تجهم وجه سلمان في الأونة الأخيرة هو كون ناصر يضيق عليه الخناق في الأعمال.... هل يفعل هذا بسببك؟!!!.... هو حبكِ لا يبرحه فعلا؟!!!!"
ابتعدت عنها بجسدها قليلا وإن كانت ظلت على حالها مفترشة طرف المقعد الذي تحتله شفاء وأخذت تلوح بكتفيها وأجابتها بهدوء:" أنا لن أزجركِ بسبب إعجابكِ بناصر.... فناصر ليس متعجرف ولا متغطرس ولا بغيض... هو فقط يحب أن يكون محط أنظار الجميع وهو متوقد الذكاء ويستحق بهذا التفاف العيون حوله.... ومع ذلك أنا سأخبرك.... حب ناصر سيُدْخِل قلبك مدى الأحزان... لن تنعمي بهناء وأنتِ تفكرين فيه بهذا المنوال... ناصر سيمتص روحكِ ويحيلكِ جيفة.... هو بارع في هذا.... هو حاقد على الجميع..... ناصر لا يجيد صيغة الحب بل لا يعرفها أصلا.... هو يسعى لتكدير صفو عيش سلالة التبريزي جمعاء.... فري راكضة من تأثيره عليكِ.... ناصر ليس شخصية سهلة... هو وعر مثل الجبال المحيطة بقريتنا وهو تسلقها كلها!!!!... هو يَكِن الضغينة لأخيكِ وبهذا فأنتِ ورقة رابحة في يده لو شعر بأنكِ إليه تميلين.... أنا لم أتلاعب بناصر كذلك سأنعت أنا ناصر بالنزيه!!!!!.... هو لم يستغل مشاعر فتاة من أسرتنا كانت مدلهة بحبه في زمن فات.... كانت تفوقه ثراءً وهو تلذذ بتأثيره عليها بعض الشيء إلا أن شيء نظيف بدواخيله أبى عليه أن يؤذيها أن يستخدمها ليصير من الوجهاء.... آمن بأنها تستحق الحب.... تستحق رجلا يَكِن لها عشقا فياض...."....
اتهمتها شفاء وعيونها تنكمش ومحياها يكفهر :" أنتِ تنفريني منه لأنكِ مازلت تحبينه".....
وهمت بالمغادرة.... جذبتها أعمار من ذراعها بقوة عاتية لتديرها إليها وقبضت على بدنها وجابهتها بمحيا متصلب :" انظري لي.... لا تلقين بتهمة شنيعة كتلك وتهربين.... أولا أنتِ لا تراعين اقتران ناصر بحليمة ووجود طفلة تجمعهما.... ثانيا أنتِ لا تعرفين مدى خطورة ناصر ولا الشر الكامن فيه.... ثالثا ما مدى العلاقة التي تربطكِ بناصر فحديثك يدل على أنكِ التقيتِ به خلال تلك الأيام.... رابعا ناصر ليس غولا ولكنه منغلق على ذاته وله أجندة خاصة به سينفذها ولو على رقبتكِ.... هو لا يبالي سوى بنفسه..... وبعد كل هذا تعفني بما ترتأيه.... لمَ سأزعج نفسي بقبس من حماتي..... هيا غادري"....
أجفل شفاء دنو توت منهما.... متى شرعت الباب ودلفت.... وكيف أمكنها فعل شيء بدون أن تثير أي نوع من الضجة.... ولت شفاء الأدبار مرتعبة من تلك المرأة.... إنها تتجول في البيت والكل نيام وأمها حاولت ضبطها وهي تقوم بأعمال سحر أسود إلا أنها لم تتمكن أبدا....
تشابكت توت مع أحداق زبرجدة وتفوهت بصوت وكأنه يصدر من بئر سحيق :" لديكِ ضيفة بالأسفل".....
سألتها أعمار زبرجدة :" ولمَ هذا الصوت يا توت؟!!!!"
دارت توت من حولها وتفوهت بحنق :" يزعجني أنني هرمت.... وتلافيف عقلي تلفت.... تلك الفتاة المتواجدة بالأسفل أنا أعرفها.... هي تزعم أنها تدعى ساندي ولكنها كاذبة.... اهبطي لملاقاتها..... "....
وتابعت :"طالعك الأسود سينقشع بها.... لقد زارتني في المنام قبل أن أراها اليوم.... هي صديقة رغم أنها لم تُرِد ذلك!!!..... طالعكما متشابك.... هيا.... لا تتأخري عليها...."
هبطت أعمار الدرج وانتصبت خديجة واقفة.....
قالتها أعمار وهي مسمرة بصرها عليها :" أنتِ!!!"
وغامت عيون أعمار بالدموع الغزيرة
أومأت خديجة برأسها وتمتمت بمحيا متصلب:" تلك المرة الثالثة التي نلتقي فيها يا أعمار زبرجدة!!!!".....
سألتها أعمار بجزع وهي متقلقلة البصر وتحيط جسدها بذراعيها:" لمَ أنتِ هنا؟؟!!!!"
تلاحمت خديجة معها بصريا وتفوهت :" لأن هذا هو قدرنا.... قدرنا أن نعود إلى هنا.... لا داعي ليتلقلق بصرك خوفا عليّ فشكري مات..... وقريبا شاهين!!!!!"
سألتها أعمار زبرجدة وهي متسمرة البصر عليها :" مازلتِ تكرهيني!!!!"
أجابت بما يشبه البصقة :" أنتِ منهم".....
قلبت خديجة بصرها وأعربت :" الردهة لن تصلح للحوار فهي مفتوحة ويمكن لأي متلصص الاستماع لما نتفوه به"....
في حجرة زبرجدة
" لم أكن أنتوي أن أرضخ لمناشدة ريحانة بموافاتك لإقناعكِ لتلحقي بالسلطانة.... نعم أنا أعمل معهم يا أعمار.... ولكن السلطانة هي من هاتفتني اليوم..... إن موجة يأس تُلِم بها..... هي تريدك بأية وسيلة كانت.... السلطانة استقصت أخبارك لأعوام يا أعمار.... هي بعثت برسالة لرحاب عندما خرجتِ من المحبس.... الفتاة التي تعطف عليها توت وذلك لتتخلى عن توت لصالحكِ.... لتجلبها لكِ..... أنا من كتبت تلك الرسالة يا أعمار!!!.... وأنا من استقصيت أخبارك لصالح السلطانة.... وأنا من طمأنتها اليوم بأنكِ ستلحقين بها ولا ريب!!!!.... ".....
تهكمت أعمار عليها وهي تلوي شفتها :" تبدين واثقة!!!"
أخرجت شفتا خديجة ابتسامة صغيرة لم تصل إلى أسنانها وأجابتها :" أنا خديجة يا أعمار.... آكل اللحم النيء.... ولحمكِ اليوم هو ما أكلته نيء.... لا تلبثين آملة في خيرا ولكن لا فائدة تُرْجِى مني.... اغروقت عيونك بالعبرات شوقا لي حينما رأيتيني منذ لحظات.... كيف لا تلبثين آملة في البشر خيرا أيتها الفتاة الحمقاء.... متى تنضجين؟!!!...."
سألتها أعمار وهي تميل برأسها وابتسامة واهنة تعبر ثغرها وهي مثبتة بصرها على خديجة :" أجئتِ توبخيني لسذاجتي؟!!!"
هزت خديجة رأسها نفيا وأعربت وهي تقوس بدنها تجاه أعمار وتشبك أناملها في قبضة واحدة وتعرب :" لا... ولكن لأخبرك أن زواجي من ابن عمك لا شيء مقارنة بعملي مع السلطانة.... وانتقامي من تلك البلدة لا شيء أمام من يُأَمِّن لي سبل الرغد الحقيقية.... ولذا فحتى لو وشيتِ بي لمنصور بعد ما سأخبرك به فأنا أولا سأنكر ومنصور لا يضع ثقة بكِ أصلا وثانيا سأغضب وهذا قد يفضي إلى كارثة تلحق بأقرب الناس إليكِ"....
عبس محيا أعمار وهي تُعْمِل نظرها وتفوهت شاردة اللب :" نعم ساندي زوجة منصور الجديدة.... هكذا سمعت.... أنتِ هي"....
واستمرت وهي تسمر بصرها عليها :" تبدين مرتعبة من إمكانية فقدانكِ لمنصور.... هكذا هو الحب.... كيف أكلتِ لحمي نيئا".....
تنهدت خديجة وتفوهت مسهبة :" كان هناك شيئا غريبا بخصوص رحاب.... بخصوص علاقتها الوطيدة بتوت.... رحاب.... تلك الفتاة التي وجدها أهل القرية المجاورة أمام باب الجامع والأمطار تهطل بغزارة.... هرعوا بها للمشفى وهناك تشقق قلب الطبيب المعالج حنانا عليها فمنحها اسمه وأنشأها هو وزوجته بدفقة حب واهتمام... ولكنه سرعان ما فارق الحياة وخلفها طفلة هشة.... ولكن وإحقاقا للحق فقد لفظ أنفاسه وهو يوصي أهله عليها ولكنهم لم يراعوا الوصية أبدا عاملوها كما الخادمة وأذلوها بكل السبل الممكنة وزوجوها من سائقهم حينما تمت السادسة عشر... كان زوجها سادي ينكب عليها ضربا مبرحا... وكان مدمن خمور أيضا يبتلعها بشراهة عالية... وتلك الخمور كانت تُذْهِب عقله تماما.... حينما كانت في شهور حملها المتأخرة عاد من الماخور مترنحا من فرط احتسائه الجعة فتأففت رحاب منه.... وعبرت عن ذلك فسدد لها ضربات قاتلة استهدفت رحمها وفي المقابل طعنته رحاب في صدره وأهدرت دمه.... ومنذ ذلك اليوم ورحاب لا تقدر على الإنجاب أبدا.... أرض بور... وبذلك فإن ناجي الطفل الذي تربيه رحاب ليس وليدها.... هي تعامله معاملة طفل حتى الآن ولكنه في الحقيقة شاب فارع الطول في طور المراهقة.... هل رأيتيه؟!!!!..... يحمل الكثير من.... ملامحك.... للأسف لو حجبته عنكِ توت سابقا فأنتِ الآن لن تتمكني من رؤيته مطلقا.... السلطانة اختطفته..... نعم.... أنتِ لم تتعرضي للإجهاض.... لقد أنجبتِ ناجي.... وابنك مُخْتَطَف حتى تتعقلي.... دفعت بقصاصة عبر فتحة الباب السفلية لبيت رحاب.... أُخْبِرَها فيها أن ناجي بخير مادامت زبرجدة ستتعقل وتغادر القرية للأبدية.... رحاب ستهرول في إثرك الآن... وها أنا سأمدكِ بصورة لابنك الوحيد لكي تقري عيونكِ به... لكي تتمعني في ملامحه بتروي وتمهل.... وتستوثقي من صحة أقوالي.... أنتِ وريثة السلطانة..... ولو عارضتِ مصيركِ ابنكِ سيفنى...."
كانت توت تسترق السمع من خلف الباب وانهارت على الأرض مع أقوال خديجة وتفصد جسدها عرقا ثجاج.... لم تقتحم الغرفة... لم تعوق خديجة عن إخبار أعمار الحقيقة..... هي لم تقوى على إبلاغ رحاب بأن ناجي يكون ابن أعمار فكيف تجرؤ على إنزال تلك الصاعقة على أعمار.... ناجي مخطوف.... من صَبَّرَها على بعاد أعمار مخطوف.... من بذلت عليه ثمار كدحها في الأعمال البيضاء مخطوف... من يُهَوِّن عليها ثقل الحياة بابتسامته الباشة مخطوف.... من تجنبته منذ عودة أعمار كي لا ترتاب في الأمر حينما تُبصر هيامها به مخطوف.... من ألغى المسافات بينها وبين رحاب وأحالهم أسرة واحدة مخطوف..... إلى متى ستصدق في خزعبلات دجلها.... تلك الفتاة طالع سوء وهي تلهفت لتصل لزبدجدة.... المنجمون كاذبون ولو صدقوا.... قد يكون طالعهم متشابك لكن نهاية أحدهم ستكون بنحرها للأخرى.... هكذا ستنقشع الغمة عن زبرجدة.... بموت تلك الخديجة الشمطاء...... ولكنها خديجة... نعم هي.... هي ابنة غجر مثلها.... والغجر لا يشربون من دماء بعض.... ذلك عهد قطعوه على بعضهم البعض....
حاولت أعمار أن تلاقي صورة ناجي بحيادية.... أن تتمعن فيه بدون أن يعتريها شعور حياله.... ألا تسير وراء الضلالات التي تزرعها فيها خديجة فمن السخيف انسياقها ورائها ولكن.... ومضت في عقلها ذكريات خاطفة غير واضحة..... (اتركوني..... رأسي سينفجر.... أريد المخدر.... لا تفعلي بي هذا يا قيثارة.... أرجوكِ..... أنا لن أسامحك يا توت..... لمَ تحتجزوني.... آه.... ابني..... لا....لا.... أنا لا أصدقكم..... أنا لا أفعل....)
كانت عيونه براعم خضراء تركض في أحداقها النهار، أنفه أشم باذخ، ولون بشرته خفقة غزيرة الضوء النجوم مصفوفة عليها.... كان وجهه يحمل مزيجا من براءة الطفولة وخشونة الرجال.....طفولة تذكرها بشقيق مات..... وخشونة تحمل طابع رجل تهواه يدعى زوجها.....
دقت رحاب ناقوس باب بيت سلمان بصورة ملحة وحينما شرعت لها الخادمة سألت عن موضع زبرجدة وهرولت في إثرها وارتطم بصرها بتوت متهاوية عند باب حجرة زبرجدة..... عقدت حاجبيها غير مستوعبة حال توت... ثم هزت رأسها غير مصدقة وترقرقت العبرات من أحداقها وسألتها :" لمَ يا توت.... لمَ لا تكفين عن إفحام قلبي.... انتقيتِ لي ابنها لأربيه.... والآن أحدهم يود الانتقام منها أو ابتزازها وابني هو أداته لتحقيق ذلك"......
انفجرت توت وهي تعتدل واقفة وتشوح بيديها وكانت عروق رقبتها بارزة :" أليس لديكم سوى توت لعتبها.... وماذا عنكم.... أنتِ تلاعبتِ في نسب طفل ليصير لكِ.... ما الفارق لو كان قريبا أو كان غريب.... أنتِ كنتِ متعطشة لطفل يحمل اسمك ولا يشاركك أحد فيه.... لم تهتمي ولم تستقصي حينما جلبته لكِ.... كلكم تضعوا أوزاركم على توت.... أنتم لا تفرقون عني... فأنتم قطعة مني.... أفيقوا".....
أثار انزعاج السيدة أسماء الجلبة الصادرة من الطابق العلوي فتوجهت حانقة إلى هناك إلا أنها لم تربط الجمل سويا ولم تستوعب غموض الكلمات.....
سارت توت وهي شامخة بأنفها مبتعدة عن قلب الأحداث واستقرت في حجرتها وأوصدت بابها وقررت التحصل على فسحة راحة ولتستغرق في السبات
تواصلت عيون أعمار مع رحاب مدادا....
وتمتمت خديجة بدون أن ينتبها لها :" بالإذن إني راحلة"....
مسحت أعمار العبرات التي انزلقت على وجناتها بحدة طائلة.... وأعربت بصوت ظاهره متماسك ومصقول وهي تُرْجِع خصلات شعرها المتهدل على جبينها للخلف :" لا تطلبيها مني يا رحاب.... أنا راحلة عن البلدة ليؤوب ناجي لكِ.... ولن أوصيكِ عليه فأنتِ أمه أكثر مني.... لقد أرهفت السمع لما تفوهتِ بهِ لتوت أمام الحجرة منذ برهات.... هو فعلا ابني.... وتوت فعلا لا تكف عن إتخامي بمدى حقارتها.... لقد فاض كيلي منها.... هي لا تستحق أن يشب نزاع بيني وبينك عليها.... هي امرأة بائسة وأَحْرَقَت سمائك وذبحت ربيعي.... أَحْضِرِي لي عملا طيبا قامت به في حياتها".....
ردت رحاب وهي متواصلة البصر معها وتتقدم نحوها:" ظلت تهرع لملاقاتكِ في السجن كل أسبوع في موعد الزيارة المحدد.... لا تُفَوِّت مرة رغم أنكِ لم تلاقيها ولا مرة... كانت تتحامل على نفسها في المرض كي تلحق بكِ متمنية أن تسمحي لها تلك المرة برؤية وجهكِ... لم يعوقها عنكِ شيء ولا حتى نفاذ النقود وعدم امتلاكها لأجرة المواصلات..... كانت تبيع أي شيء كي ترتحل في إثرك.... باعت ساعتها الفضية التي اشتراها والدها لها وهي صغيرة كي تسافر لكِ وهي التي كانت تعدها أثمن مقتنى في الوجود..... باعت أوانيها النحاسية التي ورثتها من أمها وتعتبرها من ريحها كي لا تخلف زيارة واحدة لكِ.... كانت تحيا حد الكفاف ولا تشتكي ولا تمد يدها لإحسان سلمان لها.... نعم حاول أكثر من مرة أن يقنعها بأخد نقود شهرية منه ولكنها أبت بضراوة... كانت عزيزة النفس لأنكِ حفيدتها.... وكانت تعمل خادمة بالبيوت ولكن في محافظة أخرى بعدما تبدد كل ما ادخرته وكانت تنفق منه.... وكانت تقتطع من لقمتها كي تسد جوعي أنا وناجي.... لم ترتضي عملي كي أنفق على نفسي وعليه.... كانت تقول بأنها تعدني كما حفيدتها وأن ناجي هو ابن حفيدتها وأن تلك الأعمال الوضيعة قد تناسب سيدة هرمة وعفنة مثلها ولكنها لا ترتضيها لي.... أنا أسامح توت يا أعمار رغم كل ما ألحقته بي وأنتِ أيضا سامحيها..... أعتقد أن كلينا يريد أن تجد توت السلام ولو لمرة واحدة في حياتها..... ".....
رددت أعمار والعبرات تغشي أحداقها وتنزلق على وجناتها :" أنا لست خائفة على توت وأنتِ موجودة!!!!!....."
هزت رحاب رأسها وأمسكت وجه أعمار بقوة عاتية وجذبتها لها وأعربت من بين أسنانها :" لم تفهمي بعد.... أنا كنت موجودة.... كل تلك السنوات التي كنتِ أنتِ فيها سجينة أنا كنت موجودة.... وتوت لم تكن سعيدة.... كانت عيونها منطفأة الجذوة.... وقلبها موصود عليكِ.... توت لا ترى سواكِ..... حتى وهي تعترف لي بأننا شقيقتان من الأم لم تنسى أن تختتم كلامها بأن أعتني بكِ.....".....
طالبتها رحاب :" سترحلي لأجل ناجي.... وستعودي لأجله.... ولأجل سلمان.... ولأجل توت.... ولأجلي.... اقطعي لي وعدا..... لقد تعبت من مناحرتكِ يا أختي.... بإمكاننا أن نصير أُمَيّن لناجي.... بإمكاننا أن نتغلب على أنانيتنا لأجله هو وتوت"....
أطرقت أعمار برأسها لهنيهة مديدة ثم رفعت عيونها لتلاقي عيون رحاب وأعربت :" إذا طالت غيبتي عن عام تزوجي سلمان.... عوضيه عن حظه العاثر معي.... لن أقطع لكِ وعدا بالأوبة يا رحاب.... لا تحمليني ما يفوق طاقتي.... لن أتمكن من الإفلات من براثن شبكة الفحش الدولية هذه بسهولة ويسر.... لقد ورطتني السلطانة وانتهى أمري.... ذلك ليس يأس... أنا أعرف ما أتفوه به تماما..... اجعلي توت تخبركِ ملابسات قتل شكري.... أنا أريدك أن تعرفي الحقيقة كاملة.... ستخبري ناجي بها فقط لو عرف صدفة - كما عرفنا نحن - أنني والدته"....
بعدما صارت وحدها انهارت أعمار على الأرضية وشعرت بألم رهيب يمزق صدرها..... طالعت الغرفة بنظرات متبعثرة شريدة..... كانت ليلة مثالية وكان نهارا داميا..... التقطت أثيرها الخلوي الذي ابتاعته السلطانة لها وكانت تحفظ رقم هاتف زوجها فلقد عبثت به يوما واستدلت على رقمه من خلال خدمة العملاء.... كانت تشعر بوجوب معرفتها لوسيلة اتصال وإياه....
كانت تشعر أن الفراق آتي لا محالة....
كان رقما مجهولا ينير شاشة هاتفه الخلوي، لم يكن من عادته الرد على أرقام غريبة ولكن مع إلحاح المتصل شرع الهاتف
واتاه صوتها متحشرجا وهي تزدرد ريقها :" كيف حالك؟!!!"
سألها متوجسا :" هل كنتِ تبكين؟!!!!"
ردت :" أليس الأهم أني أملك هاتفا لم تعلم عنه شيئا مسبقا ؟!!!".....
أجاب وهو يلوح برأسه نافيا :" علمت دوما أن معكِ هاتف خلوي.... أبصرته يوما ولكني زعمت أني لم أراه!!!!..... لم أحب أن أقيدك رغم أني كنت أبدو متعنتا وإياكِ.... تركت لكِ الحبل على الغارب يا مولاتي"....
رددت مبدلة دفة الحديث بعدما انهارت كل حصون مقاومتها أمام تلك الكلمات الجميلة جدا.... والجد صادقة :" حسنا وأنا لم أكن أبكي.... كنت فقط أريد أن أدلي لك باعتراف..... أعتقد أن زيجتنا محكوم عليها بالانهيار!!!!.... أنا مختنقة بذنبي حيالك ولذا يجب أن ألقي بهذا الثقل الرهيب المرفوع على كاهلي... في بداية احتجازك لي كنت ناقمة عليك وساخطة جدا وأحد سكان بيتك كان يتقرب مني ويمطرني غزلا وإطراءات وحدثت بيننا تجاوزات لا تنمحي من عقلي.... و..... سامحني لو تقدر.... أنا لست نزيهة جدا.... حتى ابنك أنا سلمته بيدي لرحاب لتغير هويته وتمحي دلالات علاقتك به.... ناجي يكون لك.... استمتعت بتمثيلية فقدان الذاكرة وإياك.... أنت ساذج وأخرق جدا.... لقد أسقمتني بغبائك.... حتى الظابط سيف يكون رفيقي في رحلاتي التي يعتبرها أمثالك غير أخلاقية.... أوافيه كل شهر في المخفر و".....
نضب احتماله من هذا الهذيان فهتف فيها متأففا وهو يصفع ظهر الطاولة التي كان يجلس حولها بحدة طائلة:" ما هذا الهذيان؟؟.... هل أنتِ محمومة؟؟..... أنا لا أتقبل هذا الخرف.... اخرسي...."
وأوصد الهاتف في وجهها... وانطلق صوب بيته كما العاصفة الهوجاء.... هي كاذبة محترفة هو يعرف ذلك.... ولكنه لم يعد يعرف متى تكون صادقة ومتى تكون كاذبة وماذا تستفيد في الحالتين....
استقل سيارته.... أرجع رأسه للخلف وأحل الأزرار العلوية من قميصه ومرر أناملة بوحشية في شعره ليصير متشعثا.... هو يعرف أن زبرجدة مجنونة.... ألم تخبره بنفسها أنها تسعى لشيء وحينما تنوله تحطمه بيديها.....
ولكن تفتك بنجمه بتلك القساوة لما؟؟.... ويحها إن كانت كاذبة.... وويله إن كانت صادقة
سيتصدى لقلبه الرقيق حيالها
لا هذا القلب هو ما سيُسَوِّمَها مر العقاب
فما تدعيه ليس طرفة
بل هو قلة حياء ووقاحة سافرة
أفرغ شحنة غضبه في المقود الذي كاد يتحطم في يده وانطلق يلتهم الطرقات ليصل لها
كان جمال يتناول الغذاء مع أمه فليس من عادتهم انتظار سلمان فهو دائما منكب على الأعمال ولا يلتزم بمواقيت للطعام
لقد كانت تنتوي تبديل تلك العادة فيه
كانت ستطالبه بالتزام في كل شيء
كما أن شفاء لم تكن متواجدة
تُرَى هل لا تلبث تلك الحمقاء هائمة بالدراكولا المسمى ناصر
نادته وهي مسمرة البصر عليه :" أريدك يا جمال"....
رددت حماتها مستهجنة تصرفها وهي تمط شفتها :" الوقاحة لها نساء".....
تداخل بصر اعمار مع حماتها وعقبت بملء فيها:" بل قولي لها حموات!!!!"
تخاذلت السيدة أسماء عن مجابهتها نظرا وأعربت متململة :" لمَ كانت تلك الجلبة منذ قليل.... كل الرعاع دهسوا بيتنا.... وأنتِ من يجلبهم"....
علقت أعمار :" ساندي ورحاب فتاتان محترمتان.... وأنتِ تعرفين ذلك ولكنكِ تتفوهين بأية ترهات.... هيا جمال أستلحق بي أم لا.... "
وأولجت بصرها لحماتها وتفوهت متقلصة المحيا اشمئزازا منها :" لا تدعي الشرف يا سيدة أسماء.... أنا سأحقق لكِ مأربكِ اليوم ولكن لنرى متى استعداد ولدك الصغير لهذا...."
حينما وصل جمال لها وجهت بصرها نحو السيدة أسماء وأملت عليها ووجهها كأنه مقدود من جرانيت :" أنتِ متعبة وراقدة في سريرك منذ الصباح.... لم تفارقيه اليوم مطلقا.... هيا اذهبي لمخدعك الآن فورا إذا كنتِ تودين اقتلاعي من عقر دارك للأبد.... واجعلي حاشيتك يرددون نفس هذا البيان أما جمال...."
وسحبته ورائها لمخدعه....
دلفت لحجرته فمشطتها بنظرات ثاقبة.... وخلال برهة وجيزة كانت تبعثر شراشف السرير.... وتنتزع بضعة شعرات من رأسها لتزرعهم عليه..... داهمتها فكرة فألقت نظرة متجهمة على جمال وأمرته :" لا تغادر حتى أعود فهمت".....
وأسرعت لحجرتها التقطت قنينة عطر ابتاعتها لها توت بعد عودتها بفترة واستخدمتها في رحلتها مع سلمان بالأمس
وولجت لحجرة جمال سكبت بعض القنينة عليها والبقية على الفراش لتعلق الرائحة به....
سألها جمال متململا وهو يحيط خصره براحتي يديه:" ما هي خطتك؟؟"
ردت أعمار وهي غير عابئة بملاقاته نظر وتفوهت ببلادة :" خيانة فجة في وضح النهار".....
ثم وكأنها انتبهت
توهجت عيونها غضبا وطوت المسافة التي تعزلها عنه وعنفته مزمجرة فيه :" لمَ أنت محتشم هكذا.... هيا أَحِل الأزرار العلوية من قميصك.... أريد لكَ منظر رجل مارس الخطيئة لتوه"....
انفجر فيها جمال وهو يشوح بيديه :" لا أريد هذا.... لا أفهم ما هو مخططك ولكن.... ولكني لا أريد لأخي أن يكرهني للأبد بسببك".....
حاد عنها ببصره وهو متقبض المحيا وكانت أنفاسه تتلاحق لهاثا
أجبرته أعمار على ملاقاتها بصرا وتفوهت من بين مطحنة أسنانها :" واقتحامك لحجرتي في غياب أخيك.... سأبتزك.... حسنا أنت من اضطرني.... حقاراتك التي تفوهت بها في حجرتي أنا مسجلة إياها منذ إدارتك لمقبض الباب.... نعم هاتفي سجل كل ما جرى.... من الجيد أنه في جيبي الآن.... سأشعله لك لترى".....
جحظت عيون جمال وجوما وتدلى فكه إمارة بلاهة أمام ذلك التسجيل الذي سيدفع بأخيه لقذفه خارجا وكراهيته للأبد
سألته بهدوء أسيلي وابتسامة تشفي تتشقق من محياها :" ستذعن لي الآن؟!!!!"
كبح جماح فرامل السيارة مخلفا عاصفة من الأتربة وترجل منها وانطلق نحو ما كان في الأمس عشهما الهانئ
كان يرتجف بموجة عاتية من الغضب
وينقل بصره في ربوع البهو الذي كان فارغا تماما ومظلما
بالأمس كانت مرفأه وماضيه وحاضره ومستقبله
واليوم كان يسعى لينجز أعماله بعجالة ليلتحق بها وينعم بدفئها وهي يخزها ذنب خيانته وتقرر الاعتراف له
ساقته أقدامه نحو حجرة جمال
لا يدري لمَ
كان يسير الهوينا كي لا ينتبه أحد لعودته
يكفيه حماقته بأن أعلن عن قدومه بصرير سيارته الهادر
تمتمت أعمار :" هو يسير في الرواق المؤدي للحجرة المتواجدين بها... "
سألها متقبض المحيا بلاهةً :" كيف تعرفين؟!!!"
ردت بيقين :" أنا فقط أعرف ومستوثقة مما أقول.... كما اتفقنا".....
اقترب من الحجرة وتناهى لسمعه صوت أخيه المتبرم... والمحتدم غضبا مضطرما:" كيف تخبرينه عنا.... هل أنت مجنونة.... متى دار بينكما هذا الحوار؟؟؟"
اهتزت الأرض من تحت أقدامه حينما واتاه صوتها هادئا فاترا ميتا :" منذ قليل"....
بدا الذعر على أخيه وهو يردد بصوت متلعثم :" قد يداهمنا الآن في أية لحظة.... وأنتِ تختارين ذلك الوقت تحديدا لتوافي مخدعي".....
تجهم صوتها وهي تجيبه ناهرة إياه :" تقصد مخدعنا".....
تسارعت أنفاس أخيه وهو يتفوه بتحشرج وبصوت يمضغه الندم الرهيب :" أنتِ أغويتني.... أنتِ السبب"....
ردت ببلادة :" أنا لا أنكر.... أنا أكرهك أنت وأخيك.... فأنت تضاهيه ملامح في النهاية... هو احتجزني رغما عني وفي بدء الأمر انتقى لي كوخا حقير ليحبسني فيه.... لم يجلبني للقصر الذي كان يخص أبي والذي عاث فيه فسادا منذ اشتراه فطمس هويته وأضاع ملامحه إلا حينما سقطت صريعة المرض.... قلبي يتلظى غِلَّا متفاقما عليه... أهانني بمعاملته السيئة لي.... أنا يعاملني كما السبية.... لقد أقسمت أن أقتص مما فعله بي... سيحدث بينكما شقاق أنا المتسببة فيه.... والموت سيتلقفني فيا مرحبا به... الموت أفضل عندي من أن يتم اعتصاري بين أحضان أخيك كما وقع بالأمس.... ابن الرعاع يذل أنف سيدته أعمار!!!!.... تعسا له.... لا عاش ولا كان..."
وتناهى لسمعه استطرادتها بنغمة ملداء أسقمته :" تعالى حبيبي لأحضاني.... أخوك ليس لديه نخوة أصلا ليتم استفزازها.... لقد أقرَّ المجتمع عهري وهو مازال متشبث بي.... لو رآك معي سيبتهج جما ولن يعترض أبدا"....
استجمع شتاته المتبعثرة وشرع الباب فهاله ما رأى..... كانت أعمار تعانق أخيه بضراوة
انتفض أخوه مبتعدا عنها بمجرد أن أبصره
تقهقر بخطواته وشحب محياه وهب شعر رأسه واقفا من فرط الذعر
بدت هادئة وبليدة التقاسيم
سمرت بصرها عليه وتفوهت بثبات وهي تتخصر :" لا يحق لكَ اقتحام خلوتي مع أخيك... ماذا تظن نفسك أيها العربيد لتداهمني هكذا؟!!!.... أنا أريد الطلاق منك"....
قبض على ذقنها وجذبها نحوه وأخبرها وهو يصر على أسنانه :" سمعت أن أمي بصقت عليكِ حينما كنت في غيبوبة فاستقبحت ما حدث وكنت سأطالبها يوما بالاعتذار لكِ بعدما تتعرف عليكِ جيدا وتختبر معدنك ولكن الآن...."
أجفلتها بصقة منه استهدفت وجهها.....
فتشابكت معه في عراك بالأيدي وهي تهذي بغضب عارم :" أنت تتطاول على سيدتك يا صعلوك.... أنت يا ابن العجاتي يا من كان جدك يمسح حذاء أبي تبصق علي".....
واستوحش فمها وهي تطالبه وعروق رقبتها نافرة :" لم أرى كائن مضمحل الرجولة مثلك.... حررني من أسرك يا لعين.... قلت لكَ مسبقا أنكَ ستندم على اليوم الذي لم تسمح لي فيه بالفرار من تلك القرية.... ومنك.... وها أنا وفيت بوعدي وأحلتك خائبا في ما كنت تظنه معركة هواك!!!!!... وجعلتك محض ذكرا فاشلا مضروبا في عنفوانه.... أنا شامتة بكَ".....
قالها أمام عيونها بنهرة واحدة:" كفى!!!!.... ".....
وتابع وهو يستجمع شتاته ويتحلى بقوة الشكيمة كي لا يُزْهِق روحها:"أنتِ طالق... لملمي أغراضك وغادري.... طالق... طالق.... طالق.... أنتِ نفسية مريضة ومظلمة.... لا رَبَّحك الله.... حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ.....".....
وخلفها ورائه وهو يتمتم :" حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ"......
سقطت أعمار مغشية عليها بعدما غاب سلمان عن مجال بصرها تماما.... هال جمال أنه رأى جسدها ينتفض بقساوة في تشنجات عصبية متوالية
لقد سقط قناعها مهشما قلبه.... لقد ظنها وجها حقيقيا للحب.... تفجر الألم بقلبه متناثرا شظايا حامية.... لقد أحالت حياته عبث ومحض هباء.... وانتشلته تلك الجملة من جحيمه.... لأول مرة ينتبه لها.... ناجي يكون لك
بدأ وعيها يتفتح من جديد على كلمات الطبيب وهي يتفوه بمهنية:" لقد حقنتها للتو بمضاد للتشنجات ولكن.... حتى لو استفاقت سنحتاج لإجراء المزيد من الأشعة والفحوص.... من غير الطبيعي أن يتشنج أحدهم بغير سبب"....
تذكرت كل ما وقع دفعة واحدة فهبت من السرير واقفة وأخذت تفتش عن حذاء أو خف يخصها حتى عثرت عليه فارتدته بعجالة..... حاول جمال إيقافها :" إلى أين أنتِ ذاهبة؟!!!"
زمجرت فيه وهي مقطبة الجبين :" مصيري يناديني.... اغرب عن وجهي...."
وقبل أن ترحل التفتت له وزجرته :" كيف تُحْضِرَني لمشفى أخيك.... لنفترض أنه عرف.... تصرف في تلك الفوضى وأَخْرِس الألسنة.... أفهمت"....
لحق بها جمال في الرواق وتوسلها وهو يسير بخطى واسعة كي لا تتجاوزه :" غادري وأنتِ منتقبة..... لقد حاول أحدهم قتلك بمجرد وصولك.... هذا قد يتكرر"....
زمجرت فيه وهي تشوح بيديها :" هل أنا مدعاة للرثاء إلى هذا الحد حتى الأشرار يتعاطفون معي".....
تضرعها مرة أخرى :" لأجل سلمان..... أنا لا أدري لمَ تفعلين هذا.... ولكني أعرف أنكِ تفعلينه لأجله"....
استجابت أعمار لإلحاح جمال وهو جلب لها نقابا لترتديه.....
رغم توخيها الحذر والحيطة.... بمجرد أن شارفت مغادرة البلدة تناهى لسمعها صوت يأمرها :" توقفي يا أعمار زبرجدة..... والتفتي لي.... الخسيس هو من يُفرغ بارودته في ظهر عدوه وأنا لست خسيسة.... سأقتلكِ وعيوني متشابكة مع خاصتيكِ"....
التفتت لها أعمار بهدوء وسلمت يديها للهواء وتفوهت وابتسامة هادئة تزين محياها :" كيف حالك يا خالة أم محمود..... أنا عدت للبلدة منذ شهور.... أأنتِ فاشلة لهذا الحد لتخفقي في إخماد أنفاسي طوال تلك المدة المنصرمة؟!!!"...... وتحجرت عيون أعمار وطالبتها بصوت أجش وبفم شَمُوس
:" لو تظنين أني سأصعر جبيني لكِ فأنتِ لا تعرفينني.... لن أحني هامتي لكِ.... معكِ بارودتكِ وأمامكِ صدري فهيا أَجْهِزِي عليّ.... لا تخفقي كما المرة الفائتة.... لا تزرعي أطلقتك النارية في جسد سواي.... أنتِ قناصة فاشلة يا أم محمود.... كدتِ تقتلين سلمان في المرة المنصرمة بسبب قلة خبرتك وانعدام مهارتك في الرماية"....
زمجرت أم محمود وأوداجها تنتفخ غضبا :" أيتها الحقيرة كيف تجرؤين على إلصاق تهمة وضيعة بي كتلك.... تعرفين أني لا أختبئ حينما تحين مواجهة.... أنتِ تعرفين ذلك فكيف تجرؤين على إدانتي بملء الفيه.... لست من حاول قتلك حينما وصلتِ.... أنا أُشْهِر بارودتي في وجه من أنتوي القصاص منه.... أنا لا أتوارى بنذالة وخسة....".....
___________________________________
|