الفصل السادس والعشرون
خمس شهور مرت أبحث عنها كالتائه وكمن يبحث عن قشة في كومة ثبن وبل
أكوام , كل هذا وهي هنا في هذه البلاد فماذا لو كانت خارجها !! لكنهم يخفونها
بشكل غريب فلو كانت في دهليز تحت الأرض لوجدتها حتى أني وصلت لمرحلة
شككت أن معلومات حيدر غير موثوق بها , حتى وصلني تهديد بإيقاف البحث
عنها لأتأكد أنها بالفعل موجودة وأن من يخفيها يبدوا والدها وكما قال حيدر هوا
يواجه خطراً ويخاف أن تطالها الأيدي , لكن لما سأصبح أنا أيضاً أشكل خطراً
عليها ؟ هل يعني سيعرفون بوجودها من خلالي أم سيعرفون أن لي صلة بها
فبذلك لن استطيع استردادها , يبدوا أنه يخدعني فهل سيرضى بأن ترجع إلي
وهوا يطلب مني تطليقها بدون استخدام العنف , هذا الرجل يهدي بالتأكيد فلن
أطلقها ولو مت تحت التعذيب , لو أني فقط أصل إليها وأين تكون فلا صبر
لدي على بعدها فعشرة أشهر مرت حتى الآن وكأنها عشر دهور لجأت حتى
لكتابة قصيدة لها لعلها تقرأها وتفهم ما في قلبي اتجاهها وأنه عكس ما تعتقد
ولا أعلم حتى إن وصلت إليها أم لا ولا أعتقد أن والدها سيسمح بذلك
تنهدت بضيق وتأففت مطولاً لتعود لي نوبة السعال الكريهة مجدداً ثم وقفت
لأعد شيئاً آكله فسمعت طرقا على الباب فخرجت له وفتحت فكان أسعد غمز
لي بعينه وابتسم قائلا " أمازلت على قيد الحياة ؟ "
قلت بابتسامة داخلاً قبله " وهل تنتظر موتي أم ماذا "
قال وهوا يغلق الباب ويتبعني
" بل أنتظر قراراتك الجديدة , أخبرني كيف أنت ؟ "
قلت متوجها للمطبخ " كما تعرفني لا جديد "
قال وهوا يشغل التلفاز " ألا جديد بعد ؟؟ "
خرجت بأكواب الشاي وضعتها على الطاولة وقلت " لو كان ثمة جديد لوجدته "
قال ضاحكاً " نعم ولكني أعني شيء غير ملموس , مثلا معلومات أو أخبار "
جلست وقلت " لا شيء من كل هذا ولكن لن تختفي كل العمر لابد وأن
تظهر , وهي زوجتي في كل الأحوال "
قال بهدوء " أستغرب هذا ! كيف اختفت منك فجئه ولا تعلم !! "
اتكأت على مسند الأريكة وقلت وأنا أقلب المحطات " قصة طويلة وشخصية "
نظر من حوله وقال بتساؤل " لما تجمع الأثاث هل ستغادر ؟؟ "
قلت ببرود " نعم سأعيش في العاصمة , سأبيع منزلي وحصتي من
منزل والدي وأشتري منزلا هناك "
نظر لي مطولاً بصمت ثم قال " غريب هذا القرار لما تريد الانتقال "
قلت وأنا أرشف الشاي " لأغير من مظهر حياتي القديم , كل شيء يمد
لذاك الزمن بصلة عليه أن يتغير قبل أن أجد قمر "
ضحك وقال " تجهز لها عالماً جديداً يالا التغير الغير معهود في شخصيتك "
قلت بابتسامة جانبية " وأغير الجديد أيضاً إن أحبت هي ذلك "
عاد للضحك مجدداً وقال " جدها أولاً ثم غير المنازل "
نظرت له بضيق وقلت " يبدوا أنك تشعر بالملل أو تشاجرت
وزوجتك وجئت لترفه عن نفسك عندي "
أخد الوسادة رماني بها وقال وهوا يقف " متى ستنشر كتابك "
نظرت للكوب في يدي وقلت " لا أعلم ... قد يكون قريباً "
ثم قلت وأنا أخرج سيجارة وأضعها في فمي وأشعلها
" لما وقفت ؟ هل ستغادر سريعاً هكذا "
تنهد وقال " رائد هذا السم يقتلك أكثر , أنت تعلم أن حالتك
الصحية لا تستحمل كثرة التدخين "
رشفت وأخرجت الدخان من فمي ثم سعلت قليل وقلت
" ذهبت للطبيب ولم أجني نتيجة فارحموني من هذه المقولة "
قال بضيق " وما الفائدة إن لم تلتزم بالعلاج وتوقف هذا السم
رائد كيف تغير المنزل وتنسى نفسك "
أطفأتها في المطفئة وقلت " ها قد تخلصت منها وانتهى الأمر "
قال مغادراً " تخلص من العلبة كلها بل وأخرجها من
حياتك أولاً ثم قل تخلصت منها "
مررت أصابعي في شعري أرفعه للخلف ثم غادرت المنزل وزرت المكتبة
ثم السوق وعدت سريعاً لأغرق في كتبي فلا شيء غيرها يسليني بعدما أوقفت
مهمة البحث التي كانت تأخذ كل وقتي ويبدوا عليا العودة لذلك مجدداً لأن هذا
الحال لا يعجبني ولن أرجعها لو بقيت جالساً مكاني هكذا , عند المساء وردني
اتصال من حيدر فأجبت في الفور قائلا " هل وجدت شيئاً ؟؟ "
ضحك وقال " ألا أتصل لغير هذا ! أنا شقيقك ولست جهة حكومية لا أتصل إلا لغرض "
قلت بتذمر " حيدر قل ما لديك وكف عن السخرية "
قال ضاحكاً " لدي شيء ولكن لنتقابل أولاً لا ينفع ذلك في الهاتف "
قلت " حسناً أنتظرك , أمازلت هنا ؟ "
قال " لا عدت للعاصمة نتقابل عند جدتي لأني ذاهب إليها "
قلت ببرود " ولما تبعد الطريق عني هكذا ثم أنت تعرفها لا تطيقني
في الأرض خصوصاً بعد حكاية قمر , لا أعلم كيف تحبها أكثر منا
وهي لم تعرفها سوى لأيام معدودة لا تُذكر "
ضحك وقال " أنت تعرف طبع جدتي هي هكذا مع الجميع وحتى مدللها
مروان , فقط قمر كانت حالة شاذة عن الجميع ومن الذي يعرفها ولا
يحبها هي تفرض نفسها على القلوب "
قلت بضيق " حيدر التزم الصمت خيراً لك يبدوا لي تريد
مشكلة معي ومع زوجتك "
قال ببرود " لن تتغير أبداً وأخبرتك مراراً هذا ما سيدمر
حياتك معها , انتظرك هناك حسناً "
قلت متجاهلا كلامه " حسناً فأنا كنت سأزور زوجة والدي على أية حال
ولنرى إن كان ما لديك يستحق كل هذا المشوار الطويل "
قال ضاحكاً " تعال واحكم بنفسك هيا وداعاً "
أنهيت الاتصال ورميت بالهاتف بعيداً عني واتكأت على الأريكة أنظر لصورة
قمر التي رسمتها أنوار تتوسط الجدار في الصالة , أين أنتي يا قمر اخرجي
وارحميني من عذابي , في صباح اليوم التالي خرجت مبكراً من المنزل لأصل
المزرعة قبل حلول الظلام , توجهت لمدينة والدي وزرت زوجته لنتفاهم في
أمر المنزل ثم غادرت المدينة للمزرعة ووصلت هناك بعد العصر , دخلت
المنزل ووجدت خالي مروان متكأ على الأريكة ومغمضا عينيه , اقتربت منه
وصرخت في أذنه " مرواااااان "
فقفز واقفا ثم دفعني وقال بضيق " أولاً خالي مروان وثانيا متى ستتوقف
عن سخافاتك ثالثا من أين أتتك هذه ألحنية تزورنا فجأة "
جلست وقلت " أولاً لن أقول خالي مادمت أعزب ثانيا لم آتي لأجلك "
قال بابتسامة جانبية " من أجل من إذا ؟؟ "
قلت بضيق " وليس سوزان , لا أريد لمشاكل الماضي معك أن تتكرر فهمت "
ضحك وقال وهوا يجلس" أعان الله زوجتك المفقودة على عصبيتك "
تأففت ونظرت للجانب الآخر وقلت " أين حيدر ؟ "
قال باستغراب " من حيدر !! "
قلت بضيق " ابن الحصان , حيدر شقيقي طبعاً "
رفع كتفيه وقال " ليس هنا ولم يقل أنه قادم "
قلت بصدمة " ماذا !! هوا أخبرني أنه هنا وأننا سنلتقي في المزرعة "
قال بلا مبالاة " اتصل بي منذ قليل ولم يقل شيئاً من هذا "
كيف .. ؟ هل ضحك علي ولكن لما وما مصلحته , نظرت له بتشكك وقلت
" لا يكون مقلباً من مقالبك فلن أفوته لك "
قال ببرود " ليس مقلب ومن يفعل مقلباً لواحد مثلك
فلست مستغنياً عن حياتي "
قلت بحدة " مروان كف عن قول السخافات رجاءً "
عاد للاتكاء على الأريكة وقال واضعاً ساق على الأخرى
" أخفض صوتك فجدتك لديها ضيفة في الأعلى "
قلت ببرود " لا تقل أن خالتك أو ابنتها هنا "
ضحك وقال " لا لا تخف هذه شيء مختلف جداً "
قلت باستغراب " ما تعني بمختلف !! "
صفر تصفيره طويلة ثم قال " لو رأيتها لجننت لا توازيها
سوى زوجتك المفقودة , قمر يا رائد قمر "
وقفت على طولي أنظر له بصدمة فابتسم ابتسامة جانبية وغمز لي بعينه فركضت
جهة السلالم ووقفت على الأريكة المقابلة لي وقفزت من فوقها دون أن ألجأ للدوران
حول المجلس للصعود وصعدت السلالم في قفزات حتى كنت في الأعلى فوجدت
جدتي تقف في الصالة العلوية وخلفها ..... قمر , هي بشحمها ولحمها كما عرفتها
دوماً , هي قمر عادت للحياة من جديد بل أعادت الحياة لي مجدداً , لم أتخيل يوماً
شعور من مات وعاد للحياة من جديد لكني عشته الآن وشعرت به , كنت أنظر لها
بشوق بحب بلهفة بشغف , كانت ترتدي بنطلون من الجينز الأزرق وكنزه شتوية
حمراء تصل لنصف الفخذ وشعرها الحريري ضفيرة للأمام , نظرتْ لي مطولاً
بصدمة لا تقل عن صدمتي بادئ الأمر ثم أشاحت بوجهها عني فمددت يدي ببطء
وقلت بهدوء " قمر تعالي "
قالت جدتي ملوحة بعكازها " ما الذي جاء بك أنت ولما صعدت هنا "
قلت ونظري على قمر ويدي تمتد لها أكثر وهي عادت تنظر لي
" قمر تعالي دعيني أحضنك أتحسس وجودك وأني أراك حقاً
ولست أحلم .... هيا قمر أرجوك "
لم تجب وقد عادت بنظرها للجانب الآخر فقلت برجاء مكسور
" قمر أرجوك لا تصبحي مثلي بلا قلب لا تتحولي لقاسية وشبيهة لي "
لمحت دمعة تتسلل من رموشها المنسدلة للأسفل فقلت برجاء أكبر ويدي
لا تزال ممدودة ناحيتها " قمر تعالي لحظني أرجوك "
ضربت جدتي بعكازها على الأرض وقالت " رائد لن أسمح لك بإيذائها
مجدداً ابتعد عنها فيكفيها ما خسرته بسببك , هي الآن أمانة والدها لدي
ولن تقربها بسوء مادمت حية "
تجاهلتها مجدداً فلست أرى الآن في العالم سواها أمامي , توجهت نحوهما بخطوتين
واسعتين ومددت يدي لأختطفها من خلفها اختطافاً ودسستها في حضني أشدها إليه
بقوة وقد انطلقت عبراتها ودموعها وبكائها المرير لتنسكب معها دموعي بغزارة وأنا
أحتضنها بقوة وأقبل رأسها ودموعي تنزل على شعرها تسقيه ماءً يخرج من جوفي
وعبرة تفتت أضلعي ونحيباً مريراً قاتلاً يخرج من صدري وأنا أقول بهمس مخنوق
" حبيبتي ... قمري وعذاب الليالي الطويلة بل عيناي وروحي والشوق الذي دمرني "
دسستها في حضني أكثر وكأني أتحسس وجودها في الحياة من جديد وأنا أقول بعبرة
تخنقني " قمر حبيبتي لا اصدق "
ابتعدت عن حضني ببطء وهي في صمتها ذاته ثم غادرت راكضة ودخلت الغرفة
وأغلقتها خلفها لتستل روحي وتأخذها معها , تحركت لأتوجه ناحيتها فأوقفني عكاز
جدتي الذي وضعته أمام صدري قائلة " توقف ... لقد سمحت لك أن تسلم عليها
لأني رأفت لحالك وكلماتك فعند هنا وكفى , يكفيها ما أصابها منك يا رائد , يكفي
أنك أخسرتها صحتها للأبد وكسرت قلبها فلن أخون ثقتها ووالدها في حمايتي لها
من أي شيء يضرها حتى أنت حفيدي "
ضربت على صدري وقلت بحسرة " هي زوجتي لي أنا كيف تمنعوني عنها , جدتي
ارحميني أنا أيضاً وكوني عادلة فأنتي لا تعلمي ما أكبته الآن في داخلي ويحرقني حرقاً "
قالت بغضب " رائد قلت تنزل الآن يعني تنزل أو أخرجتك من كل المزرعة , لابد
وأنك لاحظت حركة رجال مدنيين كثر حول المزرعة وداخلها , اتصال واحد وتكون
خارج المدينة بأكملها , قلت يكفي ما أصابها منك لن نخسرها للأبد بسببك ثم الفتاة لم
تعد تريدك افهمها قبل أن تسمعها منها بنفسها "
دفعت عكازها عني وقلت بحدة
" جدتي أنتي أم جدتها ؟ اشعري بي كما تشعرين بها "
قالت بغضب " لا ترفع صوتك في وجهي واحترمني "
قلت برجاء " جدتي أرجوك لا تكوني قاسية دعيني أتحدث معها فقط "
أعادت عكازها لصدري وقالت ببرود
" لن أسمح لك بتكرار ما فعلته يكفي دموعها التي بكتها الآن "
هززت رأسي بقوة وقلت " لن تمنعيني عنها لا تحلمي بذلك "
قالت بصراخ غاضب " أخبرتك أنها فقدت صحتها وإن تكرر ما حدث
سابقاً فستموت من فورها ولا مجال لعمليات أخرى تفهم "
توجهت جهة السلالم قائلا بضيق وأنا أنزل
" لن تحرموني منها , الموت أهون عليا من ذلك "
وصلت للأسفل وكان مروان واقفاً , نظر لي وقال " ما كل هذا الصراخ ؟؟ "
نظرت له بضيق فضحك وقال " وقعت في قبضة من لا يرحم "
قلت بحدة " هذا ليس من شأنك ثم كيف تتجرأ على قول ما قلته عنها قبل أن أصعد "
قال مغادراً جهة الخارج " فرسي بحاجة للتنظيف من أجل السباق لأذهب
لها خير لي من مقابلة المتفجرات "
تم تابع وهوا يبتعد " أغضبوه من في الأعلى فنزل ليسكب غضبه بي
لم يقدر عليها جاء يستعرض .... "
وبقي على ثرثرته حتى اختفت كلماته معه , خرجت جهة ساحة الخيل واتصلت
بحيدر فأجاب من فوره قائلا " ما رأيك بالمفاجأة "
قلت " لم أحضا بمثيلة لها لكن جدتك أفسدت الأمر كعادتها "
ضحك وقال " هي تحت حمايتها فحربك لن تكون سهلة "
قلت " ما قصة قدومها إلى هنا "
قال " قصة طويلة مفادها أنه لم يعد والدها ولا حتى عمتها في مأمن وبقائها معهم
فيه خطر عليها وأنت تعلم لا أحد لها غيرهما وكان عليها البقاء مع من لا صلة له
بهما فاختارت هي جدتي وقد زارها والدها بنفسه وليتك كنت معنا ذاك اليوم وكأن
رئيس البلاد جاء لزيارتنا هههههه كان كالاحتفالات الرئاسية وقد عاهدته جدتي
على حمايتها منك قبل أي شيء آخر "
قلت بضيق " ولما مني هل سآكلها , أقسم أن أؤدي نفسي ولا
أفكر في أن أؤديها بشيء "
قال ضحكا " فأتتك الفرصة من سيقتنع بكلامك الآن "
قلت بغيض " سحقاً جدتي أسوء من لجأت إليه "
قال بهدوء " رائد قمر لم تعد كالسابق فارحمها يا شقيقي "
قلت باستغراب " ما تعني بذلك !! "
قال بحزن " لم تعد هناك عملية تعيدها كما كانت مثل السابق فتلك العملية التي كانت
بعد عام ضاعت فرصتها منها بسبب سقوطها ذاك وهي الآن عرضة للموت إن
مارست الرياضة وإن قامت بأي مجهود كبير ولو رفع شيء تقيل الوزن وكما
الضغوط النفسية كذلك والصدمات والأخبار السيئة وهذا ملازم لها لباقي عمرها
وحتى الإنجاب الطبيعي ممنوع عنها , أي أنها فقدت صحتها نهائيا "
مررت يدي في شعري بضيق ونظري للأرض متكأ بيدي الأخرى على السياج
واشعر بضلوع صدري ستتكسر ... سحقاً لي لقد دمرتها حقا , وصلني صوت
حيدر قائلا " رائد أين أنت ؟؟ "
تنفست بقوة ثم قلت " نعم معك يا حيدر "
قال " سنكون عندكم خلال يومين مريم وأنوار ما أن سمعتا بوجودها هناك حتى
أكلا رأسي وأيوب , لذلك سنزورها ليريانها "
قلت بضيق " وهل ينقصها حصار لتأتي مريم وتساعد جدتي "
قال ضاحكاً " مهلك يا رجل فالأيام أمامك طويلة "
قلت بحزن " أقسم أنه لا صبر لدي ولا لساعة أخرى "
قال بهدوء " المهمة لن تكون سهلة يا رائد عليك كسب ثقتها بك من جديد "
تم ضحك وقال " وكسب رضا جدتي عنك أولاً بالطبع ولا تنسى والدها "
قلت ببرود " إن كسبت رضاها عني ضربت الجميع عرض
الحائط وسيستسلمون لقرارها "
قال " أتمنى ذلك "
قلت " منذ متى وهي هنا ؟؟ "
قال " منذ أسبوعين تقريباً "
قلت بضيق " أسبوعين والآن تخبرني "
قال بضيق " وهل كنت تريد المجيء لها من فور وصولها , لقد خرجت من
المستشفى للتو لو فعلتها ذاك الوقت لتبرت مني جدتي أنا أيضاً "
تنهدت وقلت " حسناً شكراً لك يا حيدر ووداعاً "
قال من فوره " هيه انتظر ليس بسهولة هكذا فلولاي ما كنت ستعلم
لأنهم لم ينووا إخبارك "
قلت بهدوء " حسناً لك ما تريد وداعاً الآن "
أنهيت المكالمة ونظرت جهة شرفة غرفتها , قمر حبيبتي سأحارب لأجلك حتى
الموت ومتأكد أن حبك لي ليس بالسهولة التي يموت بها في أشهر فقط , حب
شهدت عليه براءة الطفولة وقلب نقي طاهر لا يعرف غير أن يحب بقوة
أجل كنت أحمق ولا أستحقه اعترف بذلك ولكنه سيعود لي مهما طال الزمن
وسأعوضك عن كل ما فقدته بسببي وحتى إن منعوا عنك الإنجاب نهائياً فلا
أريد أبناء , ضغطت على صدري بيدي بقوة ... ستعود تلك النوبة مجدداً
ضغطت أكثر ولم ينجح الأمر فبدأت بالسعال القوي التفتت جهة السياج واتكأت
عليه ولم يغادرني ذاك السعال إلا بعد وقت لأستطيع الوقوف على طولي
التفتت للخلف فكان باب شرفة غرفة قمر مفتوحاً قليلاً , نظرت للأعلى فأغلقته
واختفى طيفها عني , وضعت يدي على جيبي لأخرج هاتفي واتصل بها ثم غيرت
رأيي ستكون فكرة فاشلة وليس وقتها الآن , توجهت جهة الإسطبلات وكلما مشيت
قليلاً صادفني رجل أو اثنان , الحراسة عليها مشددة ترى هل الخطر كبير عليها
هكذا أم هوا هوس والدها بها , جيد أنه لا أوامر لهم لمنعي من الدخول ولابد خوفاً
من الشوشرة التي سأحدثها لهم إن منعوني فلا خوف لديه إلا من أن يفتضح أمر
ابنته أما أن يفعلها رأفة بي فيستحيل ذلك ... جيد رب ضارة نافعة
دخلت الإسطبل فكان كما توقعت ينظف مكانها بنفسه فرسه المدللة لا ويغني لها
أيضاً , اتكأت بمرفقي على باب إسطبلها وقلت " لكل عاشق حكاية "
وقف ونظر لي وقال بضيق " وكلٌ يبكي على ليلاه وعلى الأقل ليلاي تحبني "
ضحكت وقلت " وعلى الأقل ليلاي ليست فرساً "
قال وقد عاد للتنظيف " أقسم أنك لا تستحق ظفر الفرس الأصيلة التي لديك "
ثم عاد يغني أغنية عن القمر فقلت بغيض
" كم مرة حذرتك من التغزل في زوجتي ... لا وتغني لها أيضاً "
تابع الغناء بصوت أعلى وابتسامة واسعة وهوا يكرر صارخاً ويده تلعب في
الهواء " قمري قمري حبيبتي قمريييييي "
ضربت له فرسه بقوة لتصهل وتهيج وتفسد القش الذي جمعه وخرجت وتركته
يصرخ غاضباً , لن يقلع عن عاداته السيئة زير النساء ذاك , عدت للداخل
وتوجهت للأعلى مباشرة وخرجت للمجلس الخارجي فوجدت جدتي وحدها
هناك ألقيت التحية وجلست ولم تجب عليا طبعاً فقلت
" الجو أصبح يبرد وجلوسك هنا سيمرضك "
لم تجب أيضاً فقلت " أين هي قمر؟ "
قالت ببرود " رائد اترك الفتاة وشأنها ولا تسود وجهي أمام والدها "
قلت بهدوء حزين " جدتي ارحمي حالي أقسم أنني أتعذب من
دونها لما لا يفهمني أحد "
قالت بذات برودها " ليس لي تقول هذا الكلام "
قلت بضيق " اتركيني أقوله لها إذا "
نظرت للصوف الذي تبرمه بين يديها وقالت بلامبالاة " خسرتها وانتهى الأمر
وجد لك حلاً مع والدها أيضاً فقد أقسم أمامي أن من يمنعه عنك قمر ووعده لها
أن لا يؤذيك لما فعلته لأجلها في طفولتها "
ثم نظرت لي وقالت بضيق " لو كنت مكانها لتركته ينشرك بالمنشار على ما
أصابها بسببك , لا وجاءت تسألني لما كنت تسعل بقوة , أنت لا أعلم من أين
لك هذا الحظ المستقيم "
بقيت أنظر لها بصمت فقالت مشيحة بوجهها عني " وقالت بالحرف الواحد ما
بيني وبين رائد تصفية حساب وانتهت وانتهى من حياتي وما أن تنتهي ظروف
والدها لن تجد فرصة لتراها حتى الرؤيا "
قلت ونظري للأرض " هل حقا سألتك لما كنت أسعل "
تجنبت الإجابة فنظرت لها وقلت بهدوء " جدتي دعيني أتكلم معها أرجوك "
قالت ببرود " لا ولا تحاول أبداً ولن أفارقها لحظة ولا أنصحك
بمحاولة كسر كلمتي تفهم "
تركتها ودخلت متوجها نحو غرفتها طرقت الباب وقلت بهدوء
" قمر دعيني أتحدث معك .... قمر أرجوك "
سمعت حينها صوت جدتي من خلفي تقول
" رائد انزل بإرادتك خيراً من أن ننزلك بالقوة ... تحرك "
طرقت الباب مجدداً وقلت
" قمر استمعي إلي فقط ولا تتكلمي أرجوك افتحي الباب حبيبتي "
سمعت حينها باب الحمام الموجود في الغرفة يغلق فابتعدت ونزلت للأسفل
جلست في الصالة السفلية أضرب بقدمي على الأرض بتوتر , كيف سأصلح
الأمر تبدوا ليست مهمة سهلة وكيف أريد منها أن تغفر لي بسهولة بعد كل تلك
الذكريات القاسية عني في دماغها , لو فقط تعطني مجالاً لأشرح لها سبب كل
ذلك , توجهت لغرفتي بالأسفل ونمت فوراً من شدة تعبي بسبب الطريق وعند
الصباح جلست في الصالة أشرب الشاي فوقف حينها مروان عند الباب الخارجي
نظر لي ببرود وقال " أخرج معي لنشرف على حرث الحقل "
قلت ببرود " وما شأني بحقولكم "
قال بضيق " يا سلام إقامة بالمجان لا تحلم بها لن أقوم
بخدمتك , عليك أن تعمل لتأكل "
قلت بابتسامة جانبية " إذا قمر عليها أن تشرف معي هل ستأكل بالمجان "
قال بمكر " موافق وعلى الفور "
نظرت له بحقد فقال ضاحكاً " أقسم لو كان لدي واحدة مثلها لخبأتها حتى
عن الشمس والقمر ... يا قمر يا قمر "
وقفت راكضاً خلفه وهوا يركض أمامي ضاحكاً حتى وصل بي للمحراث ووقف
أمامه وقال وهوا يلهث " جيد وصلنا "
خنقته وقلت بغل " توقف عن التغزل بزوجتي يا مروان خيرٌ لك ... تفهم "
أخرج لسانه ثم قال بصوت مخنوق " حراس تعالوا سيقتلني "
قلت ضاحكاً " ليسوا هنا لحمايتك فلا تتعب نفسك "
أبعد يداي عنه وقال " هيا بسرعة لننجز العمل سريعاً "
ثم ركب الجرار وقال
" سأحرث أنا وتنثر أنت الحبوب بعدي وغدا نقلب بهم الأرض "
قلت ببرود " لا تحاول معي ثم أين عمالكم أليسوا من يساعدونك دائماً "
قال بصراخ بسبب صوت الجرار الذي شغله للتو " أنت تعلم نحن موسم
الحرث وجميعهم في حقل الشعير , هيا بسرعة عليا الذهاب لهم سريعاً "
قلت صارخاً فيه ليسمعني " قلت سنشرف وليس سنعمل يا مخادع "
قال ضاحكاً وهوا يتحرك به
" وأنت لم تأتي بملأ إرادتك بل لخنقي , هيا بسرعة ولا توزع البذور بعشوائية "
أخذت كيس البذور بغيض وتبعته , المحراث المخصص هنا صغير ويحرث
ثلاث مسارات فقط وعليا نثر الحبوب في الوسط كي لا تخرج الحبوب عن
المسارات الثلاث , كنت في الماضي أساعد جدي وهوا من علمني فعل هذا
انهينا العمل بعد وقت ثم نزل من المحراث وقال
" جيد بقي الجزء الآخر غدا والتقليب أيضاً هيا لنذهب للعمال "
قلت بضيق واضعا يداي وسط جسدي
" لا تحلم بهذا لقد كسرت لي ظهري وقدماي ستنشلان لست مثلك معتاد على هذا "
قال ببرود " غادر إذاً من يجبرك على البقاء "
قلت من بين أسناني " وهذا ما تتمناه أنت , لن أترك مكان فيه
زوجتي حتى أغادر بها "
قال بابتسامة " لم تعد تريدك يا رجل افهمها "
ثم غمز بعينه وقال " ما رأيك لو....... "
توجهت نحوه أمسكته من قميصه وقلت بغيض " لا تقلها أو حطمت رأسك أعرف
ما تنوي قوله وابتعد عن طريق زوجتي فهي ليست لك ولا لغيرك تفهم "
أبعد يداي وغادر ضاحكاً وقال لرجلين من الحراس مرا بجواره
" لما لا تخرجوه من هنا وتريحونا منه "
عدت للمنزل استحممت وغيرت ثيابي صليت الظهر وخرجت , وجدت الخادمة
تضع الغداء فنظرت من حولي وقلت " أين البقية ؟؟ "
قلت وهي ترتب الأطباق " السيدة الكبيرة لن تأكل إلا بعد ساعة من تناول
الدواء والسيدة قمر لم تفتح الغرفة وقالت لا تريد والسيد مروان في الحقل
الكبير ولن يعود قبل المغيب "
قلت وأنا أجلس " حسناً ولا تقولي السيدة قمر قولي زوجتك وأمام الرجال
خصوصاً قولي زوجة رائد وليس قمر وخذي لها الطعام لغرفتها "
قالت ببرود وهي تغادر " حاضر "
نظرت للأكل أمامي وشعرت بعدم الرغبة فيه رغم أني كنت أموت جوعاً فوقفت
وعدت لغرفتي ثم خرجت وصعدت للأعلى ثم نزلت وقضيت باقي النهار بين
الأرض والسماء تارة في الطابق العلوي وتارة في الأسفل وتارة أخرى أحوم حول
شرفة غرفتها كمن ضاع منه شيء لا يعرف أين يجده ولا أجد في كل مرة سوى
جدتي تغزل الصوف وتنظر لي ببرود
بعد المغيب انتقلت للحقل وأنهيت الحرث لأشغل بالي عنها بما أن مروان اليوم
سيتأخر هناك ولكي يرحمني في الغد , بعد أن أنهيت العمل ونزلت من المحراث
رأيت سيارته تتجه نحوي نزل منها وقال بابتسامة " من أين أتاك كل هذا النشاط "
قلت ببرود " أنت من سينثر البذور غدا ومن يقلب الأرض أيضاً فعملي انتهى "
وغادرت عائداً للمنزل استحممت وصليت العشاء ثم صعدت للأعلى ووجدت جدتي
تجلس في الصالة الداخلية وقمر معها تتكئ على طرف الأريكة مضجعة فوقها
ترتدي بيجامة قطنية زهرية اللون ببنطلون قصير عند الركبة وأكمام قصيرة تضع
ساق على الأخرى وهي فوق الأريكة وتمسك هاتفها في يدها وعيناها عليه وشعرها
مرمي خلف رأسها نازلا على الأرض , اقتربت منهما وجلست في الأريكة المقابلة
وعيناي لا تغادران جسدها وملامحها وعيناها لا تغادرن الهاتف في يدها
هذا ما كان ينقصني أنا أن ترتدي هكذا ملابس وتجلس هكذا جلوس فوق الأريكة
قلت بعد صمت " قمر هذه الملابس خفيفة لا تناسب الجو هنا فالبرد
يأتي قبل وقته وستمرضين "
لم تجب طبعاً وهذا المتوقع منها وجاء الجواب من النائب قائلة
" لا دخل لك بها وبثيابها متى ستقتنع أنها لم تعد شيء مملوك لك تتحكم به كما تريد "
قلت بضيق " جدتي الكلام لها وليس لك وأنا لا أتحكم بها أنا أخاف على صحتها "
قالت ببرود " وخاف على صحتك أنت تخرج وشعرك مبللا
لتنسف السم الذي بدأ يقتل رئتيك "
تنهدت بضيق ونظرت للجانب الآخر ثم أخرجت هاتفي وكتبت لها رسالة
فيها ( تعلمت منك الحب النقي فلا تتعلمي مني القسوة والبرود فلا يليق
بأنثى مثلك إلا الرقة والعذوبة )
وأرسلتها لها ليرن هاتفها معلناً وصولها ولم يأتي منها الرد طبعاً فأرسلت
( قمر دعينا نتحدث قليلاً أرجوك )
جلستْ ما أن قرأتها ورمت بالهاتف على الأريكة وغادرت لغرفتها بل لسجنها من
جديد ... نعم خدي بحقك مني يا قمر , علمت الآن بما كنتي تشعرين حين كنت أتركك
وحدك وأسجن نفسي في مكتبي , نظرتْ لي جدتي وقالت بضيق " هل ارتحت الآن
لقد تعبت لإقناعها بالخروج وجئت أنت لتفسد الأمر , لما لا ترحمها منك "
قلت ببرود " وما فعلته أنا "
قالت بضيق أكبر " لا تعتقد أنني جاهلة لهذه الدرجة , انزل هيا فمهمتك انتهت
وها قد أعدتها لسجن نفسها "
قلت باستياء " لما لا تعطيني فرصة ولو واحدة لأشرح لها موقفي هل
بضنك أنا مرتاح وسعيد "
قالت بحزم " رائد ارحمها منك كم مرة سأقولها فالبارحة جاءتني لتنام معي كانت
في حالة سيئة وتتحدث عن الكوابيس "
قلت بحرقة " وارحموها أنتم فالكوابيس لن تتركها إلا إن نمت معها افهموها
وساعدوني لإرجاعها لي بدلاً من وقوفكم ضدي "
قالت ببرود " لن أمنعك إن كانت هي تريد وقد طلبت مني بنفسها أن لا أدعها
وحدها معك وقالت لا تريد التحدث معك في شيء وشيء آخر غدا ستكون أنوار
هنا فأعطي قدميك قسطا من الراحة ولا تصعد "
وقفت مستاء ونزلت للأسفل توجهت لغرفتي وأرسلت لها ( أحبك قمر ) ورميت
الهاتف وخرجت بحثا عن الخادمة حتى وجدتها فقلت لها
" انتظري أريد سؤالك عن بعض الأمور "
نظرت لي باستغراب فقلت
" هل يتناولون الطعام في الأسفل عادتاً ؟ أعني بعد قدوم قمر "
قالت " لا ... السيدة الكبيرة والسيد مروان في الأسفل والسيـ ... أعني زوجتك
في الأعلى وأحيانا كثيرة السيدة الكبيرة تأكل معها وأغلب الوقت ترفض الطعام "
قلت " حسناً ومروان هل ينام في الأسفل "
قالت " نعم لا يصعد للأعلى أبداً "
تركتها وخرجت للخارج توجهت لا شعورياً حيث شرفة غرفتها وأخذت مجموعة
حصى صغيرة وبدأت أرميها بها واحدة واثنتان وعشرة ولم تفتحها فصفرت بصوت
عالي لمرات عديدة وبلا فائدة , جمعت بعض الأزهار ورميتها لتسقط في الشرفة
ووقفت مستندا بالجدار أنظر للباب الموصد الذي كنت موقناً أنها لن تفتحه
بعد وقت فتحت الباب .... قد تكون ضنت أني غادرت , كانت ترتدي فستاناً قطنياً
قصيراً وشعرها مفتوح تتلاعب به النسائم الخريفية الرطبة , نظرتْ بادئ الأمر
لحيت الأزهار على أرضية الشرفة ثم نظرتْ نحوي بصمت وجمود
كان القمر مكتملا ولا يصعب عليا رؤية الدموع تلمع في عينيها الواسعتين يعكسها
سميها وشبيهها الوحيد القمر , صرخت ونظري عليها
" قمر أحبك بجنون ووحدك في قلبي أقسم لك "
ثم بدأت أغني لها نشيد النحلة كان الأمر جنونياً ولكني لم أكترث لشيء ولا
لأحد , بدأتْ تمسح الدموع التي غلبتها ودخلت من جديد وأوصدت الباب دون
أن ترحمني ولا بكلمة ولا بأن تأخذ زهرة مما رميت لها , تنهدت ونظرت جانباً
فوجدت بعض الحراس قد اجتمعوا يستمعون لجنوني طبعاً فصرخت بضيق
" إلى ما تنظرون ولا يقترب أحد من هذا المكان حيث هذه الشرفة مفهوم "
توزعوا مبتعدين في صمت أعلم أنهم سيضربون كلامي عرض الحائط فهم هنا
لحمايتها ولن استطيع أمرها بتجنبهم لأني لن أزيد الأمور إلا سوءً فسأحترق في
داخلي وأشتعل وأكتمه هذا فقط ما في يدي الآن
عدت لغرفتي تقلبت كثيراً ولم أنم إلا بعد وقت وصراع مع نفسي كي لا أتصل بها
لأني أعلم أنها لن تجيب فاكتفيت بأن أرسلت لها ( تصبحين على خير حبيبتي )
عند الصباح الباكر كانوا ضيوف الغفلة هنا لا أعلم لما كل هذا النشاط وما أن رأتني
مريم حتى ركضت نحوي واحتضنتني ودموعها لا تتوقف وهي تقبلني وكأني أنا
كنت مفقودا وليس قمر وما أن دخلنا حتى صعدتا للأعلى من فورهما وبقينا نحن
في الأسفل , كان صوت ضحكاتهم ولعب الأطفال يصل للأسفل وكنت أنا أقف عند
أول السلالم وأضرب بقدمي على أولى عتباته بضيق وحيدر ومروان وأيوب يجلسون
بعيداً يتبادلون الأحاديث والضحكات حتى وصلني صوت حيدر منادياً
" هيه أنت ستكسر العتبة تعال واجلس معنا "
توجهت نحوهم ووضعت يداي وسط جسدي وقلت
" الم تجدوا أفضل من هذا الوقت لزيارة جدتكم "
قال حيدر مبتسماً " الزيارة ليست لجدتي كما تعلم "
تأففت في صمت فضحك مروان وقال
" أحدهم كان يغني بالأمس في الخارج ولم أستطع النوم بسببه "
ضحكا كلاهما حتى تعبا من كثرة الضحك فنظرت له بضيق وقلت
" هذا صدى صوتك يتكرر في أذنك من كثرة ما كنت تغني لفرسك "
عادا للضحك مجدداً ونظر هوا لي بضيق فقال أيوب
" تبدوا أمورك وقمر معقدة "
تنهدت وهززت رأسي وقلت " جداً وأنتم زدتم الأمر سوءً فستجد
جدتي لها حلفاء ومساعدين وأولهم مريم "
قال حيدر بتحدي " إذا علينا بهم إما نحن وإما هم "
قلت بضيق " لا تفسدوا الأمور أكثر بتحديكم لهم "
قال مادا قبضة يده لي " بل سننجح وننتصر عليهم ونعيدها لك "
ضربت قبضتي بقبضته وقلت " إذا تحالفنا عليهم "
قال ضاحكاً " هيا أترك العتبة الآن واجلس معنا "
أخرج حينها حيدر هاتفه واتصل بزوجته واخبرها مختصرا
لا تنزعي حجابك أبداً ثم نظر لي وقال " أزلنا أول عقبة "
قلت مبتسماً " جدتك وحدها العقبة هنا "
ضحك مروان قائلا " لما لا تتحجب زوجتك أيضاً من حقي
أن أنام في غرفتي دائماً "
نظرت له بضيق وما أن فتحت فمي لأتحدث حتى سمعت صوتاً صارخاً
من الأعلى ينادي باسمي فتركتهم وركضت جهة السلالم كالمجنون
مخرج الفصل للكاتبة حبيبتنا ( كيد )
من قمر لرائد
حين شكيت حالي لأوراقي تبعثرت واكتظ دماؤك بين أسطرها
حين انزلق فكري إليك تكسّر بمجاديف قسوتك
غاب العليل فوق سَمومِ أنفاسك
غاب الربيع عند محطة شتائك
هاهو شتاءٌ آخر يطوي برودته فوق جبيني وكل الفصول انطوت في بُعدك
تكوّرت قبضة المناخِ حين غادَرت تضاريسي - أنت - مني وعني*
كيف كان سهلًا عليك أن تقضمني بين شفتيك دون أن تبتلعني وكأنني
مرارةٌ قذفْتها بعد أن استشعرت طعمها ؟*
كيف انحدر بنا القدر نحو هذا الفراق الذي لن أتمنى من بعدِه اقتراب؟
لن أقول أنني قد عفتك ، لكنّ قلبي قد امتلأ بجراحك التي آلمت حبي لك.*
لذا فلنبقى مُفترقيْن، حتى ينبض قلبي بك ولا يتوقف.
من رائد لقمر*
على أمل أنّ الليالي الباردات قد يزورها الدفء يومًا ما
على أمل أنّ السكون الذي أحياه سيُملأ بأنفاسك من جديد
على أمل عودتك يخط الحرف نفسه فوق قلبي لينفذ بين أحرف حبي لك
الآن أدركت معنى الفراغ ونغمة عطركِ تغادر أنفي إلا من - دمية -*
الآن أدركت معنى الانتهاء وصوتكِ انتهى عن دغدغةِ أذناي*
رسمنا القدر حبيبين لا فراق بينهما لذا الانتظار يسكنني ويتجذر في داخلي
كنا معًا وسنعود معًا، كنا واحدًا وسنبقى واحدًا ما دامت أحرف اسمكِ
لا تزال تُنقش على صدري.
مشكورة حبيبتي كيد على كلماتك الرائعة لتكون ضمن فصول روايتي
الفصل القادم لقمر فكونوا بانتظارها ودمتم في رعاية الله وتوفيقه