كاتب الموضوع :
بنت أرض الكنانه
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: حمامة الأرباش الفصل الثاني عشر
كان من اطول الفصول اللي كتبتها في حياتي وانهيت الثاني عشر اخيرااااااا بعد ما استنفذني انا حبيت البارتوت ده لان فيه بانوراما حلوة على الاحداث وفيه بتظهر معظم الشخصيات اتمنى اشوف راي على الفصل 12 كاملا لاني فعلا بشوفه من احلى بارتات القصة احداثا وان لم يكن احسنها لغة ووحشتوني
لما نشوف رايكم في الثاني عشر نبقى ننزل الثالث عشررررررررررررر سلام
انا احب اعرف توقعاتكم وشكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
نسيت اقول الجزء الاول من البارتوت يعود لقصيدة اعشقها لنزار قباني
سلمان
من أين يأتينا الفرح؟
ولوننا المفضل السواد
نفوسنا سواد
عقولنا سواد
داخلنا سواد
حتى البياض عندنا
يميل للسواد
منذ ثلاث شهور كانت حالتها المتداعية تنخر فيه وود لو فسر لها إخفائه لأمر زواجهما حينما خُطِبَت لعلي، ولكنه تذكر كافة الوقائع فأبى عقله أن يصدق أن فتاة حقيرة مثلها من الممكن أن تكون ضائعة في غياهب النسيان... إن أعمار زبرجدة داهية وماكرة باعتراف كل من عاشرها بمن فيهم منصور ابن عمها والذي كان صديق مقرب له في وقت مضى، إن منصور لم يفتأ عن نعتها بسيدة الأقنعة وبالمتحجرة في أحاسيسها وكان يبدي عجبه وعدم تصديقه لفكرة أنها وقعت في غرام سلمان فعلا وبعثت لوالدها خطابا لتخبره بذلك ولتطالبه بالمباركة على زواجهما.... إن أعمار زبرجدة تبعا لرأي قريبها لا ترفرف بأهدابها تأثرا لرؤية منظر الدم ولو لطخ وجهها.... ولم تكن تتورع عن افتتاح ذبح الضأن الذي يخص والدها بمناسبة عيد الأضحى... إنها رابطة الجأش في أشد المصائب وبليدة لا تسلك الشفقة قلبها....
ماذا كان عليه أن يخبرها... أنها من جعلت شمس الحب تغرب عن سماء حياته.... أنها أحالت أحلامه في لحظة ركاما متطايرا... أنه يمقتها مهما كان يهواها.... ولا ولن يضع بها يوما مثقال ذرة من ثقة....
وشرد بتفكيره حينما داهمته الذكريات التي دفعت الأحزان لتعربد فيه عبر أمد طويل...
" حسنا.... أنا سأبر بالتزامي لك.... سأدعك تسمع أعمار زبرجدة بنفسك وهي تتحدث عن رغبتها في الزواج بعلي... أنا من ستدلف لحجرتها بالمشفى وأنت ستسترق السمع خارجا.... لا تجفل هكذا.... هي بالمشفى لأن إجهاضها لجنينك تسبب لها في مضاعفات طبية خطيرة استلزمت بقائها فيها إلا أنها تجاوزت مرحلة الخطر الآن وعلى وشك المغادرة... علي كان القلق ينهشه عليها وظل بجوارها طوال مدة مكوثها هنا... لم نخبره بطبيعة العملية التي خضعت لها زعمنا أن الزائدة الدودية انفجرت لديها ولذا أحضرناها لهنا.... أنت أدليت بأنها لو نطقت أمامك برغبتها في التخلص من تلك الزيجة فإنك ستحررها فورا.... لا تنسى ما سبق وأدليت به.... لأني أعد ما تفوهت به سابقا يمينا قطعته على نفسك وأقسم.... حسنا أنا لا أحب القسم ولا أطيقه!!!.... ولكن إن حنثت بهذا اليمين سترى كيف يكون على الأرض الجحيم"....
هكذا أخبرته توت وهي حانقة لاضطرارها مجاراته فيما يريد.... بدت متوجسة قليلا من شيء ما لم يفهم كنهه.... ولكن الظلال السوداء التي كانت تغمر تقاسيمها رغما عنها وهي تتحدث وتحاول بشتى الطرق نفضها كانت تشي بشيء مريب!!!!!
دلفت توت للحجرة وخلفته يسترق السمع ولا يجسر على النفاذ للداخل من فرط ارتعابه أن يكون فعلا مخدوع وأن يرى ما تزعمه قيثارة وتوت وينكره هو... جليا وصارخا على تقاسيم أعمار زبرجدة....
سألتها توت وهي تتنحنح وتحاول طمر اضطرابها:" مستعدة للمغادرة.... لم تخلفي شيء هنا؟!!!!"
تنهدت أعمار وأجابت :" لا.... ولكن علينا انتظار علي، هو هاتفني وقال أنه سيوافينا لينقلنا.... لكوخي الذي لا يعجبك يا توت"..... تجهم صوتها مع العبارة الأخيرة
وساد الصمت هنيهة ثقيلة لتقطعه أعمار بتردد :" توت.... أعرف أنكِ متأرجحة الرأي بخصوص علي، وأنكِ.... حسنا أنتِ تفهمين وأنا أفهم.... لا داعي للخوض في هذا الحديث ولكنه أكثر المحيطين بي صدقا، ليس مبتزا طامعا مثل محمود أو متغطرس بغباء مثل ناصر... أنا لا أعرف الحب يا توت أنا فقط أعرف أن علي يناسبني...".... كانت مناشدة خالصة توجهها لتوت
وسألتها توت غير عابئة باسترسالها المنصرم وهي تسبر أغوارها:" محمود يهددك؟!!!"
أجابت أعمار بتململ وهي تطلق تنهيدة ساخطة:" كانت غلطة رهيبة لا يمكنني الفكاك منها وهو لا يفتأ يبتزني بها"....
أعربت توت ببلادة :" ربما علينا أن نُجْهِز عليه!!!!"
هتفت أعمار فورا بجزع حقيقي وهي تحجم توت عن الاسترسال في الحديث بتثبيتها يدها على فم توت :" لا... محمود لا.... أَبْعِدي شرورك عنه يا توت.... إنه ضحيتي!!!.... ضحيتي أنا فقط.... هو ليس مذنب أبدا... أنا استغللته يا توت.... آه يا الله.... لمَ لا يفتر هذا الشعور الذي صار يداهمني في الأونة الأخيرة؟؟.... بأني أدفع بمحمود إلى التهلكة وأحفر قبره بيدي!!!!"....
سألتها توت غير مكترثة بيأسها الذي استشرى فيها بدون سبب بَيِّن :" لن تعاودي البلدة بعد!!!"....
تناهى لسمعه صوت أعمار تجيبها وهي محتقنة الغضب وتكز على أسنانها :" متى ستلتزمين بالصمت يا امرأة؟!!!!.... تعرفين أني لا أستطيع الأوبة.... أنا هاربة!!!!.... حالة أبي.... أنا المتسببة فيها.... لم أصل لدرجة بلادة إحساس قيثارة بعد لأري والدي متيبس بسببي وأزعم أمام الناس أني أراعيه!!!!"....
علقت توت بصوت يتجلى منه الازدراء لأعمار:" حسنا لا تؤوبي.... أنتِ حرة... حينما تنشب قيثارة مخالبها في وَفْر أبيك لا تزعمي أني لم أحذرك.... أنتِ ضعيفة وجبانة وغبية.... ".....
تمتمت أعمار بتململ ونفاذ صبر حينها، وكأنها تختنق وتسعى بكل طاقتها لاستنشاق الهواء.... ليُبْقِيها على قيد الحياة:" أين هو علي.... أنا بحاجته... هو الوحيد الذي يفهمني ويستوعب دواخيلي!!!!!"
رددت توت بغلظة قلب معقبة عليها:" سيبصق عليكِ حينما يعرف الحقيقة التي نخفيها عنه.... لا يمكن طمر سر للأبد..... هذا لا يمكن"..... وكأنها تستلذ بأناتها..... إن توت تبغض حتى نفسها ولذا فقلبها لا يمكنه أن يَكِن المحبة النافعة حتى لفلذات أكبادها....
خيم الصمت عليهما حتى خُيِلَ لسلمان أنهما يثقبا بعض نظرا
تنهدت أعمار واعترفت وهي تحك فروة رأسها وتُنْزِل جسدها ليستقر على حافة الفراش :" أنا مثلك يا توت فلا يمكنني لومك.... أنا أيضا أستمتع بوصب من أحب.... أورثتيني حبك المريض فتلونت حياتي بنكهة الخواء.... "....
وحادت ببصرها وتفوهت بصرامة وهي جامدة المحيا :" اغربي عن وجهي يا توت.... أنا لن أغادر معكِ".....
تحدتها توت وهي تقترب منها وتزعم الرثاء لحالها وترفع حاجبيها :" أنتِ بحاجتي فأنتِ ناشفة العود.... الإجهاض استهلك الكثير من صحتك... "....
زأرت أعمار حينها وهي تقذف مزهرية كانت تحتل طاولة مجاورة لها وأوداجها منتفخة من فرط الغضب:" لا تكرري سخافات قيثارة.... أنا أشمئز من كلتيكما.... طعنتما في السن ولا أمل ينبثق منكما"....
_______________________________
بسنت
" ابنة المدينة الملتصقة ببعضها احتلت مكانك ودفعت بمنصور ليركلك خارج حياته.... وأنتِ مستكينة للأمر وباستثناء حثك للبنات لتعكرن صفو حياة أبيهن لا تقومي بأدنى شيء... ".....
قالت ريانة باحتقار لابنتها بسنت الخاملة تماما والتي لا تكف عن النوم.....
تململت بسنت منزعجة وهي تحك فروة رأسها بكلتا يديها :" أوصدي النور أريد استكمال سباتي"....
هبت ريانة تزجرها وهي تشوح بيديها :" فعلا أنتِ في سبات... أنا مشمئزة من عدم تحريكك ساكنا... نحاك منصور عن عالمه المترف وأنتِ لا تسعين للقصاص منه"....
ثبتت بسنت بصرها عليها وابتسامة مريرة باهتة تتشقق عن ثغرها:" هو قال أنني سعيت لاغتياله حينما كان يقوم بعمل في القاهرة... التحريات التي قام بها كشفت تورط أخي وأبي في الأمر.... أعتقد أنه محق في رغبته التخلص مني.... أوصدي النور... أريد أن أنام".....
صاحت ريانة مزمجرة وهي تكيل لها الضربات والثورة محتدمة فيها :" بمَ تتهميني يا ابنة بشير.... تصدقين خزعبلات زوجك وتوجساته فينا.... هو كان يفتش عن أية حجة ليغسل يده منكِ ويقذفك خارج حياته...."...
وبان الاضطراب جليا على سيمائها وهي تردف بتلعثم حاولت مغالبته :" حسنا... أخوك كان مسافر القاهرة وقت حادث زوجك لكن..... حسنا... لا تنظري لي هكذا.... منصور مقطر علينا.... هو لئيم معنا....البخل فيه شيمة وخلائق حيالنا نحن فقط.... وأنا وأبوك وأخوك كان من حقنا أن نحيا رافلين في ثوب الرغد.... فأنت ابنتنا وأنت متزوجة رجل فاحش الثراء.... ولا يصح أن يكون شحيح هكذا.... نرى النعيم الذي تحيين فيه ونتطلع لمثله.... هذا حقنا!!!!"....
وبختها أمها وبكتتها :" لمَ أجهضتِ جنينك الأخير.... كان ليصير ورقة رابحة في أيدينا الآن... فهو لم يكن ليقدر على سلخه عنكِ وحرمانك منه فالأم هي الوحيدة التي تصبر على وليدها في سنواته الأولى... كان ليصير ذريعة تسمح لنا باقتحام عالمه من جديد".....
ردت بسنت وهي تعاود الاستلقاء لتغمض عيونها وتزعم عدم الاكتراث بكل ما ترزح تحت وطأته :" شكك في نسبه.... بدايتي المشينة معه لا يستطيع أن يجتازها... اشترط علي.... ليغدقني نقودا طائلة حين انفصالنا أن أقتل نبتته التي زرعها في أحشائي.... تبر تحول بيننا.... تلك التبر لكم أكرهها.... لطالما قارنني بها.... سذاجتها مقابل لؤمي.... براءتها مقابل فحشي.... النتيجة لم تكن يوما لصالحي.... أوصدي النور أريد أن أنام.... سأستفيق يا ريانة.... كوني على يقين ولكن ليس الآن.... أنا ابنتكِ ولذا لا تركني للهواجس بأني لن ألملم شتاتي لأصير أسوأ مما كنت.... عديها مرحلة نقاهة.... كما تقول الفتيات في المسلسلات"....
تفكهت بسنت على نفسها بمرارة وأوصدت عيونها عل خلدها يرتحل إلى بسيطة النوم الضبابية فهناك فقط تشعر بالراحة والسكينة واستقرار البال!!!!!....
إلا أن ريانة لم تسمح لها.... أحكمت عليها قبضة فولاذية وعنفتها متفوهة من بين أضراسها:" لا يا ابنة ريانة... أفيقي... وأنصتي لي... بسببي غادرتِ عالم الإملاق الذي نرزح تحت وطأته... بسببي صرتِ مترفة... بسبب نصائحي وتوجهاتي تزوجتِ منصور... لولاي لصرت الآن متزوجة معدم ونضارتكِ مفقودة وحالكِ كفاف... تحسبين عدد اللقيمات التي تدفعيها لثغرك وتشعرين بالذنب لأنكِ ابتلعتيها ولم تعطيها لأبنائك... تتطلعين لثياب بسيطة جدا ومع ذلك لا تستطيعي ابتياعها لأن كيس نقودك خاوي.... لا.... لم تكوني لتمتلكي كيس نقود أصلا.... الشتاء كان ليهدد دارك فهو مبني من الطوب النيء ومعرض لخطر الانهيار أمام أية زخة من الأمطار.... كنتِ لتعيشي بائسة جدا.... أنتِ الآن مترفة... رغم أنكِ مطلقة... فمرحلة النقاهة التي تمرين بها الآن كانت لتكون رفاهية لو استمررت فقيرة معدمة".... كانت تسخر منها بقساوة....
صححت لها بسنت وهي متلحفة بزي البرود وتخفي المرارة المتشعبة فيها رغما عنها :" لم تحرمي نفسكِ يوما من شيء لأجلنا يا أمي العزيزة.... حرمتينا نحن كل الأشاوات بما فيما رقدة الأجفان كي نحقق لكِ هدفك في الحياة ونصير فاحشي الثراء... دفعتِ أختي لتتخلى عمن تهوى وزوجتيها لرجل يكبرها بخمسين عام فقط لأنه أجزل لكِ العطاء.... لم تحتمل تلك الحياة العجيفة الميتة فوقعت في الخطيئة وحينها كثرت السكاكين المطالبة برقبتها وليُحْجِم والدي زوجها عن النبس ببنت شفة ليفضحها ويفضحنا معها أزهق هو روحها وكانت حامل حينها..... كنت صغيرة نعم إلا أني أذكر... وحينما شببت قليلا عن طوري طمع بي زوج أختي الكهل وكنتم متأهبين لبيعي له غاضين الطرف عن كل ما وقع لأختي وكل ذلك في سبيل المال.... ولولا أنني ألقيت شباكي على منصور لأني كنت مشمئزة من فكرة ارتباطي بهذا العجوز المقزز لأصبحت في خبر كان تماما مثل أختي.... لم تتورعوا عن ابتزاز منصور بحقيقة أن تبر ابنة والده من خطيئة وقع بها وليست ابنة ياقوتة فعلا... استخدمتِ كلماتي التي تفوهت لها بكِ في لحظة يأس لأن منصور يعدني الشيطانة التي فصمت عرى المحبة بينه وبين شقيقته وابتززتيه بها... حتى أخي الصغير لم يسلم من شرك... حرضتيه ليُجْهِز على منصور كي نرثه وذلك بعدما اطمأننت أن الطفل الذي كنت أحمله تلك المرة ذكر وأن كل ما يملكه منصور سيصير إرثا خالصا لي... تزعمين أنكِ حرمتِ نفسكِ من ملذات الحياة لأجلنا؟!!!!... الطعام الجيد إذا صادفتيه كنتِ تلتهميه في غفلة عنا وتخلفي لنا الفتات منه... كنتِ تبتاعين لكِ الملابس قبلنا ولم تكوني تكترثين أبدا لو مضى علينا ثلاث أعياد أو أكثر ولم نفرح بهندام جديد نفتخر به أمام أترابنا.... أنا مشمئزة منكم... أنتم مقرفون للغاية... ظللتم تتملقون الكهل الذي اشترى أختي بثمن بخس وتدفعون له ببنات صغيرة لينكحها وحينما اشتهاني لم تجدوا ضير في بيعي له... نعم لقنتيني أساليب الإغواء وغضضتِ الطرف عن أمر العجوز حينما راق لكِ أن يكون منصور ابن فاروق التبريزي صهرك... يجمع كلتا المال والمكانة... أما العجوز فلم يكن سوى كيس نقود منتفخ ولكن معدنه صدئ ووضيع... أنا ممتنة لكِ لأنكِ مكنتيني من اصطياد منصور... وليس لأنه كيس نقود ومنحدر من سلالة عريقة... ولكن لأنه رجل صالح رغم أنه نفسه لا يعرف ذلك.... سأنازل ساندي تلك بأسلحتها.... متيقنة من أن السلاح الذي استخدمته لتصيد زوجي لم يكن الإغراء فذلك مضماري بل النقاء.... أنا أسعى لأكون نقية تلك الأيام يا أمي لا أريد أن أتلوث بسمومك أنتِ وأبي ولذا أتجنبكم وأعيش بعزلة، فاطمئني ودعيني لأنام".....
________________________________
أعمار زبرجدة
"أنتِ لم تطمئنيني يا سلطانة، قلتِ أنك ستتولي موضوع تبر إلا أنكِ لم توردي لي ذكر عن الأمر بعد ذلك"....
حاولت السلطانة التملص للحظة من الإجابة إلا أنها قررت الاعتراف وهي تطلق تنهيدة:"وكلت توما ليتصرف في الأمر ولم أُحْدِث له ذكرا عن كون سوما مغيرة اسمها وأنها ابنة عمك، فأخبرني أنه قرص أذن الفتى ودبر له حادث مميت ولكن لم يكن الغرض منه اغتياله بل تلقينه درسا قاسيا ليلتزم الصمت، إلا أن ميدو ذلك لم يتعظ وظل يلاحق تبر مستغلا حادثا أًلَمَّ بزوجها فطالبت توما ألا يتراخى عنه وأن يقبض روحه كي لا يشكل تهديدا على الفتاة، إلا أن توما أثار ارتيابي بتقاعسه عن تلبية أمري ظنا منه أني لا أراجع وجهة الأمور التي كنت أكلفه لها، يصعب علي الاعتراف بغلطتي إلا أني أخطأت حينما وضعت ثقة بتوما، كان ناعما كما الأفعوان التف من حولي دون أن ألحظ ذلك، عرف أسرار عملي ونقاط ضعفي وكان يعد العدة لينحيني ويتبوأ عرشي، حتى أنه أقام تحالفا مع ميدو ذلك ضدنا... أخبره أني المتسببة في حادثه ولكنه أفضى له بأن الإيعاز كان من تبر وليس منكِ... واقتفى أثر تبر ليعرف صلتها بكِ وأوفد أحدهم لقريتكِ بصورة حديثة لتبر.... "....
جحظت عيون زبرجدة وامتقع لون وجهها وسألت من بين أنفاس لاهثة وهي تنتصب واقفة:" ماذا... صورة.... أية صورة؟!!!"
رددت عليها السلطانة :" اهدئي.... ارتشفي نفسا والفظيه.... لم يحدث سوء.. صورة محتشمة عادية..."....
وتلعثمت السلطانة وهي تردف :" حسنا تريدي بقية الحقيقة.... القروي تعرف عليها.... ونادى في شباب القرية ليجتمعوا حوله ليكشتفوا هوية السائل وليعرفوا مكان الظبية الشاردة... إلا أنه لاذ بالفرار... "...
أكملت زبرجدة وهي تُعْمِل نظرها :" ولكن القروي أشاع الخبر.... ووصلني بعد تحريف.... ولذا سألتك.... لأعلم إن كان هذا الشخص من طرفك"....
واستطردت بخوف حقيقي على السلطانة :" الشر يحدق بكِ.... هل أعددت العدة له..... كيف تثقي بذكر يبيعك جسده في سبيل النقود.... ".... كان تقريعا صريحا للسلطانة إلا أنها غضت الطرف عنه.... وأخبرت زبرجدة ببشارة :" ميدو راقد تحت الثرى".....
انتفضت زبرجدة ملسوعة وصرخت بهيستيرية :" طالبتك ألا تقتليه يا سلطانة.... لمَ ترفعي هذا الذنب على كاهلي؟!!!!".....
أجابتها السلطانة ووجهها يكفهر :" لتعرفي أننا في مركب واحد.... يستحيل أن تفلتي مني للأبد.... إقامتك في الصعيد لن تطول أكثر من ذلك.... أعطيت خادما لديكِ هاتفا نقالا ليعطيه لكِ وأخابرك من خلاله منذ شهور وكلما اتفقنا على موعد جديد لهروبك تؤجليه..... يبدو أنكِ ستظلين تؤجليه لأبد الدهر... أنتِ متورطة في قتل ميدو... ولكي لا أكشر عن أنيابي لململي أشيائك من البقعة الصعيدية التي تقطنين فيها والتحقي بي..."
سألتها أعمار وهي ترفع حاجبيها الأبنوسيين :" تهدديني وتتوعديني.. ولكنني لا أخضع لتلك الأمور... افعلي ما يحلو لكِ... لم يُخْلَق من يفرض شيئا على أعمار زبرجدة التبريزي".... وأوصدت الهاتف في وجهها!!!!
__________________________
مارسيلا
نهض الظابط حينما وصلت السجينة مارسيللا وأعرب قائلا :" سأترككما سويا... بالإذن"....
تلاقت عيون مارسيلا مع خاصتي آدمز فنكست رأسها كي لا ترى المزيد من الازدراء يطل من أحداقه واستوت جالسة في هدوء عجيب...
سألته ببرودة تصطنعها :" لمَ أتيت؟!"
أطلقت شفته ابتسامة تهكم وأعلن :" حينما وردني أن زوجتى حبيسة الزنزانة في مصر لم أصدق آذاني.... لم تخبريني أنكِ متوجهة إلى هنا... الجريمة المتهمة بها بدت في البداية أيضا غير مفسرة بالنسبة لي"... كان عابس المحيا يدينها بقساوة وهو يوجه لها الكلمات
سألته بمرارة :" أتيت لأنك شعرت بالفضول أم لتفرغ على مسامعي اطرابك لتخلصك مني؟!!!!"
رد عليها غير عابئا بما تفوهت به وهو يزم شفته :" لم آتي وحدي حتى الصديقي أتى معي... مصر مرتبطة في ذهنه بابنته انجيلا... ووجودك هنا وإلقاء القبض عليكِ أثار ريبته... نحن نستقصي الأمر والملابسات الآن"....
رددت مارسيلا وهي تلوي زاوية شفتها :" أتيت أنت وحماك العتيد لأن رائحة روك لا تلبث تزكم أنوفكما"....
غض آدمز الطرف عن كلماتها المريرة وأعرب وهو يوجه يده نحوها :" سأصدق ما تسكبيه على مسامعي يا مارسيلا..... شريطة أن تتفوهي بالحقيقة فحسب"....
تشابكت معه بصريا وتفوهت ببساطة :" أنا حامل... تلك حقيقة.... فعن أية حقيقة أخرى تبحث؟!!!"
باغتته بقولها صار واجما يحملق بها فاغر فيه لبضعة وهلات
استجمع شتاته وسألها بقساوة:" طفل من تحملين؟!!!.... لا تُشْدَهي من قولي أنا أعرف حقيقة مسلكك الأعوج قبل زواجنا... وطبعكِ مبتذل وعاهر ورخيص والطبع يغلب التطبع!!!!"....
ردت مارسيلا بهدوء وهي تطلق سراح ابتسامة واهنة :" لم أُشْدَه.... حينما يولد اجري له تحليل الحامض النووي"....
وتابعت برباطة جأش وقوة شكيمة وبنفس ذات الوتيرة الهادئة التي أثارت استغراب آدمز وإعجابه في الوقت ذاته:" كنت أظن أن روك ما تحولني عنك... وكنت أعرف أن لروك شقيقة توءم... وأخفيت هذا الأمر عنكما بعدما وردنا خبر وفاتها بإيعاز من ليون... كان يهمه أن يتداعى الصديقي وينهار لينهب ثروته ويستحوذ على ممتلكاته... وكان يهمني أن تلتفت لي... روك استفاقت وولجت للحياة... وواتيت مصر لأدبر لها شرك مميت.. استقبلتني بحفاوة خصوصا أنها كانت تتعافى من حماقة ارتكبها زوجها المصري... وكان يمكن أن أسقيها السم في عصير... أو أدبر لها حادث يبدو عرضيا ولا يخضع لمبدأ الإصرار والترصد... إلا أنني قررت أن أقلب الطاولة على ليون الذي ابتزني لأقتل روك مستغلا ارتعابي من أن يخبرك بحقيقة تكتمي على وجود شقيقة توءم لروك وهلعي من فكرة أن تعاود علاقتك بها لأجتر أنا كل عذابات الأرض وحدي... فأفضيت لروك بحقيقة خستي فصفحت عني وأنبأتني أنها تجاوزتك ولم تعد تفكر فيك... ودبرنا سويا حادثا شكليا لها أبدو أنا ظاهريا المتسببة فيه ونشرنا الخبر في كافة الجرائد حتى الأجنبية منتهزين فرصة أن روك في الحقيقة ابنة مطربة شهيرة حتى لدى الجاليات العربية بالخارج والكل يتلهف لأخبارها... وبهذا زعزعنا ثقة ليون في العالم الذي ظن أنه بناه في غياب الصديقي... صورة روك تصدرت كافة الجرائد وفي سطور أي مقال كُتِبَ تساؤل كيف يمكن أن تكون ملك الجبلاوي صورة طبق الأصل من انجيلا الصديقي... كنا نعرف أنكم ستوافونا في النهاية وأن ليون سيتقزم ويتلاشى لأنه في الأصل حشرة استوحشت شرورها بسبب نذالتي وغيبوبة روك... أما عن طبيعة الحادث الذي دبرناه فلقد فتحنا الغاز ليتوغل في تلافيف شقة روك ومن المفترض أن روك كانت ناعسة آنذاك وبغتة تأجج حريقا مهولا التهم الأخضر واليابس في طريقه وتسبب في بعض الجروح العميقة لها وكانت نجاتها بمحض إرادة الرب أولا وأخيرا ولأن علي الذي هو زوجها سارع لنجدتها في خطوة جسورة من قبله... أما الحقيقة فهي أن روك كانت من فتح الغاز وأضرم النيران في الشقة وغادرتها بمجرد أن تم لها ذلك.... وبفضل ماكيير عبقري ظهرت جروحا عميقة على وجهها وبانت ضحية لصديقة شريرة وحامت الشبهات حولي إلى أن اعترف أحدهم لقَّنَاه ما يتفوه به جيدا أنه ضبطني أهرول خارج شقة روك في الوقت الذي تأججت فيه النيران بالشقة... الخطة كانت مدروسة بعناية فأولا البناية التي تقطنها روك غير آهلة بالسكان حتى الشقة الوحيدة التي كانت تحوي بشر غادروها لأن رب الأسرة يعمل بالخارج وهم التحقوا به... لم يكن هناك خطر يذكر على أية صعيد من تنفيذ الفكرة وأعلنت روك أن في حالة حدوث ضرر للبناية هي من ستتكفل به فهي لن تُفسد للناس بيوتهم.... لمَ أنا هنا؟؟... جزء من الخطة حتى يكتمل لنا ما أردناه... أن ينتشر الخبر... أن يتصدع ليون وينهار... أن توافوا مصر... سأغادر قريبا جدا.. كانت من الممكن أن أكون شريرة وأقتل روك إلا أني لمحت شغفها بزوجها فانتبهت لحقيقة أني أطارد أشباح بخوفي وارتعابي منها... كما أني أشعر بنفسي غير عادية ومشحوذة بالاعتداد والكرامة وأنا رفيقتها... تبث في إحساسا بأني شريفة ومرفوعة الهامة فأصدقها وأرفع هامتي فأجدها تجتاز أجواز الفضاء وأجدني أبتسم رغما عني لتلك الحياة".....
وانتصبت مارسيلا واقفة وأعربت وهي شامخة بأنفها :" انتهت الزيارة... المرأة التي تركن لتقزيم شريكها أو زوجها لها لا تستحق الحياة!!!!.... "....
واستطردت وابتسامة عذبة تفتر عن ثغرها :" هذا حلمي وسأقاتل من أجله.... حلمي بأن يتطهر تفكيري من حقارات ارتكبتها في زمن فات.... حلمي بأن أعاود شريفة أمام نفسي في المرآة..."
وغادرت تاركة إياه واجما من التغييرات التي طرأت عليها وتناهي لسمعه صوتها وهي تترنم بأناشيد مبهجة عن الحياة واختفي الصوت رويدا رويدا وبقى وحيدا لا يستوعب ما وقع أمامه منذ بضعة لحظات.... إن وجهها يشع حياة أما معه فكانت ميتة بدرجة كائن يتجرع الأنفاس... لقد توهجت سحرا عذبا منذ تصالحت مع نفسها وحددت أهدافها الحقيقية لتنجزها في تلك الحياة....
_________________________
صباح
على مأدبة العشاء الشهية المحملة بكل ما لذ وطاب....
سألتها قيثارة :" ما بكِ يا صباح؟!!!!"
همهمت صباح مجيبة :" ما بي؟!!!"
علقت قيثارة :" صامتة وكأن على رأسك الطير"...
تمتمت صباح :" أحيانا نتعب من الكلام يا جدتي"....
تململت جدتها :" لا تلبثين في ريعان الشباب يا صباح لتكوني كئيبة هكذا.... قري عينك بابنتك فنظرة لها تمنح لذة خالصة للحياة... "....
تهكمت صباح :" نظرة لها تذكرني بأنها تضاهي والدها تماما يا جدتي"....
رددت جدتها حانقة وممتعضة منها :" أنتِ دوما تنظرين للنصف الفارغ من الكوب".....
سألتها صباح مبدلة دفة الحديث:" لمَ لا تزوري حليمة مادامت لم تبادر لزيارتك يا جدتي؟!!!"....
أجابتها قيثارة ساخرة :" ومنذ متى وأنتِ تأبهين لأختكِ من أبيك...."
ثبتت صباح عيونها على جدتها وعقبت :" منذ صارت نقودك نقمة عليّ يا جدتي!!!!"....
انتصبت صباح واقفة وأعلنت :" شبعت.... سأذهب لمراجعة الدفاتر ولمتابعة سير العمل... زوجي الحقير العتيد لن يسلبنا قرشا واحدا في غفلة منا كوني متيقنة.... يا جدتي"....
سألتها جدتها بإصرار وتصميم :" لمَ حزنك منذ الصباح يا صباح؟!!!!.... "....
خرج صوتها معاتبا لقيثارة رغما عنها وهي تغالب عبراتها :" ومنذ متى وأنتِ تكترثي.... يا جدتي؟!!!"..... وهرولت مبتعدة عنها وانزلقت العبرات على وجناتها رغما عنها.... أن يمتطي بلال عتبة السجن ذلك يفوق قدرتها على التحمل.... ستجهز له جيشا غفيرا من المحامين وسيغادر ذلك المخفر المظلم رغما عن إرادة زوجها شاهين....
وانطلق العزم من أحداقها وهجا مشعا.... وكفكفت عبراتها....
______________________________
ساندي
هتفت ريحانة حانقة عبر الهاتف الخلوي :" أنتِ تلقين بالعبء كاملا على كاهلي يا ساندي.... وأنا سئمت من ملاحقة كافة الأعمال وحدي... أنا متقلدة أمور كثيرة فالسلطانة عهدت لي بمسئوليات جسيمة وأنتِ تستمتعين بشمس الصعيد وتخلفين الأعمال متكردسة على عاتقي..."
صاحت فيها :" اهدئي.... لمَ هذا التذمر الآن؟!!!"
أجفلتها :" السلطانة تمر بوعكة صحية قد لا تنجو منها.... أنتِ تقطنين نفس بلدة أعمار زبرجدة... السلطانة لم تطلب مني أن أخابرك لأجل ما سأفضي لكِ به... ولكني رافقت السلطانة لمستشفى حيث كانت تجري فحوصا و.... السلطانة دلفت وحدها للطبيب لتجلب النتائج وبدت مهمومة جدا بعد خروجها من لديه.... وكانت مشتتة التفكير جدا حتى أنها نسيت مظروف الفحوصات فطالبتني وهي فاقدة للتركيز أن أذهب لإحضاره ولم يكن الطبيب متواجد فأعطته لي الممرضة وهي تظنني ابنتها وأوصتني بها وقالت أنها مسكينة فرغم ثرائها علاجها مستحيل فالسرطان مستشري في كل جسدها.... هي تدفع بزبرجدة لتلحق بها ولكنها تأبى ولم تعد تجيب على اتصالاتها.... أحضريها لها يا ساندي... سيمكنك الدلوف لبيت مرمرة فأنتِ متزوجة قريبها.... أنا مرتعبة إنها تتداعي ولو ألمَّ بها شيء... العمل الذي يوفر لنا حياة كريمة سيتبدد..."
هتفت ساندي بنفاذ صبر :" ريحانة.... هناك شيء مبتور في كلامك... الشيء الذي تحاولي إخفائه عني أفرغيه على مسامعي لننتهي"....
أجفلت ريحانة ساندي بما قالت فجحظت عيون ساندي وتهاوت على أقرب مقعد لها :" من سترث السلطانة وستُمْسِك بمقاليد الأمور بعد رحيلها هي أعمار زبرجدة!!!!... السلطانة اصطفتها لتكون وريثتها ولا يمكنها الفكاك أبدا فذلك قدرها الذي لا مناص لها منه!!!!!.... ستطير رقبة مرمرة لو اعترضت على هذا المصير.... فالسلطانة مجرد حلقة في شبكة دولية ومن يتحكم فيها ليس فردا أبدا ولكنها دول فاحشة النفوذ يهمها أن تُغيب عقول شبابنا بالفواحش والمخدرات.... على شبكتنا أن تستمر حتى بعد رحيل السلطانة.... أنا أرى أنكِ كنتِ الأنسب يا ساندي لتتبوأي عرش الزعامة ولكن السلطانة فجرت تلك المفاجأة المدوية كما أنها أعلمت من تعمل تحت إمرتهم أن أعمار من ستحمل الراية.... على أعمار أن تستعد وأن تعلم حقيقة ما دبرته السلطانة لها.... دور لم تريده أبدا في حين أننا كلنا تمنيناه ولكن هكذا هي الحياة!!!!!"....
___________________
" اهدئي يا أمي... ربما تكون شبيهة فعلا بأختي تبر ولا تكن هي...."
كان منصور جاثي على ركبته مجاورا لسرير أمه التي لا يتوقف نحيبها منذ وردها الخبر.... وتناهى لسمعه صوتها الباكي وهي تلوح برأسها يمنتا ويسارا :" هي... هي... تبر.... ما الذي يريدونه منها.... لمَ يسأل عليها أحدهم هنا؟؟؟... يدبرون لها شيء.... أنا أشعر بهذا... أنا لست مجنونة.... ابنتي في خطر".....
افترش السرير مجاورا لها واحتضنها وهدهدها قائلا :" اهدئي يا أمي... تبر بخير"...
دفعته صارخة وحدجته بنظرة وكأنها تكرهه وتعتبره عدوها :" أنت لا تحبها .... دوما كنت تبغضها... ابتعد عني... أنا لن أهدئ حتى أتوصل لمكانها ويطمئن بالي عليها.. سنوات وأنا أفتش عنها ولا أعثر على أثر واحد لها ولكن اليوم معي الأثر!!!... "....
واستطردت ياقوتة بعزيمة وإصرار :" أول خيط هو أن اسمها سوما... ذلك الغريب حينما تشابك معه القروي هتف متملصا أنها ليست تبر ولكنها سيدة قاهرية راقية اسمها سوما... سيدة وقاهرية وراقية واسمها سوما... يمكنني بسهولة إيجادها!!!!"
تهكم منصور عليها :" كيف يا أمي؟!!!!"
زجرته ياقوتة :" لا تستهين بامرأة تفتش عن ابنتها... هل فهمت؟!!!... أبدا.... إن كنت لا تفهم شيئا عن الأبوة وتتعامل مع بناتك وكأنهن دُمَى فإياك أن تجسر وتزعم أمامي أنك تفهم كنه الأمومة"....
بعدما غادر ابنها الحجرة هرعت لتخرج صورة تبر من احدى القوارير واحتضنتها وطمأنتها :" لن يصيبك ضير يا ابنتي... فأمك لن يغفل لها جفن حتى تطمئن عليكِ"....
_________________________________
دلف صالح لحجرة مكتب سلمان ساخطا ووجهه متجهم التقاسيم وأعرب وهو يفترش المقعد المقابل لمكتب سلمان ويلقي بأوراق لتتبعثر على سطح المكتب:" أنا لا أفهم ما الذي يجري.... ناصر هذا حوت يلتقم أعمالنا بمنتهى السهولة واليسر... هو مكرس نفسه لتدميرنا ولقد اتضح أنه عاد بثروة هائلة جدا... لا يكترث بالخسارة قدر اهتمامه بسحقنا....."......
سأله سلمان :" أنتَ تتهم زوجتي بأنها السبب فيما آل له حالنا في الأعمال"....
نكس صالح رأسه وهمهم بصيغة اعتذار :" أنا أستمحي منك المعذرة يا سلمان ولكن ضع نفسك مكاني.... كل ما بذلنا طاقتنا لنبنيه يتبدد ويتلاشى.... ربما ينبغي أن تلتقي به وجها لوجه لتسأله ما الذي يريده".....
سأله سلمان :" ولو كان يريد زوجتي؟!!!!.... "
وعاتب صديقه :" تريدني أن أحني جبيني لحقير ينتعش بتدمير حياة الغير".....
واستطرد سلمان بعزة وهو يلوح برأسه نافيا :" لا وألف ألف لا.... لأموت من الجوع ولكن لا أنحني لذلك الوغد مادامت في حياة"....
_________________________
كان ناصر ممتطي ظهر جواد أصيل ابتاعه بنقود طائلة كما اشترى غيره من الجياد وأنشأ لهم اسطبل فسيح وأودعهم فيه.... لقد اشترى معظم البلدة منذ أوبته.... آن لعائلة التبريزي أن تعلم أن ناصر الذي ينحدر من الركن الفقير في العائلة صار أفحشهم ثراءً..... ومتخم بنقود هائلة.... الكل سينحني له عدا بنات شمس التبريزي.... هو يعرفهم جيدا!!!!!
كان شاردا في تفكيره وهو منطلق بجواده الذي عَفَّر الهواء في الشارع الذي ركض فيه.... وبغتة تناهى لسمعه نبرة استياء وسخط أنثوية تنفذ من بين شهيق وسعال :" هل هو شارع أبيك لتُغَبِّر الجو هذا؟!!!"
ألجم حصانه والتفت للصوت وأعرب بسماحة :" أنا آسف يا آنسة...."
شوحت بيديها وأعربت :" أحيانا ستصادف بشراً لا يقبلوا أسفك..... فأنت من الممكن أن تُمِيتهم بعدم اكتراثكَ سوى لنفسك"....
كانت عيونها محتقنة دما وتلهث لتلتقط نفسها وأخرجت بخاخة من حقيبتها لترش بها لتعافيها من الربو المزمن الذي اشتد عليها
ترجل من الجواد وأكد لها وهو يعض على شفته السفلى خجلا من نفسه :" أنا آسف يا آنسة مرة أخرى"....
ردت بسماحة بعدما بدأ نفسها يهدأ :" لا عليك..... أنت لم تكن تقصد"....
أجابها وهو يطلق تنهيدة :" خطأ أنا فعلا كنت قاصدا أن أزكم الأنوف برائحة الغبار.... أن يسعل البشر دما جاريا.... أنا شرير للغاية يا آنسة"....
ابتهلت له :" علَّ ربي يعفو عنك ويطهر قلبك مما وقر فيه"....
اللعنة.... لقد داهمت ثكناته كلها بذلك الابتهال..... هو يستطيع التعامل مع من يرون فيه الشر والخسة ولكنه يعجز عن التصرف أمام تأمل أحدهم فيه....
شعر بأنها فرصة قد تتبدد من يده ولا يلاقيها ثانية فسألها بعجالة حينما انتبه لكونها تستعد للتلاشي من أمامه :" اسمي ناصر وأنتِ؟!!!"
تضرجت وجنتاها بالحمرة القانية وهمهمت وهي تحني هامتها :" أنا شفاء عبد الرحيم العجاتي".....
انسحب الدم من وجهه وبدا واجما للحظة حينما اكتشف أنها شقيقة سلمان الصغرى.....
وسارعت بخطى حثيثة لتختفي عن مجال إبصاره..... وبغتة انفجر مقهقها يضرب كفا بكف.... ويجدها فرصة أخرى لتدمير سلمان.... لا أحد ينتزع منه أعمار زبرجدة فهي خاصته... لا أحد ينتزعها منه ويبقى هانئا في تلك الحياة..... وارتسم الحقد جليا على محياه وعاودت عيونه لتتحجر قساوة .....
____________________________________
دقَّ على باب حجرتها فتمتمت وهي متثائبة :"من؟!!!"
رد وهو يعتصر أنامله ويصر على أسنانه مغالبا رغبة تلح عليه بالفرار :" أنا سلمان!!!!"
أجابته بعد هنيهة بشرعها الباب على مصرعيه وصارت تحملق فيه مشدوهة على الرغم من أن هيئتها تدل على أنه أفاقها من سباتها للتو.....
فتنحنح واجتازها وافترش مقعد ملاصق للحائط وأعرب بصوت يخالطه الحنين :" لم يجمعنا حوار منذ ثلاث شهور.... "....
وتنحنح مرة أخرى بخجل وأردف بنبرة خفيضة تكاد لا تكون مسموعة كي لا يذكرها ويزعجها :" حتى أمر استدعائك وكلت أم السعد لتخبرك به".....
احتلت بقعة جانبية من السرير وعقبت :" إلزاما عليّ كل شهر أن أعرج على سيف هذا.... ظابط سمج...."....
قطب جبينه وسألها وثورة هائجة ترعد فيه :" هل ضايقك؟!!!!.... هل يتجاوز حده معكِ؟؟؟"
ردت عليه وهي تمط شفتها :" إن سيف شخص غير مؤذي.... هو فقط يتسلى فالجو مُقْفِر في الصعيد بالنسبة لمن اعتاد حياة المدن"....
سألها بعبوس زاجرا إياها وهو ضاغط على أسنانه :" أنتِ تتباسطين معه وتنادينه بسيف؟؟؟!!!"
ردت عليه بثبات وابتسامة تسلية طفيفة تفارق ثغرها :" أنا لا أتذكر أني أتباسط... أنا فقط أعرف أني أكفهر حين ألاقيه وأرمقه بنظرات استهانة بمقداره...."
أجفلها بقوله وهو مثبت نظره على بقعة بعيدة في الأرضية :" ناصر يسعى لتدميري تنكيلا بي لأنه يعتبرني اختطفتك منه"....
أطرقت أعمار برأسها ورفعت وجهها إليه بعد برهة وجيزة وعلقت وهي تتداخل معه بصريا :" ناصر يعلم جيدا أني سيدة قراري.... هو لا يبطش بك.... هو يبطش بي أنا... يظنني سأستكين له وأستسلم... على جثتي الهامدة أن أستجيب لمآربه التي تثير اشمئزازي...."
إنها تدفع بأعصابه لتغلي على المرجل.... إنها تتفوه بأشياء لا يصح لها أن تقولها له... إنه زوجها وإنها صريحة بصورة فجة....
طوى المسافة التي تعزله عنها وقبض عليها وشرع يرجرجها وهو في حالة هيستيرية ووجنتاه لطختان حمراوتان من فرط حالته وزمجر فيها بارتياب وكأنه ثور تلوح أمامه قطعة قماش حمراء :" هل ساومكِ على شيء.... هل راسلكِ بعد ذلك الخطاب الذي أوصلته لكِ حليمة؟!!!!"
تفوهت وهي تقتحمه بصريا :" أنت لا تصدق أني فاقدة للذاكرة فيما يخصك أنت فقط.... ومعك حق فالأمر يبدو غير منطقي وأنا لا أجد له تفسير..... ومن جهة أخرى الحقائق تقول أنك غريب الأطوار ومنزوع النخوة.... وأنت لا تبرر!!!!.... أنت ببساطة تخشى أن أكون فعلا فاقدة للذاكرة..... لأنك هكذا لا يكون لك حق لتقتص مني!!!!.... سلمان ..... ربما أكون قاتلة إلا أني لست ساقطة.... هناك أشياء تشبه المناطق المحرمة لا يحق لي التفوه بها.... الأمر لا يخصني وحدي بل لا يتعلق بي أساسا.... أشعر أني سأفارقك في يومٍ قريب فأريدك أن تعلم هذا.... لم يتبقى لي بعد مطحنة الحياة قلبٌ يحب ولكن لو برأت يوما من ذلك الألم الثخين.... لو اجتزت ذلك الذنب الرهيب... فلربما....."
وازدردت ريقها لتردف :" ولو كان الحب يعني أني سأمحيك من حياتي للأبد لأن بقائك فيها يعني لك الهلاك وسيراودني شعور دائم بالخواء والوحدة مهما اكتظ من حولي البشر وكان شعورا لا يتبدد سوى برؤياك وسأعلم يقينا في نفسي مهما ارتفع الضباب على عقلي بأنك الوحيد الذي عشقته في تلك الحياة فبهذا أنا أكون أهواك!!!!!...."
|