كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجزء الرابع عشر
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الجــــزء الرابــــع عشــــر
،
من قربه يتناسل البعدُ
وببعده يتكاثف الودُّ
فكأنني نور يكللهُ
عتمٌ وعتمٌ نوره وجدُ
أسعى لهُ ولَهَاً فيأخذني
في رحلتي خلف الرؤى الحمدُ
يمتدُّ بي بصري فلا جهةٌ
تغتاله .. يعمى فأمتدُّ
أنا حيرةٌ حلَّ اليقينُ بها
فكأن ناري وهجها بردُ
وكأن بي صحراء قاحلة
وكأنني يغشاني الوردُ
وكأنني في الغيب أغنيةٌ
وكأنني أبدو ولا أبدو
وقتي تعانقه مشانقهُ
وعلى حروفي ينهض الخلدُ
سري يكبلني فأطلقه
فكأنما أفقي هو القيدُ
أرتدُّ من قلق إلى قلق
أغفو على قلقي فيشتدُّ
أسري تغيبني نوافذُهُ
والغيب بي بالكشف يرتدُّ
في الريح أقرأ ما ينازعني
وأراود الأسرار إذ تعدو
فيعيدني صمتي لعزلته
فكأنه لمسافتي غمدُ
أفضي لخافيتي مدى تعبي
ونوافذ الأحلام تنسدُّ
فتجيبني لا تحزني ودعي
تلك الرؤى من غيبها تبدو
فأذوب في رؤياي من وله
يسعى فليس من الهوى بدُّ
وأهيم في الأسرار حائرةً
والحائران : القربُ والبعدُ
في داخلي ضدان ما ائتلفا
والمقلقان : الحزن ُ والسعدُ
لا ينجلي حسن بمفرده
فالنور في الأعماق يسوّدُ
والشهد في أعماقه مرٌّ
والمرُّ في أعماقه شهدُ
كلٌ تكامل في تناقضه
والشاهدان : المهدُ واللحدُ
كلٌ تباين في تكامله
فالضد يُكملُ سره الضدُ
لـ بهيجة مصري إدلبي
،
أبوظبـــــي
انزلت نافذة السيارة وهي تتنفس الهواء المُنعش رغم حرورته الخفيفة ووجهها الأسمر الخمري مُبتهج يعلوه بسمة صافية لا تشوبها شائبة ... التفتت لجدتها وهي تهتف بنبرة ناعمة كـ أسمها الحريري تماماً: يدوه رمستي خالوه ام حميد قبل لا نظهر ..؟!
أخاف الا عندها خطار ولا ظاهره منيه مناك ؟!!
(خطار = ضيوف) (منيه مناك = هنا او هناك)
أجابت الجدة أم هامل وهي تعدل برقعها اللامع تحت ضوء مصابيح الشارع الليلية: هيه رمستها وخبرتها ان نحن يايات ..
أردفت بتهكم طفيف: الا فطيم السباله شحقه ما رابعتنا ..؟!
ناعمة: تقول عندها كويز باجر ..
رصت الجدة على عيناها المتجعدتان بتهكم أكبر وعدم فهم: اشوووه ها كويز بعد .؟!!
ابتسمت ناعمة لتظهر صف اسنانها اللؤلؤية وقالت: يدوه اقصد امتحان صغيروني ..
ضربت الجدة كفها الأيمن على الأيسر وقالت باستنكار العجائز: يوم انه على قولتج امتحان صغيرون، شعنه ماذاكرته قبل ويت ..
وأشرت بيدها بحنق: الا هي مودره المذهب وما تبا تسيّر على الأهل والعربان .. امفففففف ... عيال آخر زممممن ..
(مودره المذهب = تركت الادب/العادات والواجبات)
وأخذت ناعمة تستمع لتذمر جدتها المحبوب بابتسامة صامتة إلى أن وصلتا إلى بيت العم أبا حميد شقيق أبا سلطان الأصغر ..
دخلت السيارة عبر الباب الخارجي الضخم وتوقفت امام الباب الداخلي الكبير، بعدها خرجت ناعمة قبل جدتها لتدور حول السيارة وتفتح لها الباب وتساعدها على الوقوف والسير ..
وعند اقترابهما من باب البيت رأتا أم حميد تنتظر في صدر الباب وتحمل المبخرة بين يدها وترحب بهن بصوت عالي رنان ينضح حباً صرفاً وألفة حانية ...
اقتربت ناعمة اكثر وهي تمسك بجدتها الى ان وصلتا الى المرأة وألقتا السلام عليها بذات ترحيبها الانثوي الرنان ..
دخلت النسوة الى الداخل، وامضين الوقت بالسلام والكلام، والسؤال عن الحال والأحوال ..
هتفت أم حميد من بين أحاديثها: ام هامل عنيه افداج شعنه تعبتي روحج وييتي، والله انيه امسات قايلة حق حنون انيه بالسبت المسا بخطف جدا ام هامل بسلم عليها وعلى ناعمة ..
( بخطف جدا = اذهب إلى/أمُر على)
هتفت ناعمة باستنكار رقيق ودود: افا بس خالوه شوه هالرمسه .؟!! ... انا اييج يلين عندج واسلم فديت قلبج ...
مسدت أم حميد كتف ناعمة بحنان بالغ وهي تهتف بعينان باسمتان: واايه عنيه افداج يا بنت هامل .. اسميج الا راعيه مذهب وما يلحقج المنقود .. حي من بياخذ دانةٍ شرواج ..
كتمت بقوة بسمة خجولة كادت تهز من صلابتها .. بسمة ناضحة بمشاعر غريبة لا تُفسّر ...
مشاعر استغربت منها تماماً ..!!
فهي لطالما نفرت من فكرة زواجها بالرغم من بلوغها للتو عامها الخامسة والعشرين ... لطالما كانت فكرة ان ترتبط بأحدهم بعيدة كل البعد عن مسار تفكيرها الطبيعي اليومي .. وهي تؤمن تمام الايمان بأن الذي تشعر به من نفور ما هو الا غريب عن فطرتها كفتاة عادية تحلم مثل غيرها من بنات جنسها بالحب والزواج والأطفال ..
ولكنها كما قالت لصديقتها روضة في السفر .. هي تلغي معنى أهمية الزواج لارتباطها العاطفي الكلي بأمور تراها هي الأهم ... كالعلم والتدريس .. كذلك تفكيرها الجدي في اكمال دراستها واخذ شهادة الماجستير والتي ستكون متمحورة بالتأكيد في التاريخ وعلمه الذي لا ينضب بكافة مجالاته وانواعه ..!!!
وقبل كل تلك الأسباب، هي حقاً لم ترى شبيهاً لرجالها، أباها، عمها، وأخاها ..
لم ترى حقاً شبيهاً إلاااااااااا .......
جفلت نبضة من قلبها ذعراً ما إن تذكرت خيال شخص اقتحم بكل عجرفة رجولية تفكيرها المُرتبك الخجول ..
من هذا الذي جعلكِ تقولين "إلاااااا" يا أنتِ ..!!
مـــن ..!!
لا .. فلتعقلي يا ناعمة ولتدركي بأن خفقات قلبك الآن ما ان تذكرتي ذاك الرجل ماهي الا خفقات تهوى اللعب قليلاً بارتجافاتك الجسدية ..!!
فقط يا ناعمة .. هذا كل ما في الموضوع ..!!
امسكت لا إرادياً بأصبعها الذي فارق منذ ايام خاتماً كان قريناً له لسنين طويلة، وهامت على ساحبة ذكرى كانت بالرغم من قوة وقعها المهيب على روحها ... الا ان .... وياللغرابة ما تشعر .... تجده في قمة العذوبة .... في قمة الاثارة ..!!
لم تخرج من تلك الذكرى الا على صوت جدتها ام هامل وهي ترحب ببحة باسمة عميقة بالتي دخلت للتو عليهم:
مرحبا مرحبا بـ العوش مرحبا الساااااع ..
استدارت ناعمة برأسها لحيث الفتاة التي لطالما احست بالنفور منها بسبب ما تبعثه من نظرات وابتسامات غير مطمئنة تجعل من ناعمة تظن دوماً أن رأس "تلك" لا يتوقف عن عمل خطط شريرة خبيثة كخبث حدة عيناها السوداوان الصغيران ..
اغتصبت ابتسامة جامدة وهي تقف لتتلقف سلام عوشة التي ارتسم على محياها تلك الهالة الغامضة المُنفرة ..
جلست عوشة وهي تهتف لناعمة بنبرة باسمة مُبطنة "بخبث وبُغض" .. تبغض هذه الناعمة وتبغض ثقتها وقوة شخصيتها المثيرة للإستفزاز: الحمدلله على السلامة ناعمة ..
رفعت ناعمة بنعومة شعرها الذي انسدل بكل غنج على عيناها وهي تهتف ببسمة باردة: الله يسلمج ويسلم غاليج من الشر ..
أردفت بهدوء متحفظ: اشحالج عوشة يعلح الا بخير ..؟!
عوشة ببسمة ظهرت مع لمعان عينها الخبيثة: انا بخير وسهالة ربي يسلمج
وجهت عوشة نظراتها لوالدتها عندما سمعتها تتساءل بدفء: امايه عوشة .. ريلج وعيالج وينهم ..؟!!
أجابت عوشة بابتسامة باردة: العيال تموا مع عيال عمهم في العين، واحمد كان ياي بوظبي عسب يخلص كمن شغله وقلتله نزلني بيت ابويه في دربك .. عاده نزلني وسار .. مستعيل هو ..
هزت أم حميد رأسها بتفهم: هييييييه زين ..
التفتت عندها عوشة لأم هامل وأخذت ترحب بها بكلامها المعسول "المُتزلف".. فهي تعرف تماماً كم ام هامل تحبها ولطالما ارادتها لإبنها سلطان من قبل ..
ولكن تلك الشماء هي من دخلت حياتها وهدمت بكل غطرسة ودهاء ارتباطها المستقبلي بـ حبيبها ..
أجل حبيبي ..!!
أنت حبيبي يا هذا .. وستظل حبيبي وملكي حتى لو اضطررت بأن اذبح بيدي كل من يفكر بأخذك مني ..!!
أتسمـــــع ..!!
حركت ناعمة جانب فمها بامتعاض صرف وهي ترى الكذب والتزلف بكلام عوشة، ثم التفتت لأم حميد وهتفت لها بخفوت ناعم: حنون فديتها وين ..؟!!
اجابتها ام حميد: حنون فوق، الحينه بخلي البشكارة تزقرها
ناعمة وهي تأشر بيدها بـ "لا": لا فديتج خلج مستريحة انا بسيرلها حجرتها ..
وقفت وهي تستأذن الجميع بأنها ستصعد للطابق العلوي لترى حنان التي في الحقيقة هي تحبها وتفضلها كثيراً على عوشة المتكبرة .... فحنان هذه اسم على مسمى .... وتحمل في روحها شخصية رحبة مثقلة بالطيبة والأخلاق العالية المُرهفة .... وترى ناعمة أنها تتقاسم مع حنان الكثير من الميول في الحياة سواء من حيث التفكير او السلوك العام ..
بينما ناعمة تصعد الدرجات الطويلة، رأت حميد ابن عم عمها سلطان، ابتسمت له بدفء حاني يشع صفاءاً .. فهذا الولد ذو العمر المقارب لعمر شقيقها الصغير حمدان ذو قلب طيب ونفس سموحة على غرار سماحة وجه شقيقته حنان ..
قالت بنعومة بعد ان ألقت السلام عليه: اشحالك حميد ..؟!!
اجاب حميد بوجه احتقن من الخجل وبنبرة اخرجها خشنة تنضح رجولة مبكرة: بخير ربي يعافيج، وانتي اشحالج ناعمة ..؟!!
مالت ناعمة رأسها بغنج فطري وهي تمسد رأسه وردت: انا الحمدلله بخير فديتك ..
أردفت وهي تكمل سيرها: اختك حنان في حجرتها صح ..؟!!
هز حميد رأسه بـ "نعم": هيه .
.
رمقت الفتى نظرة باسمة أخيرة وذهبت ..
عندما وصلت، طرقت باب غرفة حنان ودخلت ما إن سمعت الإذن بالدخول ..
هتفت بنبرة مُبتهجة عالية: هاااااااي ...
صرخت حنان وهي تقذف الكتب التي امامها بصدمة تخللها سعادة بحتة: نعوووووووووووم ..
هرولت نحو ابنة اخ ابن عمها سلطان واحتضنتها بقوة قبل ان تهتف بسرور عارم يسري داخله ذبذبات اشتياق حقيقي: ولهت عليج يا حمااااااااااارة ..
.
.
.
.
.
.
.
رأس الخيـــــمة
كان ممداً جسده على طول الأريكة وهو يشاهد إحدى مباريات المهمة على قناة الجزيرة الرياضية بكل أعصاب مشدودة متذمراً بين الفينة والفينة على الحكم وقراراته الجائرة بنظره ..
قطب حاجباه باستنكار على من يتصل به الآن ليقطع عليه مباراته الثمينة ... التقط هاتفه وهو يقول بخشونة لم يتعمدها: ألووو ..
: وييييييووووووو شقيناكم شششششق .. روح روووح إلقط ويهك يا عمممممي ههههههههههههاي ..
رد بضحكة رنانة: ههههههههههههههههههه جب جب بعدها المباراة ما خلصت لا تقعد تتفلسف عليّيه ..
اجابه صديقه: ههههههههههههههههه صدقني يعقوبوه غالبينكم يعني غالبينكم ..
رفع يعقوب حاجباه باستهزاء باسم: وايد واثق الاخ، نحن الغالبين ان شاء الله .. من يضحك اولاً يبكي اخيراً
أخذ يدردش قليلاً مع صديقه ويضحك على احاديثه المرحة قبل أن تدخل شقيقته مريم ومعها ابنتها الكبرى نهلة ..
ودّع صديقه واقفل الخط .. ثم وقف ليسلم على الآتيتان بدفء رجولي أخوي وقال: وين يعقوب وعبود ..؟!!
خلعت مريم حجابها وعباءتها وهي تجيبه: ساروا مع عيال عمهم السينما ..
حمل يعقوب نهلة وهو يضغط على خدها بقبلة كبيرة: وهالعسل شحقه ما راحت معاهم ..؟!!
زمت نهلة فمها بحنق مُستاء لتهتف: امايه ما طاعت اونه عندي امتحان باجر ولازم اذاكر ..
لمح يعقوب الكتاب الذي تحمله نهلة ليقول بنظرة خبيثة: وطبعا محد بيدرس الشيخة نهلة الا الجرندايزر يعقوب هااه ..!!
جلست شقيقته مريم وهي تهتف من بين ضحكاتها: ههههههههههههههه شسوي يا خويه، انا مووليه مافطن شي في الرياضيات .. يبتها عسب ادرسها وتفهمها ..
(مافطن = لا افهم) (موليه/مول = أبداً)
يعقوب وهو يجلس بجانب أخته: عاده ييتن في وقت غلط .. قاعد اشوف مباراه ..
ثم هتف لـ نهلة برقة رجولية: بترتيين يا حلوة إلين ما تخلص المباراة ولا ..!!
(بترتيين = هل ستنتظرين ..؟)
هزت نهلة رأسها بابتسامة كبيرة: هيه هيه عادي، اصلا انا فاهمة كل شي بس في مسألتين ما فهمتهن ..
يعقوب: زين عيل ..
أتت أم يعقوب في تلك الاثناء لتلمح ابنها وابنتها فلذات أكبادها أمامها ..
ابتسمت وهي ترى كم أن الاثنان كبرا وأصبحا في أقصى مراحل النضوج .. فابنتها من بضعة سنوات تزوجت واستقرت في منزلها .. والآن هي تجر خلفها فتاة جميلة وولدان كقطع السكر ..
التفتت لولدها قطعة قلبها .. هنا اختفت ابتسامتها الجميلة لتحل محلها تنهيدة ضيقة لم تصل لمسامع أي واحداً منهم ..
قلبها ينفطر .. فهي لم تعتد ان ترفض لأبنها طلباً .. بل لم تعتد ان ترسم على وجهه الحبيب معالم الضيق او الحزن مطلقاً ..
ولكن موضوع تلك الفتاة والزواج منها ترفضه ...!!
ترفضه وبشدة ..!!
نعم .. فابنها منذ أيام وهو يحاول اقناعها بقريبتهم موزة .. ولكنها لا تتقبل ان تزوّج ابنها الوحيد من فتاة بكماء لا تتكلم، بل فتاة عاشت في كنف عائلة واجهت مشاكل ومصائب كثيرة ...!!!!
بالتأكيد هي فقدت نطقها بعد صدمة نفسية عظيمة .. فكيف بحق الله تزوّج ابنها من فتاة تعيش في دوامة مرض نفسي الله وحده يعلم ما هي نتائجه عليه وعلى حياتهم المستقبلية ..
لطالما احبت موزة منذ ان كانت صغيرة، وتعتبرها مثل ابنتها مريم .. ولكن موضوع زواج ابنها منها وهي بتلك الحالة حساس لدرجة اللامعقول ..
باختصار هي لا تستطيع تقبل ارتباطهم .. حقاً لا تستطيع ..!!
فهذا هو ولدها الذي خرجت منه في الدنيا بعد وفاة زوجها الغالي ..!!
أليس من حقه عليها ان تمنعه من فعل ما قد يضر بمستقبله ..!!
أليس من حقه عليها ان تزوجه للتي تراها مناسبةً له ولحياته المقبلة ولأولادهم الذي سيأتون لاحقاً بإذن الله ..!!!
تنهدت هذه المرة بقوة وبشكل مسموع ليلتفت إليها كلا ابنائها .. اُنير وجه مريم بابتسامة جميلة وهي تقترب من والدتها لتسلم عليها بينما تحولت ملامح وجه يعقوب للون هو خليط من خيبة/خذلان/حزن ..
فهو يريد صاحبة بركة العسل .. يريدها حد الرمق الأخير ..!!
ولكن كيف ينال شرف قربها ووالدته رافضة هذا القرب .. بل لا تعطيه اقل مجال ليحاول اقناعها بجدوى هذا الزواج ..!!
الا ترى أمه حبه الناضح وقلبه المعلق بأهداب "تلك" العذبة ...؟!!
ألا تستطيع فقط تصفية نظرة عيناها ورؤية ما يريده هو .. لا ما تريده هي ومن زاويتها هي ..!!!
.
.
.
.
.
.
.
جلسن الأربعة أمام الاستشاري بعد أن وقف بكل أدب وتهذيب رجولي وسلم عليهن بكل مهنية مطلقة ..
كانت هي مطرقةً رأسها وهي تشعر ان قلبها قد تشكل بداخله كافة انواع الانفعالات .. انفعالات خليطة من خجل/ارتباك/حيرة/خوف/قلق ..
فهي منذ ان رجعت لشقيقتها التي كانت في احتدام حاد في النقاش مع عمهم مبارك، وهي في وضع نفسي غريب بين خوفها العاطفي من دقات تتمرد بمجرد رؤية هذا الطبيب، وبين دقات تتمرد جزعاً من مخططات عمها التي لا تنتهي ضدهن ..!!!
خائفة .. خائفة حد رغبتها الشديدة بالهروب .. تريد أن تهرب .. تريد ان تبتعد عن هذه الحياة المليئة بالأطماع والشرور ..
تريد ان ترفع غطاء سرير أبيها وتنزوي بين احضانه الدافئة وتنام مثله ..
تنام الى ان تختفي تلك الشرور من عالمها الوردي ..
تفتقد الحنان، بل تتعطشه وتجوعه وتبكي عليه ألماً ..
هي لا تتحمل .. قلبها "الذي ينمو ببطء لفقر العاطفة في الدم" لا يتحمل هذه الحياة القاحلة ..!!
هي تعشق أمها وشقيقاتها، فهن من بذلن الجهد لكي لا تشعرنّها بالوحدة والنقص العاطفي، ولطالما قدّرت واحترمت هذا الشيء بكل قدسية روحية، ولكن الرجل في حياة الانثى أمر مختلف ..
الاب في حياة ابنته أمر مختلف .. مختلفٌ تماماً ..!!
آآآآآآآآآآه يا أبي، ليتك معي واقفاً قربي لأملئ رئتي بأنفاس قربك العودي ..
ليتك معي لأشكو لك كما كنت طفلة عن الذي يجري في قلبي من ضيق وألم ..!!
ليتك معنا انا وشقيقاتي ونحن نواجه أخاك الذي يريد ابتلاع حقوقنا بغير وجه حق ..!!
قطع تسلسل عاطفتها المُتعذبة وهي تسمع تنحنح الطبيب الذي هتف بنبرة حازمة مهنية: ام فاطمة اول شي خليني اشرحلج الوضع الصحي الحالي لـ خليفة .. خليفة مثل ما تعرفون كلكم ما يشتكي من مشاكل عضوية ابداً، واللي اكتشفته بعد ما شفت الاشعة والتحاليل ان خالي تماماً من اي مشاكل في الاعصاب والدماغ، اتوقع الدكتور صبحي قالكم عن هالموضوع ..
أومأت أم فاطمة رأسها بخفة واجابته بحزم: هيه نعم خبرنا عن حالته كلها ..
طرق الدكتور ناصر بخفة طرف قلمه بأصابعه الطويلة وهتف بنظرة عميقة: الوالد يعاني من أزمة نفسية تمنعه من الاستجابة للمحيط الخارجي ..
اتسعت أعين الفتيات ومعهن والدتهن التي قالت باندهاش يفطر الوجدان: أزمة نفسية ..؟!!
أزمة شو دكتووور ..؟!
أجاب الدكتور ناصر بحزم هادئ محاولاً عدم بث الجزع في أنفس النسوة: أم فاطمة ممكن شوي تسمعوني ..
أردف بعد أن لاحظ التركيز التام الموجه إليه من أعينهم القلقة حد الموت: على حد علمي ان خليفة دخل الغيبوية من حادث صارله .. في البداية كان هذا السبب ويوم تلقى العلاج كان المفروض تدريجياً يستجيب للمؤثرات الخارجية المُحفزة للدماغ لأن العوامل المُسببة للجلطة خلاص ما عادت موجودة، بس عقله الباطن ما استجاب وهذا دليل قوي ان الوالد ما يبي يقوم ..
حك الدكتور جانب حاجبه بتفكير وتابع: وخلوني اكون صادق معاكم، أتوقع والله وحده اعلم ان الوالد تعرض لأزمة وايد كانت كبيرة عليه قبل لا يصيرله الحادث .. والحادث ما كان الا حافز له انه يبتعد عن الواقع اللي كان عايشنه ..
هتفت روضة ونبرتها الخافتة توضح ما ينتابها من خوف/قلق: يعني دكتور هو يقدر ينش من غيبوبته لو قدرنا نعرف من شو هو يشتكي نفسياً وساعدناه عسب يتخطاها ..؟!!
أجاب الطبيب بحزم مطمئن: اي بيقدر بعون الله بمساعدة نفسه وبمساعدتكم .. لكن هالموضوع يبيله صبر وطولة بال يا جماعة، لأن الظاهر انتو ما تعرفون اهو من شنو يعاني ..
قالت فاطمة "ام محمد" بنظرة تحمل في طياتها القلق العاصف: لا والله يا دكتور ما نعرف ..
وجه الطبيب حديثه لوالدتهن أم فاطمة: ام فاطمة يمكن انتي تعرفين اهو من شنو جذي ..
هزت أم فاطمة رأسها بـ لا وقالت بنبرة يغلفها الألم/الاحباط: خليفة ما شاء الله عليه كان ريال مؤمن مصلي ذاكرٍ ربه .. وكان يلزم القرآن والاذكار دوم لو تضايج ولا زعل من شي كبير .. وكان أصلا ايي عندي ويرمسني باللي في خاطره يوم يتضايج .. بس انه يعاني من أزمة نفسية تخليه ما يبا ينش من غيبوبته ...!!!! *هنا ارتجف صوتها وامتلئ بالعبرات الأليمة واكملت*
ماعرف ماعرف .. الله يخليك دكتور شوف حل لهالسالفة .. نحن متجلين على الله سبحانه ثم عليك ..
(متجلين = متوكلين)
وقفت شيخة لا إرادياً لتقترب من والدتها وتحتضنها بخفة وهي تهمس بكلمات مطمئنة تضج بالايمان/اليقين: امايه علني افداج هدي ... ابويه بإذن الله بينش بالسلامة .. بإذن الله .. هدي فديت قلبج خلاص ..
مسحت ام فاطمة دموعها من تحت غطاء وجهها الطويل لتهتف بخفوت: لا اله الا الله محمد رسول الله ..
أردفت وهي تمسد يد شيخة المحيطة بكتفيها: امايه شيخة هاتيلي ماي ..
قالت شيخة بسرعة: ان شاء الله ..
وقبل ان تخرج، قال لها الطبيب بنبرة حازمة موغل بدفء غريب: الشيخة ما يحتاج، عندي ماي ..
تسمرت بمكانها وكهرباء اخذ يسير على طول فقرات ظهرها عندما سمعت للمرة الثانية كلمة "الشيخة"
أيتها المجنونة، إنها كلمة تخرج من باب الذوق العام، فلتتركي عنك رجفاتكِ الحمقاء هذه ..!!
التفتت إليه ورأته وهو يقف ليخرج من ثلاجته الخاص قنينتين صغيرتين من الماء، وضع القنينتين أمام أم فاطمة لتبادر هي وتقول بصوت امومي عطوف: مشكور ولديه ..
ابتسمت عيناه بحنان عندما سمع كلمتها العفوية "ولديه" .. وتذكر بشكل شجي والدته الراحلة رحمها الله ....
هتف بعد ان لمح طيف "تلك" تجلس بخجل/ارتباك: الوالد بإذن الله سبحانه وبمساعدتكم بيقوم بالسلامة وبيرجع لكم بكامل صحته وعافيته .. لكن هالموضوع مثل ما قلت يتطلب صبر وتحمل ..
تنهدت فاطمة تنهيدة غير مسموعة لتهتف بعدها بحزم: ان شاء الله دكتور ..
قلب الدكتور الأوراق التي امامه هاتفاً بنبرة حازمة: على العموم انا باكون على اطلاع على حالة الوالد حتى لو رجعت قطر، بتم ان شاء الله على تواصل مع الدكتور صبحي وبيزودني بأي شي يستجد في حالته ..
لا تعرف شيخة لمَ سرت فيها رجفة حادة ... رجفة مؤلمة حد الوجع وهي تسمع ما تفوه به الدكتور ناصر للتو ..!!
شعرت بغصة كبيرة تتكور في حنجرتها لم تتمكن حتى من ابتلاعها بسهولة، انزلت عيناها الى الأرض محاولةً السيطرة على تعابير وجهها الذي غدا شاحباً ....
سمعت أختها الكبرى روضة وهي تقول برسمية للطبيب: توصل بالسلامة دكتور .. وتسلم على تعبك معانا ..
أجاب الطبيب برجولية بحتة: الله يسلمج من كل شر اختي، لا تعب ولا شي هذا واجبي وحقكم علي كـ طبيب ..
وبعد ان تلقّين عدة نصائح توجيهية من الطبيب ناصر، خرجن الأربعة وأملهن يتجدد في ان رب عائلتهن سيستيقظ قريباً ... وانهن سيتجاوزن هذه المحنة بعون الله تعالى .....
غير ان قلب واحد من قلوبهن المشحونة بالأماني النقية قد وصل حد الاعياء العاطفي ....
فهذا القلب ........ ويالتعقد نبضاته الطفولية ..
قــد تعلـــق "بأحـــدهم" ..!!!!
.
.
.
.
.
.
.
أردف قبل أن يشرب الماء الذي سُكب داخل كأسه الزجاجي بلمعان بلوري من قبل النادل الآن: ما فيه شي الحمدلله خل عنك بس ..
ما خبرتني شو السالفة بوخويدم .. قلتلي تبانيه في رمسة ..
اعتدل بطي في جلسته وهو يتأهب لقول ما يجب قوله بحزم وثبات: هيه نعم .. واباك تسمعني إلين الاخير يا سلطان ولا تقاطعني ..
اعتدل سلطان بدوره في جلسته ليقول بنبرة رجولية قوية: قول يا خويه اسمعك ..
زفر بعمق مردداً بداخله الكلمات الذي هو بصدد التفوه بها، ثم نظر مباشرةً لعينا سلطان قبل ان يهتف بحزم ثابت لا اهتزاز فيه: يا بومييد انا شاري نسبك .....
رفع سلطان حاجباه بدهشة ارتسمت بشكل ظريف على محياه وقال: شاري نسبيه !! ... ما فهمت ..
ناوي على الثانية بطوي ..!!!
ابتسم بطي بخفة محاولاً ارخاء حبل انفعالاته قليلاً، ثم أكمل حديثه بنظرة مرحة: لا ابويه اللي عنديه تسد ...
امسك بطرف كأسه ليحركه ببطء ثم هتف بنبرة حازمة مباشرة: سلطان ... بغيتك يا خويه تكون الظهر والسند لـ هليه عقب رب العالمين ثم عقبنا ..
تنحنح بخشونة ما إن رآى معالم التصنم على تقاطيع وجه سلطان الذي بحق لم يستوعب ما سمعه .... ثم أضاف بصوت أخرجه اكثر صرامةً وثقة: ما بحصل ريال مثلك وشرواك اعطيه الصغيرونه ..
(الصغيرونه هنا يقصد به أخته الصغرى)
رفع بطي عيناه ليرى ردة فعل سلطان، وارتبك داخله اشد الارتباك عندما رآى سحب عظيمة سوداء تموج وتمور في محاجر "ذلك" ..
سحب مبهمة اللون .. مثقلة بغموض غريب ليس له شكل ولا هيئة .. سحب تفضح صدمته العاتية ..
لم يستطع بطي التراجع بالرغم من جمود سلطان وصمته المُربك للأعصاب، بل تنحنح مرة أخرى ورنة هتافه الحازم تخللها توتر اخفاه بمهارة: ادريبك منصدم من رمستيه .. بس يا سلطان انت اخويه .. نحن عشنا عمر رباعه .. انا ماعرفك من يوم ولا يومين ..
(رباعه = مع بعض)
نحن رابيين ويه بعض وتخاوينا من نحن صغاريه في الزين والشين .. على الخير والشر .. واللي وايهته منا قبل سنين ما نسيته يا الغالي ولا قد فارقنيه القهر منه .. واللي زرع غلاتك في الروح ان اللي صار لا انا وخوانيه وبويه رضينا به .. لجنه قدر الله وما شاء فعل .. عسب جيه انا الحينه جدامك ناوي اعوضك واردلك حقك .. شو قلت ..؟!!!
انزل سلطان عيناه الضبابيتان محدقاً بـ كل الأشياء، بـ كل التفاصيل، بـ كل حركة .. عدا وجه صديقه الذي جعل من قلبه مسرحاً مجيشاً بأشرس الخفقات واشدها وطأة على روحه الأبية .. خفقات لم تستوعب ضربة حديث صديقه القاضية ..!!!
مالذي تقوله يا بطي بالله عليك .. مالذي تقوله ..!!
أتعرض عليَ الزواج بــ أختك ..!!!! ..... بـ بـ بـ .....
لم يستطع نطق اسمها الخرافي حتى في قرارة نفسه ..
اسمها الذي يحكي ألف حكاية خرافية تنبأ بحدوث جرائم لا تُغتفر بدواخل وتينه ..!!
أخذ سلطان نفساً ليزفره بعدها بسرعة ... وبحدة .... زفرة جامدة الجزيئات كـ تفكيره المُجمّد تماماً ..!!
ولكن ليس سلطان من يجعل من صديقه الغالي يعيش لحظات التوتر أكثر من ذلك .... نعم .. هو يرى بطي ويرى توتره الذي يحاول اخفائه بقوة يُحسَد عليها ...!!
تنحنح بقوة ليهتف بنبرة خرجت خشنة/جامدة/صارمة: بس يا بوخويدم انت تعرف من زمان راي بنتكم على هالخطبة ..
اقترب بطي من سلطان ونظرة عيناه تتغير اثر مشاعر خليطة من غموض/خبث/ذكاء: خبرني سلطان واصدق ويايه ..
نكز بسبابته أيسر صدر سلطان وهتف بخفوت مراقباً وجه صديقه: هذا شو يبا ..!!!
انزل سلطان عيناه لحيث أشر بطي ........ وصمت ..
لم يتفوه بكلمة ..
إلى ان رفع جانب شفتيه بسخرية علقمية وابتسامته الجامدة تحكي اكثر مما يحكيه حروف لسانه: هب مهم القلب شو يبا .. المهم العقل شو يقول يا بطي .. والعقل يقول انهم ما يبونّا ..
يعترف بطي انه شعر بالسكاكين تقطع اوردته وهو يرى صديقه بهذه الحالة المريرة الموجعة، ولكنه لن يستسلم ولن يتراجع، فهذه فرصته الوحيدة ليجمع هذا المجنون بمحبوبته .. وهذه فرصته أيضا ليكفر عن ذنبه عما واجهه صديقه من اهانة وقهر فيما مضى ..
هتف بذات نظرته البراقة الخبيثة محاولاً استفزاز صديقه: افا يا ذا العلم، يغلبونك يا بومييد ..!!!!
استقام سلطان بجلسته بسرعة البرق وهتف بحدة عاتية وعلامات الغضب/الاستنكار/الاعتداد بذاته تصل لأقصى نقطة في دماغه:
انـا ولـدك يا ظـاعن ..
ما يغلبونا رياييل بشنباتهم ولحاهم عسب ننغلب الحينه من حريم يا بن خويدم ..
ابتسم بطي ابتسامة ذات معنى ليهتف بنبرة رجولية رنانة: يعل يمين من رباك الجنة ..
سلطان .. خل اعيد رمستيه عليك ..
أشر بأنفه على أيسر صدر سلطان وكرر بخفوت: هذا شو يبا ..!!
شو اللي في خاطر قلبك ..؟!
احتد فم سلطان وانفعالات كثيرة .. انفعالات محتشدة ليس لها عدد تغزو روحه بكل ضراوة ..
ماذا تريد يا قلب ...!! ماذا تريد ..
انطق ..!!
يالله يا بطي .. لمَ تفعل بي هذا ..!!
لمَ ..!!
أتنبش قبراً دُفن تحته قلباً بكل قسوة وتوارت خفقاته المجروحة خلف جنح الليل ولم تعد تُبصَر ولا تُلمس حتى في وضح النهار ..!!!!
أتحاول بأسلحتك التي اشهرتها للتو، أن تنسيني ما تذوقته من علقم الكبرياء المُهان .. الكبرياء الغارق ببحر الذل ..!!
الكبرياء الذي هُدر كـ سيل جارف من دم قاني معتم على طرقات عشقها ..!!!!
لا .. لا أظنك تستطيع يا صديقي .. حتى لو حققت ما تريده .. !!
ما يريده ..!!!
ههههههه ما يريده هو أم ما تريده أنت يا سلطان ..!!!
آآآآخ ... ما الذي يحدث له الآن بحق الله .. !!!!
وجّه سلطان تدريجياً نظراته حتى تُواجه عيون بطي السوداء ..
عيون لم تكن الا نسخة مكبرة رجولية من عيون تلك النمرودية ...!!!!
هتف بنبرة حديدية صقيعية مبهمة .. مبهمة حد تجاوز خطوط ادراك الزمان/المكان:
هل الطيب والناموس ما ينردون يا بوخويدم ..
صمت للحظات .. ليردف بعدها بنظرة مُظلمة: اللي فيه الخير ربك يجدمه ..
.
.
.
.
.
.
.
في ذات المدينة التي تحمل بطياتها اسراراً لا تُحصى ..!!
جلس على الاريكة متحدثاً الى الرجل على الخط الآخر بنبرة متعجرفة خبيثة: 10 ملايين ..
: 10 ملايييييين .!!!
ليش يا عبدالوهاب انا ولد عمك واخوك ..
رفع أبا مرشد جانب فمه باستهزاء تام وهو يقول: والله المصايب ما اتيي الا من القرايب .. انت لك عين تفتح ثمك وانت كل يوم طايحلنا في مصيبة كبر راسك الطبر ..!! .. لازم نستفيد من وراك جانك تبانا نرابعلك يمين ويسار ..
(نرابعلك = نسعى لك)
هتف ابن عم أبا مرشد بنبرة استجداء تخلله بغض حقيقي لهذا الرجل: ياخي ذليت عارنا .. قلتلك ما كنت ادري اني موقع على اوراق بهالبنود التعجيزية .. واللي يرحملي والديك طلعني منها قبل لا انفضح ..
ضحك أبا مرشد بسخرية وصلت حدها الاقصى: ابويه انت مفضوووح وخالص .. سمعتك في البلاد راحت فيها من زمااااااان ..
من ايام اللي بالي بالك هههههههههههههههههههههه
احتد فم ابن عمه محاولاً كتم بغضه وغضبه لكي لا يرمي الشتائم عليه .. فقط كي يُخرجه من مشكلته الحالية ..
هتف بنبرة كره حاد: انت السبب .. لو اني من الاساس ما طاوعتك باللي سويته جان انا يلين الحين الوزير اللي كل يحلف براسه ويطريه بالخير .. جان يلين الحينه اسم سهيل الـ.. يرن بين ميالس الرياييل والشيوخ ..
هتف أبا مرشد بذات سخريته المَقيتة: اقول بس صخ صخ .. لا تعق اللوم عليه .. بغينا مصلحتك وانت ما تستاهل .. لو انك رمت يالبغام تخش الاوراق اللي زخوها عليك ولا عرفت من زمان ان الجلب حمود سكرتيرك يتصوخ على تلفوناتك جان انت الحينه تلعب في البيزات لعب ..
(بغام = غبي) (يتصوخ = يتسمع) (البيزات = أموال)
اشتدت قبضة يد سهيل ابن عم أبا مرشد بقهر شديد ظهر مع احتقان وجهه وهتافه الفحيحي الغاضب: على اني ظهرت من الحكم براءة مرتين، لكن بعدني مغتاااااااااااااظ .. مغتاااااااااااظ يا عبدالوهاب ..
أخذ أبا مرشد يتأمل اظافره بنظرات باردة صقيعية وقال: شو تبا زود عن نفاد سكرتيك وفوقه سعيد بن خويدم ومحمد بن حارب ..!!!!
(نفاد = موت/هلاك)
.
.
.
.
.
.
.
دبـــــــي
دلف المطعم وهالته الرجولية الخاصة به هو قد انتصرت باجتذاب الأعين المنتشرة حوله بكل اعجاب وانبهار ... متفردٌ هو في طريقة سيره ووقوفه ونظراته .... ويصعب على أحد تشبيهه بـ رجلٍ آخر ..!!
فـ الوسامــة وسامتـــه .. والطلــة طلتــه وحـــــده ..!!
ارتسم على ملامح وجهه ذلك التعبير القاسي البارد "المُحتقر حد النهاية" بشكل لا ارادي ما إن رآها جالسةً في إحدى الطاولات المركونة في زاوية المطعم ..
اكمل سيره لحيث الطاولة، وقبل ان ترفع المرأة عيناها إليه .. جلس بثقل بالغ وقال بصرامة كصرامة السيف:
وين الولد ...!!!!
جفلت المرأة جزعاً من خروجه المفاجئ امام وجهها .... ثم سرعان ان اشتعلت اشعة من خبث أنثوي/سخرية بالغة على ملامحها ... وقالت: ولووو مسيو نهيان، مافي السلام عليكم او على الئليلي بونسوار ...؟!!
ما انا ميسون حبيبتك ئبل ماكون ام ابنك ..؟!!
وضع نهيان رجلاً على رجل بطريقة رجولية خشنة فظة وقال بنبرة غليظة قاسية "صقيعية": هليه ما علموني اعق السلام على حثالة .. ها اولاً .. ثانياً قلتلج ان اللي ترمسين عنها مندثرة تحت التراب من سنين .. ثالثاً *تحولت نبرته لسخرية نزقة* خل نتأكد اول ان ها ولديه ..
(اعق = ارمي)
ارتفع جانب فمه باحتقار تام وأضاف مقلداً لهجتها اللبنانية: ولوو تؤبريني .. لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين ..!!!
اطبقت ميسون شفتيها على بعضهما بغضب مكتوم بعد ان تلقفت اهانة نهيان الواضحة .... وقالت من بين اسنانها: شو ئصدك نهيان ..؟؟!!
ئصدك اني كزيبي وبخدعك ..!!! شو مصلحتي اكزوب عليك انا ئلي ..!!!!
اتسعت مقلتا نهيان بسخرية متصنعة متمكنة: اوووه حاشى لله تجذبين .. انتي تجذبين ..؟!!!
لا لا لا اللي اعرفه انج حمامة المسيد ..
(حمامة المسيد "حمامة المسجد" تُقال للشخص العاقل الخلوق التقي)
وأردف بقسوة بعد ان تغيرت نبرته من السخرية للجدية المرعبة: انتي المفروض تنجبين وتلمين ثمج .. انا اللي هنيه ارمس واقولج اللي لازم تسوينه ..
(تنجبين = تصمتين) (تلمين ثمج = تغلقين فمك)
طرق على طاولته عدة طرقات بأصبعه ثم قال بحزم مثقل بالحدة البالغة: باجر اتيبين الولد وبنسير نسوي فحص الدي إن ايه .. ولو الولد ما ظهر ولديه *التمعت شرارات وعيد فحيحي في مقلتيه واكمل*
اقسم بالله العظيم لأظهر ساعتها حرة سواياج الخاااااااايسة كلهااا على راااسج ..
(سواياج = افعالكِ)
ثم ابتسم ابتسامة لم تتجاوز عيناه .. ابتسامة ماردية مليئة بالكره والبغض ثم وقف ..
فتح محفظته قبل ان يخرج عملة ورقة ذو قيمة كبيرة وقذفها على الطاولة بغطرسة بالغة .... وذهب ..
بينما انتشرت كل مشاعر الغل، الذل، الغضب الشديد على وجه ميسون، مع توعدها الشديد باسترداد كرامتها المبعثرة منه حتى لو كان اخر يوم في عمرها ..!!!!
.
.
.
.
.
.
.
العيــــــــن
يـوم جـديد لبـداية أسبـوع جـديد
استدارت بخفة وغنج باذخ، تحسدان عليها الكثيرات من صديقاتها وزميلاتها في المدرسة، الى واجهة بوابة المدرسة الداخلية لتتأمل وجهها وترتب هيئتها قبل أن تدلف الى داخل ...
تلفتت بعيناها وابتسامة شقية ترتسم على شفتاها الكرزية وتُنير بطريقها شامتها الفاتنة ..
فتحت حقيبتها المدرسية لتُخرج قلم الكحل، الماسكرا، ومرطب الشفاه ..
وبدأت بسرعة وحذر بوضع القليل من هذا وذاك على وجهها قبل أن تخرج إحدى المعلمات أو المشرفات لتراها .. ثم ابتسمت لنفسها بكل رضا تام وتحركت للداخل .. الا انها زمت فمها وهي تتذكر بضجر أن الحصة الأولى ماهي الا مادة الفيزياء التي تكرهه ..
ولتصدُق مع نفسها، فهي تكره كل المواد العلمية ..!!
هي منذ البداية لم تكن لتدخل القسم العلمي لو ان صديقتها مهرة لم تدخلها ... لطالما هي تقول وتفعل ما تتفوه به مهرة وتفعله، فهي بالنسبة لها المثل الأعلى ولا تعرف لماذا ..!!
من المحتمل لأن مهره بشخصيتها وطبيعتها العاقلة كانت النقيض لطبيعتها هي الفوضوية، فترسخ بعقلها لا إرادياً أن الذي تسلكه مهره بحياتها ما هو الا الصحيح حتماً ..!! وهو الموجّه لها كعقلية تُصعَب عليها اختيار ما هو بصالحها بسهولة ..!!!
ومادامت مهرة دخلت القسم العلمي، فلمَ لا تدخله هي ايضاً .. وليعينها الله على بُغضها لدروسها المُعقدة الصعبة ..!!!
حسناً، يجب الآن تحمل كلمات المعلمة الشابة الجديدة .. فهي متأخرة عن الحصة أربعون دقيقة ..
ليس ذنبها ..!! إنما النوم سلطان يا عرب ..!!!!!!
طرقت الباب بخفة، لتدخل بسرعة ملقيةً السلامة باقتضاب وتمشي لحيث مقعدها الخلفي ...
وقفت المعلمة عن الكتابة على اللوح الأبيض لتهتف بنبرة هادئة تخللها نظرات لم تُبعث الراحة أبداً في قلب ميرة: ليش متأخرة يا ميرة ..!!!
زفرت ميرة زفرة لم تتجاوز مسامعها هي ... زفرة حملت الضيق حقاً .. فهذه المعلمة الشابة لا تريحها بنظراتها وتحديقها الدائم لها .. وميرة بطبيعتها المَرحة الصاخبة في الصف لا تعرف معنى الركود والصمت الا في حضور هذه المعلمة..
ليس وكأنها تخاف منها أو تحترمها بشدة .. لكنها فقط غير مطمئنة للأجواء التي تسود هذه الحصة بالذات ..
هتفت بهدوء مُقتَضب وعيناها على كتابها: ظروف مس ..
ضحكن الطالبات لاعتقادهن أن ميرة تلقي احدى كلماتها المَرحة الساخرة بينما رفعت المعلمة جانب فمها باستهزاء .. وقالت: ظرووف ..!! وشو هاي الظروف اخت ميرة ..!!!
حاولت ميرة أن لا تبين ما يعتمل في خاطرها من ضيق .... لذا هتفت بابتسامة باردة ورصت على كلماتها لكي تفهم المعلمة أنه ليس من حقها ان تتدخل بأمور لا تعنيها: ظروووووف يا مس شمسة ..
رفعت المعلمة شمسة كلتا حاجبيها بذهول ساخر، ثم قالت وهي تستدير لتكمل شرحها: اوكي يا آنسة ظروف، بعيد المسألة من ايديد يا ليت تركزين وتنتبهين ..
تنهدت ميرة بخفة وهي تزيح عن جبهتها بعض من خصلات شعرها الناعمة .... تنهدت وهي لا تدري ان طيف ابتسامة أقل ما يُقال عنها بالشيطانية تطايرت فوق مقلتا عين المعلمة ..
.
.
.
.
.
.
.
أبـــوظبــــي
في إحدى رياض الأطفال
وبرقة كرقة نسيم البحر أخذت تقص على "أطفالها" الحكاية، وختمتها في الاخير بصوت منتعش وهي ترفع عيناها الباسمة وتحدق بجميع طلابها الصغار: وبعد أن مرت السنين الطويلة، رجع التاجر الأمين لوطنه محملاً بكل البضائع التي سُرقت منه بغير وجه حق، وعاش بعدها في كنف عائلته مرتاح البال مطمئن النفس ..
تووتة توووتة ..
صاح الأطفال بصوت عالٍ صياحاً مسروراً مُتحمساً: خلصت الحدووووووتة ..
ضحكت برقة وهي ترى الضوضاء التي عمّت بالمكان ما إن انتهت القصة، صفقت بقوة وهي تهتف بابتسامة: الحين يا عسولين، بكتب جملة في السبورة، والشاطر اللي بيقدر ينسخ الجملة صح في دفتره .. اتفقنااااا ..!!!!
قفز الأطفال بوجوه مُبتهجة مُنيرة كـ نور قلوبهم النقية مرددين بقوة: اتفقناااااااااااا ...
ابتسمت قبل ان تستدير للوحة الكبيرة البيضاء وتكتب .... الا انها استدارت بجزع وهي تسمع بكاء أحد الصغار ...
وضعت القلم وذهبت إليه وملامح وجهها الناعمة تتغير للحزن: حبيبي عبدالله بلاك ..؟! شي يعورك ..؟!!
لم يُجب الطفل عبدالله وانما استمر بالبكاء الذي قطع اوردة فؤادها الصغير، وبينما هي تحاول ايقافه لتتمكن من سؤاله بشكل افضل، شمت رائحة بول "اعزكم الله" ..
علمت عندها ان عبدالله يبكي حرجاً وخوفاً لأنه فعلها في الصف ....
لانت تقاطيع وجهها المشدودة وقالت بعاطفة جياشة وهي تقبل رأسه: لا تخاف حبيبي .. الحين انا وانته بنروح الحمام وبغسلك وببدلك زين قلبي ..؟!!
استمر الولد بالبكاء بينما ظل الأطفال الباقيين يراقبون الذي يحدث ببراءة وفضول، حملت الطفل غير مكترثةً أبداً ما اذ ستتسخ ملابسها ام لا ... فـ هي لا تحتمل ابداً رؤية طفل صغير يبكي من غير ان تُسكته بقبلة أو بحضن دافء ..
احتضنته بقوة وخرجت للخارج حيث العيادة المخصّصة في الروضة ..
وضعت الطفل بعد أن طمأنته بصوتها العذب انها سترجع في الحال وانه يجب عليه ان يهدأ لأنه "رجل كبير" ..
"الرجل الكبير" هي الكلمة السحرية للأولاد الصغار، وهي من تعطيهم الحافز والتشجيع النفسي لكي يبرهنوا بشتى الطرق انهم بالفعل "رجال" ..
دلفت الإدارة وهي تضع يديها على خدها بإحراج باسم وتهمس: ياربيه عليج يا حنون، الحينه لو حد شمج شو بتسوين ..!!
هههههههههههههههههه خبله انتي والله ..
قررت أن تذهب للمشرفة الاجتماعية التي هي بالأساس صديقتها المقربة، فاللجوء إليها وهي بتلك الحالة أٌقل وقعاً واحراجاً من اللجوء لزميلاتها الأخريات ..
قالت برجاء ما ان دخلت عليها: ملاك حبيبتي بغيتج في خدمة صغيرونه ..
اقتربت ملاك من حنان بقلق: خير حنان شو فيج ..!!
ابتعدت حنان بضحكة مُحرجة: لا تقربين منيه ريحتيه عزج الله بول ههههههههههههههه
اتسعت عينا ملاك بذهول: لييييش شو مستوي ..؟!!
حكت حنان ما جرى لملاك وطلبت منها ان تتصل بوالدة الطفل أو والده لكي يُرجعوا الطفل للمنزل، أو ان يجلبوا على الاقل الغيارات اللازمة له ..
جلست ملاك على كرسيها وهي تهتف بأسف: يا حنان لازم نيلس مع هل الولد، اليهال ما يسوونها عزج الله في مكانهم الا اذا يواجهون مشاكل نفسية في بيوتهم ..
هزت حنان رأسها تأكيداً على كلام المشرفة ملاك: معاج حق والله، لازم نعرف الولد من شو يشتكي، اكيد هو عايش في خوف وقلق من شي ..
هاتفت المشرفة أهل الطفل وطلبت منهم المجيئ، وبعد أن اغلقت الهاتف، رفعت رأسها لتقول بنبرة باسمة لحنان: اظنتي يا حلوة لازم تردين البيت وتغيرين ملابسج ..
ضحكت حنان بخفة تنم عن حرجها البالغ واجابت الأخيرة برقة: هيه يا ختيه، يلا بترخص عنج .. قولي حق المديرة السالفة عسب تتفهم وضعي ..
ابتسمت ملاك بتفهم وقالت: ولا يهمج فديتج ..
هتفت حنان وهي تستدير لتخرج: يلا مع السلامة ..
ملاك بذات ابتسامتها: خالفتج السهالة غناتي
.
.
.
.
.
.
.
في القسم السابع من سجن لاسانتيه ..
انتفضت عيناه الغائمتان بضباب سهاد لازمه منذ أن وطأة قدماه هذا المكان القذر الذي لا يوصف بأقل من أنه مسرح اجرامي يدمي الأعين من فرط بشاعته وقبح مناظره القاسية على النفس البشرية ..
وبكل ما يعتمل صدره من لهاث غاضب .. غاضب حد القتل والنحر ....
وقف بسرعة هجومية وهو يضرب بكعب رجليه فك السجين الذي أمامه .....
ومن غير حتى ان يفكر ....
خلع قميصه المهترئ كاشفاً عن صدره العريض ومنكبيه ذو العضلات الصلبة البالغة القوة .... "قوة جسدية نُحِتت بتفصيل دقيق مع تدريبات مستمرة دامت لسنوات" ..
ثم لف قميصه بعين حمراء تزمجر جبروتاً/قسوةً عدة مرات بسرعة كسرعة الفهد وانقض بها على رقبة السجين الذي استفز بشدة صبره وانفعالاته المكتومة ..
رص على اسنانه بغضب اسود حقيقي وهو يسمع صوت الرجل واختناقاته المتوسلة له بتركه ... لكن هيهات ان يتركه قبل ان يرى رجلاه الضخمتان تلتفان ببعضهما مع خروج روحه الحقيرة النجسة ..
تحولت نظرتا حارب لشيء وصل حد الجنون .... كيف لا يصل لحد الجنون وهو يسمع هذا الشيطان السافل وهو يتبجح بكل تكبر وزهو حيواني كيف انه قتل بدم بارد اخته الحامل بعد ان اغتصبها امام والدته .... والدته الذي اقتلع عيناها اقتلاعاً وهي تدافع عن ابنتها وتحميها من براثن ابنها ...... ويا ليته شبع من شهواته الشيطانية ..!!!!
بل اغتصب بنات اخته المقتولة وباعهن بعد ان شبع منهن لرجل يملك نادٍ للعري وقد قبض بعدها مبلغاً بخساً صرفه على لهوه واعمالها القذرة ..
حارب بصراخ مرعب يشعل الرماد من فرط غضبه: والله ثم والله ما يسدني الا دمك يالكاااااااااااافر ..
وهذا ماحصل، فـ حارب لم يترك السجين الا وهو جثةً ميتة متعفنة كتعفن ما تفوه به على مسامعه ..
وفجأة .... تراجع حارب بقوة متقيئً كل ما في جوفه الخالي وهو يتذكر ما سمعه بالتفصيل من ذلك الحقير الذي اصبح الآن في عداد الأموات ..
تقيئ غضباً، تقيئ اشمئزازاً/تقززاً، تقيئ مرارةً على حاله الذي اوقعه في اتعس وارذل المواقف والمصائب ..
تقيــــأ الغصـــــة والألـــــم المضـــــني القـــــابع فـــي روحــــــه الشــــــامخة ..
التفت لجثة السجين وهو يستند بذراعه الأيسر على الحائط الرطب الكريه هامساً بغلظة محتقرة قاسية بُحّت من بين انفاسه المشدودة: جهنم وبئس المصير يالحيواااان ....
ظل على لهاثه المُرتجف من فرط انفعاله وهو يتذكر اللحظة التي وضعوا السجين في زنزانته المظلمة، لعن ألف مرة في قرارة نفسه كل من في السجن وكل من تسبب له بوجوده هنا، ثم وقف وهو يأخذ دفعة اكسجين متسخة بهواء المكان الذي يشبه القبر ..
حقاً انه قبر، كيف يصف هذا المكان غير إنه قبر يحمل في جوفه شياطين مُلبسة بأغلفة أنسية يحملون قلوباً ميتة معدومة الأيمان بأي شيء في هذه الدنيا ..!!!
زفر كل ما يعتمل روحه من قهر وغيظ اسود وهو يتمتم بالاستغفار ثم قال بهمس خافت موجع: اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام ..
حدق بطرف عيناه بـ جثة الرجل ثم اردف بنبرة مقززة تخللها كره صافياً: شو بسوي الحينه في هالملعون ..؟!!
صمت قليلاً ثم هتف بسخرية مريرة وهو يرفع جانب فمه: يا عمي هي خربانه خربانه ...
وقف أمام القضبان الحديدية وهو يصيح بإنجليزية عالية قاسية "صقيعية": أيها العسكري، تعال هنا واخرج هذا القذر من زنزانتي ..
سمع عندها صوت امرأة سجينة تصرخ بلغة غير مفهومة وتستنجد ببكاء موجع بكل ما فيها من ضياع وذل .. استمر صراخها الحاد حتى اختفى خلف شهقاتٍ مكتومة ..
وبعد مرور دقائق معدودة، رآى حارب العسكري آتٍ عنده وهو يغلق ببطء شديد سحاب بنطاله وابتسامة صفراء/خبيثة/قذرة تعلو ملامح وجهه التي كانت وكأنها التهمت للتو وجبة كبيرة دسمة ..
لمح حارب الدم الذي تلطخ بكثرة فوق بنطال العسكري واستوعب عندها ما الذي حدث للمرأة المستنجدة ...!!!!
تراجع للخلف واستند ظهره على الحائط ثم أغمض عيناه بقهر كـ قهر صخر وسط بركان فائر هاتفاً بصوت يناجي فيه ربه بكل تضرع ورجاء .. صوت حمل كل بحات الكون ألماً:
صبـــــرك يـــــا رب .. صبــــــــرك ..
.
.
.
.
.
.
.
شركة بن خويدم - أبوظبي
وقفت وهي تصلح هندامها بنظرة واثقة لامعة .. ثم تحركت وهي تحمل بين ذراعيها المخطوطات التي ستريها للمدير ..
لم تكن تحتاج لتريه عملها في الحقيقة، فهناك من يرأسها وتستطيع ان تسأله وتستشيره، ولكنها لن ترتاح ولن يهدأ بالها حتى تتمكن من السيطرة على ثبات وصبر ذلك الـ "بطي" ..!!!
حتى تتمكن من نيل حبه والزواج منه ...!!!!
عندما وصلت لمكتب السكرتير، لم تجد أحد، أخذت تتلفت بأعينها المرسومتان بالكحل بطريقة محترفة جذابة مغرية الا ان لمحت باب مكتب المدير شبه المفتوح ..
ابتسمت عيناها بتلاعب شيطاني ثم اقتربت اكثر من باب المكتب وطرقته عدة طرقات ناعمة خفيفة، لكنها لم تسمع رد يأذنها بالدخول ..!!
عقدت حاجبيها باستغراب وهي تُدخل رأسها قليلاً ...... وياللغرابة لم ترى بطي جالساً كالعادة وراء مكتبه ..!!
تأففت بحدة مغتاظةً من حظها التعيس، فهي تأملت وبقوة رؤيته واشباع ناظريها بوجهه الوسيم ..
وبوقاحة منها، دلفت اكثر المكتب وهي تمشي بغنج وتبتسم بغرور بالغ مؤمنةً بكل ثقة ان هذه الشركة بأكملها ستغدو ملكها لو انها في المستقبل تزوجت بطي ..
ههههههههههههههههه ستكون لك يا أليازية ..
ستكون لك وفوقها صاحبها ..
فقط اصبري وتمكني بأنوثتك وجمالك من امساك ذلك الـ بطي من رقبته ..
جفلت بخوف عندما سمعت صوت رنين هاتف محمول قابع فوق طاولة المكتب، اقتربت بفضول وقرأت الاسم ..
"أمونتي" ..
زمت فمها بغيظ صرف وكره جعل عيناها تحمر وتصبح اكثر عتمة ....
عرفت هوية المتصل ..
كيف لا تعرف اسم من تشارك الذي تحبه الفراش ..!!!!
لم تكن لتعرف باسمها لولا موظفة تعمل هنا في الشركة، فتلك الموظفة كانت ابنة عم إحدى صديقات آمنة، ومن بين احاديثها وثرثرتها اليومية مع أليازية، ذكرت الموظفة اسم زوجة المدير ومن تكون ..
اشتعلت فكرة شيطانية في عقل أليازية وقررت العمل بها بسرعة البرق قبل ان يأتي أحد ويراها ..
اقتربت وضغطت على الزر الأخضر للهاتف ..
.
.
على الجانب الآخر ..
قطبت آمنة حاجبيها باستغراب لتأخر بطي في الرد على هاتفه، وبعد رنات عديدة أجاب ..
ابتسمت وهي تهم بالترحيب بحبيبها الذي ما ان يذهب لأبوظبي حتى يوقد تحت قلبها نار الشوق "المُتّقد أساساً" ..
ولكنها تجمدت بأكملها وهي تسمع الصوت الأنثوي من الطرف الآخر ..
: آآآآآه حبيبي بطي .. أحببببببك .. أحببببببك واموووت فييك .. خلك معايه دووووم لا ترد العين ..
آآآه فديييتك اناااااااا ..
سقط قلب آمنة في اسفل قاع في جوفها وهي تستمع للتأوهات الأنثوية والمناجاة الغرامية بين زوجها والفتاة التي لا تعرف من هي ..!!!
تجمدت ونار جوفها المتقدة تلونت بكل ألوان الصدمة/الألم المنصهر/الشحوب الميت/التقزز البالغ أقصاه ....
شعرت انها تحت كتل من الجمر ..
لا لا لا ..
بل لم تكن تشعر بالجمر بقدر احساسها المرير بالمرض .. مرض غريب اصاب اطرافها بالخمول .. واصاب قلبها بالاختناق المُهلك .. مرض جعل كل حواسها تحت تأثير إعصار الفاجعة ..!!
كانـــت فاجعــــة بحـــق ..!!
لم تشعر بذاتها وهي تنزل الهاتف ويسقط فجأة من بين أصابعها القمحية بكل ما في الوجوم من ....... موت ...
.
.
.
.
.
.
.
دخل المركز الطبي الخاص بعد ان هاتف تلك الميسون في الصباح الباكر ودلها على مكان اللقاء .. فـ هو عرف بعد ان عمل اتصالات قليلة كل شيئاً عنها منذ أن تركها خمس سنين مضت .. وعرف بأنها مقيمةً حديثة في دبي ..
مقيمةً وحيدة مع ابنها بلا رجل او عائل معهما ..!!!
رآها واقفة أمام إحدى الأقسام المتخصصة وهي تحمل بذراعيها طفلاً لا يتجاوز عامه الرابع وبضعة شهور ..
لم تفته لمعان عيناها الناضحة بالإعجاب والاثارة .. ابتسم بسخرية بالغة .. سخرية تخللها ثقة عالية المستوى ..
فلطالما كان هو مثار فتنة الفتيات .. ليس غبياً ليدرك عكس ذلك .. وليس بـ مغروراً ليتبجح بذلك أيضاً ..!!!
وإنما هذا الواقع الذي يراه أمامه ..!!!!
وأكبر دليل هذه الـ ميسون التي بالرغم من بغضها له وحقدها عليه .. ما زالت تقع بسهولة تحت تأثير سحره الرجولي ..
هتف بـ صرامة ثلجية اخفى خلفه انبهاره الشديد بمدى شبه الصغير بـ شقيقته مهرة: جاهزين ..؟!!
هتفت ميسون بنبرة هادئة: ما بدك تسلم على كرم وتحاكيه ..؟!
رمق نهيان الطفل ذو المحيا الجميل ولم ينبس ببنت شفه ... ثم هتف وهو يتقدمهما ببرود "ظاهري" صرف: يلا خل نستعيل ما عنديه وقت انا ..
التفت بخفة وهتف باستهزاء قاتل عميق: لو ظهر هذا ولديه اول شي بسويه اغير اسمه ..
رصت ميسون على فمها محاولةً كتم غيظها من برودته وسخريته المستمرة، وتحركت خلفه بعد ان فضلت عدم التعليق على تصرفات النزقة "المُحتقرة" ..
وبعد دقائق ليست بالقصيرة، خرج الثلاثة من غرفة الفحص بعد ان سحبت الممرضة من نهيان والطفل عينات من دمهم ..
لانت ملامحه وهو يرى الطفل يبكي ويشهق بعد ان عاش تجربة مرعبة "مع الحقنة" ..
ومن غير تفكير مسبق ..
اقترب من ميسون وأخذ عنها الطفل بـ حنية تقطر دفئاً، وهمس بـ ود نقي له: الرياييل ما يصيحون كرم .. صح ..؟!!
توقف الطفل عن البكاء وكأنه تذوق السحر من نظرة نهيان الأبوية ..
كرر للطفل بصوت اعمق/أرق: صح الرياييل ما يصيحون ..؟!!
هز الطفل رأسه بخجل جم وأخذ يتلمس بطفولية "سكسوكة" نهيان ..
اتسعت ابتسامة نهيان الجذابة وقبّل رأس الفتى .... ثم سأله: شو تحب تاكل ..؟!!
تدخلت ميسون وهتفت بحدة بسبب تجاهل نهيان لوجودها: كرم ما بيحب ياكول حي الله أكل ..
لم يكترث نهيان بما قالته ميسون بتاتاً بل اعاد على الفتى السؤال: شو تحب تاكل بابا ..؟!
وضع الفتى أصبعه بفمه والتفت لـ والدته خائفاً من ردة فعلها ..
قال نهيان بنبرة مُشجعة: يلا قول حبيبي ..
أجاب الطفل بصوت طفولي متقطع: ماك ..
ابتسم نهيان بخفة ذات معنى ..
لو كان هذا الطفل ابنه، فـ على ما يبدو جينات شقيقته مهره لم تكتفِ بسحب ملامح الوجه لصالحها ... بل حتى نوع الطعام التي تعشق ...!!!
هتف بنظرة باسمة دافئة: فالك طيب ..
وقف وهو يوجه كلامه لـ ميسون الحانقة .. حانقة لأنه يتحكم بالطفل منذ الآن .. وهذه دلالة واضحة على انه سيتدخل كثيراً في المستقبل في تربيتها لـ طفلها ..!!
: يلا امشوا ويايه .. بغدي الولد ..
ومن غير ان يسمع ردها، امسك بيد الفتى وجره بحنية ..
وللمرة الثانية، انقادت وراءه الى ان خرجوا من المركز الطبي ...
لمحت بطرف عيناها نهيان وهو يفتح سيارته بجهاز التحكم عن بعد، وبعفوية تامة سألت: ايمتين اخدت فراري ..؟!!
أجاب بـ فرنسية سلسلة "صقيعية حد الموت": هذا ليس من شأنك ..
.
.
.
.
.
.
.
عندمـــا حـــلّ المســاء ..
اتسعت ثلاث ازواج من الأعين بصدمة حقيقية وهن يتلقين للتو الخبر الأشد قوة على ادمغتهن ذوات الاستيعاب المعقول ..!!
خبر غير ملامحهن المتوردة وجعلهن كالثلج الجامد بينما ارتسمت كل معالم الصرامة والسيطرة المتقنة على وجه ذلك الذي قذف للتو قنبلته على رؤوس نسائه العذبات، والدته، توأمه وابنة اخيه ..
وقف بثبات وقوة كامنة واردف بكلمة اخيرة غير قابلة ابداً للنقاش والمجادلة: رمست انا هامل والاسبوع الياي ان شاء الله بنسير نخطب بنت العرب ..
وكما دخل كالإعصار الرمادي العاتي، خرج مع ذات ريح اعصاره .. مخلّفاً ورائه آلاف الافكار والتساؤلات المتطايرة داخل عقول الثلاثة ..
التفتت سلامة لأمها وابنة اخاها وقالت بمحاجر متسعة وذهول شاسع: سمعتن اللي سمعته ولا انا غديت خبله واتووهم ..!!!
هزت ناعمة رأسها بـ "نعم" عاقدةً حاجبيها باستغراب صرف، فهي تعلم بالأمور التي حدثت من قبل عندما كانت فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها الثلاث عشرة سنة، ولكن في الحقيقة هي تجهل التفاصيل وتجهل للآن ما الذي حصل وجعل سلطان يفسخ خطبته من شما ..
ثم التفتت لجدتها وقالت بنبرة خافتة: يدوه عميه صدق يبا يخطب مرة ثانية شما بنت خويدم ..؟!!
كانت الجدة تحدّق في الخواء وتفكر بشرود تام بالذي حدث لعقل ابنها وجعله يغير تفكيره فجأة بخصوص الزواج .. بل انه طلب الزواج من ذات الفتاة التي خطبها من قبل ورفضته ..!!
كان واضحاً عليك يا بني انك متأكد وواثق ان شما ستقبل بك هذه المرة ..
من اين لك هذه الثقة ..!!
وما الشي الذي غيّر فكرتك عن الزواج التي "لم تكن لتتزحزح من مكانها" ..!!
تنهدت ام هامل محاولةً ان لا تتعمق بتساؤلات سلبية وتنسى سعادتها بخبر زواج ابنها ..
فقبل كل شيء، حلمها وهاجسها كان ان يتزوج ابنها وتراه مستقر البال والنفس في بيته مع زوجته واطفاله، حتى لو كان الزوجة شما التي لم تكن لتكرهها او تكن لها اي مشاعر سلبية بعد الذي حصل ..
فهي تؤمن بيقين تام ان الزواج ما هو الا قسمة ونصيب .. والذي حدث لابد انه يكون حكمة من رب العالمين ..
ومن هي لتعترض على حكمة رب العالمين وتشعل وجدانها البغض والحقد بسبب عقد دنيوية تافهة .. عقد دنيوية ليس لها قيمة بنظر من يكن في صدره الايمان والطيبة ..!!
التفتت ام هامل الى ابنتها سلامة وابنة ابنها ناعمة لتهتف ببحة عميقة: دام انه في خاطره شما، خلاص عيل امره فاله طيب ..
(فاله طيب أي يبشر بالذي يريده)
.
.
.
.
.
.
.
دخل الغرفة المخصصة للاستحمام في النادي بعد ان انتهى من التمارين الرياضية ..
هو لم يكن يوماً من محبين النشاط والتمرينات الرياضية القوية خاصة رفع الاثقال والسباحة، ولكنه وجد نفسه بعد ان فقد صديقه الغالي منذ ثلاث سنوات يستشير عمه عن أفضل نادٍ رياضي ...
فهو بلا احساس منه، بدأ يفعل كل ما كان عبيد صديقه يحب فعله ويفضله .. وعبيد كان من المداومين المثابرين على عمل الرياضة اليومية ..
ولأن عمه سلطان يُعتبر من اهم رواد النوادي الرياضية في ابوظبي، فقد نصحه بهذا المكان الراقي الفخم ..
ابتسم بخفة تخللها مرارة مؤلمة ..
حسناً، يجب عليه ان يعترف ان الرياضة افادته نفسياً وفكرياً قبل ان تفيده جسدياً ..!!
فلولاها لكان مات منذ أزل من الفراغ ..!!
نعم .... فـ هو ويا لحسرة قلبه ..... لم يتمكن للآن من الاختلاط مرة أخرى مع اصدقائه واصدقاء عبيد القدامى وهو الذي كان كينبوع شلال متدفق من فرط حركته المستمرة واجتماعيته المشتعلة.. لم يكن ابداً من الذين يحبذون جلوس المنزل والكلية والدراسة ..
ضحك بعد ان التمعت عيناه بضياء شجن صرف .. تذكر مواقفه المضحكة مع عبيد ..
تذكر كيف كان شاباً مستهتراً يهرب بالساعات من المحاضرات ولا يرجع الا بعد توبيخ قاسي من صديقه الذي يسميه
بـ "فأر الكتب" ..
تذكر كيف كان يغضب بشدة عندما يرى عبيد يدرس .. ويدرس .. ويدرس
بينما هو يجلس أمامه واضعاً يده على خده بضجر .. ثم يأخذ الكتاب عنه ويرميه ويقول بحدة مُتهكمة: عنبوووه صرط المنهج يلين ما الله شافلك .... رمسني ياخي ربيعك له حق عليك بعد ...
(صرط = بلعت)
ثم يتأوه بألم وهو يتلقى ضربة خلف رقبته ويسمع رد عبيد الغاضب: انا عمري ما شفت واحد شراتك، يا غبي زخ كتابك وادرس .. ترى والله يا ذياب ان ييتني عقب وقلتلي تعال فهمني يا عبيد ما بفهمك ..
بعدها يزم فمه بامتعاض وتبرم ويمسك كتابه ليدرس ..... ليس لشيء ..
فقط كي يتمكن من جعل عبيد فيما بعد يفهمه ما قد يصعب عليه فهمه في المنهاج ..!!!
انزلقت ضحكته الشجية تدريجياً لتختفي خلف نظرة عين تتلألئ اشتياق ملتاعاً ..
عبيــــــــد ..... والـــذي جعـــل منــــك الخليـــــل . . افتقـــــدك ..!!
خرج من دوامة افكاره الموجعة وهو ينشف شعره من الماء، ثم ارتدى ثوبه وتعصم بغترته ..
سمع هاتفه يرن ... والتقطه بخفة ....
وعندما قرأ الإسم ابتسمت عيناه بود .... فهذا الرجل يُشعره بأنه ما زال في الحياة أناس كحبيبات المطر الباعثة للسرور ..
رد بصوت رجولي مُرحب: مرحبا السااااع عرب بوراشد ..
(عرب بوراشد = اهل دار الشيخ محمد بن راشد *دبي*)
: مرحبابك مليووون ولا يسدن يا ولد هامل .. الحمدلله على السلامة يا خويه تو ما انورت البلااااد ...
ذياب بنبرة ودودة: ربي يسلمك ويحفظك من كل باس يا حمد ... امبونها البلاد منوره بهلها وناسها ..
اشحالك واشحال هلك وعربانك ..؟!!
حمد: والله كلنا بخير وسهالة يسرك الحال .. اسمحليه عاده ذياب والله ما دريت بردتك البلاد الا من سالم البارحة ..
ذياب: الله يسمح ذنبك دنيا وآخره يا بوشهاب .. مابين الاهل هالرمسة يالغالي .. المهم سمعنا حسك ..
(الله يسمح ذنبك دنيا واخره تُقال رداً على من يقول اسمحلي او السموحة منك)
ثم اضاف بـ حزم دافئ: قرب صوبنا طويل العمر خلنا نشوفك ..
حمد: قريب قريب فديت خشمك، هاليومين محتاس شوي في مشرووع احتاي اخلص منه، وامره اول ماخلصه بخطف جداكم بإذن الله ..
(محتاس اي الذي يعمل على شيء مع شعوره بالربكة والحيرة)
ذياب بنبرة دافئة: حيااااك يا بوشهاب اي وقت ..
حمد: الله يحييك ويبجيك ..
وبعد دردشة شبابية خفيفة، اقفل ذياب عن حمد وابتسامة جذابة ترتسم على محياه ..
فهو قد تحدث للتو مع شخص يرتبط جينياً برائحة فقيده الغالي ..
وكأن الله بهذا يريد ان يخفف عليه وجع غياب الاخير ...!!!
ضرب بخفة رأسه متذكراً حارب الذي الى الآن لا يجيب على اتصالاته ..
امسك هاتفه مرة اخرى واتصل به .. ولكن هاتفه للأسف مغلق ..!!!
.
.
.
.
.
.
.
كان يمشي حول غرفة والديه قاطباً حاجبيه وباله الشارد ينضح ضباباً باهتاً من مئات الافكار والكلمات في عقله ..
بعد لحظات قصيرة، خرج اباه بثقل هاتفاً بنبرة رنانة تخللها بحة عميقة: لااااا إله الا الله ...
جفل بخوف عندما رأى ابنه واقفاً أمامه: بسم الله الرحمن الرحيم ... من وين ظهرتلي انت ..!!
ابتسم فلاح وقال: آسف ابويه زيغتك ...
اكمل والده سيره وهو يهتف بحزم متسائل: يدك وين ..؟!!
فلاح بذات حزم ابيه ولكنه حزم امتزج بارتباك طفيف منتظراً الفرصة ليفاتح اباه بما في جعبته:
يديه سار يسلم على بويمعه الـ.. رد البارحة من العمرة ..
عقد أبا نهيان حاجبيه وقال: الله يهداه شحقه ما يصبر جان خاويته ..
هز فلاح كتفيه بـ "لا اعلم" .. واجاب: اظنتي هو اتحراك بتتحير في عيمان ..
(تتحير = تتأخر) (عيِمان = عجمان)
أبا نهيان: عنبوه انا الا ساير اعزي عرب وراد ... شو بيحيرني ..!!
فلاح: مادريبه والله ... تبانيه اوديك صوبهم الحينه ..!! حاضرين نحن ..
حرك أبا نهيان يداه بحزم وقال: لا لا خلاص ما يحتاي ... بتصل بالريال خلاف وبسلم عليه ..
أردف وهو يرى التردد في نظرة عينا فلاح: بغيت شي فلاح ..؟!!
توقف فلاح محاولاً رمي الكلمات بثقة وثبات كعادته: أ أ اممممم ابويه متى بترمس العرب عسب نسيرلهم ونخطب ..؟!!
رص أبا نهيان عينه متفحصاً وجه فلاح وقال: صدق ناوي تعرس فلاح ..؟!!
فلاح بحزم بالغ: هيه ابويه ما قد مزحت انا في هالسوالف ..
رد والده بحزم مشابه: لكن شقايل ايوّز الصغير واهد العود ..!!
(ايوّز = ازوّج) (اهد = اترك)
لانت نظرة فلاح محاولاً ان ينتصر في هذه المجادلة .. وقال بنبرة مدروسة: ابويه طوليه بعمرك الحينه ماشي عود وصغير .. نهيان لو يبا يعرس جان قال من زمان .. لكن هو ما رمس .. وانا هب ملزوم اترياه إلين ما يرمس ...
هز أبا نهيان رأسه باقتناع: صدقك ولديه .. الله يهداه من ولد ..
خلاص ان شاء الله يوم يرد يدك، برمسه وبنشوف شو الله بيسهل ان شاء الله
اقترب فلاح من ابيه وقبّل رأسه بنظرة مثقلة بمشاعر مُبطنة .. وقال: لا خليت منك يا الغالي ..
واستدار قبل ان يلتمع بريق ذات ألف معنى ومعنى على عيناه ... بريق يرسم بكل ثقة اساسيات ما يطمح إليه ... وما سيسعى لتنفيذه لا محالة ...!!!
.
.
.
.
.
.
.
: ههههههههههههههههههه يا واد يا شئي ههههههههههههههه بس يالطفس اشوفك خذت راحتك ..
هههههههههههههههه منوعي عااااااااد والله استحيييي ههههههههههههههههه ...
هتف مانع على الطرف الآخر بنبرة ممتلئة بالرغبة المتوحشة بصاحبة هذه الضحكة القاتلة: متى بشوفج شماسي متوله عليج حبيبي ..
مررت شمسة طرف لسانها على شفتها السفلى لتقول بأنوثة تتفجر سموماً خبيثة "مشينة": منوعي خلاص يا عمري قلتلك ماقدر اتلاقى وياك شرات قبل .. نسيت اني بديت اشتغل في المدرسة ..؟!!
قلب مانع عيناه بسخرية تخللها ضجر وقال: عاد الله والشغل، ابلة فيزيا لا رحتي ولا ييتي ..
حركت شمسة طرف فمها بامتعاض من لسان مانع اللاذع الساخر ... ثم قالت بنبرة ساخرة: مالك خص حبيبي وين اشتغل ... عليك بالسوربرايس الصغيروني اللي مزهبتنه لك ..
هتف مانع ضحكة متشوقة مقرفة: هههههههههههههههه شموس مزهبلتنا مفاجأة !! حلووو حلوووو ..
شو هي .. !! اكيد غاوية شرات عيونج ..
رفعت شمسة أنفها بتكبر وتغطرس تام وقالت: اتخسي تكون شراتي .. بس من حيث انها غاوية ... فهي صارووووخ ..
من اللي بيحبو ألبك هههههههههههههههههههه ..
سألها مانع بتلهف شديد: منوووو ..؟!!
رسمت على ثغرها تلك الابتسامة الشيطانية المثقلة بالشر الأسود ... وهمست: وحدة من طالباتي في المدرسة ...
يومين وياهاا بينسوونك الضيج والملل ... وبتتمزمززز على كيييييف كيفك ..
التمعت مقلتا عين مانع بـ شرارات الرغبة الشرهة .. وبدأ تجوع ملهوف يسري فيه على فتاة لم يعرف حتى اسمها وشكلها ...
حتماً هي جميلة .. فـ شمسة التي تكاد تكون قرينة الشيطان بشرها المتلبس على هيئة أنثى لا تجلب له الا الفتيات الصغار الحسناوات ..!!!
هتف بابتسامة صفراء جائعة تخللها استغراب: بس هاي من العين ... شو بييبها بوظبي ..؟!!
رصت شمسة على عيناها بخبث جهنمي متلاعب واكملت بذات همسها: ولوووو حبي ... انت بمخك الفطين بتروم تييبها إلين باب شقتك .. عاده انته ما تنرام موليه ..
(ما تنرام موليه = لا احد يستطيع هزيمتك ابداً)
حك مانع جانب ذقنه بتفكير شيطاني يثير القشعريرة ... ثم قال: عطيني اسمها الكامل ..
هتفت شمسة بخفوت وتروي بالغ الخبث: ميرة عبدالله بن خويدم الـ....
نهـــــاية الجـــــزء الرابـــــع عشـــــر
|