الفصل الواحد والعشرون
استيقظت واشعر برأسي بحجم الأرض وعيناي تؤلمانني بشدة لا أذكر إلا
أنني تشاجرت ورائد وصعدت للسطح ..... آآآآه رأسي
بقيت أفركه بأصابعي لوقت ثم نظرت لثيابي فوجدتها غير التي كنت أرتدي
البارحة , من ألبسني هذه !! إنه رائد بالتأكيد ولكن لما ؟
وقفت ونظرت لها جيداً كنت أرتدي بنطلون من الجينز وقميص أسود بأكمام
وأزرار كلها خاطئة وفي غير مكانها , ابتسمت وقلت " مؤكد هوا من البسها لي "
عدلت أزرار القميص ثم بدأت أستمع لأصوات في الخارج ثم علت الأصوات
أكثر , خرجت وكان رائد ينظر باتجاه أحدهم عند باب الصالة نظرت هناك
وتجمدت مكاني وأنا أرى المتشحة بالسواد والواقفة هناك .... سلوى عينا
التنين بؤس طفولتي وحرمانها , بدأت أنفاسي تضطرب وتعلوا حتى خرجتْ
من صمتها قائلة " قمر أ أنا .... أنظري لحالي أحترق وجهي وجسدي وخالك
أصبح بلا حراك تلَيفت كبده وتخلى عني أهلي وأهله وأصدقائنا واستأجرنا هذا
المنزل وسكنا في غرفة واحدة متهرئة في سطح منزل لا تمسك عنا البرد ونأكل
ونشتري الدواء من ثمن إيجار هذا المنزل , لقد خسرت كل شيء وكسبتي أنتي
في النهاية , سامحيني يا قمر فكل ما أصابني مما فعلته بك , لقد كبرتِ وصرتِ
شابة من أجمل ما رأت عيناي وتحولت أنا لمسخ , شعرك فاق طوله نصف جسدك
وتحول رأسي لجلد محروق ليس به ولا شعرة واحدة وحتى من منعتك من السطح
كي لا تريه ها قد أصبحت زو..... "
صرخت فيها بغضب " أخرجيييييي "
قالت " قمر أر ...... "
قلت بصراخ أكبر وأنا أشير بأصبعي جهة الباب
" أخرجي الآن أخرجي من منزلي الآآآآآآن "
وبدأت أحمل كل ما تصل إليه يداي وأرميها به وأصرخ طاردة لها فأمسكني
رائد مطبقاً يداه عليا بقوة وقال " قمر توقفي "
ثم نظر جهتها وقال بحدة " وأنتي أخرجي من هنا حالاً هذه سيدة
المنزل الآن ولا تريدك فيه فأخرجي فورا أو أخرجتك مرغمة "
قالت وهي تتراجع بخطواتها للخلف " سامحيني يا قمر لعل الله يفرج همي "
ثم خرجت وأنا في بكائي المستمر ولا شيء على لساني سوى كلمة أخرجي
ارددها بصوت خافت حتى سمعت باب المنزل يغلق وارتخت ذراعا رائد
عني فنزلت للأرض أبكي بمرارة وأردد
" أخرجي من حياتي أخرجي الآن , أرحموني جميعكم وأخرجوا من رأسي "
ثم حضنت يداي وأنا جالسة على الأرض وملت بجسدي للأسفل ورأسي يكاد
يلامس الأرض وقلت ببكاء " أمي خذيني إليك ... أمي عودي أو خذيني إليك "
شعرت بيدا رائد تمسكانني وترفعاني للأعلى وهوا يقول بحدة
" قمر لا تطلبي الموت كم مرة سأذكّرك بهذا , توقفي عن قولها "
ثم جلس بجواري على الأرض وضمني لصدره بقوة فقلت ببكاء
" لا أريد أن أموت هنا رائد أرجوك "
قال بهدوء وهوا يمسح على شعري
" حسناً سنخرج من هنا ولن تموتي توقفي عن قول هذا يا قمر "
أخذني بعدها للغرفة أجلسني على السرير فوقفت من فوري فأمسك ذراعاي
وقال " أجلسي يا قمر سأغير قفل الباب ولن يدخله أحد "
نظرت لعينيه بعينان دامعتان وقلت " بل نخرج من هنا ولا نعود "
زاد شده لذراعاي وقال " ونخرج ما أن أجد البديل أعدك بذلك ولكن استلقي وارتاحي "
هززت رأسي بلا وقلت " أنا لم أصلي الفجر عليا أن استحم وأصلي "
مسح بإبهامه دمعة عالقة في رموشي وقال
" توضئي وصلي لقد غيرت ثيابك فقط لأنها كانت متسخة من غبار الباب "
هززت رأسي بنعم وتوجهت للحمام توضأت وصليت الفجر بعدما خرج وقته
بكثير ثم دخلت السرير وغطيت جسدي كله باللحاف حتى رأسي وأنا أحضن
دمية والدتي بقوة ثم سمعت خطوات رائد تغادر فقلت " رائد لا تخرج "
توقفت خطواته ووصلني صوته قائلا
" لن أخرج من المنزل وسأغلق الباب من الداخل لا تخافي "
قلت بهدوء " ولا من الغرفة "
سمعت حينها خطواته تقترب وشعرت به يجلس على السرير فقلت بهمس
" لا تخرج بعد أن أنام سوف تأتيني الكوابيس حينها "
قال بعد صمت طويل " ألن تأتيك وأنا هنا ؟! "
قلت بهمس خافت " لا "
قال " سأجلب كتاباً وأعود حسناً "
لذت بالصمت فغادر وعاد فوراً وجلس بجواري على السرير ولم يتحدث
أبداً ولا صوت يسمع سوى تقليبه للأوراق كل فترة حتى غلبني النوم ونمت
واستيقظت بعد وقت طويل وجلست من فوري أنظر لمكان جلوسه فكان مكانه
لم يغادر يتكأ برأسه على ظهر السرير مغمضاً عيناه ففتحهما مباشرة ونظر
لي وقال " أنا هنا لم أغادر هل هي الكوابيس "
هززت رأسي بلا دون كلام فقال " حسناً عودي للنوم لن أغادر الغرفة "
نظرت له مطولاً ثم أخفضت نظري وقلت " هل سنغادر حقا "
قال بهدوء " نعم "
نظرت له وقلت " متى ؟! "
أبعد شعري خلف أذني وقال " خلال هذه الأيام , فسأبحث عن منزل "
لذت بالصمت فقال " قمر ألن تحكي لي عن ماضيك لما تخفيه عني ؟! "
نظرت ليداي في حجري وقلت " أخبرتك أن طفولتي البائسة عشتها هنا "
قال بهدوء " وما كانت تفعل لك تلك المرأة "
قلت بحزن ويدان يرتجفان افركهما بقوة " كانت تضربني بشدة وباستمرار وتُسكنني
في ذاك المخزن وتحلق لي شعري وتسجنني في الـ.... "
قال بجيدة " تسجنك في ماذا ؟! "
عدت للصمت سوى من دموعي التي بدأت بالنزول وأنا أمسحها بكف يدي
فوقف وغادر الغرفة ولم أره باقي اليوم لأنه عاد لسجن نفسه في مكتبه ولم
يخرج سوى لتناول الطعام وفي صمت تام ولا أعلم ما ضايقه في الأمر
عند حلول الليل لم أستطع النوم فإن كانت الليالي الأخرى لا تتركني الكوابيس
فكيف بالليلة , خرجت من الغرفة وكان نور مكتب رائد مضاءً , يبدوا مستيقظاً
اقتربت من الباب بهدوء وجلست أمامه متكئة عليه ألتمس الأمان ولو من خلف
الباب , بعد وقت غلبني النعاس ولم أشعر سوى بالباب يفتح ويد تمسكني عن
السقوط ثم وصلني صوت رائد قائلا " قمر لما تنامين هنا ؟! "
فركت عيني بيدي ثم خللت أصابعي في غرتي وقلت " لم أستطع النوم "
أوقفني وهوا يقول " ولما تنامين في عتبة الباب هنا لما لم تطرقي عليا الباب "
أدخلني للغرفة ونمت في حضنه يمسح على شعري ويقبل جبيني كل حين , نمنا
سوياً كل واحد منا أخذ من هذا النوم غاية , أنا التمس الأمان والنوم الهادئ وهوا
يحضا بحقه من زوجة تنام في حضنه , عند الصباح أعددت الإفطار فخرج من
الغرفة مستعجلاً أخذ رشفة من كوب الشاي وقال أنه مستعجل وعليه الخروج
سريعاً فقلت وأنا أتبعه " رائد "
وقف والتفت إلي فقلت " لا تتأخر ليلا "
ابتسم ابتسامة بمعنى أنه فهم أني أعلم أنه لن يعود قبل الليل ثم قال مغادراً
" حسناً وأغلقي الباب من الداخل ولا تفتحي لأحد وسأتصل بك لتفتحي لي "
وبالفعل لم يعد قبل المساء بل حتى منتصف الليل ونام معي في الغرفة , على الأقل
فهم أنني أحتاج له لأنام بهدوء , ومر قرابة الأسبوع من الحال نفسه إما في الخارج
أو في مكتبه ولا يجمعنا سوى طاولة الطعام والسرير ليلا غير أن ما يطمئنني أنه بدأ
في البحث عن منزل حتى أنه طلب مني أن نعود لمنزل والده لكنني رفضت
كنت جالسة في غرفة النوم ففتح الباب ودخل , غريب غادر صومعته في غير وقته !
نظر لي مطولاً ثم قال " قمر هل تأخذين الحبوب ؟! "
لذت بالصمت أنظر له باستغراب فقال بحدة " قمر هل تسمعي أم أصابك الصمم "
نظرت للأرض وقلت " لم تسألني قبلا لما الآن تسأل ؟! "
قال بغضب " لما تجيبين على السؤال بسؤال أخرجي لي علبة الحبوب لأراها "
وقفت وقلت بضيق " رائد ما تريد مني بالتحديد "
قال بصراخ " أليس هذا وقتها لن تتأخر إلا إن توقفتِ عن تناول الحبوب منذ أيام "
لذت بالصمت فقال بحدة " كلامي صحيح إذاً "
أشحت بوجهي عنه وقلت " نعم صحيح "
توجه ناحيتي امسك ذراعاي هزني وقال بغضب " ومنذ متى لم تأخذيها "
قلت وراسي أرضاً " منذ تلك الليلة "
قال بحدة " أي ليلة تلك ؟! "
نظرت لعينيه وقلت " الليلة التي قلت فيها أنك تريد طفلاً "
بقي ينظر لي بصدمة تم قال " مجنونة أنتي ألا تعلمين عواقب الأمر "
قلت بهدوء ودموعي ملأت عيناي " قد ينجح الأمر وينجوا الطفل "
قال بهمس " وأنتي "
أشحت بنظري عنه وقلت " أموت طبعاً "
تركني وتوجه جهة الخزانة أخرج عباءتي وحجابي رماهما على السرير وقال بأمر
مشيراً لهما بإصبعه " تلبسيهما فوراً لنذهب للطبيبة ونرى حلاً لهذه المصيبة "
ثم ضرب باب الخزانة بقبضته حتى كاد يكسره وقال بصراخ غاضب
" لا اعلم كيف تفكرين يا قمر كيف ؟! "
قلت بغضب " ألم تقل انك تريد الأطفال هذا هوا الحل الوحيد لدي "
أخذ العباءة ورماها على الجدار وقال صارخاً
" وهل كل ما أقوله تنفذيه , هذه حياتك "
قلت بحزن وأنا أهز رأسي " لم يعد لها أي معنى ولا خيار آخر لدي "
بقي ينظر لي مطولاً بصمت ثم قال مغادراً
" أنتظرك في السيارة إن كان ثمة شيء فسنتخلص منه من حينه "
تنهدت بضيق وارتديت عباءتي وحجابي وخرجت , توجهنا لأقرب عيادة
وكأني في حالة ولادة وعليا أن أصل سريعاً , هل كل هذا خوف على حياتي
أم هي الشفقة لا غير , نزلنا وأصر رائد أن يدخل معي فقالت الطبيبة أنه لن
يكون هناك حمل لأن مادة الحبوب ستكون لازالت في دمي وتحتاج وقتا لينقى
منها واحمل ولكن رائد أصر أن تجري لي فحوص دم ليتأكد فكتبت طلباً
بالتحاليل وأجريناها وتأكد من أن كلامها صحيح وعدنا للمنزل في صمت تام
من كلينا , دخلت الغرفة من فوري فلحق بي وفي يده كوب ماء وقال
" أعطني الحبوب أنا من سيعطيك إياها يوميا "
قلت بضيق " رائد أنا لست طفلة تعاملني هكذا "
قال بحدة " قلت تعطيها لي ودون نقاش "
أخرجت له علبة الحبوب ورميتها على السرير وجلست , أخذها أخرج شريط
الحبوب وأخذ منها واحدة وأعطاها لي مع الكوب فأخذتهما وبلعتها بالماء فقال
فور إبعادي للكوب " افتحي فمك "
فتحته وأغلقته متضايقة فقال بحدة " قلت افتحيه وليس دعيني القي نظرة "
تأففت وفتحته فقال بأمر " ارفعي لسانك "
رفعته ليتأكد أني لم أخفي الحبة تحته فتركني ليغادر الغرفة آخذاً علبة الحبوب
معه فقلت بهدوء قبل أن يخرج " رائد هل ستتزوج بأخرى ؟! "
وقف مكانه لوقت دون حراك ثم قال دون أن يلتفت إلي " ومن قال أنني سأتزوج ! "
قلت بهدوء " أنت "
تحرك حتى وصل عند الباب ثم ووقف وقال " بل أنتي من قالها , أنا لم أقل ولم
أفكر في الأمر فانسي كل ما قلناه تلك الليلة .... كله يا قمر "
ثم خرج فقلت بهمس " لا تفعلها قبل أن أموت , لا تقتلني بها يا رائد "
واتكأت على السرير محتضنة الوسادة وذهبت لعالم بكائي وحزني المعتاد
بعد وقت انفتح باب الغرفة دخل ووقف عند الباب وقال
" قمر توقفي عن البكاء ما الداعي له الآن "
دسست وجهي في الوسادة ولذت بالصمت فقال " جهزي أغراضاً لك سنغادر
عند صباح الغد , لا تأخذي كل أغراضك الضروري فقط "
ثم هم بالخروج فأبعدت وجهي عن الوسادة وقلت " إلى أين ؟! "
وقف وقال " لحيت أبعدك عن كل شيء "
جلست وقلت بحيرة " لم أفهم !! "
قال وهوا يخرج ويغلق الباب " عليك أن تبتعدي عن كل هذا "
وخرج وتركني في حيرتي , ما يعني بما يقول وأين سنذهب ! ولما أجهز أغراضاً
لي وحدي وليس له أيضاً ! تنهدت بعدها ووقفت حضرت ثيابا في حقيبة صغيرة
وبعض الأغراض المهمة وخرجت بها , وجدته يجلس في الصالة يشبك يداه
مستندتان بمرفقيه ورأسه للأسفل وكأنه يحمل كل هموم الدنيا على كتفيه
وضعت الحقيبة على الأرض فرفع رأسه ونظر لي وقال
" ارتدي عباءتك وحجابك أنتظرك في السيارة "
ثم وقف حاملاً الحقيبة ومغادراً فقلت " إلى أين تأخذني ولما أنت لست معي ؟! "
قال وهوا يتابع سيره " ستعلمين كل شيء ما أن نصل "
أمسكت قلبي بخوف , ترى هل حدث لأحد مكروه ؟ ولكن عمتي ليست هنا
ولا أحد لي غيرها , هل هم من أهله ؟ ولكنه لم يأخذ ثياباً له , ما عناه بأنه
سيخرجني من كل هذا وأين يأخذني ؟! عدت للغرفة أخذت عباءتي وغطيت
شعري وخرجت , وصلت عند نهاية الصالة التفتت للخلف نظرت للمنزل نظرة
شاملة ثم تنهدت وقلت " كم أتمنى أن أخرج منك ولا أعود وكم أخشي أن أموت فيك "
ثم نظرت جهة الممر المؤدي لباب السطح ثم للمطبخ و شهقت باكية ومسحت
دموعي وقلت بألم " كم أتمنى أن أحرقك وأفجرك علي أنسى ألمي وأنسى
حلمي وأنساه مع كل شيء فيك "
أحسست حينها بيد رائد على كتفي وصوته يدخل أذني مباشرة وهوا يقول
" من هذا الذي تريدين نسيانه هنا ؟! "
قلت وأنا أخرج من المنزل " حلم لم أنسه يوماً ولن أنساه للأبد "
ركبنا السيارة في صمت سوى من صوت محركها , بعد قليل وصلنا لمدينة مريم
ثم لمنزلها تحديداً , نزلنا فكانت في استقبالنا عند الباب , ما أن دخلنا للمنزل حتى
استأذن رائد للخروج قليلاً وغادرت مريم جهة المطبخ وما هي إلا لحظات ورجع
رائد وقف أمامي وعيناي معلقتان في عيناه كانت بهما نظرة غريبة لم أفهمها ولم
أرها قبلا , تنقلت بنظري بين عينيه وقلت بضياع
" رائد ما بك ؟ هل عائلة عمتي بهم مكروه هل حدث معك شيء ؟! "
أمسك وجهي وبقي على صمته فقلت والدموع تملأ عيناي
" رائد لا تقتلني بصمتك قــ ... "
قطع كلماتي بقبلة طويلة وكأنها الأولى أو الأخيرة ثم حضنني وقال
" ابقي هنا حتى أعود حسناً "
ثم خرج من فوره ولم يعطني حتى مجالاً للسؤال ولا الكلام , جرت دموعي على
خداي من فورها فمسحتها وخرجت خلفه , وجدت حقيبتي عند الباب وسيارته غير
موجودة , أحسست أن ثمة من سلخ روحي من جسدي وانتزعها وغادر بها
عدت للداخل وتقابلت ومريم فقلت من فوري " أين ذهب ولما أحضرني هنا ؟! "
نظرت لي باستغراب مطولاً ثم قالت " ألم يخبرك !! "
قلت بحيرة " يخبرني بماذا !! "
قالت " بأنه سيتركك معي هنا حتى عودة أيوب وسيذهب للعاصمة "
بقيت أنظر لها مطولاً بصدمة ثم قلت
" وأين ذهب أيوب !! ولما يذهب للعاصمة ولما أنا هنا ؟! "
قالت " أيوب في دورة تدريبية لثلاث أشهر ورائد سيعمل
في العاصمة وأخبرني أنه سيبقيك معي "
كنت أنظر لها بضياع ودموعي تنزل دون توقف وتنفسي يعلو شيئاً فشيئاً ,
ذهب وتركني هكذا بكل بساطة .... اسمع يا قلبي وانظر ما فعل بي
أمسكت مريم كتفاي وقالت " قمر ما بك ؟! "
قلت بصدمة " ذهب وتركني أخرجني من حياته لا يريدني ... لماذا !! "
احتضنتني وقالت " قمر لابد لسبب ما فعل هذا هوا
لم يخرجك من حياته قال لفترة وسيعود "
ابتعدت عنها وقلت بصراخ باكي " لماذا يرميني ويرحل ؟! لما يجرحني
باستمرار ..... لماذا يا مريم "
ثم قبضت بيدي عند صدري وقلت بحزن
" ولكني أعرف حتى متى , حتى تعود عمتي ويعيدني إليهم "
اقتربت مني أمسكت يدي وقالت " ماذا حدث بينكما أو ما قال قبل أن يحضرك "
سحبت يدي من يدها ضممتها لصدري وقلت ورأسي أرضاً ودموعي تنزل لها
مباشرة " قال عليا إبعادك عن كل هذا , لم أفهم بادئ الأمر ولكن الآن علمت , ظننته
يريد إخراجي من ذاك المنزل بل الجحيم الذي فيه ولكنه يقصد طردي من حياته "
أمسكتْ وجهي ورفعته لوجهها وقالت بهدوء
" لا بل يبدوا لي يريد إبعادك عن كل ما يؤذيك وأولهم هوا "
ابتعدت عنها أوليتها ظهري وقلت " كل هذه السنين ولم تفهمي شقيقك جيداً يا مريم "
أمسكت كتفي وقالت " أمسحي دموعك وتعالي لنجلس ونرى ما سنفعل في الأمر "
قلت بضيق " لن نفعل شيئاً ما أن ترجع عمتي في إجازتها سأرحل معهم على الفور "
سحبتني معها للداخل قائلة " أدخلي الآن وسنتحدث لاحقاً "
قلت وأنا أتوجه يسارا " أريد الحمام "
ثم دخلت له من فوري أغلقت الباب وسندت جسدي بالجدار أمسك ذراعي
التي عاد الألم ليمزقها أسوء بكثير من ذي قبل فلم أستطع إمساك صرخاتي
حتى دخلت عليا مريم مفزوعة ووجدتني أجلس على الأرضية
لم أسمع من كلماتها شيء واضح بسبب الألم الغير معتاد ولم تلتقط أذني سوى
أسم رائد وهي تقف فأمسكت يدها وقلت بصعوبة " لا لا تخبريه خذيني للغرفة "
أخرجتني من الحمام لغرفة نومها وأعطتني حبوبا مسكنة خففت الألم قليلاً ولم
يزل نهائيا إلا بعد وقت , كانت تريد الاتصال به لكني أصررت على أن لا تفعل
وأخبرتها أن هذا عادي فقد شاهدته عدة مرات قبلا غير أن هذه المرة زاد الألم قليلاً
كانت غير مقتنعة بكلامي لكني لم أتركها إلا بعد أن عاهدتني أن لا تخبره
فلما سيهتم لأمري وهوا رماني لها وغادر
وها هوا مر شهران على وجودي هنا لم يتصل بي خلالهما , تخبرني مريم
أنه يتصل بها ويسأل عني ولكني لا أصدقها ولن أصدق ذلك وحتى إن اتصل
بي فلن أجيب رغم أنه لن يفعلها
كنت اتكئ على زجاج النافذة أشاهد منظر الغروب من خلف الطبيعة حين
دخلت مريم وقالت بصوت مبتسم " أين هي القمر اليوم لم تغادر الغرفة ؟ "
تنهدت وقلت " وما الفرق بين وجودي هنا وخروجي الأمران سيان فأنتي لا
تتركيني افعل معك شيئاً ولا أسيلك بشيء "
جلست أمامي ومسحت على شعري وقالت " اتصل رائد منذ قليل "
ابتسمت بحزن وقلت " لا تكذبي علي "
قالت بابتسامة " لا أكذب وأنتي تعلمين ذلك جيداً وتسمعينني أتحدث معه مراراً "
أدرت وجهي جهة الزجاج أكثر وقلت ودموعي بدأت بالنزول
" لما يفعل معي هذا ألا يشعر أنني أحتاجه أنني أشتاق إليه "
مسحت على كتفي وقالت بحزن
" هوا لا يتصل إلا للسؤال عنك فأنا أعرف رائد جيداً لا يتصل بي منذ سنوات "
مسحت دموعي وابتعدت عن النافذة وقلت " وما تخبريه أنتي عني "
قالت " أخبره أنك غاضبة منه ولن تسامحيه أبداً "
ثم تنهدت وقالت " لكنه يقول لي في كل مرة كاذبة ولا أعلم لما "
ثم قالت بجدية " قمر صحيح أنه شقيقي وأني أحبه ولكن عليك معاقبته على هذا
بل عليك نسيانه للأبد إن استطعتِ "
قلت بابتسامة حزينة " مثلما ليس هناك أبد فليس هناك نسيان لن أكذب عليك
وعلى نفسي ولكن اعلم ما سأفعل "
عمتي ستصل بعد أسبوعين وسأذهب معهم وليصنع ما يشاء سأخلصه مني للأبد
هذا إن عادوا قبل أن أموت وأترك الحياة لهم جميعهم فقد تضاعفت الآلام لدي وزاد
عدد مرآتها وأي واحدة ستصيب قلبي بقوة وستكون القاضية
أخرجني من أفكاري صوتها تقول " هوا فقط يحاول حمايتك منه كي
لا يقسوا عليك أكثر أفهمه جيداً "
قلت بضيق " ألا يعلم أنه بهذا يؤذيني أكثر مما يرحمني ألا يمكنه تشغيل
ذكائه في أمر واحد يخصني "
تنهدت وقالت " لو أعلم من أين تجدين كل هذا الحب الذي تحبينه له "
عدت متكئة على النافذة وقلت بحزن
" لن تعلمي كم أحببته وكم أحبه وما عناه لي كل حياتي لن يفهم أحد ذلك "
تنهدت وقالت " ليثه بإمكاني فعل شيء لا يفسد الأمور أكثر ولا يجعله يغضب
مني طوال العمر لأني أعرفه جيداً "
ضممت جسدي بيداي وقلت ببكاء " لا أريد أن أموت وهوا بعيد عني يا مريم لا أريد "
أمسكت يدي وسحبتها وحضنتها بيديها وقالت " قمر لما تقولين هذا !! "
تنهدت وقلت " لا تكترثي لكل ما أقول "
قالت بجدية " سنذهب لمزرعة جدتي ككل خريف وستري إن لم يأتي
ركضاً ما أن يعرف أنك هناك "
نظرت لها بحيرة وقلت " جدتك !! "
قالت " نعم ألم يخبرك عنها "
ابتسمت بألم وقلت " وما الذي يخبرني عنه حتى أنتي لم أعرفك إلا يوم جئتكم للعزاء "
تنهدت بضيق وقالت " لا أفهم ما يريد بما يفعل "
ثم نظرت لي وقالت " حيدر وأنوار سيكونان هناك , إنها والدة أمي ولديها مزرعة
جميلة وفي الخريف تكون عالم خيالي جداً سوف آخذك معي وستري ما سيحدث "
أشحت بنظري عنها وقلت " رأيت مخططاتك ونتائجها سابقاً "
ضحكت وقالت " هذه المرة لن نخطط سنذهب فقط "
نظرت لها بحيرة وقلت " وما سيجعله يلحقنا هناك ؟ "
ضحكت مجدداً وقالت " ستري بعينك "
قلت باستغراب " أنا لا أفهمك ! ثم أنا لا أريد أن يلحقني ولا يأتيني "
وقفت وقالت " نحن لن ندعوه ليأتي هوا من سيفعل بملأ إرادته "
رفعت نظري لها وقلت " وهل سيعلم بذهابنا ؟! "
قالت " لا طبعاً حتى نكون هناك لو علم لن يوافق "
تنهدت وقلت " مريم أنا لست في مزاج مشاكل معه سيضع اللوم عليا حينها "
وضعت يداها وسط جسدها وقالت " قمر لا تكوني ضعيفة وانهزامية هكذا "
قلت بسخرية " كنت قوية مرارا وجاريته في الكلام فلم أجني
سوى نعته لي بطويلة اللسان "
ضحكت كثيراً فقلت بضيق " مريم أنا لا أريد شيئاً لا أن أراه ولا شيء "
قالت بنصف عين " ومن التي كانت تتحدث عن الشوق إليه "
قلت باستياء " ذاك شيء وأن أفرض نفسي على شخص لا يريدني شيء آخر "
قالت بهدوء " قمر أنا لا يمكنني قول كل ما في قلبي لكن تأكدي من أن رائد
يشتاق لك الآن أكثر منك ولو سمعتي صوته في الهاتف ولهفته لتأكدتِ بنفسك
ولم يتركك هنا إلا ليبعدك عن قسوته "
قلت بدموع " لا يمكنني تصديق هذا أنتي لم تعيشي ما عانيته معه , لا أريد إلا
الموت أن يأتيني ... هوا مصيري الوحيد فلا راحة لي مع شقيقك ولا بدونه "
أمسكت يدي وسحبتني معها قائلة " هيا تعالي لنجهز أغراضنا وأغراض الأطفال
سنذهب إليهم في الغد برفقة حيدر وأنوار وستري هناك من سيجلبه على وجهه
ومن سيربيه على أفعاله فأنتي لا تعرفي خاله وجدته "
عند الصباح كانت مريم وأبناءها في خلية نحل من الركض هذا تلبسه وهذه
تمشط شعرها وأغراضهم في كل مكان , كم الأمومة شيء جميل ولن أحضا
به أبداً , ساعدتها قدر الإمكان وعند الظهيرة وصل حيدر ولم يدخل بل أصر
أن نخرج له , خرجنا وركبنا السيارة وسلمنا على أنوار بعد أن صعدنا فقالت
مريم بضيق " لما لم تنزلا قليلاً لترتاحا , الرحلة كانت طويلة "
انطلق بالسيارة قائلا " أنتي تعرفي الطريق إلى المزرعة جبلي ووعر
ويأخذ وقتاً , علينا الوصول قبل المغيب "
وكانت الطريق كما قال وعرة ومخيفة لكن الطبيعة ومنظرها ينسيك عقبات
الطريق , كانت صبا تحتضن مسند الرأس لكرسي حيدر واقفة على الكرسي
الخلفي ووائل يقف في المنصف وهوا والطفلان في غناء مستمر طوال الطريق
بمرح ووائل لا يحفظ مما يقولون شيئاً ولكنه لم يسكت أبداً , اللحن مثلهم والكلمات
من كل لغات العالم , حيدر مختلف تماماً عن رائد وكأنهما ليسوا أشقاء , من يراهما
يضن أن رائد هوا الضابط في الجيش وحيدر هوا الأديب الكاتب
تنهدت بضيق واتكأت على النافذة أشاهد الطبيعة حين رن هاتف حيدر فرفعه قائلا
" مرحباً بالحي الميت "
ثم ضحك وقال " لا أعلم متى ستغير عاداتك "
سكت ثم قال " في الطريق لمزرعة جدتي "
" نعم فأنت نسيت هذا المكان منذ زمن "
" عامان ! وهل ترى العامان قليل , عموما فالمهم معنا أنت لا نريد بك شيئاً "
قال بعدها بصوت مصدوم " ما تعني بلم يخبرك أحد !! "
" نعم معي جميعهم "
" من تريد مريم أم زوجتك "
" كيف أي منهما حدد من تريد "
مدت حينها مريم يدها قائلة " هات أعطني أنا اكلمه "
أخذت منه الهاتف ثم وضعته على أذنها قائلة " نعم يا رائد "
قالت بعدها ببرود " نعم معي هل سأتركها وحدها هناك "
سكتت قليلاً ثم قالت بحدة " ولما أخبرك , إن وافقت أو رفضت سآخذها
معي فلن أتركها وحدها ولن أبقى هناك "
تأففت وقالت " نائمة لم تنم البارحة فنامت الآن "
ثم قالت بتذمر " وإن يكن أولادي يصرخون ونومها خفيف
نامت يا أخي قلت لك متعبة ونامت "
" لا لم تمرض سهرنا على التلفاز طوال الليل هيا وداعاً "
أغلقت عليه الخط وأعادت الهاتف له , لا أعلم كم عدد الكذبات التي تكذبها
مريم على رائد لهذا لا تنجح مخططاتها دائماً
وما هي إلا لحظات ورن هاتف حيدر مجدداً , نظر للمتصل ثم رماه لمريم قائلا
" تفاهمي معه ... أقسم أن يلحق بنا فوراً إن لم نرجع "
رفعت مريم الهاتف وهي تقول " ليفعل ما يحلوا له .... لن نعود "
لا أعلم لما الجميع موقن من أنه سيلحق بنا وما السبب ! فما في الأمر إن
ذهبت معهم لمزرعة جدته , أجابت مريم من فورها قائلة
" لن نعود يا رائد وزوجتك لا علم لها أني لم أخبرك "
سكتت لوقت ثم قالت بضيق
" تلك مشكلتك , تأتي لتعيدها شيء يخصك لكن أن آتي وأتركها لا "
" ولا أن أبقى ... هذه جدتي ولا أزورها إلا هذا الوقت من السنة "
تنهدت بعدها بضيق وقالت " ومنذ متى لم تكن غاضب مني , دع زوجتك
ترفه عن نفسها قليلاً لن يأكلها "
قالت بعدها بغيض " لأني أعلم فيما تفكر ولما كل هذا الغضب من قدومها معنا "
رفعت بعدها الهاتف عن أذنها وقالت بصدمة " أغلق الخط في وجهي "
ضحك حيدر وهوا ينظر لها في المرآة وقال " من المفترض أن لا تُفاجئي بالأمر "
أعادت له هاتفه وقالت " قال سيلحق بنا "
ثم انفجروا ضاحكين وأنا مجرد مستمع فقط لا أفهم مما يجري شيئاً لكن ما أعلمه أن
العواقب ستكون وخيمة وأنا من ستدفع الثمن بالتأكيد
بعد وقت وصلنا لمدينة أغلبها أبواب حديدية وأسوار عالية وشاحنات تسير في
طرقاتها , التي تحمل بقرة والتي تحمل أحصنة والمليئة بالفواكه , عالم غريب
جداً ! وقفنا بعدها أمام أحد الأبواب الحديدة الكبيرة وأجرى حيدر اتصالاً ثم قام
عامل بفتح الباب لنا ودخلنا بالسيارة , سرنا مسافة ثم ظهر لنا رجل فيما يقارب
بداية الأربعين من العمر يرتدي ملابس الفروسية ويمسك في يده دلواً
ما أن اقتربت سيارتنا حتى وضع الدلو من يده واقترب منا , نزلنا جميعنا فتوجه
حيدر ناحيته وصافحه قائلا " مرحباً بالخال العزيز "
ضحك الآخر وقال " مرحباً بالحيدر الغالي "
قال حيدر بضيق " شاب رأسك ولازلت بأسلوب بارد جداً "
اقتربت مريم وسلمت عليه ثم اقتربت أنوار وسلمت عليه أيضاً , يبدوا لي يقرب لها
فما علمته منها أن ثمة قرابة بعيدة بينها وبين حيدر , وما أن صافحته أنوار حتى
ضحك قائلاً " مرحباً بالجميلة زوجة القبيح "
فضحك هوا وأنوار ومريم وتأفف حيدر غاضباً , ركضت حينها صبا ناحيته
واحتضنته ثم قالت " أين جدتي ؟! "
قال مبتسماً " هذه ليست جدتك ... جدتك تركتيها في مدينتك "
ابتعدت عنه مستاءة فقال حيدر " هيا يا وائل سلم على خالك "
لكن وائل كان مختبئ منه ولا أعلم لما فقالت صبا بعدما مدت لسانها له
" هذا ليس خاله خاله رائد "
فضحك الجميع وشدت مريم ابنتها من أذنها مبعدة لها عنه فنظر بعدها ناحيتي
فقال حيدر " هذه قمر زوجة رائد وهذا خالي ثقيل الظل مروان "
ضحك خالهم وقال " مرحباً بالقمر في وضح النهار "
نظرتُ له بصدمة وقالت مريم ضاحكة
" هيا ندخل قبل أن يسقط علينا رائد من السماء "
ضحكوا جميعهم وأنا كالبلهاء بينهم حتى قال مروان وهوا يدخل أمامنا ونحن
خلفه " كيف لرائد أن ترك هذا القمر يأتي بدونه ولم يخف عليه من قطاع الطريق "
قالت مريم ضاحكة " أنت لا تتخلى عن عاداتك أبداً وعليا أن
أنبهك فرائد يجن جنونه من هذا "
ضحك حيدر من خلفنا وقال
" لا بل يجن جنونه من أقل من هذا فأمسك لسانك عنها "
قال مروان ملوحا بيده " ليس ذنبي ما كان عليه أن يتزوج واحدة كهذه "
وكزتني مريم وقالت هامسة ونحن نتبعه " لا تكترثي له هذا طبعه "
قلت بضيق " ياله من طبع سيء "
ضحكت ثم همست لي " هذا من سيصيب رائد بالجنون "
التفت مروان لنا وقال " فيما تتهامسان "
من هذا جاء رائد بهذه الجملة من خاله العزيز , قالت مريم ببرود
" شيء لا يخص الرجال طبعاً "
دخلنا منزلا كبيراً ومكون من طابقين كان المنزل واسع والنور يدخله من كل
جانب ويبعث فيك الراحة والسكينة , تركنا حيدر وخالهم في الأسفل وصعدنا
نحن للأعلى حيث جدتهم , وصلنا للأعلى كان يشبه الطابق الأرضي تماماً
وقابلنا امرأة كبيرة في السن ولكن تبدوا بصحة فوق الجيدة ترتدي فستاناً طويلاً
بأكمام وتضع وشاحا على كتفيها وتبدوا من النظرة الأولى صاحبة شخصية قوية
سلم عليها الجميع ثم كان دوري فقبلت رأسها ويدها وقلت " سررت بلقائك يا جدتي "
ابتسمت وقالت " من أين لذاك المغفل كل هذا الدوق في الاختيار فليست عادته "
ضحكوا جميعهم ثم قالت ممسكة بيدي " تعالوا تفضلوا بالجلوس وخدي راحتك
هنا فالرجال لا يصعدون هذا الطابق إلا ليلا "
فهمت الآن هذه القوانين هنا لهذا لم يصعدا معنا , جلسنا في مكان غريب تبدوا
شرفة وليست شرفة في آن واحد , واسعة وبسياج نحاسي وكأنه مجلس يفتح على
المزرعة حيث الأشجار المصفرة اللون بمنظر يصعب تخيله ووصفه , كم هم
محضوضون بالعيش في هذا المكان , جلس الجميع فاستأذنتهم وأخذتني الخادمة
لغرفتي هنا , خلعت حجابي وعباءتي كنت أرتدي تنوره في نصف السابق وقميص
بأكمام قصيرة , خرجت لهم فقالت الجدة " تعالي واجلسي بجواري "
توجهت ناحيتها وجلست معها على ذات الأريكة فأمسكت خصلة من شعري وشدتها
وقالت " هل هذا حقيقي "
ضحكت وقلت بتألم " نعم "
مررت أصبعها على خدي ونظرت له وقالت " وهذه بدون مساحيق "
ضحكنا جميعاً وقالت مريم " كله طبيعي يا جدتي أعلم كم تكرهين
كل هذا وقمر مثلك لا تحبه "
نظرت لي مطولاً ثم قالت " اقسم أن هناك من ورطه في هذا الزواج أما أن يكون
هوا من أختارها بملأ إرادته فلن يكون ابن ابنتي "
قلت بابتسامة " بل هوا من خطبني بنفسه ودون حتى إعلامي بالأمر "
هزت رأسها وقالت " لن تقنعيني بذلك إن لم يكن ثمة سبب ورائه لا أكون أنا "
ومر بنا الوقت من حديث لآخر وتناولنا الغداء ثم استأذنت أنوار لأنها ستقضي
الأسبوع عند أهلها وأعمامها هنا فقد علمت الآن أنها من هذه المدينة وأن الجدة
تكون ابنة خالة جدتها وخالتها من الرضاعة أيضاً أي أن مروان يكون ابن
خالتها قضينا ما بعد الظهيرة أنا ومريم نرتب أغراض أبنائها وأغراضنا
وحممناهم لأنهم قضوا الوقت مع حيدر وخاله عند إسطبلات الخيول وبعدما
صلينا العصر قالت مريم " ما رأيك بجولة في المزرعة ونزور الخيول "
قلت بضيق " خالك أين يكون الآن "
ضحكت وقالت " قمر أنتي لم تتعرفي خالي جيداً صحيح يحب التغزل بالجميلات
لكنه ليس سيء كما تضني , هوا فقط يعير لكل شيء جميل اهتمامه "
قلت " ولما لم يتزوج حتى الآن مادام جنونه في النساء "
ضحكت وقالت " ليس جنونه النساء بل لسانه لا يخفي ما في قلبه وكما أخبرتك
يحب كل ما هوا جميل أما لما لم يتزوج سأحكيها لك ونحن نتنزه خارجا مادام
أبنائي نيام الآن ويمكنني الخروج براحتي "
نزلت برفقتها للأسفل وخرجنا للمزرعة كانت مقسمة لثلاث أقسام قسم عبارة عن
كروم للعنب وقسم للأشجار المثمرة وقسم وهوا الأجمل كله أشجار أوراقها صفراء
تتساقط كل حين منها الوريقات , لا أعلم ما تكون ويبدوا لي ليست من الأشجار
المثمرة , كانت مريم تحدثني عن طفولتها هنا قبل وفاة والدتهم وحكت لي أشياء
كثيرة عن رائد حين كان صغيراً وكم كانت أطباعه صعبة منذ صغره ويسبب
المتاعب للجميع ثم تطرقت لموضوع خالها وقالت " أما خالي فلم يتزوج لأمر
أضن أنه يكون هوا السبب ولا غيره وهي قصة قديمة سأحكيها لك ولكن لا
تخبري أحد وخصوصاً رائد "
قلت بحيرة " وما علاقة رائد بالأمر !! "
تنهدت وقالت " لجدتي شقيقة تسكن هنا ولها ابنة كان خالي يريد
الزواج بها لكنها لم تكن تريده هوا "
وقفت ونظرت جهتها وقلت " من تريد إذا ؟! "
قالت " أضنك فهمتي الأمر , رائد من كانت تريده "
قلت باستغراب " فارق السن بين خالك ورائد أضن كبيراً جداً فكيف يكون ذلك ! "
ضحكت وقالت وهي تعود للسير وأنا أسير بجوارها
" فكرتي بها بسرعة , هي أصغر من رائد بعام واحد فقط "
قلت بهدوء " وما كانت مشاعر رائد اتجاهها ؟ "
قالت بابتسامة " توقعت منك هذا السؤال , هوا لم يكن يحبها أبداً "
قلت بشبه همس " قد يكون من أجل خاله فقط "
قالت " لا أعتقد "
نظرت جهتها وقلت " وخالك لم يتزوج من حينها "
قالت " ولا هي "
قلت بعد صمت ونظري على الأوراق تحتنا
" إذاً هوا ينتظرها وهي تنتظر رائد "
قالت " لا أعلم ؟ خالي يقول رفع فكرة الزواج من رأسه بها وبغيرها وهي
تقول ذات العبارة حتى سافرت بهم السنين "
قلت " إن كانت أصغر من رائد بعام فلن تكون كبيرة جداً "
لاذت بالصمت وكأنها لم تعد تريد الحديث في الأمر بل وغيرت مجرى الحديث
بآخر فتجولنا كثيراً وتحدثنا مطولاً ولم نرجع لمنزل المزرعة إلا مقربة المغيب
وقضيت باقي الوقت في غرفتي فخالهم سيصعد عند المساء ويتجول بحرية
فغرف النوم جميعها في الأعلى كما فهمت
في صباح اليوم التالي ارتديت تنوره من الجينز الأخضر بنقوش بنية اللون
تصل نصف الساق وقميص بني بدون أكمام , أمسكت شعري للخلف عند
منتصف الظهر وخرجت وتوجهت من فوري لتلك الشرفة العجيبة مجلسهم
الرائع , كانت الجدة ومريم وأبنائها هناك ألقيت عليهم التحية وتوجهت من
فوري لسياج المجلس أشاهد المزرعة والهواء العليل يلفح وجهي وشعري
كانت مريم وجدتها يتحدثان عن أمور شتى والجدة لا تتوقف عن التكلم معها
بحدة ناصحة لها في كل موضوع ولم أكن أنا أشاركهم بشيء فعيناي وفكري
سافرا مع هذا المنظر الخلاب حتى سمعت صوتاً يضرب قلبي قبل أذناي
صوت الشخص الوحيد الذي يمكنه الصعود هنا نهاراً , صوت مخملي لا
تعرف يخرج من رئتيه أم من حنجرته مباشرة قائلا " السلام عليكم "
وعند هنا انتهى الفصل الجديد
كيف سيكون استقبال قمر لرائد وكيف سيعاملها هوا
وما تخبأه لهم هذه المزرعة من أحداث
في الفصل القادم مفاجأة كبيرة لكم وللجميع فكونوا في الانتظار