كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجزء الثالث والعشرون
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الجــــزء الثــــالث والعشــــرون
،
كم جئت أحمل من جراحات الهوى
نجوى ، يرددها الضمير ترنُّما
سالتْ مع الأمل الشهي لترتمي
في مسمعيكِ ، فما غمزتِ لها فما
فخنقتها في خاطري ! فتساقطتْ
في أدمعي ، فشربتها متلعثما
ورجعتُ أدراجي أصيدُ من المنى
حلماً ، أنام بأفقه متوهما
أختاهُ ! قد أزف النوى فتنعمي
بعدي فإن الحب لن يتكلما
لا تحسبيني سالياً ، إن تلمحي
في ناظري ، هذا الذهول المبهما
إن تهتكي سر السرابِ وجدتِهِ
حلم الرمالِ الهاجعاتِ على الظما !!
لـ عمر أبوريشة
،
صباح يومٍ جديد
ابتلعت غصة كبيرة ما ان تذكرت ان بعد خمسة ايام سيحين موعد زفافها .. تشعر انها مستنزفة تماماً .. وجزعة من حياة تجهلها مع شخص لا تعرف في الحقيقة غير انه "اهلك قلبها" ..
وقفت امام مرآة حمامها وهي تمسد بيدها وجهها الشاحب ..
"على العموم .. عقب هوياس سنين .. اظن لولوةْ خويدم بن زايد تستاهل من يرقبها 12 سنة"
انزلت رأسها بضيق تخلله خيبة ما ان مرت كلماته الساخرة بذهنها ..
ما مغزى كلماته تلك ..!!!!
من قال انه كان ينتظرها ..!!!
ليس وكأنه عاشقاً حد الثمالة لينتظر من بصقته ارضاً بصقةً كانت "جزاؤه العادل" ..!!
ولمَ كلماته الساخرة ..!!
إذ كان يعتقد ان بسخريته سيشعرها بالسخط .. ويهز ثقتها بـ جمالها .. فهو مخطئ ..
مخطئ ..!!
رفعت عيناها السوداوان وأخذت تتأمل وجهها وهيئتها بحدة ..!!
أخرجت زفيراً كـ محاولةٍ يائسة منها لـ اقناع نفسها انها حقاً جميلة حقاً لكنها لم تستطع ..!!
كيف تستطيع وهي اتخذت منذ سنين رأي "ذلك السلطان" بها كـ ختم صارخ لا يُمحى .. رأيه بها ... وبجمالها ...!!!
والذي قاله قبل يومان وسخريته منها ما هو الا تأكيد على ما هي مؤمنةٌ به منذ اثنتا عشرة سنة ..!!
هي بنظره قبيحة ... قبيحة جداً ولن تصل ابداً لمستوى جمال عوشــ .....
هزت رأسها بعنف دافعةً بغضب الاسم الذي اندفع يتداخل بين موجات افكارها الساخنة/المعقدة ....
حسناً ... في كلا الحالتين ... سواء أذكرت اسمها ام لم تذكر .. فـ الحقيقة واحدة ..
هي لن تعرف ابداً كيف تثق بجمالها أمام الذي يبث في خفقاتها الجنون بعدما مرت به من آسى/صدمات ..
لن تعرف ابداً ....!!!
احتد فمها بغضب أليم .. وقالت مزمجرة: دامني شينه بنظرك شعنه خذتني هاااااااه ..!!!!
زفرت انفعالها قبل ان تسمع طرق ناعم على باب غرفتها وتهتف بحدة: منووه ..؟!
لم يجبها احد .. فاستنتجت سريعاً ان الطارق هي موزة ..
خرجت من حمامها وفتحت باب غرفتها لتهتف ببسمة ذابلة: هلا موزانه ..
تعالي حياج ..
ابتسمت موزة لتأشر بنعومة: عموه عاشه تقول محد بيريق شما الا اناااا ..
ضحكت شما بخفة لتهتف بنظرة صافية تجلت من كل غضب/سخط: ههههههههههههه وافدييييت ام العنوووود يا نااااس ..
امررره فالج وفالها طيب .. خلينيه بس ألبس كندورتيه وبييكن البيت الثاني ..
موزة وهي تكمل اشاراتها: يلا بسرعة نترياج
خرجت موزة من غرفة شما قبل ان تتراجع الاخيرة باستغراب وتحدق بهاتفها وتتساءل عمن يرسل لها على الهاتف بحماس في هذا الصباح الباكر ..
إلتمعت عيناها بـ بهجة صادقة ما ان رأت الاسم
"ناعمـــــة" ..
ما اجملها هذه الناعمة .. تمتلك في روحها كمية لا يستهان بها من روحٍ بريئة وقلبٍ صافٍ يشرح صدور الناس ..
زمت فمها بامتعاض وقالت بصوت عالي متهكم: ليت عمج شراتج ..
جلست على سريرها وقررت ان تتصل بها شخصياً وتلقي السلام عليها ..
.
.
.
.
.
.
.
ابتسمت بحماس واجابت بنبرة تقطر نعومةً: هلا والله بشيخة حريم العين ..
شما: ههههههههههههه شيخة حريم العين مرة وحدة ..!!!
هتفت ناعمة مداعبةً بمرح لطيف: هيه شيخة حريم العين بس .. لانيه انا شيخة حريم بوظبي وضواحيها الجميلة ..
شما: هههههههههههههه ما جذبتي ما جذبتي بنت هامل اشهد انج شيختهن وتاج راسهن ..
أضافت ببسمة حانية: شحالج فديتج وشحال عمتيه بخيتة .. ربكن الا بخييير ؟!
ناعمة: الحمدلله رب العالمين كلنا بخير ونعمة غناتيه .. ومن جداكم حرم سلطان الـ.. ..؟!
شعرت شما بالغيظ "من مسمى تبغظه" الا انها اخذت الكلام بروحٍ رياضية وهتفت:
ههههههه نحن بصحة وعافية الحمدلله ما نشكي باس ..
يوم اغدي في بيت عمج هاييج الساعه قولي حرم سلطان الـ ..
ناعمة: ههههههههههههههههههههه ندرب على الكلمة من الحينه ..
أضافت بتساؤل باسم: خبريني شو اخبار الربشة عندكم ..؟!!
جال نظر شما على الاكياس والثياب والفساتين المنتشرة في كل انحاء غرفتها بإهمال/عدم ترتيب ثم قالت ببسمةٍ خافتة: في عزهاا ههههههههههههههه
(في عزها = في أقصاها)
ناعمة: الله يعينج اكيد حجرتج الحينه ما تنداس من القشار والاجياااس ..
هزت شما رأسها بـ اجل وقالت بذات بسمتها الخافتة: هيه والله ما تندااااااااس ..
.
.
.
.
.
.
.
وجد صعوبة كبيرة في تقبل الصغير في حياته بداية الامر .. لكنه الآن وهو يراه بعد سفرة قصيرة لم تدم الا ايام .. ادرك في قرارة نفسه ان هذا الصغير قد حاز على مكانته الكبيرة في قلبه وبدأ بالتوغل في عزوبيته الخالية من لمسات النساء والأطفال والفارغة تماماً من مسؤوليات الرجل الأب ..
كان هذا الصغير هو اول من لامس بأنامله العذبة روح الأبوة فيه ...!!!
ابتسم بصفاء ما ان رآى الطفل يركض نحوه ويصرخ بإسمه بسعادة بالغة: باباااااااا بابااااااااااا
ضحك نهيان وهو يتلقف الصغير ويدور به ارجاء الشقة بمرح ... وتوقف وهو يقول له بعد ان اغرقه بالقبل والاحضان: شو اخبار البطل ..؟!
احتضن عبيد اباه وقال من بين نبراته الطفولية الحماسية: انا منيح كتير باباااا ..
رفع نهيان حاجباً واحداً بشيء من السخرية المرحة وهم بأن يتكلم لكنه سكت ما ان سمع صوت ميسون التي كانت طيلة الوقت في المكان ولم يلحظها وسط غمرة عاطفة "الأب مع صغيره" ..
ميسون بتحذير لطيف: عبيد ئلتلك بدنا نحكي متل البابا من يوم ورايح اي ..؟!
وضع نهيان ابنه على الارض ليتركه واقفاً بقربه .. ثم استقام هو بقامته .. وقال بـ برود صارم: هذا الشي بينيه وبين ولديه .. وانا اللي بعلمه رمستنا وكيف يرمس ..
أردف وهو يجلس بهيمنة تامة تبعث التوتر في الاجواء: على العموم مشكوره .. تقدرين تروحين الحينه ..
ظلت ميسون واقفة بشكل يوحي بمدى ارتباكها وعمق ما تشعر به من آسى/حيرة .. ثم هتفت بتردد خافت: نهيان فينا بليز نئعود شوي ونحكي ..؟!
هتف نهيان بذات بروده الصارم: ما بينيه وبينج كلام .. اعتقد تفاهمنا قبل شهور ..
رصت ميسون على عيناها لتهتف برجاء حار: بليز نهيان .. كرمال عبيد .. خلينا نحكي شوي لآخر مرة ..
تنهد نهيان بسأم من هذا الموضوع الذي لا يريد ان ينتهي على ما يبدو .. ثم استدار بوجهه نحو ابنه وقال ببسمة ناعمة: عبيد سِر الحجرة افتح الكمبيوتر وألعب .. بيي ألعب معاك عقب شوي ..
اتسعت عينا عبيد بفرحة وهرع لغرفته من غير معارضة ..
استدار نهيان لميسون وقال: قولي اللي عندج بسرعة .. انا راد من السفر وتعبان ابا ارتاح ..
جلست ميسون فوق اقرب اريكة امامها وقالت وهي تدعك بتوتر ثيابها: نهيان مين ئلك اني مجوزي من مراد ..؟!
وقف نهيان والشرار قد تطاير برعب امام عيناه وقال بفحيح غاضب ناري: ان سمعت اسم هذاك الحـ... مرة ثانية بعقج خاري وتحرم عليج شوفة ولدج ..
تسمعيــــــن ..!!!
ارتجف فك ميسون بجزع شديد قبل ان تتراجع للخلف بتوتر ازداد الضعفين في قلبها .. وقالت بعد ان التقطت انفاسها المتهدجة: أ أ أ ما ئصدي والله ما ئصدي ..
بس بـ بـ بس بدي اعريف كيف عرفت اني مجوزي ..؟!
ارتفع جانب فم نهيان بسخرية مزدرية وقال: ما ينلعب ورا ظهر نهيان يا انتي ..
مسألة كيف عرفت انج معرسه فـ هاذي مالج خص فيها ..
جلس ووضع رجل على رجل .. وقال بسيطرة خبيثة ساخرة: تحريتج بتسأليني كيف عرفت انج يايه الامارات عشان
"وحرك يده داعكاً أصابعه ببعضهما البعض" تسرقين بيزاتي ..
هتفت ميسون بـ صدمة وقد باغتها دهاء نهيان ومعرفته بنيتها وزوجها: لـ لـ لا لا .. ما اجيت كرمال المصاري
رفع نهيان كلتا حاجبيه وقال باستخفاف: امررررره عاده صدقتج اناااا ..
انتي ما شردتي مع هذاك اللوث وانتي حامل منيه ولا جذبتي عليه عسب ترديلي عقب سنين بليا حاية ومصلحة ..
انزلت ميسون رأسها وقالت بنبرة صادقة: الله وحدو يعلم اني ما كان بدي اللي صار ئبل يصير .. حبيتك من كل ألبي لكن الشيطان لعب بعئلي ..
زفرت الندم بكل وجعه واضافت: الله بيشهد انو ما كان ابدا بدي احرمك من ابنك وانسبوا لغيرك ..
تحرك فم نهيان باحتقار وكره وبدأ يضيق ذرعاً من جلوس هذه المرأة الغدارة امامه: هالرمسة ما تفيد معايه الحين .. انتي تحمدين ربج انيه مشيت سالفة نسب الولد بمزاجيه وما سويت شوشرة هنيه مع العلم انج تعرفين عقوبة نسب الولد لأبو هب ابوه عندنا في البلاد ..
هزت ميسون رأسها بوجل/حسرة وقالت: بعريف نهيان بعريف .. بتشكرك كتير على اللي عملتو .. ما رح انسالك ياها طول عمري .. وحبيت ئلك اخر شي بألبي ئبل ما فل ..
مين بيعريف .. يمكن موت وماشوفك او شوف ابني مرة تانيي ..
نظر نهيان لساعة يده وقال بضجر حاد: بسرعة يلا هب متفيجلج ..
تنهدت ميسون بما يعتمل في خاطرها من توتر وارتباك وقالت بنبرة مختنقة:
لساتني بحبك نهيان ورح ضل حبك .. لما عرفت اني حبلي بابنّا عبيد خفت ..
ما عرفت شو فيي ساوي .. كنت عن حئ خايفي .. كنت مرعوبي ..
فيك تئول اني انانيي فيك تئول اني هبلة جباني او فيك تئول عني اني ولد ما ئلو عئل وشخصيي
بس بـ هيديك الايام ما كان بـ بالي الا حياتي انا ..
كنت بس فكر كيف رح عيش حياتي بعد ماعرفت اني حبلي .. خفت من كتير اشيا ..
اول شي خفت من اللي رح تعملو ازا عرفت بالشي .. خفت من عصبيتك .. وتاني شي خفت من انك تغصوب حالك ته تاخدني انا والصبي معك لبلدك ..
خفت حياتي تتغير وما رح عيشا بحريي متل ئبل ما اجوزك ..
خفت تجبرني على حياتكون هون .. تجبرني ألبوس متل النسوان هون هاد اللي بتسموه شيلي وعبايي ..
خفت تجبرني ما اطلع من البيت وعيش طول عمري مرة وام بس .. من غير ما اتمتع وافرح بالدني ..
انا ما هربت منك لأني بحب ابن خالتي او فكرت خونك معو ..
لا نهيان ابدا ..
كل اللي صار اني كنت خايفي على حياتي وحريتي ومعتئداتي .. وما لئيت وئتا الا هوي ته يساعدني اهروب من اللي كنت خايفي منو ..
ابتلعت غصة ألم قبل ان ترفع عيناها وتبصر ذلك الذي يرمقها بقسوة غامضة ..
زفرت بعمق .. وقالت بنبرة هادئة: انا ما عم برر اللي عملتو فيك ولا عم ئلك هالحكي ته حنن ئلبك عليي .. لا ..
انا بس بدي احكيلك عن اللي ما ئدرت في يوم احكيه .. حكي ضل بألبي سنين ..
انا يا نهيان كتير خجلاني من حالي .. وكتير بعتزر عن اللي عملتو ..
بتمنى في يوم تسامحني وارجع بنزرك ميسون اللي ما بتفكير الا بكل شي حلو عنك ..
لم يتحرك نهيان ولم ينبس ببنت شفه .. فقط شبك ساعديه القويين ببعضهما البعض امام صدره وقال بصقيعية خرجت خلف "غضب ناري مكتوم": كل اللي سمعته تفاهة ايديده من تفاهاتج ..
لو في يوم فكرتي انج بتمنعين ولديه عن هله وداره وما تربى عليه ابوه .. فأنتي غلطانه ..
الحسنة الوحيدة في اللي صار غبائج ..
لو ما غبائج وطمعج ما كنت بعرف يلين الحين عن الولد ..
أردف وهو يرمقها باحتقار قاتل/نقي:
غبائج هو نفسه اللي خلى خوفج يسيطر عليج قبل ويخليج تفكرين انيه ريال ياي من بلاد بعدها تمشي على قوانين العصر الحجري وتخلفها ..
نحن هل الامارات هب متخلفين عسب نيّود حريمنا ونمنعهن عن شي في خاطرهن ..
والشيلة والعباه لو بغصبج عليهن جان غصبتج من اول ..
واعترف انيه غلطت ..
غلطت يوم ما رصيت عليج على سالفة اللبس والتغطي .. ما أقول الا رحمتك وغفرانك يارب .. استأثمت بسبة ناس ما تسوى ..
ازدادت نبرة احتقاره حدة وقسوة وتابع: ومب بس جيه .. انا غلطت قبلها يوم انعمى على قلبيه وخذتج ..
وقف واستقام بكامل جسده ثم امسك بسيجارته واشعلها ببرود وقال: يا بنت الناس .. انا لا ابا شي منج ولا ابا اسمع منج تبريرات واعتذارات ..
اللي صار فصل في حياتيه ما افتخر به ودثرته تحت التراب .. بس ييتي انتي ونبشتيه ..
انا هب معدوم احساس عسب احرمج من ولدج للابد .. ولدج بتشوفينه يا غير في الوقت واليوم اللي بحدده انا .. سويتي فيه يميل ويلستي معاه وانا مسافر بـ طلب مني ..
(يميل = جميل)
وبـ طلب مني الحين اباج تظهرين من بيتي وما تراويني رقعة ويهج هنيه ..
عضت باطن شفتها السفلية وكلماته الجارحة تصدح جنبات قلبها بوحشية .. وهمست بألم: وعبيد ..؟!!
ايمتين رح شوفو ..؟!
نفث دخان سيجارته وقال بغموض جامد: ما سمعتيني الظاهر ..
قلتلج بتشوفين عبيد في الوقت واليوم اللي بحدده انا ..
ولين هاك اليوم اقولج مع السلامة ..
.
.
.
.
.
.
.
نكز كتف ابنه بغضب مغتاظ وصرخ: خويييلد .. شايفني طمه عندك شوووه ..!!!
(طمة = ابله)
قلتلي انك خلاص رضيت في بنت عمك بس ما بنسير نخطبها الا عقب ما تخلص دورتك اللي في هولندا ..
والدورة وخلصتها .. شحقه يالس تتعلثلي الحينه ..!!!!
(تتعلثلي = تضع لي الاعذار الواهية)
زفر خالد زفرة اخرج فيها كل ما يعتمل خاطره من قهر كامن ..
لا يريد ان يتزوج ابنة عمه ..
هو اساساً لا يريد ان يتزوج الآن ..!!
ليس مهيئاً نفسياً ولا عقلياً لهذا الموضوع ..
لمَ والده لا يريد ان يفهم هذا ..!!!
هتف خالد بنبرة حاول إخراجها هادئة: ابويه دخيلك اسمعني انت بس ..
الحينه لو سرت وخطبتها .. شو يضمنّا انها بترضابي ..!!!
خبرني شو يضمنا ..!!
يمكن هي اصلا مب في خاطرها العرس ..
بتغصبها عليه مثلاً ..!!!
هتف أبا خالد بجبروت قاسي: لا بترضابك غصبن عن خشمها .. ما عندنا بنات يرفضن نحن ..
زهب روحك انت .. احتمال على الاسبوع الياي نسير نرمس هل عمك بالسالفة ..
.
.
.
.
.
.
.
انتفض من سريره وهو يصرخ بلهاث ارهق تلابيب صدره، اخذ يتلفت بنظرات تضج بالجنون والشك محاولاً استيعاب المكان النائم فيه ..
ما ان تذكر انه في بيته وفي غرفته حتى لان جسده المتصلب وحاول تخفيف وتيرة لهاثه العالي "المهتز" ..
وضع كفه على جبينه وهتف بصوت خافت شديد الثقل: حسبي الله ونعم الوكيل .. حسبي الله ونعم الوكيل ..
ضل يردد هذه الجملة حتى رفع رأسه بعينان غائمتان واسند ظهره على ظهر السرير ..
كم ساعة نام ..!!!!
يشعر انه نام الدهر كله ..
نظر لساعة الحائط وادرك انها العاشرة والنصف صباحاً ..
انتفض واقفاً وهرع الى الحمام سريعاً ليتوضأ ويصلي فجره الذي فاته بنومه العميق ..
لم يكن نوماً .. وانما غيبوبة قصيرة عميقة اخرج فيها ما اعتمل في روحه طيلة أشهر من ارهاق نفسي وجسدي ..
وكان بحق بحاجةٍ لهذه الغيبوبة أكثر من أي شيء آخر .....
خرج من الحمام وصلى ما عليه ثم سلم من صلاته قبل ان يقوم من الارض ويمسك هاتفه ويتصل بأحدهم ..
.
.
.
.
.
.
.
أخذت تجمع بعض الازهار من حديقة بيت عمتها وهي تضحك من غير سبب ..
هي فقط سعيدة .. سعيدة لأنها واخيراً سمعت صوت أخاها وعرفت انه بخير وبتمام الصحة والعافية ..
ليس مهماً انها لم تحادثه بلسانها .. المهم انها سمعت صوته الغالي .. وسمعت الحنان المتجسد على هيئة نبراته المثقلة بالحب ..
رأت عمتها وشما آتيتان نحوها .. وسرعان ما هتفت ام العنود بابتسامة جميلة لها: ها ارتحتي ..!!
هاذوه حارب مافيه الا الخير والعافية وبيينا ان شاء الله جريب ..
رفعت موزة يديها واشرت برجاء حقيقي: يااااااااااارب ..
شما بذات ابتسامة ابنة خالتها: تستاهلين سلامته يا قلبي ..
موزة وهي تأشر بنظرات لامعة: الله يسلمج من الشر شميمي ..
أضافت بإشارات تقطر مشاعر جياشة شفافة: والله اني مابا شي من هالدنيا الا اشوف اخويه بخير وسلامة .. اذا صار لـ حارب شي انا بموت ..
والله بموت ..
قطبت ام العنود حاجبيها بغضب وقالت: بسم الله عليج يا الطفسة لا تقولين هالرمسة ..
الله يخليج انتي واخوج لي ولا يحرمني منكم ..
اقتربت موزة من عمتها واحتضنتها بكل ما فيها من احتياج "مجتاح" .. ودعت الله في قرارة نفسها ان يحفظ لها ما تبقى من عائلتها ..
لكنها ابتعدت برعب ما ان سمعت عمتها تقول: جان ما اسير بوظبي الحينه مع البشاكير وينظفن بيتكم هناك ..
الا ان لسان الأخيرة قد انعقد ما ان لمحت وشما تجمد موزة الواضح المرعب ..
ثم تبادلتا نظرات حائرة خاطفة قبل ان تضيف بنبرة حازمة تخللها قلة حيلة لم تظهرها: موزة لا تنسين ان هذاك بيتكم .. انتي معايه يالسة لجنه اخوج واعليه روحه هناك محد وياه ما غير الطباخ .. لازم نسير كل فترة انظفله البقعه ونرتبله اغراضه ..
هزت موزة رأسها بـ حسناً بنظرة جامدة خلت من الحياة ... وبشكل مستميت اخذت تحاول ازاحة صورة ذكرى قاسية .. مرعبة .. وحشية .... من جنبات عقلها ..
ثم تراجعت للخلف بتعثر قبل ان تستدير وتأخذ زهورها وتهرع نحو المنزل ..
.
.
.
.
.
.
.
خرج من عمله والبسمة تتراقص على مقلتيه .. كيف لا وهو أخيراً وبعد شهور سيلتقي به ..!!
ما ان وصل للمطعم الذي اتفقوا عليه حتى أسرع في سيره الى ان اقترب من الرجل واحتضنه برجولية صرفة ..
: انت وييينك يا رياااااال وييينك ..!!!!
اسمينيه حرقت فونك وما خليت حد ما نشدته عنك .. وين اختفيييت خبرني ..!!!
رمقه حارب نظرة رجولية باسمة وقال بعد ان اعطى سلطان نظرة ذات معنى مبطن: والله يا ذياب شو اقولك .. الشغل ما يخلص يا خويه .. كل ما نقول خلاص بنريح تظهرلنا شغله وسفرة ايديده ..
قاطعهما سلطان وهو يأشر لابن اخيه ان يجلس .. ولكي يساعد حارب في عدم الوقوع في دوامة كذب واعذار واهية: تعال تعال ايلس ..
ادريبك كنت تتريا حارب يرد بالسلامة وتشوفه .. عسب جيه اتصلتبك وظهرتك من دوامك ..
اعطى ذياب عمه نظرة ممتنة وقال وهو يستدير لحارب: هيه والله يا بومييد اسميك سويت فيه خير يوم اتصلتبي ..
خبرني حارب شو الاخبار شو العلوووم ..؟!!
حارب: والله الحمدلله بصحة وعافية .. وانت شو الدنيا وياك وشو الدوام ..!!
ذياب ببسمة خفيفة: والله هالدوام مظهر عيوني .. في الشهر اللي سافرت فيها اسبانيا استوى من ورايه بلاوي ولين يومك هذا يالس ارقع ورا الموظفين ..
رفع حارب كلتا حاجبيه باستغراب باسم: اووه ما شاء الله سرت اسبانيا ..!!
ذياب: هيه والله الاهل كان عندهم سفرة لـ جامعة قرطبة وخاويتهم ..
بس يا حارب شو اقولك .. هالاسبانيا جنة جنة تبارك الرحمن ..
هز حارب رأسه موافقاً حديثه وقال: هيه ادريبها ما شاء الله ..
ذياب: جيه جد سايرلها قبل ..!!!
نظر حارب الى سلطان ببسمة خفيفة كسولة ... ثم أجاب بصدق مع تجنبه الدخول في احاديث توقعه بالكذب: شفت مرة فلم وثائقي كامل عن اسبانيا .. وصدق ضرب في خاطريه اسيرلها يوم ..
ذياب بحماس: هيه والله انصحك تسيرلها ..
هتف سلطان للرجلان بعد ان وقف النادل بقربهم: ها شباب شو في خاطركم تتريقون ..؟!
.
.
.
.
.
.
.
كان يجلس بمحاذاة ابنة شقيقه وبناته .. وفي حضنه فاطمة حفيدته تلعب بلحيته السوداء المشوبة بشعيرات رمادية ..
قبّل بقوة وجنة فاطمة وقال بحبٍ أزلي: فدييته يوم انا ريييييته ..
ضحكت الطفلة ضحكة مرتفعة لذيذة بينما زمت ابنته الصغرى فمها بغيرة وقالت: هيه حق فطوم النتفه الحب والتفدي والتحبب وانا السب والهزااااب ..
رمقها أبا سيف من تحت رموشه وقال بتسلية لا تظهر الا نادراً: متى بعد يالجذوب سبيتج وهزبتج ..!!!
ضحكت العنود وقالت بخبث: ههههههههههههههههه بنتك تغار من بنتيه تلاحق عليهااا عميه
احتضن أبا سيف كتف ابنته بخفة ودنا منها قليلاً قبل ان يقبل رأسها بحنان ..
وقال بعدها ببسمة مرحة: محد ياخذ مكان المير في فواااديه ..
ارتفعت اعين الجميع عندما وقفت حصة بحدة ... وبملامح تنضح غضباً مكتوماً ... ثم خرجت من الصالة بصمت جامد ..
رفع حاجباً واحداً بعدم مبالاة والتفت لابنته عندما سمعها تناديه برقة: عونج امايه
ميرة بنبرة مترددة خجولة: عانك الله الغالي ..
اممممممم ابويه بغيتك توديني دبي اتشرى حق حفلة تخرجي ..
ما باجي عليها شي ..
وضع أبا سيف حفيدته بالقرب منه وقال: متى تبين تسيرين ..؟!
ابتسمت ميرة واجابت: ابا اسير عقب عرس عموه .. يعني جيه بالاثنين او الثلاثا ..
هز أبا سيف رأسه وقال بطيب خاطر: يصير خير ان شاء الله ..
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر
تمتم ابا سيف بخفوت مع سماعه تكبيرة اذان الظهر: الله اكبر الله اكبر ..
يلا بسير اتمسح حق الصلاه ..
(اتمسح = اتوضأ)
التفت ببطئ لـ العنود وهتف: العنود ترى ريلج اليوم بيرخصونه ..
خفق قلب العنود بـ سعادة وقالت: صدق عميه ..!!
ابتسمت عينا ابا سيف بحنان عبق واجاب: هيه ان شاء الله ..
اللهم لك الحمد والشكر الدكتور طمنا البارحه عليه وقال عادي نرخصه بس كل يومين بييه الممرض عشان يعاينه لين وقت عمليته ..
ترددت العنود قبل ان تهمس بقلق: بـ بس عميه سيف ما يبا يسوي العملية في البلاد ..
هز ابا سيف رأسه بـ حزم واجاب: هيه خبرني هو .. وانا قلتله بخاويك لكن الله يهداه راسه يابس ما يبا الا عمه ..
ابتلعت العنود غصة قلبها المتألم .. وهتفت بذات همسها المثقل بالرجاء: عميه دخيلك اقنعه يخلينيه اخاويه .. انا ما بتحمل ايلس في البلاد واتريا إلين ما تيينيه اخبار عن حالته .. دخيلك فديتك ابا ارابعه ..
ابا سيف: يا بنتيه حاولت قبلج وياه وما طاع .. راسه صخر يقول ما يبانا نتعبل به ..
هز رأسه بـ قلة حيلة وأضاف بتهكم خفيف: عنيد هالريال وعليه طبع يرفع الضغط .. ما يبا حد يعاونه ولا يسويله اية حايه ..
العنود بقهر: شمعنه يعني عميه احمد ..!!!
شمر ابا سيف عن ساعديه وقال وهو يتحرك باتجاه مغاسل الحمام: لأن عمج احمد فاضي وما عنده شغل وايد هالايام .. غير انه جد سافر ألمانيا قبل ويدل مناطقها وسكيكها ..
.
.
.
.
.
.
.
اغلقت الباب خلفها بقوة وهي تبتلع غصة ألم كبيرة تحجرت وسط بلعومها ..
تعبت كثيراً من جفاء والدها وتعامله القاسي لها منذ شهور ..... منذ ان خطبها ذلك المدعو فلاح ورفضته ..
كل هذا بسببك أنت أيها المتعجرف المغرور ..
افففففففف ..
تشعر برغبة كبيرة بالبكاء .. لكنها لا تعرف كيف ..!!
لم تتعود ابداً ان تبكي كـ الأطفال وتشتكي .. لطالما أخذت حقها سريعاً وبواسطة لسانها .. لكن الآن كيف تفعلها امام والدها ..!!!
لا تستطيع .. فهو والدها وليس احد ابناء الجيران ..!!
ضحكت بخفة وهي تتخيل كيف يكون شكلها وهي تتعارك مع اباها .. تقسم انها لن تبات ليلتها الا في المقبرة ..
زفرت زفرة ضيق/قهر .. يا إلهي كم هي مشتاقة له ولحنان عيناه ..
لمَ عليه ان يغضب لمجرد انها رفضت رجلاً بغيضاً كـ ذاك الرجل ..!!! ..... لمَ ..!!!
اخذت توبخ نفسها بغيظ ..
أصمتي يا غبية .. فلو كنت بدأتي اعتراضك على "ذاك الفلاح" بهدوء واستخدمتي سياسة الانثى الطبيعية مع والدك كما تستخدمها بالعاده ميره لما غضب وضل غاضباً الى الآن ..
هكذا انتي دوماً يا بلهاء .. تنفعلين بسرعة وتعبرين عن اعتراضك بأسوء الطرق المتخيلة ..!!!
افففففففف ..
حسناً .. يجب ان ارضخ قليلاً واتقمص شخصية القطة السيامية ميرة واذهب لأعتذر إليه بشكل يلين قلبه القاسي ..
.
.
.
.
.
.
.
رفع بساعديه جريدة قديمة رآها على إحدى الطاولات الصغيرة بجانبه .. ثم أخذ يقرأ عناوين الأخبار بشكل سريع منتظراً خروج ابن شقيقه من الحمام ..
قلب الصفحات .. وقلب ..... حتى توقف فجأة عند أحدها قبل ان تشتد قبضة يداه على جانبي الجريدة ..
"محمد بن راشد يمنح سلطان بن ظاعن وسام رئيس مجلس الوزراء في المجال الأمني الإداري المتميز"
رص على شفتيه المغلقتين واسم سلطان بن ظاعن يتخبط امام مقلتيه بسيطرة "تقتل" ..
كيف له ان يقرأ هذا الاسم من غير ان يتذكر "تلك" ...... كيف ..!!!
يعرف تمام المعرفة ان سلطان رجلاً لا يسمح بوقوع الخطأ او التمرغ في الرذائل ..
وان لم يعترف هو "بسمو أخلاق زوج اخته" فلن يكون "رجلاً" ..!!
ولكن ماعرفه من اسرار .. ومخططات شيطانية .. يجبره ان يدع الشيطان يشن حروب البغض في جوفه ..
فهو قبل ان يكون زوجاً ...... هو رجل ..
رجل أصيب بمنتصف شموخ رجولته ..
منتصفهــــا وأعمقهــــا ..!!
أن يعرف ان زوجته كانت مجنونةً بابن عمها هذا يقتل ..
ان يعرف انها خططت بشيطنة صرفة لهدم زواج شقيقته شما قبل سنين هذا يقتل ..
ان تكذب .. وتدعي الحب عليه وتعيشه الوهم سنين طويلة وهو كالمغفل المعتوه هذا يقتل ..
ان .......
ان تقتل بقلبٍ بارد حصاد عشقه وحبه السرمدي لها وتبصقه من رحمها بكل ازدراء انعدمت منه الإنسانية
هذا لا يقتل ..
بل يجعله متصلباً ملفوفاً حول عنقه حبل من مسد فوق جهنم جراح تلظى تحت ارجله "قبل وصول مرحلة القتل" ..
كيف له بعد ان عرف بحقارة ما ارتكبته من افعال بحقه ان يفكر بالحزن عليها ..!!
لم يدع لقلبه المجال كي يحزن .. او يرثي حاله .. بل تحجرت روحه بما فيها من مشاعر بشكل غريب قاسي ..
وابتعد عن كل شيء بقلب تجمد فوق رماد جمر "ينبض" ..
رماد جمر "مازال ينبض" .....
لم يتكلم ولم يسمح لأحد ان يعترض على ما فعله عندما هجر البلاد ايام متجنباً كل البشر .. بل الى الآن لم يعرف أحد ما حصل بينه وبين زوجته ليلة الحادث .. حتى انهم لم يعرفوا بأمر طلاقه وما جرى في تلك الليلة ..
يشعر في باطن نفسه ان تلك الليلة وسم أسود لا يحق لأحد الاحساس بمرارته وقباحة منظره .. غيره هو ..
وليس غيره من سيتجرع حقن المرارة من "صاحبة العلقم" ..!!
قرأ اسم "سلطان بن ظاعن" مرة أخرى بنظرة تنضح علقمية فتكت صفاء ملامحه الجذابة ....
ماذا ارتكبتي أيضاً من أهوال/سفالة يا أنتي ..!!!
وضع الجريدة بجانبه ما ان خرج سيف من الحمام ..... ثم وقف بسرعة وامسك بساعده وقال بصرامة غاضبة: هب قايلك لا اتعب روحك انا بساعدك ..!!!
اعتدل سيف بجلسته مجعداً عيناه شاعراً بالألم يفتك ظهره .. ثم هتف بنبرة خشنة مرهقة: ماحب عميه كم مرة اقولكم .. مااااحب ..
زمجر أحمد بغضب لم يستطع تمالكه: شو ما تحب على كيفك هووو .. لازم تستوعب انك انسان محتاي حد يساعدك ويعاونك .. تحمل وودر عنك العناد والتكبر على الخلق ..
الشلل اللي فيك هب دايم ان شاء الله يعني لو سمحت تكرم علينا بشوية طيبة وصبر يلين ما تردلك عافيتك ..
هب عدوانك نحن يا سيف ..
زفر سيف غيظاً وآثر السكوت والسماح لعمه أن يساعده في تغيير ملابسه وترتيب اغراضه ..
هتف أحمد بحزم ذات معنى بينما هو ينهي ترتيب حقيبة ابن اخيه: خف على حرمتك يا بومايد تراها ما تستاهل ..
التفت سيف بحدة نحو عمه وهتف بنظرة تنضح غضب/شك: سايرة المدام تتشكى عندك ..!!
جلس احمد وأجاب بصرامة باردة: ولو يت عنديه واشتكت شو بتسوي مثلاً ..!!
احتد فم سيف وقال: الحرمة السنعه ما تسير تتشكى للناس وترمسهم عن امورها الخاصة ..
رفع احمد حاجباً واحداً بسخرية باردة وهتف: اول شي انا عمها هب اي واحد من الناس .. ولو سويت ابها شي وما يت وخبرتني يا ويلها منيه .. ثاني شي استريح .. حرمتك سنعة وما يظهر منها المنقود ولا رمست من وراك عن شي يخصكم ..
انا عرفت روحي ..
رمستك معاها وجفاك هب خافي عليه ..
أضاف باستنكار حاد: انت يا ريال ما تباها حتى تزخك ..
امسك سيف هاتفه بشكل منفعل وقال باقتضاب جامد: انت تتوهم يالعم .. ما بينيه وبين بنت اخوك شي ..
رمق احمد سيف من تحت رموشه ثم قال بصرامة بعد صمت وجيز: زين .. ما بينك وبينها شي ..
بس ان يتني يا سيفوه في يوم تتشكى منك ما بوقف واصفقلك ... فاهم ..!!!
.
.
.
.
.
.
.
ليس عليه التفكير بأي شيء الآن سوى بـ كيفية اخبار اهله عن موضوع ابنه ..
قلقه من عدم تقبلهم ابنه ورفضهم احتوائه بقلوبهم يقلقه كثيراً .. غير ان التفكير بردة فعل جده واباه بحد ذاتها تجعله في حالة توتر قصوى ..!!
التفت بخفة لصغيره الذي نام بعد وجبة غداء دسمة اعدها هو شخصياً له ..
ابتسم ساخراً من نفسه بمرح وهمس بخفوت: والله وغديت ابو يا نهيانووه ..
لانت نظرة عيناه بحنان فياض ومال نحو جبهة ابنه وقبّله .. ثم مسد رأسه قبل ان يتنهد بعمق ويفكر ..
حسناً .. يجب ان يخطو وبسرعة أول خطوة ..
أشقائه ..
لن يساعده في هذه المحنة غير اشقائه ..!!
امسك بهاتفه واتصل بـ فلاح ... ما هي الا دقات قصيرة حتى جاء صوت الاخير بحزم ودود: ارحبووا
نهيان: حي ذا الصوت بوعبيد نمبر تو .. العلوووم ..؟!!
فلاح بنفسٍ باسمة: والله علومنا علومن طيبة تسرك ما تضرك بوعبيد نمبر ون ..
نهيان: ههههههههههههههه دوم دوم يا خويه ..
سمع نهيان صياح جده الغاضب المستنكر: فليّح وصل علم لاخوك ان ما ريت زوله اليوم حرام ينيه
اخلي العيره ترقص على ينوبه ..
نهيان بضحكة رنانة: هههههههههههههههههههه فلاح حطه سبيكر برمسه ..
ضحك فلاح هو الآخر ووضعه على وضعية مكبر الصوت ..
ثم هتف نهيان بصوتٍ مرتفع رنان: مررررحبا مررررحباا يا حي لسطااري ..
حي مندوبك ومكتوبك ..
عد ما نسنس هوا الذاري .. او عدد ما جد مندوبك ..
صاح ابا عبيد ببحته الدائمة واتضح من صوته انه يستمتع بشقاوة نهيان الكلامية: اييييييييهاااااااء اسميك يا ولد عبيد لوووووتي وما تنرااااام ..
ضحك نهيان ومعه فلاح بقوة ثم هتف الاخير باستمتاع: كمل كمل نهيان بوعبيد شالنه الهوى ويباك تقندله الراس شوي من قصيد اليمري ..
تابع نهيان ببسمة خبيثة موجهاً حديثه لـ جده: هاااه نهيان الحر.. اليمري شو يقول ..!!
ضرب ابا عبيد عصاته بالارض وقال بعينان لامعتان تتلهفان لـ سلطنة الشعر: يقول يالخضر ذا مسلكٍ جاري
سنّة العشاق سووا بك
كن على الليعات صبّاري .. واحتذر م الواش يسعوا بك
لا تقول انك بك اعزاري .. كاف من مضناك مطلوبك
إنت روحك بايع وشاري .. في الهوى ومسادري هدوبك
للغوا فقه ونحو جاري .. تقدر ترافي فتق ثوبك ..
(سالم الجمري من الشعراء الاماراتيين المخضرمين وله صيت وباع كبير في القصيدة الاماراتية .. والقصيدة السابقة كتبها الجمري رداً على قصيدة لراشد الخضر والذي يعد أيضاً من الشعراء الاماراتيين المخضرمين)
صفّر نهيان بشقاوة وهتف بذات صوته الرنان الآتي من خلف مكبر الصوت: يا ولد روووووح ..
اشهد ان ما فيك حيلة يالحر .. يبتها على العوووووق ..
دنا فلاح من جده وقبّل انفه وقال بابتسامة متسعة: يعلك تسلم يا بوعبيد .. ما شاء الله عليك عدك حافظ القصيد ..
رفع الجد انفه باعتداد رجولي وفخر لا تفارق طلتها جبهته النيرة وقال: هيه نعم شو تتحرونيه انت واخوك ..
عدني انا شباب ما خرفت ..
قال فلاح بذات ابتسامته: انشهد انك شباب واصغر عنا بعد ..
هتف نهيان من وراء المكبر: يديه الغالي ورفجة كل من يستحج الرفجة .. اليوم ما ظنتي بيي البيت .. عنديه شغيلات صغيرونه بخلصهن وبييكم خلاف اذا الله راد ..
رجع ابا عبيد لمزاجه الغاضب وقال: ماشي نهيانوووه ماشي .. ان ما ريتك الليلة في البيت بزوااااالك ..
نهيان برجاء: ورفجة يديه .. لازم اخلص اللي عليه عسب خلاف اييك ونتجابل ونقعد عاده نتسامر بهالقصيد الزين اللي ماشي احسن عنه ..
رفع الجد حاجباً واحداً ثم قال بنبرة خفّت حدتها: يلا دهدييييه خلص شغلك بسرعة ..
نهيان: ان شاااااء الله ..
وضع فلاح الهاتف على الوضعية الاعتيادية ثم سمع نهيان وهو يناديه بنبرة انقلبت للحزم البالغ:
فلاح طلبتك
فلاح بنبرة خبيثة: انا قلت نهيان ما بيتصل في هالقايلة الا اذا يبا حايه ..
نهيان بنفاذ صبر: ياخي قولي تم وخلاص ..
فلاح: هههههههههه تم بوعبيد آمر ..
نهيان: بغيتك انت وحمد ومهاري اتوني شقتيه عقب المغرب ..
.
.
.
.
.
.
.
نزع عن رأسه العقال والغترة قبل ان يخلع ثوبه ويرميه بإهمال على السرير ..
رمى بجسده الطويل على السرير متنهداً تنهيدةً اثقلت كاهله المرهق .. وقبله روحه المرهقة ..!!
أصبحت حياته رتيبة كئيبة مظلمة اللون/البسمة .. لا يعرف ما الخلل الذي جرى في بنيان علاقته بزوجته كي يؤول بهم الحال لهذه الصورة ..!!
يشعر ان الامور تنفلت من بين يديه .. ليس باستطاعته عمل شيء خاصة بعد المواجهة الاخيرة التي حدثت بينهما ..
كانت فيما سبق غاضبةً منه لسبب يجهله .. والآن هو غاضباً منها لسبب هو يعرفه .. وهي كذلك ..!!
الا انه مازال لا يعرف ما كانت نقطة الشرار التي تسببت في كل هذا ..!!
هو يؤمن انها لو اعطته المجال في السابق ليعرف المشكلة ويحلها بطريقته ما كان الآن يشعر بأحاسيس الوحشة والغربة ..
ولكن الآن كيف يستطيع إخماد نار قهره وان يبادر كما يبادر في كل مرة ويذهب ليتفاهم معها ..!!
كيف ..!!
لقد اوحت له منذ المرة الأولى انها لن تلين .. ولن تدع له المجال للتفاهم ..
حك عيناه بإرهاق ثم تنهد وقرر ان يأخذ حماماً طويلاً علّ خفقات قلبه "الضائعة المتخبطة بدون عيناها/شذاها" تهدأ قليلاً ..
.
.
.
.
.
.
.
كانت مع ابنة شقيقها في طريقهما الى ابوظبي .. الى بيت شقيقها محمد رحمه الله ..
كانت ستذهب وحدها لولا قرار موزة الصادم بمرافقتها .. لم تتصور حتى حلمها ان الاخيرة سترضى بدخول ذلك المنزل بعدما جرى من مآسي فيه ..
بغض النظر عن شرطها بأن تظل داخل السيارة ولا تنزل منها .. الا ان ام العنود تعترف في قرارة نفسها انها فرحت كثيراً بمجيئها .. هذا ينبأها ان عقدة ابنة اخيها النفسية قابلة لئن تنفك ..
فقبولها ان تقترب من بيت اهلها دليلٌ قوي على التصارع الحاصل في روحها بين المكوث مصلوبة على حبل ذكريات الماضي وبين المضي قدماً نحن حياة جديدة ومستقبل مشرق ..!!
وهذا بحد ذاته مؤشر جيد ..!!!
استدارت بخفة إليها ورأت كمية التوتر المتجسد على اصابعها المتشابكة ببعضها البعض وركبتاها المهتزتان على وتيرة واحدة مزعجة .. هتفت بابتسامة حنونة:
موزة غناتيه بلاج ..!! ..... خلاص تراج قلتي ما بتحدرين البيت شحقه جيه متروعه ..؟!
اخرجت موزة زفيراً محموماً/ثقيلاً/مختنقاً .. واشرت بيديها باقتضاب: ما فيه شي عموه بس متولهة على شوفة اخويه ..
احتضنت ام العنود كتفها وقالت بنبرة عطوفة: بتشوفينه ان شاء الله وبتشبعين منه بعد ..
امسكت بهاتفها الذي يرن .. ثم رفعته واجابت بنبرة حب أزلية: هلا حارب حبيبي ..
حارب: هلا بج زود الغالية .. داقة عموه ..!!!
اسمحيليه كنت مع رياييل ومارمت ارد ..
ام العنود: لا ما عليه فديتك .. دقيتلك عسب اخبرك لا تيينا العين .. انا واختك في الدرب يايينك بوظبي ..
.
.
.
.
.
.
.
: بالبركه بومييد بالبركه .. وتوك عاده تخبرني ..!!!
ابتسم سلطان لـ حارب وقال بصوت هادئ فخم: الله يبارك في عمرك .. كنت مرتبش وياك وهب مصدق انك الحمدلله رديت النا بالسلامة ..
كرر حارب بمرح: بالبركه يالشيبه وربي يتمملك على خير ..
رمقه سلطان من تحت رموشه وقال: محد شيبه غيرك .. الحمدلله بعدني شباب ..
رد حارب وهو يفتح باب منزله: هههههههههههههههه قرب قرب بومييد ..
أضاف وهو يشعل اضاءات الصالة الواسعة: عاد اسمحليه شيخي .. البيت وصخ محد طاحه من شهور ..
الحينه الاهل يايين وبينظفونه ..
تتبعت نظرات سلطان انحاء المنزل الذي هو بحد ذاته ايقونة جمال بتصميمه الداخلي المبهر الخليط من لون الكاكي القاتم والزهر الفاتح الطفولي ولون الكاكاو الفخم .. كان المكان بأكمله مصمم بوضوح على يد انامل انثوية بحتة ذو ذوق رفيع ..
ولكن كان من الواضح رؤية علامات الهجر الملبدة بغيوم الفقد المريع في المكان .. فوق كل زاوية ... وحول كل قطعة أثاث ..
رد على ما سمعه ببسمة رجولية خفيفة: لا افا عليك بومحمد عادي .. بس هب احسن لو قعدنا خاري في الميلس عسب الحرمات يوم اين ما يتروعن ..!!
حارب: مبوني ساير اييب مفتاح الميلس من الحجرة ..
(مبوني = من الأساس)
أضاف وهو يصعد السلالم بسرعة رشيقة: دقايق بومييد .. ايلس ايلس استريح ..
بدل ان يجلس سلطان .. وجد نفسه ينشد لتصميم البيت الفريد من نوعه .. ورغب برؤية الصالة الداخلية التي تتوسط الغرف السفلية ومكتب ابا حارب ..
لانت نظرة عيناه وهو يلمح على طاولة التلفاز صورة تخص ابا حارب "محمد" وصديقاه الاثنان سعيد ابن خالته وعبيد شقيق زوجته ..
شاهد من قبل هذه الصورة .. وعجز في وقتها حل غموض تقارب هؤلاء الثلاثة الشديد ..
لكل منهم وجه شبه يدله على الآخر .. وكأنهما خرجا من بطن واحد ومن ام واحدة .. غير ان اختلاف ملامح الوجوه بينهم تبعد هذا الظن عن الآخرين ..
ولكنه هو .... سلطان .... لطالما رآى تمازج هؤلاء الثلاثة ببعضهما .. تمازج خصه الرحمن لهم هم فقط ...!!!
لمحت عيناه كتاب اصفر فاتح اللون مكتوب عليه بالخط العريض
"مجموعة احكام المحكمة الاتحادية العليا للنقض الجزائي"
فتح الكتاب واخذ يتصفح بشكل عشوائي ووجد أن محتواها عبارة عن احكام ومرافعات تخص المحكمة العليا واغلب المرافعات كانت برئاسة محمد بن حارب وسعيد بن خويدم وبعض قضاة مرموقي الشأن في أبوظبي ..
تذكر سلطان كيف كان هذان الاثنان بالذات .. محمد وسعيد .. عباقرة في مجالهم .. كانا ثنائيان لهما مكانتهما المعروفة في وسط القضاء ..
حتى ان سمعتهما وصلت لبلدان خليجية وعربية .. عرفا بشكل خاص عبقريتهما في مجال تحليل القضايا الشائكة واحترازهم الشديد لاخراج حكم قضائي عادل لا تشوبه شائبة .. غير ان الاثنان سعيا بشكل خاص وبجهد ان يدربا باتقان وتقنية عالية الاجيال الصاعدة الطامحة لأن تصبح قضاة المستقبل .. وهذا لا يعني ان صديقهما الثالث لم يكن بمستواهم العريق .. وانما عبيد فضل العمل في دبي قريباً من عائلته ورفض عدة مناصب عالية في العاصمة ..
سعيد ومحمد .. عبقرية هذان الاثنان كانت السبب في تهافت اعداء الوطن عليهما ..
رفع رأسه ونظرة عيناه اصبحت كغيمة رمادية قاتمة .. وسبَح في ماضٍ مضى ورحل ..
ماضٍ كان فيه هو المرؤوس وليس الرئيس ..
قبل أربعة سنوات إلا أربعة أشهر تقريباً ..
: سيدي طلبتني ..!!!
رفع ابا حميد رأسه وقال بحزم: هيه سلطان تعال ..
جلس سلطان وقال من تحت حاجباه المعقودان: آمرني سيدي ..
ابتسم ابا حميد باعجاب لـ ابن اخيه سلطان والذي كان منذ بداية عمله صارماً لا يقبل المجادلة ولا الاعوجاج في القوانين .. ولم يزل لسانه ابداً وقال كلمة "عمي": سلطان برمسك شوي عن مهمة موكله اليه وبغيتك اتعرفها لانيه احتمال اسافر عقب شوي في مهمة مستعجلة ومابا الأمور تنفلت من ايديه ..
جلس سلطان وقال بحزم: قول سيدي ..
زم ابا حميد فمه بتفكير وأخذ يضرب بقلمه الفخم طاولة المكتب وكأنه يرغب باستجماع افكاره ليطرحها امام سلطان بشكل مرتب واضح ..
هتف بعد صمت: انت تعرف ان سعيد بن خويدم حالياً يشتغل معانا وداخل بين جماعة بومرشد بالدس عشان ايمعلنا معلومات ضدهم .. صح ..؟!
هز سلطان رأسه بـ اجل .. واضاف بعدها ابا حميد بنبرة حازمة حذرة لكل حرف يخرج من لسانه: سعيد ما شاء الله عليه ما قصر إلين الحينه .. قدر يظهر منهم فضايح وبلاوي ما يعلم بها الا ربك .. من ضمن اللي عرفناه ..
طلعت هالمنظمة تابعة لمنظمة أكبر منها في تركيا يرأسها واحد اسمه ديرفس .. وهذا ديرفس أصله تركي من اب وام اتراك يهود .. ابوه كان عضو سابق في حزب الليكود في الكنيست ..
(الليكود هو الحزب اليهودي اليميني المتطرف)
وامه تقدر تقول كانت من اشهر نساء الأعمال في تل ابيب في هاك الوقت ..
انا اقولك هالمعلومات عسب تعرف الاعداء اللي احتمال كبير تواجههم في المستقبل .
.
هز سلطان رأسه بشكل خفيف جداً وعقله يلتقط المعلومات بنهم ... وقال: كمل سيدي ..
أكمل ابا حميد: وديرفس ترى هب عود .. شاب صغير من عمرك ..
وطبعا في المنظمة اعضاء هب هينين .. انا بعطيك قبل لا تروح ملف كامل عن كل عضو وشو خلفيته وماضيه وشو المهمات الموكلة له ..
سلطان: بس سيدي ممكن تخبرني كيف قدرتوا ادخلون سعيد المنظمة ..؟!!
إلتمعت عينا ابا حميد بمكر وقال بابتسامة فخورة: عيال هالبلاد يا سلطان اسود ما يرضون بالمهانة لوطنهم ..
سعيد هو اللي دق صدره وقال انا روحي بدخل وسطهم وبعرف هم شو يخططون ..
طبعا بتسألني كيف كانت بداية الامر ..
بخبرك ..
تحيد فضيحة وزير الـ.. السابق سهيل الـ.. اللي صارت قبل ثمان شهور .!!!
هز سلطان رأسه بإيجابية وقال: هيه نعم احيد هالسالفة ..
هتف ابا حميد من خلف نظارته الطبية بنظرة حازمة مسيطرة: هالوزير يستوي ولد عم بومرشد ..
رفع سلطان كلتا حاجبيه بـ ذهول وصمت ليدع عمه يكمل حديثه ..
وأضاف الاخير باسترسال: يوم المحكمة وكلت لـ سعيد قضية الوزير .. يته رسايل غريبة منها ابتزاز منها تهديد منها رشاوي عشان يمشي القضية لصالح الوزير وما يحكم ضده بالحبس .. في البداية ما عرف سعيد من منوه توصله هالرسايل .. لكن عقبها عرف يوم اتصلبه بومرشد شخصياً بخطوة جريئة منه .. بالعاده بومرشد ما يطرش الا خمته .. بس مع سعيد بن خويدم اتصلبه هو شخصياً ..
وطبعاً سعيد خبرنا شقايل بومرشد سايسه بالرمسه والكلام الطيب .. وعرض عليه مبلغ وقدره عشان يظهر ولد عمه ..
سعيد ما شاء الله كان ريال فطين ما يمر عليه شي بليا ما يدسدس وراه ..
عرف عقب ما سأل معارفه منو يكون ها بومرشد وشو انتماءاته السياسية .. ولأنيه انا اخو ربيع ابوه ويعرف انا شو اشتغل .. اتصلبي وخبرني باللي صار وياه ..
وزودته انا في المقابل معلومات تخليه يفطن للشي اللي هو بيوايهه .. يفطن لخطورة بومرشد وشو ممكن يسوي ..
طبعاً نحن كنا اساساً ندور عليه نبا نزخه .. ويانا مثل ما تقول على طبق من ذهب .. بس كان ناقصنا الدليل اللي نزخ من خلاله بومرشد من رقبته ..
يوم عرف سعيد ان نحن نبا بومرشد .. قال انا عنديه الحل بس بنجازف بأشيا وايده ..
سألته شو خطتك .. قال انه بيوهمهم انه وافق على الرشوة وبيستلم المبلغ قبل ما يحكم لصالح الوزير .. وطبعا بومرشد يوم بيشوف ان سعيد قبل الرشوة وصار في صفهم .. ما بيفوت فرصة انه يدخل سعيد بنفسه وسطهم ..
وهاللي صار بالضبط ..
حكم سعيد لصالح الوزير وظهره براءة .. طبعاً هذا عقب ما طالبه سعيد بوجود لو دليل واحد لصالحه عسب يلاقي ثغرات ويقدر يظهر حكم البراءة بمعرفته وذكائه .. وحط بعين الاعتبار ان محاكمة الوزرا هب جدام قاضي واحد بس ..
المهم .. ومن ثاااااااني يوم اتصل بومرشد في سعيد وعرض عليه يشتغل معاهم ووافق سعيد ..
في بداية الموضوع ما بغينا نزود سعيد بأجهزة مراقبة وكيمرات عسب ما نواجه زلة وغلطة وينكشف خوينا جدامهم ..
فقرر هو ان يسجل كل شي يسمعه بتلفونه .. هالتلفون خاص بينه وبينا نحن عطيناه اياه ..
طبعاً مرحلة تسجيل الاجتماعات يت عقب ما تغلغل سعيد وسط المنظمة وصار واحد منهم وفيهم ويثقون فيه ..
هتف سلطان بتساؤل: انزين اللي اعرفه ان بوحارب خوي سعيد وولد خالته ويشتغل معاه .. ما عرف باللي يستوي او شك ..؟!
هز ابا حميد رأسه واجاب: لا طبعاً .. شغل سعيد معانا بعيد عن ربعه وهله واي شي شخصي .. ووصيناه ما يخبر حد ولا يلمح لحد انه يشتغل معانا حتى ربعه بوحارب وبونهيان ..
غير ان اصلا اول ما بدت السالفة بوحارب كان مسافر هب في البلاد وبونهيان يشتغل في محاكم دبي هب في بوظبي .. وها سهّل على سعيد شخصياً انه يشتغل مع جماعة بومرشد ومعانا من غير محد يشك فيه ..
وطبعاً مع كم اتصال من ربعنا فوق وتوصيات خاصة .. خففوا على سعيد شغل المحكمة ووكلوا له تدريب القضاة اليدد بس ..
عقد سلطان حاجبيه باستغراب: شو الحكمة ..!!! كان يقدر يزاول عمله وهو يتجسس على جماعة بومرشد .. بالعكس هذا الشي ما بيخلي الناس تشك فيه ..
هز ابا حميد رأسه بالنفي واجاب: الامر هب سهل بالصورة اللي تشوفها .. كان سعيد يومياً من غير مبالغة يحظر اجتماعات بومرشد .. ولا تنسى قضايا البلاد والخلق مسؤولية يتحاسب عليها عند رب العالمين قبل اي حد ثاني ويبالها وقت وتركيز وجهد .. عسب جيه انا روحي قلتله يتم في شغله بس يبتعد كلياً عن اي قضية او مرافعة .. وبجيه محد بيروم يشك فيه ابد ..
تنهد واسند ظهره المتصلب على ظهر كرسيه وأضاف:
والحينه نحن تقريباً نجحنا باللي خططنابه .. لكن حاسين ان جماعة بومرشد بدت تشك في سعيد ..
اسند ساعديه على المكتب وقال بـ نظرة متوجسة: وخويّه بوحارب شاك بعد .. وخبرني سعيد كيف عصب عليه وطلب منه تفسير على اللي سواه في قضية الوزير ..
حاول سعيد يمشي السالفة على ولد خالته ويقوله ان الادلة ما كانت تسد بس بوحارب ماصدق وقال انه الوزير عليه ألف دليل يدينه وبيرد يفتح القضية هو شخصياً ..
سلطان بحزم متسائل: بس اظنتي عقب ما مسك سعيد دلايل ادين بومرشد .. فما فيها شي لو فتح بوحارب مرة ثانية قضية الوزير وينسجن وكلن ياخذ يزاته ..
ابا حميد: لا نحن ما نبا بوحارب يتدخل في هالسالفة .. دام نحن بديناها فـ نحن بننهيها بمعرفتنا .. نحن نحاول قد ما نقدر انظهر سعيد من جماعة بومرشد بأقل خساير ممكنة واهمها نحافظ على روحه .. هالساع بنورط بوحارب ..!!!
ما نقدر انجازف اكثر بـ رياييل اخيار من البلاد يا سلطان ..
تنهد بعمق قبل ان يتابع بحزم بالغ: الحينه وعقب ما عرفت يا سلطان كل شي عن هالمهمة .. بغيتك اول ما اروح تتصل في سعيد وتتواعد معاه في مكان وتاخذ عنه كل التسجيلات الخاصة باجتماعاته مع بومرشد .. هالتسجيلات يا سلطان لازم تكون على مكتبيه اول ما رد سامعني ..!!!
وقف سلطان بتأهب وقال بثقة عالية: تم وصار سيدي ..
جفل بخفة ما ان سمع نداء حارب له: بومييد ..
استدار نحوه بعينان غائمتان من أثر الذكرى وقال: هلا ..
مشى حارب باتجاه سلطان بعد ان وضع كفه الايمن داخل جيبه وقال بابتسامة لم تتجاوز حدود عيناه:
في شو كنت سرحان ..!!!
اجابه سلطان بابتسامة مشابهة وهو يحدق بصورة الأصدقاء الثلاثة: كنت سرحان في هاييل الثلاث ..
حارب: في شو بالضبط ..؟!
تحرك سلطان امام حارب والذي بدوره مشى خلفه حتى وصل محاذاته ثم هتف: تعرف حارب ..؟!
انا أؤمن وايد ولله الحمد ان اللي صار قضاء وقدر .. واللي ربي كاتبنه بيصير بيصير لا شك فيه ..
لكن اعترف ان نحن طحنا في غلطة ..
ابتسم بسخرية وأردف: يعني منو كان يظن ان التسجيلات اللي كانت في ايد سعيد ماهي الا سيدي اغاني بن روغه هههههههههههههههههه
شوف انت المصخرة بس ..!!!
رمقه حارب بنظرة معتمة وقال: وانتو شو كان يعرفكم ان الكلاب كانوا كاشفين عميه سعيد من قبل .. لا انتو ولا عميه سعيد الله يرحمه قصرتوا في شي .. الله هو العالم والشاهد ..
توقف سلطان واسند ظهره على الممر الفاصل بين الصالة الكبيرة والصالة الصغيرة المطلة على الغرف السفلية: بس غلطنا يوم ما قدرنا نحمي سعيد .. خطفوه وعذبوه يلين ما مات ..
الله اعلم كيف تم مفرور عندهم بلا روح يلين ما سلمونا جثته ليلة يوم الوطني ..
احتد فمه حارب بكره حقيقي واشمئزاز من حقارة هؤلاء البشر معدومي الضمير .. لا يستغرب ما فعلوه ..
فهو قد شهد حقارتهم بما فعلوه به وبعائلته ..!!!
اكمل سلطان وعيناه على الخواء: حاولت انا شخصياً ابعد ابوك من قضية الوزير اللي كان ناوي يفتحها .. بس للأسف عقب ما فات الفوت .. وعقب ما طاح بين ايدينهم وسمومهم ..
أكمل حارب جملة سلطان بمرارة علقمية قلبت عيناه لأحمرارٍ شفاف: سمومهم اللي خلت ابويه يذبح امايه بعقل ميت ..
أشر "بعينان غائمتان بسحب مظلمة من الحسرات الدامية" لزاوية في الصالة وهتف: هناك .. بالضبط هناك سلطان ..
استدار سلطان نحو الزاوية وقال بعدها بنظرة جامدة: كانت ضربتين في الراس اويعتنا بشكل ما تتصور ..
في نفس الليلة طاحت علينا جثتين .. جثة سعيد وجثة امك رحمة الله عليهم اجمعين ..
رفع حارب كلتا حاجبيه بسخرية ماردية: هههههههههههه وزيد عليهم جثتين طاحوا عقبهم بسنة
ربت سلطان ظهر حارب الواقف بجانبه وقال بنفسٍ مؤمنة: الرسول عليه الصلاة والسلام قال
حارب: عليه الصلاة والسلام
أكمل سلطان: يقول الله تعالى:
"ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه، إلا الجنة"
احتسب امرك لله يا حارب واحمده صبح وعشية .. ترى كلنا في الاخير مصيرنا التراب ..
زفر حارب حرقة قلبه وقال بخفوت: الحمدلله رب العالمين .. الحمدلله على كل حال ..
ثم رمق سلطان بنظرة تقطر قهراً اوجعت تلابيب قلبه: بس انا ما برتاح إلين ما ترد صورة ابويه نظيفة بعيون الخلايق يميع .. ابويه لا خان هله ولا داره يا سلطان .. ابويه مب خاين ..
إلتمعت عينا سلطان بفخر/اعتزاز عارم وقال: ابوك كان ريال سنافي والنعم به سبعة انعام .. عزيز النفس ما يرضى بالمنقود والفعايل الدنية .. وصدقني مصير حقه يظهر في يوم ..
مصيره بيظهر يا خويه ..
.
.
.
.
.
.
.
خرج سلطان من عنده بعد ان جلس ساعة كاملة معه وحكى له كل شيء حدث معه بالسجن وتناقشا مع بعض الخطوات المهمة الآتية والمستجدات الجارية .. وهو الآن في طريقه الى الباب الخارجي كي يسلم على شقيقته التي رفضت الخروح من السيارة والدخول الى الداخل ..!!!
لا يستطيع لومها .. كيف يلومها وهي من شهدت مصرع والدتها على يد والدها امام عيناها بوحشية تجردت من معاني الاحساس ..!!!!
ابتسم بعاطفة عارمة وهو يقترب من السيارة .. ثم انحنى قليلاً بظهره وهو يفتح الباب هاتفاً بنبرة رجولية رنانة: ويينا لين عنـ..........
قطب حاجبيه باستغراب عندما وجد المقاعد الخلفية فارغة ..!!!
رفع رأسه منادياً السائق بـ صوته الخشن .. ما ان اقترب الاخير حتى سأله بحزم بالغ: موزه وين ..!!
هز السائق كتفيه ورأسه بـ جهل وقال: مافي معلوم سير ..
ربت حارب على كتفه وقال: انزين سر غسّل موتريه ..
رد السائق بـ احترام: ان شاء الله ..
زفر بـ عمق وهو يلتفت ليبحث بعيناه عن شقيقته .. وسرعان ما جفل بـ احساس داهمه كالصاعقة وهو يسمع نحيب خشن سحيق وكأنه خارج من اعمق مكان في الروح .. نحيب غريب/متقطع/أليم ..
اخذ يمشي باتجاه الصوت بـ ارتياب/جزع حتى وصل للباب الخارجي الصغير المؤدي للشارع ..
.
.
.
.
.
.
.
: وين كنتي يااا وصصصصصخه ارمسسسسسي .. ووووين كنتيييييي ..!!!!!
: انااااااا وصصصصصخه يا محمممممممد ...!!!!
اناااا وصصصصصخة !!!!!
حسسسسبي الله ونعمممم الوكيييييل .. حسسسسسبي الله ونعممممم الوكيييييييل ..
: وصصصصخه وستيييييين وصصصصصخه .. ارمسسسسي وين كنتتتتتتتتي .. عند منوووووووه .. شو اسسسسسسمه .. ارمسسسسسسي ولا والله يا نيلووووووووه مووووووتج على ايييييييييدي ..
: يا الرررررردي يا مضيع المرررررررريلة .. لا تظن ان كل خلق الله وصخييييين معربدييييييين شرااااااااااتك ..
انا العرب من اكبرررهم يلين اصغررررهم يحلفوون براااس اللي رباااني على الحشششمه والطهااااره تيي انت تشك فيه وفي اخلااااااااقي ....!!!!
: باباااااااااااااااا خلااااااااااص الله ايخلييييييييييييك خلااااااااااااااص ..
هد امييييييييييه هدهاااااااااااااا ..
: يلعععنـ ..... ويلععععــ......
انا مضيييييع المرررررررررريلة يا بنت الـ ..... يا الـ ..... !!!
قسسسسسسم بالله ماخليييييييج حيييييه قسسسسسسسم بالله ..
:هدهااااااااا بابااااااااااا الله ايخليييييك هدهاااااااااااااا
ابووووووووس ايييييدك هدهااااااااااااا بتمووووووووت ..
حااااااارب ووووووووينك تعااااااااااااال يا حااااااااارب دخيييييييييلك ..
حااااااااااااااااااارب
حااااااااااااااااااااااااارب ..
اخذ جسدها بأكمله يتنفض كانتفاضات شعوبٍ تحوطهم المجازر من كل جانب .. امسكت بجانبي رأسها بقوة وصراخها الأليم "العاجز كـ عجز قلبها عن نسيان مأساتها" لم يتجرأ ويخرج خارج حدود حنجرتها .. لم يتجرأ سوى ببث الرعشات في فكيها/لسانها:
حاااااااااااااااارب .. قوووووله يهدهااااااااااااااا
حااااااااااااااااااااارب
دخيييييييييييلك .. خل يهدهاااااااااااااااااااا ..
بابااااااااااااااااااااا ..
الله يخليييييييييك هدهااااااااااااااااااااااااااا ..
حااااااااااااااااااااارب ...... حااااااااااااااااااااااااااارب ..
لم تعرف ان ندائها المتوسل المختنق كان صامتاً خفيفاً كريشة تطير مع ادراج الرياح العاتية ..
نداء يتيم الصدى .... والرنين .... والكلمات ..!!!!!
نهــــاية الجــــزء الثــــالث والعشــــرون
|