الفصل العاشر
سمعت حيدر يقول
" قمر "
نظرت له فقال " أين أنتي أناديك من مدة "
قلت بخجل " لقد شردت قليلا عذراً منك "
قال مبتسماً " إذا دورك "
جُلت بنظري بينهم جميعاً حتى وقع على رائد فنظرت للأرض وقلت
" أقول له لا تقتل الورد "
لاذ الجميع بالصمت وكأن كلماتي فاجأتهم أو عجزوا عن تفسيرها
قال حيدر حينها " دورك أسماء "
ضحكت وقالت " لا أتذكر فيما فكرت "
قال معترضا " عليك التذكر بسرعة "
قالت ضاحكة " أنا حقا لا أذكر هل أكذب عليكم "
قال بحماس " أفسدت عليكم , دورك يا رائد "
رفعت نظري له فكان ينظر لي ثم نظر جهة البحر وقال
" أقول له أنت بلا مشاعر "
أحسست حينها بالعبرة تخنقني حتى كدت أنهار أمامهم ولم أعد أسمع شيئاً مما يقولونه
وقفت بعدها وتوجهت للشاطئ أتمشى عند حواف أمواجه في صمت حيث الضوء الخافت
والقمر والسكون , محتضنة ذراعاي ألتمس الدفء من الوشاح الصوفي الملفوف حولهما
وأنظر لأثار قدماي وهما تغوصان في الرمال الرطبة , أبث حزني للموج وللرمال واشتكي
لهما من مالك قلبي وجوارحي الجالس هناك , من قسوته وجبروته على قلبي المسكين
شعرت حينها بيد تلتف حول كتفي , نظرت لصاحبها فكان رائد فابتسمت له من بين
دموعي وحزني وعتابي وألمي فضمني له وقال " أنتي هنا مكانك القلب يا قمر "
نظرت هنا وهناك ولم أجد أحداً , نزلت دموعي رغماً عني حين نظرت للبعيد فكان
جالسا مكانه , نعم كنت أتوهم ما حدث كما أتوهم الآن أنه ينظر إلي , كما أتوهم نظرات
الحزن والحيرة الآن في عينيه , ابتسمت بحزن وعدت بنظري لقدماي وتابعت سيري
فشعرت حينها بشيء يصطدم بي بقوة حتى وقعت أرضاً , رفعت نظري فكان ثمة
شابان يبدوا أنهما كانا يركضان وصدمني أحدهما , وما هي إلا لحظات وكان
رائد عندنا أوقفني وقال صارخاً في أحدهما بحدة
" ألا ترى أمامك قل أن الظلام حالك ولا أنوار ولا قمر مكتمل وأنك لم تراها "
قال الشاب بهدوء " آسف أنا لم أنتبه لها "
قال بغضب أكبر " رُش أسفك بالملح وكُلْه لا أحتاجه "
قال الشاب بحدة " قلت لم أنتبه لها ثم هي لم تنكسر ولا تتمزق ها هي أمامك كاملة "
اقترب منه رائد وقال بصراخ غاضب
" أعرف حركاتكم هذه جيداً , لم أرى ولم أنتبه , لست أحمقاً لتضحك علي "
سحب الشاب الآخر رفيقه قبل أن يتكلم وتكبر المشكلة وأمسك رائد بيدي وسحبني
معه للشاليه دخل بي للغرفة أغلقها وقال بغضب
" هل كان عليك الابتعاد عنا هكذا هل استحليتِ التنزه في الليل "
قلت بحدة " ما تقصد !! تعمدت فعل ذلك "
قال بغضب أكبر " ما كان عليك الذهاب وحدك لقد فعل ذاك الحقير ما
فعله لأنه يضنك وحدك هناك "
قلت بدمعة سقطت متدحرجة من عيني " لم أكن وحدي "
نظر لي بصدمة فتابعت بأسى " أجل كنت أنت معي كنت تمشي بجانبي وترافقني
في وحدتي كنت أراك معي لأكتشف أنني كنت أتوهم فذاك لا يمكن أن يكون أنت
أنت هذا الواقف يصرخ بي بكل صوته "
ثم شهقت بعبرة وسحبت الوشاح من على كتفاي ورميته بقوة على الأرض وقلت
ببكاء ماره من أمامه " مغفل يا رائد وستكتشف ذلك يوماً "
ثم خرجت من الغرفة وتوجهت لغرفة مؤمن دخلت وأغلقت الباب , كان نائماً
بعمق , جلست على الكرسي في غرفته أبكي بصمت وما هي إلا لحظات وفَتح
رائد الباب وقال " كم مرة سنصنع مشاكل كثيرة من مشكلة واحدة "
قلت بحزن ونظري على مؤمن النائم بهدوء
" لو كنت أعلم أنني أخطأت لكنت اعتذرت "
قال ببرود " يبدوا أنك نسيتي كلامك سابقاً عن عناد الطرفين على
أن كل واحد منهما على صواب "
ضممت ذراعاي بيداي ونظري للأرض وقلت بهدوء حزين
" هذه المعادلة تحتاج لطرفين يطبقانها لتنجح "
توجه ناحيتي وضع الوشاح على كتفاي وقال مغادراً " عودي للغرفة فلا داعي لبقائك
هنا سأخرج لأكمل السهر مع حيدر فلم يعد هناك أحد في الغرفة تهربي منه "
ثم غادر وتركني ككل مرة مجرد بقايا امرأة بعد مشكلة فجرت كل مشاعرنا المكبوتة
الكره والغضب منه والحزن والأسى مني , وفي النهاية هذا ما يفلح فيه يضع اللوم علي
وكأنني أنا المخطئة , كنت أعلم أن هذه الرحلة ستكون تعيسة هكذا , لم أعد للغرفة ونمت
على الكرسي هناك ولم استيقظ إلا على صوت مؤمن وهوا يقول
" قمر قومي هيا "
فتحت عيناي بصعوبة فلقد أنهكهما البكاء وقلت بصوت مبحوح
" متى استيقظت !! "
قال " استيقظت الآن , ما تفعلين هنا !! ولما تنامين على الكرسي "
أخفضت رأسي مسحت وجهي وقلت
" لقد جئت لأطمئن عليك خفت أن تسخن بسبب تبلل ملابسك بالأمس وغلبني النوم هنا "
وصلني صوته قائلا بحيرة
" ورائد نائم على الأريكة في الردهة يبدوا أنه كان ينتظرك حتى غلبه النوم "
لم استطع إمساك نفسي عن الضحك , يا لا مخيلة الأطفال , نظرت للساعة في يدي
ووقفت مصدومة وقلت " لقد فآتتني الصلاة يالي من مستهترة "
خرجت مسرعة فكان رائد كما قال مؤمن في نوم عميق على الأريكة , أدفع عمري
كله ثمناً لفهم هذا الرجل , دخلت الغرفة ثم دخلت الحمام توضأت لأصلي الفجر
والصبح , تُرى هل صلى أم فاتته الصلاة هل عليا إيقاظه لأسأله !! عليا أن أوقظه
في كل الأحوال فلابد لعقل مؤمن الصغير أن يشتغل في أي لحظة ويلاحظ الوضع
خرجت بهدوء وصلت عنده ونزلت لمستواه ثم سندت ذقني بيدي وتاهت عيناي
تراقبان ملامحه , ما أجمله وهوا نائم وما أجمله وهوا مستيقظ وما أجمله حتى
وهوا يصرخ غاضباً , تُهت في تلك الملامح فقادني جنوني لأن ألامس شفتيه
بشفتاي بقبلة صغيرة كما يفعل كل ليلة , أريد أن أعلم ما شعوره ولما يفعل ذلك
اقتربت ببطء حتى لامستُ شفتاه فشعرت بشيء كالكهرباء في كل جسمي
وشعرت وكأن ثمة مغناطيس يجذبني كي لا أبتعد فلا قبلتهما ولا أبعدت
شفتاي بقيت استنشق أنفاسه حد الخدر ثم وقفت متسمرة حين شعرت بشفتيه
قبلتني , نظرت له بصدمة ... هل يحلم !! قل أنك نائم وتحلم
بقيت أحملق فيه مصدومة فارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه , من صدمتي
عدت بخطواتي للوراء متمنية أن أخترق الجدران وأهرب أو أن تعود بي
ساعة الزمن للوراء ولا أرتكب هذه الحماقة , انقلب حينها معطيا ظهره
لي وقال " لقد صليت الفجر شكراً لك "
لم أشعر حينها بشيء سوى دوران المكان وكاد يغمى علي , يالي من غبية ما
سيفكر فيه الآن , ها أنتي أتبتي نظريته بك من جديد سحقاً لك يا قمر ولجنونك
دخلت الغرفة من فوري وأغلقت الباب خلفي ودخلت السرير وتغطيت باللحاف
حتى رأسي وخصوصاً وجهي , بعد وقت طويل سمعت الباب يُفتح دخل وأخذ
أغراضه وخرج في صمت وأنا على حالي أختبئ منه ومن نفسي
بعد قليل فتح الباب وقال
" مؤمن يسلم عليك ويقول لك لا تحرجيني معهم اليوم أيضاً بسجنك لنفسك "
وأغلق الباب تأففت ورميت الغطاء عن وجهي فوجدته في الغرفة مكتفا يديه لصدره
ومستندا بالباب وينظر لي , أخذت اللحاف بقوة وعدت كما كنت , أبدوا كالأطفال
بتصرفي ولكن ما كان من خيار أمامي وأنا أشعر بنفسي مجردة من كل شيء أمامه
بعد ارتكابي تلك الجريمة التي لا تفكر حتى المراهقات بفعلها
سمعته يضحك ثم قال " لا داعي للاختباء لن نتحدث فيما حدث "
هذا كله ولن نتحدث , تبا لك يا قمر أنظري فيما وضعت نفسك
قلت بضيق من تحت اللحاف " لا تفهم الأمر كما يحلوا لك "
قال بصوت مبتسم " أنا لم اقل شيئاً "
قلت " أردت أن أعلم السبب وراء فعلك لهذا كل ليلة "
كان عليا إخراج هذا السلاح لتخفيف إحراجي حين يعلم أنني أعلم ما يفعل
سكت مطولاً لا اعلم من الصدمة أم أنه لا يريد التحدث ثم قال
" وأنا كنت أريد اختبار شيء ما "
اختبار كل ليلة يا كاذب , سمعت بعدها صوت الباب يغلق خلفه فتحت فتحة صغيرة
لأراه فكان غير موجود , بعد وقت طويل غادرت السرير ثم استحممت وخرجت لآفة
جسدي بمنشفة الحمام البيضاء اللون وقفت عند طاولة التسريحة فتشت كثيراً عن المشط
ولم أجده , آه كيف سأجفف شعري الآن لا يمكنني ارتداء ملابسي وهوا هكذا لأني سأخرج
للخارج , كم من مساوئ للشعر الطويل , أُجزم أنه مؤمن من فعلها
خرجت بمنشفتي لغرفة مؤمن دخلتها وكما توقعت كان المشط في غرفته أخذته وعدت
ركضاً مسرعة وعيناي للأرض كي لا أصطدم بشيء فاصطدمت بحاجز ليس في الأرض
بل أمامي وليس جماداً بل كائن بشري , عدت خطوتين للخلف بشهقة مفزوعة فكان رائد أمامي
تنفست بقوة ممسكة المنشفة كي لا تقع وقلت بخوف " لقد أفزعتني "
نظر لي مطولاً ثم قال " ماذا كنتي تفعلين هناك ؟! "
شتت نظري على كل شيء حوله ويدي تمسك المنشفة بقوة واليد الأخرى ممسكة
بالمشط وقلت " إنـ إنه المشط كان لدى مؤمن "
اقترب بخطواته حتى وقف أمامي فتراجعت خطوتين للوراء , مد يده لذراي امسكه
وسحبني لصدره بقوة وألصق جسدي به مثبتا لي بذراعه المحكمة سيطرتها على كتفاي
لعب بيده الأخرى بشعري المبلول لتتطاير منه قطرات الماء في كل اتجاه , مسح بأصابعه
على كتفي يطارد القطرات النائمة عليه وأنا كمن لا حيلة له وجهي في عنقه جامدة دون
حراك من الخارج وكل خلايا جسدي ترتعش من الداخل وتنفسي لحظات ويتوقف
تسللت يده الأخرى لذقني رفع وجهي له ودون مقدمات قبلني بقوة حتى كاد ينهي الأكسجين
من رئتي ثم تركني أتنفس بقوة كالغريق وقال مغادراً " أعدِّيها رد دين الصباح "
ثم ضحك وقال مبتعدا " هكذا أنا من أسدى لي معروفاً في نظره كافأته بأفضل منه "
فتحت فمي مصدومة ونظري عليه بعينان متسعتان من الصدمة وقلت بدفاع وهوا يصل
عند الباب " حمداً لله أني لا أتعامل مع المعروف مثلك لكان النهار بطوله لا يكفيني "
أبعد يده عن مقبض الباب الذي كان يفتحه للتو ثم التفت لي تاركا له شبه مفتوح وعاد ناحيتي
تراجعت للوراء وأنا أرى نظرة التحدي في عينيه , يا إلهي لقد جنيت على نفسي
اقترب أكثر فقلت وأنا أشد المنشفة على جسدي بكلى يداي " رائد ابتعد عني "
اتجه نحوي بخطوات شبه راكض أمسكني من خصري ورفعني إليه ليصير وجهي عند
وجهه وقال بابتسامة جانبية " هيا ردي الدين لابد وأنك تعلمين عددهم أيضاً "
حاولت إبعاد وجهي عن وجهه لأن يداي مكبلتان مع جسدي بين يديه وقلت بضيق
" رائد اتركني وأنزلني حالاً "
قرب وجهه أكثر دار به جانبا قبّل عنقي وقال " هل تدعينني إليك وتتراجعي "
قلت بضيق وأنا أحرك كتفي ليبتعد عن عنقي " واهم أنا لم أدعوك أنزلني حالاً "
قال بمكر وعيناه في عيناي " وما أعتبر كلامك أليس دعوة تحدي "
قلت بغيض " لا "
قبل ذقني وقال " بلى يا ذكية "
انفتح حينها الباب ودخل مؤمن ونظر لنا بصدمة فخبأت وجهي في وجهه لأني كنت
أنا المقابلة له ليصبح وجهي ملتصق به فقال مؤمن مبتسماً
" آه أوووه آسف أحدهم أرسلني لك , حسناً لا بأس خد وقتك "
ثم أغلق الباب وغادر ووزع رائد قبلاته على وجهي فأبعدته عنه وقلت بغضب
" هل ارتحت الآن ما هذا الموقف السخيف الذي وضعتنا فيه أنزلني يا رائد قلت لك "
أنزلني ولعب بغرتي المبلولة بين أصابعه وقال
" دعيه يسجل شيئاً جيداً عنا بدلاً من الفكرة التي أخدها "
أشحت بنظري عنه وأنا أتبت المنشفة على جسدي بغيض وقلت بضيق
" بل قل شيئاً وقحا سخيفا "
قال مغادراً " اللوم عليك لما تتحدينني بدعوتي إليك في هذا الوقت والمكان "
قلت صارخة بغضب " لم أتحداك ولم أدعوك فلا تلصقها بي "
عاد ناحيتي مسرعاً فصرخت ودخلت الغرفة هاربة منه ثم دخلت الحمام وأغلقته خلفي
لأن باب الغرفة بلا مفتاح , وقف عند الباب وقال " أنا أعتبرها دعوة جديدة "
قلت بغضب " واهم وغبي لن أدعوك لذلك ولا على جثماني "
ضحك وقال " نعم زيدي من دعوتي أكثر "
ضحكت بسخرية وقلت " يالا غرورك الغير طبيعي "
كنت محتمية عنه بالباب ولم أفكر أنه يُفتح من الجانبين حتى دار مقبضه الدائري فشهقت
مبتعدة عنه ففتحه ودخل بسرعة اقترب مني بابتسامة انتصار سحبني من ذراعي وأنا أصرخ
به وهوا لا يكترث ولا يتحدث , خرج بي للغرفة رماني على السرير تبت يداي عليه بيداه وقال
وهو يقرب جسده لجسدي " دعوة لثلاث مرات دفعة واحدة كثير "
قلت بحدة وعيناي في عينيه " واهم .. اخرس وأصمت الآن "
ابتسم بمكر وقال وهوا يمسك طرف المنشفة
" التحدي في قاموس الرجل دعوة وأضنك تعلمين ذلك مسبقا "
أغمضت عيناي بشدة لأني إن تكلمت أكثر فلن تزداد الأمور إلا سوءً فسمعنا حينها
صوت حيدر في الخارج ينادي رائد فتركني مبتعداً عني وقال مغادراً
" قولي الآن غير ما قلت وسأصرفه وأعود إليك فوراً "
اكتفيت بالصمت مغتاظة ألعن اللحظة التي فكرت فيها أن أقبله , سمعت حيدر يقول له ضاحكاً
" أرسلت لك مؤمن ولم تأتي فقلت لأفسد عليه بنفسي هل نسيت أنك تركتني انتظرك "
قال بصوت مرتفع متعمداً لأسمعه
" آسف جاءتني دعوة مستعجلة من والد مؤمن فخجلت أن أرده خائبا "
قال حيدر وصوته يبتعد " دعوة على الهاتف أم ماذا أنا لا أفهمك "
وكان هوا خارجاً خلفه يضحك , مغفل وأحمق وواهم واستحق كل ما أتاني منه
جلست أتنفس بقوة وكأني كنت أركض هاربة من كلب مسعور , غيرت ثيابي وخرجت
تناولت شيئاً خفيفاً وسريعاً وقضيت بعض الوقت عند باب الشاليه أراقب البحر ثم خرجت
للخارج مشيت بعض المسافة ووجدت رائد ومؤمن يلعبان الكرة معاً , حقاً يالي من مهملة
جلبت ابن عمتي معنا ولم أهتم حتى لطعامه وإن كان يريد شيئاً , جلست بعيداً عنهما أراقبهم
في صمت وهم لم ينتبهوا لوجودي , بعد وقت سقط رائد أرضاً وضحك مؤمن عليه ولم أستطع
حينها إمساك نفسي عن الضحك , دار مؤمن برأسه ورآني فجأة فلوح بيده اتجاهي ضاحكاً
نظر حينها رائد جهتي فلم استطع إلا الضحك أكثر فوقف واضعا يديه وسط جسده ينظر
لي بضيق فتوقفت عن الضحك فضحك هوا حينها ناظراً للأعلى ثم عادا للعب مجدداً
كم يتعسر عليا فهم رموزك يا رائد , تعاملني بلطف للحظة حتى أضن أنك تغيرت
اتجاهي ثم سرعان ما تطعنني بلا رحمة , شعرت حينها بيد على رأسي نظرت للأعلى
فكانت أنوار تنظر لي بابتسامة ثم جلست وقالت " كيف أنتي اليوم ؟! "
قلت ونظري عليهما " بخير شكراً لك "
قالت بعد صمت " يبدوا لي تعانين مشكلة مع رائد "
نظرت لها بصدمة فغادرت بنظرها للبحر وقالت
" الكلام البارحة في اللعبة كل واحد منكما كان يوجهه للآخر أليس كذلك "
لذت بالصمت فتابعت " حيدر قال لي أن رائد تغير كثيراً هذه الفترة "
نظرت لها بحيرة وقلت " في ماذا !! "
نظرت لي وقالت " قال يبدوا ضائعاً ومحتاراً في أمر ما "
لذت بالصمت فعادت بنظرها للبحر وقالت
" قال أنه حتى في مشكلته مع عائلته التي جعلته يهجرهم لم تجعله هكذا "
قلت بهدوء " ما الذي حدث بينه وبينهم "
قالت " دعيه هوا يحكي لك مادام لم يتحدث معك في الأمر قد يكون لا يريدك أن
تعرفي أمر ما أو يريد إخبارك من وجهة نظره هوا "
عدنا للصمت ثم قالت " الغريب أن انفصاله عن عائلته لم يغير في رائد الكثير
لكن ما حدث بعد ذلك بثلاثة أعوام هوا ما غيره جذرياً ليصبح أكثر عزلة
وانفراداً وتوقف حتى عن الكتابة وحتى ذاك الوقت لم يقل حيدر هذه الملاحظة
عنه , لم يتحدث بما تحدث به الآن "
قلت بحزن " كل زوجان يمران بادئ حياتهما بعقبات ويحتاجان لوقت ليجتازاها "
نظرت لي وقالت " هذا فقط "
هززت رأسي بنعم دون كلام فقالت
" حقيقتاً حيدر من طلب مني سؤالك حتى أنه هوا من لاحظ كلامكما البارحة "
نظرت لها بصدمة فقالت " لم أره قلقاً على شقيقه كالآن "
هربت من عينيها وعدت بنظري إليه , ما حدث بعد ثلاث سنوات كان وقت
انتهاء علاقتنا عبر الانترنت وذاك الأمر هوا السبب حينها لكن الآن ما يكون
السبب وراء ما قالته
نظرت جانباً فلم أجدها , يبدوا أنها احترمت صمتي وغادرت
ضممت ساقاي بذراعاي ودسست رأسي بينهم لوقت حتى سمعت أنفاساً تلهث بجانبي
رفعت رأسي ونظرت فكان رائد يجلس على يميني ومؤمن على يساري
ضحك مؤمن وقال " لقد هزمت زوجك شر هزيمة "
قال رائد ضاحكاً " كاذب "
نظرت جهة مؤمن وقلت " هل أكلت ؟! "
قال " نعم أنا ورائد "
قلت " اذهب وغير ملابسك إنها مبتلة والهواء متحرك ستمرض "
قال " ولكني سألعب قليلا بعد "
قلت بحدة " وإن يكن ارتدي غيرها حتى تجف والعب بالأخرى "
تأفف وغادر عائداً للشاليه فقال رائد " لا تفرغي غضبك مني به "
قلت بضيق " رائد لننهي الكلام في الأمر أرجوك أنا آسفة إن جرحتك لنعتبر شيئاً لم يحدث "
قال بهدوء وعيناه على بحر " قمر أنا لا أفهمك حقاً "
نظرت له بصدمة مطولاً وهوا على حاله عيناه هناك ثم نظرت للرمال تحتي وقلت
" وما الذي لا تفهمه بي أجبني وارحمني "
أخذ حفنة من الرمال بيده ورماها أمامه وقال
" هل تعلمي معنى أن تجرح المرأة رجلا في رجولته "
قلت ونظري للبحر " أعلم وأعلم معنى جرح الرجل أنوثة المرأة باستمرار "
ثم نظرت له وقلت بأسى
" رائد أنا لم أقصد جرحك لأني عن نفسي كنت مجروحة حينها حد الوجع "
نظر لي وقال " وما الذي جرحك وأنتي كنتي ... "
بتر جملته فنظرت للبحر وقلت بعينان تمتلئ دموعا " أنا ماذا ؟! آه أنا من طلبت ذلك "
قال بضيق " ليس هذا ما أعني "
قلت بابتسامة سخرية " ماذا تعني إذاً ؟! "
قال بحدة " لا مجال للتفاهم معك أبداً يا قمر هلا شرحتِ لي لما انزعجتِ إذاً ذاك الوقت "
قبضت بيدي على صدري اكتم عبرتي وقلت ببحة " لن تفهم لأنك لا تشعر كما اشعر "
قال بهدوء " أخبرتك أني لا أفهمك أنتي معقدة جداً "
قلت بابتسامة حزينة " مشكلتنا الأخرى أن كل واحد منا يرى الآخر بعين طبعه "
قال بجمود " قمر توقفي عن إهانتي كي لا أجرحك أكثر "
اقترب منا مؤمن حينها وقال " ها أنظري قمري لقد غيرتها "
وابتعد يلعب بمفرده فقال رائد
" وحتى متى سيبقى يناديك بقمري , لا هوا شقيقك ولا ابنك "
نظرت له مطولاً بحيرة ثم قلت " إنه طفل "
قال ببرود " الطفل يكبر "
قلت بجدية " أنت لا تعلم ما تعنيه لي تلك العائلة وما فعلته لأجلي "
نظر لي وقال " أفهم من كلامك أن من فعل شيئاً لأجلك تستحملين حتى
الأمور الخاطئة التي تخصه "
بقيت أنظر له بحيرة فنظر جهة مؤمن وقال
" يعني أنه لا شيء لي عندك يبرر الخطأ لذلك تحاسبينني "
قلت بصدمة " رائد اصمت "
قال بابتسامة سخرية " ولما أصمت هل الحقيقة مؤلمة لهذا الحد "
ووقف حينها وغادر , ما أفعله مع هذا الرجل كيف أتصرف معه هل كل هذا ولا أستحمل
أخطائه , هوا لا يعلم أن ما أحمله له من فضل تجاوز عائلة عمتي بكثير , لما يحب جرحي
لما تعذبني يا رائد لما !! بقيت مكاني لوقت أبث همومي حتى للأقدام المارة أمامي ولو أنه
كان للقلوب القدرة على طرح حملها على الأرض لكفى ما في قلبي الكون كله ولن يستوعبه
فما الذي تبقى لي الآن غير الحسرة والألم , إن كان هوا لا يفهمني فما سأقوله أنا التي بث
أعجز حتى عن تفسير أنفاسه , كم تمنيت الحياة معه لكني لم أتمناها هكذا أبداً فما أقساها من
جراح هذه التي تكون بسببه فقد أصبح الماضي أمامها شيء لا يذكر رغم أنه كان عنوانا
للضرب والسب والعذاب والسجن
رفعت رأسي ولم أجد مؤمن الذي كان يلعب بالمقربة مني التفتت يميناً ويساراً وكان
لا وجود له في كل مكان , تري هل اقترب من تجمع الناس هناك عند الشاطئ !!
ولكن ذلك مستحيل فرائد حذره من الذهاب هناك وحده , وقفت وعدت جهة الشاليه
لقد أهملته كثيرا وبما فيه الكفاية , غرقت في همومي ومشاكلي ونسيت أنه صغير
ويحتاج لعناية واهتمام هل سيبقى رائد رافعا مسئوليته طوال الوقت وأنا ابنة خاله
ومن احضره وليس هوا
وصلت الشاليه وسمعت ضحكات مرتفعة إن كان رائد فسيكون عجباً عُجاب وهوا
غادر من جواري قبل قليل يكاد يُحرق الدنيا بما فيها من الغيظ , اقتربت أكثر فكانا
بالفعل هما الاثنان ينظران من ثقب في الفاصل بين شاليهنا والمجاور له ويضحكان
اقتربت منهما أكثر حتى أصبحت خلفهما , كان رائد يقول
" انظر انظر للقوام آه كم هي مهلكة , اسمع حينما تكبر أتركني أنا أختار
لك واحدة كهذه لا تقع في اختيار سيء مثلي "
ضحك مؤمن وقال " أريد واحدة كقمر ابحث لي "
ضحك رائد وقال " قلت لك لا تقع في مطب مثلي يا غبي "
ثم صفر تصفيره طويلة وقال " هل رأيت تلك التي خلفها سحقاً لحظي "
كل هذا كان يحدث أمامي وأنا اشتعل كالبركان ما يعنيه بما يقول هل أنا في نظره هكذا
كنت أشعر بالدنيا تضيق وتضيق والكون بأسره ينطبق على ضلوعي , أي إهانة هذه لقد
فاقت كل سابقاتها , لو أنه أوسعني ضربا كان سيكون أرحم من سماعي هذا الكلام منه
ضحك وقال " ما رأيك بالأخرى "
تجمعت الدماء في رأسي فصرخت به " رااااائد "
لكنه تجاهلني ولم يلتفت إلي ولم ينظر إلي أي منهما فقلت بحرقة
" رائد أنا أكلمك "
لم يُعرني أي اهتمام واستمر في وصفه ومؤمن يصفر ويضحك , توجهت جهة الإناء
الحديدي المليء بالرمال حملته وسكبته علي رأسيهما وتوجهت للشاليه دموعي وعبراتي
كل واحدة منهما أقوي من الأخرى , دخلت وأغلقت الباب الزجاجي بالمفتاح
لنرى أين سيستحمان , أغلقت الباب الرئيسي أيضا وجلست في الغرفة أبكي بحرقة إهانته
الجارحة , الإهانة الأعنف في عالم النساء والجرح الذي لا يوازيه شيء , بعد وقت سمعت
باب الشاليه يُفتح ثم باب الغرفة ودخل رائد وتوجه إلي من فوره أمسكني من ذراعي وسحبني
منها بقوة , كنت أقاوم يده لكنه سحبني بالقوة للخارج وخرج بي من الشاليه
وعند هنا كانت نهاية الفصل الجديد
ما سيكون عقاب رائد لها وما قصده بما فعل وهل كان متعمداً
ما سر قتل الورد الذي تحدثت عنه قمر في اللعب ة وما عنت به
في الفصل القادم سيخرج بطلينا من هذه المشكلة فكيف سيوضح كل واحد منهما فكرته للآخر
وفي الفصل القادم سنتعرف على وجهة نظر بطل روايتنا في الأمر فدفة الحديث ستكون لرائد
دمتم في حفظ الرحمن