كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجزء التاسع عشر
أتمنى من كل قلبي تقرون القصيدة في المقدمة .... لأنها رائعة فوق ما تتصورون ... ما قدرت احط ربعها او نصها لأنها جد ما تليق لها الا انها تكون كاملة .. اعتبرها من القصايد القريبة من قلبي وروحي ... ومؤثرة وايد وايد وايد .....
قراءة ممتعة حبايبي ...
الجــــزء التــــاسع عشــــر
،
ليس الغريب غريب الشام واليمن، إن الغريب غريب اللحد والكفن
إن الغريب له حق لغربته، على المقيمين في الأوطان والسكن
لا تنهرنَّ غريبا حال غربته، الدهر ينهره بالذل والمحن
سفري بعيد وزادي لن يبلغني، وقوتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها، الله يعلمها في السر والعلن
ما أحلم الله عني حيث أمهلني، وقد تماديت في ذنبي ويسترني
تمرُّ ساعات أيامي بلا ندم، ولا بكاء ولا خوفٍ ولا حَزَنِ
أنا الذي أُغلق الأبواب مجتهداً، على المعاصي وعين الله تنظرني
يا زلةً كُتبت في غفلة ذهبت، يا حسرةً بقيت في القلب تُحرقني
دعني أنوح على نفسي وأندبها، وأقطع الدهر بالتذكير والحزَنِ
دع عنك عذلي يا من كان يعذلني، لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني
دعني أسحُّ دموعا لا انقطاع لها، فهل عسى عبرةٌ منها تُخلصني
كأنني بين جلِّ الأهل منطرحٌ، على الفراش وأيديهم تُقلبني
وقد تجمَّع حولي مَن ينوح ومن، يبكي عليَّ وينعاني ويندبني
وقد أتوا بطبيب كي يُعالجني، ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها، من كل عِرقٍ بلا رفق ولا هونِ
واستخرج الروح مني في تغرغرها، وصار ريقي مريرا حين غرغرني
وقام من كان حِبَّ الناس في عجَلٍ، نحو المغسل يأتيني يُغسلني
وقال يا قوم نبعي غاسلا حذِقا، حرا أديبا عارفا فطِنِ
فجاءني رجلٌ منهم فجرَّدني، من الثياب وأعراني وأفردني
وأودعوني على الألواح منطرحا، وصار فوقي خرير الماء ينظفني
وأسكب الماء من فوقي وغسَّلني، غَسلا ثلاثا ونادى القوم بالكفنِ
وألبسوني ثيابا لا كِمام لها، وصار زادي حنوطي حين حنَّطني
وأخرجوني من الدنيا فوا أسفا، على رحيلي بلا زاد يُبلغني
وحمَّلوني على الأكتاف أربعةٌ، من الرجال وخلفي منْ يشيعني
وقدَّموني إلى المحراب وانصرفوا، خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا عليَّ صلاةً لا ركوع لها، ولا سجود لعل الله يرحمني
وكشَّف الثوب عن وجهي لينظرني، وأسبل الدمع من عينيه أغرقني
فقام مُحترما بالعزم مُشتملا، وصفف اللبْن من فوقي وفارقني
وقال هُلواعليه الترب واغتنموا، حسن الثواب من الرحمن ذي المنن
في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا، أبٌ شفيق ولا أخٌ يُؤنسني
وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت، من هول مطلع ما قد كان أدهشني
من منكر ونكير ما أقول لهم، قد هالني أمرهم جدا فأفزعني
وأقعدوني وجدوا في سؤالهمُ، ما لي سواك إلهي منْ يُخلصني
فامنن عليَّ بعفوٍ منك يا أملي، فإنني موثقٌ بالذنب مرتَهَنِ
تقامم الأهل مالي بعدما انصرفوا، وصار وزري على ظهري فأثقلني
واستبدلت زوجتي بعلا لها بدلي، وحكَّمته على الأموال والسكن
وصيَّرت ولدي عبدا ليخدمها، وصار مالي لهم حلا بلا ثمنِ
فلا تغرنك الدنيا وزينتها، وانظر إلى فعلها في الأهل والوطن
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها، هل راح منها بغير الحنظ والكفن
خذ القناعة من دنياك وارضَ بها، لو لم يكن لك إلا راحة البدن
يا نفس كفي عن العصيان، واكتسبي فعلا جميلا لعل الله يرحمني
يانفسُ ويحكِ توبي واعملي حسنا، عسى تُجازين بعد الموت بالحسنِ
ثم الصلاة على المختار سيدنا ما، وضأ البرق في شام وفي يمن
والحمد لله ممسينا ومصبحنا، بالخير والعفو والإحسان والمنن
لـ زين العابدين علي بن الحسين
،
قبل ان ينتصف الليل بنصف ساعة
لم يكتف بإخراج كل انفعالاته العاتية التي كبحها بمهارة عالية الا عندما مارس السباحة في حوض منزله الكبير في الطابق الأرضي قرابة الساعتين ..
وقف امام مرآة غرفته الكبيرة المتأنقة بلمسات رجولية فخمة بحتة .. وفكر متسائلاً ....
لا يعرف لمَ فضل المبيت في منزله الخاص وهو الذي اعتاد كل نهاية اسبوع ان يبيت في بيت اخاه ..... ولكنها الحاجة لأن ينفرد مع ذاته بعيداً عن كل الناس ..
نشف شعر رأسه بمنشفة قصيرة ثم بدأ يمشطه ببطئ وباله شاردٌ كل الشرود ..
فـ ربع تفكيره انصب على مشاكل العمل والبلاد .. وربعه الثاني على حارب وما يجري معه في ذلك السجن اللعين .. وباقي الربعين على الذي حدث اليوم وما مر به من أمورٍ غيرت مجرى حياته ..!!
قطب حاجباه وهو يسمع رنين هاتفه العالي الخاص بالأهل والاصدقاء .. رفعه قبل ان يهتف بخشونة لم يتعمدها: مرحبا مليون الغالي ..
أتاه صوت عمه أبا حميد بطريقة انبأت عقله المتيقظ ان هناك أمر جلل قد حل: سـ سـ سلطان وينك انت ..؟!!
استدار سلطان وهو يقول بتوجس: انا في بيتي .. خير عميه شو مستوي ..؟؟!
وضع أبا حميد يده المرتجفة على جبهته وشعور قلة الحيلة انتشر بضراوة في صوته المبحوح: لا حول ولا قوة الا بالله .. والله ماعرف شو اقولك .. انا ما عنديه غيرك يفازعنيه يا ولديه ..
(يفازعنيه = يساعدني)
سلطان بنبرة صارمة قوية: افا يا بن سلطان شو هالرمسة .. خبرني شو مستووي ..؟!!
صمت أبا حميد قبل ان يقول بنبرة قلقة/مرتعبة: بنتيه عوشه يا سلطان ظهرت من البيت وماندريبها وين سايره .. عاده اتصلت عسب اتعرفلي هي وين ..
رفع سلطان كلتا حاجبيه باستغراب تام ثم قال بـ هدوء: ام زايد ظهرت وما تعرفون وينها ..؟!!
جيه وين ثرها بتسير في هالليل ..؟!! وريلها وينه عنها ..؟!!
مسد أبا حميد جبهته المتعرقة بارتباك/خوف حقيقي ثم اجاب ببحة لا تفارقه: السالفة طويلة يا سلطان .. الحينه نحن ما نعرف هي وين .. وانا مابا السالفة توصل لمراكز الشرطة .. ما نبا نفتضح يا بومييد ..
اعرفلي بارك الله فيك وينها هي ..
هز سلطان رأسه بـ ثقة قوية وقال: ولاااا يهمك الغالي اعتبرها عندك ان شاء الله .. بس عاده خبرني هي بشو سايره .. بموتر منوه ..؟!!
زفر أبا حميد زفرة مؤلمة وحال قلبه يدق دقات غير مريحة بتاتاً ... ثم قال بوجل: بموترها البي إم رقمها 55..
.
.
.
.
.
.
.
اقتربت منه بـ رشاقة تقطر أنوثة باذخة .. ثم توقفت على اصابع رجلاها وقبلت خده بـ رقة وقالت بنبرة هادئة: مبروك ما دبرتوا بوخويدم ..
انزلت جسدها قبل ان يمسك بكلتا ذراعيها بقوة لينة واجاب من بين نظراته السوداء المبطنة بـ شوق عارم مجنون: الله يبارج فيج وعقبال عيالنا ..
ابتسمت آمنة من طيب خاطر حتى انقشع نور غمازة ذقنها الفاتنة امام ناظريه وهتفت بـ نعومة: آمين ياربي ..
شعرت ان الهواء الثقيل ازداد ضغطاً على انفاسها ما ان احست بيداه تمسكان بها بقوة أكبر وتسحبانها الى صدره ..
تلعثمت وظهر ارتباكها الشديد امام حواس بطي المتيقظة "المشتعلة": آ آ آ بـ بطي بروح ارقد .. آنس جسميه متكسر وميهودة ..
اقترب منها حتى لامس انفه أنفها وتخالطت انفاسها الحارقة وسط الجو المتكهرب الحار ... ثم همس بنبرة خرجت كثقل الصخر وخشونة ملمسه: متوله عليج يالجاسية .. حسي فيه دخيلج ..
خفضت اهدابها التي غدت ثقيلة ولم تتحمل حملها أكثر واغمضت عيناها بـ خوف عارم .. خوف على مشاعرها الواقفة على حواف صخرة .. خوف على سيطرتها التي بدت تنفلت من براثين قلبها العاشق ..
خوف بأن الذي يفعله هذا البطي ليس سوى كلمات ليس لها قيمة في قاموسه غير انها وسيلة لاشباع رغباته الطبيعية ..
خائفة هي .. ليس وكأن الذي سمعته منذ ايام مر مرور الكرام على وجدانها وروحها ..!!
ليس وهي تدرك الآن تمام الادراك ان بطي على علاقة عاطفية مع غيرها ..!!
ليس وكأنها الآن تثق به كما كانت تثق به على الدوام في السابق ..
خائفة .. ومرتعبة من فكرة انها خالية اليدين من الحيلة والتصرف .. وجزعة لأنها لا تستطيع السيطرة على انوثتها في حضرة رجولته المُبهرة ..!!
تحبه .. لكنها مجروحة منه .. مجروحة وترغب بحرق يابس قلبه الخائن وأخضرار شبابه المتعالي ..!!
تنفست كل معاني التمسك والشجاعة وابعدت بيديها "المرتجفتين" صدره عن مدار جسدها "الذي تجزم بأنه سيخونها ان لم تحسم الامر" ..
ابتعد قليلاً وهو منزل الرأس ويتأمل كل تقاطيع وجه زوجته العذب .. ثم همس بعد ان حاول ان يسيطر على انفعاله المثقل بالتوق: ليش مبعدتنيه يا آمنة ..؟؟!
ليش ..؟!!
خبريني ..؟!!
ابتلعت آمنة غصة غدت كالحجر الصماء .. ثم هتفت بنبرة مقتضبة خلت من مشاعر الحياة: ما ابعدك بوخويدم .. بس تعبانه وابا ارقد .. من غبشه ونحن نشتغل في بيت ابوك ..
(غبشه = الفجر)
تحركت مبتعدةً عنه وهي تضع جانب شعرها وراء أذنها بارتجاف لم يسكن بتاتاً ..
تنهد بطي تنهيدة قوية اخرج معها كل ما يسري في تلابيب صدره من انفعالات غاضبة واستياء .. ثم التفت ليغير ثيابه وينام هو الآخر علّ النوم يمنعه من الانقضاض على تلك المجنونة ونيل عسلها كله رغم انفها المتكبر العنيد ..
بينما هو يشعر بتحركها المرتبك تحت اللحاف ... زفر زفرة غضب/شوق/هيام .. ولكنها زفرة ذكرته بأمر ما يجب عليه ان يخبره لهذه القاسية ..
استدار بكامل جسده الصلب واقترب من آمنة وهمس بـ هدوء: آمنة ... ابغي اقولج شي ..
التمعت عيناه عندما رآها تستدير بجسدها الرشيق له وتنظر إليه بعيناها العذبتين ..
همست بنبرة ناعمة/مرتبكة: آمرني بوخويدم ..
تنحنح بطي بخفوت ثم قال بخشونة خرجت مع هول شوقه الكبير لهذه التي تتمد بكل غنج فطري امامه: ما يامر عليج عدو فديتج ..
بغيت اقولج انيه بسافر سنغافورة عقب كم يوم ويمكن اتم هناك حول الشهر ولا شهر ونص ..
شهقت بـ صدمة لم تتمكن من كبحها مما جعل بطي يتصلب ويضع يده على ذراعها
باغتته آمنة بنبرة ارتجفت من الصدمة/الضيق/الارهاق العاطفي: شعنه .. شو عندك هناك ..!!!!
تلعثم بطي ما ان رآها بهذه الانفعال، فهو لم يتوقع سوى ردة فعل جليدية على غرار روحها التي تغيرت منذ عدة ايام بسبب يجهله .. لم يتوقع ان تنفعل وتستاء بهذا الشكل العلني: آ آ آمون حبيبي ساير اخلص معاملات الفرع الايديد هناك وهالشي يباله فترة يلين ما يخلص ..
تلعثمه الواضح زرع الشك في نفسها أكثر مما هو مزروع .. لم تكن تحتاج لعلامات أكثر لتدرك ان بطي "يكذب" وان سفرته تلك لم تكن سوى سفرة "لهو" .. أو ...
أو ..
او "شهر عسل" ..!!!!
اتسعت عيناها بـ وجع روحي متمكن واستدارت لتعطيه ظهرها بحدة .. وقالت بصوت مكتوم من بين دمعاتها المكبوتة/قوتها المتطايرة: تروح وترجع بالسلامة بوخويدم ..
تصلبت حواس بطي وهو يرى تبدل حال زوجته الغريب من النار الى الجليد .. فقد صبره بأن يتحمل مزاجيتها المتقلبة ..
فقد صبره بحق ..!!!!
تأفف بانفعال غاضب ثم استدار هو الآخر وأغمض عيناه ليجبر النوم على المجيء ..
.
.
.
.
.
.
.
دخلت الحمام بسرعة بعد ان حاولت كثيراً كتم ما فيها من ألم وصدمة من الذي مر امام ناظريها طيلة هذا المساء الطويل ..
تعلقت دموع الخوف والآسى على حال ما يجري لشقيقتها وحال والدتها التي تنتحب وتندب حظ ابنتها البائس .. ابنتها التي خرجت مثل المجنونة لمكان لا يعلمه أحد ..
استرجعت في ثانية ذلك الموقف في عقلها وتذكرت مشاعر الذهول والرعب عندما رأت زوج شقيقتها بحالة مرعبة اتسمت بالغضب الهستيري ...
كانت تلك المرة الأولى التي تراه وتسمعه بهذه الاشتعال .. هي حتى لم تسمعه من قبل يتحدث برنة يتخللها الحدة او الانفعال .. كان دائماً مثال التهذيب والاحترام بنظرها .....
كان في الحقيقة .. مثال الرجل الحنون والزوج المُحب .. وليت شقيقتها رأت الذي رأته هي قبل ان تُقلب حاله لأسوء حال يتصورها مرئ ..!!
غسلت وجهها الندي الأحمر بماء بارد ثم خرجت متمتمةً بداخلها ان يحفظ الله الجميع من كل سوء وشر .. ان يحفظ الله شقيقتها من جنونها الذي لا يخرج الا ومعه مصيبة مريعة ....
.
.
.
.
.
.
.
لوحتها التي اتسمت بمعاني العتمة والالوان السوداوية كانت تعكس بحق مزاجها السيء .. حاولت تنحية اي مشاعر تأثر على رسمتها .. ولكنه لم تستطع .. وضعت فرشاة الألوان على الطاولة الصغيرة وبدأت تتحرك حول غرفتها بشكل ليس له نهاية ..
توقفت قبل ان تتنهد رافعةً كل شعرها الطويل الفاحم للخلف .. وأخذت تذكر الله بـ خفوت علّ الضيق والحزن ينجليان بعد هذا ..
عرفت ان التحسر على ما جرى لن يفيد ..!!
وادركت الآن انها متزوجة وانتهى الأمر ..!!
رفعت جانب شفتيها بـ سخرية مريرة وهمست:
دارت الدنيا عليّه ورجعت لك يا سلطان .. رب العالمين كتب عليه اعيش منداسه تحت ريلك طول عمريه ..
زمت فمها بقسوة نمرودية خرجت مع كبرياء انوثتها المخدوش وتابعت: بس والله ثم والله .. ما بتحلم ادق شعرة من راسيه .. واتريه زين وشوف بنت خويدم شو بتسوي ..
(ادق = تلمس)
.
.
.
.
.
.
.
حمل جهازه المحمول ثم خرج من غرفته ونزل للطابق السفلي .. قرر بعد ان جافاه النوم ان ينزل ليتسلى بحاسوبه ويشاهد التلفاز .. كان يحاول ان لا يأخذ الامور بحجم أكبر من حجمها .. ولكنه لم يفلح ..
غاضب هو من ذاته ويعترف بهذا ..
يشعر انه اقحم نفسه بأمر لن يجلب له الا وجع الرأس ..!!
شعور داخلي انتابه ان الذي فعله خاطئ وليس من شيم الرجال .. ولكن شعور أكبر بداخله يقول له
"إنك يا فلاح مُهان .. ويجب استرداد قيمة الذي أُهين منك ..!!!"
لم يكن ابداً من الرجال الذين يهتمون بأدنى حرف يخرج من أفواه البشر .. حتى انه عُرِف بأنه أكثر الاشخاص عديمو المبالاة والاهتمام .. لهذا فقط لم يرَ الناس الا الجانب المتكبر من شخصيته ..
فلو انهم عرفوا ماهية تفكيره وشخصه المتسامح .. لنفوا عنه هذه الصفة بشكل قاطع ..
"حتى لو كان يمتلك في الحقيقة شرارات الغرور الطبيعية" ..!!
ولكن تلك الفتاة قد سلبت رأس التعقل في رأسه وحتى التسامح في قلبه ..!!
كيف لها ان تنعتنه بكل تلك النعوت "القاسية على رجولة اي الرجل" ويقعد ساكناً متجمداً ..!!!!
وضع جهازه بإهمال ينضح غضباً ما إن تذكر كلماتها القوية الوقحة ..
حسناً .. ليس وكأن وقاحتها تلك تنم عن غبائها ..!!
فهي لن تقبل به اذ لم ترغب بهذا ..!!
ومن طريقة كلامها يستطيع ان يستنتج مدى حديدية الطباع التي تمتلكها ..!!!
حك جانب حاجبه الايمن بخفة وأخذ يفكر بـ ردها الذي تأخر ..
ومن جانب آخر .. أخذ يفكر بحيلة تمكنه من النيل بها بشكل غير قابل للنقاش ..!!!
فإذا كان ردها هو الرفض "وهذا ما يتوقعه بنسبة 99.9%" .. فإنه سيضطر لفعل المستحيل لإنزال أنفها لأسفل التراب ..!!
فـ هــو فــلاح قبــل ان تكــون هــي حصـــــة ..!!
: فــلاح ..
رفع فلاح عيناه للذي يناديه بصوت خافت ثم اجاب بحزم دافئ: مرحبا بالعضيد .. قرب قرب ..
اقترب منه شقيقه نهيان بـ بنطاله الرمادي وتي شيرته الأبيض القطني وقال وعيناه تبتسم: ها الحبيب اشوفك سهران .. رب ما شر .. احيد هل السلك العسكري ما يقهرون السهر حتى في الويكند ..
(ما يقهرون = لا يحتملون)
ابتسمت عينا فلاح بالمقابل بسخرية وقال: جيه كل هل السلك العسكري دياي في نظرك ..!! ما يانيه رقاد وقلت في خاطريه انزل تحت احسن ..
انت وين كنت ..؟!!
جلس نهيان بقربه وقال بصوت خشن لم يتعمده: ماشي والله كنت اتريض شويه في النادي ..
رفع فلاح كلتا حاجبيه بذهول: حد يتريض تالي الليل ..؟!!
اعاد الابتسامة الى عيناه وأجاب ويهز رأسه: هيه انا ..
رمقه فلاح بنصف عين/تفحص .. ثم قال بنبرة هادئة: شو سالفتك ياخي .. علومك غريبة ..!!
رفع نهيان حاجبيه ببراءة متسائلاً: جيه بسم الله ..!! حرام الواحد يتريض في الليل ..؟!
هز فلاح كتفيه باستغراب وهتف: هب سالفة تريض في الليل .. لكن انت من زمان وحالتك هب طبيعية ..
تروم تخبرني شعنه جذبت وقلت للكل انك في سيشل وانت اصلا في اسبانيا ..؟!!
غير روحاتك الدايمة لأوروبا ..؟!!
وقف نهيان ليُخرج من جيبه سيجارة ثم قال بعد ان هز كتفيه بـ هدوء ثم قال: لانيه لو قلت حق يدك انيه في اسبانيا بيحلف عليه ما طيحها .. نسيت انه متعقد منها لان اخوه نايع اغتالوه هناك ..؟!
تذكر فلاح عمه رحمه الله برحمته الواسعة وقصة اغتياله .. فـ عمه نايع ذهب في احدى السنوات كممثل رسمي للدولة لإحدى المنتديات الثقافية العالمية في اسبانيا .. وهناك استهدفت جماعة ارهابية الموكب الرسمي ظانين ان رئيس الحكومة الاسبانية كان من ضمن الوفود في الموكب .. وللأسف نايع شقيق جدهم نهيان كان من تلقى الرصاصات بدل من المستهدف الحقيقي ..
عقد فلاح حاجبيه بعدم اقتناع وقال: خل نظهر الحوي .. ابويه لو شافك ادوخ هنيه بيحرج ..
هز نهيان رأسه وكأنه تذكر مسأله تدخينه ..... خرج الاثنان للخارج وجلسا في الجلسة العربية المركونة امام الباب الداخلي الكبير ..
أردف فلاح بأن قال بـ ذات نظرته المتفحصة المتوجسة: انزين سالفة عميه نايع استوالها دهر ما ظنتي يديه كان بيمانع تسير هناك ...
نفث نهيان دخان سيجارته بعمق وقال من بين لمعان عيناه السوداوان: بعده يديه محترق فواده من اللي صار وانا ما بغيت اضايجه واتعبه ..
واضاف بنظرة ساخرة مرحة: ولو على سفراتي لاوروبا .. فـ هذا شي طبيعي ياخي .. عزابي انا وما ورايه لا حرمة ولا بيت .. حشى يابوكم حاسدين الفقير على موتة اليمعة ..
ثم دفع كتف شقيقه بخفة قبل ان يضيف من تحت رموشه الماكرة: هب شراتك يا المستصيب ههههههههههههه
انتفض فلاح بـ انفعال وهدر: اشوووه مستصيب هاي بعد ..!!!
رص نهيان عيناه راغباً بإغاضته وقال: مستصيب وظاويين راسك اليابس بعد ..
عقد فلاح حاجباه وأردف بذات انفعاله: يهبون والله يظوون راسيه .. ثرك ما تعرفني يا ولد ابويه ..
ضحك نهيان ضحكة لم يستطع كبحها وهو الذي نادراً ما يرى فلاح منفلت الاعصاب غاضب .. واجاب بخبث باسم:
عيل شو تسمي خطبتك عند هل العين وبالاسم بعد ..!!
تنهد فلاح تنهيدة اخرج كل ما يعتمل صدره من انفعال وقال بـ نبرة هادئة قاطعة كي يتمكن من تغيير مجرى الموضوع:
ربك بعد ... مقسم الارزاق معطي النصيب ..
أضاف بنبرة سريعة حازمة: ما علينا .. انا جيمت بسير ارقد ..
(جيمت = شعرت بالنعاس)
بتم هنيه انت ..؟!
هز نهيان رأسه بـ "نعم" نافثاً دخاناً مرة أخرى ... ثم قال بـ نبرة خشنة ساكنة كسكون الليل المظلم تخللها خبث ساخر: تصبح على خير راعي العين ...
صرخ صرخة خافتة تخللها ضحك رجولي رنان ما إن احس بضربة أعلى ظهره ... ثم قال بوجهٍ تجعد من الألم: آخخخخ كسرت يامعتيه يالدب ..
(يامعتيه اي اليامعه، واليامعه هي منطقة أعلى الظهر)
.
.
.
.
.
.
.
ليس الغريب ان ينجذب لفتاة رآها صدفةً وسمع حكاويها الناعمة القصيرة .. بل الغريب انه للآن لا تفارق هذه الفتاة مخيلته ولا انجلى طيفها عن باله ..
يشعر بأنه غريب على ذاته ..
ما باله أصبح بهذه الصبيانية ..!!!
لمَ يشعر انه عاد عشرون سنة الى الوراء ...!!!
لمَ يشعر ان "تلك" ماهي الا المرأة التي لطالما آمن انها ستأتي لتكمله ..!!!
انها المرأة التي ستأتي وتكمل نصف روحه في هذه الدنيا بأن يغدق عليها الحنان الناضح في جوفه ..!!
فهو من اول نظرة لـ عيناها .. ايقن انها تجوع احتياجاً .. وتتعطش الحنان الميت بداخل روحها الصغيرة ..
من اول نظرة شعر بأنها المرأة التي ستأتي لتضفي بأناملها العذبة اللون والطعم والرائحة العبقة لحياته القاحلة ..
حيــاته القــاحلة أجـــل ..!!!
حتى انه وليصدق القول .. لن يقول ابداً ان حياته مع طليقته وام اطفاله كانت بروعة الجنة وجمال خضرتها ..
ابداً ...!!!
كانت كالجحيم المستعر ..
طلقها بعد ان غرست كل عقد الدنيا في روحه ..
أولاً بجشعها .. ثانيا بجشعها .. وثالثاً أيضا بجشعها ..!!!
كانت امرأة متطلبة حد المرض .. وليس هذا وكأنه بخل معها في يوم ..!!
ولكنها متطلبة وجشعة حد انها كانت كل اسبوعين تشتري حقيبة تصل قيمتها لـ 15 ألف ريال واكثر ..
غير طلباتها الكثيرة في المناسبات التي كانت شبه يومية وفي الاعياد ..
يكاد يقسم ان الفستان الذي تلبسه لم تكرر لبسه مرة أخرى .. وهذا ينطبق على الأحذية "اعزكم الله" ..
وهو بالرغم من كرمه واغداقه بالمال والمجوهرات عليها .. كانت على الدوام مكفهرة الوجه ونزقة الطباع ..
لم تكن حتى تشكره او ترمقه بنظرات طيبة ممتنة ..
كانت بحق غريبة الأطوار وجشعة .. وهو لم يتحمل هذا بتاتاً .. !!
فهو رجل .. حتى انه رجل صبور وصبر عليها كثيراً ..
وكثيراً ما جلس معها وحاول التفاهم بالنصيحة والكلمة الطيبة .. ولكنها كانت تنهي النقاش بغضب وامتعاض .. وتذكره دائماً انه زوجها ومرغم ان يصرف عليها ويوفر لها الحياة الكريمة ..
كانت تنهي النقاشات بهذه المبررات .. بمبررات مادية .. وتنسى المحور الرئيسي للنقاش .. الا وهو ..
"ان عائلتها لها حقوق عليها ولا تأخذها منها .. حقوقاً كزوجة وأم" ..!!
لهذا فقط تعب .. وفقد الأمل بأن تصطلح .. وطلقها بعد سنين في المحاكم ..
وكان بحق طلاقاً مربحاً لها ..!!!!
مربحاً لدرجة ان جشعها قد زاد سمناً ويطالب الآن بالمزيد ..
يبدو ان تلك المرأة لن ترتاح حتى تنفجر معدتها الممتلئة بالمال ..!!
زفر بقوة محاولاً ان يزيل ما يعتمل روحه من انفعال .. فهو رجل كبير وطبيب له مكانته المرموقة .. ويجب ان لا ينسى هذا ..!!
يجــب ان لا ينســى انــه الدكتــور ناصــر ..!!
ويجب ان لا ينسى أيضاً ان بعد غد سيعود لبلاده قطر ..
وان القصة الجميلة القصيرة ستنتهي عند هذا الحد وكفى ..!!!
أجــل ..!!
عند هذا الحد ستتوقف يا رجل عن التفكير بتلك الصغيرة ....
فـ انت تحمل على عاتقك ما يكفي من مسؤوليات ومشاكل لا تنتهي ..
وآخر شيئاً ترغب به هو الالتزام بدقات قلب لن تنتهي موجاتها بسهولة ..!!!!
.
.
.
.
.
.
.
كان في السيارة يمشي في الشوارع القريبة من منزل عمه .. لم يبتعد عن هذا النطاق لأنه يظن ان ابنة عمه لن تقدر على الابتعاد وهي التي عُرفت بخوفها الشديد من الظلمة والاماكن المعتمة ..
أخذ يتذمر بينه وبين نفسه على تصرفات تلك المرأة غير المسؤولة والتي لا تنتهي ..
يبدو ان حتى الزواج لم يعقلها ..!!!
تأفف بشدة قبل ان يسمع رنين رسالة قادمة من رقم مجهول .. فتح الرسالة وقرأ مافيها ببطئ ..
ابتلع ريقه القاحل نتيجة صدمته الصاعقة بما يقرأه ..
أعاد قراءة الرسالة بعينان قاسيتان:
"الظاهر انت ماتوب يا ولد ظاعن .. المفروض تفهم وتعرف ان بنت خويدم ما ردتك من سنين الا لأنها تبا تتستر على سواياها .. انصحك نصيحة لويه الله .. لا اطيح في الغلطة مرتين .. ترى بضاعتك خربانه"
اتسعت عيناه السوداوان بـ صاعقة صدمته جعلت دقة من دقات قلبه تهرب وسط مسار منفعل غريب .. اعاد قراءة الرسالة مرة ثالثة بعقل مشوش وعينان تغيما بالحيرة الفظيعة ..
رفع عيناه للشارع بينما ترددت كلماته الرسالة في عقله الذي يحاول بشدة فهم جمر معانيه المبطنة ..
هز رأسه محاولاً تنحية كل امر يلهيه عن بحثه بإبنة عمه التي خرجت في هذا الليل لمكان لا يعلم غير الله ..
زفر بقوة انفاسه الثقيلة ثم أكمل بحثه حتى مرت عشرة دقائق ..
انزل عيناه لهاتفه عندما خرج الاسم الذي اعتلى شاشته بشكل مباغت .. اجاب بصرامة جليدية: هلا راشد .. عرفتلي وين الموتر ولا بعدك ..؟!!
هتف راشد بنبرة منفعلة آتية من بعيد وضوضاء الشارع وصخب السيارات والناس العالي الشديد يحجبان صوته ليصل مسامع سلطان بوضوح:
سيدي لقيت الموتر ..
وتلعثم بـ توتر حقيقي: بـ بـ بسسس ماعرف شو اقولك .. انت وينك الحين سيدي ..؟!!
خفض سلطان من سرعته ما إن لمح السيارات امامه تخفض سرعتها وازدحام مروري مفاجئ حل في الجسر الذي يقف عليه: شو مستوي يا راشد ..!!! ...... انا الحينه على جسر مصفح ..
ابتلع راشد ريقه ثم قال بـ ذات توتره: سيدي انت جريب مني .. الموتر اللي عطيتني رقمه انجلب ولو ما لحقوا عليه يمكن المكينة تنفجر ..
صرخ سلطان بـ صدمة وهو يحاول الخروج من الازدحام عن طريق أخذ خط السير الخاص بالطوارئ: اشووووه ...؟!!!!
انت متأكد رااااشد ..!!! لا يكون مخربط ..!!!!
راشد بانفعال حقيقي: لا سيدي مب مخربط .. هو الموتر بعينه .. انا قاعد احاول الحينه اظهر من بين المواتر لانيه ماخذ خط اليسار والموتر المنجلب على خط اليمين ..
ابا اوصل لراعيه يمكن اروم اظهره قبل لا يحترق ..
زمجر سلطان بنبرة مسيطرة مباشرة سريعة: لا لا خلك .. انا على الخط اليمين واجرب للموتر .. اتصل انت بسرعة بالشرطة والاسعاف ..
اقفل هاتفه داعياً بقرارة نفسه ان يحفظ الله ابنة عمه من كل سوء .. فقط من أجل زوجها واطفالها وعائلتها ..
واجه صعوبة في الوصول للسيارة وسط الازدحام .. خاصةً وان اليوم الجمعة .. وأغلب الناس في الخارج ليلاً ...
اخرجت سيارته الفارهة هديراً عالياً ما ان توقف بقوة قرب سيارة ابنة عمه المنقلبة ..... وسرعان ما خرج وهو يزاحم الرجال المتجمهرين امام السيارة ليصل إليها قبل ان يفوت الأوان ...
تصلب كامل جسده الطويل ما إن رآى الدم القاني المنبثق من تحت السيارة التي تجعدت كما يتجعد الورق بين يدي الطفل جراء الانقلاب القوي .. ومن غير احساس بدأ يهدر بصوت عال جزع: اعوذ بالله .. اعوذ بالله .. لا حول ولا قوة الا بالله ..
سمع أحدهم وهو يقول بانفعال: حد يتصل بالاسعاف يا جماعة الخييييييير ..
سمع آخر يهتف بـ جزع: لا اله الا الله .. مستحيل اللي داخل يكون حي مستحيييييل ..
لم يكن يشعر بما حوله .. فـ عقله الحالي متيبس كما تيبس اغصان الغاف .. يحاول التفكير بطريقة يخرج المرأة من انقاض السيارة قبل ان تنفجر ..
فالذي قاله راشد صحيح .. فهو بعد ان شم رائحة البترول وشعر بحرارة السيارة الشديدة .. استنتج على الفور ان السيارة ستنفجر في اي وقت قريب ..
سمع صوت رجل يُبعِد الناس بصرامة ويحثهم على المضي وراء اشغالهم .. فالمكوث هنا لن يجدي نفعاً ولن يجلب الا مزيداً من التوتر والازدحام المروري ..
استدار بعد ان عرف صاحب الصوت ثم هتف بذات هديره المنفعل القاسي: راشد تعال عاوني ..
أتاه راشد بسرعة مشمراً عن ساعديه بينما نزع سلطان عقاله قبل ان يمسك غترته ويلفها بقوة على يديه كي يجنّب نفسه حرارة معدن السيارة العالية ويتمكن من رفع الحديدة التي كانت جزءاً من النافذة المحطمة ..
.
.
.
.
.
.
.
كانت تبكي بحرقة .. وكأن قلبها على يقين ان ابنتها في سوء عظيم .. تشعر ان الكون كله قد شفط الهواء من صدرها ..
لم تستطع تمالك الشعور المميت الذي يتملكها .. سقطت بين يدي ابنتها التي صرخت بـ صدمة ووجع: امااااااااااااايه .. امااااااااااايه بلاااااااااج ..
أخذت تبكي هي الأخرى بـ جزع أليم .. تشعر هي ايضاً ان هناك سوء قد احل بـ شقيقتها ولكنها آثرت الصمت كي لا تُزيد حالة والدتها سوءاً .. يكفي ان والدها قد خرج من المنزل ولم يعد للآن ..
مسحت دموعها المتساقطة بيدين مرتجفتين ثم هرعت الى غرفة والديها كي تجلب عطر ذو رائحة نفاثة ..
وبعد محاولات عديدة من اشتمام العطر وبعد ان مسحت حنان وجهها بالماء البارد .. فتحت عيناها بوجه شديد الاصفرار وانين يقطع اوتار القلب يخرج من حنجرتها مرددةً اسم ابنتها بـ نبرة ميتة مختنقة ..
استطاعت حنان ابتلاع ريقها الجاف بصعوبة ثم مسدت كتف والدتها وهي تطمئنها بصوت حاني مرتجف: امايه علنيه افداج .. بإذن الله عوشة ما عليها شر .. بترد الحينه وين ثرها بتسير ..!!!
انتي هدي وريحي شويه .. ما عليها شر ان شاء الله .. ما عليها شررر ...
اخذت تردد كلمة "ماعليها شر" محاولةً ان تصدق ما يتفوه به لسانها .. وبدأت تدعو بـ قلب صادق لا حول له ولا قوة:
اللهم احفظها بحفظك الذي لا يرام واحرسها بعينك التي لا تنام .. اللهم من أراد بها سوء فرد كيده في نحره .. اللهم اشغله بنفسه .. اللهم اشغله بنفسه .. اللهم اشغله بنفسه ..
.
.
.
.
.
.
.
اوقف سيارته بقوة ما ان اصبح امام باب المنزل في العين، ثم أغمض عيناه الجمرية من أثر الغضب الفتاك متمتماً باقسى انواع اللعنات والشتائم .. وأخذ يتذكر بأسنان متراصة وفك مرتجف ما سمعه .. ويا ليته لم يسمع ..
يا ليته لم يسمع ويعرف حقيقة تلك الأفعى التي سميت في يوم بـ "زوجته" ..
.
.
قبل سويعات قليلة
دخل من باب المنزل الحديدي الكبير متوجهاً لمجلس الرجال الخارجي .. لم يكن يعرف بأن احداً في الباحة حتى سمع زمجرة أنثى غاضبة آتية من مكان موقف السيارات ..
عقد حاجباه بتساؤل واقترب لاارادياً من مصدر الصوت .. وهو لم يكن ليقترب لولا انه ميّز بقوة صوت زوجته عوشة ..
توقف بشكل مباغت بينما هي أخذت تهدر بغضب باكي هستيري في هاتفها .. كانت تجلس نصف جلسة في سيارتها بينما ظلت ساقها اليسرى في الخارج .. استطاع سماع صوتها الغاضب بوضوح لأن باب السيارة مفتوح ..
: ريموووه انتي شو تقولين ياااخي شو تقولييين .. انتي ما تعرفييين شي ..
بكت بشكل متقطع مجنون من بين كلماتها الهستيرية وأكملت: طول عمريه احاااول ابعده عنه هاذيج الـ.... .. طول عمريه وانا اقول سلطااان لي .. سلطااان حبيبي انا .. سلطاان ما بيكون لغيريه انااااا ..
ضربت بقبضة يدها بقوة فخذها ... وأكملت بصراخ لم تتمالكه: القااسي ما خاف الله في قلبيه .. يوم رمت ابعده عن شموه الياهل من سنين وخليتها تهينه وسط ميالسهم اختفى موليه وسافر وما فكر في يوم في الحيواااانه اللي ترقب نظرة من عينه .. ما فكر فيه وانا الي اعشق ترابه وماطاااااه ..
مافكر فيه ريموووه ابد .. كل قلبه وروحه عند هاييج الـ ....
اكرهها ريمووووه اكرههاااااااا ..
واكره اخوها الـ .... مادانيه ولا اداني طاريييييييه .. انا ماعرف كيف في يوم تخبلت ورضيت آخذذذذذه ..
أخذت تشهق ببكاء مرتجف بينما كانت صديقتها تهدأ انفعالها المفتقر للعقل بكلمات قصيرة ..
: تسأليني ليش خذذذته ..؟!! جيه انا كان عنديه حل غير انيه اعرس وافتك من حشرة امااااايه ..!!!
هذاك الززفت سافر يوم صارت السالفة ولا طاح الدار الا عقب كم سنة .. كنتي تبينيه اترياه يلين ما يرد حضرته وعقب اترياه مرة ثانية لين ما يفكر الشيخ يرحم حااااليه وياخذنيه ..!!!!
ما كان فإيديه حيلة .. لو كان عنديه أمل واحد بالميه انه يفكر فيه كـ حرمة وحبيبة والله ما خذت احمدوه ولا فكرت اودر بوظبي واسير العين ..
وأردفت بذات صراخها المجنون: ولا كنت بفكرررر اييب عيال منه .. زيووود وسعووود غلطة والحمدلله رمت اعق اللي عقبهم قبل لحددد يعررررف ..
استمرت بالحديث مع صديقتها واخراج كل اعاصيرها الداخلية غير مدركة بالشخص الذي سمع كل حرف خرج من فاهها ..
لم تدرك حتى شعرت بقبضة يد عنيفة تمسك بشعرها من فوق حجابها وتجرها لخارج السيارة بقسوة نمرودية صرفة ..
.
.
انزل رأسه شاعراً برغبة شديدة بالتقيؤ ...... ثم رفع بحدة ذقنه وهو يأخذ نفساً كبيراً لم يزده الا اختناقاً/لوعةً .....
وبنظرة تحولت للضباب التام .... ضرب بكل قوة اعتمل روحه المنصهرة مقود السيارة وزمجر بنبرة مجروحة مثقلة بالوجع الصادم بحرقة القلب:
لييييييييييييييش .. ليييييييييييييش تسووين فيه جييييه ليييييييييييييش ..!!!!!
حبييتج من كل قلبيه .. والله حبيييييييتج وووووالله .. ليش جيييييه سويتي لييييييييييييش ..!!!
.
.
.
.
.
.
.
وصلت طرقات قلبه لأعلى قمة في دماغه .... عيناه الصقرية تحولتا لشيء يصعب تفسير ماهيته وهو يرى امامه جسد ابنة عمه الذي استطاع اخراجه من تحت السيارة ... ولكن "متحطماً" ..
جالت نظراته على الزبد الخارج من فمها بينما انفاسها الثقيلة المتقطعة تخرج بصعوبة عبر أنفها .. عيناها اللتان كانتا كـ ماستان تتألقان قوةً وحياةً غدتا كزرقة البحر الميت .. وجهها الفاتن أصبح مرادفاً للون هذا الليل المشؤوم ..
امسك جبهته بقوة وتمتم بـ صوت ثقيل أثقله عظمة هذا المشهد المؤلم: لا إله الا الله .. لا إله الا الله ..
وبحركة سريعة متيقظة خرجت مع تجربة سنين طويلة في مجال الأمن وفي مجال لعبة الموت والحياة .... جثى على ركبتيه وقرب فمه من أذنيها وبدأ يلقنها الشهادتين .. فهو ليس بـ جاهل كي لا يدرك انها الآن "تحتضر":
عوووشة عوووشة .. قولي ورايه .. اشهد ان لا إله الا الله واشهد ان محمد رسول الله ..
تشهدي عووشة تشهدي ..
قولي اشهد ان لااااااا إله الا الله واشهد ان محمد رسول الله .. عليها احيى وعليها امووووت ..
شهقت عوشة بقوة من بين زبد فمها ورمقت بعينان ثقيلتان غائمتان وجه سلطان القريب .. لسانها الثقيل انبأه انها ترغب بالتفوه بأمر يجول في خاطرها .. لم يدعها تتفوه بشيء غير الشهادة ..
فهي الآن بين يدي الله عز وجل ..
وبصوت جبار قاسي ثابت أخذ يكرر تلقينها: يا ام زااااااايد تشهدي .. قولي اشهد ان لاااا إله الا الله واشهد ان محمد رسووول الله ..
لمح لسانها الغارق بالدماء يتحرك .. اقترب منها أكثر حتى يسمع ما تريد قوله ..
عوشة بلسان ثقيل/ميت/خالٍ من الاحساس: سـ سـ سـ سلطـ طـ طـ طـاان ن .. أ أ أ حبـ بـ بـ ك ك ..
أ أ أ حبـ بـ بـك ك ... سـ سـ سـ سلطـ طـاان ن .. أ أ أ حبـ بـ بـ ك ك ..
أنـ نـ ت ..... لـ لـ للي .. أنـ نت ..... لـ للي ...... سـ سـ سلطـ طاانن ..
ارتجفت يداه القويتين ومعه فكه من هول الموقف .. صدمة كاسحة تلك التي تلقاها ما إن سمعها تتفوه باسمه بدل ان تذكر الله في هذه اللحظة المهيبة ..
هدر بانفعال أعتى وأشد صرامةً وهو يكرر تلقينها الشهادتين: اذكري الله يا عووووووشة .. قولي وراااايه ..... اشهد ان لا إله الا الله واشهد ان محمد رسول الله .. اشهد ان لا إله الا الله واشهد ان محمد رسول الله عليها احيى وعليها امووووت ..
تشهدي يا بنت الناااااااااس انتي بين ايد رب العالمييييين ..
شهقت شهقة قوية وصدرها يعلو ويهبط بجنون وكررت بلسان ثقيل كالصخر: أ أ أ أنـ انت لـ لـ للي .....
سـ سـ سـ سلطاااانن ...... لـ لـ لـ للي ..
لـ لـ للي ..
وفجأة ..... شخصت عيناها الحادتان حتى كادتا تخرجان من محجريهما .... وتغرغرت تغريرة ليس لها حيلة ...
ثم شهقت شهقةً أخيرة انتفض معها كامل جسدها المُحطّم ..
وخارت كل قواها واعضاءها ..
وسكنت تماماً ..!!!!
.
.
.
.
.
.
.
قبل بزوغ شمس الصباح بدقائق
بعد مرور ساعتين تقريباً على مرورهم منفذ البطحاء في السعودية .... توقفت السيارة في إحدى المحطات لتعبئة الوقود وقضاء حاجياتهم من زاد وشراب وحمام "اعزكم الله" ..
كانوا قد قرروا مسبقاً ان يتبادلوا القيادة ما إن يشعر أحدهم بالتعب .. حتى سيف ذاته اصر اصراراً شديداً ان يقود بعد ان ينتهوا من المحطة بدلاً من صديقه محمد "أبا شامس" ..
دخل الجميع سياراتهم .. سيف ومحمد في سيارة محمد .. بينما باقي الاصدقاء في سيارة أخرى ..
طلب من صديقه الدخول للسيارة حتى يجيب على هاتفه الذي رن ..
وبعد مرور بضع دقائق ..
استند سيف على السيارة مغمغماً بـ صدمة شديدة: لا حول ولا قوة الا بالله .. إنا لله وإنا إليه راجعون ..
لمح صديقه وجه سيف الذي انقلب بشكل مريب .. نزل من سيارته ليسأله عما يحصل معه ..
هز رأس سيف رأسه وقال بنبرة خشنة حزينة: إنا لله وإنا إليه راجعون .. هذا اخويه بطي متصل .. يقول حرمة عميه أحمد توفت البارحه في حادث ..
محمد بنبرة عالية قوية: إنا لله وإنا إليه راجعووون .. شقاااااااااايل ..؟!!
هز سيف كتفيه بعدم معرفة: ماااعرف .. يقول انجلب موترها على جسر مصفح ..
هز صديقه رأسه هاتفاً بتأثر حقيقي: لا حول ولا قوة الا بالله .. الله يرحمها ويجعل مثواها الجنة ..
تنهد سيف بضيق خانق ورد: اللهم آمين ..
أردف ما ان شعر ان اصدقائهم قد انتظروهم كثيراً .. قرر ان يعلمهم بالخبر وان يرجعوا في الحال للإمارات ..
وبعد مرور دقائق أخرى ..
كان هو يقود سيارة صديقه محمد بدل عنه .. ومن خلفه اصدقائهم في السيارة الأخرى والذي تخطاهم نحو 15 كيلومتر..
حالته النفسية قد زادت سوءاً عندما تلقى الخبر ..
يالله .. كيف حدث هذا ..؟!!
لا حول ولا قوة الا بالله ..
فليكن الله في عونك يا عمي .. فليكن الله في عونك ويرزقك الصبر والسلوان ..
استدار الى صديقه ورآى بأنه قد غفا .. خفض من صوت الراديو كي يتسنى للمسكين النوم براحة وهدوء واستمر هو بالقيادة بصمت تام ..
لم يكن مدركاً انه يقود بسرعة تعدت الـ 220 .. وانه يضع على دواسة البترول كل مشاعره السلبية وضيقه المتزايد منذ ايام في روحه ..
لم يكن مدركاً لشيء ابداً حتى خرجت فجأة امام ناظريه شاحنة كبيرة آتيةً باتجاهه ..
ولم يستوعب انه يقود في شارع ذو اتجاهين متعاكسين الا بعد فوات الأوان ..
نهـــاية الجــــزء التــــــاسع عشــــــــر
|