الفصل الخامس عشر
غادرنا منزل والده ليس لتركه نهائيا كما كان مقرر ولكن لنعود للأبد وها قد تركت
مكانا سجلت فيه ذكريات سيئة جديدة وسأعود إليه مجدداً , كيف سنقيم هنا في غرفة
واحدة !! حتى إن غير الغرفة بأكبر فهوا يحسب حساب هروبه مني بالتأكيد ولن ينام
في مجلس الرجال دائماً ثم ومكتبه وكتبه , لا أعرف كيف يفكر كيف سيعيش معهم
وشقيقتاه يكرهانه كل هذا الكره وكيف سأستحملهما أنا , هذا الأمر أشبه بالمستحيل
اتكأت على زجاج النافذة ونمت كثيراً ثم استيقظت بعد وقت , في الليلتين الماضيتين
لم أنم مطلقاً ولا دقيقة بعد تلك الليلة يوم زارتنا عينا التنين , كانت ليلة سيئة للغاية
ولم تتوقف الكوابيس فيها أبداً فلم أنم بعدها رغم كل محاولاتي وكأن عقلي يرفض
النوم خوفاً من تلك الكوابيس حيث أنها تأتيني حتى نهاراً , غريب أني الآن نمت
نوماً هادئا دونها رغم جلوسي على مقعد السيارة .... إنه رائد أجل هوا , وجوده
بقربي يطرد تلك الكوابيس من عقلي يالك من قاسي يا رائد تحرمني حتى من
وجودك معي لأنام نوماً هادئاً كباقي البشر فكل أيامي في منزلنا هناك كنت أستيقظ
مفزوعة قبل الفجر بكثير بسبب الكوابيس ولا أنام حتى اليوم التالي
كيف ستتركينه يا قمر وكيف تخرجينه من حياتك هل تتصوري كبر حجم هذا الأمر
هل سيطيعك قلبك , ولكن إن أرجعني فلن أتمسك به لحظة وقلت ما قلت بأن يعيدني
لمنزل عمتي وسأقولها دائماً كي لا يضن أني أتمسك به رغم ما يفعله , أما رأي قلبي
الغبي هذا فعكس ذلك تماماً ولكن ليأخذ راحته في جنونه به فسينتهي قريباً على يديه
شعرت حينها بالخدر عاد يسري ليدي , في المستقبل سيتحول لأوجاع فيها ثم في قلبي
عليا الاحتمال لن أدعه يأخذني للمستشفى لن أعيش بدونه ولا بعده فقد يرتاح هوا ويرتاح
ضميري حين أموت على يديه
كنت أفرك يدي ببطء كي لا يلاحظني لكنه نظر جهتي وقال " قمر ما بك ؟! "
قلت بهدوء وعيناي مغمضتان " لا شيء "
عاد للصمت ووقف بعد مسافة قليلة نزل من السيارة ثم عاد حاملاً معه برطمان زيتون
أخضر فتحه وناولني منه واحدة وقال " خذي هذه كليها "
أخذتها منه وتركتها في يدي فقال بأمر " قمر كليها "
وضعتها في فمي وأغلقته عليها , وضع البرطمان في حجري بعدما أغلقه وانطلق بالسيارة
غيرت مكان حبة الزيتون خارج فكي جهة الخد لأرميها فيما بعد لن ينتبه بأني لم آكلها لأنه
يقود السيارة , توقف جانب الطريق ثم نظر لي وقال " قمر انظري إلي "
فتحت عيناي ورفعت رأسي ونظرت له فقال " أفتحي فمك لأرى "
هززت رأسي بلا فقال بحدة " قمر افتحيه أو فتحته لك مرغمة "
فتحت فمي بسرعة وأغلقته فقال بغضب " لما لم تأكليها هلا شرحت لي لأفهم "
مضغتها بقوة وقلت بضيق " ها قد أكلتها "
قال بغضب " ما هذا الذي تفعلينه هل تكرهينني حد أن لا تقبلي مني شيء
لأجل صحتك , قمر لما كل هذا "
قلت بدمعة محبوسة " فسر الأمور كما تريد أجل هذا ما تفلح فيه "
ضرب بيده على المقود ونظره علي وقال بحدة " وبما أفسرها إذا قولي أنتي "
نظرت للنافذة وقلت بحزن " عليه أن يموت نعم سيموت الورد يا رائد "
قال بهدوء " لما تكررين هذه الجملة دائماً ما تعنينه بها "
قلت بذات الحزن " فسرها أنت كما تفعل دائماً ما حاجتك بتوضيحي لك "
تأفف بغضب ثم شغل السيارة وانطلق , لما لا يفهمني .. لما لا يتذكرني حتى التذكر
أخذته حتى لمدرسته لم أبحث عن رائد حينها في المدرسة ولا في المقعد بل بحث عنه
فيه هوا لعله يستفيق ويتذكرني لأحكي له كل ما حدث لماذا نسيتي يا رائد ولم أنسك أنا
نعم أعلم لما لأني لا أهمك في شيء ولا أي شيء لذلك لن تعلم مني عن أي شيء حتى
أموت وتنتهي قمر بأسرارها وماضيها تحت التراب
عدت للنوم مجدداً وكأنني أعوض ما فآتني من نوم ولم أستيقظ إلا على صوته يوقظني
فتحت عيناي ثم نزلت من السيارة ودخلنا المنزل نظرت حولي وقلت بتذمر
" لم نتركه إلا بضعة أيام والغبار في كل مكان سيكون عليا تنظيفه "
جاء حينها صوت رائد من خلفي وهوا يجتازني قائلا
" لا داعي لذلك سنغطي الأثاث ونجمع أغراضنا ونغادر "
قلت من فوري " رائد "
وقف والتفت إلي فقلت " كيف سنعيش معهم , أعني غرفة واحدة وصغيرة
ولا مكتب وهم لا يرغبون بنا "
تنهد بضيق وقال " قد أستأجر منزلاً ملاصق لهم المنزل المجاور شاغراً وهوا للإيجار "
نظرت له بصدمة وقد توقفت أنفاسي ... منزل خالي لا لا يمكن , قلت معترضة
" لما لا تبحث عن غيره ؟! "
قال وهوا يدخل غرفة النوم " لا يوجد غيره وسأبحث مجدداً هوا خياري
الوحيد أم أنك تريدين تحمل غيداء ونور كل حياتك "
قلت وأنا أتبعه " ولكن ...... "
التفت إلي وقال " ولكن ماذا قولي ماذا يا قمر لما تعترضي على المنزل ؟! "
أخفضت بصري وقلت بهدوء " حسناً كما تريد "
ثم خرجت وتوجهت للمطبخ أعددت الطعام وبدأت به أولاً لترتيب الحاجيات في
الخِزانات ليكون فارغا تماماً , أخد رائد كرتونا كبيراً وبدأ بجمع كتبه المهمة فيه
لنقلها هناك , عليا تنظيف المنزل قبل ذهابنا , وضعت العلبة على الطاولة لأن
يداي تعجز عن تحريك أي شيء من رجفتهما ... ما هذا الذي ستفعله بي يا رائد
كيف تأخذني لمنزلها وكيف سأوقف هذا يا رب أمنع ذلك من الحدوث فلا حيلة لدي
أنهيت العمل بعد جهد ووقت ثم توجهت حيت رائد وقلت " أريد زيارة عمتي "
استقام في وقفته ونظر لي مطولاً ثم قال " لتبقي هناك كما طلبتي ؟! "
نظرت له بصدمة وصمت فقال ببرود وهوا يعود لترتيب الكتب
" لن أتركك هنا يا قمر ولن ننفصل فهمتي "
قلت " أريد رؤيتهم هم عائلتي , دعني أودعهم على الأقل قد لا أراهم مجدداً "
وقف ونظر لي بحيرة ثم قال " ولما لا تريهم ؟! "
أشحت بنظري عنه وقلت " مدينة والدك بعيدة عن هنا من يعلم قد لا أراهم "
تنهد وقال " سوف آخذك صباح الغد وسأكون معك حتى نغادر "
خرجت وتركته , لما يتمسك بي هكذا !! من يسمعه يضن أنه يحبني حد الجنون
ألم يشبع من جرحي بعد , أنهيت أعمال المنزل وغطيت الأثاث ولم يبقى سوى
غرفة النوم لأنني سأنام فيها ورائد نام مع كتبه كعادته طبعاً , كنت أحلم طوال الليل
بمنزل خالي وعينا التنين تطاردني فيه وتضحك ولم أنم إلا قليلاً
عند الصباح ذهبنا لمنزل عمتي ونزل معي طبعاً , لو أفهمه فقط ولو لمرة واحدة
طرقنا الباب ففتح لنا مؤمن وقال مبتسماً " مرحباً .... "
ثم أغلق فمه وضحك فضحكنا كلينا وقال رائد " مرحباً يا مؤمن "
قال مبتسماً " مرحباً بكما هيا تفضلا "
دخلنا للداخل متوجهين لمجلس الضيوف فقابلتنا عمتي محتضنة لي بحب ثم
دخلنا وانظم إلينا زوج عمتي وقال رائد
" جئنا لنراكم لأننا سننتقل للعيش في مدينة والدي حتى متى الله أعلم "
نظرا لبعضهما باستغراب ثم لنا وقال زوج عمتي " قلت والدك !! "
قال رائد " نعم سأبقى مع شقيقتاي ووالدتهم أنتم تعلمون لا أحد لهم غيري الآن بعد والدي "
قال زوج عمتي " ولكنك ..... "
سكت فقال رائد " نعم لكني قلت أنه لا صلة لي بهم ولكن هكذا شاءت الظروف "
تنهد زوج عمتي وقال " رائد عليك أن توضح لنا ولو قليلاً "
قال بعد صمت " قبل ست سنوات من الآن كان لدي صديق مقرب مني لن أطيل الشرح فما
أريد قوله أنه ثم الاشتباه به في التورط مع المخابرات الغربية أي جاسوس ضد البلاد وقد
أخذونا كلانا وسُجنا لأشهر وعذبونا كثيراً حتى اعترفنا مرغمين ثم ظهرت براءتنا ولكن
كان ذاك وقت العفو عن بعض المساجين السياسيين فضن الجميع أنه ثم العفو عنا معهم
وحدثت شوشرة كبيرة منذ دخلنا السجن وعند خروجي استقبلني والدي استقبالا لم أتوقعه
أبداً رغم علمه بقرار براءتي وقال أني جلبت له العار فهوا رفض منذ دخولي الجامعة
القسم الذي اخترته وكان يريدني شرطياً منذ صغري فبدأ منذ ذاك الوقت بانتقادي على
كل ما أفعل أو أقرر وحتى صداقتي لأنور لم تكن تعجبه لذلك طردني من البيت فهجرت
المدينة كلها ولم يسأل عني ولم يطلب عودتي رغم زيارة أفراد المخابرات لهم لإخبارهم
ببراءتي وهذا كل شيء "
كان الجميع ينظر له بصدمة , لذلك كانت بجسده أثار نذب وكأنها جروح عميقة هي
أثار التعذيب إذا , قال زوج عمتي
" يالها من حكاية كيف تصرف معك هكذا وأنت بريء وهوا يعلم "
قال رائد بضيق " لم يهتم وقتها إلا بنظرة الناس لي وكان عليه بتري من العائلة ليكبر
بأعينهم فقد كنت بنظر الجميع الخائن الذي باع وطنه "
قال زوج عمتي بعد صمت " اسمعني يا رائد قمر أمانتك وأنت جربت الظلم وهي جربت
ما لم يجربه أحد حافظ عليها لأننا مسافرون بعد شهر "
قلت بصدمة " ماذا تسافرون !! "
قال " نعم عمتك جاءتها بعثة لإكمال رسالة الدكتوراه وأنا سأدرس من جديد من أجل
الترقية فهي فرصتي وسنسافر مطلع الشهر القادم "
نظرت لهما وقلت بدموع " وتتركونني !! "
قالت عمتي " قمر لما البكاء أنتي مع زوجك وهوا يحبك لقد
أصبح لديك عائلة عليك البقاء بقربه "
قال زوج عمتي " رائد أرجوك أن تعتني بها في غيابنا "
ضم كتفي وقبل رأسي وقال " قمر في عيناي لا تخافا "
يالك من ممثل يا رائد حتى أمام من هم ليسوا عائلتك قلت بعبرة " لا يمكن لا تذهبوا "
قال زوج عمتي " قمر يا ابنتي سوف نعود فلا تقلقي ونحن مطمئنون مادمت مع زوجك "
هززت رأسي وقلت " لا لا تتركوني الآن أبقوا قليلاً ثم سافروا كما تريدون "
قالت عمتي " قمر ما بك أنا لا أفهمك !! "
مسح رائد على كتفي وقبل رأسي مجدداً وقال
" ما بك حبيبتي هم سيسافرون ويعودوا لما كل هذا الخوف "
كلمة حبيبتي المزيفة هذه لم تزدني إلا بكاء كم تمنيتها ولكن ليس هكذا , بقوا يهدئوني
لوقت حتى توقفت عن البكاء فقال زوج عمتي
" سنتصل بكما دائماً ولا تنسى يا رائد ما أوصيتك به ووقت عمليتها سنأتي لنسافر بها "
قال رائد " ولما وما أفعله أنا ؟! هي زوجتي الآن وأنا المسئول عنها "
قال معترضاً " إنها عملية مكلفة وتذاكر السفر كذلك , لن تقدر عليها وحدك "
قال " سأدخر المال من الآن وسأبيع المنزل والسيارة إن اطر الأمر كما أني سأنشر
كتابي قريباً وسأترك كل ثمن طبعاته ... لا تخف "
قال زوج عمتي " سأكون هنا وأسافر معكما على أية حال "
تنهدت بقلة حيلة يتناقشان في أمر لن يفعلاه أبداً لا تخافا لن أكلف أي منكما شيئاً كما
أشك أن رائد بكرهه لي هكذا سيدفع مليما لأجلي أم هي الشفقة ككل مرة , لا لن أدعك
تشفق علي يا رائد فليست الشفقة ما أريد منك ليست هي فهذا يقتلني أكثر
وقفت وقلت " سأصعد لرؤية نوران "
وقف رائد قائلا " ليستدعوها هنا لتودعيهم فقد لا نتمكن من رؤيتهم قبل سفرهم "
نظرت له بصدمة وقلت " ماذا ؟! لن أراهم مجدداً هذه الأخيرة "
قال بحيرة " قمر ما بك هم سيرجعون هنا !! "
خرجت في صمت وصعدت لغرفة نوران دخلت عليها فاستقبلتني بالأحضان فبكيت
في حضنها حتى تعبت وهي تحاول تهدئتي ثم أجلستني على السرير وقالت
" قمر ما بك لما كل هذا البكاء ؟! "
قلت بعبرة " سأشتاق لكم كيف تذهبوا هكذا وتتركوني "
ضربتني بخفة وقالت " لقد أفزعتني ضننت أن رائدك قد مات "
ابتسمت بحزن وقلت " لا تفاولي عليه هل تريدين أن أموت مجنونة "
ضحكت وقالت " ولما لا تموتي فوراً لما ستُجنين أولاً "
مسحت دموعي وقلت " سأشتاق لكم "
ضمتني وقالت " ونحن كذلك ما نفعل لك لولا زوجك ذاك لأخذناك معنا "
ثم ابتعدت عني وقالت " قمر أخبريني هل أنتي سعيدة معه ؟! "
هززت رأسي بنعم فقالت " كيف أخبرك عن معرفته لك وما قال "
قلت متجنبة الحديث في الأمر " دعينا من هذا فالموضوع معقد وشرح لي ولم أفهم كثيراً "
تنهدت براحة وقالت " كم أنا سعيدة لأجلك قمر "
دخلت حينها عمتي وقالت " قمر رائد ينتظرك في الأسفل "
ثم ضحكت وقالت " لو رأيتِ إصراره وملامحه وكأنه يخاف أن لا تنزلي "
تنهدت ولم أعلق على الأمر وودعتهم ببكاء طويل فلن يكون لدي بعد الآن حتى
منزل عمة أهدده به وقد لا أراهم مجدداً بل لن أراهم , نزلت للأسفل ووجدت
زوج عمتي ورائد , وقفت بجانبه فوضع يده على كتفي وقال زوج عمتي مبتسماً
" لو تأخرتِ لحظات لكان رائد سيصعد لينزلك بنفسه , ها هوا لا يريد
البقاء دونك فلما تجرحينه بتمسكك بنا "
قلت بهدوء وعينيا أرضاً " ولا أنا استطيع البقاء دونه ولكنكم عائلتي "
مؤكد يضنه تمثيل ولكنها حقيقة خرجت من أعماق قلبي فليت ذكاءه يتحرك في هذه
اللحظة ولكني أعلم أن لا أمل من ذلك , غادرنا بعدها منزل عمتي ولم أتوقف عن
البكاء حتى وصلنا ودخلت غرفة النوم وأكملت هناك باقي بكائي الذي لا ينتهي
بعد وقت دخل رائد جلس بجواري وقال
" قمر يكفيك بكاء من أين لك بكل هذه الدموع هم لن يموتوا "
قلت بنحيب " أنا من ستموت .... لا أريدهم أن يرحلوا لا أريد "
أبعد يداي عن وجهي وقال بحدة " قمر ما تعنيه بكلامك اليوم لما تذكرين الموت كثيراً
وأنك لن تريهم مجدداً ... ما تخبئي عني ؟! "
أجل يا رائد ذكاءك لا ينام إلا في فهم مشاعري وذكريات طفولتي فقط , سحبت يداي من
قبضة يديه وضعتهما في حجري وقلت بهدوء ونظري عليهما
" قد لا تنجح عمليتي وأموت وهم بعيدين عني وتكون هذه المرة الأخيرة التي أراهم فيها "
أمسك ذقني بإصبعيه ورفع وجهي له وقال بحدة
" قمر توقفي عن قول هذا هي عملية بسيطة لما كل هذا التشاؤم "
أبعدت وجهي وقلت بغضب " لا تشفق علي يا رائد لا أريد شفقتك فهمت "
وقف وقال غضباً " قمر لما تعامليني هكذا لما تغضبين مني في هذا الأمر دائماً "
لم أتحدث فغادر غاضباً وقلت بهمس حزين " لأني أريد حبك وليس شفقتك هي تذكرني
أنك لا تحبني لهذا أكره ذلك منك .... هل فهمت هل فهمت "
بقيت جالسة مكاني لوقت ضامه ساقاي لحظني ولا شيء سوى الشرود والحزن وكل
فترة والأخرى يفتح رائد الباب ويراني ويغادر , هل يخشى أن أفعل لنفسي شيء أم
يخشى أن يحدث لي شيء وفي كلا الحالتين هوا يشفق علي , خبئت وجهي بين ذراعاي
كي لا أراه وكم تمنيت لو أصم كي لا أسمع صوت الباب وهوا يفتحه ويدعي أحيانا أنه
يريد أخذ شيء ولكن ليست هذه عادته فهل تغير الآن
سمعت صوت الباب مجدداً فنزلت دموعي رغماً عني , خبأت وجهي أكثر فشعرت
به يجلس بجواري على السرير ثم وصلني صوته قائلا
" قمر ارفعي رأسك "
لم أتحرك ولم أتحدث فقال بأمر " قمر قلت ارفعي رأسك "
قلت ببكاء وحالي كما هوا عليه " رائد اتركني وحدي أرجوك "
قال بغضب " قلت أرفعي رأسك الآن يعني ترفعينه "
رفعت رأسي ونظرت للجانب الآخر وقلت بضيق " ها قد رفعته ما تريد به "
تنفس بقوة عدة مرات ثم قال " هل لي أن أعرف سبب هذا ؟! "
نظرت له وقلت ودموعي تدحرج من عيناي تدحرجا " ولما تريد معرفة السبب
كم كنت هنا سجينة الغرفة أبكي وحدي ولم تكن تهتم لأمري فما تغير الآن ولكن
لا تُجب أعلم الجواب وحدي "
وقف وقال بحدة " لما يجب أن تكون شفقة هل هناك من يكره أن يعتني الناس
بصحته لما كل هذه القسوة يا قمر "
بقيت أنظر له بصدمة ثم قلت بحيرة " قسوة !! "
قال بغضب " نعم قسوة وتحجر أيضاً "
نزلت من السرير وقفت في الجانب الآخر وقلت بغضب " نعم ألصق ما بك بي قاسية
ومتحجرة وبلا مشاعر كلها بك وتلصقها بي , لما تكلف نفسك عناء تحملي خدني
لعمتي قبل أن تسافر لتأخذني معها وترتاح مني "
قال بصراخ غاضب " نعم هذا ما تريدينه أن ترحلي معهم لا يا قمر لن تذهبي لأي
مكان إلا معي فهمتي ليس بعد يا قمر ليس بعد "
بقيت أنظر له بحيرة فخرج غاضبا يتأفف , إذا لغرض ما يبقيني هنا لما يا ترى ؟!
ارتميت على السرير أبكي أسوء من بكائي السابق , بعد قليل رن هاتفي وكانت أنوار
مسحت دموعي وأجبت فطلبت مني التحدث مع رائد لزيارتهم قبل أن نغادر , كم هم
واهمون ويضنون أنني أتحكم بقراراته وأنه ينفذ كل ما أطلبه , كيف سأعتذر منها أو
أطلب أن يكلمه حيدر ستكون حركة غبية ومكشوفة
غادرت الغرفة بحثا عنه أعلم أنه سيرفض لكن لا خيار أمامي , أنظروا لحالي
تشاجرت معه للتو وسأطلب منه طلباً أعلم جوابه , وجدته في المطبخ يجلس على
الطاولة وينظر لورقة أمامه .. كم أعشق هذا التمثال الحجري لو فقط يعلم
وقفت عند الباب وقلت بهدوء ممزوج بالحزن
" أنوار اتصلت تطلب أن نزورهم قبل أن نسافر "
لم يجب ولم ينظر إلي فقلت " رائد "
قال بضيق " سمعتك "
تنهدت وقلت " بما أجيبها "
وقف وقال مغادراً " تحدث معي حيدر سنمر بهم قبل مغادرتنا "
قلت وأنا أتبعه " أنزل البيض والحليب من السيارة إذاً , سأعد كعكا لنأخذه "
قال وهوا يدخل المكتب " كالكعك السابق في الرحلة لا "
وقفت عند الباب وقلت بصدمة " ولما !! "
التفت إليا وقال بحدة " من غير نقاش "
أمسكت طرف الباب بيدي وقلت بضيق
" علينا أن نتناقش كيف تكون الحياة هكذا من طرف واحد فقط "
قال بغضب " الكعك لن يأكله أحد منك سمعتي "
قلت بضيق " لما هل هوا سيء ؟! "
نظر لي ببرود وقال " نعم "
قلت باستغراب " لما !! أنا أعده من سنوات وأحب إعداده "
بدأ بترتيب كتب المكتبة وقال " لنا لا بأس غيره لا "
اتكأت على حافة الباب ونظري عليه وقلت بحزن " رائد لما تفعل هذا ؟! "
نظر لي مطولاً ثم قال " لأني أشفق عليك أليس كذلك "
نظرت للأرض ثم قلت مغادرة " اشتري شيئاً نأخذه معنا إذاً "
عدت لغرفتي كما كنت قبل قليل ولكن الجديد يدي عادت للخدر وصلت السرير
وارتميت عليه , جسدي في جهة ويدي في الجهة الأخرى متى سأموت وأرتاح متى
سحبت يدي اليسره باليمنى ودسستها تحتي كي لا يلحظها , لا أريد تلك الشفقة لا أريد
فليبقى قاسيا هكذا حتى ينهيني , بعد وقت تحول الخدر لتنمل في كل يدي وقفت بصعوبة
أخرجت كيس بطاطا مملحة من الدرج وأخذت القليل منه وعدت مرتمية على السرير
في اليوم التالي كان علينا مغادرة المنزل لنزور حيدر في المدينة المجاورة ثم إلى قدري
المحتوم في تلك المدينة وذاك المنزل فلم يعد لي حتى أهل أزورهم من حين لآخر
ركبنا السيارة في صمت إلا من كلام رائد في الهاتف وحيدر يدله المنزل , غريب أمره
حقاً أخوه ولا يعرف منزله , ما ذنبه وذنب مريم ليشمله مع البقية , إن قلنا مريم تسكن
هناك بجوارهم فماذا عن حيدر أو ليجيب على اتصالاتها , يبدوا لي كما قالت مريم وأكثر
لا ينسى الجرح بسهولة بل يتسع نطاقه عنده ليشمل كل شيء
وتتوهمي أن تحكي له يا قمر ! ما ستقولين له أنا الفتاة التي أحببتها وتركتك , إن كنت الآن
في نظره بلا مشاعر فكيف حينها فحتى قمر الطفلة لن تشفع لي لديه فهوا لا يتذكرها حتى
التذكر , وصلنا المنزل ونزلنا هناك فتح لنا حيدر الباب واستقبلنا قائلا
" جيد أنها غيرت رأيك فكرة أنوار كانت صائبة "
لم يعلق أي منا أوصلنا لغرفة الضيوف وخرج فقال رائد ببرود وهوا ينظر جهة
الباب " لن أقول ما أقوله دائماً "
ابتسمت بسخرية وقلت " أعلم ولن يلاحظا شيئاً لا تخف "
بعد قليل دخلت أنوار يتبعها حيدر سلمت علينا ولحسن الحظ قالت من فورها
" تعالي يا قمر لدي شيء أريه لك ودعي المزعجان وحدهما "
قال حيدر بضيق " ضعي في حساباتك ستغادر ولن يبقى لك سوى هذا المزعج "
ضحكت وقالت " هيا تعالي فلولاك ما جاء رائد يالا سحر النساء "
خرجت برفقتها أدخلتني لغرفة مليئة باللوحات القماشية منها المرسومة ومنها البيضاء
نظرت بدهشة وقلت " هل ترسمين يا أنوار هل أنتي رسامة "
قالت بضحكة " بعض الشيء "
تجولت بين اللوحات وأنا أقول " كيف بعض الشيء إنك مبدعة "
وقفت عند لوحة لفتاة صغيرة تجلس على الأرض وتكتب في كراسة فقلت " رائعة إنها ..... "
كنت سأبكي لولا تداركت نفسي فقد ذكرتني اللوحة بطفولتي وأنا أكتب في كراسة رائد
فوق ذاك السطح , وضعت أنوار يدها على كتفي وقالت " إن أعجبتك فخديها "
نظرت لها بصدمة فقالت ضاحكة " لن تخرجي دون هدية منهم يكفي إعجابك بلوحاتي "
قلت بابتسامة " أقسم أنك فنانة هل تعرضينها في معرض "
قالت " لا ليس بعد هذه السنة ممكن لقد تبنى أحد الرسامين بعض
لوحاتي وسيقدمها في معرضه "
قلت بسرور " ستصبحين مشهورة إذا "
ضحكت وقالت " إذاً خذي اللوحة الآن لأني إن صرت مشهورة فلن تريها مني "
ضحكنا كثيراً ثم قلت " لن آخذها ولكن لي طلب أرجوك أن لا ترديني "
نظرت لي بحيرة ففتحت حقيبة يدي وأخرجت صورتي عند الطفولة وقلت
" هل ترسمي هذه الطفلة بدل تلك نفس الوضعية بوجه هذه والأرضية كسطح
البيوت هل تفعليها لأجلي "
أخذت الصورة نظرت لها بتمعن ثم لي وقالت " هل هذه أنتي يا قمر ؟! "
قلت " نعم حين كنت في الخامسة هي الصورة الوحيدة لي عند طفولتي "
قالت بابتسامة " لم يتغير شكلك العينين يميزانك والشعر أيضاً كنتي طفلة جميلة جداً "
قلت " هل سترسمينها ؟! "
قالت وهي تنظر للصورة " ستأخذ وقتا فصورتك من الوجه الأمامي
واللوحة ستكون للوجه الجانبي "
قلت بحزن " إذا لن ينجح الأمر "
قالت مبتسمة " سأعتبرها تحدي لقدراتي وأنتي ستكونين الحكم "
قلت بحزن " قد لا أراها ولكن عليك إعطائها أحدهم وكتابة ما أريد عليها "
قالت بحيرة " لا أفهمك !! "
قلت مبتسمة " سأفهمك كل شيء لاحقاً ابدئي بها أنتي الآن "
تنقلنا بعدها في الغرفة تحكي لي حكاية كل لوحة ومتى رسمتها ثم ذهبنا للمطبخ
أعددنا العصير والضيافة وعدنا لغرفة الضيوف جلست هي بجوار زوجها ولم يعد
بإمكاني الجلوس بجوارها فلم أجد مفراً من الجلوس بجانب رائد , سأبدأ أنا التمثيلية
هذه المرة بالالتصاق به , قالت أنوار بابتسامة " لقد وجدت معجباً جديداً بموهبتي "
ضحك حيدر وقال " وماذا كانت ستقول لك غير رائع "
قلت بجدية " بلى لوحاتها رائعة ومخطئ من يقول غير ذلك "
نظرتْ له بشماتة فضحك وقال " وأيها أعجبتك ؟! "
قالت أنوار " اللوحة التي أعجبت زوجها قبل عام الطفلة التي تكتب في الكراس "
نظرت جهة رائد فكان على حاله ينظر للفراغ ببرود , اعتقدت أنه يتذكرني ولكن
لا جدوى , قال حيدر " تلك اللوحة جدبت الجميع "
قال رائد " تمثل البراءة فما أن يكبر الطفل حتى يتحول لوحش جارح "
لا أعلم لما شعرت وكأنه يقصدني بما قال قد أكون واهمة ولكن هكذا شعرت من
برودة كلماته ونبرته ذاتها عندما يطعنني بكلماته
قلت بهدوء حزين " ينقصها الحزن "
نظرا لي باستغراب وقالت أنوار " لما فأجمل ما فيها ابتسامتها !! "
نظرت لعينيها بتركيز وقلت " بل لو كانت حزينة لكانت أجمل "
ابتسمتْ وفهمت أني هكذا أريد لوحتي حزينة , قالت أنوار
" قمر يدي على كتفك ساعديني في أمر "
قلت بابتسامة " لو كان باستطاعتي فلما لا "
قالت مبتسمة " لقد تراهنت وحيدر إن أعددت كعكة ككعكتك في الرحلة
يشتري لي الطقم الذهبي الذي أعجبني "
نظرت لرائد ثم لهم وقلت بهدوء " ولما كعكتي تحديداً ظننتها سيئة ولم تعجبكم ؟! "
قالت بصدمة " سيئة قمر ما تقولي !! "
ثم ضحكت وقالت " آخر قطعتين تشاجر الأطفال عليهما وقريبك الصغير ذاك
أكل خمس قطع وحده وقال / قمري من أعدتها فهي لي "
قال حيدر " من يومها وأنا أتحدث عنها فقالت أنوار أستطيع فعل مثلها
لو كانت لدي الطريقة فتراهنا "
قلت " إنها طريقة يونانية تعلمتها في الخارج ودمجتها مع الطريقة العربية "
قال حيدر " ما رأيكما أن تعدوها لنا الآن "
تحمحم رائد لأفهم رفضه الأمر , هل سيتحكم بي أيضاً هل يريد قتل شخصيتي
وقفت وقلت " لا بأس "
وقف رائد وقال " علينا المغادرة "
وقف حيدر وبعده أنوار وقال " لما كل هذه العجلة !! "
قال رائد " الرحلة والترتيبات هناك تأخذ وقتاً وعلينا المغادرة "
قال حيدر " ما قررت بشأن المنزل ؟! "
قال " لا جديد ولا خيار لدي غيره سأستأجره مؤقتاً حتى حين "
قال حيدر " وأين مالك المنزل أذكره جيداً "
قال رائد " ما علمته من الجيران أنه تعرض لحادثة منذ سنتين فأصيب بشلل نصفي
وزوجته بحروق عميقة شوهتها كليا فتركوا المنزل وعاشوا في مدينة أهل زوجته "
شعرت بالرجفة تسري في كل جسدي وكدت أقع , يا إلهي كيف يحدث كل هذا
لهذا هي كانت متشحة بالسواد ولم أرى من عينيها سوى واحدة
قالت أنوار " أي جرم هذا الذي اقترفاه في حياتهما لينتهيا هكذا !! "
قال رائد " لا اعلم عنهما شيئاً وشبه لا أذكرهما "
شعرت الآن بطعنة قوية وجهت لقلبي ... لو كان لا يذكرهما فلا يذكرني أبداً فأنا اختفيت
قبلهما .... لماذا يا رائد لما لا ترحمني ؟!
خرجنا من منزلهما وأنوار تصر عليا أن أرسل لها الطريقة التي أعددتها بها , ركبنا السيارة
ولم يفتح رائد موضوع تجاهلي له في موضوع الكعكة يبدوا لكي لا أساله لما قال أنها كانت
سيئة فلما فعل ذلك يا ترى !! بعد السير لمسافة طويلة اقتربنا من مدينة والده ومن قدري
المحتوم في ذاك المنزل فقلت " رائد توقف "
نهاية الفصل ..... قراءة ممتعة للجميع
بنات شدوا همتكم في التعليق على الفصل عشان أنزل لكم فصل الجمعة إن شاء الله
........ أحبكم في الله