كاتب الموضوع :
بنت أرض الكنانه
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: حمامة الأرباش البارت الثاني من الفصل الحادي عشر
بشكر دعمكم ليا وممتنة لكم جدا الخاشعه والاميرة البيضاء
انااااا عايزة ردود من كل شخص بيقرا القصة دي لو سمحتم
الصمت الرهيب ده ................. يللا
وبعدين ياريت اشوف لايكات كمان
(((مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ
حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ
فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ
فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً
كَلاَّ بَل لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ
كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ
فَمَن شَاء ذَكَرَهُ
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ))))
سورة المدثر
البارت الثالث من 12
بسم الله الرحمن الرحيم
أعمار زبرجدة
أعمار لسلمان......
لك ظلٌّ مقتفٍ في خاطري حيثما سرتَ مضى فاتبعكْ
منذ أعوام مديدة.......
تفترسني الأنات ويلتهمني طريقي ولا أجد الفكاك
وما بين ذاك وذاك تتبلد أحاسيسي وتتحجر القسمات
وتمضغني فجيعتي وتلفظني فتات
ويظنني البشر على الدوام امرأة مقدودة من صخر لا يتشقق منه نبات
ويقولون في وصفي امرأة هاربة رغم عدم ارتكابها جريرة تستوجب ذاك
وذنبي يلذعني آه منكِ يا حياة لا يمكنني الثورة على قدر صنعته بيدي ليبعثرني ويحيلني بلا شتات
...........................................................
" أُقَبِّل يديكِ يا أمل، الصداع يعصف بي، أنا سأموت لو لم تعدي القهوة التي كنتِ تُحضريها لي كل يوم.... لقد فرغ برطمان حبيبات البن الذي أعطيتيه لي مسبقا حينما أخبرتك بأني صرت مدمنة على قهوتك وأنكِ لا تكوني متاحة دائما لإعدادها كما أنه لا يمكنني أن أعرج عليكِ كل يوم بعد استقلالك بالحياة عني ".....
كانت أعمار تتوسل أمل.... فتاة تعرفت عليها منذ التحاقها بالكلية ولكنها صارت مقربة منها منذ أشهر معدودة فحسب.... وكانت أمل فتاة تحيطها الأقاويل ويدينها المجتمع باعتبارها ساقطة وينبذها الكل وكأنها جذام.... ولكنها كانت تجيد المسكنة واستطاعت استدرار تعاطف زبرجدة.... واكتساب ثقتها والأدهى من ذلك محبتها
تمركزت نظرات أمل عليها وتفوهت بهدوء الحيَّات :" أنت تعرفين في قرارة نفسك أنكِ مدمنة فعلا يا أعمار ولكن ليس لقهوتي بل للمخدرات.... وما بثثته فيكِ ليس مخدرا عاديا بل خطيرا جدا.... في دمكِ تسري جرعات عالية جدا من الهيرويين"....
ردت عليها أعمار وهي تحيط أذرع أمل بيديها و تطلق سراح ابتسامة واهنة وتجبرها على التواصل معها بصريا:" نعم كنت أعرف أن ما يداهمني حينما أتأخر عن تناول قهوتك السامة ليس أمرا طبيعيا أبدا، لكن لمَ أنتِ حقودة وشريرة هكذا؟!!!.... ما الذي اقترفته في حقك لتطعنيني في ظهري... أويتك في شقتي لشهور حينما لم يكن لكِ مسكن تلجأي إليه... أمددتك بالنقود ودفعتك لتواصلي دراستك بعد حماقتك التي جعلت والدكِ يغسل يده منكِ.... حثثتك لتشاركيني مقهاي مع محمود لكي يكون لكِ مورد دخل وتستطيعي الوقوف على أرض صلبة لكنكِ من لم يوافق واعتبرتِ ما عرضته عليكِ امتهانا لمقدارك فأنتِ ابنة رجل فاحش الثراء وإن غضب عليكِ وحرمكِ من الميراث إلا أنكِ تظلي ابنة زبدة رفيعة المقام لا يصح أن تحط قدرها في مثل تلك الأعمال الوضيعة.... أنا اعتبرتك صديقتي.... أنا التي لا تطيق النظر في وجه أختها وتعادي ابنة عمها وأحيانا تقف خصما لدودا لنفسها... اعتبرتك صديقتي وأنتِ"....
أجابتها أمل وهي تشيح عنها ببصرها وشاردة في تفكيرها :" في الحياة لا يوجد صديق يا صديقتي.... الكل يستخدمك لتحقيق مآربه أو لتضميد جراحه وبمجرد أن يبرأ منها يلغيكِ من دفتر أولوياته ويحذفكِ من حياته... أخي استغل طيشي واندفاعي بزواجي من عربيد لم يرضى به أبي وحرضه ليحرمني من الميراث... أخي الذي كنت أظنه أخ!!!... لم يكن أخ..... وأنا التي كنتِ تعديها صديقتك لم أكن فعلا صديقتكِ... "....
تلاقت معها بصريا وأطلقت تنهيدة مديدة وأعربت بنبرة خرجت منها خابية ونادمة رغما عنها وهي تعض على شفتها :" اسمعي.... كنت أظن أني سأستلذ بإذلالك... وسأشمت في حالك.... ولكنني الآن لست كذلك.... تبقى قليل من البن المخلوط في حياذتي.... من كان يمدني به لم يعطني الكثير.... فقط ما يكفي لإحالتك مدمنة... أغدقني عربونا سخيا كي أدس لكِ المخدر يوميا ولفترة تكفي لإيصالك للحالة التي بلغتها الآن.... سأجلب لكِ ما تبقى معي.... أعمار.... أعرف أنني خائنة وحقيرة ولكنكِ غبية لتثقين بفتاة يزدريها المجتمع بأسره.... لا أريد مسامحتكِ فقط أشتهي ألا يحقق شكري مأربه منكِ.... ذلك الرجل مهووسٌ بكِ حد المرض.... يكرهكِ جدا ويرغب في تحطيمك بكل ما أوتي من قوى...".....
قبضت عليها أعمار بقوة عاتية وشرعت ترجرجها بهيستيرية :" أعطني ما تبقى معكِ.... نفذ صبري ولم أعد أحتمل.... هيا اذهبي وأحضري القهوة وكفي عن الكلام المرسل أيتها الخائنة!!!!!"..... قذفتها أعمار بعدما زجرتها فقد عيل صبرها ونضب معين تجلدها
بمجرد أن دلفت أمل للمطبخ لإحضار كيس البن المخلوط هرولت أعمار في إثرها.... فهي لم تحتمل الانتظار في الردهة.... واختطفت الكيس منها وأفرغت محتوياته القليلة في حلقها على جرعة واحدة
أنزلت أعمار جسدها للأرضية لتفترشها بعدما هدأت الحالة التي كانت تبطش بها وسألتها بصوت خالطه العتب رغما عنها :" لمَ كنتِ تريدي أن تشمتي بي؟!!!.... ما الذي اقترفته في حقك سوى أني لم أكن حذرة معكِ كما كنت مع باقي البشر.... سوى أني وضعت ثقتي فيكِ"....
أولتها أمل ظهرها وتفوهت باقتضاب :" لن تفهمي يوما شخصية مريضة مثلي... ارحلي من هنا.... "......
ورحلت أعمار وتركتها وحدها تتجرع ندم خذلانها للإنسانة النقية الوحيدة التي التقت بها في دنياها، وتحيا على ذكريات عذبة جمعتها بها، ومنذ ذلك اليوم وأمل وحيدة رغم تعدد زيجاتها... ورغم نجاحها في التسلق لعالم الزبدة من جديد.... نعم هي وحيدة تماما ولا تسمح لأي حد بالتقرب منها خوفا من أن يغدر بها مثلما فعلت بصديقتها، الخدم يتذوقون طعامها قبلها، كل ورقة تقرأها بتمعن قبل التوقيع عليها فهي لا تمنح سكرتيرتها ثقتها كما أنها لا تمنحها لكل البشر..... إنها متوجسة من الجميع، ومتقوقعة على ذاتها....
كانت أمل تسترجع ذكرياتها وهي مستلقية على سريرها على احدى جانبيها ومتكورة على نفسها...ورغما عنها وبرغم كل الجبروت الذي تدعيه حاليا انسلت منها عبرة مالحة....
________________________________
حينما تقع عيونها على أية شجرة وارفة الظلال عطوفة على الطير كريمة الثمر تتذكره.... لو كانت الحياة شيء فهي شجرة.... وبذلك يكون هو معنى الحياة بالنسبة لها.... تفتقده جدا وجما وأية درجة تعطي معنى النذر الكثير.... أين هو لتتحسس الدفء والأمان من جديد.... لتسترد ذاتها التي لا تزدهر إلا حينما يستحسن ويمتدح عملا قامت به... لأجله....
والدها شمس.... لكم تشتاق إليه... وتصبو روحها للقياه من جديد ولو لهنيهة واحدة فقط لتخبره أنها تغيرت مثلما حلم دوما.... فقط لتخبره أنها لم تعد حاقدة على قيثارة حتى لو اضطرت إلى الادعاء أمام توت ذلك.... فقط لتملي عيونها بابتسامة رضا عنها تنفرج عن وجهه الحبيب....
لقد أذتها قيثارة كثيرا إلا أنها تصفح عنها إكراما له هو فقط.....
فقط لو كانت تودها قليلا.... ترحمها ولو حد الكفاف..... لربما تغيرت كافة الأحوال....
وغاب عقلها في جب الذكرى رغما عنها
حينما كانت أعمار في الثالثة عشر....
كانت مستقلة السيارة مع أبيها وأختها قيثارة بقيادة السائق كي يقوموا بتوصيل والدها للمطار حيث أنه سيركب الطائرة إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج... وعلى الرغم من رغبته في اصطحاب أعمار معه إلا أنه لم يستطع تنفيذ الأمر فأعمار امتحاناتها وشيكة وبحاجة للتركيز على دراستها....
أفلتته أعمار على مضض.... فلقد أخبرته بتذمر ألا يذهب بدونها وهو أجابها برحابة أنه سيفعل ما تشاء.... فقررت الموافقة على سفره وحده كي لا تحرمه من شيء يتلهف له ويتمناه..... تركت أعمار لقيثارة الأريكة الخلفية لتحتلها مع أبيها وافترشت هي المقعد الأمامي المجاور للسائق.... كانت تعرف أن والدها يحبذ جلوسه مجاورا لشقيقتها عنها.... وهي حققت له ما يرنو إليه.....
كانت أختها تفرغ على مسامع والدها كلمات من عينة سأفتقدك .... ادعي لي.... تذكرني.... سأتوحشك وكانت أعمار صنما لا تنبس ببنت شفة وكأنها لم تتعلم بعد لغة الكلام.... كانت تدعي التركيز على الطريق الذي يطل عبر النافذة الجانبية المشرعة... تراقب ترعة تمتد أمامها ترسل ومضات من ألوان زاهية خلال المياه الصافية اللازوردية التي تملأها.... ولم تكن عيون أعمار تستمتع بجمال المنظر بل كانت متوجسة خيفة بدون سبب مفهوم.... كان هناك خوف مبهم يحيطها ويلقي عليها ظلاله السوداء....
في المطار أشبعته قيثارة قبلا وعبارات تبلغه بمدى الشوق الذي سيحتدم بداخلها مع رحيله....
أجفلها والدها باستدارته لها وبسؤالها بشيء من القساوة وهو مثبت بصره عليها:" وماذا عنكِ.... ألن تشتاقي لي؟!!!!"....
سألته أعمار حينها بعتب :" وهل يحتاج الشوق إلى إذاعة كي يكون حقيقيا ويبلغ المشتاق إليه؟!!!.... ألا تكفي العيون.... ألا يكفي احتضاني هكذا لك؟!!!!"
وعانقته أعمار بكل التوق الذي سيضطرم فيها مع غيابه..... وكان عناق أبلغ من أي حديث سبق وسكبته قيثارة حتى بالنسبة إلى أبيها.... وكانت متشبثة به بضراوة وتأبى انسلاخها عنه وكانت وكأنها تتوسله بألا يتركها وأن يظل هنا معها
وكانت آخر جملة قالها والدها قبل ركوبه الطائرة:" اعتني بها يا قيثارة.... إنها في عهدتك حتى أعود.... إنها شقيقتك الوحيدة!!!!!"
كان والدها آنذاك قد قام بطرد توت لأنه ضبط تعويذة سحر مدسوسة تحت وسادته وحينما استجوب الخدم ليتوصل لهوية الفاعل الدنيء أشار أحدهم على استحياء وبعد تردد خوفا من ألا يصدقه سيده بهمهمة وهو منكس الرأس تفيد بأنه لمح طيف توت وهي تغادر حجرة سيده منذ بضعة أيام.... لم يكن شمس يرتاب في رعاياه حينما قرر استجوابهم فكلهم تربية يديه ولا يبدر عنهم مثل ذلك فعل منحط خسيس... ولكن توت... إنها فعلا لا تروقه ولا يستريح لها أبدا.... إنها تقلب عيون ابنته أعمار.... تحولها لعيون لئيمة حاقدة على الحياة بأسرها.... ولكن إن بعض الظن إثم لا يحق له طردها بدون بينة واستنادا على شهادة أحد خدمه فقط، ابنته أعمار لن تسامحه أبدا حينها....
قرر أن يفتش حجرة المشعوذة كي يكتشف الحقيقة فمن تمارس مثل تلك طقوس دنيئة.... رائحة العفونة ستتجلى في حجرتها بمنتهى اليسر والسهولة، أظلم وجه توت حينما صارحها بنيته ولم يتجلى الاضطراب ولو لوهلة وجيزة عليها فإنها داهية!!!!.... وقالت له بتهديد ووعيد وهي ثابتة وتحدجه بنظرات نارية قاتلة :" لو فعلتها سأغادر بيتك للأبد وستعيش أعمار يتيمة فعلا.... وستتجرع الندم أطنان وسترى الأفاعي تطاردك في كل مكان...."
بُهِتَ من قولها فلقد رأى حقيقتها الشيطانية فعلا حينها.....
ولكن أعمار التي وصل لها ما يجري هرعت إليهما وهما في الرواق أمام حجرة توت وأنَّبَت أبيها من بين أنفاس لاهثة :" ويحك يا أبي ماذا تفعل، إن توت هي الريح المتبقي لي من أمي"....
سألها حينها والدها وهو مركز البصر عليها :" ولو كانت تدبر لأبيك شرا هل ستظلين تدافعين عنها وتوبخيني لأجلها؟!!!!"
اغروقت عيون أعمار بالعبرات فلقد كانت تعرف مدى شر توت الذي يتفاقم كل يوم أكثر من ذي قبل
قلبت بصرها يمنتا ويسارا وتمتمت وهي مطرقة الرأس فهي لم تقوى على مواجهة نظرات توت والتي لا شك كانت تزدريها وتمقتها :" لو دبرت لي شرا أنا أسامحها مهما بلغ مقداره ولكن لو خدشتك غير قاصدة أنا لن أغفر لها أبدا"....
أَسْفَر التفتيش في حجرة توت عن كتب سحر أسود وتعويذات مكتوبة بخط يديها وقطع قماش ملطخة ببقع دم جاف وجِلْد حيوانات مسلوخ....
فقط أخبرها بعدما اكتشف كل ذلك وهو مشمئز من التطلع نحوها :" اجمعي أغراضك وارحلي.... ليس لديك ابنة أخت هنا.... وإياك أن تقربي بيتي مرة أخرى أو تمتد يدكِ على ابنتي.... الله يحمينا من شرك أيتها الملعونة".....
هنا خرج صوت أجش لم تسمعه أعمار قبلا من توت وهي تصفق بيديها وتحوم حول أبيها:" معشر ملائكة البشر.... كفاكم نفاقا!!!!.... كلنا درجات من الشر بما فيهم أنت.... ابنتي زهر تجرعت الخيبة في زيجتها الأولى ولكنها معك اجترت نقائصك كاملة... أفرغت عليها شعورك بالذنب الرهيب لأن زوجتك الأولى سقطت ميتة ريثما بلغها خبر حمل ابنتي.... لم يكن ذنب زهر ولكنك رفعته فوق كاهلها كاملا وكأنها المتسببة فيه... حينما تقدمت لتتزوج ابنتي كنا نظنك ستحميها حتى من نفسك.... كنت متوسمة فيك خير!!!!.... زرعت الشقاء والبؤس في أرض ابنتي أيها الظالم.... نعم أنا أمقتك.... وتلك حفيدتي وليست ابنة أختي.... وهي أيضا ستمقتك يوما.... حينما تنقشع الغمامة من على عيونها ستعرف حقيقتك.... وحينها ستبغضك من كل شغاف قلبها.... ألا تريد أن تعرف ما الذي ستكتشفه حفيدتي ويحيلها مشمئزة منك... ستكتشف أنك لم تحبها يوما ولن تحبها أبدا!!!!...."...
ناشدتها أعمار من بين دموعها التي انسكبت منها مدرارا :" جدتي... اصمتي"....
أكملت توت غير آبهة بتوسلها :" أترى هي تعرف.... هي تعرف أنك تفضل تلك الشريرة عليها.... تفضل قيثارة عليها وتمنحها الأثرة.... أنت لا تحبها لأنها السبب في ملاقاة زوجتك الأولى حتفها.... لقد ظننتها لا تعرف ولكن اتضح أنها تعرف.... هي تعرف أنك ظالم وتعرف أنها ليس لديها سواي.... أنا وحدي أحبها.... ابنتك الأخرى حاولت مرارا قتل ابنتي وحفيدتي وحضرتك لم تحرك ساكنا.... تسترت عليها وحميتها.... على حساب من... على حساب شعور ابنتي وحفيدتي بالأمان والطمأنينة.... ولو تحبك أعمار أكثر مني فالأمان لا يعتريها مع أحد سواي..."
واستطردت ساخرة :" أتريد أن تعرف الغرض من التعويذة.... كان هدفها الوحيد أن تحب حفيدتي... كانت تعويذة فاشلة.... لأن السحر من الممكن أن يتسبب في الكراهية ولكنه لا يمكن أن يزرع المحبة... وكنت أعرف ذلك يقينا ولكني مع ذلك كتبتها مستخدمة كل خبراتي ومهاراتي... ومستعينة بكل الجن السفلي الذي يعمل تحت إمرتي... لم أرتضي أن أؤذيك ببث أي شعور آخر فيك لصلة القرابة التي تربطك بحفيدتي... وأنت تطردني من قصرك الرغيد"....
فردت توت ذراعيها وأردفت :" لم أهنأ أبدا به فابنتي لم تتذوق الفرح فيه.... لن أخسر شيء بمغادرتي هنا أبدا.... وأبشرك لن تعاني من رحيلي سوى ابنتك التي لا تحبها.... مسكينة فضلتك عليّ على الرغم من أنها تعرف حقيقة مكنوناتك حيالها...."....
توسلته أعمار بدموعها التي انسابت منها مدرارا وبصوت ينزف بكاءً مرير :" لا تدعها ترحل يا أبتي... أرجوك.... ستعتذر لك.... لن تكرر ذلك الأمر مرة أخرى.... توت طيبة في معدنها.... أنتم فقط من لا ترون هذا.... أرجوك يا أبتي...."
تنحنح والدها وأخبرها وهو محيد النظرات عنها وعاقد ذراعيه حول صدره :" دست لي تعويذة سحر... لا يمكن الوثوق بها".....
فردت أعمار راحتي يديها على ذراعيه وتضرعته :" لقد قالت أنها تعويذة حب"...
عاتبها والدها :" وأنتِ صدقتيها؟!!!"
أجابت وهي تلوح برأسها يمنتا ويسارا :" توت لا تكذب... وأنت تعرف ذلك.... بها كل الخصال السيئة إلا أنها ليست كاذبة..... أنت تتذرع بأي حجة واهية كي تطردها.... أنا لن أغفر لك أبدا حرماني من حبيبتي توت"....
برحيل والدها وجدتها.... بقيت أعمار وحدها في القصر.... كان هناك بعض الخدم... وكان الارتعاب يصطخب في زواياها باطراد رهيب... تكورت على نفسها في المطبخ مفترشة مقعد ملتصق بالحائط تراقب الخادمة السمين العجوز وهي تجمع أغراضها لترحل لبيتها...
سألتها أعمار بصوت يخالطه اللوم والعتب :" ستتركيني وترحلي؟"....
دنت منها الخادمة وقلبها يقطر إشفاقا عليها وأجابتها تهدهدها وهي تحتوي وجهها بين أكفها :" يا ابنتي أنتِ لستِ صغيرة... أنتِ فتاة عاقلة كبيرة لا تستسلمي للتوجسات... أعرف أنها المرة الأولى التي تبيتي فيها بدون أبيك وخالتك... ولكنك قوية وتستطيعين التغلب على أي وحش كاسر يتربص بك شرا وينتظر نهزة غياب ذويكِ"....
سألتها أعمار مستنكرة وهي تشخص ببصرها نحوها :" أنتِ هكذا تطمئنيني؟!!!... وحش وكاسر!!!!!"
هزت الخادمة العجوز رأسها نافية وأعربت لها بتمتمة تفيض إيمانا بها:" لا يا صغيرتي أنا أخبرك حقيقتك... أنتِ فقط من لا تعرفيها"....
وهي عند عتبة الباب هرولت أعمار في إثرها وتشبثت بها وتوسلتها :" خذيني معكِ.... أَبِيت وإياكِ.... حسنا يجب أن تعودي لأبنائك ولكن لمَ لا تصطحبيني معكِ... هل أنا فقط ابنة الرجل الذي يعطيكِ مرتبا شهريا وهل تحضيرك الطعام لي مهنة فقط بالنسبة لكِ.... ألا تحبيني ولو قليلا لتجعليني أرافقكِ لبيتكِ...."....
ردت عليها الخادمة وهي تغالب ترقرق دموعها تأثرا بحالها المتداعي:" لا يصح يا سيدتي أن تبيتي في مخدع فقراء.... أنتِ ربيبة حسب ونسب.... أنتِ..."
أولتها أعمار ظهرها وقاطعتها بصوت صلد وبعزة ابنة التبريزي :" ارحلي أنا لست بحاجتكِ...."
فتشت حجرتها مليون مرة قبل خلودها للنوم... فتشت حتى في القوارير التي يستحيل أن تحوي إنسيا فهي متناهية الصغر... أوصدت الباب عليها بالمفتاح... وأبدت انزعاجها واستيائها لأن مزلاج الحديد الذي كان يغلق بابها من الداخل به خلل ولذا لا يعمل أبدا... لقد كان والدها موجودا ولذا فهي لم تكترث قبلا لإخباره أصلا بحالة ترباس حجرتها... كفاها إذعانا لمخاوف بدون أساس تستبد بها... ستخلد للنوم.... ولن يحدث شيئا أبدا....
بعد تقلب على الفراش استمر لوقت طويل غلبها النعاس أخيرا وغطت في سبات عميق....
اعتراها شعور مرعب بغتة.... وكأن ثعبان يلتف حولها.... وينفث سمه الزعاف في رقبتها.... فتحت عيونها على وسعها مدركة أن الثعبان فعلا على سريرها يلثم رقبتها وينتوي بها شرا.... لوقاحته كان هو من أضاء نور مصباح المنضدية المجاورة للسرير....
" من الجيد أنكِ استيقظتِ.... لا أحب القيام بتلك الرحلة الممتعة وحدي.... أريدك أن تستلذي بها وإياي... أرجو فقط ألا تكوني باردة كأختك الكبيرة..."
سألته وهي هادئة تماما وكأنها معتادة على الصدمات المميتة طوال حياتها :" كيف دلفت لهنا؟؟"
مرر أنامله على وجنتها وأجابها :" بالمال يا صغيرتي.... اشتريت خادما وهو دس المنوم للبقية... وفوق ذلك عاونني كي أعثر على المفتاح لحجرتك.... الحاج شمس الله يمسيه بالخير حسن النية جدا خلف سلسلة مفاتيحه في صوانة سريره، عثرنا عليها بعد مجهود ضئيل من البحث...."
سألته بنفس ثباتها المنصرم :" ما الذي تريده مني؟!!!"
رد عليها وهو يبتسم عن شدقيه ابتسامة مستفزة مقيتة :" أنتِ تعرفين!!!!!"
سألته :" ولماذا أنا؟!!!"
حدجها تلك المرة ببغض وكراهية منقطعي النظير :" أنتِ أيضا تعرفين.... تتهمينني أمام أبيك وقيثارة أنني قاتل زبيدة.... وتحسبين أنكِ أيتها الصغيرة الحقيرة ستنجين بفعلتكِ؟!!!...".... تصدعت واجهته الجليدية وبان ارتعابه منها هي!!!!!!....
وانتصب واقفا وأردف وهو يحوم حولها:" أنتِ الدليل الوحيد المتبقي على إدانتي ولذا يجب أن أوصمك ببصمتي.... مقتلك سيثير الشكوك حتى ولو نفذته بعد عمر مديد من حادث زبيدة... شمس لم يعد يثق بي بعد ما قلتيه وكذلك قيثارة... أن تكوني عشيقتي يبدو الحل الأمثل بالنسبة لي!!!!"... ورفعها له وهمَّ بها....
تمتمت له :" كنت مرتعبة جدا منك.... لسنوات وأنا أموت هلعا منك.... "
انتفض مذعورا مبتعدا عنها حينما وصل إدراكه أنها هي من تقهقه ضاحكة وليس هو....
سمرت بصرها عليه وأعربت وهي متجهمة التقاسيم ومضيقة حيز عيونها :" لسنوات وأنا أتفاداك.... أخشى أن أراك فأفارق الحياة من فرط ارتعابي منك.... لسنوات كنت أظنك وحشا كاسرا.... لسنوات... وسنوات.... ولربما لن تُدرك يوما كيف انتزعت مني بمنتهى الوحشية أحلام طفولتي وإيماني ببراءة البشر في تلك الحياة.... لسنوات وسنوات كنت أهلع من مجرد ذكر اسمك.... ولكن وأنت تتقهقر الآن وجلا مني.... أدرك أني كنت سخيفة جدا لأخشى جرذ وأرفعه لمرتبة الوحش العملاق...."....
نفض عنه اضطرابه بسبب كلماتها الحقيقية جدا.... والتهم الخطوات التي تعزله عنها وأعرب بزمجرة ثور هائج :" الآن ستفقدي طهارتك للأبد"....
كزت على أسنانها وتمتمت له :" أنت دوما تقلل من شأني.... لتعاوني روحك الشريرة يا توت.... كلموت سنتوت لتتعفن وتموت.... "...
لم تكن تعرف شيء فعلا عن السحر.... ولكنها قالت أية ترهات ولكن بدى أنه صدقها فلقد تراخت قبضته عنها لوهلة وجيزة جدا ولكنها انتهزتها وحملت مصباح المنضدية المجاورة للسرير وهوت به بكل قوة على رأسه وقبل أن يستفيق كانت تشرع نافذة حجرتها التي أوصدتها جيدا جدا قبل خلودها للنوم وتنزل منها للأرض مستخدمة ماسورة الماء.... هي تجيد التسلق والهبوط جيدا.... سواء كان شجر.... سواء كانت مواسير.... هي قردة على رأي أبيها....
يبدو أنه استفاق... هو ومعاونه هنا، وباقي الخدم نيام..... بالتأكيد سيحاولا أن يُجهزا عليها.... ليست معاونة قوى الشر من تنجيها فقط إرادة ربها لها.... ربها هو العدل حتى لو ظن أي مجرم خلاف ذلك.... أطلقت ساقيها تسابق الريح، وفي غضون وهلات وجيزة كانت تتسلق سياج القصر الخارجي وتركض في الشارع.... ريثما بلغت الطريق أطلق صوتها ضجيج :" النجدة.... جرذ في حجرتي والكل نيام!!!!!".....
انتباه الناس لها وتجمهرهم حولها يحميها من أي سوء ينتويه شكري ويحدق بها.... كان أمامها بيتان... بيت قيثارة.... وبيت توت.... كانت يجب أن تستنجد بتوت إلا أن أقدامها ساقتها رغما عنها لقيثارة!!!!....
وقفت قيثارة في منتصف الدرج مبدية حنقها وامتعاضها من صوت أختها الجهوري المزعج الذي أيقظ الأموات المدفونين تحت الثرى...
" جرذ يفعل بكِ كل ذلك!!!"...
كانت تزدريها وتستخف بها
ردت أعمار بحدة تحضها :" بل يفعل بنا... وعلينا أن نجليه من أرضنا فما جزاء من ينتوي السوء بعرضنا"....
انكمشت أحداق قيثارة وسألتها بريبة وهي تدنو منها :" على ما تحرضيني؟!!!... وما الذي وقع لكِ فعلا؟!"
سألتها أعمار وابتسامة تأمل رقيقة تفارق ثغرها :" هل أنتِ مرتعبة عليّ؟؟؟...."
ذكرتها :" أنا في عهدتكِ حتى عودة أبي.... هو اصطفاكِ ليوصيكِ عليّ... "....
ومدت لها يدها وأردفت :"بإمكاننا أن نبدأ صفحة جديدة... سامحيني لأني حرمتك من أمك... وأقسم لكِ أني أسامحكِ على محاولاتك الدءوبة لإخماد أنفاسي منذ مولدي"....
بدت قيثارة مترددة حائرة خجلة من كرم قلب الصغيرة... ترى يدها الممدودة شعاعا ينتشلها من وهدة شقائها.... مغناطيسا قويا يجتذبها...
وحينها اقتحم شكري البيت وهو يزمجر بثورة محتدمة :" ما الذي تفعله السافلة هنا؟!!!!"
سألته قيثارة بهدوء :" ما الذي فعلته؟!!!!"
اقترب من زوجته وقال مشمئزا وهو يلوح بكتفيه :" تصوري... دست منوم للخدم في قصر أبيكِ.... ووافتني في المزرعة وأنا أكدح لأجلنا جميعا وقالت كلاما يعجز لساني عن تكراره عن مدى إعجابها بي وعن أن القصر يصلح خلوة لنا فالكل يغط في سبات عميق وكلام آخر مقرف جدا يا قيثارة لا أستطيع أن ألوث آذانك به.... وحينما قذفتها مشمئزا منها كشرت عن أنيابها والتقطت مزهرية من مكتبي وقذفتها نحوي وواتتك لتنتقم مني لأني عففتها"....
تنهدت قيثارة وقالت بنعومة وعرة مصطنعة التأثر بمصابه... والالتياع لحاله :" مسكين يا شكري وهل الجرح في رأسك عميق؟!!!!....."
تنحنح وتمتم لها :" أنا بخير"...
أومأت قيثارة وتفوهت معارضة له من بين مطحنة أسنانها :" إذاً قل ما تظن أنه سيلوث آذاني... أحب معرفة كي حاولت إغوائك ابنة التبريزي!!!"...
رفرف بأهدابه تلبكا وسرعان ما استجمع شتاته وقال باضطراب خرج فاضحا له رغما عنه :" قالت أنكِ باردة وعجوز وأنها صبية يافعة.... وأنها ستسعدني"....
ذكرته قيثارة :" لديها ثلاثة عشر عام فقط يا شكري!!!!"....
قال مصمما والاضطراب جليا على قسماته :" ولكنها ساقطة وشائنة التصرفات مثل أمها"...
ردت قيثارة بهدوء وهي تطلق تنهيدة رتيبة :" معك حق هي مثل أمها"...
ونقلت بصرها يمنتا ويسارا ونوهت مستهجنة:" كيف نسيت ذلك؟!!!!"
لم تكن قيثارة فقدت بصرها بعد... اقتربت من أعمار بخطى رتيبة متراخية.... وسألتها وهي مركزة بصرها عليها :" ما قولك في ذلك؟!!!"
ردت عليها وهي مشمئزة من رد فعلها الفاتر اللزج المهين لأمها:" وما رأيك أنتِ؟"...
هوت صفعة مربدة على وجنة أعمار فترنح جسدها وتناهى لسمعها قيثارة وهي تعرب باحتقار بَيِّن لها :" أنتِ مثل أمك تماما.... خطافة رجال"...
واستطردت ببلادتها المعهودة ريثما يختفي أبيها فهي تمثل أمامه دور الابنة المحبة العذبة الرقيقة ولكن في غيابه يستوحش فيها تحجر الأحاسيس فتصير قطعة صلدة من جرانيت :" أبتي ترككِ في عهدتي وإلى أن يعود سأحمي شرفه من إهراقكِ له... سأحبسك في حجرة ببيتي... لا تقلقي... ملتحق بها مرحاض لتقضي حاجتك... وسأمرر لك الطعام عبر شق الباب السفلي.. أريدك مطيعة وهادئة.... وإلا فإني سأضطر لأخبر أبي بأني رأيتك بأم عيني تحرضين زوجي الطاهر ليرتكب الفاحشة معكِ......"
________________________________________
|