الفصل الثامن والعشرون
كنت أسمع عن اليأس الذي يجعل صاحبه يكره الحياة ولم أعرفه وأجربه
إلا حين ضننت أن قمر ميتة , وكنت أسمع عن تحكم أحدهم في مزاجك
حد أن يوصلك للثمالة بقبلة صغيرة ولم أعرف ذلك أيضاً إلا اليوم لتجعلني
قبلتها الأولى لي منذ تزوجتها أفقد نصف حواسي وأنزل تحت المطر وكأني
لا أراه موجوداً ولا أشعر به , لم أجرب الخمر يوماً ولكن إن كان كهذا فقد
علمت الآن لما هوا محرم , وصلت عند أشجار اللوز وازدادت نوبة السعال
عندي حتى ضننت قلبي سيتوقف ورئتي ستخرج من فمي فجلست تحتها
بعدما فقدت أغلب الهواء في رئتاي من كثرة ما سعلت , كنت أجلس على
الأرض المليئة بأوراق الأشجار الصفراء الممتلئة بالمياه وحبات المطر تنزل
على رأسي وأكتافي ورئتاي تتقطع وجسدي بين الماء والماء , بعد وقت
طويل هدأ المطر قليلاً فوقفت بصعوبة وسرت مستنداً بكل ما مررت به
حتى وصلت المنزل ودخلت لا أرى سوى الأرض تحتي وما أن خطوت
بضع خطوات حتى خارت باقي قواي ولم أشعر سوى بالأرض تناديني
لحضنها ولم أسمع سوى صوت قمر تصرخ باسمي ولا أعلم إن كانت
وحدها هنا أم معها أحد ولم تلتقط أذني غير صوتها أو أنه هيئ لي كل
ذلك , بعد وقت فتحت عيناي ببطء ووجدت نفسي على سرير غرفتي
وأول من وقع عليه بصري كانت مريم تجلس بجواري وقمر تقف عند
الباب وما أن نظرت لها حتى فتحته وخرجت وأغلقته خلفها بهدوء
قالت مريم وهي تضع يدها على جبيني
" رائد هل أنت بخير , حمداً لله حرارتك بدأت تنخفض "
قلت بصوت متعب " بخير ... قمر ما بها "
نظرت خلفها ثم لي وقالت " ترفض قول غير أنها بخير لكن
وجهها لا يقول ذلك وتبدوا تصارع الألم "
قلت " لما لم تأخذوها للمستشفى "
تنهدت وقالت " مع من وأنت طريح الفراش والبقية في الحقول , لقد
فزعتْ لرؤيتك تسقط , إن كنت أنا التي قلبي سليم لازال يرتجف
حتى الآن فكيف بها هي "
سعلت قليلاً ثم قلت " ورجال والدها ما نفعهم هنا , كنتم طلبتم منهم أخذها "
قالت " فكرت في ذلك لكني خفت أن تغضب "
أمسكت اللحاف عن جسدي ثم نظرت لها وقلت
" من غير لي ثيابي "
قالت وهي تعيده على صدري " قمر طبعاً فوحدها يمكنها
فعل ذلك فهي زوجتك والرجال لا أحد منهم هنا "
تنهدت واكتفيت بالصمت فقالت بلوم
" رائد ما هذا الجنون كيف تخرج هكذا في جو كهذا !
ماذا لو لم تصل للمنزل "
نظرت للسقف وقلت بحزن " قالت ستتركني للأبد يا
مريم , سترحل مع والدها وتتركني "
أمسكت يدي وقالت " وهل ترى خروجك في هذا الوقت
هو الحل ! هل تهرب من الواقع بقتل نفسك "
سعلت مجدداً ولذت بالصمت فتنهدت وقالت " قمر تعبت بسببك كثيراً
أنت شقيقي وأحبك لكن الحقيقة كذلك فأنا من عشت معها شهرين
متواصلين ورأيت ما تعاني من مشاعرها اتجاهك من شوقها وحبها
وخذلانك لها وتركها , كانت تموت شيئاً فشيئاً وأنت لا تعلم
كانت ترى عذاب تركك لها أسوء من عذابها معك وأنت تضن
أن بعدها سيكون أفضل "
تساندت بمرفقي وجلست فأمسكت كتفي وقالت
" رائد أنت متعب فلا تتحرك "
قلت وأنا أنزل قدمي من السرير " سأطمأن عليها بنفسي "
قالت وهي تمسكني بقوة " لن يزيد هذا الأمور إلا سوءً , رائد
أرجوك الضغوط النفسية سيئة لها فيكفيها اليوم "
ارتميت على السرير من جديد وقلت
" اذهبي لها إذاَ ولا تتركيها وتعالي لطمأنتي "
تنهدت بقلة حيلة وغادرت وطال غيابها فغادرت السرير رغم تعبي
وصعدت السلالم حتى وصلت غرفتها , طرقت الباب بخفة ففتحت لي
مريم ونظرت لي بصدمة وقالت
" رائد ما جاء بك هنا وأنت متعب يالك من عنيد "
قلت مستنداً بيدي على الجدار " أنا بخير كيف هي الآن "
هزت رأسها بيأس وقالت " كلما غفت قليلاً استفاقت مفزوعة , تبكي
تارة وتنادي في منامها والدها و أنت وشيء في التنين لا أفهمه "
أبعدت يدها وأنا أقول " سأدخل لها "
أمسكتني وقالت " رائد لن ترضى قمر وجدتي ستغضب إن
علمت , هي نائمة الآن فاتركها أرجوك "
أبعدتها عن طريقي متجاهلاً كل كلامها ودخلت , كانت نائمة تحتضن
الوسادة بقوة وتخفي وجهها فيها فجلست بجوارها على السرير أمسح
على شعرها بحنان فأبعدت وجهها عن الوسادة وفتحت عيناها ونظرت
لي فمسحت الدموع من عينيها وقلت بابتسامة وأنا أمسح على وجهها
" نامي يا قمر أنا ومريم هنا ولا شيء آخر حبيبتي ... نامي الآن "
أغمضت عيناها ببطء دون كلام وعادت للنوم , بعد قليل ارتخت يداها
عن الوسادة فنزعتها منها وغطيتها جيداً وقبلت جبينها وجلست بجوارها
وغادرت مريم لأبنائها وبقيت وحدي معها أمسح على وجهها وأقبل
خدها كل حين وكأنها إكسير الحياة الذي سوف يبقيني صامداً بجوارها
وابتسمت لملامحها بحب حين تذكرت كلماتها التي قرأتها في كتابها إكسير
الحياة فرددتها بهمس ( لا تعشقوا الوجوه فهي لن تعشقكم أبدا بل وحدها
القلوب مراسيل البشر إليكم وجسركم الوحيد للوصول فهي من تستحق
العشق وأنتم من تستحقون من تعشقه فلا تجعلوا ملامح البشر جسركم
الوحيد للتواصل معهم )
بعد وقت قالت بهمس وعيناها مغمضتان " رائد لا تذهب "
مسحت غرتها للأعلى وقبلت جبينها وقلت
" لن أذهب حبيبتي نامي الآن "
فعادت للنوم من جديد وتبدوا لي في غير وعيها أو الخوف من الكوابيس
سيطر عليها وإلا ما كانت طلبت مني كهذا الطلب , كنت بحاجة للنوم أكثر
من أي يوم لكني ما كنت سأرد طلبها مهما كان مستحيلا , بقيت بجوارها
لساعات حتى سمعت أذان الفجر عندها قبلت جبينها وخدها وقلت هامساً
في أذنها " قمر استيقظي إنه وقت الصلاة "
وغادرت الغرفة ونزلت لغرفتي صليت الفجر ونمت لساعات طويلة
واستيقظت عند الظهيرة , استحممت وغيرت ثيابي صليت الظهر
وخرجت فسمعت صوتاً لنقاش حاد فخرجت ابحث عنهم فكانت جدتي
ومريم تتناقشان بعصبية وجدتي تقول
" لن أطرد ضيوف يأتون لبيتي وقمر لم يعد يعنيها أمره "
قالت مريم بضيق " بلي سترين بعينك ما ستكون نتائج ذلك
ولا تنسي أنني حذرتك مسبقاً "
قالت ببرود " لن أفعلها أبداً وأطرد شقيقتي وابنتها من أجل ترهات
إن كان يريدها ما تزوج بغيرها وهي تعلم ذلك جيداً "
قالت مريم بحدة " لن تأتي إلا لأجله أو لأجل إغاظة قمر
فجنبينا المشاكل يا جدتي "
صرخت بها " احترميني أنا لست أكبر أبنائك "
تأففت مريم وخرجت فاصطدمت بي وقالت مصدومة
" منذ متى أنت هنا !! "
قلت " منذ قليل .... ما بكما ؟ "
قالت مغادرة " الآنسة سوزان اشتاقت لخالتها , أقسم إن
ضايقت قمر طردتها بنفسي "
لحقت بها أمسكت ذراعها وقلت " ولما تضايقها إن كانت ستأتي
لساعات قليلة وتذهب ! ماذا هناك يا مريم ؟ "
قالت بغضب " سيدة الدلال تريد البقاء ليومين هذا إن لم يكن أكثر "
قلت بهدوء " سأخرج أنا إذاً "
هزت رأسها وقالت " لن يتغير شيء ولن تسلم منها أعرفها جيدا "
قلت " متى ستأتي "
قالت مغادرة " نهاية الأسبوع فكم أخشى من نتائج قدومها "
ابتعدتْ قليلاً فاستوقفها صوتي منادياً " مريم "
التفتت إلي فقلت " كيف هي الآن "
قالت بهدوء " أفضل ... تبدوا لي نامت جيداً البارحة "
هززت رأسي بنعم ثم قلت " أريد التحدث معها "
قالت بضيق " رائد لا نريد أن نخسرها يكفي يوم الأمس السيئ "
قلت بتذمر " لما كنتي تساعدينها في الماضي وأنا الآن
لا , مريم لا تكوني ظالمة "
قالت بضيق أكبر " مهما أحببتها فلن أحبها كشقيقي , رائد أنا
أخاف عليها يكفيها ما لقيت حتى الآن "
قلت بهدوء " وإن قلت لك أرجوك هذه المرة وافعليها من أجلي "
قالت باستسلام " أنا حقاً أريد المساعدة , لكن رائد أرجوك لا تقسوا
عليها بكلماتك مهما قالت "
قلت بابتسامة حزينة " وبأي قلب سأفعلها "
قالت " حسناً والمطلوب مني الآن "
قلت " تخرجيها وحدها للمجلس الخارجي وتلهي جدتي عنا "
قالت وهي تصعد السلالم " أمري لله خدمات دون مقابل "
استوقفتها مجدداً وهي في آخر الدرجات وقلت " هل سألت عني اليوم "
نظرت لي بصمت مطولاً فقلت بتذمر " مريم بالله عليك تجيبي "
قالت ببرود " لا أستطيع "
قلت " ولما "
قالت " إن سألتْ عنك فلا يمكنني قول ذلك لك فهذا لن يعجبها
وإن لم تسأل عنك لا أستطيع قول ذلك لك كي لا أجرحك "
قلت بإصرار " لن يجرحني ذلك فقولي "
قالت وهي تصعد " يالك من محتال يا رائد وورطتني , إن قلت لن
أجيب فستعلم الجواب ... ذكائك يكفي لتفهم "
ابتسمت لها وهي تصعد ... سألت عني إذا , راقبتها حتى اختفت وغابت لوقت ثم
نزلت ومرت بجواري وقالت " تمت المهمة وسأذهب لجدتي , لا تتأخر كثيراً مفهوم "
ابتسمت لها وصعدت من فوري أقفز الدرجات قفزاً ودخلت المجلس فكانت
تقف تشاهد المزرعة ترتدي بنطلون قصير من الجينز الأبيض يصل طوله
لنصف الساق وكنزه شتوية بيضاء طويلة مفتوحة ومغزولة بثقوب واسعة
يظهر من تحتها القميص الأحمر الضيق , ترتدي حداء أحمر وتربط شعرها
للخلف بشريطه حمراء وتقف مكتفة يديها , اقتربت منها ببطء حتى صرت
خلفها وهمست لها " هذا أنا حبيبتي لا تفزعي "
طوقت خصرها برفق وقبلت عنقها ونظرت لما تنظر إليه بصمت
بعد قليل قبلت خدها وقلت " هل يمكننا التحدث الآن عن كلامك بالأمس "
قالت بهمس " لا "
قلت وشفتاي على عنقها " ولما لا دعينا نصل لنتيجة ترضي كلينا "
قالت بهدوء " رائد لا أريد جرحك بكلماتي لنصبح اليوم في
محرقة جديدة من سجائرك "
قلت وأنا أستنشق خدها وشعرها " تخافين على صحتي إذا "
كنت أشعر بارتجاف جسدها بين ذراعاي مما أفعل فزدت من شدي لها
أكثر وقلت وأنا أقبل عنقها عدة قبلات " لما الصمت حبيبتي "
خرجت منها أنة صغيرة وقالت " رائد اتركني أنت تؤلمني "
قلت هامس في أذنها " ليس قبل أن تجيبي "
قالت بحزن " لأنك كنت تخاف على صحتي في الماضي أو .... تشفق علي "
أرخيت من قبضة ذراعاي وقلت بهدوء
" إذا تشفقين علي أم لا تريدي أن تحملي لي جميلاً "
أكتفت بالصمت , علمت الآن كم كان قاسيا على قلبها كوني أشفق عليها
نعم كم ذلك قاسي وعلمت لما كانت تقول أنها لا تريد شفقة مني , هيا خذي
بحقك مني يا قمر خذي , همست في أذنها " ليست الشفقة أريد "
لاذت بالصمت فقلت بهدوء
" قولي ما كنت أقول لك قوليها يا قمر هي من حقك الآن "
طأطأت برأسها حتى شعرت بدمعتها تسقط على يدي الملتفة حول خصرها
وقالت بحزن " لا أريد أن أكون بقسوتك لأنك لن تشعر بما كنت أشعر أبداً
لقد مات الورد يا رائد وانكسر ذاك الشيء للأبد "
ابتسمت بحزن .... لا تكذبي على قلبك يا قمر فارتجافك بين ذراعاي أكبر
دليل فقط جرحك مني كبير وعميق , قلت بعد صمت
" لو كنتي مكاني ما كنتي ستفعلين صارحيني "
قالت بسخرية وقد عادت بنظرها للبعيد " كنت سأحبك فهذا فقط ما أتقنه "
رفعت ذراعاي عند كتفيها وصدرها ضممتها لي بحنان وقلت
" ها قد اعترفتِ أنك لا تتقنين سوى الحب فما تغير الآن "
شهقت بعبرة ثم قالت بنفس متقطع من البكاء " مذكرتي كانت لديك وكنت تعلم ما
أشعر اتجاهك ومنذ طفولتي وكان كل ما في قلبي يظهر أمامك جليا في كل نفس
أتنفسه لكن القسوة حجبتك عن رؤية ذلك "
تم أمسكت بيديها ذراعاي المطوقتان لكتفيها ودست وجهها بينهما وقالت ببكاء
" كنت أحبك بجنون ولكنك لا تعرف الحب , أعشقك في كل نفس أتنفسه وأنت
تكرهني حد جرحي باستمرار , أخاف عليك من الهواء البارد ليلا وأنت تنتقم
مني وتقتلني , لم أكن عادلة مع نفسي كنت أستنزف كل مشاعري وأهبها لك
وكنت أنت بلا مشاعر تقتل ذاك الحب النقي "
دسست وجهي في شعرها وقلت بحزن " بل كنت أحبك رغماً عن أنفي وعن
قلبي وانتقامي كنت أحبك وأضحك من مريم كلما قالتها لي ليس لأنها ليست
حقيقة بل لأني أهرب من الاعتراف بها , كانت أمامي قمر الطفلة البريئة
وقمر الزوجة الجميلة مقابل ضوء القمر الخائنة اثنين مقابل واحدة فانتصرتا
في النهاية عليها ويوم عدنا من المزرعة كنت قد قررت التحدث معك في
الأمر لكنك سجنتِ نفسك فاحترمت عزلتك وانتظرتك لتخرجي ولم أتخيل أن
تخرجي جثة هامدة من حضني للمستشفى للمجهول , فلك أن تتخيلي إن كانتا
اثنتين انتصرتا على الحقد في قلبي فكيف بكم الثلاث مجتمعات بعدما علمت
الحقيقة , أقسم لك يا قمر أن قلبي يكاد يتفجر حبا لك ولو كانت خلايا الجسد
تتحدث لقالتها لك كل واحدة منها على حدا , عامليني بقسوة خذي بحقك مني
اكرهيني حتى ولن تكوني إلا حبيبتي "
أبعدت يديها ووجهها عن ذراعاي وقالت
" أنت لا تغفر لأحد دون سبب فأعطني شيئاً أغفر لك به "
أبعدت يداي عنها ولففتها جهتي وقلت وعيناي في عيناها الدامعتان
" حددي وأنفذ "
نظرت للأسفل و قالت بحزن " أريد أن أنسى كل ما حدث ويُمسح
من عقلي نهائيا فهل تستطيع ؟ "
أمسكت وجهها بيداي ورفعته إلي وقبلته في كل مكان فيه ثم وضعت
أنفي على أنفها وقلت " الحسنات يذهبن السيئات يا قمر أليس كذلك "
قالت والدموع تتدحرج من عينيها " لم أستطع فانسني يا رائد أنا لم أعد لك "
تم قالت وهي تمسك يداي وتبعدهما عنها " يكفي حتى هنا لا أريد جرحك
بأبعادي لك عني لترجع لحرق رئتيك مجدداً بسببي , رائد أرجوك يكفي وغادر "
ابتسمت لها وقبلت جبينها وقلت مغادراً " كما تريدين حبيبتي "
نزلت للأسفل ووجدت حيدر وأيوب فنظرت لهما وقلت
" ما جاء بكما قبل الموعد !! "
ضحك أيوب وقال " هربنا مثلك , ها ما الأخبار "
قلت مغادراً جهة غرفتي " كما هي عليه "
قال أيوب وهوا يتبعني " وما تفعل كل هذا الوقت ؟ "
جلست على السرير وقلت " أي وقت وأنا وصلت بالأمس ولحقتم
بي اليوم , يالا خططكم الفاشلة "
قال واضعاً يديه وسط جسده " دبرنا بينكم كم لقاء , أنزل حيدر زوجته مرغمة
ذاك المساء لتبقى قمر وحدها في الأعلى وتنزل هي أيضاً وأجبرها على التحجب
لتأخذ أنت راحتك واتفقت ومريم على قدومك بالأمس , كل هذا ولم نساعد "
تنهدت بضيق وقلت " إن عاد والدها فسأخسرها للأبد وسيطلقها مني بكل
سهولة وأنا لم أتقدم ولا خطوة حتى الآن "
جلس معي على السرير وقال " عاملها بالوجه الآخر إذا بما أنه لم ينفع هذا الوجه "
قلت ببرود " لقد أقسمت على نفسي حين شككنا في حقيقة موتها أني لو
وجدتها حية فلن أقسوا عليها ما حييت "
ضحك وقال " لقد ورطت نفسك كيف ستعيش معها كل العمر
دون أن تقسوا عليها أحياناً "
تنهدت وقلت وأنا أهز رأسي " أقسم لن افعلها فلتعش معي
أولاً فقد بث أرى ذلك بعيداً جداً "
قال بحيرة " والحل إذا !! "
قلت " لا حلول على ما يبدوا "
وقف من فوره وفتح باب الغرفة وأخرج رأسه وهوا ينادي حيدر بصوت
مرتفع وما كذب الآخر الخبر وكان في لحظات لدينا , دخل وأغلق الباب
وقال " ماذا هناك "
ضحكت فقال بتذمر " ما المضحك أنت "
قال أيوب " دعانا منكما الآن ونريد مخططا جديداً "
قال حيدر " إن كان اليوم لا بأس غدا صباحاً سأغادر وزوجتي , لن
أستطيع التغيب أكثر من هذا "
قلت " أخرجاني من دماغيكما لم أعد أريد خططاً , خذ زوجتك يكفي "
أمسكني من يدي وقال وهوا يسحبني معه " أتركنا من هذا الآن وتعال معي فأنت
من يمكنه الصعود للأعلى , أريد معرفة سبب كل هذا الضحك الذي يصل للأسفل "
قلت وأنا اتبعه مجبراً " ولما لم تتصل بزوجتك وتعلم منها "
قال " لم تخبرني لأنها تعرف أنه لا يمكنني الصعود إليهم وزوجتك
هنا , بسرعة باغتهم حدسي يقول ثمة شيء يخفينه "
دب الفضول في جسدي وصعدت بخطوات خفيفة , كان بالفعل ضحكهم
غير طبيعي , وصلت للأعلى فكان الصوت يخرج من جهة طاولة الطعام
غريب ليس هذا وقت الغداء فما يفعلونه هناك !! نظرت لهم من خلف الباب
بحيث لا يرونني فكن جالسات على الطاولة وكل واحده منهن بيدها قلم
وورقة يكتبن أو يرسمن شيئاً ويضحكن على أوراق بعض وحتى صبا
مثلهم , دخلت ببطء فرأتني قمر المقابلة لي وفتحت فمها وعيناها من
الصدمة فأشرت لها بأصبعي أن تسكت , وصلت عند مريم التي
تعطيني ظهرها وأنوار كانت مشغولة مع ورقتها وكانت مريم تقول
ضاحكة " قمر لقد أبدعتي في رسمه لو رآها لقتلك "
استللت الورقة منها بخفة وسرعة فشهقت هي ورفعت أنوار رأسها
مصدومة ووقفت قمر وركضت مغادرة فأمسكتها من ذراعها وأعدتها
نحوي , نظرت للورقة فكانت رسمه لي والسيجارة في فمي والدخان
يخرج من أنفي وحاجباي معقودان خط واحد دليل الغضب , نظرت
لها فأخفت وجهها في يديها فانتقلت جهة أنوار وقمر ذراعها في يدي
أسحبها معي وأخذت الورقة من أمامها فكانت رسمه لحيدر ورأسه
مفتوح وتخرج منه الكتب والمعلومات وعيناه عينا أحمق , أنوار طبعاً
رسامه والورقة فيها ملامحه بحرفية , ضحكت كثيراً وأنا أنظر لها ثم
انتقلت لرأس الطاولة حيث كانت تجلس قمر وأخذت ورقة مريم من
هناك وكانت رسمه لأيوب يركب محراث ويضع رداء سوبر مان جسده
كبير والمحراث تحته وكأنه دراجة أطفال فلم أستطع إمساك نفسي فعدت
للضحك مجدداً بهستيرية فقفزت صبا وقالت " وأنا رسمت خالي مروان "
أخذت منها الورقة فكانت ألرسمه الأشد رعباً ملامح لا تعرف من أين
جاءت بها وكان يركب حصانا هوا أقرب للحمير من الأحصنة , كنت
أضحك حتى كدت أفقد توازني واستندت بالطاولة فقالت مريم بضيق
" رسمت قمر الوحيدة التي لم تضحك عليها لما يا ترى ؟
هل لجمالها أم لأنها تخصك "
نظرت جهة قمر التي لازالت في قبضتي تنظر للأرض وتعظ شفتها
في خجل وارتباك فقربتها مني أكثر وقبلت خدها وقلت
" مقبولة من قلبي وحبيبة قلبي "
حمحمت مريم وقالت " يا عباد الله بيننا أشياء صغيرة هذا لا يجوز "
ثم وقفت ومرت بجواري ووقفت قائلة بهمس وغيض
" تعبت من كثرة أسئلة أطفالي الكثيرة عما تفعله أيها العاشق "
ضحكت وقلت " حسابك ليس لدي بل لدى صاحب الصورة "
شهقت بقوة فخرجت من فوري وهما تتبعاني وتتوعدانني إن أريتها لأزواجهم
ولكني لم أكترث , وصلت للأسفل فكانا حيدر وأيوب في انتظاري وزوجاتهما
طبعاً لم يستطيعا النزول خلفي , رفعت الأوراق أمامهم وقلت " جلبت لكم سبب
كل ذاك الضحك لقد كن يرسمننا كل واحدة ترسم زوجها والأخريات يضحكن "
أخذوا الأوراق من يدي وكل واحد على ملامحه الغضب فضحكت وقلت
" تبادلا الورقتين وسيتغير هذا المزاج "
وما أن تبادلاهما حتى بدأ بالضحك الشديد ثم أعطيتهم ورقة قمر وصبا فجلسا
على الأرض من كثرة الضحك وقال بعدها حيدر بضيق
" سأريها كيف ترسمني هكذا وما تعنيه بالغباء وتطاير المعلومات "
قال أيوب " والأخرى أيضاً سترى عقابها هل تسخر من حياتي وحرثي بالجرار "
قلت مغادراً جهة غرفتي " هذا إن وجدتماهما فلن تنزلا بعد الآن "
بعد أذان العصر وصلني اتصال من مريم فتحت الخط فلم تجب وكانت
أصوات كثيرة لديها وهي تقول " هذا ظلم ولو علم رائد لغضب منكما "
قفزت من السرير وخرجت مسرعاً فكان الصوت من الخارج فخرجت من
المنزل فكانت قمر ومريم وأنوار وحتى صبا يجلسن حول تسط كبير حديدي
مليء بالماء والصابون وكومة من الثياب بجانبهم يغسلونها بأيديهم وحيدر
وأيوب فوقهم , اقتربت منهم وأمسكت قمر من ذراعها وأوقفتها وقلت مغتاظاً
" هل جننتما من سمح لكم بجعلها تغسل معهم "
قال حيدر " العقوبة للجميع وهي لم تعترض فما جاء بك أنت "
قالت مريم بضيق " اتصلت بك لتنقدنا جميعاً وليس زوجتك فقط "
قال أيوب " ستغسلون ملابس العمال الخاصة بالحقل أيضاً ولن تقوموا من
هنا إلا بعد إنهائها ولو بقيتم للصباح "
صرخت به " ارأف لحال ابنتك , انظر ليديها الصغيرتان هي لم ترسمك أنت "
توجهت بقمر جهة صنبور المياه فتحته وغسلت لها يديها وهي في صمتها
ذاته فهي باتت تفضل الصمت عن أي شيء أفعله لتتجنب جرحي وهي لا
تعلم أن قرارها الانفصال عني وحده يكفي بذبحي دون رحمة , اتجهت بها
أسحبها من يدها جهة المنزل فأوقفني صوت حيدر قائلا
" هيه زوجتك رسمت معهم وضحكت علينا فأعدها إلى هنا "
عدت ناحيتهم ويدها لازالت في يدي وقلت " قلت لن تغسل شيئاً "
قال أيوب بتحدي " رغماً عنك "
صرخت منادياً " جدتي تعالي وانظري ما يفعلون لقمر "
نظرتْ من نافذة المطبخ السفلي وقالت بصراخ
" ماذا بكم ؟ من اقترب من قمر "
ضربت مريم الماء والصابون بيدها وقالت بغيض " سألبس باروكة لشعر
بني طويل وعدستان عسليتان وأجري عملية تجميل تغير ما يمكن تغييره
لكي أحضا بما تحضا به قمركم "
ضحكت وقلت " لن يتغير شيئاً "
قالت أنوار بضيق " لما زوجها يشعر بها وأنتم لا , ابنتي تبكي عليا الذهاب لها "
قال حيدر ببرود " ليس قبل أن تنهي عملك , سأريك ما يفعله
الغبي الذي يدعي الذكاء "
صبا الوحيدة التي كانت تعمل بنشاط وصمت ومرح أيضاً وقمر الوحيدة
التي كانت تضحك في المجموعة على ما يجري , كم كنت مجرماً حين
قتلت هذه الضحكة وكم رحمني الله حين أعادها إلي , قالت مريم بحدة
" تغسل قمر أو لن أغسل "
قالت أنوار " وأنا كذلك "
قلت ببرود " أنا من رسمتني وراضٍ عن رسمها لي ولن تغسل شيئاً "
سمعنا حينها صوت قادم من بعيد يقول " لمن هذه الضحكة الحريرية
ألمائية العذبة الشفافة , ليست لعائلتنا بالتأكيد "
دسست قمر خلف ظهري , ها قد جاء طويل اللسان
اقترب منا فقلت بضيق " ما جاء بك أنت "
ضحك وقال " أنظروا للعجب العجاب يريد طردي من منزلي "
ثم نظر لهم وقال " ما سر حملة النظافة هذه "
مد له حيدر بورقة قائلا " انظر ما يفعلون ولعلمك أنت من في هذه الصورة "
نظر لها وضحك حتى تعب وكان مروان الوحيد الذي ضحك على رسمته
ثم قال " من هذه الرائعة التي رسمتني لأعطيها جائزة "
قالت صبا بسرور رافعة يدها المليئة بالصابون " أنا .. أنا "
نظر لها وقال " وقحة وستغسلين ثيابي أيضاً "
خرجت حينها جدتي اقتربت منا وقالت " ما بها قمر ؟؟ "
نظرت لها وقلت " يجبرونها على غسل ثيابهم "
قالت بضيق " خسئتم مجرمين أبناء المجرمين "
تم سحبتها من يدها الأخرى قائلة " وأنت اترك يدها , تعالي معي يا قمر "
دخلت وهي تتبعها وقال مروان بصدمة
" مجرمين أبناء المجرمين تعني نحن وآباؤنا !!! "
قالت مريم بضيق " أخبرتكم أني سأغير شكلي "
قال مروان ضاحكاً " معها حق ومن يعرفها ولا.. "
قاطعته بلكمة صغيرة على أنفه فامسكه وقال بغيض
" هذا ما كان ينقص , أصغر أبناءك أنا تضربني "
قلت مغادراً " المرة القادمة سأكسره لك إن لم تكف عن مراهقتك "
دخلت وتوجهت جهة السلالم فأوقفني العكاز الكريه وصوت جدتي
قائلة " أين يا ابن المنذر "
تنهدت وأنا أنظر للأعلى وقلت " جدتي دعيني مرة أقترب منها "
قالت وهي تبعدني بعكازها " لا تظن أني مغفلة ونائمة ولا أعلم ما يجري
هنا , تكلمت معها بما فيه الكفاية وقالت لا تريدك افهمها "
رميت بعكازها بعيداً عني وقلت مبتعداً بغضب
" لا تقولي هذه الجملة ثانيتا لا تعيديها "
صعدت مرتين عند المساء ولم أجد أحداً وكانوا جميعهم في غرفة جدتي
ويغلقونها , يعاقبونني إذا بدلاً عنها , عند الصباح غادر حيدر وأنوار
وعاد مروان للحقول فصعدت للأعلى وجلست لهم هناك , مرت مريم
بجواري وقالت " حبيبة القلب في غرفتها ما يجلسك هنا "
قلت ببرود " هكذا دون سبب هل ستمانعين "
قالت مغادرة " افعل ما تريد ولكن لعلمك أنت بهذا تتسبب بسجنها لنفسها "
بعد وقت خرجت للمجلس الخارجي أدجن سيجارتي وبعد لحظات سمعت
صوتاً سقط في قلبي كقطعة النقود على الأرض الرخامية عذباً لا يمكن
وصفه وهوا يقول " رائد "
التفتت للخلف من فوري وكأني أخشى أن يكون هيئ لي فكانت قمر بالفعل
تقف عند الباب مستندة بالجدار ويداها خلفها ترتدي فستاناً قصيراً باللون
الأزرق بأكمام طويلة ورقبة مفتوحة وعقدة تتخللها بشريطه بيضاء
مددت يدي لها وقلت بهمس " تعالي "
هزت رأسها بلا دون كلام فقلت بهدوء " حسناً "
توجهت نحوها ووقفت أمامها وأمسكت وجهها وقلت " نعم يا قلب رائد "
قالت بنظرة حزينة معلقة في عيناي " تحبني ؟؟ "
قلت بابتسامة " الجواب لديك حبيبتي "
أغمضت عينيها ببطء وقالت " إذا اتركني فأنا لست لك "
تم فتحتهما ممتلئتان بالدموع وقالت
" لم أعد لك ولا لغيرك أنا انتهيت يا رائد افهمني أرجوك "
ضممتها لصدري وقلت " أنا من قتلك يا قمر , أنا سبب كل هذا وأشعر
بك وأفهمك ولكني بدونك أموت فافهميني أنتي أيضاً "
اكتفت بالبكاء في صمت وأنا أدسها في حضني أكثر وأحاول تهدئتها حتى
قالت بصوت مبحوح " أنا متعبة متعبة جداً "
قلت هامساً في أذنها " سامحيني يا قمر اغفري لي هذه المرة فقط "
ابتعدت عن حضني ودخلت مسرعة دون أن ترحمني وكأنها تريد
تعذيبي أكثر بما فعلت , مسكينة يا قمر تشعرين بالوحدة والضياع
وأن العالم يتخلى عنك وليس أمامك سوى حضن الرجل الذي خذلك
يوماً لتلجئي إليه وتبثي همومك عنده , رائد يا أحمق كنت تركتها
بتت كل همومها في حضنك لترتاح بدل الاستعجال في الحديث عن
ذنبك اتجاهها وطلب الغفران منها , تنهدت بحسرة ونزلت للأسفل
وعند نهاية المساء صعد أيوب للأعلى وجلست أنا على السرير
مظلماً الغرفة تائهاً وحائراً في أمري حتى سافر بي الليل الطويل
بعد وقت سمعت صوتاً عند الباب ففتحته ببطء فكانت قمر تجلس
عنده تحضن ساقيها وتدس وجهها بينهما فنزلت عندها وقلت هامساً
" قمر لما أنتي هنا !! "
فزِعتْ من صوتي وعادت للوراء قليلاً ثم قالت وهي تتنفس بصعوبة
" رائد "
قلت وأنا أمسح بيدي على وجهها " نعم رائد لا تخافي , ما بك يا قمر "
قالت بصوت متقطع من الخوف " الأعلى شخص ما هناك "
غطيت لها فخديها بفستانها القطني القصير الذي كانت ترتدي
كان قصيراً جداً وبحمالات رقيقة ثم حضنتها وقلت
" لا أحد هنا قمر أنتي تتوهمين ذلك بسبب الكوابيس "
هزت رأسها بلا وقالت وهي تدس وجهها في صدري
" حداء امرأة إنها امرأة تسير إنها هي رائد لقد جاءت "
حضنتها أكثر وقلت " لا يمكنها المجيء قمر لن تؤذيك أبداً "
غريب لما نزلت لي ! آه أيوب نائم مع مريم والأطفال عند جدتي
ولكن ما سر الحداء !! أوقفتها وقلت " تعالي سأصعد معك
حتى غرفتك , لا شيء هنا قمر "
تمسكت بي أكثر وقالت " لا لا أريد الصعود إنها في الأعلى لم
أستطع النوم حاولت ولم أستطع "
يبدوا حاولت أن تنام وهاجمتها الكوابيس إنها تفقدها سيطرتها على كل
حواسها وتنسى عدوها من صديقها , أدخلتها غرفتي تركتها على السرير
وصعدت للأعلى بسرعة أبحث في الممرات حتى فوجئت بصبا ترتدي
حداء والدتها وتسير به فقلت بصدمة " صبا ما تفعلين هنا في هذا الوقت !! "
قالت بطفولية وهي تدور حولي بحداء مريم العالي " لم أشعر بالنوم وجميعهم
ناموا , لا تخبر والدتي أني أخذت حدائها ستغضب مني "
أشرت بأصبعي للممر الذي يحوي الغرف وقلت آمرا لها
" عودي للغرفة حالاً ليس هذا وقت اللعب "
غادرت راكضة باتجاه الممر ونزلت أنا عائداً للغرفة , كانت قمر تحضن
الوسادة وتدس وجهها فيها , ترى ما أيقضها هذا الوقت لأنها ما كانت ستسمع
الصوت لو كانت نائمة لابد وأنها الكوابيس ويبدوا لي لا تنام أبداً , جلست
بجوارها على السرير أراقبها بصمت فكانت تهدي ويبدوا غفت , مسحت
على شعرها وقلت بهدوء " قمر استيقظي "
ابتعدت عن الوسادة ونظرت لي فقلت ماسحا على وجهها
" كانت صبا لا أحد في الأعلى "
ارتخت عضلات يديها فسحبت منها الوسادة وكانت عيناها معلقتان في
الفراغ فلازال الخوف مسيطراً عليها , قبلت جبينها وقلت
" قمر تسمعينني ؟؟ "
قالت بشرود " امممممم "
بقيت ألعب بغرتها في صمت وعيناها مفتوحتان حتى قالت بصوت
مبحوح " رائد لا تذهب "
ابتسمت وقلت " حاضر حبيبتي لن أذهب "
كيف سأذهب وهي في غرفتي ! ألهذا الحد هي خائفة , عدت لستر فخذيها
بالفستان الذي لا يستر شيئاً , كان اللحاف مكوما تحتها ولا يمكنني سحبه
لأغطيها به , كان منظراً يصعب أن أقاومه في وقت لا مجال فيه للقوة
اقتربت من أذنها وهمست " قمر "
قالت بذات شرودها " همممممم "
قبلت خدها وهمست " قمر اعذريني هذه الليلة , هل تمانعي !! "
لم تجب بشيء فقبلت عنقها ووجهها بشغف وكأني أبحث عن مكان لم
أقبله فيهما من قبل وهي على حالها لا تمنعني أبداً , أخرجت اللحاف
من تحتها غطيتها به ورفعت طرفه وتسللت تحته معها أشدها لحظني
برفق, كل ما أرادته هوا الأمان وأردت حقا طمأنتها من خوفها لكن ما
كنت أكبته لأيام وافتقده لشهور كان أقوى من كل شيء , استيقظت بعد
وقت لأجدها في حضني فدسستها فيه أكثر وعدت للنوم , بعد وقت طويل
شعرت بها تبتعد عني بقوة ففتحت عيناي ونظرت لها فكانت تنظر لي
بصدمة ثم نظرت لجسدها وشهقت فزعة ثم سحبت اللحاف وسترته به
قمت مستندا بمرفقي فقالت بنظرات مصدومة " ماذا فعلت ؟؟ "
قلت وأنا المس ذراعها العاري بطرف أصابعي " قمر اهدئي "
أبعدت يدي وقالت بحدة " ماذا فعلت ؟؟ "
قلت ونظري على عينيها " الذي يفعله الزوج مع زوجته وهي
بهذه الهيئة وفي حضنه "
توقعتها ستثور غضباً لكنها انخرطت في نوبة بكاء شديدة فجلست
واقتربت منها وأمسكتها وقلت " قمر توقفي عن البكاء "
أبعدت يداي بقوة وقالت " ابتعد عني ابتعد "
قلت بهدوء " قمر "
قالت صارخة " أصمت "
تم نظرت من حولها وأمسكت فستانها المرمي بجوارها ورمته مغتاظة
لأنها لن تستطيع الخروج به وعادت تبكي بشدة فخرجت من السرير
وأخرجت معطفي من الخزانة ووضعته على كتفيها فسترتْ به كل
جسدها وغادرت الغرفة راكضة , عدت للسرير وبقيت فيه لوقت
أتقلب وأرمي الوسائد وأتأفف كل حين حتى غلبني النوم , بعد وقت
استيقظت على أصوات في الخارج فخرجت مسرعاً فكانت جدتي
ورجال والد قمر يتحدثون بحدة فتوجهت نحوهم وقلت " ماذا هناك ؟؟ "
نظر أحدهم نحوي ورافع مسدسه في وجهي ..........
مخرج فصل اليوم للكاتبة سيمفونية الحنين
اسفل تلك الشجرة الراسخة يختبئان
واشد العتاب يتقاذفان
تشكوه جرح غائر خلفه الزمان ولم يدمله
ويتوسلها عودت تلك الحورية
وعيناه تلامسها وتعتذر بقبلات ندية
وعينيها تخفي نظرة خجولة كي لا تفصح عن استسلامها له
وأما المطر يشاركهما غسل تلك الذكريات الأليمة
والبدر يضيء عتمة المستقبل ويدعو لهما بأيام سعيدة
لقائي بكم في الفصل القادم ودمتم في رعاية الله وحفظه .... برد المشاعر