كاتب الموضوع :
بنت أرض الكنانه
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: وأذكر في الهوى جرحك!!!!!!!
بسم الله الرحمن الرحيم
أتمنى من يقرأ تلك القصة أن يعقب عليها
أهدي هذا الفصل لشقيقتي العزيزة معتذرة لكم جميعا عدم تمكني من إنهائه اليوم فلقد سالت دموعي بغزارة فيه
اتمنى ما تفضلش القصة دي محزنة انا صحتي هتروح كده
الثامن
دم الغزال
*مصطفى*
استقل سيارته والتهم بها الطرقات بذهن شارد... كاد لأكثر من مرة أن يرتطم بمارة... أو بسيارات أخرى مسرعة لولا رحمة الرب، أحلَّ الأزرار العلوية من قميصه، ومرر أنامله في فروة رأسه ليصير شعره متشعثا فوضويا، تلف هندامه ومادت به الدنيا وسرت فيه رعدة ابتلاء، أن يستشعر خيانتها شيء.... وأن تصير واقعا ملموسا شيئا آخر مختلف تماما، اقتحمته أفواج الأنين الكثيف لتحيله شظايا متبعثرة، قلبه كما رماد اشتدت به الريح في يومٍ عاصف، لا.... سيُلْحِق بها عذابا غليظ، سيذيقها من فنون الوصب الشتَّى الكثيف، لن يتداعى ويستحيل جثة هامدة لتواصل انحلالها حتى الرمق الأخير، وتمرغ شرفه أكثر من هذا بكثير....
لن تعربد على عرضه مع رجال آخرين
سيسد عليها مياسم الهواء
سيزهق روحها الخائنة عله يستريح
توجه نحو مكتبه.... ولم يلج لبيته أولا....
أفرغ على مسامعه حواراتها مع ذلك الرقيع.... وقرأ رسائلها له بنهم... وبتمعن مخيفين.....
أعاد الإنصات للتسجيلات مرات ومرات....
ومرت أعينه على أحرف رسالاتها لذلك الفاسد لفينات متوالية وكأنه يجلد نفسه بالسياط....
ويستلذ تعذيب نفسه بلا أدنى إشفاق على الذات...
توقف عقله على تلك الرسالة التي بعثتها سوما مرة لميدو ذاك...
(( تقاربنا يوهن مفاصلي، ويحيل عظامي ماء، ويذيبني أنثى تفيض بالأحاسيس، وكأني كنت ميتة قبلك، تلاحمنا يسويني مليكة على عرش السرور والابتهاج، كنت ظمآنة للحب مسبقا وبتجليك شمسا في حياتي استحلت متعطشة له أكثر... ولكن معك أنت فقط!!!!... زرعت الأحاسيس في جسدي وأولجتني أتنفس حية من جديد، كنت هالكة في بوتقة تكدر وتعاسة، وكأني امرأة تشع حياةً على يديك، أُنْفِق عمري كله لأكون لوهلة بين ذراعيك!!!))
عند تلك النقطة طفح كيله ونفذ معين صبره تماما.....
وألقى كل مستندات تمرغها في الخطيئة أشلاءً متناثرة على الأرضية
سيُسَلِط يده حبلا متينا حول عنقها
سيذيقها بأسه
وسيفتك بروحها الساقطة
وهوى بقبضته المضمومة - بحدة طائلة - على سطح مكتبه....
وانطلق باندفاع مجنون صوبها وأعصابه مشتعلة وثائرة
*تبر*
كانت حماتها مريضة أكثر من كل المرات المنصرمة، صوت تنفسها متلاحق، وكأنها تشق لترتشف حفنة ضئيلة من الهواء، ساقطة في غيبوبة عميقة جدا لا تصدر عنها أية تحركات، ومن فرط ارتعاب تبر هاتفت الطبيب ليواتي المنزل في ساعة متأخرة من الليل، استغربت وهلعت قليلا من تأخر مصطفى في الأوبة ولكنها لا تخابره مطلقا، لو كان موجود لأزاح عبء مرض أمه من على كاهلها ولكنه لم يلج بعد، التوت شفتها ساخرة واستقرت تلك الفكرة في عقلها، ربما يعبث مع فتاة طالحة الآن وهي متكدرة بسبب مصاب أمه، كلمات الطبيب قذفت الرعب في قلبها، أكد على مخاوفها، تلك المرة ليست كأية مرة منقضية، حماتها مصابة بالتهاب رئوي عنيف، وتحتاج النقل فورا للمشفى، يستحيل علاجها في المنزل!!!!
شرعت باب حجرة حماتها وهي تتجاذب أطراف الحديث مع الطبيب وتشكر له قدومه في مثل تلك الساعة المتأخرة
فارتطم بصرها بهيئة زوجها الفوضوية المخيفة..... كان الشر يستطير من أحداقه
وكان ينقل بصره بينها وبين الطبيب وكأنه يرتاب في وجود علاقة آثمة بينهما....
تبر قارئة جيدة لانفعالات مصطفى....
رفعت صوتها قائلة بنبرة ذات مغزى، وهي تتداخل معه بصريا، وتنكس رأسها قليلا " أمك تتداعى، تحتاج الانتقال فورا لأقرب مشفى"....
هرع مصطفى ليطمئن على أمه، وفي غضون دقائق قلائل كانت قابعة في مستشفى الزبدة محاطة بكافة أشكال العناية الطبية....
أسندت تبر رأسها على حائط الرواق ورفعت رأسها وأسدلت أهدابها
حماتها امرأة شحيحة المشاعر، سليطة اللسان، تمطرها بحجارة من الإهانات، ولكنها تدرئ عنها سموم سلام، وتقلبات مزاج مصطفى، هي حائط أمان بالنسبة لها.... لو فقدتها كيف سيكون حالها!!!!
هرولت سلام صوب المشفى بمجرد معرفتها بسقم والدتها، ولازمتها، ومرت ساعات عليهم جميعا وهم محيطون بها، لم تبرد انفعالات مصطفى ولكنها تأجلت قليلا، قرر مصطفى الأوبة للمنزل لطمأنة منصور وياقوتة، وبحجة إرجاع سوما للمنزل فلا يصح غياب كل الراشدين عن البيت لوقت طويل، وهكذا جرجر سوما ورائه ودفع بجسدها في السيارة وألغى المسافات كي ينفرد بها ويستوفي حقه منها....
ياقوتة انكمشت على نفسها حينما تيقظت ولم تجد أحدا في المنزل سوى الخدم وشقيقها، وقبع منصور بجوارها على سريرها يهدهدها ويطمئن خلدها، وخابر أبيه وعلم بمصاب جدته، فأنبأ أخته بلطافة أن جدتهما قد ألمت بها وعكة صحية طفيفة، وأن والديهما وعمتهما برفقتها، إن الأيام تمر ثقيلة عليه، جدته وعمته تحاولان عدم إهانة أمه أمامه، ولكن الكلمات تفلت منهما في بعض الفينات، تناهى لسمعه مرة وهو على وشك شرع باب حجرة جدته ليتسامر معها حوارا ضمها مع عمته....
العمة سلام " تلك الخبيثة نكبة يا أمي وحطت علينا، أنا لا يروقني زواج أخي من ساقطة أبدا!!!!".... اندفعت العمة قائلة بتوليفة من التذمر والإحباط
ردت عليها جدته وهي تحتويها " سيقينا الله شرها يا ابنتي، أنتِ فقط لا تقلقي، مصطفى ينبذها ويحتقرها، ونحن نعرف حقيقتها المشينة المقرفة، ستعيش في بيتنا دوما مُصَعَّرة الخد، غريبة وذليلة!!!!، لن تتحصل على قرش من مصطفى في حالة وفاته فلقد تزوجها عرفي، أفصح عن ذلك في نوبة ثورة ألمَّت به وأنا أوبخه لزواجه من تلك المعدمة الفقيرة، وأُزْبِد في الحديث عما يمكن أن يحيق به على يديها، هي لن تستفيد من إزاحته من الحياة شيء، لذا فهي لن تمسه بضير أبدا، ولو لعبت بذيلها من جديد سننفيها خارج حياة أولادها، ولن نخسر النذر الكثير، هي أسيرة لدينا يا ابنتي، تتجرع المهانة والاحتقار، ولو تناهى لفكرها مجرد خاطرة خيانة مصطفى سنلف سلسلة من لهيب أزرق حول عنقها، هي لن تفلت بأية فعلة معيبة ترتكبها"....
حوارات أخرى تناهت لسمعه في غفلة عمن يلقيها أكدت على مسلك أمه المخزي المشين
لربما لهذا لا يطيق الاقتراب منها.... هو منسلخ عنها.... ويجافيها ويبتعد عنها.....
انتزعته شقيقته ياقوتة من شروده وهي تهزه برجرجة لينتبه لها " فيمَ تفكر؟؟"
تنهد منصور وأجابها وهو يصطنع ابتسامة مضيئة " في عيون ياقوتة الغابية الجميلة"....
زمت ياقوتة شفتها وأعربت بسخط " أنتَ تسخر مني، عيوني ليست جميلة، العمة سلام أخبرتني يوما أنني منغولية دميمة"..... ونكست رأسها وغالبت ترقرق دمعها....
انزعج منصور من منحى تصرفات عمته مع شقيقته، سيحمي ياقوتة بروحه!!!، وسيقف في وجه كل من يهينها ويقزمها، لن يسمح لأحد بأن يؤذيها أبدا، سيطلب من عمته الامتناع عن الاستخفاف بياقوتة، ولو لم تلبي سيخبر والده، ولو لم يتخذ تصرفا رادعا سيفر منصور مع ياقوتة، ويترك هذا البيت الذي يحطم اعتداد شقيقته بنفسها!!!!!
كبح مصطفى زمام الفرامل بغتة دافعا برأس تبر ليرتطم بالإطار الزجاجي الأمامي للسيارة
ومحدثا عاصفة ترابية عاتية.... وصريرا مرعبا مدويا....
هرول مصطفى صوب تبر ليشرع لها السيارة، اعتبرتها لوهلة بادرة محبة واعتناء، فانشرح لها قلبها، ولكنه أوأد أحلامها سريعا باشتداد قبضته حول معصمها وسحبها ورائه، حاولت تبر التملص منه وهي تحاوره بنبرة لينة مستعطفة " لا داعي لجرجرتي هكذا، سأتبعك أينما تريد، ولكن فك أسري، أنت تدمي رسغي هكذا!!!"
كانت ياقوتة تقفز على السرير متهللة وصائحة " أبي وأمي ولجا، ذاك صوت سيارتهما، سألتحق بهما"....
وهي تعدو صوبهما أردعتها قبضة منصور التي التفت حول رسغها.... وأخبرها بلطافة وهو يفتعل ابتسامة متقنة و يبسط أنامله حول لحم أكتافها " دعيهما الآن يا ياقوتة، هما بحاجة لفسحة من الراحة، لا ريبة أن مرض الجدة لم يسمح لهما بإغماضة الجفن طوال الليل"...
تذمرت ياقوتة وهي تبرز شفتها السفلى إمارة امتعاض " أريد الاطمئنان على جدتي، أرجوك يا منصور اسمح لي باللحاق بهما"...
رفع منصور سبابته تجاهها وأعرب بصوت ملؤه الحنق منها وهو مكشر عن أنيابه " أنتِ لا تقدري ظروف أحد أبدا، أخبرتك أنهما متعبان ولكنك لا تعبأي سوى لنفسك"...
افترشت ياقوتة متكأ مجاور لها وأعربت بصوت أبح خفيض " أنا لست هكذا، أنا ياقوتة الطيبة، حسنا سأدعهما يستريحان ولكن طمئني على جدتي، أرجوك يا منصور".... أخبرت أخيها بضراعة طفولية عذبة
صوت الصرير المدوي أثار ريبة منصور، والده هادئ ومتزن، ويوقف سيارته بسلاسة وبدون ضجيج
لا ينبغي لياقوتة أن ترتحل في إثر والده الآن فهو متلبد المشاعر في تلك الوهلات بكل تأكيد!!!!
هل أمه برفقته؟!!!!
هل هو لهذا متعكر المزاج؟؟....
يجب أن يعرف.... وتلمس منصور الطريق نحو حجرة والدته بحذر وحرض بالغين.... منتبها لوجوب ألا يُحْدِث ضجيج
شرع الباب وألقاها كومة على الأرضية....
اصطدم بصره وهو يحرك رأسه بصورة لها مزينة بإطار كريمي على منضدية الزينة ..... وجهٌ يعبق بحدائق الياسمين، وعيونٌ تطل منها سِدْرَات النعيم، وملامح تشي ببراءة لا تفتر مهما مرت من سنين، إنها واجهة مزيفة لحقيقة متعفنة، انتصبت تبر واقفة وهي تُثبت أقدامها مساميرا على الأرض كي لا يبرز ترنحها على إثر تجبر مصطفى على جسدها الرقيق
جابهته بقوة " أنا أراعي حالتكَ المتكدرة بسبب مصاب أمك، ولكنكَ تتمادى وأنا منكَ اكتفيت، سأتحصل على الطلاق منك، وسأعثر على وظيفة مناسبة، وسأعيل أطفالي، أية محكمة ستمنحني حق الحضانة، فأنا الأم وأنا لا أنتوي الزواج لأبد الآبدين، فلقد تسببت لي بعقدة لن تبارحني حتى رمقي الأخير، لم أعد أطيق صبرا مع قساوتك وغلظتك، لتُفْرِغ تجبرك الذي تطمر به عجزك على امرأة أخرى سواي، فلقد طفح كيلي منك، أنتَ بغيض وشيخ يرتكب الفواحش بلا أدنى رادع أو ضمير"....
تلاقت نظراتهما وكأنما يتشاطران نفس الذكرى
تبر تخبر مصطفى على إثر زواجهما العرفي " تلك وثيقة مهترءة لا تعني لي شيء، أنا لا أعدك زوجي، ولكن لأجل طفلي سألتزم الصمت وأمنحك توقير وتبجيل الزوج"....
مصطفى يجيبها بعدم اكتراث لنزيف روحها على إثر امتهانه لها بذلك الزواج المنقوص الأركان " وأنا أيضا لا أعدك زوجتي، ولكنكِ إن لم تمنحيني كامل التوقير والاحترام سأذِرَكِ شظايا في الهواء"....
ازدردت تبر ريقها وأخبرته وهي تحفظ بقايا كبريائها " عظيم... اتفقنا وبما أننا لسنا زوجين، إياك أن تلمسني، لتشبع نزواتك الحيوانية بعيدا عني"....
كان يسوق السيارة بها وكانا متجاورين فشملها برمقة تقييمية مزدرية لها وأعرب بجفاء " كل النساء الأخريات أفضل منكِ، يفوقنك بأشواط!!!"
واستطرد مصطفى وهو يثبت نظره نحو الأفق الممتد أمامه " ولكن لو يوما استبدت بكِ الحاجة الملحة لرجل أنا لن أجد غضاضة لإشباع نزواتك الحيوانية، سألبيها لكِ برحابة، ولكن عليكِ أن تجثي على ركبتيك أمامي أولا"....
قابلته تبر بعنف لفظي فوري وهي تصر على أسنانها " لن يحدث مطلقا، أفضل الموت عن ذلك"....
كان لتبر فيض كبرياء يحجمها عن الانحناء لمصطفى لأبد الحياة، هو يريدها أن تطلب وتتذلل أولا وهي تحبذ الموت عن الانكسار أمامه والاستجداء!!!!!
هو لوثها... هو أهانها.... هو أحنى هامتها أمام نفسها.... هي تمقته بعنف مهما كانت تهواه..... لقد هوى بنجمها، وأحطَّ من شأنها أمام ذاتها... ولم يحمها بما يكفي من سياط لسان أمه وشقيقته... لقد وضعها في حياة قاحلة جدباء، لا تستمع فيها لكلمة حلوة تبل الريق، وتُنْبِت الأمل في حنايا روحها...
هو من دفعها لتتجاوز مع ميدو... هو السبب في كل ما أصابها من ابتلاء.... لقد استحالت كارهة لنفسها على يديه.... لقد صارت تتحاشى النظر لنفسها في المرآة....
قطب مصطفى جبينه وسألها بالهدوء الذي يسبق العاصفة " كيف ستتحصلي على حضانة ذرية مصطفى السلحدار؟!!!!.... بمسلككِ المستقيم.... بأخلاقكِ القويمة...."....
كان يتهكم عليها واسترسل في الحديث " أنا لا أظن ذلك يا سوما، معي مستندات تدينك أمام أية قضاء ستقفي أمامه، لا أحسبكِ ستحبي نشر غسيلك القذر أمام الأحداق"...
كان يدور من حولها وكأنه أرقم يدرس ضحيته من كافة الزوايا ليكون انقضاضه عليها مميت....
واستطرد مصطفى قائلا " غلطة عمري أني سترتك، كنتِ غير عذراء، امرأة مستهلكة جدا، ولكني غضضت الطرف وقررت الاعتراف بكِ كزوجة لأجل طفلي الذي حملتيه في أحشائك، حذرتكِ يا سوما، أنذرتكِ مسبقا ألم أفعل؟!!!!... إلا العبث... وإلا الخيانة... ولكنكِ نسيتِ... واتبعت أهوائكِ، وفَجَرْتِ... متعطشة لميدو وتنفقي عمركِ كله لتكوني لوهلة بين ذراعيه... تحملي طفلا منه يا سوما؟!!!!... لقد أحسنت إليك، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!!!، نقلتكِ من ضاحية فقيرة لقصر فسيح مزود بشتى صنوف الراحة، صنعتكِ امرأة محترمة من الحضيض، ستخسري أية قضية ترفعينها لتحوذي حضانة أطفالي يا سوما، أتدرين لمَ، ميدو.... الذي دبرتِ لاغتياله فضحكِ لي، كل ما وقع بينكما مسجل لديه، ومنحه عن طيب خاطر لي، أية قضاء قد ينصف أم ساقطة يا سوما... أية قضاء قد يعضد زوجة خائنة، أنتِ في العراء يا سوما، أنا أشفق عليكِ، اقتحمتني أفكار إراقة دمائك مرارا ولكني لدي أطفال يا سوما!!!!، ما يحجمني عن إيذائك سمعة أطفالي، لا أريدها أن تُخْدَش، لم تأبهي للمحافظة على نفسك ولو لأجلهما يا سوما أليس كذلك؟!!!!، ولكن لأجلهما أنا لن أفضحكِ ستلملمي أشيائك وتنقشعي، لأني رجل كريم لن أنبذكِ بدون ملابسكِ ومجوهراتك التي ابتعتهما لكِ بنقودي، لا أريدك أن تظهري في حياتي أنا وأبنائي مستقبلا، لو تناهى لعلمي محاولتك الاقتراب من ذرية مصطفى السلحدار سأبطش بكِ، لم أعطِكِ يوما وثيقة زواجنا العرفي ولن أمنحكِ الطلاق، استمري في ممارسة البغاء واكتسبي المزيد من المعاصي واللطخات لتتعفني في النهاية بالجحيم، لو فكرت في الزواج بآخر سأرفع عليكِ قضية تعدد أزواج وأزج بكِ في السجن، ولا... أنا لا أعطيكِ كارت أخضر لتستمري في الانحلال، لو دنستِ بدنك بلمسة طفيفة سأحيل حياتكِ جحيما صرفا، سيعرف أولادكِ حقيقتك العفنة، ستعيشي ناسكة رغما عنكِ يا سوما، وستؤوبي فقيرة لا تجد ما يسد رمقها، نسيت أن أخبرك لم أبتع لكِ يوما حلية حقيقية، كل مجوهراتك مزيفة، ومع مطلع كل شهر تخطريني بموضع مكوثك، وإن لم تفعلي سأصل إليكِ، أنا رجل فاحش النفوذ يا صغيرتي، وسأحتجزكِ حينها في قمقم يا ساقطتي، ألن تنبسي ببنت شفة يا سوما ردا على قولي؟!!!... انطقي يا باردة!!!!... أنتِ كلبة باردة".... ودفعها بقوة لترتطم رأسها بالحائط ولتتشقق منها الدماء.... كان مصطفى محتدم المزاج ثائر الأعصاب... كما ثور هائج لاحت أمامه قطعة قماش حمراء...
ردت عليه تبر بهدوء يُضاهي هدوئه المنصرم " دمرتني.... أتدري متى؟!!!... حينما خدرتني وسلبتني زهرتي ثم أنكرت أنكَ أخذتها، رفعت منذ ذلك اليوم طعم الملح الأُجَاج في فمي، لم تسترني أبدا يا مصطفى، أنتَ لم تفعل، أنت بمنتهى البساطة رميت بي لعائلتكَ التي كرهتني بسبب ما ظنته بي وأنتَ لم تأبه يوما لتوضيح الحقيقة لهم، نشبوا مخالبهم في عظامي، استحلوا رشقي بالسبات والشتائم حتى أمام أطفالي، لم تحسن لي يوما يا مصطفى أنتَ لم تفعل، أنتَ افترضت دوما الأسوأ عني وعشت في دور المضحي لأجل أطفاله، لست بريء يا مصطفى، أنتَ لست كذلك، أحللت لنفسك ما حرمته عليّ، تنغمس في المعاصي لتطفيء نيران شهواتك، وتضعني في خانة الناسكة الزاهدة بالإجبار، تُحَرِّم عليّ الشعور مثل بقية النساء وكأن هذا الشعور لم يخلقه الله بي، وكأني ساقطة لو أحببت الشعور بتقارب زوجي مني، ضعفت مرة أمامك وحملت بمنصور، احتقرتني لأني استسلمت لكَ، أنتَ احتقرتني يا مصطفى، ألا تخجل من نفسك؟!!!!... أنا التي أسألك لمَ لم تحفظ كرامة أم أطفالك ولو لأجل أطفالك؟!!!!... أنت ظالم ومجحف معي يا مصطفى، إياك أن تعيش دور البريء، التجاهل جريمة في عرف الأُسَر، وأنتَ تتعامل معي وكأني حفنة من هواء، وحينما تنتبه لي فذلك لترميني بتهديدات وتوعدات، أنا لا أستعجب أن يقول ميدو في حقي زور، فهو فاسد وأنتَ من أسقطني بين براثنه، نعم.... يحق لي اتهامك.... أنتَ المدان هنا يا مصطفى وليست أنا!!!!، كان بإمكاني أن أصير كنزك الثمين ولكنك صممت لأستحيل وحلتك القذرة، لم أخنك جسديا يا مصطفى، أتحدى أن يكون ميدو مهما لفق عني أن يستطيع إثبات واقعة الزنا عليّ بالبرهان، أنا أتحدى، أنا لم أرتكب الفاحشة معه أبدا فكيف أحمل طفلا منه، الفكرة نفسها تجعلني أشمئز وأرغب في تجشؤ القيء، ولم أخنك روحيا أيضا يا مصطفى، حواراتي مع ميدو تدخل في قائمة اللغو الفارغ، كنت أتملص منه ببراعة حينما يحشرني في كلام مثخن بالأحاسيس، لا أنكر أني استمتعت بحواره المنمق.... بإطراءاته التي لم أستمع لمثلها في حياتي، ولكنه حينما أحبَّ أن يتجاوز استفقت ورفضت بضراوة وشراسة، أنا رفضت خيانة نفسي يا مصطفى أكثر من ذلك، تريث في حكمك عليّ، أنا لست سيئة جدا، أنا وأنتَ أخطأنا، أنا أمد لكَ يدي فلا تنبذها كما عادتك، لا تظلمني بدون جناية جلية"....
تقدمت نحوه ببطء وكأنها خائفة من ثورة مجنونة تداهمه بغتة وجثت على ركبتيها بجواره وشخصت ببصرها نحوه وتوسلت
" سامحني يا مصطفى، لم أخنك جسديا، أنا أقسم لك، لو تبقت بداخلي دموع لذرفتها لكَ الآن علها ترقق قلبكَ نحوي، ولكن صدقني حتى الدمع يعصيني ولا يتشقق مني، فوحلتي أعمق من كل برك الدموع، كل ما بي متيبس يا مصطفى، أنا لازلت أحبك كما كنت، لم أكرهكَ يوما مهما زعُمت، اصفح عني وأنا أصفح عنك، ونعيش أسرة متحابة يرفرف من فوقها سرب حمام وتحيطها أغصان الزيتون في كل مكان".....
هي محقة هو أيضا مخطئ، هي تؤكد على عدم خيانتها الجسدية له، وهي تتضرعه الغفران لها، لو منحها صك الصفح وعاش بقية عمره في نعيم أحضانها، تلك ستكون جنته على الأرض، أرخى أهدابه يفكر في قولها، هو مغرم بها، وهو في عوز ملح دوما لها، وتبر ناعمة كما الحرير، رقيقة كما ملمس البتلة المتفتحة...
داهمت عقله ذكرى رسالتها لذلك الرقيع
(( تقاربنا يوهن مفاصلي، ويحيل عظامي ماء، ويذيبني أنثى تفيض بالأحاسيس، وكأني كنت ميتة قبلك، تلاحمنا يسويني مليكة على عرش السرور والابتهاج، كنت ظمآنة للحب مسبقا وبتجليك شمسا في حياتي استحلت متعطشة له أكثر... ولكن معك أنت فقط!!!!... زرعت الأحاسيس في جسدي وأولجتني أتنفس حية من جديد، كنت هالكة في بوتقة تكدر وتعاسة، وكأني امرأة تشع حياةً على يديك، أُنْفِق عمري كله لأكون لوهلة بين ذراعيك!!!))
إنها مرسلة من هاتفها، وهي تدمغها كساقطة، عنف نفسه كيف لوهلة استجاب لمكرها ودهائها....
بملامح متصلبة أراها الرسالة وطالبها بغلظة وهو يكبها على الأثير الخلوي " فسري"....
عقدت تبر حواجبها ودمدمت ما ظنه ستنطقه " لم أرسل له يوما مثل تلك الرسالة المشينة، أنا لا أدري كيف أرسلها من هاتفي".... بدت متحيرة جدا....
حرك مصطفى رأسه يمنتا ويسارا وأعرب بمزاج محتقن وهو يصر على أسنانه وأوداجه تنتفخ غضبا " وأنا لا أدري كيف مازلت أنصت لساقطةٍ مثلك، لو اعترفتِ بما تقترفيه من تدنيس لاسمي وسمعتي لربما غفرت لكِ، ولكن الآن.... محال أن أصغي لأية كلمة تتفوهي بها، في آذاني يحيى وقر من أحاديثك الناعمة أيتها الأفعى الفَاسِقة"....
وأحكم قبضة حول معصمها وجرجرها ورائه وهو يهدر " إلى الجحيم... وبدون أي شيء... ستخرجي من منزلي في التو لأبد الآبدين"...
حاولت تبر التملص منه فهو في غمار سحبه لها تسبب في كدمات ورضوض انتشرت على جسدها، فهي ارتطمت بحلية أثرية من الحديد المكسي بماء الذهب والمطعم بالجرانيت... دفعته تبر بقوة وهي تحتد عليه قائلة " اتركني يا بغيض.... سأهرول بنفسي خارج بيتكَ الكريه"...
لم تدري تبر أكانت دفعتها قوية جدا فعلا أم أن كونهما عند قمة السلم هو ما تسبب في تهاوي جسد مصطفى ليتدحرج على درجات السلم وليستقر عند نهايته مضرجا بالدماء....
كست تبر وجنتيها بيديها، وانسحبت الدماء من قاطبة جسدها، وتوسعت عيونها تحديقا بهول ما أحاقته بحبيبها، وتصلبت مكانها وتشرنق الوجوم من حولها لبرهة وجيزة جدا ومن ثم هرولت مندفعة نحوه وأمسكته من تلابيبه وصاحت هاذية وهي ترجرجه " أنتَ لن تموت بسببي يا مصطفى، سأترك الأطفال لكَ، لا أود حتى رؤيتهما مستقبلا، أنتَ تغمرهما بحبك وعطفك وهذا يكفيني، أنتَ بخير، رد عليّ".... ودقت على جناته بقوة علها تفيقه....
تناهى لسمع تبر صوت منصور وهو يدينها بقول غليظ وملامحه متصلدة قساوةً عليها
" أنتِ تريدين الإطاحة بأبي، أنتِ من دفعتيه لتخمد أنفاسه ويموت، أنا لن أسمح لكِ تولية الأدبار بجريمتك النكراء، ستنقليه وإياي فورا للمشفى، وإلا فسأخابر الشرطة بأنكِ دفعتيه بغية قتله، وسيضعوا الأصفاد في يديك"....
همهمت تبر بتخاذل ورأس مصطفى مستقرة في حجرها وهي توجه بصرها صوب طفلها " أنا لم أقتل مصطفى يا ولدي، أنا أحبه جما"....
هبط منصور الدرج بخفة وقوة، وهو يرعد فيها " أنتِ خنتيه لقد أنصت لكل شيء، وآخر جملة وجهتيها له وأنت تتملصي منه أنه بغيض وأنكِ تمقتي بيته الكريه!!!!!!"....
____________________________________
باريس
*مارسيلا*
شرعت مارسيلا الباب، وخطت نحو ليون المفترش لمقعد رئيس المؤسسات....
نهض ليون مع تجليها أمام ناظريه، وتقدم صوبها ليطبع قبلة على وجنتها ويحييها بعناق خفيف وتمتم لها مستحسنا تألقها ونضارتها " تبدين فاتنة مارو، يبدو أن أسبوع عسل مع حبيب القلب قد أنعشكِ تماما، صراحة أغار من آدمز فلقد اختطفكِ من قبضة العمة ليون"...
أفلتت مارسيلا نفسها منه وافترشت مقعد مجابه لمتكئه وعلقت بعبوس وهي تنفض آثار التصاقه بها باشمئزاز بيِّن وقرف واضح " دعك من الحوارات المنمقة يا ليون، لست مقربا مني ليكون لكَ الحق في الحديث عني وعن زوجي، علاقتنا تنحصر في العمل فحسب، تدور حول المصلحة الشخصية، ممنوعٌ عليك حتى إطرائي يا ليون، وأنتَ لست عمي... وأنا لا أعدك رجلا من الأساس، أنت محض جرذ خرج من جحره بعدما جُرِحَ الصديقي بوفاة ابنته الوحيدة، أنا أعرف حقيقتك يا ليون!!!!.. أنتَ حثالة.... شيء بشع ودنيء"
لدهشتها انفجر ليون مقهقها... وولج ليفترش متكئه الرغيد ويضع ساقا فوق ساق...
وأعرب لها وهو ينكب على مكتب الصديقي الذي يفصل بينهما " وأنا أيضا أعرف حقيقتك مارسيلا... أنتِ مجرد ساقطة ومدمنة للمخدرات والخمور، أشفقت عليها روكسان ودفعتها للعلاج وأمدتها بالنقود كي لا تعاود العمل في مهنتها المخزية!!!!، رفعتكِ من الحضيض، وجعلتكِ كيانا له بريق، فماذا فعلتِ بصديقتك يا مارسيلا؟؟... طمعتِ في خطيبها، ووضعتِ عليه العين، ونهشت الغيرة صدرك من فكرة تزوج روكسان بحبيبها آدمز!!!!، أثناء رحلة روكسان للتعرف على شقيقتها ملك وقع لها حادث دموي رهيب، نجت احدى الفتاتين، وعلمتِ بذلك، فشاركتِ معي في إيهام الجميع بوفاة روكسان، احتمالية أن تكون الناجية روكسان كانت بنسبة خمسين بالمائة، ولكنكِ طمستِ الحقيقة معي ليخلو لكِ وجه آدمز، استغليتِ تداعيه النفسي وتقربتِ منه بحجة مؤازرته وتعضيده، ورطتيه فيكِ، عوضا عن دفعه ليلازم روكسان في محنتها استقطبتيه حيالك، بعتِ صديقتكِ بثمن بخس يا مارو!!!!!... لأجل رجل تعج الحياة بأمثاله".....
وارتشف ليون نفس وأردف مستنكرا " ولأجل رجل دفعتِ بالصديقي للهاوية... الرجل انهار يا مارو وأصيب بأزمة قلبية عنيفة، كان من الممكن أن يموت، ليس في قلبك شفقة يا مارو، أنتِ أيضا حثالة.. وشيء بشع ودنيء، كلانا خائن يا مارو، أنتِ خنتِ لأجل رجل... وأنا خنت لأجل الوفر الكثير".... وبسط أنامله لتشمل براح الحجرة الواسعة المترامية....
ورفع إصبع سبابته نحوها واستطرد بملامح متصلدة " إياكِ أن تهينيني مرة أخرى، بيتك من زجاج فويلكِ إن قذفتِ بيتي بالطوب"
صارت مارسيلا ناكسة الرأس وهي تسأله بغمغمة واهنة وتشبك أناملها في قبضة متلاحمة " ما الذي تريده يا ليون؟؟... علاقتنا انتهت، ما عملنا لأجله سويا صار صرحا مهول، روكسان ميتة في نظر السلطات الفرنسية، وهي شبح امرأة تحيى خلف الجبس والضمادات، ليس منها خوف"....
سمَّر ليون بصره عليها " لمَ أتيتِ إلى هنا مارو؟؟"..
واستطرد وهو يدرس التغيير الذي طرأ على وجهها وتشتت نظراتها " أأخبركِ أنا... الشبح هاتفت منزلكِ الأرضي، غيرتِ رقم الخلوي الخاص بكِ بمجرد أن أتممنا التمثيلية على الصديقي وآدمز، ولكنكِ نسيتِ تبديل رقم أثيركِ المنزلي"....
وتشققت سحنة ليون عن ابتسامة كريهة وهو يردف " لمَ بدلتِ رقم هاتفكِ الخلوي يا مارو؟؟.... أكنتِ مرتعبة من اتصال الشبح بكِ يوما ما، استوليتِ على مكانها مارو، يحق لكِ الجزع والارتعاب، عدتِ من شهر العسل بالأمس وفوجئت باتصال مسجل على هاتفكِ من الشبح.... كان اتصالا واردا إليكِ من مصر، لا أرتاب في أنكِ حذفت الاتصال فورا، ولكن روكسان ستعاود المحاولة يا مارو، روكسان لا تعرف حقيقتك العفنة، هي تظنكِ صديقتها، نحن شريكان يا مارو، لم يكن من المفترض أن تدب الحياة في روكسان ولكنها بُعِثَت من تحت الأنقاض امرأة مفعمة بالحياة، روكسان حية بكل ما تحويه الكلمة من معنى!!!!، هي تمارس كافة طقوس الانغماس في الحياة!!!!... هي حية ومستوعبة استيلائي على موقع الصديقي، وتطلب معاونتكِ، أنتِ منذ البدء معي، تخاذلكِ الآن يعني احتقار آدمز ونبذه لكِ، أجل هي من هاتفتكِ، لا تبتئسي هكذا، هي متزوجة من ابن عمها، هي لم تعد مخلصة لآدمز!!!!، ولكنها أيضا تنفر من البقاء مع بعلها، هي ماكثة في قرية نائية تاركة إياه في أتون العاصمة"....
وتابع ليون " أنتِ تنشئين ابنها ألفونسو!!!، أنت تعتنين بحبيبها آدمز!!!، أنتِ من رأبتِ صدع فراقها لهما، أنتِ صديقة وفية متفانية.... من الممكن أن تظل تلك هي الحقيقة للأبدية ولكن عليكِ أن تتعاوني معي"....
لم تعبأ مارسيلا بكل ذلك فقط سألته بتمتمة " هل تزوجت فعلا؟؟"
رفع ليون أحداقه نحو السقيفة وأعرب بتأفف " تظل النساء على الدوام مضمحلات العقل، لا ينشغلن سوى بتوافه الأمور"...
وأردف متسائلا وهو يلوح بأكتافه" ما الذي ستستفيدينه لو أخبرتك؟!!"
همهمت مارسيلا وهي تمركز بصرها على نقطة في احدى الحوائط " لن أستفيد شيء"...
وأولجت بصرها إليه وسألته " ما هي خطتك؟!!!"
تنهد ليون وأعرب بقناعة " يجب أن يأفل نجم روكسان إلى الأبد، وأنتِ وسيلتي لتحقيق ذلك".... قطَّع كلمات الجملة الأخيرة وسط جحوظ عيون مارسيلا....
وأومأ ليون برأسه مصدقا على قوله وسط امتقاع لون وجهها ووقوف كل الشعر في بدنها وزوغان بصرها وتحشرج أنفاسها
_____________________
*أعمار زبرجدة*
ألقاها في كوخ حقير... ورفع الحواجز المادية بينها وبين حبيبتها توت، ينتقم منها بطريقته الخاصة، يخلفها محتجزة في بيت متهالك، ويضع الحراس أمام عتبة الدار الذي تقطن فيه...
ما الذي يعرفه ذلك المقيت عن العذاب؟؟؟
أيحسبه ذاقه حقا؟؟؟؟
فاضت عيونها بالدموع فهي للمرة الأولى منذ سنوات وحدها تماما....
تكومت على نفسها، وانسابت العبرات من مآقيها بلا نشيج، حينما كان سلمان في الغيبوبة نبذتها أمه أسماء، لم تسمح لها بالدنو منه مطلقا، ولكنها كانت تزوره يوميا ليس لأجل التمثيل فقط ولكن ليطمئن قلبها عليه.... في طريقها إليه كان صغار القرية يزفونها بعبارات تشبه الفحيح، كانوا يقذفونها بحجارة ويفجرون الدم من مواضع شتى في جسدها، سكت الكبار عنها ولكنهم أطلقوا الصغار ليكدروا صفو حياتها وليهينوها بالنذر الكثير، سحقا له ما الذي يعرفه عن العذاب.....
وغاب عقلها في جب الذكرى البعيدة...
كانت في الثامنة حينها، فتاة جريمتها فضولها، الكل يتحدث عن سراديق الغجر.... عن بنات الغجر.... الرجال يتحدثون أمام النساء باحتقار لهم واشمئزاز منهم... ويتحدثون فيما بينهم بالافتخار لفتوحاتهم وصولاتهم معهم.... بنات الغجر.... توت ذات أصول غجرية.... ولكنها تنكرها.... ولكنها تظل غجرية.... قررت أعمار أن تقتحم سراديق الغجر... أن تتعرف على بناتهم.... لترى من هن حقا....
ظلت توسوس لصديقتها الأثيرة حليمة لترافقها، وأخيرا أقنعتها، وتحت ستار الليل، حثت الصغيرة أعمار الخطى إليهم.... كان الغجر قابعين على أطراف البلدة... وهي تحاول الاختفاء عن الأعين مع حليمة أمسك بهما رجلا ضخم الجثة مخيف... وقال لهما وهو يكز على أسنانه " من أنتما أيتها المتسللتين؟؟"
كان بصره منصب على أعمار زبرجدة، فهي تبدو الزعيمة فيما بينهما، وفي غفلة عن أحداق الحارس فرت حليمة مخلفة ورائها زبرجدة وحيدة...
حدج الحارس زبرجدة برمقة متشفية فيها فها هي صديقتها قد فرت بنفسها وخلفتها وحيدة بين براثنه القاطعة....
أطالت زبرجدة النظر إليه وسألته " لمَ أنتَ مخيف هكذا يا عم؟؟... تبدو طيب القلب، لست شرير كما تدعي، أنا مجرد فتاة غلبها الفضول لترى ما يقع فعلا في سراديق الغجر، أنا منكم، أمي تكون زهر ابنة سكينة الغجرية.... أنا أعمار ابنة زهر ابنة سكينة"....
قابلها الرجل نظرا وأعرب وهو يتنهد " أنتِ أعمار زبرجدة شمس صالح التبريزي..."
وترقرقت الدموع من عيون الرجل المهاب وهو يردف " لأول مرة تتباهى فتاة صغيرة بأصلها الغجري!!!!.... كل الفتيات هنا يحلمن بالانسلاخ عن هويتهن، أنتِ لا تعرفين كيف يجعلون الحياة أمامنا مستحيلة، يستحلوا كل شيء فينا"....
ناشدته زبرجدة " لا تبكي يا خال!!!!.... وقوِّس بدنك لي قليلا لأربت على كتفك في مشاطرة معاناة"....
جثى الرجل على ركبتيه بجوارها وتمتم لها بضراعة " ارحلي يا ابنتي، أنتِ لا تعرفي معنى أن تدلفي لسراديق الغجر"....
نقلت زبرجدة بصرها في الربوع وأفصحت بتكدر بالغ " ليست لكم بيوت.... سقيفتكم السماء.... وحوائط منازلكم مجرد قماش لا يصد عنكم رياح... ولا يقيكم شر الزوابع.... اغفر لنا يا خال ارتضائنا أن تبيتوا في العراء ونحن متدثرون بالدفء والرخاء".....
بغتة ظهرت هي..... كانت كما البدر في ليلة التمام.... وكأن الأرض انشقت وأخرجت ظبية بارعة البهاء..
ودنت منها وبسطت أناملها على لحم كتفها وقالت متبسمة لها وهي تثني ركبتيها لتصير في مستوى نظرها " فتاة فصيحة اللسان.... تعرف أن جميع البشر إنسان، ينسى الكثيرون تلك الحقيقة يا فتاة، أدمعتِ عين محروس الجبار... وشققت ينابيع الحب في قلب زبيدة ابنة سليمة أخت سكينة... جدتكِ يا فتاة.... جدتكِ تكون شقيقة جدتي"....
سألتها أعمار لتستوثق منها " أنتِ تمتين لي بصلة قرابة فعلا؟!!!"
أومأت زبيدة برأسها وقالت لها " ولكن إياكِ أن تخبري أحد، سيؤذون زبيدة آنذاك، ستتفرجي على زبيدة وهي تغرد وبعد ذلك تؤوبي لمنزلك وزبيدة ستغضب منكِ جدا لو ولجتِ لهنا مرة أخرى، هنا الكثير من الأشرار، ليس كلهم مثل محروس الجبار!!!!"
ارتفع صوت موبخ لزبيدة " أسرعي هيا... الكل ينتظر على أحر من النار"....
انتقت زبيدة لزبرجدة موضع تتفرج منه ولا ينتبه أحد إليه
ووقفت على المسرح تحيي جمهورها وتمنحهم قبلات المحبة ومحياها ينضح بشاشة أحستها زبرجدة مصطنعة.... ولفت نظر زبرجدة وجود كل من عاب في الغجر ولعابهم يكاد يسيل على فتنة المهرة زبيدة...
((دم الغزال يسيل يا خال.... كانت القمر إذا اتسق وأخْرَج ظبية مليحة جدا يا خال.... كان قلبها نقي كما اللؤلؤ وكان عرضها مُصان، لم تكن عاطلة كما تلوكها الألسنة ويفتري عليها الذئاب، كانت غزال حلو جدا يا خال، أعماق الناس كانت مزينة بقبيح الفعل يا خال، لما ما عرفوا يطولوها افتروا عليها ظلما وبهتان.... ويل البشر من الظلم يا خال.... ينحل عود المظلوم... ويرشق سهم في جسد الغزال.... ويسيل الدم يا خال.... يسيل أنهار... وتروي خيوط النهر حكاية ما تجف ولو مر الزمان... هم في ضلال يا خال.... يقولوا شيء والفعل كان الشتان.... يحتقروا الغزال ولعابهم يسيل عليه.... يودوه خفية ويهينوه في حيز العلن وكأنهم ورعون يسبحوا ربهم ليلا نهار.... أنا مسامحاهم يا خال.... ودم الغزال لو سال تموت البراءة يا خال... أنا مسامحاهم يا خال))
شعرت زبرجدة بيد تمتد لتربت على ظهرها وطالعتها فتاة تقاربها عمرا ولكنها تصغرها سنا تحدق فيها بعطف ومواساة وأعربت لها بدمدمة " تبكين بسبب غناء أمي، هي تفضحهم، وهم يصفقون لها، هم لا يعوا حقيقتهم، أفتخر بسخرية أمي عليهم!!!!"
سألتها زبرجدة وهي تثقبها نظر " تبدين صغيرة لتقولي مثل ذلك الكلام"....
ردت عليها الفتاة وهي ترفع حواجبها " تُشيبنا الهموم.... وأنا أحمل أطنانا منها على عاتقي"....
سألتها زبرجدة " ما اسمكِ؟"
أجابتها " اسمي خديجة.... ويقال لي خوخة"....
ونهضت خديجة لتغادر فتشبثت بها أعمار وقالت لها " أود لو أتحدث معكِ أكثر"....
ردت عليها خديجة بغمغمة وهي تسير مبتعدة عنها وترفع قط أسود سمين وتحيط ذراعها حوله " سنلتقي يا زبرجدة حينما يريد الله، فقط حينما يريد".... وتوارت عن أنظارها بغتة وكأن الأرض انشقت وابتلعتها...
تناهى لسمع زبرجدة صوت طفولي يقول " لا تكترثي لأختي، إنها تعشق التدثر بالغموض، تجيد إسباغ نفسها بتلك الحُلَّة، تدعي أن جدتنا سليمة أورثتها تعاويذها"....
قطع على زبيدة الصغيرة ثرثرتها، نهر أمها لها " ألم أقل لكِ أن تلزمي حجرتكِ ليلا يا زبيدة، وهل خرجت خديجة كذلك، ألا تنصتا لكلام أمكما أبدا؟"
ردت زبيدة الصغيرة وهي تنكس رأسها إمارة خجلها من عدم الإصغاء لكلام أمها
" آنا آسفة أمي"...
ردت زبيدة الكبيرة وهي لا تلبث معقودة الحاجبين " تقبلته.... لمخدعكِ هيا"...
سألتها زبرجدة " بناتك؟!!!"
انحنت زبيدة نحو زبرجدة وعلقت " زبيدة في الثانية عشر ولكنها منقوصة العقل.... خديجة في السادسة فحسب ولكنها داهية متحركة... أحيانا أخاف منها، تعشق تربية القطط السوداء، وتأكل اللحم نيء، وتقوم بأفعال لو رويتها لكِ لن يغمض لكِ جفن لبقية الحياة".....
وتنهدت زبيدة وهي تردف " عودي لمنزلك هيا!!!!"
سألتها زبرجدة " من زوجك؟؟"
ردت عليها زبيدة بابتسامة " أنتِ حقا فضولية.... حبيب زبيدة وبعلها يكون محروس الجبار.... هيا عودي أدراجك.... حسنا تودي التعليق ألقي ما في جعبتك".....
قالت زبرجدة " تليقان ببعضكما، فكلاكما طيب"....
ضمتها زبيدة إليها وهي تتمتم لها بحنان " أنتِ أول واحدة تقول مثل هذا الكلام، الكل يُبخس من قدر محروس، ولا يعتبره جديرا بي، الحب موطنه القلب يا صغيرة ينمو من رحم الآلام.... ليست له مقاييس، هو فقط لدغة تصيبنا بغتة، وأنا متيمة بمحروس، ولكن إياكِ أن تخبريه بهذا الكلام، يغتر عليّ، ولا أستطيع الحديث معه بعد ذاك"....
ظهر محروس في نطاق إبصارهما فأمرته زبيدة " أوصلها فالوقت متأخر"...
ارتفع صوت زبرجدة " لا.... أهل القرية يعتبرونا رعاع، ولو أوصلتني سيعدونك قد ألحقت بي ضيرا، وقد يرشقونك بالحجارة يا خال!!!!!، أنا زبرجدة.... أنفذ في الحديد... وأتسلق النخلة مهما كانت شاهقة.... وسأعاود للمنزل بفضل دعواتكما لي.... سأتوحشكما.... لستما رعاع، أنتم مضطهدون ويحدجكم الناس بنظرة فوقية... وأنتم هم الأسياد... عرفت ما أتيت للبحث عن إجابة له".....
وزبرجدة تركض صوب منزلها استوقفها نداء زبيدة الكبيرة " انتظري يا صغيرة"....
استدارت نحوها فشملتها ابتسامة وجهها المضيئة.... اقتربت منها زبيدة الكبيرة وقالت لها " عيونكِ معجبة بلباس الغجر، وأنا سأمنحكِ هدية تتذكريني بها لبقية عمركِ، هيا اتبعيني"...
وأخرجت زبيدة من صندق ملابسها ثوبا حريريا أحمرا..... كان براقا ومبهرا.... الجزء العلوي منه كان من الدانتيل المزركش يزينه حزام مصاغ من عرق لؤلؤي، وينساب باتساع تدريجي ليصل لتتمته، يتناثر عليه تطريز فضي على هيئة فراشات في منطقة الخصر، ويزين ذيله التل النبيذي المطعم بحبات الاسترس الناعمة.....
شهقت أعمار مبهورة به.... واحتضنت زبيدة شاكرة لها روعة هديتها....
وولجت لمنزلها وأخفته في مكان لا يصل له غيرها....
برغم وعدها لزبيدة ألا تلج لهم مرة أخرى إلا أن شوقها لهم استبد بها.... فنكثت بيمينها وهرعت لملاقاة زبيدة، كان المكان مقبض خلاف المرة السابقة...
وكان الظلام دامسا ينشر سكونا مخيف....
توجهت زبرجدة نحو خيمة زبيدة فلقد عرفتها منذ التارة المنصرمة....
كانت زبيدة تكز على أسنانها وهي تعرب " ما خطبك أيها الغبي؟؟... قلت لكَ لن تنلني من جديد، ارحل قبل أن أصيح وأُحْدِث جلبة ليلتف حولك الغجر ويقطعونك إربا"....
رد عليها بنعومة كما الحفيف وهو يمد أنمله ليتحرك على ثغرها الممتلئ الجميل " كل الخيمات المجاورة لكِ قبضت ثمنكِ يا هرتي المتوحشة "....
وأردف "أنتم الغجر تفرطون في عرضكم بمنتهى السهولة واليسر... حتى محروس الجبار مع حفنة من النقود تركك لقمة سائغة لي وطار!!!!"
ردت عليه زبيدة والأنفاس تغص في حلقها والاختناق يرتفع كتلة في جوفها " أنت كاذب، محروس لا يفرط في شرفه أبدا!!!!"
تنهد شكري وأعرب " لا تصدقيني.... إذاً لمَ خلفكِ ورائه وسافر؟؟... هو لن يلج لكِ مرة أخرى، سيتزوج بأخرى شريفة، لم ينتهك جسدها رجال غيره.... أجل... لقد صدق الأسوأ عنكِ يا زبيدة، هو يظنكِ كنتِ معي بتتمة رضاكِ، رجل مثل هذا يستحق أن تدهسيه بأقدامك، سأجعلك ملكة على الأرض ولكن فقط كوني لي!!!"
هزت رأسها نافية وأعربت بعنفوان قائلة " أنا لن أكون لكَ برضاي أبدا، لقد اغتصبتني!!!!... وآن أوان اقتصاصي منك بيدي، أجل... سأقتلك يا بغيض، وجودك في خيمة غجرية في مثل تلك الساعة المتأخرة من الليل ليس له سوى تفسير واحد وهو لصالحي"....
وتشابكت معه زبيدة وحاولت غرز سكين في جسده بالبداية إلا أن الأمور سرعان ما انقلبت عليها فأسقط شكري السكين من يدها، واندفع يضربها ويركلها وارتطم بصر زبيدة بقطعة حبل قابعة على الأرضية فحاولت الوصول لها زاحفة على بطنها، لتلفها حول رقبة شكري ولكنه كان أسرع منها والتقطها، فارتفع صوت الغزالة صائحا " أغيثوني.... شكري البغيض يود نهشي حية أو الفتك بي، أغيثو..."
والتف الحبل الغليظ حول رقبة زبيدة، فجحظت عيونها وازرق وجهها وتدلى لسانها وفارقت الحياة الظالمة بأسرها.... وخرت على الأرضية جثة هامدة بلا حراك....
لم تكن زبرجدة مستوعبة ما يجري حقا، كانت مقطوعة الأنفاس، متسمرة مكانها من فرط الذعر والارتعاب، ذاك شكري زوج أختها ومغتصب زبيدة وقاتلها.... هو من أسال دم الغزالة...
بدا لها شكري أرنبا مذعورا وهو يتلفت حوله ليتأكد من عدم رؤية أحد له، وولى الأدبار بحقارته وخسته، بعد اطمئنان زبرجدة لرحيل شكري هرولت صوب زبيدة.... تقهقرت في خطواتها حينما لمحت خيوط الدماء تغطي جسدها... وتتشابك بصورة تخيفها....
سألتها زبيدة " تخافين لو تلطخ ثوبكِ الثمين بدمي؟؟!!!!"
هزت زبرجدة رأسها نافية
فدعتها زبيدة " اقتربي"....
ركعت زبرجدة بجوارها وتناهى لسمعها تلفظ زبيدة الذي يخالطه الأنفاس المتلاحقة
" انسي ما رأيتيه، لازلت صغيرة لتتحملي مثل ذلك عبء، فقط تجنبيه، إنه أرقم وخبيث، يجيد تدمير حياة من لا يطيع نزواته ويحقق له أطماعه، اعتني بزبيدة الصغيرة، لا أدري كيف تعتني طفلة بطفلة ولكن اعتني بها، لو لم يلج محروس حقا اطلبي من والدكِ أن يكفل بناتي.... خديجة وزبيدة، هو رجل صالح وسمعته في عمل الخير عظيمة، نصحتكِ يا صغيرة ألا تلجي لهنا مجددا فلمَ أتيتِ؟؟.... زبيدة غاضبة منكِ جدا لأنكِ لم تفي بوعدكِ لها!!!"
اختفت خديجة بعد وفاة أمها.... لم تتمكن زبرجدة يوما من الوصول إليها لتحقيق وصية زبيدة....
لم يلج محروس يوما للبلدة ولأن زبرجدة تحبه فلقد رسخت في ذهنها اعتقادا بأنه ولا ريبة توفى.... أجل لا شك أن شكري سفك دمائه لأنه كان العقبة الكئود لينال زوجته الغالية....
لم تلتزم زبرجدة الصمت، لم تنسى كما طالبتها زبيدة، قررت الإفضاء بما رأت لوالدها شمس.... والدها سيرفع راية الحق..... سينصر الحقيقة...
في حجرة زبرجدة
قال شمس بارتعاب عليها " مازلتِ ترتجفين يا صغيرة، أدثركِ بأكثر من عشرة أغطية ومازلتِ ترتجفين وتصطك أسنانك ببعضها!!!"
تمتمت له زبرجدة بصوت أبح خفيض " قال الله عز وجل يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"....
عقب شمس قائلا " صدق الله العظيم"....
سألته زبرجدة "أكل البشر سواسية يا أبتي؟!!!!"
رد أبوها " وهل بعد قول الله قول؟!!!!"
قالت زبرجدة " أنت تُسَبِّح الله بالعشي والإبكار يا أبتي، تذكره في كل وقت، والله أمرنا بأن نرفع راية العدل.... وألا نكتم شهادة حق"....
ربت شمس على وجنة زبرجدة وهو يعرب لها بزهو " أحب فيكِ خوفكِ من الله يا ابنتي"....
اعترفت زبرجدة " غلبني ذات المرة الفضول وذهبت لبقعة الغجر، وكانوا لدهشتي مجرد بشر، لم يكونوا مشعوذين ولا بائعين هوى كما تتناقل عنهم الألسنة، كانوا بشرا متحابين وصالحين يا أبتي، استقبلوني برحابة، وأحسنوا ضيافتي، وطالبوني ألا أؤوب لهم كي لا تغضب مني يا والدي، يُذيقهم أهل البلدة الحميم والغساق فقط لأنهم من بني جلدة الغجر!!!!، شكري زوج قيثارة خنق زبيدة يا أبي، لفظت أنفاسها من جرائه، هو قاتل، ارفع راية الحق يا أبي، كن مقسطا مع غجرية استباح البشر كل شيء فيها، أنا شهدت كل شيء، أَوْقِفَني أمام القاضي وأنا سأفضي بما رأيت، لا تقل هي غجرية منزوعة الشرف يا أبي فتصيبك لعنة من الله، أنتَ الشيخ شمس، كلمتكَ كما حد السيف، أنتَ من يمكنه أن ينصفها بعدما لاقت حتفها، لم يعد بإمكانها الكلام فدعني أتحدث نيابة عنها وأفضح ما أصابها، أنا خائفة من الدنيا يا أبتي ولن أشعر بالدفء مجددا حتى يلاقي من قتل زبيدة قصاصه العادل"....
كانت قيثارة تمارس المسكنة باحتراف ومهارة، وبعدما تناهى لعلمها كون وعكة صحية ألمت بأختها وأنها ملازمة فراشها، ترتعد كما ورقة في مهب الريح، كل ما بها واهن جدا وضعيف، قررت زيارتها لتطلي على والدها خدعة محبتها لشقيقتها الصغيرة....
شرعت الباب فالتفتت زبرجدة صوبها ودمدمت لها بقوى مدكوكة متداعية " تخلصي من ارتباطك بالقاتل يا قيثارة، شكري أزهق روح زبيدة، من يقتل مرة لا يؤمَن جانبه، ناصري أبي وارفعي راية الحقيقة، لن أصمت قبل أن يصلى شكري الجحيم، لقد بغى وتجبر فلا تُشْطِطا في الحكم عليه، كونا عادلين، أنا لن أُشْفَى لو سال دم الغزالة بدون القصاص، لو ماتت البراءة فعلا في قلب من خلقهم الله أناس!!!"
اندفعت قيثارة قائلة بصياح وهي تشوح بيديها " أرأيت مدى حقد ابنة زهر عليّ، تفتري كذبا على زوجي الحبيب، أتسكت يا أبتي عن تلك الترهات التي تلقيها على مسامعنا، ينبغي أن ترتدع زبرجدة عن ذلك الهراء الذي تدعيه!!!!"
كورت زبرجدة الجزء من عباءة والدها، ذلك الذي يحجب صدره عنها وسألته بمزيج من اللهفة والتطلع " أنت تصدقني يا أبتي، قل لقيثارة أنك تصدقني، وأنك ستعلي راية الحقِ"....
كانت تحثه ليدمغ المبادئ التي يسقيها لها بالفعل.... ولكن ظنها خاب، وسقطت زبرجدة في سرداب لا ينتهي من الأسى والأحزان.... وانحفر بداخل قلبها آبار من الأشجان...
انتزع زبرجدة من شرودها صوت دس مفتاح في ثقب الباب وإدارة مقبضه ليتم شرعه....
تلاقت عيونها مع خاصتي سلمان...
ابتدأت زبرجدة الحديث بتشدق كما الحرير " تُحَقِّر من نفسك بإسكانكَ زوجتك في بيت متهالك قديم، تناهى لعلمي أنكَ فاحش الثراء، ما سيظن عنكَ الناس؟؟.... أنكَ تعاقب زوجتك الخائنة مثلا.... ولكنك ستظل بدون رجولة كافية في أحداقهم، لو كنت رجلا فعلا لأزهقت روحي فورا بمجرد أن أبصرتني، ولكنكَ دافعت عني، وصددت عني رصاصة كانت تنتوي اختراق صدري، آه يا سلمان، مسكينٌ أنت يا ولدي.... لا تقوى على سفح دمي.... ولا على التخلي عني... تظن باحتجازك لي هنا أنك تعاقبني، لقد عشت حبيسة زنزانة أعفن من تلك لسنوات كثيرة من عمري، أنتَ لا تُلحق بي ضير، صدقني أنا أشفق عليك!!!!..... آه يا سلمان، مسكينٌ أنت يا ولدي، نشرت نعيق البوم في ربوع حياتك بزواجكَ مني، فلتتحمل ما ستلاقيه يا ولدي، سأزرع الحنضل في أرض حياتك صدقني أنا بارعة في ذلك، ستندم على اليوم الذي لم تسمح لي فيه بالفرار من تلك القرية.... ومنك"....
استشاطت زبرجدة غضبا وتميزت غيظا فسلمان لم يكترث لها ولم يعقب على قولها.....
انتصبت واقفة وطوت الأرض لتصده عن مخدعه الذي ولج ليبيت عليه....
كانت أنفاسها تتمزق لهاثا من جراء دنوها الشديد منه.... رجولته تداهمها وتكتسحها، أزاحها سلمان بقليل من الغلظة.... ونبس لها " لا أريد سوى النوم يا زبرجدة، ابتلعي لسانك ودعيني وشأني يا امرأة، أنا من يشفق عليكِ يا زبرجدة، كنتِ إنسانة أفضل وأرقى من ذلك، خسارة يا زبرجدة.... خسارة"..... يتحسر عليها
صاحت فيه زبرجدة منفلتة الأعصاب.... ثائرة " كيف تزوجنا أجبني؟؟.... أنا لا أتذكر، اللعنة ولكني فعلا لا أتذكر، أضغط على نفسي.... أرهق تفكيري، ولا ينبثق الأمر عن شيء"....
وأردفت باسترحام " أرجوك أخبرني.... وأتوسلك أَطْلِق سراحي، لم أعد أحتمل الاحتجاز، البقاء وحيدة يدفع بعقلي نحو الشطط، أنا فتاة سيئة أحطت من شأن والدها.... وزوجة خائنة لرجل صالح يفديها بحياته كلها... أنتَ قلتها كنت أفضل وأرقى من ذلك، ولكني لم أعد كذلك، أماتوني في السجن، وكان يجب أن أموت لأتمكن من الحياة هناك، أنتَ لا تعرف مدى قساوة الزنزانة، ليت الأمر يقتصر عليها، من يشاطرنك العيشة فيها يشبهون الذئاب، لا ينتعشوا سوى بامتصاص دماء الغزلان، أسوأ ما في الأمر حينما تستحيل مثلهم، لا يمكنك المقاومة في ذلك المعترك والنجاة، لو لم تتطبع بخصالهم يُكْتَب عليكَ الفناء، وأنا يجب أن أعيش، لأبر بوعد قطعته على نفسي في زمنٍ سحيق، حتى السجانين قساة وفظين، وهناك من يطمع بجسدك.... وهناك من ينهش في لحمك، وهناك من يفجر دماء قلبك، أنت لن تستفيد شيء لو وأدت آخر بارقة أمل تلوح في أفق رؤياي، أن أحيى أنا وتوت خارج البلاد، نحظى بفرصة البدء من جديد..... نحظى بفرصة أخيرة مع الحياة"...
________________________
*علي*
لقد أعاد تلك البلية الكبرى لعصمته، وهي طاب لها المقام عند جدهما، وكأنها تنتوي البقاء هناك حتى انتهاء عمرها، قرر أخيرا مهاتفة بيت جده ليخابر ملك، ردت عليه ريح الخزامي ببشاشة وترحاب، وبخته قليلا لأنه لا يسأل عن جده رغم كبوته الصحية الأخيرة، واعتذر لها وأعرب عن محبته العميقة لجده، وأخيرا تسنت له فرصة سؤالها عن ملك.... ساد الصمت لهنيهة طويلة.... حثها لتجيب.. فأجابت بشيء من التردد والتلعثم
"أنا لا أكذب أبدا، مضطرة لأفضي لك بالحقيقة، حزمت زوجتك حقائبها هي وابنتك بالأمس وادعت أنها سترتحل في إثرك، و... حسنا يا علي ظننتها تغيرت حقا ولم تعد تكذب، أتوقع أنها عند أزاهير فلقد تبادلت معها مخابرات عدة في الأيام المنصرمة، لا تنفعل عليها حينما تلاقيها، أنا أرجوك فقط استوعِبها واحتويها، ملك فتاة رقيقة فعلا أنا اختبرتها طوال مدة إقامتها معي، هي قبس من نور تشع نقاء وصفاء"....
تكورت شفة علي تهكما على قول ريح الخزامي.... وصرف أسنانه للمرارة التي ملأت فمه....
بالطبع لا تروق للساقطة حياة القرى، ولجت لترتع وتلهو في الملاهي الليلية بالمدن!!!!!
ولهذا الفصل بقية قاسية لا أقوى عليها الآن قد أنهيه غدا أو بعد غد ومن يدري
|