كاتب الموضوع :
بنت أرض الكنانه
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: وأذكر في الهوى جرحك!!!!!!!
السلام عليكم
يسعد اوقاتك blue may
لعيونك الحلويين
نتفة صغيرة
الجزء الاول من السابع
لم انهيه بعد
هعمل على الانتهاء منه اليوم او غدا
السابع
قلب يرفرف في قفص ذهبي!!!!!
تبر
هي محشورة في زاوية.... بين المطرقة والسنديان تقطن، تشعر كأن أحشائها تضغط داخلها بشدة كآلة تعذيب حادة، لم تعد معدتها تتحمل أي طعام، هي تتجشأ تقيؤ باستمرار، ولو ظل الوضع على ما هو عليه فهي على شفا الانهيار....
الخوف يزحف على امتداد عمودها الفقري من أن يفضحها ذلك المبتز، ولكن الارتعاب يسري في قاطبة كيانها من إمكانية كشف مصطفى لحقيقتها الملتوية الخائنة!!!!.....
كلما حاولت التفكير بطريقة تُخرجها من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه تجد ذاتها غارقة في يأس مطلق، فلا بصيص ينتشلها من تلك الهوة السحيقة التي انزلقت فيها....
مستقبلها سيستحيل دخانا لو وشى بها ميدو!!!!
هو يمطرها اتصالات ورسائل تلك الأيام، وفي كل مرة يرِد هاتفها أية نفحة منه يقفز قلبها من فرط الجزع والارتعاب، ويمتقع لون وجهها، وتشحب أطرافها، وتقشعر كل خلية في بدنها، وتستحيل كما الملسوعة منتفضة من على البقعة التي كانت تفترشها....
هي تتعمد تجاهله، حتى رسائله لا تشرعها لتعرف فحواها....
تشعر كأن هاتفها استحال حشرة سامة ستلدغها بعدما يدنسه ذلك الميدو باتصال أو رسالة منه....
تواترت عليها فكرة استئجارها قاتل ليغتاله ويريحها منه... ولكنها لا تعرف تلك الطرق المعوجة، ولا تدرك كيفية تحقيقها مبتغاها، وهي تخشى الله أولا وأخيرا....
هي شاردة في أفكار تبتلعها في دوامة...
مصطفى يرتاب فيها، هو حازق ومتوقد الذكاء.... لن تفلت من قبضته أبدا، سيكشفها لا محالة، وبالتأكيد هو مسلط عليها عينا تراقبها الآن....
ولكنها لا تفارق عتبة الدار....
هي فاقدة لسلامها الداخلي وهي تموت ببطء شديد وتتعذب بمنتهى التفنن والاقتدار....
كانت متكئة بجذعها على شجرة عملاقة بحديقة قصر زوجها، مرتدية ثوب فاحم اللون بسيط، وتاركة شعرها ينساب من حولها كما شلال من حبات الكستناء، لم تعد تعتني بتصفيفه، تخلفه متكسرا على زندها كما الأمواج...
من أين تبدأ قصتها بالتحديد....
نشأت وترعرعت كابنة مدللة في قصر رغيد... عاشت مترفة ومنعمة.... لا تعرف للعوز طريق، هي تبر فاروق التبريزي... ابنة سلالة يشار لها بالبنان في قريتهم الصغيرة، ينبلج الصباح فيهرع الخدم ليوضبوا لها حقيبتها الدراسية، ويملأوا زمزميتها بالماء البارد الحلو المذاق، ويجهزوا لها إفطارا شهيا فخما، ثم يصموا الكون ضجيج ليستوثقوا من أن العربة التي تسوقها الخيول الأربعة والتي تنقلها كل يوم إلى مدرستها تنتظرها وهي على أهبة الاستعداد لها...
أمها ياقوتة توصيها بأن تعتني بنفسها وهي تحتوي وجهها بين أكفها ثم تضمها لها طويلا وهي تلهج لها بالدعاء وفي النهاية تتخلى عن تشبثها بها على مضض وتُطلق سراحها لتلحق دروسها....
منصور يناوشها بأنها فتاة والدها الأثيرة... وابنة أمها المدللة، وبأنهما يكنان لها حبا مضاعفا عما يسِرَانه له....
كانت تقابل قول أخيها برحابة.... وتؤكد له بصوت أجش أن والديهما لا يحبذان أحداهما على الآخر، هي فقط مشاعر غيرة تتلظى بداخله بدون برهان!!!!... مجرد ترهات تقوم في عقله لا تلاقيها حجج بينة من التصرفات!!!!
وكانت تبرر له بتؤدة بأنها فقط الكبيرة، وأول فرحتهما، ولذا فلها مكانة خاصة لديهما، ولكنهما يحملان نفس الأحاسيس الرحبة لكليهما....
كانت ياقوتة تدس الهبات في أيادي تبر لتجزلها لفقراء البلدة، كانت تعلمها الزكاة والصدقات بطريقتها الخاصة، لكن تلك التصرفات البسيطة أشعلت الحقد في قلب أخيها نحوها!!!!!
كان يرى أن أمه تجعل من تبر واجهتها المضيئة، تدفعها لتكون جبهتها الأمامية الشهيرة، وتتركه هو في نهاية الصف... في عتمة بعد زوال نور الشفق....
والدهما كان يصطحب تبر في كل تجولاته، كانت أوداجه تنتفخ زهوا بها، هو منصور!!!!.... هو الذكر.... هو الأولى بهذا الاهتمام، هي مجرد فتاة يغطي وجهها بقع النمش، هي تتعتع كلما صارت محط للأبصار.... هي فاشلة جدا، وهي لن تُخَلِّد اسمهما.... هو الأحق بهذا الاعتناء!!!!
لقد أنجباها والديها بعدما مسهما الكبر، كانت أول قرة لأعينهما، كانت تبر تظن بأن تلك هي الحقيقة المجردة وهي تفسر الاهتمام الشديد الذي يغدقها والداها به...
لم يكن منصور مجتهدا في دراسته، على النقيض من تبر التي كانت تحرز أعلى الدرجات، تبر فقط كانت تخشى مجابهة الحشود، تختبئ في حضن أمها من الغرباء، كان يساورها شعور مبهم من أن تلك الجنة التي تحيى فيها ستكون وهما تستفيق منه على واقعٍ مريرٍ.... كانت تعيّ في الحديث رهبة وخوف.... كانت تخاف الخطأ فتسقط فيه أمام الحشود، كان والدها يحاول تعزيز ثقتها بنفسها، كان يدنيها منه، ويُجْلِسَها معه في تحاوراته.... وأمها كانت تبرزها بين قريناتها كالمعطاءة باسم عائلتها.... ولكن تبر ظلت خائفة... ظلت تشعر برغبة في الانزواء عن الأضواء والإجهاش بمرارة في البكاء.... لم يكن هناك ما يفسر الحالة التي تنتابها.... هي فقط مضمحلة الثقة في نفسها، تكاد تتلاشى أمام تحديق قريناتها بها....
في هذا العمر تفتح قلب تبر بالحب نحو ناصر!!!!، كان يمت لها بصلة قرابة بعيدة، ينحدر من الركن الفقير في عائلتهم!!!!
كان يتعمد التعالي عليها... وتجاهلها، كان يفطر قلبها بتوجيهه كل الاهتمام نحو ابنة عمها زبرجدة، سعت تبر للفت انتباهه بكل السبل الممكنة، كان يدرس في جامعة الاسكندرية، ويلج للبلدة عند عطلة نهاية الأسبوع، تعتني بشكلها قدر استطاعتها في ترقب اطلالته، تخنع له في القول، تنبهر بكل كلمة يتفوه بها، تذكر أنها في عيد ميلاد أعمار زبرجدة الثامن عشر وضعت أطنان من مستحضرات التجميل على وجهها لتحوذ إعجابه، ولكنها بدت بشعة كما المهرج، لم تعنفها أمها على بهرجتها الصارخة بالعكس قومتها بلطافة ودعتها لترك تلك المستحضرات فهي تُفسد وجهها وقد حباها الله بوجه ملائكي فاتن....
أما منصور فقد سخر منها، وقزمها بنظراته المتهكمة عليها، واقترب لينفث في آذانها
" لن تستحوذي على إعجابه أبدا فأنتِ بقطع النمش التي تكسو سحنتكِ... وبتلعثمكِ... وبتواريكِ في ظل زبرجدة... أنتِ بكل هذا فاشلة جدا يا أُخَيَّتي الكبيرة"....
كبُرَ الغل في صدر تبر تجاه زبرجدة، وتفاقم حقدها نحوها، فناصر لا يُبْصِر غيرها
حاولت زبرجدة احتوائها مرات عدة مؤكدة لها أن لا مكان لناصر في قلبها.... ولكنها كانت مستوثقة من كذب ابنة عمها، فقلب زبرجدة ينبض لناصر جما!!!!!... حبه جمرة تتوهج باطراد في أعماقها!!!!!...
واعتادت تبر التشفي فيه حينما تشهد بأعينها تجاهل زبرجدة لمشاعره الجياشة حيالها!!!!
طوال عمرها كانت زبرجدة فتاة غير مفهومة بالنسبة لها
كيف يمكن لفتاة مقاومة سحر ناصر وألا تتهاوى أما جاذبيته النابضة؟!!!
كانت تبر وستبقى منعدمة الكرامة على الدوام، أملت أن يكون ناصر قد قنط من زبرجدة ويُفسح لها مجال....
تكاد تكون قد استجدته حبها.... تلك الذكرى مهينة جدا لها....
اعتصرت تبر عيونها وطأطأت رأسها وحركتها يمنتا ويسارا أسفا منها على إهدارها لكبريائها.... لا يزال طعم الخزي يعلقم ثغرها...
في حدائق أشجار الفواكه الخاصة بآل التبريزي
" أنا مغرمة بك يا ناصر... زبرجدة تعشق إحالة الجميع مفتونا بها... ولكن قلبها لم يلتهب حتى الآن بحب حقيقي، هي تتلاعب بك!!!!، صدقني أنا، أَزِل الغشاوة من على عينيك، أفق يا ناصر!!!!، امنحني فرصة وأنا سأُنْسِيك حبها!!!!"
حدجها ناصر حينها برمقة احتقار مازالت تفتت كيانها وتبعثر أشلائها ورد عليها بصوت ينضح صرامة وثبات
" لا تثيري اشمئزازي يا تبر، أنتِ وزبرجدة تشاطرتما الرضاعة، أنتما أختان!!!!، وأنتِ تنعتيها بفحوى أنها صائدة إطراءات"....
زم شفتيه تقززا واستنكارا وتابع بصياح وهو يلوح بكتفيه " فقط ابتعدي عني.... أنا لا أطيق دنوكِ مني.... لمَ لا تستوعبين؟؟.... لمَ أنتِ واقفة الآن كما التمثال؟؟..... لمَ تحدقي في ببلاهة وبستار من العبرات..... تجاهلتك مرارا إلا أنكِ مصممة على دفعي لقولها لكِ.... لو كنتِ المرأة الوحيدة في تلك الحياة لن تحركي في شعرة واحدة.... الرجل لا يحب المرأة المدلهة في بحور عشقه بحمق، التي تتنازل عن كبريائها لأجله، المرأة موفورة الاعتبار والتي لا تسكب مشاعرها كلها مرة واحدة هي من تحظى منه بالاهتمام"....
واستطرد بما يشبه النصيحة وقد لانت قسماته وتبدلت لهجته لرقراقة حانية، وقد كان يغالب رغبته في الدنو منها ليهدهدها ولكنه لم ينفذها
" أنتِ غالية عليّ يا تبر، لا تبخسي ذاتكِ قدرها مجددا، ضعي نفسكِ في مكانة عالية، دعي من يريدك يلهث خلفك، لا تتنازلي لأجل أحد يا تبر، لأنه لا يوجد رجل يستحق!!!!"
وأردف وقد قطب جبينه " ألن تردي؟؟"
كانت تبر منكسة الجبين وقتها، تتأمل في ذرات التراب التي علقت بنعلها.... لا تنصت لما يتفوه به..... كفاها ما أمطرها به من حجارة رشقت في قلبها.... هو لم يُضِف جديد.... هي منزوعة الكرامة فعلا.... تستشعر دوما دونية في ذاتها!!!!
واستدارت مبتعدة عنه وسارت الهوينا ولكن وهي مطرقة برأسها من فرط إذلالها.... لنفسها!!!!
لم تستجب لنداءاته المتكررة لها..... لم تعد تستمع لشيء فالطنين يعشعش في آذانها....
لم تبكِ ليلتها... لم تبكِ امتهانها لنفسها حتى الآن....
في سن الواحدة والعشرين أنهت تبر دراستها في كلية الأداب التي كانت ترتادها، كانت الكلية في نفس محافظتها....
وأثقل والدها كاهلها بالأعمال، أسْقَط كافه أعبائه على عاتقها هي.....
كان مزهو بها لأنها ستعضده أخيرا في أعماله المترامية
كان منصور حينها في الثامنة عشر، مدله بعشق فتاة مغناجة، لم تثر يوما الراحة في نفس تبر!!!!!
كانت بسنت ابنة ريانة وبشير!!!!
حينما ضبطتهما تبر منذ سنين عدة في وضع مخل متواريين خلف شجرة فواكه في حديقة أبيها وبختهما وهددتهما بفضيحة لو لم يلزما حيز الاحترام والتهذيب.... يدنسا أرض أبيها ويبدوان متأففين منها ولا تعتريهما برادة شعور بالذنب واحدة؟!!!!..
منصور حاول احتواء ثورتها العارمة، وتبر أخفضت صوتها كي لا يصل فحش منصور لأبيها فتنتابه صدمة كبيرة، ولكن تبر لم تستشعر ندم منصور على ما ارتكبه من معصية مخالفة للفطرة والشريعة... بدا لها حانقا عليها، يود تفخيخ دماغها، واجتثاث عروق الدم من جسدها، وإحالتها جيفة!!!!.... وكأن عيونه تثقبها بألا تتدثري بزي العفيفة، وتُلْصِقي بي الفسق والتمرغ في الخطيئة!!!!
دوما كانت علاقتها بأخيها منصور على المحك، دوما كان يُحَوِّر تصرفاتها بطريقة غريبة... أحيانا يرمقها بمحبة ومئات المرات يسدد لها تحديجات مميتة....
يتناجى بالإثم مع بسنت... ولا يقبل منها ترنيمة حق، تُطَهِّر آذانه من اللغو الذي ينسكب فيها...
لأسباب كثيرة لم يعد منصور يطيق شقيقته الكبيرة، وبدأ يخطط للإطاحة بها من توليها زمام أمور والدهما المالية!!!!
انفجار الزائدة الدودية الذي واتى تبر بغتة والذي انتقلت على إثره للمشفى للخضوع لجراحة عاجلة، كشف المستور عن سر كبير!!!!!
كانت ياقوتة قابعة في الرواق بجوار غرفة العمليات منفطرة في النحيب، وقام فاروق بالربت على كتفها، وبالتمتمة لها " ستخرج معافاة بإذن الله، كأنها ابنتكِ فعلا يا ياقوتة، لا تنهاري هكذا، تبر قوية حتى لو لم تعلم هي ذلك!!!!!"
تلاقت أحداق ياقوتة مع خاصتي زوجها وعلقت بصوت أجش وكأنها تعاتبه وتوبخه
" هي ابنتي فعلا، لم تخرج من رحمي كما منصور، ولكنها قطعة مني أفديها بكل نفيس وعزيز"....
أصيب منصور بالوجوم والشده من قول أمه ياقوتة
كان يسترق السمع كما عادته
يود معرفة ردة فعلهما على مصاب ابنتهما الغالية ليطَّرِد غله نحوها أكثر وأكثر
ولكن تلك المرة قبض على كنز ثمين
تبر لم تخرج من رحم أمه؟!!!!
هي ليست أخته
كفلاها ومنحاها اسمهما لأنهما كانا لا ينجبان!!!!
بدا تفكير منطقي لاقى استحسان من منصور
هو دائما نجيب
والتقطها
في تلك الليلة لازمت ياقوتة صغيرتها تبر، وولج فاروق للدار ليستريح قليلا، وليعاود الاطلالة على ابنته مع بزوغ الضياء، قد اطمأن عليها مفارقتها الحالة الحرجة التي كانت تنشب مخالبها فيها...
استاء فاروق لأن منصور لم يظهر في محيط المستشفى التي تقبع فيها شقيقته...
هو طائش وفاسد وكأنه نبتة طالحة حطت على أكتافه لتحني ظهره للأبد
تعقدت حواجب فاروق حينما دلف باحة الدار ليُبصر ولده الوحيد مفترش مقعدا وثيرا ويبدو متحفزا ومتأهبا ضده...
لقد كان في انتظاره!!!!
سأله فاروق وهو يثقبه نظرات " لمَ لم توافي شقيقتك؟؟"
مط منصور شفتيه، وجعد اخدود احدى وجنتيه، ورد بحقد متشعب في دواخيله وهو متشابك مع أبيه بصريا
" لأنها ليست شقيقتي، هي مجرد فتاة قدمتما لها الإحسان، وتلاعبتما في نسبها لتغطي على إخفاقكما في الإنجاب"....
وانتصب منصور واقفا، وصارت ملامحه متصلدة، وهو يستطرد بزجر لأبيه الطاعن في السن
ويلوح بأكتافه إمارة استياء بَيِّن يجتاحه
"فقط لا أفهم، لمَ ظلت الأثيرة لديكما بعدما أنجبتماني فعلا؟!!!، ألا تخشون الله؟، تُحْضِرَا غريبة لتقاسمني إرثي؟!!!!، تسبغانها مشاعر هي فقط من حقي؟!!!!، تسلمها مقاليد ثروتك وتُخلفني في ظلها لبقية عمري!!!، أية أبٍ أنت وأية أمٍ هي؟!!!، أنا أمقتكما وألعنكما، أنتما ظالمان، تجوران عليّ، وأنا لن أغفر لكما"....
وكأن فاروق ترنح مما ابْتُلِي به....
حتى الدمع تعلق بأهدابه وأبى الإدرار بعند وبإصرار
وبغتة وكأن الحياة دبت فيه من جديد، التهم الخطوات التي تفرقه عن ابنه وأمسكه من تلابيبه وهدر فيه وهو منتفخ الأوداج غضبا وعيونه تبدو فحما متوقدا من شدة السخط والاحتقان
" لن تُجهِز علي يا لعين، تبر وأمك بحاجتي، أنت مطرود من داري لأبد الآبدين، أيها الحاقد الناكر للجميل... أيها الأرقم الذي أحطته برعايتي لأمدٍ طويل.... تَكِن غلا متفاقما لشقيقتك الوحيدة، ولا تشفق عليها السقم الذي أَلَمَّ بها، ولا تطل عليها ولو لمرة واحدة من باب الكياسة والدماثة، اسمع.... تبر تكون ابنتي... من صلبي وعصبي.... سأحيلها وريثتي الوحيدة، لن ترث مني مليم يا أرقم... يا لعين!!!!"
تبارت حجارة الكراهية على التقاذف من سيماء منصور لتصيب أبيه في مقتل، وعلق باستيعاب... وبصوت يزخر بالازدراء اللا محدود
" كنت تخون أمي... هل تعلم بذلك؟!!!!... لا أتصور ذلك، كيف أقنعتها بكفالة ابنتك اللقيطة، سأفضحك عندها، وسأرى ردة فعلك حينها، تطردني من بيتك لتسلمه لها؟!!!!، دوما كنت غير منصف معي، تفتخر بها، وتسْتَعِر من رسوبي؟!!!!"
وكأن والده يتوسله " لا تخبر ياقوتة يا ولدي؟!!!!"
وكأن آذان منصور يحيى فيها الوقر... وكأن أنفه تشمخ وتعلو... وأعرب وهو يعقد ذراعيه أمام صدره
"أخيرا تستجديني أيها العجوز؟!!!!"
وسدد له رمقة تشفي وهو يتابع بصوت من يضمر لأبيه عداوة وحقد متناميين
" أبدا... لن أستر سرك أبدا!!!!... سأهدم أركان بيتك الذي طردتني منه".....
وفي طرفة عين صار فاروق مسجى على الأرض... مفارق للحياة....
لم يرتدع منصور عن المسلك الذي اختاره لنفسه والذي حفزته عليه بسنت!!!!
وأفرغ في آذان أمه سمومه كلها ولكن بأسلوب أملد.. متمرس تلك المرة
" كيف أقولها لكِ؟؟... حسنا أنتِ تسأليني كيف قضى أبي نحبه.... كان متوترا جدا لأجل مصاب تبر، قلبه لم يحتمل تعرض ابنته لمثل ذلك الغشيان، ولج للبيت وهو يعتصر بأنامله باب صدره، وكأن ألما مبرحا يستعر فيه، سندته لحجرته فطلب مني البقاء برفقته، وجلْب كوب ماء ليرتشفه فريقه أنشف من العصا المتيبسة، لبيت مناشدته لي ولازمته في لحظاته التي لم أكن أعلم أنها الأخيرة، أفضى لي بسر كبير"....
وتفرس منصور في ملامح أمه وهو يردف بتأنٍ وتمهل
" أخبرني أن تبر ابنته من صلبه وعصبه، وأنه مارس عليكِ الخديعة ليجعلكِ تنشئيها وتربيها"...
تمعنت أمه النظر فيه وعلقت ومحياها ينفرج عن ابتسامة باهتة
" من أين لكَ بتلك القساوة يا ولدي؟؟.... كنت أرى مضاهاتها له... كنت أُدرك بيني وبين نفسي صلتها به... ولكني لم أكن لأتحمل التيقن من هذا الأمر، لمَ رفعت الحواجز بيني وبينها، لمَ قطعت جسور التواصل من جذرها؟؟... لمَ أنت جلمود هكذا يا ولدي؟؟؟.... أنا أشعر بموجة من خيبة الأمل تضربني الآن... خائبة الأمل فيك... وفيه!!!!، خائبة الأمل فيكَ... وفيه، حتى حزني عليه سلبته مني، وكأنك تمزق سنوات عمري بمنتهى الوحشية والشراسة، أنا...."
وانفطرت أمه منهارة باكية...
كانت تبر في طور التعافي من الجراحة التي خضعت لها، ولكن قلبها غارق في ظلام دامس من وفاة حبيبها وأبيها.... عكازها وسندها وحاميها....
تتلمس الطريق لحجرة أمها لتبيت معها... وفي حضنها، مقتضيات سرداق العزاء رفعت ثقلا على قلبها، والراحة تكمن في صدر الياقوتة المتوهجة، وهي تدير مقبض الباب لتشرع الحجرة تناهى لسمعها الحوار الذي دار بين أمها وأخيها، لم تكن تبر مسترقة سمع، ولكن جملة منصور سمرتها مكانها
" أخبرني أن تبر ابنته من صلبه وعصبه، وأنه مارس عليكِ الخديعة ليجعلك تنشئيها وتربيها"....
وكأن روحها تبلغ الحلقوم
وكأن صروح الأخلاقيات تُقْتَلَع من جذورها وتُدَك أنقاضا متهدمة
وكأن كل المقدسات تفقد جلالها ورونقها...
وكأن خيول الصهيونيين تعيث فسادا في المسجد الأقصى....
لم تواجههما... هي جبانة جدا لتدخل في خضم تلك مجابهة....
وضبت تبر أمتعتها، وحزمت حقيبتها، أخذت الضروري جدا فقط، ومع إشراقة الضياء كانت مستقلة قطار ينقلها للقاهرة.... قررت موافاة العجوز سميرة، امرأة تمت لها بصلة قرابة بعيدة جدا، ولكنها دائبة السؤال عنهم، توفى بعلها ولم يخلف لها ذرية فلقد كان عاقر
أخرجت عنوانها من قصاصة مصفرة بالية كانت قد تركتها لها مرة وهي تحثها لزيارتها في ذات أوان
استقبلتها العجوز ببشاشة، وترحاب، واعترفت لها تبر بحقيقة نسبها وعيونها مغروقة بالعبرات، وطالبتها أن تأويها وألا تفشي سر مكانها لأية أحد... امتثلت العجوز لطلبها، فقد صدقت كل كلمة تفوهت بها.... كانت ترزح تحت وطأة الفقر المدقع، استغربت تبر أن أمها ياقوتة لم تُحْسِن يوما لها، ولكنها علمت بعد ذلك أن السيدة سميرة يحسبها الجهلاء غنية من فرط التعفف... تستحي السؤال من العبد ولا تبتهل سوى لله....
بدأت تبر مشوار البحث عن عمل، وتعرضت لمشاق ومصاعب كثيرة، قابلت ذوي النفوس المريضة الذين أرادوا بها السوء، والتقت بوجوه بشوشة ولكنهم لم يرحبوا بها بسبب مؤهلها الغير مناسب لهم.....
وداهمت تبر فكرة تفتيش ياقوتة عنها بعدما تستفيق من نكبة خيانة زوجها لها....
أو أن يتفاقم شر منصور فيبحث عنها بغية قتلها لأنها فرت من القرية وكأنها مرتكبة خطيئة وتخشى فضحها!!!!
هي لاتهاب بطش منصور، ولكنها تخاف على ياقوتة
لقد حدث شرخ مهول في علاقتهما ببعضها، لا تود تعذيب قلبها الرهيف بتمزيقها بين مرارة خيانة زوجها.... وبين ألسنة الحب التي تشب في صدرها حيالها!!!!
سترى ملامح والدتها الحقيقية صارخة من وجهها حينما تحدق بها.... ستنفر منها رويدا رويدا.... وستأتي لحظة ويخمد عشقها لها...
ولذا فقد قررت تغيير اسمها لتختفي تبر من على ظهر البسيطة للأبدية
ابتهلت لمنصور الهداية.... وتضرعت لياقوتة الصبر والسلوان...
وتابعت سعيها للعثور على وظيفة حتى لو متواضعة... لتساعد الحاجة سميرة في تكاليف الحياة الباهظة...
لقاؤها بمصطفى!!!
شعرت بارتجافة في أعماقها بمجرد أن وقع بصرها عليه
كانت ثيابه أنيقة جدا خالية من أي عيب أو خلل، قوامه معتدل غير مكتظ بالعضلات وشعره أسود كثيف حليق تتخلله بعض الندف البيضاء، عيونه قوية تظهران مدى مكره وذكائه وجاذبيته....
استغربت تبر طلاقة لسانها معه، هي تعي في الحديث على الدوام، أمام ناصر كانت خرقاء حقيقية مثيرة للشفقة....
ولكنها أمام مصطفى الآن
لم تطرقها سابقا فكرة أن تتطلع ليد رجل لتتأكد من خلوها من خاتم خطبة أو زواج، ولكنها مع مصطفى كانت متبدلة عما عهدت عليه نفسها، قاومت بشق النفس تنفيذ تلك الفكرة التي استبدت بها....
لم تتوقع توظيفها ولكنه فعل....
وظف سوما فاروق صالح التبريزي
قد ماتت تبر للأبد
سلمت أوراقها لقسم شئون الموظفين
وهي جزعة ومتقلقلة النظرات
وحينما انتبهت الموظفة القديمة سوسنة لشحوب بشرتها، ولتنقلات بصرها الزائغة ولعضها على وجناتها من الداخل بنواجذها
سألتها عما بها
فقررت تبر في تلك الهنيهة أن تمارس كذبة صغيرة عليها
زعمت أن عليها ثأر، وأن معرفة أحد بأصولها الصعيدية تؤذيها
وأنها هاربة من بطش عائلة شرسة في الصعيد تود الفتك بها
قطبت حينها سوسنة جبينها وسألتها وهي تُعْمِل نظرها
" ولكن الثأر للذكور فقط، هكذا ظننت دوما"
ردت عليها تبر حينها بعجالة.... وبانفعال ملحوظ
"نسل عائلتنا لا يحوي ذكورا!!!!، لذا فالثأر الملعون من نصيبي أنا"....
ضغطت سوسنة على يد تبر بدعم ومساندة وأعربت لها وشفاهها تتقوس عن ابتسامة حانية
"لا تقلقي لن يصيبك مكروه، ملفك سيكون بحوذتي أنا، وحينما يسأل أحد عن بياناتك سأضلله أيما كان"....
وأردفت سوسنة وهي تقطب جبينها في محاولة استيعاب " تتحدثي بلهجة أهل القاهرة، فمن أين أوتيتِ تلك المقدرة؟؟.... من لا يعرف حقيقتك يظنكِ قاهرية المنبت والترعرع"....
ابتسمت حينها تبر عن شدقيها وعلقت وأوداجها تنتفخ زهوا
"أنا لبيبة جدا، التقطت لهجتكم من الأفلام العربية القديمة، أنا متيمة بكل نجوم الزمن الجميل، وأحفظ حواراتهم التي رددوها في أعمالهم"....
وهكذا حينما طلب مصطفى بيانات مفصلة عن تبر، قدمت سوسنة لمن يجمع تلك المعلومات حقائق مغلوطة عنها، لم تدعه يطلع على ملفها، اكتفت بالتفوه له، وهو أكمل تحرياته عنها وأفرغ في مسامع مصطفى ما يظن أنه لا يعرفه!!!!
وتنفست سوسنة الصعداء لأنها لم تظهر في الصورة فكذبها على مصطفى بيك لو كان اكْتُشِف لكانت ستُلْقَى مشردة في الشارع بدون راتب يعيلها هي وابنها حيث أنها مطلقة
وكذلك أمكنها التنهد بارتياح لأنها برت بوعدها لتبر ولم تفشي سرها الرهيب عن أصلها الصعيدي المميت
لو كانت في واجهة الأمر لكانت اضطرت لإخبار مصطفى بيك الحقيقة، ولكن طمع زميلها بالقسم ليبدو هو في طليعة الأمر أراح خُلدها وجعلها تكذب بملء فيها... وبمنتهى الثبات والثقة
ظنت سوسنة أن مصطفى بيك معجب بسوما، ويفكر جديا في التقدم لخطب ودها.... ولذا يجري تحريات عنها، فانشرحت أساريرها ابتهاجا من تلك الفكرة التي راودتها، فالصعيدية المتزمتة تستحق كل الخير....
ولا تتوقع سوسنة أنه لو حدث بينه وبين سوما شيء جدي ثم بعد ذلك علم مصطفى بحقيقتها سيغضب من سوسنة ويطردها.... ربما يكافئها... أو على الأقل لن يمسها بضير...
كان مصطفى ينتقي تبر بالذات ليُرهقها أعمال، يكلفها بما لا يطيق إنسان وكأنه يستعبدها عامدا متعمدا، يهلكها ويستنفذ قواها تماما لتلج لسميرة منهكة وترتمي على سريرها لتغرق فورا في السبات
في غرامه هام قلبها.... وغنى الهوى طربا في آذانها، وفي لحظات غيابه عنها اضطرمت الغيرة والظنون في صدرها.... سمعته كعابث أنشفت عودها، أفقدتها الشهية تماما، حتى الورد الغائم في خدودها ذبل وتيبس.... لم تعد أبدا على حالها، يسافر لملاحقة أعماله كثيرا، ولاريبة في أنه يلهو في بلاد الفرنجة فالمجال هناك أوسع وأكثر نضارة وبهاء... ففتيات الغرب بارعات الحسن فائقات الجمال....
هي الحمقاء التي لفظها ناصر، وناصر لا يساوي شيئا أمام هيلمان مصطفى، ناصر كان قروي معدم ولكنه مغتر بقسماته المليحة وبهندامه المرتب، أما مصطفى فأسطورة رجولية نابضة.... ناضج جدا ومحنك... ابن زبدة منعم.... قسماته لا تشكل وسامة ولكنها تُفْقِدَها أبجديات الصواب كلها، مصطفى لن يحفل بها يوما وحتى لو علم بحقيقة أصلها وبأنها فتاة نشأت في كنف القصور لن تلفت انتباهه فملامحها عادية، ومصطفى لا ينقصه النقود، وهي لن تغريه بإرثها من أبيها فلقد تخلت عنه لياقوتة وأخيها
لا اتحدث عن شياطين فكلنا بشر خطائين
انا اتحدث عن امكانية الحب والمغفرة في ظل ما يختمر بداخل النفوس من قساوة وغلظة
هل يمكن المغفرة لمنصور هل تمكن لزبرجدة وتبر
لو كانت ممكنة فقصتي عن ذلك
لازال للسابع نتفة اخري بعد انتهائي منها ساكون مشغوله لمدة اسبوعين بعدها باذن الله لكم مني فصل طويل للغاية عن زبرجدة وملك سيكون فصل مرعب صدقا
تحياتي
|