الفصل الثالث عشر
دخلت بخطوات بطيئة فقد أثار مخاوفي كلام رائد الغير مفهوم ولكن كان عليا المجيء
ليس من أجل مظهري أمامهم فقط بل ومن أجل مظهري أمام عائلة عمتي أيضاً
وصلت منتصف المنزل كانت صالة واسعة بها صالوناً كبيراً ومجموعة من النسوة
الآتي لا أعرف منهن أحداً , كانت الأنظار كلها موجهة إلي , اقتربت منهم وألقيت
التحية , كان عليا الخروج من هذا الموقف سريعاً زوجة ابنهم ولا تعرف منهم أحداً
نظرتُ للجميع وعلمت من ستكون زوجة والده من حالها وحزنها وحدادها وبتقديري
لسنها , اقتربت منها فوقفت من فورها فقلت " عمتي أحسن الله عزائكم أنا زوجة ابن زوجك "
نظرت لي بادئ الأمر بصدمة ثم تجاوزتها وسلمت علي فقلت هامسة " أين هي مريم ؟! "
قالت بذات الهمس " التي تمسك الطفلة هناك "
توجهت لها من فوري وصلت عندها فوقفت من فورها فاحتضنتها وقلت
" أحسن الله عزائك يا مريم أنا قمر "
احتضنتني بقوة وقالت ببكاء وهمس " قمر زوجة رائد هل هوا هنا "
قلت " نعم "
ثم همست لها " أين غيداء ؟! "
نظرت لي وقالت " التي بجوار والدتها ونور الجالسة بمفردها هناك "
توجهت نحو الأولى وما أن وصلت عندها حتى وقفت ونظرت لي بكره
وقالت بضيق وصوت مكتوم " ما جاء بك وبه هنا "
نظرت لها مطولاً بصدمة ثم قلت " أحسن الله عزائك "
وغادرت تاركة لها واقفة توجهت حيث الثالثة فوقفت وصافحتني ببرود دون أن تجيب
على تعزيتي لها , عدت حيث البقية فوقفوا وبدئوا يعزونني , يبدوا علموا من مريم أو
زوجة والدها أنني زوجة ابنه , توجهت بعدها من فوري للجلوس بجوار مريم , يبدوا
لي هذا الخيار الأفضل , كان الصمت يسود المكان نظرتْ لي مريم وقالت بصوت
منخفض " لا تكترثي لكل ما يقال لك هنا "
ابتسمت لها وقلت " إن لم تستحمل زوجة ابنهم من سيستحمل "
نظرت لي مطولاً ثم قالت " أحسن رائد في اختيارك قلباً وقالباً "
ابتسمت لها وعدنا للصمت , بعد وقت جاءت طفلة تبدوا في السادسة توجهت
لي من فورها وقالت بمرح " أنتي زوجة خالي رائد ؟! "
قلت بابتسامة حنونة " نعم "
صعدت على الأريكة بجواري واحتضنتني قائلة
" لقد عرفتك , أنا ذكية سأذهب لأخبره "
قالت مريم هامسة لها بضيق " صبا ابتعدي من هنا والعبي في الخارج "
قلت ماسحة على شعرها " هل هذه ابنتك ؟! "
قالت " نعم متعبتي وليست ابنتي "
تركت حضني ووقفت بيني وبين والدتها وقالت " لقد رأيت خالي رائد وسلمت عليه "
قالت حينها غيداء بسخرية " خالها ولم تره إلا الآن يالا السخافة "
نظرتُ لمريم فأومأت لي بعيناها مغمضة لهما فابتسمت لها ابتسامة صغيرة بمعنى لا
تخافي لن أتحدث ثم عادت غيداء للحديث مجدداً وقالت بأسى
" حتى مات وابنه لا يعرف له طريقاً وكأنه ليس والده الذي أنجبه ورباه كل
ما فعله أنه أحنى رأسه بين الناس "
قالت حينها والدتها بحدة " غيداء اسكتي "
قالت ببكاء " لما أسكت الكل هنا يعلم ذلك ياله من ابن عاق لا يذكر والده إلا بعد موته "
لم أنطق بحرف فسكتَتْ حينها فقد وضعتها في موقف دفاعي الصمت فيه هوا الحل
الأنسب , ومر بعدها الوقت لا شيء سوى استقبال المعزيات وتوديعهن حتى اقترب
وقت المغيب ولم يبقى بالبيت أحد غيري وعائلة رائد , كنت طوال الوقت جالسة مكاني
لا أفارقه إلا للصلاة , بعد وقت طويل دخل رائد علينا
كانت تلك اللحظة الأصعب على الجميع ومؤكد على رائد أكثر رغم جهلي ما حدث هنا
في الماضي , اقترب بخطوات ثابتة فكان أول من استقبله مريم , احتضنته مطولاً ببكاء
وهوا يمسح على ظهرها في صمت , توجه بعدها لزوجة والده وعزاها فعاملته بجدية
لا برود ولا ترحاب كما استقبلتني تماماً , وقفت حينها غيداء وغادرت المكان غاضبة
دون كلام , نظر لها حتى اختفت ثم التفت جهة نور التي اقتربت منه ومدت له بيدها
في صمت , نظر ليدها مطولاً ثم صافحها فاستلت يدها من يده بسرعة وجلست مكانها
توجه ناحيتي ومريم وجلس بجوارنا على ذات الأريكة
بدأ بسؤال مريم عن أحوالها وعن أبنائها وغادرت حينها نور ولم يبقى غيرنا ثلاثتنا
وزوجة والده , بعد قليل نادت غيداء والدتها من بعيد حيث نسمع صوتها ولا نراها
فغادرت باتجاهها مختفية عنا أيضاً , كانت تتكلم مع ابنتها بحدة بصوت غير مفهوم
ثم سمعنا صوت غيداء الصارخ وكأنها تتعمد إسماع أحدهم وهي تقول
" لا نريده يا أمي هل تذكرنا الآن , لقد قتل والدي هو سبب موته اطرديه "
أنزلتُ حينها يدي وأمسكت يد رائد بقوة أريده أن يفهم معنى ما عنيت لا تتحدث
وكانت يده على حالها دون أي ردة فعل , بعد قليل عادت والدتهم وجلست معنا
وبدأ الوقت يمضي ولا شيء سوى الصمت , ادعيت أنني أرتب لمريم طرف
وشاحها وقلت لها هامسة " رائد ينتظر أن يخبروه على الأقل أين سينام "
لم تجب أمسكت هاتفها جانباً ويبدوا أنها أرسلت لزوجة والدها رسالة من
صوت هاتفها , بعد قليل قالت تلك
" رائد غرفتك السابقة كما هي يمكنكما استخدامها لابد وأنكما متعبان "
وقف في صمت ثم ابتعد قليلا ووقف وقال " قمر اتبعيني "
نظرت لهما ثم وقفت وسرت خلفه دخلنا حجرة بخزانة وسرير فردي , كان واضحاً
عليها أنها لم تفتح لسنوات ولا أعرف لما , توجهتُ من فوري للنافذة فتحتها ومن ثم
للسرير في صمت أزلت الأغطية عنه لأنها مغبرة فتحت الخزانة كان بها أخرى جديدة
وضعتها بدل الأولى وقلت بهدوء " يمكنك النوم سأقوم بتنظيف باقي الغرفة دون صوت "
كان واقفا مكانه عند الباب ونظره للأسفل يتنفس بهدوء ثم اقترب مني ورأسه لازال
أرضاً حتى وقف أمامي مباشرة ثم احتضنني بقوة دون كلام وأنا لم أتحرك من الصدمة
شدني لحضنه أكثر وقال بهمس حزين " أحتاجك يا قمر "
شعرت حينها بكل خلية من خلايا جسمي تتهتك وكأنه يحضنني للمرة الأولى وكأني
لم أعرفه إلا الآن فلحظتها فقط علمت معنى أن تحطم الهموم قلوب الرجال
رفعت يداي وطوقت خصره بهما أحضنه أكثر من حضنه لي , غبية أعلم
وسيقسو عليا بعد قليل أعلم أيضاً ولكن ما كنت لأستحمل حزنه وما لقي اليوم
ممن هم عائلته , بقيت أحضنه في صمت حتى شعرت بيداه ترتخيان شيئاً فشيئاً
حتى ابتعدتا عني وقال هامساً " ابتعدي "
ابتعدت عنه مصدومة أكثر من كوني مجروحة منه انظر لعينيه بضياع
فدار بظهره سريعاً وابتعد عني بضع خطوات فقلت بهدوء " رائد "
ولكنه لم يلتفت إلي ولم يجب فقلت بصوت أعلى " رااائد "
ولا حياة لمن تنادي كل ما فعله أنه خرج ... نعم خرج ولم يغلق حتى باب الغرفة
خرج وتركني بعدما نقل جرحه منه لي وكأنه يقول لي تألمي مثلي شاركيني الألم
بتألمك أيضاً , أحسست حينها بحجم غبائي الذي لا أتعلم منه أبداً , جلست على طرف
السرير ابكي بحرقة وبعد وقت طويل وقفت وبدأت بتنظيف الغرفة من الغبار وكأنني
أفرغ غضبي في التنظيف حتى أصبحت نظيفة تماماً , نظرت للساعة فكانت الثانية بعد
منتصف الليل ولم يعد وأصبحت الثالث والرابعة , أين ذهب وهوا لا يعرف أحد هنا بالتأكيد !!
فليذهب حيث شاء ما دخلي أنا به , بعد قليل تسللت يدي للهاتف واتصلت به فكان
رقمه مقفلا , خرجت للصالة وجلست هناك ... كم أتمنى أن أنام دون أن أكثرت له
كم أتمنى أن أتجاهله وأجرحه كما يجرحني كل حين ولكن هيهات كيف اقنع قلبي
الغبي هذا , كيف يهنأ بالنوم دون أن يطمئن عليه
سمعت بعد قليل صوت خطوات تقترب مني فكانت والدتهم اقتربت وقالت باستغراب
" قمر ماذا تفعلين هنا !! "
نظرت لها ثم للأرض وقلت " رائد خرج منذ ساعات ولم يعد حتى الآن وهاتفه مقفل "
لاذت بالصمت فنظرت لها وقلت " أين مريم لتتحدث مع حيدر وتسأله عنه "
قالت " عادت لمنزلها منذ وقت وستكون هنا صباحاً وحيدر غادر منذ الأمس "
قلت بهدوء " هل هوا وقت الفجر ؟! "
قالت مغادرة " بعد عشرين دقيقة "
صليت الفجر عند وقته ثم دخلت الغرفة محاولة النوم ولم انم إلا بعد وقت ولم
انم إلا قليلا واستيقظت , ارتديت فستاناً طويلاً بأكمام وسرحت شعري وربطته
جانباً فلا رجال هنا غير رائد ثم خرجت من الغرفة وأول من قابلني هي مريم
فقلت من فوري " هل رجع رائد ؟! "
نظرت لي مطولاً بحيرة ثم قالت " وأين ذهب ليرجع !! "
قلت " خرج البارحة ولم يعد "
قالت بابتسامة " وجدته نائماً في مجلس الرجال حين وصلت , ضننت أنه
نام هناك لأن السرير لا يتسع لكليكما "
قلت بارتباك " يبدوا ذلك لقد كان مستاءً من يوم أمس "
تنهدت وقالت " أنا أكثر من يعرف رائد هوا حساس جدا وإن جرحه أحدهم
لا يمكنه مسامحته بسهولة هوا لا ينسى الألم أبداً "
تركتها وعدت للغرفة أغلقت الباب واتكأت عليه ونزلت دموعي من فورها
هرب مني إذاً , نام هناك كي لا ينام معي هنا وأنا التي لم تنم طوال الليل منشغلة
لأمره وهوا ينام هنا ويغلق هاتفه كي لا اتصل به , ما الذي تركته ولم تجرحني
به يا رائد , هذا ولم يعلم بأني من خذلته وتركته وها هي شقيقته تقول بلسانها
أنه لا ينسى الجرح بسهولة فماذا لو علم فلن ينساها لي ما حييت وسيدفعني ثمن
ذلك أقسى من هذا , آه وهل يوجد ما هوا أقسى مما أنا فيه بسببه , حقا أنه بحجم
الحب يكون الجرح وبحجم حبي له أشعر بجراحي منه , لما لا أكرهك أخبرني لما
توجهت للسرير ارتميت عليه محاولة تبديد حزني ثم جلست متذمرة وخرجت بعد
وقت لاستقبال النساء معهم , كان اليوم هوا اليوم الرابع للعزاء ويبدوا لي عدد النساء
أكثر من الأمس وكل من تدخل تقول / أين هي زوجة ابنه ؟ فهمت الآن رجع الجميع
ليروا مفاجأة الموسم زوجة الابن المهاجر
كان أغلب الحاضرات من الجيران على ما يبدوا وحمدت الله أن عينا التنين ليست
منهم , كنت أعلم أنها لن تأتي لأنها لم تكن تحتك بالجيران أبداً ولا أحد يحبها
عند العصر كانت هناك اثنتان فقط نظرت لي إحداهما وقالت " منذ متى تزوجتما ؟! "
قلت ببرود " ثلاثة أشهر "
قالت الأخرى " وكيف تعرف عليك ؟! "
يالا سخافة النساء وفضولهن قلت بذات البرود
" الزواج كالموت لا يهم السبب فيه والنتيجة واحدة "
لاذت بالصمت أخيراً فوقفت مغادرة للمطبخ حيث مريم لأنهما على ما يبدوا
بقيتا للتحقيق معي , دخلت ووجدتها تطهوا الخبز فقلت بهدوء " هل أساعدك ؟! "
التفتت إليا وقالت بابتسامة " سأنتهي قريباً لا تتعبي نفسك "
اقتربت منها قائلة " لما أتعب نفسي أنا لا أفعل شيئاً هنا "
سمعنا حينها صوت رائد ينادي مريم من الباب الخارجي للمطبخ فقالت بابتسامة
" أدخل يا رائد لا أحد غريب هنا "
شغلت نفسي بتقطيع الخبز في الطبق أمامي كي لا أنظر إليه , دخل وقال
" حضروا المزيد من الشاي "
قالت مريم " جاهز سأسكبه لك فوراً "
سحب الكرسي وجلس وقال " قمر ناوليني كوب ماء "
ألا يوجد الماء هناك لديهم أم هي تعمد ليجد فرصة لإهانتي من جديد , سكبت الماء
في كوب ووضعته أمامه في صمت دون أن انظر إليه وخرجت فوراً من المطبخ
سأعود لتلك الفضوليتان أرحم لي من تجريحه , جلست معهم ومضى الوقت حتى غادر
الجميع صلينا العشاء وجلست أنا ومريم في الصالة وحدنا , نظرتْ لي وقالت بابتسامة
" كم تمنيت رؤيتك , ليس في مثل هذه الظروف لكني تمنيت هذا "
قلت بابتسامة مماثلة " وأنا كذلك وسررت بلقائك "
تنهدت وقالت " أطلبي من رائد أن تزوراني أنتي عروس ولن يرفض لك طلباً "
آه يالا جهلك للحقيقة , قلت بهدوء " هل تسكنين هنا في ذات المدينة ؟! "
قالت بابتسامة " أسكن في مدينة جبلية مجاورة لها إنها جميلة , المناظر خلابة
والخضرة قومي بزيارتي ستستمتعان كثيراً "
ها قد عادت لذات النقطة , قلت " إن شاء الله "
قالت " متى قال لك رائد ستغادران ؟! "
قلت بهدوء " لم يقل لي متى ولكنه قال لن نبقى طويلاً "
تنهدت وقالت " حتى بعد وفاة والده لن يبقى معهم "
قلت " حاولت التحدث معه في الأمر لكنه رفض الحديث فيه "
قالت بأسى " معه حق لكن هذا لا يجوز "
دخل حينها يمسك صبا في يده فقالت مريم " وأين الجني الآخر ؟! "
ضحك وقال " نائم هناك ويحلم أيضاً "
وقفت حينها وغادرت للغرفة , بعد قليل لحق بي دخل الغرفة وأغلق الباب وقال
" لا داعي لأن نلفت انتباه الجميع بحركاتنا الصبيانية "
لم أجب ولم ألتفت إليه فقال بحدة " قمر أنا أتكلم معك "
قلت بأسى " ماذا تريد مني يا رائد ؟! لما لا ترحمني فيما أخطأت أنا "
قال بغيض مكتوم " أريد منك احترامي كزوج على الأقل "
التفتت إليه وقلت " ولما لا تعاملني بلطف كزوجة على الأقل "
قال بحدة " قمر كم مرة سأحذرك من مناقشتي "
قلت بغضب وأنا أعد بأصابعي " حين أسكت لا يعجبك فأتحدث لا يعجبك "
ثم رفعت يداي وقلت بضيق " اخبرني ماذا افعل ؟ حاضر يا سيدي أوامرك
مولاي لن تتكرر الأخطاء ثانيتا "
قال بحدة مشيرا بأصبعه للخارج " تخرجي معي الآن مريم لاحظت تصرفاتك
أعلم أنك لا تطيقينني تحملي قليلا أمامهم "
هززت رأسي بيأس وقلت " لا أعلم متى ستتوقف عن إلصاق ما تشعر به بي وتتهمني به "
ثم سرت من أمامه وخرجت من الغرفة وعدت حيث كنا , جلست هناك وخرج رائد
وجلس بجواري , هذه عادته تمثيلياته لا تبدأ دائماً إلا بالالتصاق بي
قفزت حينها صبا أمامه وقالت
" لقد وعدتني إن عرفتها تزورنا في منزلنا اسأل أمي لقد عرفتها وحدي "
نظرتُ لهما بحيرة فقال مبتسماً وهوا ينظر لي " أجل وعدتك "
أشحت بنظري عنه بسرعة , ممثل بارع لكني لم أعد استطع تمثيل دوره
قالت مريم " أي وعد هذا ؟! "
قالت صبا بمرح " سألت خالي عن زوجته فقال في الداخل أجمل الموجودات
إن تعرفتِ عليها وحدك زرتكم كما طلبتي مني "
ضحكت مريم وقالت " لقد أعطيتها الجواب كنت صعبته قليلاً لتهرب من زيارتي "
ضحك وقال " أردت أن اختبر ذكاء ابنتك ودوقها ثم ما أدراني أنه لا جميلات في الداخل "
كنت في صمت تام مع بعض الابتسامات الصغيرة المجاملة , تمثلية صغيرة جداً ولكن
هذا ما قدرت عليه , نظرت مريم باتجاهي وقالت مبتسمة
" لا تحتاج للذوق لتميزها من بين الجميع كنت حائرة من تكون هذه التي جعلت رائد
يتزوج وحين رأيتها علمت لكني لو كنت مكان زوجتك لغضبت منك أسبوعاً كاملاً "
ضحك وشد كتفي وقال " أسبوع يا ظالمة ذلك كثير علي "
قالت بضيق " كيف تسأل طفلة هكذا سؤال هل كنت تريد معرفة من الأجمل في الداخل
لو كنت مكان قمر لحاسبتك على هذا "
نفخ على غرتي حتى طار جزء منها ثم قبل رأسي وقال " جيد أن قمر ليست مثلك "
نظرتُ له ومررت إصبعي تحت غرتي سريعاً لأعيدها كما كانت وقلت بنظرة تحدي
" لم يؤثر بي ذلك أبداً لأني أتق بنفسي "
ثم ابتسمت وقلت " وبك "
قرب شفتيه من أذني وقال هامساً " هل هذا جزء من التمثلية ؟! "
ابتسمت ابتسامة سخرية ولم اعلق فهمس لي مجدداً " أنا لم أمثل بعد "
بقيت أنظر لعينيه بحيرة حتى قالت مريم " يبدوا أنكما نسيتما وجودي هنا "
ضحك رائد ثم رفع قدمه واضعاً لها على طرف الأريكة تحته وقال " لا لم ننسى "
قالت " كيف كانت الرحلة للبحر ؟! "
قال بابتسامة " حيدر لا يخفي عنك شيئاً "
قالت بضيق وهي تعدل ملابس ابنتها
" طبعاً هل تريده مثلك حتى اتصالاتي لا تجيب عليها "
قال متجاهلا الأمر " كانت رحلة رائعة وجنونية ورومانسية لم أعشها في حياتي "
نعم ذكِر نفسك بذلك قبلي رحلة لم نتوقف فيها عن الشجار
قلت ببرود " رائعة لدرجة أني اكتشفت أن شقيقك مشهور جداً وتعشقه الفتيات "
ضحك وضرب طرف جبيني بجبهته وقال " ويصطدم بي الرجال عمداً وأهدي
زوجتي صباحاً ومساءً أغاني رائعة عن المشاكل "
تأففت في صمت فضحك وأخذ جديلتي من حجري لعب بها وقال
" مريم لا تغضبي هكذا تصبحين أقل جمالا وأنتي غاضبة "
ما به هذا !! البارحة كان يطبق علي فنون القسوة فما تغير اليوم , سحبت
شعري منه وقلت ببرود " بل يبدوا لي أنك تراها أجمل وهي غاضبة "
قالت مريم بامتعاض " ما بكما أنتما أفهِماني شيئاً "
ضحك وقال " أدلل زوجتي هل هذا ممنوع "
ضربت مريم ابنتها على رأسها وقالت " اذهبي وأيقظي شقيقك سنغادر قريباً
يكفيك من مشاهدة الأفلام الرومانسية "
بقيت ابنتها مكانها تمسك رأسها بتألم فلم أستطع إمساك نفسي فضحكت من قلبي
رغم الألم المتراكم داخله فقال رائد " سمعتي هذه الضحكة يا مريم ويلومني أحدهم
لأني لا أريد أن يسمعها الرجال "
تنهدت وقالت " رائد هذه التفاهات لا تجلب إلا المشاكل "
قال متجاهلا كلامها وما أكثر ما يفلح في هذا " صبا كيف حالك ؟! "
ضحكت مريم وقالت " أعان الله زوجتك عليك "
رن حينها هاتفها فوقفت قائلة " أيوب وصل سأغادر الآن "
قال رائدة بضيق " ألن يودعوك على الأقل هل سكان هذا المنزل
يحبون النوم مبكراً أم يهربون منا "
قالت مريم وهي تتوجه للمجلس لتوقظ ابنها " لا تدقق على كل شيء كي لا تتعب "
ودعتها وتوجهت من فوري للغرفة مؤكد سينام في صومعته الجديدة , غيرت ثيابي
ودخلت السرير , الوقت مبكر ولكن لا شيء لدي هنا غير النوم , بعد قليل دخل
الغرفة , كنت مخبئة وجهي بذراعي ونائمة على جانبي الأيمن ظننته سيأخذ شيئاً
ويغادر لكنه جلس على طرف السرير فتح الدرج أخد شيئاً ثم أغلقه ثم نام معي على
السرير , عجيب ما به هذا !! وهل يرى السرير يتسع لكلينا , كان ملتصقا بي تماماً
وأنا معطية ظهري له , لف ذراعه حول خصري وهمس في أذني قائلا " قمر "
ولكني لم أجب ولم أتحرك , سرت رجفة في كل جسمي حين شعرت بشفتيه
تقبل عنقي ثم همس مجدداً " غاضبة مني ؟! "
لم أجب أيضاً فقبل عنقي مجدداً , ما يريد بي هذا قبلة أخرى بعد وسيغمى علي وأنا
نائمة على السرير , مرر يده الأخرى من تحتي وشدني بذراعيه برفق لحظنه فقلت
بهدوء " لا .... لا أريد "
ارتخت يداه حينها ثم ابتعد جالسا على طرف السرير وقال ببرود
" تذكري هذا ولا تلوميني مجدداً على نعتك بعديمة المشاعر "
نعم هذا ما تفلح فيه جرحي وجرح مشاعري , ما كنت لأسمح لك أن تكرر ما فعلته
سابقاً لتنام معي الليلة وتتجاهلني قبل حتى الغد , صحيح أن عينا التنين وزوجها جعلا
مني إنسانة لا تعرف الدفاع عن نفسها تُضرب وتُهان ولا تدافع حتى دمرا شخصيتي
نهائيا ولكن الشخصية الدفاعية بي تظهر أحيانا عندما يكون الجرح بحجم يفوق كل
الماضي ولا جرح أتلقاه أقسى من جرح رائد
خرج وضرب باب الغرفة بقوة ولم أره طيلة تلك الليلة , مؤكد يسجن نفسه في سجنه
الجديد , بكيت كثيراً وبكيت مطولاً حتى نمت دون شعور مني
في الصباح خرجت من الغرفة وجدت والدتهم تجلس وبناتها فقلت بهدوء
" صباح الخير "
أجابت والدتهم بهدوء ونور بهمس لا يكاد يسمع أما غيداء فتمثال حجري ومتضايق
أيضاً , جلست مبتعدة عنهم ... ترى من منهما التي تحدثت معي سابقاً غيداء أم نور
وهل تذكرني وتعرفت على شكلي رغم أنها لم ترني فلم تتحدث أي منهما عن الأمر
سنين مرت قد تكون نسيت ذلك , ما يحيرني كيف عرفتني وقتها وعرفت اسمي أيضاً
إن كان حتى رائد حينها لا يعرفه ولما لم يحدث شيء مما قالت
دخل البيت سيدتان واحدة متشحة بالسواد ولا يظهر منها شيء سلموا على البقية ثم
اقتربت ذات اللباس الأسود مني لتسلم عليا فهمست في أذني قائلة " أنتي قمر ؟! "
شعرت أن كل خلية في جسدي تيبست , الصوت الرنان النبرة ذاتها .... سلوى عينا
التنين , ابتعدت عنها نظرت لها بتركيز لأتأكد , كان غطاء وجهها متوسط السمك
ولكني رأيت عينها من خلاله كانت عين واحدة , شعرت بمشاعر لم أشعر بها من
سنوات وهي الخوف الشديد , رجعت خطوتين للوراء حتى اصطدمت بطرف الأريكة
ووقعت جالسة عليها , ابتعدتْ وجلست مقابلة لي ونظرها مرتكز علي , كنت أشعر
بالمكان يضيق ويضيق حتى اختنقت أنفاسي وعيناي تعلقتا بها ولم تتحركا ومر شريط
طفولتي حينها أمام عيناي وكأنه اليوم , دخلت حينها مريم سلمت عليهم ومرت بجواري
فأمسكت بيدها فنظرت لي بحيرة وقالت بهمس " قمر ما بك لونك مخطوف ؟! "
قلت بصوت مختنق " لنذهب للمطبخ خذيني لا استطيع الوقوف "
قالت بخوف " قمر ما بك ما حدث ؟! "
ضغطت على يدها بقوة وقلت برجاء " خذيني من هنا أرجوك "
أوقفتني وسارت بي للمطبخ أجلستني على الكرسي فسقطت على الطاولة أتنفس
بقوة فقالت بذعر " قمر هل تشتكي من شيء ؟! "
قلت بصعوبة " آآآآآآآآآآآآآآآه "
خرجت مسرعة من المطبخ ثم عادت وما هي إلا لحظات ودخل رائد من بابه
الخارجي قائلاً " ما بها ماذا حدث ؟! "
قالت مريم " لا اعلم دخلت المنزل فأمسكت بي وطلبت مني جلبها هنا "
اقترب مني ووضع يداه على كتفاي ورفعني عن الطاولة وقال ضاربا لخدي برفق
" قمر أجيبي هل تسمعينني ؟! "
أمسكت ذراعه بيدي اليمنى و اليسره كانت مرمية على الطاولة وقلت بتألم " يدي "
أمسك يدي اليسره وقال " ما بها ما بك يا قمر ؟! "
قلت بصعوبة " لا أشعر بها "
قالت مريم بخوف " خذها للمستشفى بسرعة يا رائد "
تمسكت بقميصه ودسست وجهي في حضنه وقلت " لا "
ضمني لصدره بقوة وقال " إنها تسمعنا قمر أجيبي "
قلت بتعب " الملح "
قال صارخاً " الملح يا مريم هاتي ملحاً "
أبعدني عن حضنه وقال " ما نفعل به يا قمر ؟! "
قلت " فمي "
وضع قيلا منه في فمي وحضنني مجدداً يمسح على ظهري برفق , بعد قليل تحركت
يدي قليلا وعاد تنفسي لطبيعته , فشلُ يدي اليسره بداية المؤشر الخطير ولكن لن يعلم
أحد فلا حياة لي بدون رائد ولا حياة معه على ما يبدوا فالموت أرحم لي من الخيارين
خصوصاً الأول , الأطباء قالوا أن هذه الحالة لن تحدث إلا في تراكم الضغوط النفسية
فهذه هي المرحلة الأولى منها وتعني أنها ........ بداية نهاية قلبي
وعند هنا انتهى الفصل الجديد
كيف اختارت قمر الموت على رائد وهل هذا هوا موت الورد
هل سيريحها هذا حقا وهل ستصل لمرحلة أن تموت
ما قصة زوجة خالها وهل سيكون لها ظهور آخر في حياة قمر
أحداث كثيرة تنتظركم وستشهدونها معهم
الفصل القادم لرائد فكونوا في انتظاره
ودمتم في حفظ الله ورعايته