كاتب الموضوع :
بنت أرض الكنانه
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: حمامة الأرباش الفصل التاسع
السلام عليكم
العاشر مهدى لصبركم عليّ
عذرا للانقطاع فترة طويلة كنت مشغولة جدا فعلا
ده البارتوت الاول ولسه بارتوت عسول هينزل بعديه
أستخدمك كدرع واق
العاشر
تبر
شر الأنام من يحيق بحبيبه جرحا ثخينا
لا معاذير حينما تكون الهاوية التي يُسْقِط الإنسان نفسه فيها سحيقة
الطامة الكبرى هي وقتما ترتفع الغشاوة عن عينيك لتُبْصِر مصيبة بينة اقترفتها بيديك
من يُنْقِذَك والحقيقة تقول أنكَ أصل النُكَب والمعول وراء الشرور
تنازع يقوم في ذاتك
بين الهرب من ذاتك
والبقاء لعلك تقابل ذاتك
يستحب قلبي سلامتك ولو كان الثمن فنائي
في تلك اللحظة لا أبالي بكل العار الذي ألصقته بي
في تلك اللحظة أنا أغفر لكَ كل ما ألحقته بي
حثها يوما لكي لا تكف عن مناداته باسمه مجردا، حضها لتلغي كافة الحواجز الداخلية التي تفصلهما عن بعضهما
" قولي مصطفى مرة أخرى.... لأول مرة أسمع اسمي وهو يخرج من شفتيكِ.... عذب جدا.... حلو جدا.... مدموغ بالحياة جدا وجدا وجدا"....
هي لا تكف عن مناداته الآن فهل يستمع لها، لقد تجنبت لفظ اسمه قدر استطاعتها طوال حياتها معه ولكنها في تلك الوهلة تَسِر اسمه في قلبها وتجهر به فهل يعي وجودها من حوله لتعتني به، لتبذل عمرها قربانا فداء تفتيحه عيونه من جديد، أفكار تغزوها بلا أدنى هوادة، كيف تمكن ميدو من إيفاد رسالة من هاتفها بدون معرفتها، تلك الرسالة البغيضة هي من رفعت حاجزا سميكا بينها وبين مصطفى، هي من وأدت فرصة تصالحهما للأبدية وما بعدها، تتذوق العذاب الصرف من رمقة ابنها المنحطة لها، تحيى ابتلاء روحي كثيف فولدها يحتقرها للمنتهى، هل ابنها أحمق لكي يستخلص من المشاحنة التي وقعت بينها وبين مصطفى قبل حادثه بأنها ساقطة، لقد عبرت في تلك المشادة عن عشقها لمصطفى وأكدت على طهر جسدها ولو تدنست روحها، مسكين طفلها الصغير يقذف سمعه منذ نعومة أظافره سباب مزدانة لها، و تلميحات سلام التي تنحر في شرفها، هي من اغتالت براءته بارتضائها إهانة عائلة زوجها لها، هي من جعلته متوجس فيها لا يطيق النظر إليها ولا يستطيع الإنصات لها ولو لهنيهة واحدة.... لقد ضلت عن الصراط المستقيم وتلك مثوبتها العادلة، ولكن لمَ تتأذى في ولدها، لمَ تُخْمِد جذوة نقائه بأفعالها، لمَ تعكر سمائه بسحائب سوداء، لمَ تدك قدسية الأم في دواخيله، ولدها يتدمر من جراء ذلك... هل كتبت عليه أن يُدْمَغ بجرائرها؟؟، ولهذا كان متباعد عنها لأنه يراها امرأة من الحضيض وصر اع بداخله يقوم بين الرغبة في الارتماء بأحضانها وبين وجوب نبذه لها... سبيل شقاء ولدها هي من حفرته بيديها، ولدها لم يشي بحقيقة ما وقع ملتزم الصمت لا ينبس ببنت شفة، حينما حشرته سلام ليبوح لها تملص منها وأكد على أن حادث والده تم بصورة عارضة ولم تسبقه أية زوابع مطلقا، ترى في عيون ولدها عدم ثقته بها، هو يظنها تود الفتك بأبيه كي تتخلص منه، هو يسعى لملازمة أبيه قدر استطاعته كي يحميه.... منها، هو يَكِد ليكون حائلا متواجد دوما فيما بينهما، لكي يعيقها عن تنفيذ مأربها الذي يتصوره، بأنها ستبيد أبيه بمجرد استفرادها به... تعذر عليه القيام بتلك المهمة التي كلف نفسه بها فبقائه مع والده طيلة الوقت أمر مستحيل بالنسبة له، فهو لديه دروس ينبغي عليه ملاحقتها، ويجب أن يتصرف بفطنة كي لا يثير ارتياب عمته سلام بوالدته، التصاقه بأبيه أمر سيجعل الشك مخيما على الأجواء خصوصا وأن عمته سلام لا تطيق أساسا والدته، ولذا فمنصور أطلق تهديدا عنيف اللهجة لها
" لو مسَّ والدي ضير فأنتِ المسئولة وسأفضحكِ حينها وأزج بكِ في قاع السجون"....
مقهور لأنه منسلخ عن والده رغم أنفه.... مُعَذَّب لأنه يظن أمه تسعى لتمزيق أبيه إربا وهو لا يستطيع المجاهرة بفعلتها الشنيعة كي لا تطردها عمته سلام من حياة شقيقته.... وحياته، أسير ذنبه الفظيع فحبه لأمه دفعه لدأب الصمت واتخاذه سبيل، ولو تأذى والده من جراء أمه فدمه سيكون في رقبته لأبد الآبدين، التظاهر بأنه لم يسمع شيء يفوق قدرته على التحمل برمتها
عالمها هلامي.... ماسخ.... فاقد النكهة بدون مصطفى، لو أتمَّ الله شفائه ستكون في قمة غبطتها وابتهاجها، لا يهمها ما ستقاسيه لو دبت فيه الحياة من جديد، يكفيها أن يتنفس بين أولاده ويحتوي ياقوتة ويزهو بمنصور، بئس العمل ما وقعت فيه، أنصتت لترهات شاب رقيع، فرماها بالزنا وعمَّق الهوة التي تفصلها عن زوجها، معضلتها باختصار أن قلبها تعلق بمصطفى.... أَمْسَكَ بشغاف قلبها وامتلكها... فلما أحالها مرتكبة للفواحش اشمئزت من كيانها الذي وثق وهام به، أن ينبض قلبها جما لمن أهان كينونتها أمر يفوق وسعها.... يتجاوز كل طاقاتها، كيف تعشق شريكها في الإثم؟؟.... كيف لا تكون في وحلة عار حينها؟؟.... كيف تسامح نفسها؟؟.... ناصر كان حلم مراهقة غبي سيطر على حواسها، كان مجرد شاب مغتر بوسامته لاحقها بنبذه لها!!!!.... أجل ناصر لاحقها وتأكد من أنه المتربع على عرش قلبها وافتخر بذلك.... ولكنه لم يضمر لها الحب، فقط هو يعشق كونه محط الأنظار، لا يطيق خفوت بريقه مطلقا، لقد استغل سذاجتها ليشيد لنفسه صرحا رجوليا عملاق، من انبهارها به تغذى.... ومن اضمحلال ثقتها بنفسها تعاظم اعتداده واطرد اختياله وفخره بذاته.... لقد استخدمها بوقاحة ليغطي على فقره وضعف مستواه الاجتماعي، صحيح أنه ابن التبريزي أيضا ولكنه من فرع يرزح تحت وطأة الإملاق.... ناصر مسكين هي تعي ذلك الآن فقط، لقد استخدمها كبيدق ليلفت انتباه أعمار زبرجدة له
سلام هدَّها وفاة مزدانة، لولا ذلك لكانت استغلت النهزة وأقصتها من حياة أولادها، فمصطفى لم يعد يحول بينها وبين كراهية أخته لها، هي زوجته بمجرد ورقة لا تُمكنها من أي شيء وهي ليست بحوذتها أيضا، مزدانة استفاقت لبرهات وجيزة من غيبوبتها، كانت صحوة الموت كما يقولون، طلبت مثول تبر أمامها وحدهما وتفوهت لها بتمتمة خفيضة يمضغها الإعياء وتبر تجثو على ركبتيها بجوارها وتمسك بيدها
" أعرف أني افتريت عليكِ كذبا لردح طويل.... سلام تزعم أن مصطفى اضطر لسفرة مفاجئة، وأنها أخفت عنه حقيقة مرضي الأخير كي لا تفزعه، سلام فاشلة جدا حينما تكذب!!!!"
وارتفعت ابتسامة واهنة لوجنتيّ مزدانة وهي تتابع " أشعر أن سوء أصابه ولكن لا تخبروني أرجوكم، أنا سأدعي تصديقي لأكاذيبكم وأنتم لا تنفوها"....
وشردت مزدانة وهي تردف " أحضركِ مصطفى لنا وأعرب بملء فيه لي حينما انفردت به بأنه تزوجكِ عن تتمة حب واقتناع، استشعرت أن ولدي متيم بكِ فعلا فشبت ألسنة الغيرة في صدري تجاهكِ، وملت لتصديق أنكِ أفعى رقطاء حامت من حوله بغنج ودهاء لتوقعه في فخها، مستغلة تداعيه النفسي من جراء خيانة زوجته الأولى له، أنا أنحدر من ضاحية فقيرة جدا.... شعبية للتتمة، زواجي بوالد مصطفى كان لأجل تنمية أعماله المتصدعة فلقد كان يمتلك الأصل العريق ووالدي بحوذته من الذهب قناطير، أبتي كان يريد مصاهرة شخص ذي نسب مرموق ليواري به حقيقة أصلنا المتواضع، مترفة.... منعمة منذ صغري، ولكن حينما زجَّ والدي بي في عالم الزبدة صرت نشازا فيما بينهم!!!!، لم أستطع مواكبتهم، أصلي حال بين انصهاري في بوتقتهم، كنت كما الغراب الذي وضع ريش الطاووس على جسده ولكنه ظل محض غراب، لم يرتقي ليكون طاووس فعلا وصار يشمئز من حقيقته كغراب، لم أستطع مجاراة هذا الجو فتقوقعت على نفسي بفشل، والد مصطفى كان مفلس ولكن جد وسيم وراقني!!!!، وظننت أن أموال والدي تضعني على قدم تكافؤ وإياه، كان كلامه معسول لم ينطق بلفظة الحب ولكنه عاملني كأميرة في البداية وأنا مطلقا لم ولن أكون كذلك، فانشرح قلبي له، بعد زواجنا صرت أُحْرِجه أمام الجموع، وتعاظمت صورتي كفاشلة أمام ذاتي فصرت خرقاء أكثر وأكثر وأزِل وكأني أتعمد تقزيمه أمام الناس فزوجته من بيئة لا تستطيع مجاراة الارستقراطيين مطلقا، وانعزلت في صومعتي بعيدا عن الأعين التي تشمت بي وتتشفى في.... بعيدا عن ذاتي، ولم أعد أرحب بالخروج وإياه، صرت أتحاشى حتى تبادل حديث معه فلغته راقية جدا ولكنتي شعبية جدا وجدا، أنا أحببته وهو.... لم يرى في سوى نقود والدي، صرت ألعن الثروة التي حطت على أبتي بفرقعة حظ من القدر... زهق أنفاسه في حادث سيارة، كانت معه سكرتيرته اتضح أنها كانت أيضا زوجته!!!!، لقد تباعدنا عن بعض لسنوات وحملي بسلام جاء بعد تذللي له ليقربني فلقد كنت توحشته جما، وضعت في مصطفى كل آمالي، وصرت أغار عليه من أية فتاة تدنو منه، كنت أوجد العيوب في الفتيات التي يود نكاحهن لكي لا يُكَون أسرة ويبتعد عني، ولذا فلقد شارف الأربعين بدون زواج، مادلين كانت مختلفة.... كانت طاووس حقيقي!!!!.... لم أستطع الخيلاء بريش مزيف أمامها، كانت كل ما فشلت لأكونه صعرت لها خدي مدهسا ورأيتها الجديرة بابن مزدانة التي تزعم عجرفة ليست فيها وحقيقتها ضحلة وبسيطة!!!، خيانتها لولدي ذكرتني بخيانة زوجي لي، ونكأت جرحا غائرا في، حينما جلبكِ ولدي كان قد أَحْضِر فتاة تذكرني بنفسي، فاشلة وخرقاء مثلي، لذا لم أحبكِ، لسنوات عذبتكِ وكنتِ صامدة، أنتِ فتاة رائعة وكما الجوهرة، في الماضي السحيق لم يهنأ لي بال حتى علمت بأنكِ حملت بياقوتة قبل زواجكِ منه، مارست ضغوطات كثيرة عليه حتى باح بذلك، ظننته يحتقركِ لأجل ذلك ولكنه لم يكن مبالي بالأمر، عمقت الهوة فيما بينكما، خفت أن تستحوذي عليه ويلفظني كما فعل والده، خفت أن أحتل الدرجة الثانية بالنسبة له، كانت معيشتكِ ضنكا في حملكِ بياقوتة ربما بسبب تكديري لكِ وُلِدَت ضحلة العقل محدودة التفكير، نغصت عليكِ حياتكِ فصبرتِ واعتنيت بي خلال فترة مرضي الطويلة بمنتهى التفاني والإخلاص، لم تسعي لامتهاني في سقمي مطلقا كنتِ ذات قلب ذهبي كما اسمكِ، لست فتاة التقطها ولدي من على قارعة الطريق، أنتِ ذات معدن نفيس، أنتِ ثمينة جدا، اعتني به في غيابي فأنا على مشارف التواري تحت الثرى".....
اغروقت عيون تبر بالدموع الغزيرة تأثرا من أقوال حماتها لها وأشفقت عليها أن تشعر بدونية في ذاتها أمام زوجها، وأن تسعى لتكون طاووس منفوشا لتحظى باستحسان والدها وبعلها وقد خلقها الله طائرا مغايرا، مدت مزدانة يدها لتكفكف دمع تبر وتمتمت لها " لا تبكي لأجلي، أنا لا أستحق!!!!، اغفري لي، لا أتصوركِ زانية أبدا في الأمر سر لم أنبش فيه، عسى الله أن يهديكي إليه"....
جعلت تبر ما تلفظت به حماتها لها قبل رحيلها هو مطويات قلبها حيالها، لم تعد ناقمة عليها، غفرت لها، تقوس ثغرها عن ابتسامة مريرة متهكمة، حماتها ظنتها طاهرة وحقيقتها متعفنة، هي ابنة خطيئة وابنتها جاءت من نفس السبيل، زارت السيدة نور مزدانة خلال رقدتها بالمشفى وتمنت لها الشفاء العاجل وتبادلا أحاديث سويا، وبوغتت السيدة نور برغبة مزدانة في تزويج سلام باحدى أبنائها، لقد فكرت نور في التمهيد لذلك ولكنها وجدت الظروف غير ملائمة، ولكن مزدانة أجفلتها برغبتها المتأججة في تستير ابنتها، رحبت نور باقتراح مزدانة فورا وأكدت على رغبتها في تزويج وليد بسلام، كيف تطور الأمر وقرآ الفاتحة، لا أحد يدري، تم إحضار محمد ووليد ليشهدا ذلك، توارت تبر عن الأعين قدر استطاعتها، عموما نظرات وليد لم تكن مسلطة عليها، ولكنها تعرفه وهو ولاريبة يعرفها هما يتشاطران نفس المنبت.... نفس البلدة، لقد تورطت سلام بموافقة على خطبتها لوليد الجبالي، وأقسمت لأمها بأنها لن تحنث بيمينها لها... بألا تُنَفِرَه فيها وألا تسعى لتخريب تلك العلاقة مطلقا بيديها.... وألا تَحْبِط البتة عمل والدتها لتستيرها، سلام مسكينة جدا الآن وكأن شوكتها كُسِرَت بمفارقة والدتها للحياة، لم تلازمها يوما في مرضها لأنها لا تتحمل أصلا طبيعة مرض أمها، لا تطيق رؤيتها طريحة الفراش تشق لتلتقط الأنفاس وتواصل الحياة... وكان وجود تبر من حولها فرض كفاية بالنسبة لها فتبر بارعة في الاعتناء بها وتَحُفُها بتفان ملحوظ، مسكينة سلام عاشت يتيمة بوفاة أبيها، ترى في مصطفى والدا لم تشهده مطلقا، وهو الآن خائر القوى مغيب العقل، قضت عمرها تعشق رحلات السفاري ولكنها لا تنخرط في المعاصي، سلام تعشق مراقبة ما يجري من حولها ولكنها لاتشارك فيه، هي تضع نفسها على حافة الحياة ولا تنصهر فيها سوى لسرقة متعة رحلة تكفيها...
ربما حادث مصطفى هو ما جعل تبر تستفيق وتستوعب أشياء كثيرة جدا، هو يؤكد على عدم عذريتها، لربما يكون هو أيضا مُعّذب مسكين، سهم خيانة مادلين اخترقه حتى الصميم وأَنْبَت في قلبه ريبات تجاه كافة النساء، لقد توجهت بحليها الذي ابتاعه لها على مدار السنين وكان يُلْقِيه لها بفظاظة وغلظة ليواري المعول الحقيقي وراء بذله النقود فيه، وذلك لمحل مجوهرات، كان الحلي أصلي وحقيقي ونفيس جدا مما جعلها تشهق باكية لقد كذب عليها ادعى أنه لم يبتع لها سوى المقلد الرخيص وهو أنفق ثروة طائلة ليشتري لها أطنانا من المعدن النفيس، دوما تتوارى الحقيقة خلف الأكاذيب... دوما لا نرتضي البوح بما يعترينا من أحاسيس فتتبدد سنوات عمرنا هباءً، ستار الكبرياء يقينا نزيف كرامتنا ويُلْقِي بنا في وهدة تضطرم بها نار حامية فالقلب منحول من فرط الإجهاد والضير....
قلبها مشرق بحبه ومأواها وموئلها صدره، ولن تطمر تلك الحقيقة بعد الآن مطلقا، دوما ستتلوها في كل أوقاتها لتطهر قلبها بها ولتستعيد علاقة وثيقة بمن فطرها
وليرزقه الله العافية ليقتلها حينها... ليطردها من عالمه... وعالم أولادها.... هي لا تعبأ بكل هذا يستحب قلبها نجاته ولو كان الثمن فنائها....
ميدو لا يلبث يقض مضجعها ويُلْقي توعدات لها، هو لا يزال يشكل خطرا كبيرا على سمعتها، لقد استحال حاقدا عليها بشكل فظيع، هزت رأسها طاردة إياه من أفكارها.. لا هي لا تكترث بتهديداته السخيفة البتة....
______________________
أعمار زبرجدة
دعنا نكتب ميثاقا جديدا
نتلو فيه عهودا تُرْضِينا
تُبْرِئ جرح البَيْن الذي ينزف فينا
تكون سماءً ذات حُبُكٍ تُظَلِّل علينا
مهما ابتعدنا نعاود
مهما نسينا نخلق بيننا ذكريات جديدة
دعنا نشيد لبنات بيتاً يأوينا
نتحرق للأوبة له يربط بين قلبينا
أَيِدَني بحبك وأَغْدِقَني مغفرتك
فأهدم الجسور التي تعوقنا عن بعضنا
وأصير مقيمة بدوام في صومعة عشقك
هانئة اللب ومستقرة البال
تتبسم حواسي لو مر على خلدي طيفك
وأهرع صوبك لو أطللت على امتدادة بصري كيانا أتضور توقا له
وأغفو بأريحية بين ذراعيه
وألاقي الرضا بين يديه
حسنا هي لم تتوقع أن يُهلك نفسه في مرضها، وألا يغمض له جفن مع امتدادة هذيانها المحموم، نقلها لقصره الفسيح الذي اتضح لها أنه بيتها القديم، باعته قيثارة له وقبضت ثمنه بخسا خلال سجنها، جلب لها توت لتلازمها وتعتني بها، توت.... ولا ريبة كانت تعرف بأن سلمان هو مالك قصر أبيها الجديد ولم تُفصح لها!!!!!... امرأة تتصرف بغرابة طوال عمرها، هي لا تطيق سلمان وتسدد له نظرات قاتلة، حتى والدة سلمان لم تسلم من تحديجاتها النارية المرعبة، لقد بصقت عليها السيدة أسماء مسبقا ولكن زبرجدة غفرت لها وتفهمت دوافع تصرفها المندفع لقد كانت بمزاج نزق من تهاوي وليدها، لسلمان شقيق يصغره سنا ولا يروقها، وشقيقة لا تلبث ترتاد الكلية وتبدو غضة الوجه والروح كليهما... بشوشة ومرحة وتذكرها بشقاوتها المنصرمة....
له سلطة عليها حاليا فلقد تهدج قلبها له، يتملك كافة مقاليده وتلك مشكلتها، طريق الاعتراف بالحقيقة مستحيل، والصمت يعني استمساكها بواجهة صخرية كما الجرانيت، هو ليس لها، هي من اختارت سبيلها وسارت فيه، لم تعد تستبعد صدقه حينما أدلى لها بأن زواجهما كان مكتمل الأركان... ولكن كيف تنساه، كيف تلغيه من عقلها وتمحيه من ذكرياتها، هل فعلتها متعمدة؟؟... ولمّ؟؟؟....
لقد أبلغتها توت أن حليمة وناصر آبا للقرية من جديد، ومعهما طفلة تدعى أعمار زبرجدة، كانت توت تزم شفتها وهي تنطق بتلك الكلمات رافضة أن تتواجد أعمار زبرجدة أخرى على تلك الحياة ولو حملت بعضا من دماء حفيدتها، فرار حليمة مع ناصر لاتلبث علامات الاستفهام تحيطه، حليمة يستحيل أن تكون لناصر، لا ريبة في أن ناصر ابتزها، فهو له جانب دنيء في بعض المواقيت يتباهى به ويجيد استعماله بالحذافير، ألا يكفيه زرعه الشقاق بينها وبين تبر، يدمر حياة حليمة بمنتهى الخبث أيضا، هي تشفق عليه، مسكين يا ناصر، كُتِبَ عليك دور الشرير، لم تتعمد يوما أن تكون كذلك، موجة القدر كانت عاتية وظالمة على الجميع...
لمَ ولجت يا ناصر؟؟..... السر في قاع البئر السحيق لن يبزغ ولو سالت أنهارا من الدم.... هل مازلت تخاف عليّ؟؟.... صارت لي أنيابا قاطعة.... تجربة ليلة في السجن تُبَدِل أي شخص لأبد العمر.... أهرقوا دمي هناك يا ناصر ولا يزال جدار القلب جريحا متقيحا.... عد من حيث أتيت فلقد سطر غيري كتاب تلك الحكاية ولكني من أتممت....
لقد تجاهلها سلمان منذ تماثلها للشفاء، لم يجمعهما حديث منذ تلك الليلة المشئومة التي أُصابت فيها زبرجدة بالشطط وهانت عليها الحياة برمتها، ودت لو تتجمد وتفارقها، لم يكن هذا تمثيلا، كان يأسا بَيِنَا نخر فيه وهزه حتى النخاع....
أمه أسماء تنعته بالفاقد للرجولة فهو مقترن بساقطة ارتكبت أفحش رذيلة في الوجود، قتلت عشيقها والذي هو زوج شقيقتها، ولا تفتأ تعبر عن خيبة أملها العميقة فيه فلقد أخفى خبر زواجه عنها لسنين، تحثه ليتخلص من عقدة نكاحه بزبرجدة ليستعيد وقاره واعتباره أمام أهل القرية، ولكنه لا ولن يستجيب، ربما يلين يوما ويقصي زبرجدة من حياته ولكن ذلك سيكون ليحررها من أسر تلك الزيجة وليمنحها الحق في التحليق بعيدا عن القرية، وذلك سيكون حينما يفتر غله نحوها ويجد قلبا يغفر لها....
أسرته تتحمل زبرجدة وتوت على مضض وخصوصا توت فتلك المرأة أفعى حقيقية، قاربت التلحف بالمنون ولكنها عادت أشرس وأكثر حقدا مما كانت، الكل يؤكد على حقيقة توت كنفاثة للعقد، وعيونها تدمغ تلك الأقاويل بالبرهان، هي لم ولن تتوب!!!!، ما يثير استغرابه كون زبرجدة تتحمل تلك المرأة الخبيثة بمنتهى الرحابة، هي معلقة بأذيالها وكأنها طفلة بحاجة لأمها، هي ضائعة حقيقية بدونها وخانعة بصورة تامة لها، لمَ لفظتها زبرجدة طوال سجنها، لمَ لم ترتضي ولو لمرة يتيمة مقابلتها، في الأمر سر، ما يوجمه جدا كون توت تتعامل مع زبرجدة بغلظة وتأنيب، كيف تطيق زبرجدة صبرا مع توت؟؟؟؟
لقد ترك زبرجدة في مرضها تحت رعاية توت، في البدء كان هو من يباشر علاجها ولما تحسنت قليلا وبدأت تستفيق قرر نقلها للقصر وجلب توت لملازمتها، لكي لا ترميه زبرجدة بسياط لسانها اللاسع بمجرد أن تستعيد قواها، وتقذفه بأنه مقيت وأنه سبب ابتلائها وأنه لاصقة بالغراء تقتات من دمها.... وأنه منعدم الرجولة ليُبقي على امرأة لا تريده البتة
في الليلة التي أحضرها للقصر مع توت خلفهما في الحجرة التي أكدت توت على أنها تخص زبرجدة قديما، لقد استشعر أنها مالكتها بمجرد أن ابتاع القصر فهي تحمل طابع شخصيتها المتناقضة، جدران سوداء تتخللها خيوط حمراء متشابكة وسقيفة ناصعة البياض مزخرفة بسرب من الحمام الزاجل، في منقار كل حمامة رسالة لم تُفَض تطلق الخيال من معقله!!!!!، وستائر محلاة بتطريز حمامات الأرباش تغطي كافة الجدران لتعطي للغرفة بهجة تخفي الكآبة التي تخيم عليها....
لربما لهذا حافظ على تلك الحجرة شاغرة كما خلَّف غرفة شمس التبريزي فارغة أيضا رافضا أن يشغلها شقيقه جمال، الذي شغف حبا بها بمجرد أن وقع إبصاره عليها، أيا كان.. في تلك الليلة التي أعاد زبرجدة فيها لبيت أبيها الذي صار منزله هو بتوالي الأحقاب كان جزعه عليها متملكه فود الاطمئنان عليها وتوجه بخطى مترددة نحو الحجرة وهمَّ بالقرع على الباب ولكن صوت توت تناهى لسمعه فألجمه وسمره مكانه
" تمرضين يا فاشلة؟!!!.... تهربين من الواقع كعادتك.... أنا أكرهك يا فتاة، ربما تكوني حفيدتي ولكنكِ ساذجةٌ خرقاء.... لا أدري لمَ أتحمل غبائك وعتهك.... دوما خيبتِ آمالي ووأدتِ جذوة أحلامي.... حاولت صناعة توت جديدة فيكِ ولكنكِ خذلتيني"....
وتلاحقت أنفاس توت وقاربت وجه زبرجدة لتبصق عليه بكراهية مستطيرة
لم يكن سلمان من المتلصصين ولكن كلمات توت جعلته يرغب رؤية سحنتها وهي تُفْرِغ غلها على زبرجدة المتهالكة التي لا حول لها ولا قوة، فألصق ناظريه بخرم المفتاح بالباب
وتوسعت عيونه وجوما وتصلب جسده لما ارتطم بصره ببصقة توت على زبرجدة واضطرمت به شهوة اقتحام الغرفة وطردها من القصر للأبد
ما حال بينه وبين تحقيق ذلك هو صوت زبرجدة الواهن المتقطع من فرط الإعياء
" اغفري لي يا توت"..... كانت تسترحمها وتتوسلها الصفح وعيونها مغروقة بالعبرات المتدفقة....
استمرت توت في وصلة جبروتها زاجرة ومعنفة إياها " لن أغفر لكِ.... ويحكِ أيتها الحمقاء، أتمزقين أحلامي أشلاء وتمتلكين من الوقاحة القدرة على طلب صك الغفران"....
وتابعت توت وهي تبتعد عنها بتأفف ملحوظ وتمسد عرق نابض برقبتها احتقن من فرط الانفعال " فأرة جبانة وفاشلة.... في كنف سلمان ابن الصعاليك تعيشين... أجل يحق لي توبيخك... أتلك نهايتكِ يا ابنة زهر... المال لا يعطي الأصل، وسلمان لا يمتلك سلالة عريقة لينحدر منها"...
وأردفت بتململ " هو لا يروقني البتة"....
وحرضتها بسحنة متجهمة متحجرة " تخلصي منه!!!!"
أجفلته زبرجدة بردها المحتد الواضح رغم قواها الخائرة " ولكنه يروقني أنا ولو فكرتِ في التخلص منه يا توت فلن تجدي سواي لتقتص له"....
واستطردت بسخرية يخالطها الاشمئزاز " وعن أية سلالة عريقة تتحدثي يا توت..... لا تُقْرِفيني رجاءً!!!!!"
سلمان يغلي على مراجل الغيرة فحليمة واتت القصر وطالبت لقاء زبرجدة، هي من ريح ناصر، والكل تحدث دوما عن زبرجدة وناصر، زجر نفسه حليمة زوجة ناصر هي لن تعمل رسولا بين الأحبة، ولن تسعى لتآلف بين القلوب المتباعدة، حفيدة قيثارة الأثيرة.... ابنة جابر رحمه الله... ابن قيثارة الأوحد.... لمَ هي هنا الآن؟؟!!!!!...
كانتا في البهو وحدهما.... تدرسان بعضهما بالنظرات.... حليمة!!!!.... وكأن قيثارة تحدق بها.... وجه حليمة يخلو من جبروت قيثارة ولكنه يحمل نفس التقاسيم التي تمقتها زبرجدة
بدأت حليمة الحديث وهي تستوي جالسة وتمط شفتها " توقعت مصافحة فاترة... عبارة ترحاب منمقة.... وشطَّ بي العقل لعناق متأجج الجذوة... أي شيء يا أعمار زبرجدة شمس صالح التبريزي.... ولكنكِ فقط تحدقين بي.... وتتصفحين التغييرات التي طرأت عليّ.... ألم تشتاقي لي خالتي؟!!!!!"
ردت أعمار وهي تعتدل جالسة على المقعد المجابه لها وكانت ترفع حاجبها الأيسر " أهذا عتب؟؟"
واستطردت أعمار وهي تحرك رأسها صوبها " لمَ أتيت؟!!!!!"
زمت حليمة شفتها وأجابت بصوت رخيم " متحجرة القلب يا خالتي... لو أورثتني قيثارة ملامحها فلقد ختمت على قلبكِ قساوتها"...
وأردفت حليمة وهي تهز رأسها يمنتا ويسارا " عجيب أمركِ يا خالتي تعتبين على جدتي تصلد أحاسيسها وأحاسيسك بليدة وفاترة مثلها!!!!"
تشابكت عيون زبرجدة معها وتلفظت " دعكِ من الترهات لمَ تركتِ رأفت؟؟.... أنا أعرف الحقيقة فلا تقولي لي لأجل ناصر"....
تشققت ابتسامة مريرة على سحنة حليمة وهي تتراجع برأسها لتريحها على ظهر المقعد
وعقبت وهي تتلاحم مع زبرجدة نظرا " بل لأجل قيثارة.... جدتي الحبيبة"...
ومطت شفتها وأعربت ساهمة " أسماها شمس التبريزي قيثارة لتكون آلة صداحة تُعْزَف عليها أرق الألحان وأطلق عليكِ أعمار زبرجدة لتكوني ثمينة ونفيسة في كل الحيوات التي ستتنفسي فيها، نجوتِ من المنون مع إشراقة عمركِ يا أعمار وكأن الله قد كتب لكِ أن تعيشي حيوات متعددة، مسكين شمس التبريزي!!!!!.... أتوقع أنه مات من خيبة أمله فيكما".... غرغر الدمع أحداق حليمة
تململت أعمار في مقعدها وعقبت محتدة من بين مطحنة أنفاسها " جئتِ لتذكرينا بخيبة أمل أبينا فينا"
ثقبتها حليمة نظر وهي تعقب " لأول مرة تجمعين بينكِ وبين قيثارة، لا يزال شمس التبريزي يربط بينكما، كلتاكما في الجحيم تحيا، اصفحا عن أنفسكما يا خالتي"
غيرت أعمار زبرجدة دفة الحديث متعمدة " تراوغين ولا تردين لمَ فطرتِ قلب رأفت؟؟"
خرجت ابتسامة لم تصل للأسنان من وجه حليمة وهي تعلق " كلتانا مراوغتان، دعك من ذلك الحديث الفارغ أتيتك برسالة من ناصر يا ملكة الحمام الزاجل".... والتوى ثغرها عن ابتسامة متهكمة وأردفت
" ينتظر منكِ رد، فضيها الآن واقرأيها وامنحيني الجواب لأبلغه به"....
لم تكترث زبرجدة بكلمات حليمة قطبت جبينها وسألت " لم تزوري قيثارة بعد؟!!!!"
رفت حليمة أهدابها وعلقت بعدم اكتراث " هي تحت رعاية أختي صباح، وعائشة تحوم من حولها، عالمها مكتظ لم يعد يسعني!!!!!"
وتصلدت عيون حليمة قساوة سافرة على جدتها
اعتدلت زبرجدة في جلستها وفردت ظهرها ملتصقا بمتكئها وعقبت بتوبيخ خفي لحليمة
" اعتنت بكِ بعد وفاة أبيكِ، في حين أن والدتكِ ركضت خلف رجل جديد واقترنت به وتركتكِ، ولكن جدتكِ غمرتكِ بعطفها وحبها، تستحق منكِ التقدير"....
أشهرت حليمة إصبع نافر من قبضة مضمومة تجاه عيون زبرجدة وعقبت باتهام لقيثارة
" للتصحيح غمرتني بالمال ثم المال أم المشاعر فكانت شحيحة جدا، لا أتذكر أنها احتضنتني يوما، هي وصباح من نفس المدرسة هما تليقان ببعضهما"....
جادلتها أعمار "تظلين حفيدتها ولو بقيت بها طاقة حب فلقد وجهتها لكِ"....
اقتحمتها حليمة بصريا " لستِ مهتمة برسالة ناصر؟!!!!"
هزت أعمار رأسها " ربما!!!!.... ما الجديد الذي سيضيفه؟!!!!... أنه سيعمل على تهريبي.... أنه ولج لأجلي..... أنا لا أعبأ بكل هذا..... أو بالأحرى بكل ما قد يقدمه لي ناصر".....
انتصبت حليمة واقفة وتوجهت نحو زبرجدة بخطى واسعة وقدمت لها المظروف وهي تعرب " هو طالبني بإيصالها إليكِ وقد لبيت، دوري انتهى، خذيها فإني راحلة"....
لم تبالي أعمار بكلامها المقتضب وأجفلتها " لم يتزوج بعد.... رأفت لا يلبث ينتظرك... تحرري من أنانية ناصر العقيمة.... تلك الطفلة ولا ريبة ابنته من فتاة أجنبية خدعها بمعسول الكلام.... لا تؤدي دورا ليس لكِ..... فكي قيودك وتحرري".... كانت مناشدة صادقة جدا
اختلج وجه حليمة بمشاعر متضاربة حينما باغتتها زبرجدة بخبر أن رأفت لا يلبث وفيا لعهدها، انتابتها الفرحة العارمة ولكنها سرعان ما تذكرت نكبتها فتبخر السرور من محياها وخلَّف وجها مغضن تعاسة وكدرا.... بدت وكأنها عجوز من الغابرين تفوق عمرها بأشواط وسنين..... وسلمت ساقيها للريح كي لا تلمح زبرجدة تصدع واجهتها الجليدية الفاترة...
وجدت زبرجدة القصاصة في يدها فكورتها بغية إلقائها في سلة المهملات.... ولكنها رغبت في معرفة محتواها بدافع الفضول والاطمئنان على ناصر.... فأزالت تجعيداتها وقرأتها
"كيف حالكِ يا زبرجدة.... لمَ لا تتقلص المسافات التي تفرقنا عن بعضنا... لمَ لا تتهدم الحوائل التي تعيق وصالنا.... حانقة من كلماتي.... متبرمة بسبب سهم حبكِ المستقر في أحشائي... ذلك ذنبكِ يا ابنة شمس... ذلك ذنبكِ.... هدمت حياة حليمة لأقتص من قيثارة... واطربت حواسي من ظلمة رأفت الروحية... هو مثلي تبريزي إلا أنه من الفرع المتخم ثراءً وتلك جريرته نعم يا زبرجدة تلك جريرة كبيرة!!!!!... أن أكون رادح تلك وطأة الإملاق ومن حقي.... لم أتخلى عنكِ يا زبرجدة، أنتِ من نبذتيني في محنتك، القرية تضيق بكِ هيا لتولي الأدبار معي.... لا تقولي مستحيل.... لا تشعري بالولاء تجاه ذلك المعدم الفقير الذي اختطفكِ مني.... سلمان مجرد معتدي على شيء يخصني وحدي... أنتِ هذا الشيء..... لو تريدي سعادة حليمة وتصبو روحكِ لإطلاقي سراحها كوني أنتِ أسيرتي عوضا عنها..... يا مليكتي لا تترددي.... لقد ضاع عمرنا اشتياقا في اشتياق.... ابنتي تحمل اسمك وأسعى لأحفر فيها روحكِ.... لو وافقتِ على تهريبي لكِ فقط أبلغي حليمة..... هي ستنتظر ردك في التو لو فضضتِ المظروف في حضورها، ولو أحببت قراءته خفية عن الأعين ليمكن لقلبك التهدج لكلماتي كما كان دائما فهي ستلج لكِ غدا لمعرفة قرارك.... تذكري أني أكثر من عشقك على ظهر الأرض يا ابنة التبريزي.... تذكري هذا وكوني منصفة معي"....
تقلص وجه زبرجدة اشمئزازا من رسالة ناصر.... لا فائدة تُرْجَى منه البتة....... همَّت بتمزيقها فتافيت لتبعثرها من حولها لتتخلص من تدنيسها لها.... لا.... لتحرقها لتحيلها رمادا متوقدا.... كانت تلك مخططاتها ولكن يد سلمان اختطفتها منها..... لم تحاول انتزاعها منه.... فقط راقبت ما يجري بدون أن تدافع عن نفسها.. رفع سلمان حواجبه مغالبا ترقرق الدمه من عيونه وأعرب بعزة وكبرياء يخالطهما التهكم المزدري لها
" لم أظن زوجة ناصر تعمل مرسال حب بين العشاق... دوما أخطئ الظن بالناس... لو كنت أتصور ذلك لما استقبلتها في بيتي من الأساس... لو تريدي الفكاك معه فأنا سأحررك.... لقد استهلكني حبكِ يا ابنة بلدتي.... وأنتِ متبدلة عن الفتاة التي شغفت بها"....
همهمت بإطراق تذود عن نفسها " ناصر مريض نفسي، بحاجة للعلاج، أنا أشمئز من أفكاره اللا أخلاقية"....
وجابهت زوجها بصريا " أنا لم أحبه يوما، هو دوما كان يلاحقني، لأني الوحيدة التي لم يسل لعابها عليه وكنت عصية المنال بالنسبة إليه، لا.... أنا لا أحب ناصر، تلك الخيالات المريضة التي تقوم في عقله تقرفني، أنت لن تفهمني، ولكن حتى ابن الجبالي.... علي لم يلهب قلبي ببراضة حب واحدة، لقد ارتضيت الخطبة له في زمن فات لأجل..... كنت ضحية أفكار بالية، أنا لست أدري لمَ أتلفظ للتو بترهات فارغة!!!!"
وتابعت بتململ وشراسة وهي تشوح بيديها " أنا لا أريد الطلاق، أنا بحاجتك!!!!، لم تعد لدي النية لأغادر البلدة، ذلك موطني وسأقبع فيه حتى الممات، أنا أستخدمك كدرع واق، لو اختفيت من حياتي سيمزقوني إربا، سيتكالبوا عليّ بفظاعة، أنتَ تحميني منهم يا سلمان لا تتخلى عني أتوسل إليك، أنا لست قوية أبدا كما أزعم، أنا هلعة من فكرة نبذكِ لي يوما، حينما تدرك أني محض بشرية ضعيفة ليست الأميرة النضرة التي كانت حلم جميع شباب القرية"....
ربت على كتفها بحنو وتلفظ لها بتمتمة متفهمة " أنفاسك تتلاحق جدا، اهدئي والتقطيها رويدا رويدا، فقط وضحي لي لمَ ارتضيت الخطبة لعليّ قبلا ولمَ تحرضك زوجة ناصر لتولي الأدبار معه؟؟"
أجفلته زبرجدة " حليمة ليست زوجة ناصر، هي فريسته التي ينهش فيها بلا أدنى وازع من ضمير!!!!، وبالنسبة لعليّ فأعفني من الإجابة فهي لا تخصني!!!!"
قرر التغاضي عن تكتمها وسألها " تريدين تذكر ما كان بيننا، حسنا سأساعدك، هيا تعالي معي، في حجرتي تقبع وثيقة زواجنا أريدك أن تطلعي عليها!!!!"
تبعته مأخوذة برجولته الكاسحة وسط شهقات استنكار من والدته وأخته، وتحديجات مرعبة من توت....
حثها بنبرة تشوبها السخرية " ألن تقتربي، ملتصقة بالباب، وتغوصين بحوافرك وكأنها مسامير تثبتيها في الأرضية، هيا ادلفي وأوصدي الباب خلفك، أنا غريب عنكِ جدا فأنا فقط زوجكِ"....
زجرته وهي مقطبة الجبين ومتبرمة كما الطفلات " لا تتهكم عليّ"....
وصفقت الباب محدثة جلبة عاتية تسببت في تضرج وجهها بالدماء المتدفقة من فرط حرجها
أخرج الوثيقة من صندوق خشبي بخزانة الثياب واقترب منها وأعطاها لها، التهمت تفاصيلها بتفرس وتوصلت لقناعة رجرجت الأرض من تحت أقدامها وتمتمت وهي تقارب التهاوي
" كنت زوجي وأنا خطيبة عليّ، كيف ترتضي بذلك؟؟!!!!!، أنا لم أعد أفهم شيء، ظننتك رجلا حقيقيا، ولكن الآن أنا مشتتة تماما ومشوشة جدا!!!!"
وسقطت مغشية عليها فلقد خاب أملها في سلمان فلقد ظنته لا يرتضي شيئا فاحشا كذلك..... لقد تلقت صدمة مهولة!!!!!
__________________________
تحول بيني وبين نفسي
ولعلك تكون نفسي
يتخطفني الناس ويزجوا بي في منعطفات لا تُرْضِيني
الوحشية في روحي ومسطورة على جبيني
وثأري منك لأنك منهم
هم كتلة لم ينصفوا حقا ويثرثروا بلغوٍ يؤذيني
ولا أحب الإقامة فيها فهي بلد جائرة بمن فيها
والمال مطلبي ومأربي في دنيا تبجله وتُعطيه السطوة فيها
انتقيتك لتكون لي
لتكون بيدق أتلهى به
ويحقق لي ما أسعى إليه
مستكينة حتى انفجارة قريبة
وأحيك نسيجا سيُدمي من يُمسكه بين يديه
غزتها تلك الأفكار، نظرات زوجها المذهولة المشمئزة أجبرتها على التراجع في كلماتها، أنكرت ما سبقت وتفوهت به، أنكرت أنها مالكة ماخور وادعت وهي تمارس الغنج عليه أنها كانت تختبر مدى حبه لها، لربما أفلحت في حيلتها فمنصور التزم الصمت وولج لأسلوب حياته المعتاد وإياها، وهي مضطرة لتنقطع عن الحماية لتصير حامل كي لا تثير ارتيابه فيها، عموما طفل منه سيكون ثمين جدا، خصوصا لو كان ذكر فذرية زوجها حتى الآن مقصورة على البنات، لا تنكر أنها فزعت قليلا حينما أعرب أن حادثه كان مدبر وأن بسنت المعول ورائه، ولكنه مجرد زبون لا يجب أن تنسى ذلك أبدا، لا ينبغي أن تنخرط معه في دوامة عشق، لا.... هي ليست سلبية هي ستتخذ منحى إيجابي ستردع بسنت عن مد يد الإيذاء لمنصور من جديد، ستقتص لمنصور منها!!!!!
زبيدة الصغيرة التي قاست أوجاع كثيرة، التي خضعت لجراحة دقيقة وهي لا تلبث طفلة ضئيلة، لا تفتأ تذكر أعمار زبرجدة، لا تفتأ تطالب بوجوب رؤيتها لها، مرت سنوات طويلة والطفلة صارت مراهقة بارعة الحسن ولكنها لا تنسى تلك الزبرجدة البتة، خديجة تغار منها فمع كل ما قدمته لابنة أختها ظلت زبرجدة مالكة قلبها، وزبرجدة أيضا كانت منافستها على محبة أختها، زبرجدة من منحت الصغيرة اسما، فلقد حملت أختها المنقوصة العقل عن طريق السفاح، الأفعوان البغيض اغتصبها، زبرجدة من دفعت جارتها التي يعاني زوجها من العقم لإغداق الصغيرة باسمه خصوصا وقد لحقت المنية أمها الضحلة التفكير وصارت يتيمة لم يتوقع أحد أبدا أن خالتها ستفتش عنها وستستردها!!!!!........
زبيدة لا تعرف شيء عن حقيقة خديجة، لا تعرف أنها مالكة ماخور، ولا أنها جزء من شبكة آثام وفواحش دولية تقودها السلطانة ربيبة السجون.... تُرَى لو عرفت هل ستزدريها... هل ستبصق باشمئزاز عليها..... هل ستنسى كل ما بذلته لتكون مترفة منعمة لا يعوزها شيء ولا تبتلعها الفاقة ولو لبرهة وجيزة...
الحياة تسير يا خوخه ولكن على جثث بشر كثيرين!!!!!
_______________________
لا تحسبني أحقق مفازة حينما يرعد الألم فيك
لا تظنني ستنتفخ أوداجي سرورا حينما أُخزيك
لا تُشهر بيننا العداوة فتنكيس هامتك يُذيقني البأس والضير
قلبي مزدان باسمك وهذا جديد عليه
اِنْحَت حبكَ في روحي بيتا صبت ذاتي لتلتقيه وتستقر فيه
لو كانت عاقبة إعلاء الحق نبذكَ لي فهو عذاب يفوق طاقتي لا تُلْحِقَه بي
اصطفاك قلبي فترفق بي
هواك غلٌ لن أحطمه مهما تجبر عليّ الشقاء ولوَّح لي متشفيا الأنين
ارتفع صوت أثيرها فأبصرت الشاشة المضيئة كان رقما من فرنسا، افترستها التوجسات فربما يكون تهديد جديد من ليون ولكنها دوما كانت محاربة ولا ترتضي وصمة الجبن أبدا شرعت الهاتف
بتردد أبح تناهى لها صوت أثير على قلبها " ألو... روكسان هل أنتِ معي؟!!!!... هل أنتِ هي حقا؟!!!"
ردت روكسان وصوتها ملؤه الحنين لمارسيلا ووجهها متقلص تأثرا رقراق" أعاتبكِ يا رفيقة تنصاعين لأقاويل ليون بأني لاقيت حتفي، أبتي لم يعلم عن شقيقتي التوءم التامة الشبه بي، لو كان يعلم لما اعتكف في صومعة اغتمام وكدر ولا شك، لكان تبعني ومكث بجواري وعرف أني روكسان من مجرد هيئتي حتى لو غطت الضمادات سحنتي ولم يصدح صوتي من جراء تمزق أحبالي الصوتية، حتى لو كنت عظاما بالية لكان تعرف عليّ، ذلك الصديقي، يعرفني لأني قطعة من روحه، لا أفهمكِ يا مارسيلا ومعاذ الله أن أرتاب فيكِ، ولكنكِ تعرفين عن شقيقتي ملك، فلمَ لم تخبري الصديقي، لمَ انسقتم وراء خبر موتي بدون التيقن منه، يستحيل وصولي للصديقي فطمئنيني عليه فلا ثقة بكلام ليون، هل هو حي يرزق، هل تجاوز محنة وفاتي المزعوم، كيف أتواصل وإياه القلب يهفو لمجرد سماع نغمة صوته الحبيب"...
امتد الصمت لهنيهة قبل أن تعقب مارسيلا بتدفق عاطفي مزيف باتقان " ويحكِ يا روكسان أتظنين أن لو احتمالية حياتك كانت قائمة بنسبة واحد بالمائة لكنت دأبت الصمت لكنت ملأت الكون ضجيج، هيئتك متبدلة عن خاصة ملك، تصفيفة الشعر ولونه مختلفان فأختك كانت تصبغه على الدوام، وعدد أرطال البدن متقاربة إلا أنها ليست متماثلة، طراز الملابس هو الشتان، أزاهير قالت أن الحية هي ملك والمتوفية هي الأجنبية وتلك أمكما أمن المعقول أنها لم تتعرف على هوية ابنتها المتوفية فعلا، كنتِ أنتِ التي تقود السيارة وتلك السيارة ملكية لشقيقتك، من البديهي أن يكون القائد هو صاحبها، كنتِ ترتدين ثيابها في ذلك الحين وكانت هي مكسوة بهندامك، لا أدري لمَ قد أقدمتما على ذلك؟!!!!، لمَ تبادلتما الطلة في ذلك الميقات؟!!!!، ملابسات كثيرة أثبتت أن روكسان هي من فارقت الحياة، لم أرتضي إعطاء الصديقي أملا كاذبا يتحطم على صخرة الحالة المزرية التي كنتِ فيها، وأن يتبدد أمله ويجدكِ أختكِ ملك، حينها كان سيتجرع ألم فقدانك مرتين، وكان سيتألم لأنكِ فتشتِ عن عائلتكِ الحقيقية وألغيتيه من حياتك، كانت الوجع سينخر فيه لأنه لم يعد فحسب كل أهلك وناسك، لقد صدقت أزاهير ولكني لم أصدق ليون!!!!، لا أسامحكِ على نبرة الاتهام التي شابت صوتك لهنيهة، تبا لكِ كيف تعتريكِ التوجسات نحوي؟!!!"
وتابعت مارسيلا بنبرة متبدلة لينة " دعينا نفرح بأوبتك للحياة يا روك، حمدا لله على سلامتك يا رفيقة، عذرا كنت في غمار سفر طويل وعدت للتو ولذا تأخرت في الرد على الرسائل الصوتية التي خلفتيها لي"....
كان رد روكسان مربكا وحادا وقد اكفهرت ملامحها بغتة " لم أطالبكِ بتبرير فلمَ تمنحيه لي؟!!!!!"
لا تدري انجيلا كانت هي أو روكسان لمَ ساورها الشك في مارسيلا ونهشها على حين غرة... مارسيلا زئبقية في الكلام الآن تركز كثيرا في كل حرف تُخْرِجَه من ثغرها... لماذا؟؟؟.... ما الذي تخفيه؟؟؟.....
لفَّ مارسيلا التوتر من ردة فعل روكسان المحتدة واقشعر بدنها كاملا ووقف كل الشعر الصغير في جسدها
انحبست الأنفاس في جوفها وانطلقت الكلمات منها صاخبة تعبر عن انفعالها المحتدم الذي هو في باطنه غضبها من نفسها
" كيف تجرؤين على إهانتي بالتشكيك في.... لم تقوليها ولكن كلامك يرشح بذلك.... صحيح أنا فقيرة معدمة انتشلتيها من بوتقة الفسادة التي سقطت فيها وسبغتيها بحنانك وكرمك... ولكني في المقابل كنت لكِ الصديقة التي لم تحظي قبلا بها..... صنعتِ مني محترمة بعدما كنت امرأة في الحضيض.... وأحلتكِ معطاءة تمنح الكثير من روحها لأجل الحق والخير.... بسببي خرجتِ من كبوتكِ النفسية بعدما عرفت أن فريدة الأحمدي ليست والدتكِ الحقيقية.... وأنكِ اِنْتُزِعْتِ من عائلتكِ نكاية فيهم ولفطر قلوبهم"....
وأردفت مارسيلا من بين أنفاسها المتلاحقة " أنا خففت ألمكِ... أنا انتشلتكِ أيضا من حضيضكِ النفسي.... نحن صديقتان فكيف تنسين ذلك بمنتهى السهولة لمجرد أننا متباعدتان الآن".... كان عتبا أَشْعَر روكسان بالضآلة لأنها جرحت قلب صديقتها الهفهاف.... ليس معنى أنها كانت ساقطة تمارس الرذيلة وتتقاضى لأجل ذلك المال أنها أقل منها طهرا ونقاءً... السقوط وارد للجميع... والمغفرة للرحمن المستوي على العرش رب السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى....
لقد كانت مارسيلا فقيرة جدا ولم تكن تملك سوى جسدها لتتقوت منه لا تستحق احتقار روكسان بل المجتمع من يستحق ذلك... المجتمع من يفرض علينا ضريبة الفقر ذلا وهوان....
تفوهت روكسان بهمس خفيض متوسل " آنا آسفة"....
ردت مارسيلا فورا " وأنا تقبلته"...
وساد الصمت بينهما لهنيهة مطولة قطعتها مارسيلا " لن تسألين عنه؟؟"
تعمقت تقطيبة تفكير على جبهة روكسان وسألت " من تقصدين؟؟"
ازدردت مارسيلا ريقها وشخصت ببصرها نحو السقيفة وأحرقت دمعة عيونها وأسندت يدا على خصرها وأوضحت بشيء من التلعثم والترقب " خطيبك آدمز"....
لا تدري روكسان لمَ طلت عليها صورة عليّ من بين غياهب أفكارها... تجلت واضحة ومحفوفة بجواهر قلبها.... متى زرع نفسه في خفقات فؤادها؟؟؟....
تمتمت بدون تركيز منها... بتلقائية لم تطرق عقلها " هو ماضي لن يعود أبدا"....
انتهت مخابرتها مع مارسيلا واتفقت مارسيلا وإياها على موافاة مصر في غضون هذا الأسبوع لتستعد هي وروكسان جيدا لمجابهة شرور ليون... وطمأنتها على الصديقي واقترحت عليها ألا يعلم الآن بحياتها قبل أن تطيحا بليون وامتثلت روكسان لها....
ولا تزال مصدومة جدا من تجلي حقيقة مشاعرها تجاه علي... لا... هذا ليس حب أبدا هذا فقط إعجاب.... لم تبر بالكلام الذي ألقته على مسامعه بأوبتها هي وأمورة لداره... والسبب بسيط يجب أن تكون على قرب لمعرفة كافة تطورات حادث ورد نوار... رائد تم إلقاء القبض عليه وروكسان تفتش على شاهد يدلي بحقيقة تواجده تلك الليلة في الاسكندرية ولكنها لم تعثر عليه أبدا.
جورية أكدت عدم رؤيتها له.... العاملون بالموضع حيث التقيا لم يلمحا طيفه البتة... هي الشاهدة الوحيدة... أبشع مخاوفها تحقق وصار واقعا ملموس... لقد حاولت مرارا ألا تُقدم على ذلك ولكن لأجل إعلاء راية الحق هاهي ستتوجه للمخفر مع اشراقة الفجر لتدلي بأقوالها.... ولتفرغ ما في جعبتها.... لترمي أثقالا ارتفعت على كاهلها فأحالتها محتدمة المزاج ثائرة لأتفه الأسباب....
ولج عليّ لبيته وحيدا، تمدد على أريكة وثيرة بالردهة، وفرد أرجله لتستقر على منضدية مقابلة للأريكة، أرخى عقدة ربطة عنقه، وأحل الأزرار العلوية من قميصه، قطعت وعدا لتلج هي وأمورة منذ يومين ولكنها لم تفي به أبدا، ذلك طبعها، كيف تُغْرِقَه في بحور أكاذيبها، كيف يصدقها وقد اكتوى بنارها، آن أوان استعماله الورقة الرابحة، تسجيلات علاقاتها الآثمة في حوذته وهي وسيلة يحني بها هامتها ويجبرها على الخنوع التام له....
توجه نحو خزينته الفولاذية ليفتحها ويطلع على تسجيلاتها الفاحشة ليتذكر حقيقتها المتعفنة.... لكي لا تتهدج مشاعره تجاهها... فتوسعت عيونه من هول الصدمة المرعبة... شحب وجهه وانحسر الدم عن أطرافه قاطبة، تيبس مكانه تماما وعقله متخبط بين أمواج أفكار عاتية، هناك من سرق تلك التسجيلات.... هناك من يمتلك تهديدا قد يعصف بحياته كلها ولكن من فعلها؟!!!!.... وما الذي سيستفيده؟!!!!....
_____________________
كيف انصاع لأمه وأبيه وخطب ابنة السلحدار، أمه خابرت أبيه ليمارس عليه ضغوطات، ووالده هدده بالطرد من بيته... وبحرمانه من الإرث مالم يمتثل لطلب أمه ويقرأ فاتحة تلك الفتاة التي كانت ذكرى عطرة فيما مضى ولكنها الآن عدوته اللدودة التي يمقتها من الصميم... لا.... هو يرفض التخلي عن منوال تلك الحياة العابثة التي يدعي الاستمتاع بها.... لقد كان يوما زينة الشباب... صالح وتقي ويخشى الإله... في لحظة قد تبدل ليستحيل عربيدا متعطش للخمر والنساء.... حينما يلتف الذنب حولك ليصير قيدا يجرك نحو السقوط أكثر فأكثر، ما الذي بوسعك فعله وروحك مرتضية انزلاقك للدرك الأسفل، عموما مصطفى في خضم غيبوبة ربما لن يستفيق منها أبدا، وتبعا لأقوال أمه لقد أغدق أخته الوحيدة بتوكيل عام يتيح لها التصرف بأملاكه حسبما تشاء لم تكن تعرف هي عنه شيئا مسبقا، لا شيء يجبره على إتمام الزيجة، بوسعه أن يدفع سلام لنبذه خصوصا وقد بدت مكرهة عليه، وباستطاعته أن يتخذ سلام فريسة سهلة المنال ينشب مخالبه في نقودها ويستولي على وفرها وبذلك لن يعد يخضع لتهديدات أبيه بحرمانه من الإرث فهو يملك النذر الكثير، المخططات كثيرة وتُظْهِرَه أمام نفسه فاسد ودنيء، ولكن هو كذلك فعلا، ذلك ذنب لن يمحيه شيء، هل يشوه ذكرى عطرة حملتها سلام له؟؟.... هل يحطم قلبها؟؟.... هي وحيدة تماما وعصفورة من اليسير إيقاعها في شباك الإغواء وهو نذل منذ قرر ذلك...
زوجة مصطفى تبدو أنها كانت على الهامش في حياته فلقد اجتبى أخته ليمنحها ذلك التفويض الباذخ وحبسه عن قرينته... تُرَى لماذا؟؟... وفيمَ يهمه ذلك؟؟... سلام تبدو قوية جدا من الخارج ولكنه يعرف أنها مجرد فتاة ضعيفة وجبانة تخشى السقوط في الحب وتتفاداه قدر استطاعتها، ولكن الحب قدر وقدرها ارتبط به، وهو سيفطر قلبها غير مبالي بذلك.... هكذا عقد العزم...
لا يروقه أبدا عودة ملك لعليّ، سيستخدم تسجيلاتها المخلة التي نهبها ليدفعها لترك أخيه وإذا لم تذعن سيحطم حياتها برمتها، في التتمة أمورة ليست ابنة أخيه فعلا، ولربما حان وقت إفاقته لأخيه من تلك الغيبوبة التي يستكين لها!!!!!.... ملك تلك البومة التي حطت على عائلتهم آن أوان إخماد أنفاسها تماما.... تلك النبتة السامة لن تستشري في أراضي أخيه أبدا.... هو من سيمنع ذلك!!!!
____________________
|