كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجزء العشرون
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الجــــزء العشــــرون
،
ماذا أقول لو جاءت تسألني
أمازلتُ أحبها أم حُبها مات
ماذا أقول وكل الذي في داخلي
من أجلها أصبح شتات
********
أكتب لكِ وأناملي ترتجف
فهل تسمعيني وتلتزمي الإنصات ..!!
كُنتِ كَالربيع في قلبي بل
كـ ليلة عيد تكثرُ فيها البسمات
كم عزفتُ بقيثارة حُبي لكِ
حتى توقفت الحروف والأبجديات
كم حلقتُ بكِ في سماء الحُبّ
وداعب شعركِ الهواء والنسمات
******
عن ماذا أكتب يا مولاتي
ولأجلك تصمت الكلمات
هل تذكري كم كنت رسام ماهر
أرسم لكِ الحُبّ على سطح البحيرات
وأنتِ ماذا قدمتي لي سوى الجروح
كم ناديت ولا أحد يسمع صدى الأصوات
احترت ماذا أقول لكِ وأنتِ
من أهداني تذكرة إلى عالم الأموات ..!!
لـ بشير الشمري
،
الوقت يمضي .. والايام تمر .. وللحظاتنا في هذا الزمن نهاية ..
ليس بيدنا حيلة ان نوقف عقارب الساعة .. ولا ان نأخرها او نسرع خطاها ..
هكذا في الحياة ..
هكذا هي حياتهم "هم" ..
فـ بعد مرور ثلاثة أشهر .. تغيرت حياوات .. تغيرت قناعات .. وتغيرت افكار ومعتقدات ..
وحتى "أنفــــــس" ..!!!
.
.
منطقة سويحان – أبوظبي
عند منتصف ظهيرة يوم الخميس ..
ألبس الصغير المتشوق المنقلة وقال له بحزم دافئ: يلا يا وحش .. راوني كيف بتبرقع الكوس وتشله ..
(المنقلة = هي أداة وقائية لحماية الذراع عند حمل الطير ونقله) (بتبرقع = تغطي عينه)
إلتمعت عينا سلطان "الصغير" بنظرة صقرية تبرق ثقةً وقال مغلظاً صوته كالرجال: افا عليك بومييد شوف شوف ..
تمكن بقلب شجاع من السيطرة على خوفه من منقار الصقر وإلباسه البرقع .. ثم حمله ..
صاح بحماس مسرور: هييييه هيييهه .. يلا بشله وبوديه عند ابويه .. انت قلتليه لو برقعته وشليته روحي بتخليني اوديه الميلس ..
ضحك سلطان الكبير بخفة .. ثم قال بـ ود صافي كـ صفاء طيره "الحر الأبيض": فالك طيب السمي بس شد ذراعك ثجيل عليك ..
صلب سلطان الصغير قامته الصغيرة الضعيفة وركّز قوته بأكملها على ذراعه الأيمن ثم ابتسم ابتسامة واسعة ما ان وضع عمه سلطان طيره "الكوس" عليها ..
وخرجا الأثنان من الملحق المخصص لمقيض الطيور .. ودلفا المجلس الداخلي في المنزل الضخم المبني في زاوية المزرعة ..
كان قد قرر سلطان مسبقاً دعوة الرجال والاصدقاء لمزرعته كي يتنسى لهم قضاء وقت ممتع بعيداً عن مشاغل الدنيا المزدحمة وضوضائية المدن المتخمة بالهواء الفاسد ..
وصل الابن عند ابيه وهو يهتف بـ سعادة عارمة: ابويه برقعت الكوس وشلييته شوووووف ..
عقد بطي حاجبيه بـ غضب طفيف وقال: بومييد شعنه معطي الولد ويه .. الكوس عده يقرنس .. مايستوي اظهرونه خاري .. عن يمرض ولا يستويبه شي ..
(يقرنس = اي يستبدل ريشه الحالي بريش جديد)
لانت عينا سلطان الكبير بـ دفئ: ماعليك بوخويدم .. الكوس ما شاء الله عليه عوده قوي يقهر الحر والعلل ..
هتف ذياب الذي كان يلعب "الكيرم" مع زوج عمته مصبح، وابن عمته ظاعن، وشقيقه حمدان:
اويليه على اليمره يا عرب .. من متى اعديبها المزيونه ..
(من متى اعديبها أي منذ زمن لم ارها ولم اعرف اخبارها)
هتف سلطان بسخرية: هاذيه هناك ويا خوياتها سِر اطالع علومها
ذياب: بسير بسير بس خل اخلص هالدور ..
ثم اردف بتهكم موجهاً حديثه لـ ظاعن: ولد العمه شعنه انت جيه طماع .. صرطت الخمسين مرة وحده ..!!
(صرطت = بلعت) (الخمسين اي القطعة الحمراء في لعبة الكيرم)
ضحك مصبح بـ استمتاع: خلاص واضحه .. ظاعن الفايز ..
حمدان بـ فم مزموم: شو ها غش ..
ظاعن بـ ضحكة ساخرة: هههههههههههه كل من فاااز قلتوا عنه غشاااش .. اقول بس إلقطوا ويوووهكم ..
ضرب مصبح رقبة ابنه من الخلف بـ غضب مصطنع: يا مسود الويه .. ثرني هب مازر عينك يا ظويعن .. انا إلقط ويهي ..!!
تأوه ظاعن بقهقهة متوجعة ثم اقترب من ابيه وقبّل كتفه معتذراً بوجه عابس ضحوك: اسمحليه طويل العمر غلطة مطبعية ..
إلتفت مصبح لـ سلطان الصغير الذي يحمل الطير بسعادة .. وقال بنظرة دافئة لـ سلطان الكبير: ها بومييد .. شعلوم مقناص السنة ..؟!
مسد سلطان الكبير بنعومة على ريش طيره وقال بـ فخر: علوم الخير علنيه افداك .. هالسنة لو الله قال وكتب .. مقناصنا في ليبيا ..
ثم اردف موجهاً حديثه لـ بطي ببسمة خفيفة: خل دغاش على الستاند باي يا بوخويدم ..
رفع بطي حاجب واحد بـ اعتداد واثق: طويل العمر دغاش هالسنة متحولف بالغنايم يميعها من احباره وقطا وظبي ..
هتف حمد الذي كان وراء التلفاز يحاول شبك الاسلاك في بعضها كي يشغل لعبة البلايستيشن: كفو عليه دغاش .. اسميه طيرن طيب وما فيه حيله ..
اخرج رأسه من وراء التلفاز ليقول بخبث باسم: على كم تسومه يا بوخويدم ..؟!
ارتشف بطي قليلاً من فنجان قهوته قبل ان يقول من بين ابتسامته الرجولية: والله ينه طيوريه كلها تفداك وواصله بلا شي يا غير دغاش بالذات ما اساوم عليه ولا ابيع .. اسمحليه ..
حمد بـ تفكه مرح: افاااا يا بوخويدم .. يلا ماعليه كنا نبغي ريل حق الشما لكن ماشي نصيب ..
(شما هي شيهانة حمد "انثى الصقر")
ضحك الرجال بينما ابتسم سلطان ابتسامة سرت بـ باطنها مشاعر كاللهيب ..
شمــــا ..!!!
ما زال للآن وبعد مرور ثلاثة أشهر .. وبالرغم من قرب ليلة زفافهم الذي سيحين بعد عشرة أيام .. لم يتمكن من التأقلم مع حقيقة ان تلك الانثى قد أصبحت زوجته ..!!
وانها حلاله بشكل خالص لا يقبل النقاس بعد عشق تمرغ بلهيب الوجع دام اثنا عشر سنة ...
لم يتمكن للآن من استيعاب حقيقة انه بعد ايام ستغدو في بيته وفي مملكته الخاصة ..!!
شدّ من قبضة يده لاارادياً ما إن تذكر معاناته اليومية طيلة ثلاث أشهر ..
طيلة ثلاث أشهر لا ينام حتى يعيد قراءة الرسالة تلك عشرات المرات ..
عاش أشهراً كالجمرات ...... لن يكذب ويقول انه فحوى الرسالة لم تثر شكوكه ..!!
هو رجل .. ورجلاً عاش المُر فيما مضى والمُر ذاته هو ما جعل من نيران الشك/الكبرياء المخذول يصلان حدهما الأقصى في روحه ....
وزاد الأمر سوءاً بعد ان عرف ان المُرسل هي ابنة عمه "عوشـــــة" ..!!!!
عرف هويتها بعد الحادث فوراً بينما كانت الشرطة تفحص موقع الحادث وأُخرجت اغراضها وحاجياتها من السيارة ..
فلمَ بحق الله عوشة تكذب وتمس شرف عمة أطفالها إذ لم يكن الذي ارسلته "يلامس جانب الصحة" ..!!
غارقٌ هو في دوامات من شكوك مثقلة لا تنتهي .. شكوك ستغدو في يوم من الايام قبر لتعقله ..!!!
غــــاضب .. وعاجـــــز .. ومتخم داخلياً بـ كمية هائلة من البغض، والوجع، والحسرة ..!!!
ولكن وياللغرابة ...... يشعر في أقصى أعماق قلبه المتحسر ...... أن كل هذا مجرد كذب .!!
أجل كذب ..!!
فـ لو كان هناك شيئاً تعلمه من هذه الحياة .. ومن عمله المحفوف بأسلاك الموت ..
فـ هو ان الإنسان لا يقع في قعر مصائب الدنيا الا بسببين ..
لســـانه .. وأذنيــــه ..!!
لسانه الذي يتفوه به بكلمات من الممكن ان تؤدي "بحياة بشر" ..
وأذنيه الذي يسمع بهما كلام الناس "الذي لا ينتهي أبداً" ..!!
تنهد بخفوت لهيبي محاولاً استعادة رباطة جأشه .. فـ هذا الأمر حقاً يثير أقصى مراحل الغضب في جوفه ..
ويثير فيه تساؤلاً يعاد بشكل بغيض ..!!!
"هل فحوى رسالة ابنة عمه صحيح ..!!"
رن في اذنيه صدى كلمات عوشة الاخيرة في تلك الليلة الداكنة ..
سـ سـ سـ سلطـ طـ طـ طـاان ن .. أ أ أ حبـ بـ بـ ك ك ..
أ أ أ حبـ بـ بـك ك ... سـ سـ سـ سلطـ طـاان ن .. أ أ أ حبـ بـ بـ ك ك ..
أنـ نـ ت ..... لـ لـ للي .. أنـ نت ..... لـ للي ...... سـ سـ سلطـ طاانن ..
خرج من فوهة مشاعره الحارقة ما إن سمع حمد يقول له: بومييد شو الراي ..؟!
رفع سلطان رأسه لـ حمد ورد بـ حزم متزن: عيد طوليه بعمرك ما سمعت ..
حمد: كنت اقول حق بطي شو رايكم بكشتة مرتبة للشمالية .. عاده المرة الياية كل الربع يخاوونا ..
وبوزايد اولهم ..
نظر سلطان لـ وجه بطي الذي اعتلى وجهه بسمة شاحبة ليس لها طعم .. وفهم ما يجول بـ خاطر صديقه الآن: نعم انه شورن طيب بوشهاب .. وان شاء الله المرة اليايه مع اليميع .. خل السالفة هاي عليه ..
ما إن انتهى من حديثه حتى سمع الجميع هدير قوي سببه توقف سيارة داخل باحة المنزل ..
اعتدل حمد في جلسته ووقف ... ثم شمر عن ساعديه وقال موجهاً كلامه لـ ذياب: هاذوه فلاح رد من السوق .. ذياب تعال خل نعاونه في اللحم والعيش ..
وقف ذياب وأجاب بـ نبرة رجولية قوية: يلا الخوي ..
استلم فلاح، حمد، وذياب مهمة تجهيز طعام الغداء .. بينما ظل سلطان يعلم "سميّه الصغير" كيفية التعامل مع الطير ..
أما من جانب آخر .. ماج بطي في سحب متراكمة .. مظلمة .. من افكار لا حصر لها ..
أفكار تبداً من زوجته .. ثم لـ شقيقه .. وتنتهي لـ ابن شقيقه ..
فالأولى تركت منزله منذ شهرين ولم ترجع إليه الى الآن .....
والثاني غدت روحه ميتة .. غامضة .. مثقلة بـ كلمات ليس لها بداية .. ولا نهاية لتتكأ على سلم الراحة ..
كانت روحه ليست بـ روح أحمد ..
ليست بـ روحه أبداً ..!!!
أما الأخير .. فـ حالته باتت كـ حال الذي يستجدي العطش ليعطش .. ويستجدي الشقاء ليشقى ..
نعــم ..
سيف كما هذا الوصف تماماً من وجهة نظر بطي ..!!
فـ بعد ان سقط صريع الفراش بعد الحادث الذي اصابه وهو عائدٌ من السعودية .... والذي نتج عنه كسر في فقرات ظهره وشلل في ساقيه ..... أصبح في حال لا يطاق ..!!!
أصبح أكثر وحشية .. وعناداً .. وصعب المراس بدرجة لا يتصورها أحد ..!!
أصبح مثار ومنفعل عند أقل حرف يتفوه بها الناس من حوله .. ليس وكأنه يُظهر انفعاله ..
بل كان يكتم .. ويكتم .. حتى يقع صريع نوبات المرض الكامن فيه من الاساس .. مرض التصلب اللويحي ... والذي ازداد فتكاً بجسده بعد الحادث ..!!
وكتمانه ما يصعب بشدة عملية سير علاجه ..!!
فالطبيب قال ان ثلاث ارباع العلاج نفسي .. ويجب على سيف التعافي من ضيقه والتزود بالإيمان أكثر ..
بإيمانه وعزمه سيتغلب على ما يعانيه .. وسيرجع كما كان وأكثر قوة .. "بإذن الله" ..
: حيّه خوي شماااا .. شعلوووومهم ؟؟
وقف بطي ما ان تلقى ترحيب فلاح الأتي اتجاهه ... وبادله الترحيب بصوت رنان عال: حي ذا الشوف حياااااااه .. مرحبا الساع بـ فلاح بن عبيد .. طيبين ربيه يعافيك ويسلمك .. شحالك انت .. ربك الا بخير وعااااااافيه ..؟!
اقترب منه فلاح وسلم عليه بأنفه وقال: مرحبابك مليوووون ولا يسدن في ذمتيه ..
ما نشكي باس يا الغالي بخير ونعمة ولله الحمد ..
بطي: يعله مديييم ياربيه .. الا اخوك نهيان وين .. شعنه ما لفانا ..؟!
(لفانا = أتانا/زارنا)
فلاح: والله نهيان مسافر .. ساير يهوم في اوروبا هههههههههههههه ..
بطي بنظرة باسمة: والله محد متكيف ومريّح مخه الا اخوك نهيان ههههههههههههه .. الله ايرده بالسلامة ..
فلاح: هههههه هيه والله صدقك .... الله يسلمك ويحفظك من الشر ..
وأردف وهو يوجه حديثه للجميع: يلا برد عند الشباب .. بنخلص من الغدا وبنييكم ..
مصبح بتهكم مرح: شو قصدك .. تتحرانا شواب يا ولد عبيد ..!!!
ضحك فلاح ليقول رافعاً يده اليمنى: لا والله ابد يالعم .. عدك انت وبومييد وبوخويدم شباب ما شاء الله عليكم ..
رفع سلطان حاجباً واحداً بسخرية متسلية ليهتف بعدها بـ ثقة باسمة: ما يحتاي تخبرنا نعرف هالشي ..
.
.
.
.
.
.
.
شاح بوجهه بعيداً عنها قبل ان يهتف بنبرة قاسية غليظة: ردي البيت .. بيحدرون الرياييل عليه الحينه ..
ابتلعت ريقها الجاف بحزن/آسى وانزلت عيناها ببطئ ثم وقفت وقالت: ان شاء الله سيف ..
وقبل ان تخرج .. استدارت إليه وقالت بنبرة حزينة مكسورة: دخيلك تغدى .. انت ما تريقت الصبح ..
ازداد صوته قساوةً وهو ينظر لكل شيء حوله عدا وجه زوجته: هذا شي راجعلي .. يلا سيري ..
لم تتحمل المكوث ثانيةً واحدة امام جلمودية قلب سيف .. استدارت بسرعة وخرجت من الغرفة محاولةً قدر المستطاع ان تكبح نحيبها المتألم ..
ثلاثة أشهر وهي تعاني هذه المرارة .. ثلاثة أشهر وزوجها كالرجل الغريب .. روحه غريبة .. قلبه غدى كالصنديد الملتهب لا يرحم ولا يلين ..
منذ أن أصبح مقعداً والحال فيما بينهما أصبحت على شفا حفرة مرعبة شديدة الارتفاع ..
في السابق كانت تتأقلم بسرعة مع مزاجيته ونفسيته الضيقة التي سرعانَ ما تتغير للأفضل وذلك بسبب اعراض مرضه الاعتيادية .. ولكن الآن أصبح اظلم القلب بشكل جنوني بسبب مرضه وبسبب شلله اثر الحادث الذي حصل له ايضاً ..
أخذت تشهق بخفوت وهي تدعو بقرارة نفسها ان يشفي زوجها ويرجع لعقله الصواب ..
فهي تعبت .. تعبت كثيراً من الجفاء الشاسع بينهما ..
حدّقت بهاتفها الذي يرن من خلف غطاء وجهها وأجابت بعد ان تنحنحت بقوة كي لا يعرف المتصل ببكائها: هلا عموه
شما بقلق: ها العنود بشري .. شحواله اليوم ..؟!
أخذت العنود نفساً قوياً وقالت بنبرة أخرجتها بـ اتزان ثابت قدر المستطاع: الحمدلله بخير لكن ولد اخوج العنيد ما يبا ياكل ..
شما بـ ذهول حانق: شعنه ..!!! هذا يستهبل ..؟!!
هزت العنود رأسها بـ قلة حيلة/خيبة/ضيق: تعبت من كثر ما اقوله وانصحه .. بس ما يسمع الرمسة ..
شما بتساؤل: ظهرت نتايج الفحص الاخير ولا بعده ..!!!
عدلت العنود غطاء رأسها وقالت بنبرة مبحوحة مرهقة: قالوا بالأحد بتظهر النتايج ان شاء الله .. الله يستر عاده ..
ادعيلنا عموه دخيلج ...
شما بقلب صادق متضرع: يالله تشفي الغالي وتقومه النا بالسلامة انت الشافي المعافي ..
ثم تنهدت بعمق قبل ان تسأل باهتمام: الا عيالج وين .. خطفت صوب بيتكم ما ريت حد ..؟!!
العنود: العيال راحوا مع عمهم بطي سويحان جدا عزبة ريلج ..
.
.
.
.
.
.
.
توقفت السيارة أمام بوابة المدرسة الرئيسية ..
فُتح الباب بقوة وهرعت الفتاة باستعجال للداخل .. بينما ظلت شقيقتها في السيارة تنتظر عودة الأولى ..
وبعد دقائق ليست بالطويلة ..
سمعت طرقات قوية على النافذة .... اتسعت عيناها بـ ارتباك مترقب متلهف وانزلت النافذة وهتفت بسرعة:
ها بشري ميروووووه ..
أخذت ميرة تقفز بصراخ متفجر بالسعادة: حصوووه ثلاث وتسعيييين ثلاث وتسعيييييييين ..
اتسعت عينا حصة بـ سعادة مشابهة وهتفت: حلففففففففي .. اشووف اشووووف ..
أخذت حصة ورقة الشهادة من يد ميرة وبدأت تقرأ الدرجات النهائية والمعدل بينما استدارت ميرة حول السيارة وجلست بجانبها ..
ضحكت حصة بذات سعادتها وفخر عارم يعتريها بشقيقتها الصغرى ... وقالت وهي تحتضنها بقوة: في ذمتيه ذمه انج يا ميروووه بيضتي الويه من الخاااااااطر .. اللهم لك الحمد والشكررر ..
ردت ميرة بنظرات تلمع بالدمعات الخفيفة: الحمدلله رب العالمين .. الله ما ضيّع تعبيه طول هالشهور ..
أردفت موجهةً حديثها للسائق: عبدالصمد يلا بسرعة البييييت ..
امسكت بهاتفها الذي يرن معلناً قدوم اتصال من صديقتها الغالية ... واجابت بقلب يخفق ترقباً/بهجةً: مهاااااااااااري بشرينيه عنج ..!!!!
مهرة بدموع لم تستطع كبحها: ميراني يبت سبع وتسعيييييييين .. اللهم لك الحمد .. اللهم لك الحمد ..
صرخت ميرة بـ سرور بالغ: علنيه افداااااااااج والله .. الف الف مبروووووك يا قلببببي ..
ردت مهرة من بين دموعها الرقيقة الشفافة: الله يبارج فييييييج .. وانتي كم ..؟!!
زمت ميرة فمها وهتفت بحزن مصطنع: اسكتي يا ختيه .. راده الحينه البيت واظنتي والله اعلم شي عصا محناية تتريانيه عند الدروازه ..
ضربت مهرة صدرها بـ جزع: ويديييييييه جييييه ..؟!! كم يبتي ميروووووه ..؟!!
ميرة بذات صوتها الحزين المصطنع: آآآآه .. سكتي يا مهاري سكتي دخيل والديج .. يبت ثلاث وتسعين ..
اتسعت عينا مهرة محاولةً استيعاب الرقم بعقلها .... ثم فجأة ..
صرخت حتى كادت تفجر طبلة أذن ميرة ... ثم صاحت بفرحة خليطة من غيظ/ضحك: ههههههههههههه يالحمااااااااااره روعتييييييييني .. والله تحريتج رااااااااسبة ..
ألف ألف ألف مبروك ميرااااااااااااني .. هههههههههههههه والله هب مصدقة .. ميروه تييب ثلاث وتسعييين ..!!!
ضحكت ميرة بفرحة لا توصف .... وقالت بنبرة متعالية مازحة: الله يبارك فيج يا الحب ..
هيه حبيبتي شو تتحريني ..!!!
ميرة بنت عبدالله لا بغت شي تييبه ..
مهرة: ههههههههههههههه فدييييييييت انا ميرة بنت عبدالله .. اشهد انها قدها وقدووووود ..
.
.
.
.
.
.
.
ما إن رأت جدها أمامها ويسألها بـ تلهف حتى ركضت إليه واحتضنته بملأ مافيها من سعادة منتشية وقالت:
يديه نجحت نجحت .. يبت سبع وتسعيييييييين ..
انتفض جدها أبا عبيد بمكانه .. وهتف ببحة ملؤها الذهول والسعادة: يعله في ذمتج ...؟!!
اجابته مهرة بوجه مشرق باسم وهي تقبل رأسه: في ذمتيه الغااااالي في ذمتيه ..
وأردفت بحماس: وبنت عبدالله بن خويدم يابت ثلاث وتسعييين ما شاء الله عليهااا ..
الجد أبا عبيد بعيناي تلألئتا من البهجة/شرح الصدر: اويلاااااااه انا على البنياااااااات .. اسميكن بيضتن الويوووه ..
يعله بالبركه عليكن علنيه افداكن اناااا ...
مهرة من بين نظراتها اللامعة الباسمة: الله يباااارك فيك فديتك ..
وبعد ان اخبرت جدها بمعدلها ... اتصلت مهرة بوالديها اللذان ذهبا لزيارة أحد أقاربهم ... وقذفت على مسامعهم الخبر السار ..
ثم بعد ذلك .. اتصلت بجميع اشقائها عدا نهيان المسافر .. فقد فضلت ان تزف له البشارة على الواتس آب ..
كانت تحادث حمد الذي أخذ يهنئها بقلب ينضح فرحاً صافياً .. و"تلهفاً لم يظهره": مبروووووك الغالية الف الف مبرووووك .. ومنها للأعلى ان شاء الله ..
مهرة بنشوة سعادة فاقت كل المقاييس: الله يبااااارك فيك فديت قلبك ..
تنحنح بخشونة ليسأل بنبرة اخرجها بريئة و"عادية": ها وربيعاتج علومهن .. ربهن الا هب مسودات الويه ؟!!!
قطبت ميرة حاجبيها بخفة وقالت باستغراب: منووووه ..؟!!
كح حمد كاتماً نبرة الارتباك والتلهف في صوته ... وقال بـ عدم مبالاة "ظاهرية": احيدج قبل كنتي مستهمة على نتايج بنات بن خويدم .. ها بيضن الويه شراتج ولااا ..؟!!
اجابت مهرة بادراك طفولي ساذج غير فاطنة لباطن كلمات حمد: هيييييييه تقصد ميروووه .. علنيه افداها الا بيضت الويه يلين ما غدا يصولق شرا القزاز ..
تحرك بارتباك لم يتحمل وقعه على قلبه .... وقال محاولاً السيطرة على نبرات صوته "المأخوذة بالسعادة البالغة": وووكم يابت ما شاء الله ..؟!!
ابتسمت مهره بذات سذاجة ادراكها المحدود واجابت: يابت ما شاء الله ثلاث وتسعييين ..
اتسعت عينا حمد بلمعان يغزوهما وابتسامة جذابة بدأت تسري على كل انحاء ثغره ...
وحمد الله بقلب ممتن ...
فـ هو كان في انتظار هذه اللحظة بفارغ الصبر .. ينتظرها بملأ كل لهفات البشر في الكون ..
رد على شقيقته بنبرة "ظاهرها" هادئ راكد لم يخالطه اي مشاعر تثير الشكوك: ما شاء الله عليكن .. الحمدلله الله ما يضيع تعب اللي درس واجتهد ...
.
.
.
.
.
.
.
ضرب بخفة رجولية باسمة كتف صديقه وقال بتشجيع رنان: شد حيلك يا بومايد وقم النا بالسلامة .. ولا عايبتنك انت يلسة المستشفيات وريحتها اللي تعل الفواااااد ..!!!
لم يستطع الا ان يُخرج ابتسامة صقيعية لم تتجاوز حدود عيناه ... وقال ببحة اشتد فيها شرارات الارهاق النفسي:
لا والله يا بوشامس محد يداني المستشفى ابد .. انت ادعيلي بس الله يفكني منها جريب ..
زفر بقوة وأردف بنبرة ثابتة: الحمدلله رب العالمين ان الله حفظك وحماك من الحادث ولا كنت رحت فيها ..
الحمدلله رب العالمين ..
هتف صديقه محمد بنبرة حازمة: والله ينه هالراس وراعيه يفدونك يا بومايد .. قول الحمدلله واشكره لانه قومك بالسلامة يا الغالي .. وكل شي يهون عقب اهم شي قومتك بالسلامة عنيه هب بلاك ..
تنهد سيف بخفوت .... وقال باقتضاب: اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ..
ثم أردف بابتسامة ساخرة مريرة: يلا شو بنسوي بعد .. اذا مكتوب علينا نعيش باجي عمرنا على كرسي فما نقدر نقول حايه ..
قطب محمد حاجبيه بـ غضب قبل ان يهتف بصرامة شديدة: هذا الشي انت تحدده عقب الله سبحانه .. لا تجدم فال السو قبل وقته يا بومايد هب زين .. الدكتور خبرك ان نتايج الفحص بتظهر الاحد .. ومن النتايج بيحددون لو تروم تسوي العملية ولا ما تروم .. لا تقنط من رحمة الله يا ريااال ..
هز سيف رأسه بإيجابية مشيراً بحركته ان الذي قاله صديقه هو عين الصحة ..
ولكن ..
لا أحد يفهم ما يجول في قلبه وروحه .. لا أحد ..
لن يفهمه أحد حتى يقع بنفسه في عتمة العجز الذي هو فيه ..!!
يشعر بالمختصر انه قُذِف في بئر ليس له نهاية .... أظلم .... شديد الضيق .... يكتم على نفسه حتى ما عاد يشعر بتنفسه الطبيعي ..
ما عاد يشعر ان الكون من حوله يجري او تمر اوقاته ..!!
يشعر فقط بالسقوط .. بالتهاوي المستمر للأسفل ..... للمجهول ذاته ..!!
.
.
.
.
.
.
.
كانت تنتقل كالفراشة الحلوة بين أحظان الجميع وتُجمِع برقة عذبة تبريكاتهم وتهانيهم المغلفة بسعادة بالغة وفخر عارم ..
احتضنت عمتها وقالت بعد ان قبلتها على خدها بقوة مشاكسة: علنيه افدااااااااااج عموتي حبيبتي .. انا ما كنت بييب هالمعدل لولا الله ثم لولاااااج .. ما كنتي تخلينيه الا وانا فاهمة الدروس كلهااا ..
ضحكت شما بينما هتفت حصة بخبث: الا من البزا الزايد والسندويشات وولايم الليل .. طول فترة الامتحانات وانا اشوف بابج مشرع .. صحن حادر وصحن ظاهر .. جنه الا وحدة بتربي هب بتمتحن ..
قرصت ام سيف ذراع حصة بحنق متهكم وقالت: اهب عليج من بنية .. اذكري الله حصوووه .. ما صدقنا البنية افتكت من الغثاااا ونجحت ..
رفعت ميرة انفها بـ تكبر مصطنع وقالت: وااااايه انا من الغيوريييين .. جييه امايه ماكله من حلالج ولا من مالج ..!!!!
حصة بسخرية لطيفة وهي تأشر على عمتها شما: الا ماكله وشاربه على حساب هالمسكييينه .. ما يحلالج البزاا الا عندها .. وهي الله بلاها بقلبن رهيف ما يتحمل .. اللي تطلبينه تسويه فديتهاااا ..
ضحكت شما بقوة هاتفةً بحاجبٍ مرفوع: حصيص الله اكبر عليج مسكينه ومبتليه عاده ...!!!!
وبعدين منو قال عمتها مسكينة .. انا لا ورايه دراسة ولا شغل .. الا هي واعليه عنها من بدا الفصل الأخير وهي شاده حيلها وتدرس .. طاعي ويهها كيف غادي مصوفر وتعبان ..
زمت ميرة فمها باستياء حقيقي: هيه والله عموه .. يبالي شهر كامل تنظيف وعناية بـ بشرتي .. غربل الله المدرسة مصت عافيتيه ..
وأردفت وهي تضرب بخفة رجلها بالارض: المشكله ياخي عرسج عقب كمن يوم وين اروم ارد ويهي شرات قبل ..
اماااااااايه دخيلج عطيني حل والله بصيييييح ..
تصلب كامل جسد شما ما ان ذكرتها ابنة شقيقها بقرب يوم عرسها ..
يا إلهي .. إلى متى ستستمر معاناة قلبها الصغير ..!!
إلى متى ..!!
ترغب بشدة بالهروب من المنزل وعدم العودة بتاتاً حتى ينسى الجميع ان لها زوجاً على هذه الأرض ..!!
أيجب علينا التمسك بالعقل دوماً وعدم الجري وراء جنون الأفلام العربية القديمة ...؟!!
أيجـــــــب ..؟!!!
هتفت ام سيف بنبرة دافئة حنونة: ماعليج امايه .. عدلي رقادج ورديه شرات اول وطاعي كيف بيغدي ويهج غاوي ومضوي ..
هتفت ام سعيد بتهكم وهي تأكل حبة من الرطب: صلوووا صلوووا الصلاة تنور الويه وتخليه ماشي احسن عنه ..
اتسعت عينا ميرة بـ ذهول: وابوووويه يا يدووووه اصلي انااا الحمدلله .. شايفتني كااافرة الله يهداااج ..!!!!
.
.
.
.
.
.
.
بعينان تقطران شحوباً أمات علامات الحياة من وجهها العذب ..... فتحت الستائر في صالة المنزل وجلست نصف جلسة وبدأت تقرأ إحدى الكتب القديمة والتي اخذتها من مكتبة والدها العتيقة ..
رفعت عيناها ببطء قبل ان تعتدل بجلستها ما إن رأت أباها آتياً نحوها ويهتف بـ حزم دافئ: آمنة امايه وينج ..!! من متى ازقرج انا ..
خليتيني اتغدا برويحاتيه اليوم ..
لانت عيناها "المثقلتان بحزن غامض" بطيف ابتسامة فاترة وقالت بهدوء ناعم: آسفة فديتك حقك عليه بس صدق هب مشتهية العيشة ..
(العيشة = الاكل)
تنهد الاب وهو يمسد كتف ابنته الصغيرة، والتي كانت نسخة مصغرة عن الراحلة زوجته رحمها الله، وهتف بـ بحة تمازجت مع الحزن: انتي لو تخبرينيه شو مستوي عليج وشو مخلنج جيه جان بترتاحين يا بنت مديه .. لجنج ساكته ما ترمسين باللي فيج ..
تصلبت نظرات آمنة وقالت باقتضاب جامد: انا هب حابه ارمس بالسالفة ابويه دخيلك ..
حمدت آمنة الله ان الهاتف رن قاطعاً بهذا حديثاً لن يجلب لقلبها الا الآسى .... ردت بنبرة باردة: ألووووو ..
اتسعت عيناها بـ شرارات سعادة لم تذقها منذ زمن طويل: حلللللللللللفي .. الفففف الفففف مبرووووك يا قلبي .. وعقبال ما تتخرجين من الجاااامعة
..
: ههههههههههههههههه خس الله بليسج يا ميرووووه .. علنيه افداج والله ما جذبت يوم قلت انج طالعة على خالتج ذكية ..
..
: هههههههههههههه تف تف تف لا تخافين ما بنظربج بعين ..
..
: ان شاااااء الله .. هاذوه يدج عداليه يباج ..
اعطت الهاتف لأباها وقالت بـ وجه أُضيئ من الحبور: اندوك ابويه هاي ميروه تبا تبشرك ..
هاتف الجد حفيدته "ابنة ابنته الكبرى شريفة" .. وقذف على مسامعها اجمل وأبهى كلمات التبريكات بـ فخر وسرور بالغان ..
بينما رمقت آمنة وجه اباها بابتسامة باهتة .. وأخذت فقط تراقب ملامح وجهه وحروف كلماته المبحوحة ..
آآآآآآه يا أبـــــي ..
ليتنـــي ما زلـــت تـــلك الطفلـــة التــــي كنــــت تدغدغهــــا ما إن تبكـــــي أو تغضــــــب ..!!
ليتنـــــي يا أبــــي .. ليتنـــــي ..!!
شعرت بغصة كبيرة .... حارقة تشعل الوجدان .... غصة واقفةً بخيلاء معتد وسط مكامن التنفس فيها ..
شعرت ان البكاء الذي رافقها كالظل لمدة ثلاث أشهر سيعاود رفقتها "الآن" ..
لذا وقفت بسرعة ودخلت الحمام المرافق للصالة ..... وسرعان ما ارتجفت يداها وهي تقفل ورائها الباب مرتان ...
ثم وبصورة تضج بالمرارة .... وضعت يديها الأثنتين على بطنها وأخذت تنوح نواحاً يصعب وصف مقدار الوجع فيه ..
وجع صافٍ .. صافٍ .. صافٍ ....!!!!
وكما ارتجافة جسدها الضعيف .... همست بارتجاف من بين دموعها الحارقة الغزيرة بألم وصل حد أقصى تلابيب قلبها:
مــا بســــامحك يــا بطــي .. مــا بســــامحك ....
.
.
.
.
.
.
.
العصــــر
نزعت عن رأسها الحجاب وأخذت تهف على وجهها المحتقن المحمر من أثر حرارة الصيف الحارقة:
يالله انك تييرنا من نار جهنم .. الجو اليوم مب طبيعي يا نااااس .. لاهوووووب .. عظامتيه ذابن من الحر
(اللاهوب = الحر الشديد يصاحبه هواء حار جاف)
هتفت شقيقتها بنظرة دافئة عطوفة: واااي حياتي شيخوه .. تعالي تعالي يلسي ..
جلست شيخة بعنف بعد ان نزعت العباءة عنها ورمتها فوق أقرب كرسي امامها: آآآآآه تعبت والله ..
أوه صح .. سلام عليج الروض ...
ضحكت روضة بـ خفة وقالت: توه الناس .. وعليج السلام والرحمة .. ها خبريني سلّمتي الفاينل بروجكت ..؟!!
هزت شيخة رأسها بإيجابية .. واجابت بنبرة تخللها الارهاق الجسدي التام: هيه سلمته اخيراً ما بغييييييت .. اففففف .. هالكورس مر عليه شرا الدهر الله وكيلج .. الحمدلله افتكيت من سقم البروجكتات ومجابل ويوه الدكاترة ..
قالت روضة بنظرة دافئة: يلا الحمدلله .. ومتى عاده بتظهر النتايج ..؟!
هزت شيخة كتفها الأيمن وقالت: والله ماعرف بس مريوم وخولوه ربيعاتيه خبرنّي ان اغلب الظن بتظهر عقب اسبوعين ..
عاده انا شو قلت .. بالاحد هذا بخطف الجامعة بخلص من اجراءت التخرج وتوقيع الاوراق اللازمة عقب بخطف صوب العميد وبشوف لو يروم يظهرلي علاماتي قبل ولا ..
هزت روضة رأسها وقالت: هيييه زين عيل .. يلا عاده نبا امتياز ولا ماشي سفر هالسنة ...
زمت شيخة فمها باستياء: لا عاد رواضي نحن متفجين نسافر ان يبت امتياز ولا جيد جداً .. بنتحر لو ما سافرت هالصيف ..
روضة بحاجبٍ مرفوع: من رمستج هاي ما ظنتي بتظوويلنا معدل يرزى نسفرج ههههههههههههههههه ...
رفعت شيخة ذقنها بـ ثقة بالغة: لا فديتج بتشوفين .. انا الحمدلله واثقة ان معدليه ما بيقل عن ثلاث ان شاء الله .. انتي زهبي التذاكر وماااعليج ..
روضة: هههههههههههه زين زين ان شاء الله .. يلا سيري بدلي وتعالي تغدي ..
نهضت شيخة وهي تقول: ان شاء الله ..
كانت تبتسم بشكل لاإرادي وهي ذاهبةٌ لغرفتها .. مشاعرها التي تعتريها تجعلها كالطير الذي تحرر للتو من قفصه ..
كم كانت تنتظر هذه اللحظة بفراغ الصبر .. خمس سنوات عاشتها في دراسة وتعب مضني مستمر .. والحمدلله انها شهدت اليوم تسليمها لآخر عمل تنجزه في الجامعة ..
تعترف انه آخر ثلاثة أشهر كانت أشهراً فارقةً في حياتها .. العلمية والعملية ..
من الناحية الدراسية والتي زادت ضغطاً وصعوبة .. ومن الناحية الروحية "العاطفية" ..!!
دخلت غرفتها التي كانت توصف وكأنها غرفة "طفلة صغيرة بكل معنى الكلمة" .. فالطابع الغالب عليه هو الرسومات الكرتونية وألوان الزهر والورود فاتحة اللون ..
قفزت بغنج فطري على سريرها الناعم قبل ان تمسك الدبدوب الوردي ذو الملمس الجميل الناعم ..
وتذكرت بابتسامة رست فوق محياها بخفوت اليوم الذي اهدته لها تلك الطفلة هذا الدبدوب ..
اليوم الذي جمعتها بـ "ذلك" ..
مرغت وجهها في حظن الدبدوب راغبةً أن تستمد منه بعض شعور الدفئ والطمأنينة ..
ثلاث أشهر مرت منذ ان غاب عنها ذلك الشعور اللذيذ بالطمأنينة ..
شعور طمأنينة الروح ..
وشعور سكينة الوجدان ..
كانت تظن فيما مضى انها مشاعر سترحل عن قلبها بلا تحسر وآسى .. ولكنها اخطأت ..
فإذ طلبوا منها الآن الاختيار بين تحقيق أمنيتها الكبيرة الأبدية في الحياة وبين دقيقة لتعيش الذي عاشته ما ان لمحت "ذلك" ..
ستختار الخيار الثاني لا محالة ..!!
أجـــل ..
مشاعرها الغريبة التي انخلقت بمجرد رؤية ذلك الطبيب هي ما ستختارها لتتذوق فقط سكرها الشهي ..
آآآآآه ..
تشعر بأنها كـ طفل فقد والده مرتين .. تشعر بالوحدة .. وبالظمأ القاتل للإحتواء ..!!
ليست مجنونة كي تبكي على رحيل رجل لم تحادثه سوى كلمات معدودة .. ولكنها عاقلة كثيراً لتدرك ان رحيله لن يُنسى بسهولة ..!!
وإنه كـ رجل .. وكـ عبق رجولي فتاك .. سيصعب عليها نسيان لمعان الجاذبية/الطيبة/الإثارة في مقلتي عينه البنيتان ..!!
حسناً يا شيخة ..
اخرجي من دوامة الكآبة هذه وانسي .. فالحياة مستمرة وعلينا ان نمضي بها دون ان نلتفت للذي يضيق عليه نفوسنا ..
أليست هذه مقولة القرصان سلفر ..!!
وتستمــــر الحيــــــاة ..!!!
همست وهي تقفز بطفولية رشيقة محركةً سبابتها بشكل دائري في الهواء الخاوي: وتستمر الحياااة وتستمر الحيااااااة ..
.
.
.
.
.
.
.
كان يأمر الخدم بتنظيف جميع غرف منزله في المزرعة الآن ... لأن الجميع سيبيت الليلة في المكان ..
بصوت حازم هادئ قال: عبدالرحيم اول نظف حجرة العيال عقب الكباريه زين ..؟؟
هز عبدالرحيم رأسه بـ حسناً وقال: جين سير
رمقه من تحت رموشه محذراً اياه بنبرة أكثر حزماً: نظّف زين يا عبدالرحيم ..
استدار ليخرج ولكنه استدار عائداً للخادم متذكراً امر ما: هيه ولا تنسى تبدل الفرش واللحف .. اظنتي صارلهن فترة ما تغسلن صح ؟؟
رمقه الخادم نظرة خائفة وقال بتردد: أ أ أ لا بابا يئني من واهد شهر ..
رفع حاجباً واحداً وقال بسخرية لاذعة: واهد شهر هااه !! لا والله فالح يا عبدالرحيم ..
أمر بـ نبرة خشنة لم يتعمدها وهو يحرك يديه بخفة: يلا يلا انقفظ وسِر ييب دواشق وبرانيص ايديده ..
(دواشق جمع دوشق وهو الفراش الذي ينام الشحص عليه ... برانيص جمع برنوص = اللحاف)
رمى أمره على الخادم وخرج متوجهاً للرجال ... ولكنه توقف ما إن اتته المكالمة "التي انتظرها منذ فترة طويلة"
رفع هاتفه قائلاً بـ صوت غليظ تخلله ترقب/لهفة: ها بشرني شو صار ..؟!!
: اتصلت بك عسب اخبرك انيه عقب ساعة بإذن الله بتحرك .. دعواتك يا بومييد ..
اخرج سلطان زفير قوي تخلله قلق "لم يظهره ابداً" وقال: يعل فالك التوفييييج ياربيه .. هالله هالله بعمرك ..
وقبل لا تخطي اي خطوة سم بالرحمن وقول "وجعلنا من بين ايديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون" وتوكل على رب العالمين وصدقني الله بيعمي عيونهم وقلوبهم هالانذال عنكم ..
هز الرجل رأسها بإيمان كامن وهتف: والنعم بالله .. انا ان شاء الله اول ما اخلص من المهمة بعطيك العلم ..
مع السلامة ..
سلطان: مع السلامة وعسى الرحمن يحفظكم من كل شر وسو ..
.
.
.
.
.
.
.
أن تعيش حياة ملؤها الصقيع والبسمة المعدومة أمر ..
وأن تعيش القهر والحسرة المثقلة بدماء الكره الصافي هو أمرٌ آخر ..
غير ان كنت تعيش كالموتى بقلب حُطِّم تفاصيله الجميلة بكل وحشية هذا أمرٌ تجاوز بمرارة وجلمودية معانيه كل الأمور الأخرى ..!!!
منذ تلك الليلة المشؤومة والنيران تصطلي جوفه كـ جهنم لاظية ..
منذ ان رحلت "تلك" والبسمة قد هجرت مساكن مبسمه الرجولي .. هاجرته حتى غدا مبسمه كقرية نائية وسط صحراء يتراقص جوها السرابي من حرارة الحسرة/الحقد/القهر ..
كيف السبيل لابتسامة اندثرت تحت الثرى مع التي سحقتها بيديها النمرودتين بكل خبث الشيطان ذاته ..!!
كيـــــف ..!!!
اجاب ابنه الكبير بـ برود ميت "جاف": قلتلك لا ..
حاول ابنه المصدوم ان لا يبكي .. ولكنه حقاً يرغب بشدة بالبكاء ..
قال محاولاً اقناع اباه للمرة الأخيرة: ابويه انت من زمان قلتليه لو يه الصيف بتخليني انا وسعيد
نسير المخيم الصيفي في بوظبي ..
أحمد بذات جفاف صوته الميت: وانا الحينه اقولك لا يا زايد .. انتهى النقاش ..
انزل زايد رأسه وقال بـ نبرة تتقطع حزناً وألماً: ان شاء الله ..
استدار ليخرج ... ولكنه توقف بتردد وقال لأبيه بخوف يعلو ناظريه: ابويه .. أ أ أ هذا ..
خالوه حنان اتصلت وقالت تعال انت واخوك عندنا اليوم ..
لم يرفع أحمد عيناه عن الكتاب الذي يقرأه وقال بنبرة خشنة حادة "متزنة النبرات": هب على كيفها خالتك .. يوم اقولكم انا سيروا هاذيج الساعه بتسيرون ..
ويلا توكل خلني اقرا على راحتيه ..
خرج الابن من غرفة والده منكوس الراس مكسور الخاطر شاعراً ان الدنيا خلت امام ناظريه من كل البشر ..
والدته رحلت .. ووالده الذي من الضروري ان يحتويه هو وشقيقه بكل عنفوان عاطفي حنون ... اصبح كالجبل الصنديدي يعجز نهائياً عن جبر قلوبهم المكسورة برحيل والدتهم عنهم ..
كان يمشي ولا يشعر بعيناه الحمراوان المغرورقتان بالدموع .. ولم يتوقف الا عندما سمع جدته تقول له باستغراب: زاااايد ..!!!
انت ما سرت ويه عيال عمك سويحان ..؟!!
هز زايد رأسه بخيبة .. وقال بصوت يهتز ضيقاً: ابويه ما طاع .. قال تم انت وخوك في البيت ..
احتد فم ام سعيد بغضب .. فـ على ما يبدو ان هذا الأحمد لن يترك تصرفاته القاسية "غير المفهومة" اتجاه أبنائه ..
هتفت بنبرة حادة مبحوحة وهي توجه حديثها لابنتها التي اطلت عليهم: طاعي اخوج اللي ما يخاف الله شو يسوي بعياله .. انا سرت ويه ابوج بيت خالج حريز .. لو انيه هنيه ودريت انه ما بيطيع يخلي عياله يسيرون ويه عمهم بطي وعياله سويحان جان والله ما سكت ..
ربتت شما على كتف والدتها لتهدئه انفعالها .. وقالت بنظرة تمتلئ آسى شفاف على حال شقيقها وابناءه: امايه هدي فديتج .. تعرفين ان احمد بعده مستويع من فراق حرمته وهب واعي بأي شي يسويه وايقوله .. ماعليه لازم نصبر عليه هي فترة وتعدي ان شاء الله ..
هزت ام سعيد رأسها يمنةً ويسرة .. وقالت ببحة عميقة تخللها الحزن/الحسرة: لا حول ولا قوة الا بالله .. الله يصبرك يا ولديه ويمسح على قلبك .. هاي الدنيا محدن دايم فيها ..
الله يرحمج ويغفرلج يا عوشة ..
ذهبت وهي تتمتم بالأدعية المأثورة .. بينما انحنت شما بجسدها لتقول لـ زايد بنظرة تبرق وعيداً خالصاً من المتعة: وشرايك انزين بطلعة محترمة لا صارت ولا استوت .. حقك انت وسعودي بسسسسس ..
هتف زايد بذات عيناه الحزينتان: كنت ابا اسير المخيم الصيفي في بوظبي بس ابويه ما طاع بعد .. مع انه واعدنا انا وسعيد من زمان انه يدخلنا هالمخيم ..
اتسعت عينا شما بـ ذهول: بعد ما طاع تسيرون المخيم ..!!!
هز زايد رأسه بـ خيبة وغمغم: حتى يوم قلتله خالوه حنان تبانا نبات عندهم ما طاع ..
عقدت شما حاجبيها بـ غضب ثم قالت بحزم بالغ: ماعليه خل السالفة عليه .. انت سِر الحينه إلعب مع اخوك وانا برمس ابوك ..
ذهب زايد لتقف شما على رجليها قبل ان تزفر بحنق شديد مكسو بالقلق الحقيقي على حال شقيقها الغريب .. فالذي يجري له ليس بالطبيعي ابداً ..!!
فإذا كان حزين على زوجته .. فهذا لا يعطيه الحق ان يترك اطفاله يتشقلبون في دوامة حزنه ايضاً .. !!!!
طرقت الباب بنعومة ثم دخلت ما ان سمعت الاذن "المتسم بالخشونة الجامدة" بالدخول ..
لم تستطع احتمال لسعة شرارات الحسرة والضيق وهي ترى تغير شكل شقيقها الكبير ..
كان مازال جالساً بـ ثوبه الابيض مشمراً ساعديه بشكل فوضوي .. ولحيته النامية تنبأ عن كمية اللامبالاة/الاهمال الجارية في كيان هذا الرجل ..
عيناه اللتان كانتا كـ نجمتان تتلألآن في السماء الصافية غدتا الآن منطفئتا الوهج ويصعب تفسير كمية القسوة التي تعلوهما بضراوة ..
يكاد الاحمرار الذي فيهما ان يجرف كامل جسده "الذي ضعف بشكل حقيقي واضح" في سيل هائج من الدم الحار ..!!!
كانت هيئته تُرثي الحال وتُبكي ..!!
تُبكي بحق ..!!
هتفت بعد ان تحنحنت برقة: أحمد عادي ايلس وياك شوي ..؟!!
رفع أحمد عيناه وقال بنبرة مقتضبة جامدة: شو تبين شما ..؟!
ابتسمت شما ابتسامة جميلة وقالت: احمد الله يهداك لو بتم ترمسنيه جيه بشرد من الروع ..
وبفعل السحر ... لانت ملامح احمد ما إن رآى ابتسامة شقيقته الصغيرة ... وتنحنح بقوة شديدة واعتدل بجلسته .. وقال:
حياج تعالي ..
اتسعت ابتسامة شما والتي حمدت الله بداخلها انها استطاعت ان تلين قلب شقيقها ... ثم جلست وقالت بهدوء ناعم:
انا ابا ارمسك في شي ..
وقبل ان تُكمل حديثها، امسكت رأس شقيقها وقبلت أعلى جبهته .. ثم قالت: يا غير والله ثم والله ماباك تزعل ولا تضايج .. ان ضجت تضيج دنيايه كلها يا خويه ..
عقد احمد حاجبيه مخمناً بعض فحوى الكلام الذي ستتفوه به شما .. ولكنه قال ببرود قاتل: شو اللي في خاطرج شما ..!!!
جلست شما قِبالته .. وقالت بنبرة اخرجتها بشكل مباشر شجاع: الحق يا خويه ما ينزعل منه .. انت لو منعت عيالك انهم يسيرون مع عمهم مكان ولا يسيرون مخيمات او كشتات فهذا شي محد يروح ينقاشك فيه لأنهم عيالك وانت ادرى ابهم وبمصلحتهم .. لجنك يا بوزايد تبا تمنعهم عن اهلهم بعد .. وهذا والله محد يرضى به ..
لو انا غلطانة في رمستيه يا احمد خبرني ..!!
شاح احمد بعيناه عن شقيقته وقالت بحدة قاسية: ما منعت عياليه عن حد ..
هتفت شما بنبرة واثقة قوية: لا امبلى .. شعنه عيل هب مخلي زايد واخوه يسيرون بوظبي يباتون عند يدهم ..؟!!
اجابها ببرود صقيعي بالغ: لانهم الاسبوع اللي طاف باتوا عندهم ..
قطبت شما حاجبيها باستنكار: يا احمد لا تنسى ان بنتهم ما صارلها فترة متوفية .. ما يبون العيال الا عشان انهم من ريحتها الله يرحمها .. ما يوز يا احمد تحرمهم من العيال ..
وأردفت محاولةً اقناعه باللين والمنطق: لو زايد وسعيد عندهم مدارس بنقول ماعليه هم يداومون ووراهم مذاكرة وامتحانات .. بس الحينه صيف واجازة .. لو ما ساروا بيت يدهم يباتون في الاجازة متى بيسيرون ..!! خبرني ..!!
غير ان مثل ما قلتلك انا .. بيت يدهم واعليه عنهم فاقدين بنتهم .. يبون يشمون ريحتها في هالاثنينه الله يحفظهم من الشر ..
اخرج انفاسه اللهيبية الحارقة من أنفه وقال من بين نظراته الجامدة: الحينه شو المطلوب منيه ..؟!
هتفت شما باصرار قوي: ما بغيت منك الا انك ما تكسر بـ خاطر هاليتامى .. والله انه حالتهم تغمض يا أحمد .. ماريت مساعه جيف زايد يتراقل من الضيج وقابض صيحته ..
صمت لثواني غير محسوبة اللحظات .. ثم قال بعد ان هز رأسه باقتضاب: زين خلاص يصير خير ..
شما بابتسامة بدأت تخرج للعيان: يعني اقولهم يزهبون شنطهم ..!!!
هتف احمد بنبرة باردة قاسية غير قابلة للنقاش: يومين بس ..
وباجر بوديهم هب اليوم ..
.
.
.
.
.
.
.
امسكها بقوة من شعرها مزمجراً بغلظة اختلطت معها رائحة الخمر الكريهة البغيضة كـ بغض عيناه الحمراوان المرعبان: لك انتي مجنووووووني ..؟!!
كيف بتخليه ياخود الصبي هيك من غير ولا فرنك آآآآ ..!!!!
أخذت تصرخ بـ ألم حقيقي وجرح ماكن في فؤادها لن يندمل .. فهي كانت تعتقد بسذاجة وغباء ان هذا الرجل يحبها وانه احتواها وتزوجها بعد طلاقها السابق لأنه يحبها لذاتها وليس انانيةً وطمعاً بالمال بتاتاً ..
ندمت ندماً شديداً انها هربت بحملها مع هذا الوغد لكي تبتعد وتنجو بحياتها "المتحررة" مِن مَن كان زوجها .. !!
نهيـــــان ..!!
لم تكن تعرف انها بنهاية المطاف ستنتهي حاملةً بين يديها طفل وحاملةً على ظهرها عبأ وهم ابن خالتها الذي وضعهم باستهتاره وطيشه في حالة مادية تحت الصفر .. فلو كانت تعرف هذا ما كانت لتتفق معه على الهرب من نهيان ولا اللجوء إليه منذ البداية ..
لم تكن تعرف حقيقة هذا الوغد .. لم تكن تعرف ..!!
يالله ارحمني وانتشلني من نتانة الحياة مع "هذا" ..
صاحت بحدة متوجعة لأقصى حد وهي ترجوه من بين دموعها الغزيرة: مراااااااد .. لك اتركني يا زلمي شباااااااك .. ئلتلك ما ئدرت واللهي ما ئدررررت .. ما بعرف مين ابن الـ... اللي خبروا اني اجوزتااااااك ..
كرر زوجها مراد زمجرته المُرعبة قائلاً بغضب ناري: لك كيف ما بتعرفي يا ......
جوازنا ما كان موسّئ شو بيعرفوا لهداك الـ ... انك مجوزي الا ازا انتي حكيتيلوووو ..
(موسّئ = موثق)
أردف بجنون ماردي والسكرة قد أعمت عقله كلياً عن التفكير: حنيتي للحب الئديم يا ميسوون ...!!
بديك ترجعيلو وتستفردي بمصاريه كلياتااا أليييك ..!!!
آآآآآآآ ..؟!!!
لك احكي شبيك خرستييي ..!!!
احتد فمه وصرخ بكل جبروت شيطاني مردفاً: ما اتفئنا انا وياكي انك تكزبي عليه وترجعيلو كرمال بس ناخود منو هالغبي كم ألف ونفل ومعنا كرم ...؟!!
كيف بتسمحيلو ياخود الصبي ئبل ما نكفي الئصة آآآ ..؟!!!
كانت تبكي ولهاثها القوي من أثر الضرب يخرج بسرعة من أنفها ومجرى تنفسها ..
قالت بنبرة مرتجفة متوجعة باكية: لك والله والله ما ئلتلوا شي يا مرااااااد والله .. وكرم ابنوووو كان لازم تعرف من ئبل انو ما راح يتنازل عنو وعن حضانتوووو ..
ئلتلك من ئبل انو نهيان ئوي وعنيد ومحدن يئدر يضحك عليه بسهولي بس انته ما بتعمول الا اللي براسك ..
آآآآآخ لك اتركني خلصصصص ..
ترك مراد شعرها قبل ان يدفعها بقوة لتسقط على وجهها في الأرض ... وقال بغضبه المقهور العاتي وهو ينحني بجسده نحوها: اسمعيني منيح يا بنت الـ ...
بدي مصااااااااري .. كيف وايمتين ما بعريييف ..!!! بدددي مصاري بـ أأرب وئت فهمتيييي ..!!!!
دفع بوحشية وجهها الى الخلف وزمجر باحتقار شديد: يلعن الساعة اللي اجوزتك فيا يا وج النحسسس ...
ثم وقف وامسك بـ باب الشقة الصغيرة واغلقه بعنف عاصف اهتر معها جدرانه المُهترئة تاركاً خلفه انثى تبكي من حسرتها على حياة لم تجلب لها سوى القهر والآسى وابن جميل بريء لا يستحق ان تكون هي امه ..
حياةً بغيضة هي من جلبتها لذاتها ولأبنها المسكين ..
هي السبب ..... هي وليس مراد او غيره .. هــــي ..!!!
وسيزداد أساها وآسى ابنها لو اكملت ما يخطط له هذا المراد الحقير ..
لهذا ستحرص على انهاء هذه المهزلة قريباً .. وستنسى ما فعله بها نهيان وستمحو من عقلها خطة انتقامها منه بسبب اذلاله لها واهاناته ...... لأنها ويالسخرية .. اكتشفت متأخراً كم كان هو على حق فيما فعله ..!!!
فأي رجل في هذا العالم كان سينتقم منها بطريقة اشد مما أقدم عليه نهيان .. اشد بكثير من الفقر وإلباسهم قضايا سياسية ترغمهم على العودة لبلادهم بـ رأس منكوس مذلول حتى النخاع ..!!
وقفت بكل ما فيها من قوة مهتزة مندثرة .... واقتربت من الغرفة الصغيرة المغلقة بإحكام .... ثم امسكت بالمفتاح الذي خبأته تحت السجاد وفتحت الباب ليخرج من خلفه ابنها الذي كان يبكي بشدة ..
احتضنته بشدة بعد ان علمت انه ارتعب من الظلمة والصراخ .... وقالت له مهدئةً ارتجافاته الصغيرة: حبيبي كـر.....
آ آ آ بئصود عبيد .. حبيبي خلص الرجال فل ما رح يرجع .. خلص يا روح مامي كفي بكي ..
اخذت تمسح دموع ابنها وتتأمل بحزن شديد عيناه السوداوان المأخوذتان بشكل رباني متقن من عينا والده ..
ياللعجب .. الآن فقط رأت كم ابنها يشبه اباه .. الآن فقط تلمح بعيناها الزرقاوان هالة البداوة الاصيلة الناضحة من تقاطيع وجهه الصغير ..
دق قلبها بشراسة وهي تسترجع بباطن قلبها أجمل ايامها مع نهيان ..
ايامٌ كانت جميلة .. ورائعة كـ روعة محبوبها الطيب ..
لا ..
ابتسمت بسخرية مريرة متفجرة بالندم والحسرة ..
بل محبوبها الذي كان "طيباً" ..!!
امسكت وجه صغيرها بـ عينان دامعتان وقالت بنبرة مؤلمة موجوعة بسبب فراقه الذي بات قريباً ووشيكاً: عبيد .. بدي ئلك شي حبيبي ..
رمقها عبيد ببراءة وعقله يحاول استيعاب اسمه الجديد .. فكما وعد نهيان فيما مضى .. فإن تأكد من صحة ابوته للطفل ... فإن اول شيئاً سيفعله هو تغيير اسمه ..
وعندما ظهرت نتائج الفحص وتأكد .. غيّر اسم ابنه في الحال وسماه عبيد .. على والده الحبيب .. وكان هذا طبعاً بعد الانتهاء من إجراءات المحاكم وفعل ما يتطلب الامر كي ينسب الولد إليه رسمياً وقانونياً ...
ابتسمت عينا ميسون الشفافتان من الدموع وقالت: انته بتحب بابي نهيان ..؟!!
هتف الصغير بعينان تتفجران حب وسعادة لا توصفان: اي مامي بحبو كتير كتير لـ بابي ..
ضحكت ميسون وقالت وهي تضع اصبعها الرقيق على فمه: اشششش حبيبي .. خلص بدنا نحكي متل البابا من يوم ورايح اي ..؟!
انته مش لبناني انته اماراتي ..؟!
بيّك نهيان مش مراد ..
زم الطفل فمه بحنق طفولي متقبلاً بعد ثلاث اشهر من العيش مع نهيان في شقته حقيقة ان الأخير هو والده الحقيقي وليس ذلك المراد الذي كان يضربه ويبغض المكوث معه دقيقة واحدة في المكان ذاته ...
ثم قال بتذمر رقيق: مامي حكيات بابي صعبين كتير ..
امسكت ميسون وجه ابنها وقبلته على جبهته قبل ان تقول بحنان بالغ: مع الوئت رح تعرف حكياتو وتفهما ..
أكملت بـ توتر وخوف وهي تمسد شعره الاسود الغليظ: عبيد .. مامي رح تسافر لشي كم شهر وترجع هون تـ شوفك .. انته رح اضل مع بابي نهيان اي حبيبي ..؟!
جعد الولد عيناه بذعر طفولي هاتفاً بصوت شبه باكي: بدي روح معيك مامي بدي روووح ..
احتضنت ابنها بقوة وقالت بنبرة حماسية "مصطنعة": وبنخلي بابي لوحدو هووون ..!!! انته ما حكيت ئبل شوي انك بتحبو كتير ..؟!
هز عبيد رأسه بـ إيجابية .. وفمه المزموم المتبرم هو ما يتحرك: اي بحبو كتير وهوي بيلعب كل يوم معي وبيحكيلي ئصص تـ نام انا وياه ..
اخفت ميسون صدمتها مما يفعله نهيان ..
لم تكن تعرف ان طيف طيبته القديمة ستخرج للعيان امام ابنه ..!!
لم تكن تعرف ان مشاعر الابوة ستتفجر بداخل نهيان مع ابنه ..!!
ليس بعد ما فعلته هي به من افعال مشينة ..
ابتسمت هذه المرة بـ سعادة حقيقية/راحة موقنةً في قرارة نفسها ان الذي تقدم عليه ما هو الا الصواب: شفت كيف بابي طيب وحرام نخليه هون لوحدو ..!!
انا ما رح خليك حبيبي .. رح روح لبنان اشوف تيته صباح وضل معا شوي وارجعلك ..
ما رح خليك حبيبي ..
قبلته على شعره بـ قلب يقطر وجعاً وعاطفةً لا تنضب .... وأردفت بنبرة مرتجفة مختنقة: ما رح خليك بنوب يا ئلب مامي ..
.
.
.
.
.
.
.
أخذ يغمغم ببال ليس بين يديه البتة .. بفكر ليس في هذا المكان .. بعاطفة لا تنتمي لهذه البقعة الكريهة القذرة .. بأنفاس متقطعة اخرجت مافي جوفه من حروف بشكل موجع حد العذاب:
أنا اللي انتظر منك الجوابي
ألا يا هم أدميت الزوايا
انا اللي ناظر بهام السحابي
ولقى الدموع تمطر فالحنايا
انا اللي يحترق صامت جوابي
ولكني اعرف أمر الوشايا
اداري الحرف خوف افقد صوابي
وازل وافضح اللي في حشايا
واحاول ابتسم وانسى مصابي
وادور لي شعر يروي ضمايا
والاقي الهم يكمل طرق بابي
وانا غرقان في دمعي وعنايا*
صمت عن شعره ومازال واضعاً رأسه بين ركبتيه المنثنيتين ..
لن يشك اذ قال انه وصل مرحلة الجنون العقلي ..... لم يعد يمتلك ادنى شك انه الآن في البرزخ نفسه ..!!!
ثلاثة أشهر وهو قابع بين الجدران الطينية المظلمة الرطبة .. وبين الارواح النتنة ..... ثلاثة أشهر وهو بين قبضان جلمودية تقبض على روحه كالموت ..
يشعــر بالترمـــــــد .. يشعــــر انـــه مترمــــــد العقـــــــل بكــــل المقـــاييس ..!!
يشعــــر إنــــه ..
إنــــــه ........
: حـــــــارب
عقد حاجبيه قبل ان يُجعّد بخفة عيناه المغلقتان ..
ابتسم بشيءٍ يشبه الحلم .. يشعر انه في حلم .. يشعر إنه في عالم طالما تمنى الصعود إليه من أشهر ..!!
ههههههههه .. الآن صدقت إنك جننت رسمياً يا حارب ..
وصلتَ للتو يا هذا لمرحلة تسمع خلالها احدهم يناديك بإسمك وسط قاذورات بشرية لا تعرف هويتك الحقيقية بتاتاً ..!!
أخذ يلهث ويشد من قبضة ذراعيه على ركبتيه محاولاً ان لا يفقد السيطرة أكثر على عقله الملتهب ..!!
: يا حااارب رد عليه
انتفض كامل جسده رافعاً رأسه بقوة حتى شعر ان فقرات رقبته تكاد تنكسر ..
ارتجف فكه بـ صدمة مهولة جعلت عقله يتطاير كـ جزيئات الرمل تماماً ..
لم يستطع التفوه بكلمة .. لم يستطع وحلقه جاف بعد شهور قاسية من الصمت الأسود التام ..
اردف الرجل بـ صرامة حادة: نش يلا يا حارب ماشي وقت .. خل نظهر من هنيه قبل لا تبدا المناوبة الثانية ..
تأمل حارب هيئة الرجل الذي يتحدث ليس بالعربية فقط ... بل بلهجة اماراتية بحتة ..!!
حاول ان يرى كامل وجهه لكن الظلام حل ارجاء الطابق القذر مخفياً عنه هويته وتفاصيله الدقيقة ..
ولكن يكاد يقسم ان صوته مألوف لمسامعه بشكل كبير ....!!!
وبشكل ما ... تمكن من ملاحظة ان الرجل يلبس الزي العسكري المشابه لزي العساكر هنا ...
هز حارب رأسه بذهن مشوش تماماً .. ثم وقف بترنح ملؤه الانهاك ممسداً شعره الاسود الغليظ والذي وصل لحدود كتفيه بأنفاس متلاحقة ..
خرج من الزنزانة ما ان فتح الرجل الباب ..
ثم وبشكل يسلب الالباب .. استطاع الرجل بحنكة ودهاء تام ان يجر معه حارب عبر الممرات والدهاليز موضحاً بتمثيلية "حقيقية/مُقنعة" لكل من يمر ويسأله بريبة عما يفعله .. ان هذا الرجل مصاب بـ السل الرئوي المزمن ويجب نقله فوراً للمستشفى ..
فكان كل من يصله حديث الرجل يرتعب ويبتعد لاإرادياً عن حارب ..
ولأن اجراءات الخروج من المعتقل ذاته معقدة ويصعب النفاذ عبر بوابته بمجرد "كذبة" .. كان للرجل "المتنكر" خطط أخرى ... فهو وبعد مساعدة صغيرة من احدى العساكر "ذوي الانفس الضعيفة امام المال" .. قد تمكن من معرفة ان هناك نفق عميق تحت الأرض شُيِّد للطوارئ لأجل العسكريين والضباط ..
نفق يؤدي الى خارج المعتقل الضخم بما يبعد عشرة كيلومترات من البوابة الخارجية ..
لم يعرف كم مضى عليه وهو يمشي مع الرجل تحت الارض والحرارة حولهما تكاد تخنقه .. ولكنه يجزم ان الروح قد دبّت في كل مفاصله كما السحر ..
قال بعد صمت طويل بنبرة خرجت كسلاسل مبحوحة خشنة مثقلة بالارهاق النفسي والجسدي:
متأكد من نجاح الخطة ..؟!!
توقف الرجل واستدار ببطئ نحو حارب وازاح عن رأسه قبعته العسكرية وقال بـ ثقة حد السماء:
مثل ما انا متأكد وواثق انك حارب بن محمد الـ...
اتسعت عينا حارب بـ ذهول خطف لون وجهه .. ذهول تحول لفعل خرج تماماُ عن سيطرته تحت وطأة عاطفة تتسم
بـ "الحنيــــــــــن" ..
الحنين لروائح اشتاق لشمها كثيراً .. وأبداً ..
فـ هذا الرجل الذي امامه والذي كان يشعر انه يعرفه .... يحمل بداخله أرواح كل من يتمنى الآن لقائهم ..
كلهم بلا اي تحديد ..
احتضنه بقوة بعينان تلمعان سعادةً وحمداً لله .. بينما الأخير لم يتوانى للحظة عن وضع ذراعيه على ظهر حارب وتبادل معه أحضان الشوق المميت ....
هتف الرجل بنبرة تفجرت بالحب الأخوي الرجولي ... والسعادة والامتنان: اللهم لك الحمد يارب .. اللهم لك الحمد .. كنت خايف ما ألحق عليك .. كنت خايف ابطي وتروح من بين ايدينا الله لا يقووول ..
هدر حارب بصوت مبحوح خرج أثر ما يعتريه من سرور يبكي من فرط عذوبته: لو ما ييتني اليوم كنت اكيد بروح فيها ..
ثم ابتعد عنه ممسكاً كتفه الأيسر بنظرات تلتمع امتناناً واضاف: الحمدلله رب العالمين .. الحمدلله رب العالمين ..
هتف الرجل مربتاً بخفة على كتف حارب الايمن وقال بحزم قوي: يلا حارب ماشي وقت لازم نظهر من هنيه قبل لا تغرب الشمس ..
استمر الاثنان بالمشي في النفق المظلم والذي لم يكن يضيئه سوى مصباح صغير يمسكه الرجل ..
وبقدرة الله عز وجل .. استطاعا الوصول للفتحة التي سيخرجان منها للخارج ..
وبرشاقة بالغة من الرجلان "واللذان كانا يتسمان بجسدان قويان لا تضعفهما اشد الظروف واقساها وبطولهما المتناسق المتشابه" خرجا للأعلى بنجاح ..
وضع حارب ذراعه على عينه بعد ان شعر بالألم يغزو ناظريه ما ان وصلت إليه اشعة الشمس الموشكة على الغروب ..
اخرج الرجل من جيبه نظارة شمسية وقال بـ ذات حزمه: إلبس هالنظارة لين ما تغرب الشمس .. عيونك الحينه حساسة .. وهالشي طبيعي عقب شهور في مكان اظلم ما اييه الشمس ..
ثم صمت وهو يُخرج من تحت بنطاله الأيمن مسدساً صغيراً فيه كاتماً للصوت ومده الى حارب ... وأردف: وخل هالسلاح معاك .. في حال صار شي وافترقنا بيكون عندك شي ادافع فيه عن نفسك ..
هز حارب رأسه ولبس النظارة وثبّت المسدس خلف بنطاله المهترئ ... ثم قال ببسمة هجرت ملامح وجهه الاسمر منذ فترة طويلة .. بسمةً كانت كبسمة الظمآن امام نهر ماء عذب صافي .. "بسمة مُرهقة لأقصى حد يتصورها البشر":
ما شاء الله حاط حساب لكل شي يااا ......
نهــــاية الجــــزء العشــــرون
*الأبيات السابقة من كلمات صديقتي الشاعرة فاطمة غيث ..
|