كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجزء الخامس والأربعون
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الجــــزء الخامــــس والأربعــــون
،
أبحث عنك بكل شجوني يا سيدتي كالمجنون
أبحث عنك يا سيدتي
أرجوك بعنف سيدتي أن تقتحمي الآن حصوني
أن تحتلي كامل بيتي و إن ترعي أمري و شئوني
أسمع صوتك أشهد وجهك أشعر أنك بين جفوني
و أذوب حنانا و حنينا للقاؤك يا ضوء عيوني
أنا منذ جئت لهذه الدنيا و أنا منتظر لتكوني
لتلمي عمراً بعثره من في حرماني تركوني
و بلا كلل و بلا أكل صار جنوني
لـ مانع سعيد العتيبة
،
ارخى جسده على مقعد الطائرة وباله يتأرجح وسط افكار وامورٍ عدة لا حصر لها ...
أولها علاقته المخدوشة بـ صديق عمره .. ثانيها الحوار الصادم بينه وبين ناهبة قلبه والذي كشف عن مكنونات روح الاخيرة بأعذب/ألذ صورة لم يتصور انه سيتأمل تفاصيلها يوماً .....!!
لكنه بين هذا وذلك .. ابتسم بدفئ/اريحية عندما علم عن طريق ذياب ان صغيرته ناعمة قد وافقت على حارب بشرط واحد يخص وجود اخته موزه معهم في ابوظبي .... شخصياً هو لم يهتم في ذلك الوقت بالشرط او بالسؤال عن سببه بسبب فكره الذي كان مزدحماً بأمورٍ اكثر تعقيداً .. لكنه الآن يتسائل باستغراب عن سبب وضع ابنة أخيه لذلك الشرط الغريب ....
قاطع أفكاره صوت احد مساعديه: سيدي يانا خبر ان قوم ابراهيم وخلفان صاروا في اسطنبول الحين ..
أومئ سلطان برأسه بحركة صامتة قبل ان يرجع رأسه الى الخلف ويغمض عيناه .. فهو يحتاج لأكبر قدر من الراحة قبل ان ينغمس بالعمل ما ان يصلوا الى العاصمة الماليزية ..
"أحبك عمرٍ مضى .. وأحبك عمرٍ حاظر .. وأحبك عمرٍ بعيد ما انكتب"
زفر زفرةً محمومة/مرتعشة/خشنة .. وكلماتها الجريئة ...... الجريئة بريشة انثوية غارقة بخجل حواء لا تخص الا "شخصها" ...... ترن بأذنيه بجبروت لا يرحم ..!!!
كيف له الاستسلام للنوم وحمامته تقف على جفنيه مانعةً النوم من الدخول لبؤر الاحساس فيه ..!!
سحقاً ..... تلك الصغيرة لا تترك له المجال ليزرع فيه قسوة لا تنكسر اتجاهها ...... كلما قرر ان يقسو عليها ويعاملها بصقيعية مهينة تضاهي ذلها المهين له يزداد اتقاد ولعه السرمدي بها ..
يزداد ضعفاً اتجاهها ..
واتجاه الدعج العصي على الوصف في مقلتيها ......!!
فتح عيناه عندما اكتشف انه اصبح بعيداً عن كل البعد عن النوم ...... وقرر بعد تفكير وجيز ان يقرأ بعضاً من آيات الله عز وجل ويُثاب في وقت فراغه بدل التفكير بأمور لن تزيد وجدانه/مشاعره الا اضمراراً ......!!
.
.
.
.
.
.
.
عند الظهيرة
تركت كم ثوب جدتها التي كانت تخيط احدى ازرارها المنفلتة ما ان رأت بطرف عيناها قدوم رسالة في برنامج الواتس آب من رقم مجهول ..!!!
: السلام عليكم ..
عقدت حاجبيها بخفة قبل ان تستل الهاتف وتكتب: وعليكم السلام .. منو ويايه ..؟!
صمت المرسل لعدة ثواني طويلة ليكتب بعدها باقتضاب واضح: ناعمة .. وياج موزة بنت محمد ..
ارتجف قلب ناعمة دهشةً/ترقباً ملهوفاً ...... فهي وبشكل خفي شعرت أن موزة ستخطو خطوة جريئة من قبلها وستحادثها خاصة بعد الشرط الصادم للجميع .....
شعرت بربكة وهي تكتب محاولةً استكشاف المسار الذي ستسير به هذه المحادثة:
هلا الموز .. هلا غناتيه .. شحالج ..؟!
موزة: بخير يعلج سالمة من الشر .. ومن جداج حبيبتي ..؟!
اجابتها ناعمة بمزاح حلو المذاق: مديم ياربي .. انا طيبة طاب حالج ما نشكي باس الحمدلله يا غير مرتبشين شوي ويه رمضان والعزايم كل يوم ..
ابتسمت موزة بسمةً صافية تخللها ضياع/ربكة .... وردت بنبرة لطيفة: هههههههههههههههه عزايم رمضان لابد منها .. ومحد تعبان وهلكان الا نحن البنيات فديتنا ..
ناعمة: هههههههههههههههههههههه صدقج والله ..
احست موزة بأن اصابعها تتراجع بينما عقلها يحثها على الدخول في صلب الموضوع بسرعة ومباشرةً ..على الاقل كي تتمكن بعدها من النوم الذي ابتعد عن مقلتيها ايام عدة .. شرط تلك الناعمة اتعب روحها فوق تعبها الأليم بشكل لا يوصف ..
كتبت بعد صمت مرتبك/مضطرب: ناعمة ابا ارمسج عن شي ..
ردت ناعمة مدعيةً جهلها التام بالكلام الذي يقف على حنجرة موزة: رمسيني فديتج
موزة: ليش شرطتي على خويه انيه اعيش وياكم في بوظبي ..؟!
تلقت موزة بالمقابل صمتاً شابه صمتها منذ ثواني .. ولكن صمت ناعمة لم يدم عندما كتبت بنبرة توحي ان الذي على الجانب الآخر يبتسم الآن بغموض مظلم: تضايقتي يوم خبروج بـ شرطيه ..؟!
اخرجت موزة انفاساً مرهقة/منفعلة .. وأجابت: اجذب عليج ان قلتلج لا ..
اظنتي تعرفين شرات ما الكل يعرف انيه ما طحت بيتنا في بوظبي من عقب وفاة امايه الله يرحمها
ناعمة: الله يرحمها ..
وانا مابا اسمع منج الا الصدق وادري انج هب من النوع اللي بيلف ويدور ويجامل .. وانا شراتج ..
اقول الصدق لو على قطع رقبتيه ..
موزة بنبرة تتوجع من الحيرة .. تتوجع منها حد السماء: دامج شراتي عيل خبريني الصدق .. ليش شرطتي هالشرط ..!!
كتبت ناعمة ولمعة معتمة تمر امام مقلتيها بخيلاء عارم:
لانج تهمينيه .. ولانيه اشوف فيج الحينه خيال اسود ضعيف لـ انسانة تضحك الدنيا وما فيها ان ضحكت .. انسانة قوية عينها وقلبها ينبضون بالحياة .. انسانة ما تعرف الضعف ولا تحق نفسها تنحني للي بيكسرها ويعور قلبها ..
ارتجفت اصابع ناعمة مع ارتجافة خافقها المجنون .. واكملت بمشاعر متوهجة:
وعسب اثبت لـ شخص .. ان مهما سوينا عسب حياته ترد شرات اول .. بنتم مقصرين في حقه .. لانه عطانا اللي اكبر واثمن من عطايانا له بزووووود ..
ارتعدت مشاعرها بوجع سرمدي/صدمة صعقت حواسها وادراكها .. ذُهلت بما قرأته كلياً ..!!
لم تتوقع ابداً ان اسباب ناعمة ستحمل لها حقائق ترسم واقعها هي ..!!!
ترسم واقعها .. وحقيقتها .. وما كان عليه بسلاسة/ثقة ..!!!
لم تتوقع ان بقول الأخيرة "انها ترى فيها خيال اسود ضعيف لـ انسان آخر" ... سيجتاح الشحوب المقيت وجهها ووجنتيها ...!!!
رغم ما تشعر به في روحها .... مازالت تنتقل بين طرقات الحيرة والضياع مما قرأته .. ردت عليها بضيق إنصاعت لسلطته مجبورة:
ما فهمت عليج .. شقايل اهمج ونحن هب ويه بعض وايد ..!!
ما فهمت شي ناعمة ..
انتي شو تبين تقولين بالضبط رمسيني بشكل اوضح دخيلج ..
اجابتها ناعمة بحزم لطيف واثق: هب شرط نكون جريبات من بعض عسب تهمينيه ولا لا .. المحبه والغلا من الله سبحانه .. وانتي لانج غاليه عليه شرطت هالشرط ..
موزة: انزين منو هاللي طريتيه ..!! انج تبين تثبتيله انج مهما سويتي عشانه بتمين مقصرة في حقه ..!!!
ابتسمت ناعمة بخجل/مشاكسة .. واجابتها بمكر جميل: يوم بنغدي جراب من بعض وربيعات بخبرج يا ام عيون حلوه ..
قهقهت موزة بداخلها رغماً عنها بعد ان استشعرت الدهاء اللطيف بين حروف الاخيرة .. فـ ناعمة رغبت ان تذكرها بما تفوهت به منذ قليل .....
واجابت وقد بدأت ترتاح للحديث معها: ليش احس بج واثقه انيه بوافق على شرطج .....!!
ناعمة: تبين الصدق ولا ولد عمه ..!!!
موزة: الصدق طبعاً
ناعمة بنظرة برّاقة: خذيها عيل يا بنت محمد .. ان وافقتي على الشرط ولا ما وافقتي .. وان خذت اخوج ولا الله ما كتب آخذه .. بإذن الله بسوي اللي عزمت اسويه ..
تراجعت موزة قليلاً بعد ان تكهرب من هالة القوة/الثقة من هذه الناعمة .. ولكن لون عسل عيناها بهت على نحو كئيب ....
أحقاً سترفض ناعمة الزواج من شقيقها ان رفضت هي الشرط ..!!
لكنها لا تستطيع يالله .. لا تستطيع .. ما الحيلة لفك هذه المعضلة ...!!
ولا تستطيع كذلك تحطيم بهجة عمتها بزواج حارب الذي طال انتظارها له ومحو حلمها هي الذي بدأ للتو ينمو بداخلها برؤية اطفال شقيقها ......
لا تستطيع زرع اللامبالاة فيها والبرود والقول بأن حارب سيجد غير ناعمة الكثير من الفتيات ليتزوجهن وينجبن .. لأن الآن وبعد حديث قصير مع الاخيرة .. استطاعت رؤية الكيمياء الجذابة الخاصة بها .. والتي لا تناسب الا شخصاً كـ حارب .....
بشكل خفي وغامض .. احست موزة ان حارب سيجد سعادته مع ناعمة .. كيف ولماذا لا تعرف صدقاً .....
بعد مرور مئات الطيوف من السكوت المظلم .. كتبت موزة وفاجعة فقدها/حزنها تمران امامها كالشيطان الرجيم:
لج اللي تبينه ناعمة .. بيلس وياكم .....
ترددت ثواني قبل ان تأخذ نفساً حارقاً اخرجت بعض ما يعتمل في نفسها من لهيب الماضي المظلم .. واردفت:
بس هب داخل البيت .. بيلس في الملحق ..
رباه .. أتراها انتصرت حقاً واقنعت موزة بالمستحيل ......!!
ارتعشت روح ناعمة ببهجة/بانفعال/بخوف .. بهجة لانها خطت اول خطوة لما تحلم بإنجازه ..
وانفعال لانها كانت متشوشة وحائرة بما عليها قوله لموزة بعد موافقتها الصادمة لها ..
وخوف لان بموافقة الاخيرة على الشرط ستتزوج حارب حقاً ..!! ...... ستكون بقرب انفاس من ألهب الحب في جوفها بصمت كصمت عيناه المظلمة .... برجولية متوحشة كرجولية وجهه الاسمر الوسيم ......
اخذت ناعمة هواءاً بارتباك شديد .. وكتبت بنبرة هادئة ظاهرياً: على هواج الغاليه ..
وصدقيني ما بتتلومين على قرارج ان شاء الله ..
مسدت جبهتها بأصابعَ ترتجف ونظرةً منكسرة تلمع بدموع تأبى السقوط ..
يا إلهي .. ما الذي فعلته بحق الله ..!!
أقبلتي للتو أيتها المعتوهة ان تذهبي للجحيم برجليكِ هاتين ..!!
رباه ........ ارحمني أرجوك ...
كتبت بعقل متشوش/فكر مضطرب: ان شاء الله ..
.
.
بعد دقيقتان .... عضت على شفتها وهي تدخل غرفة محادثتها مع شما .... وكتبت لها بقلبٍ يخفق بجنون:
الخطة نجحت شميمي .... موزة وافقت .......
شما بذهول كاسح: حلفي ...
ناعمة: والله العظيم .... توها رمستني وخبرتني ...
شما بعين باسمة غير مصدقة: وانا اللي صارلي أيام ازهب الرمسة عسب اقنعها ان ما طاعت .. ههههههه صدمتني على فكرة ... ما توقعتها ترضى بهالسهولة .....
ناعمة وقلبها ما زال يخفق بقوة من الربكة/الذهول: والله ولا اناااا ....
بعد دقائق ... انزلت ناعمة هاتفها ..... وكلمة واحدة تتردد بعقلها .....
"محتاينج"
"محتاينج"
"محتاينج"
"محتاينج"
إلهي ..... هو المقصود ..... هو واكاد اقسم على هذا .......
.
.
.
.
.
.
.
مكــــة المكــــــرمة
تسمرت بذهول صاعق/انبهار برّاق امام الكعبة .. وصدم روحها شعور صاخب بالهيبة العظيمة .. بالحرمانية الربانية الموغلة بالسحر والجمال .. بالعظمة الفائقة المستحيلة .....
عظمة هذا المكان الذي اقسم به الله فوق سبع سماوات وانزله في كتابه الكريم .....
فتحت فاهها ونطقت بأول كلمة تعبر عما فيها من مشاعر هائجة/منتشية: الله اكبر ..
شعرت بأصابع والدتها تمسك بيدها اليسرى وتهتف لها بعاطفةٍ شديدة: ادعي شيخة ادعي ..
لم تتزحزح عيناها عن الكعبة المشرفة .. وما ان تلقت كلمات والدتها حتى تذكرت ان دعاء من تسقط عيناه على الكعبة أول مرة مستجاب بإذن الله ..
هنــــا ..
سقطت دموعها من فرط ما فيها من احاسيس مهيبة .. منفعلة .. عاتية .. ورفعت يديها المرتعشتان وبدأت تدعي ..
وتدعـــي ..
اول من حاز على نصيبه من دعائها هو والدها ..
والدها الذي غرس سكين الشوق/الوجع في فؤادها منذ سنين طويلة ....
دعت الله عز وجل ان يرجعه إليها .. وإلى والدتها وشقيقتيها ....
إلى احفاده من ابنته الكبرى والتي لم تشهد وقوف والدها في زفافها ولم تشهد وقوفه بجانبها وهي تحمل ابنها البكر ..
أن يرجع إلى حياتها هي يالله .. فـ حياتها دون عيناه وضحكته الفخمة لا تساوي حفنة تراب .....
اجهشت ببكاء شديد وتهدج صوتها مع اشتداد نبرة دعائها .. ولم تكن لتسكت لولا يد والدتها التي جرتها برقة وهي تهتف بعينان دامعتان اثر انجرارها هي الاخرى خلف الدعاء/التكبير/التهليل: شيخه يلا قامت الصلاة لازم ندورلنا مكان صوب الحريم ..
نظرت لوالدتها بعينان مغشيتان بالدموع .. ولكنها استطاعت رؤية روضة في الامام وهي تمسك بطرف عباءة فاطمة شقيقتهن الكبرى وحولهم خالهم يوسف يحميهن من الازدحام وتدافع الرجال ....
ورأت من جانب آخر رجل له هيئة الافغان المعروفة وهو يشرب ماء زمزم على نحو مستعجل ويعدل احرامه على كتفه ويكمل سيره ..
الصورة الجميلة للمسجد الحرام الآن كانت لا تضاهي اي صورة في الكون الآن .....
والنشوة الوضاءة التي تجتاح قلوب المسلمين في المكان الطاهر طغت على كل احساس ينبض بالسعادة في قلوب البشر اجمع حول العالم .....
استمرت بالسير خلف والدتها حتى وجدوا لحسن حظهن مكاناً بقرب صحن المطاف .. ثم التصقت وشقيقتيها ووالدتها بين صفوف النسوة قبل ان يصدح في ارجاء المكان صوت تكبيرة الاحرام الخاصة بالشيخ عبدالرحمن السديس ..
.
.
.
.
.
.
.
تشعر بالخـــــواء ..!!
هذا أكثر الاوصاف اناقة وأدقها للتعبير عما تشعر به الآن ..!!
أخذت تتذكر بنظرات ضبابية كئيبة حديث والدها قبل قليل .. قال لها بشكل مباشر صدمها ان احمد يرغب بأن يتم عقد القران والدخلة في يوم العيد .. وطلبه كان على لسان نسوة عائلته اللاتي اتين فيما سبق وطلبن خطبتها رسمياً .....
لا تعرف ما الذي اعتراها للوهلة الأولى ..!!
أهو الانصعاق الشديد لاستعجاله الغريب ..... ام هو الرعب المجنون من فكرة ان زواجها من زوج شقيقتها الراحلة قد دخل نطاق اللارجعة .....!!
تشعر بأن حياتها تقف على قارعة الطريق تستجدي من الله اليقين .... اليقين فقط كي تعرف بأي إتجاه تسير ..!
العواصف التي تموج بحناياها ما ان يلتصق اسمه على جدران مسامعها تسبب لها الشتات الصرف الخاضع لسلطة خفقات القلب الوجلة .....
عندما كانت شقيقتها تتنفس هواء الحياة بينهم كان يجتذبها بشكل آسر لشخصيته .. لرجولته المتفردة .. لبسمته العطوفة الحانية .. لقلبه الممتلئ بالطيبة الفواحة ..!!
لكن صورته اهتزت بعنف في روحها بعد تلك الليلة السوداء ....
ليلة رحيل عوشة ..!!
بعد ان رأته لأول مرة يفقد السيطرة على روحه ويضرب شقيقتها ضرباً مرعباً اتسم بالـ .....
باللوعــــــــة .....!!
أجل ..
كان ملتاعاً بصورة اهلكت جبال الرجولة/سمو النفس الشامخة فيه ..!! .... رغم كل غضبها منه وبما فعله .. رغم اهتزاز صورته في روحها .... الا انها لا تستطيع انكار ما شعرت به حينها .....
وبسحر لم تفهم ماهيته .. اخذت صورته التي اهتزت بالرسوخ تدريجياً وتثبيت اساساتها مرة أخرى في مكان ينافس نبضها ..
وبدأت مشاعرها تتخبط ناحيته بين بغض وحقد وانجذاب وسحر وارتعاش .....
لكن لم يمهلها ذلك الرجل لتحديد اي ركن من اركان احاسيسها ستتخذ عندما تعمد بالاتصال الوحيد بينهما ان يهينها .. ويهين من كانت في يوم من الايام تشاطره حياته .....
اهانها وجرحها .. وتمكن بالفعل من اثارة عنفوان الكرامة والاعتداد فيها .....
وبعد كل ما جرى .. يرغب بالزواج منها ..!!
ويطلب بكل عنجهية وتكبر ان يتم القران يوم العيد ..!!
ليس وكأنها كانت مهتمة بمدى طول او قصر الفترة التي ستأخذها لتجهيز نفسها كعروس .... فـ مصيرها واحد ..!!
لكن ان ترى بأم اعينها كيف يتلذذ بإشعارها بسلطته عليها وخنوعها التام غير المباشر له هو امر تشمئز له الابدان ..
تستطيع الآن ان تقسم انه لم يتعمد تقريب موعد الزفاف الا ليثير فيها الغيظ/الحنق ....
رغم انها ما كانت لتفكر بأحمد قبل سنة على الاقل بهذه الطريقة وما كانت لتنظر له وكأنه يحمل عقل طفل مدلل تافه التصرفات ....
لكنها وبشكل غريب تشعر بأن هذا هو الحال بينهما بحق ...!!
لم يقنعها والدها عندما قال ان احمد قد طلب تعجيل الزواج لمصلحة الاطفال لأن عودتهم الى المدرسة ستكون بعد اجازة العيد بالضبط ....
لم تقتنع بثقة والدها الظاهرية ولم ترتح لنبرته الهادئة المتصنعة ....
يا إلهي ... ألهمني حسن التفكير ..... اشعر بشلل مقيت في مكامن الارادة في نفسي ...
تذكرت كيف طأطأت رأسها بـ خفوت قبل ان تهمس بإقتضاب جامد: اللي تباه سوه ابويه ..
تذكرت الهواء الذي اختنق في صدرها وهي تهمس بصوت بالكاد خرج ....
لم تجد الشجاعة لتعترض .. خافت ان تكلمت واعلنت رفضها ان يرى والدها على وجهها امارات الضيق/الاستياء من موضوع الزواج بأكمله ..
خافت ان تضعف وتنفعل في الكلام فيظن والدها انها معدومة الارادة لتقول "لا" لفكرة ارتباطها بـ "ذلك" ....
وهي ليست بمعتوهة كي تزيد على والدها حسرة قلبه عليها بأفعالٍ صبيانية غير مسؤولة ....
كذلك الغضب المكبوت داخل أعين والدتها كان احد اسباب صمتها كي تهدأ الجو الذي غدا مضطرباً/مكهرباً بصورة مرعبة ..
ارتمت بعنف على اريكة حجرتها الانيقة وهي تتنهد بصوت شبه حاد موغل بالغضب المكبوت/التخبط القلبي المستفز ..
تخبط يستفز كيانها الذي لطالما حسب لأهمية خطواتها القادمة والتي توصلها مباشرةً لـ رغباتها/آمالها ....
صوت خرج من اعمق نقطة في حنجرتها بشكل ساخر مرير وهمست لذاتها بحسرة: لنا الله يا قلبي .. لنا الله ..
.
.
.
.
.
.
.
عقد حاجبيه بنظرة مظلمة رامياً الهاتف بخفة على المقعد المجاور له .. مازال الى الآن غير مستوعب حقيقة ان شقيقته قد وافقت على شرط ناعمة .. رغم اصراره عليها ان تقسم بأنها واعية تماماً لقرارها ورغم ان الاخيرة قد اقسمت بحق .. الا انه الى الآن لا يصدق ..!!
ما الذي حدث وجعلها ترضى بالمستحيل ..!!
المستحيل الذي تجسد بواقع انها ما كانت لتدخل ذلك المنزل الا وهي ملفوفة بالكفن ..!!
حسناً ... حتى البقاء في الملحق من غير الدخول للمنزل نفسه كان يعتبر من المستحيل كذلك ....!!
زم فمه والافكار تتقاذفه يمنةً ويسرة .. ثم حك جانب حاجبه مخرجاً زفيراً ملتهباً قبل ان يستل هاتفه مرة أخرى ليتصل بـ ذياب ..
الامر اصبح محسوماً .. ويجب عليه اخبار الرجل بموافقة شقيقته على الشرط والسير بالزواج بلا انتظار ..!!
بلا انتظار ...!!!
تباً لك أيها المحارب .. اعترف وكفى ببهجتك الرعناء الطفولية بقرار شقيقتك .....
اعترف يا هذا ان قلبك قد حرر عصافير الأمل/السرور الفردوسي ما ان تلقى الخبر منذ دقائق ......
فتح ثغره قبل ان يمرر لسانه على شفته السفلية الجافة ويسترجع بعقله ملامح تلك الغجرية النجلاء بثمالةٍ خضعت لـ شخصها العصي على النسيان ..!!
.
.
.
.
.
.
.
هتفت بقلب يرتعد بالقلق/الذعر: بوخويدم اقولك من سافر ما تصلبيه يطمني تقولي ما عليه شر ان شاء الله ..!!
تنهد بطي بخفوت غير مسموع مغموس بإحساس الضيق .. واجابها باقتضاب شديد: يا شما الله يهديج ما ينخاف على ريلج .. تلاقينه انشغل في هالمؤتمر وما حصل وقت يتصلبج ..
شما بانفعال لم تتمكن من السيطرة عليه: عنبووه يومين ما لقى فيهن دقايق يتصلبيه .. انت تمزح ويايه بطي ...!!!
دخيلك يا خويه والله فواديه هب مرتاح .. ابا اطمن عليه ..
تغضنت جبهته وضيقه من فكرة ان يتصل بسلطان بعد ما فعله به يزداد في روحه .. ولكنه لم يحبذ ان يكسر قلب شقيقته المذعورة على زوجها ...... قال بنبرة خشنة جافة: ان شاء الله ان شاء الله ..
اغلق الهاتف واستدار مع كرسي مكتبه الفخم حتى واجه الاطلالة الجميلة خلف نافذة مكتبه الكبيرة .. والتردد المنفعل ينغرس فيه كالسكاكين ...
زفر زفرةً حارقة غاضبة مستاءة .. واخذ يضغط على ارقام متسلسلة مميزة والتي تخص شخصاً واحداً ..... سلطان ..
ابعد الهاتف عن اذنه رافعاً حاجبه الايمن باستغراب متهكم ما ان سمع ان هاتف سلطان مغلق ...!!
لكنه سرعان ما اتصل على ارقامه الاخرى .. والنتيجة كانت وحدة .. كلها مغلقة ..!!
تذكر هنا شخصاً واحداً من الممكن ان يفيده بهذا الشأن .. وقبل ان يتصل به .. رمى هاتفه والألم يجرح روحه بوحشية لا ترحم ..
لا يستطيع .. لا يستطيع التحامل على نفسه ويتحدث مع اي شخصٍ كان على علم بموضوع شقيقه وأبى ان يخبره ....
احساس الخيانة والغدر لا يرحمانه البتة .....
زمجر بصوت مقهور ما ان تذكر رجاء اخته القلقة بشدة .. وهنا استل هاتفه بعنف واتصل على ذلك الشخص شاتماً بقرارة نفسه قلبه الذي لا يتحمل نبرة الضعف في اصوات نسائه ...
: ألوو
حرك بطي جانب فمه بامتعاض وقال بغلظة شديدة الجفاف/البرود: بوراشد مساك الله بالخير
رفع ابا راشد حاجباً واحداً وتذكر صاحب الصوت الذي منذ عدة ايام احتد معه في الحديث و"الايادي" .. ثم اجابه بحزم هادئ لبق وكأن شيئاً لم يحدث: مساك الله بالنور والسرور .. حي الله بوخويدم
بطي بذات غلظة صوته الثلجي: يحييك ويبجيك .. شحالك ..؟!
ابا راشد: بخير وسهالة ربي يسلمك من الشر .. ومن صوبكم ..؟!
بطي: الحمدلله يسرك الحال
اردف بسرعة باقتضاب: بوراشد ما عليك امر لو عندك رقم سلطان في ماليزيا طرشلنا اياه .. اتصلنابه على ارقامه الثانيه يظهرلنا مغلق ..
ابا راشد باستغراب: بعد انتو هب محصلين سلطان ..!!
هنا شعر بطي رغماً عنه بالقلق .. قلق ينبع بفطرية كامنة اتجاه من شهد معه طفولته وشبابه وجميع لحظات عمره .. لكنه سيطر على قلقه بأن قال بنبرة صقيعية: جيه وينه هو ..؟!
ابا راشد بحزم: لا ماشي بس مستغرب .. لانيه انا بعد صارلي كمن ساعه اتصلبه وما يرد عليه ..
بطرشلك رقمه الماليزي واتصلبه يمكن يرد عليك ..
بطي: اوكي اترياك ..
اغلق بطي عن أبا راشد واخذ ينتظر الرقم منه .. وبعد ان وصله ..
اتصل من غير تفكير به .. فلو انه ترك لعقله مجالاً للتفكير .. لرمى بالهاتف حتى يراه مكسوراً لقطع امامه ....
زاد الشك بقلبه ما ان انتهى رنين الهاتف بلا إجابة .. وقرر ان يصبر قليلاً ويحاول فيما بعد علّ سلطان يجيب .. وسيحرص على تجنب اتصالات شقيقته في الساعات المقبلة كي لا يزيد من وتيرة هلعها ..
.
.
.
.
.
.
.
اغلقت باب غرفتها ولسانها لا يتوقف عن قذف الشتائم/اللعنات على ذلك الحقير زوج والدتها .. اخطأت عندما ظنت ان الشهر الفضيل سيصلح حاله .. أخطأت كذلك عندما لم تؤمن بالمثل الشعبي "ذيل الجلب عمره ما يعتدل" ..!!
فـ مسعود سيظل هكذا .. حيوان اجرب لا يمشي الا خلف غرائزه الشيطانية .....
مسحت كتفها بقرف شديد محاولةً تنظيف نفسها من لمسته التي حاول التمادي فيها قبل قليل .. وكأنه بفعلته تلك كان يتعمد توسيخ حرمانية الصيام وايامهم هذه قبل ان يتعمد اغاظتها ويحاول اشباع رغباته الحيوانية معها ..
مسحها لكتفها لم يشعرها بالرضا بتاتاً .. دلفت الى الحمام وغسلت كامل جسدها بقوة قبل ان تجدد وضوئها وتجدد طهر روحها من الذنوب ..
الذنوب التي ما ان تشعر بنزوحها عنها قليلاً حتى تجتاحها بعنف .. كيف لا وماضيها الشنيع يلاحقها كالوحش الضاري ..!!
كالكابوس الموغل بالعتمة/الحسرة/الضياع ....
وضعت يدها على صدرها محاولةً تحرير انفاسها التي ثقلت في صدرها وانحبست اثر وجع روحها السرمدي وصورة ذلك الرجل يحتل الجزء الاكبر من عقلها .....!!
كيف بحق الله ستحرر روحها من الألم وهناك انسان .. حي وليس حي .. قد سقط في لجة غيبوبة دام سنين بسببها ...!!
كيف ..!!!!
خرجت من حمامها وافكارها المنحصرة بذلك الرجل تأرجحها على اتجاهات فوضوية تبعث الضيق القاتل في وجدانها ..
سقطت عيناها على هاتفها ذو الطراز القديم جداً .. الرخيص جداً .. وعقلها بدأ يسير لطريق تبغضه تماماً ....
لا يا رفعة .. لا ..!!!
لن تفكري ابداً بفعلها ..
لن تفتحي ابواب جحيم الماضي على نفسك وتدلفيه بكل ما فيك مرارة/حسرة ألهبا زهر شبابك ..!!!
لا ....... أرجوكِ رفعة .....
أرجــــو.........
مع آخر كلمة رمتها على ذاتها المضطربة المتخبطة .. استلت هاتفها بإرادة "لم تكن بين يديها" .. واتصلت ..
"الهاتف الذي طلبته مغلق .. يرجى الاتصال فيما بعد"
هذا ما سمعته من المجيب الآلي ..!!!
شعرت بمشاعر متناقضة .. ارتاحت لأن مواجهتها لذلك الشخص قد تأجلت قليلاً .. بينما زاد الضيق في روحها لأن سكاكين الذنب ما زالت مغروسةً في صدرها .....!!
.
.
.
.
.
.
.
خرجت من المطبخ تاركةً ورائها طعام الفطور يستوي على نار هادئة وقررت الاتصال بصغارها والاطمئنان عليهم .. رغم انها بعد صلاة التراويح سترجع الى بيتها في العين الا انها لا تستطيع تحمل عدم سماع اصواتهم كل ساعتين او ثلاث ..
ابتسمت بتسلية وهي تمشي باتجاه الهاتف وتتخيل جنون عمتها ام سعيد واختها الكبرى شريفة من شقاوة صغارها غير المحتملة اغلب الاحيان ..
ما ان استلت هاتفها حتى رن فجأة مسبباً الذعر لها ..... غمغمت باستغراب: بسم الله روعتونا يابوكم ..
الرقم غير معروف .. لذلك ترددت قليلاً قبل ان تجيب بصوت حازم رقيق: ألو ..
: ألو ..
الصوت الانثوي ذو النبرة الناعمة المغرية ليست بغريبة عليها .. لكنها هتفت بتساؤل: هلا ختيه منو ويايه ..؟!
: ام خويدم .. آ آ آ
وياج اليازية الـ....
تراجعت آمنة وكأنها تلقت للتو صفعة قاسية .. وبدأ عقلها يسترجع بسرعة مجنونة آلام شتى/ذكريات مريرة بغيضة ..
ارتجف فكها بقهر/غضب مكبوت .. الا انها هتفت بنبرة صقيعية جافة ... "متغطرسة": منو أليازية ما عرفتج ..
ابتلعت أليازية ريقها بتوتر/اضطراب شاسعان المدى .. واجابت: أ أ أنااا ...
أ أنا كنت موظفة عند ريلج الاستاذ بوخويدم .. موظفة في قسم التصميم الداخلي ..
بحركة عفوية منها لمد ذاتها القوة/الطاقة .. اسندت يدها على الحائط وهي تشد من قبضتها كي تتمكن من الكلام بقوة وصرامة ....
غيظ يسري فيها كقوات الجيوش غير النظامية تعيث فساداً/فضوى/دمار .....
سحقاً .. كيف بحق الله تجرأت هذه الوقحة ووضعت لها كامل الحق كي تتصل وتسمعها صوتها بعد الذي فعلته بها ..!!
كيف تجرأت وطمحت لبث المزيد من اللوعة "لوعة فقدها لجنينها" في روحها وهي التي الى الآن تبكيه ..!!
هتفت وقد التمعت عيناها كرهاً/غضباً نمروديان اسودان: شتبين داقه عليه ..!!!!
ارتجفت روح أليازية وهي تستشعر كمية الكره/النفور بكلمات آمنة .. لكنها هتفت بتساؤل مترقب كي تتأكد من أنها قد عرفت هويتها:
آ آ آ يعني عرفتيني ..!!!
حركت آمنة شفتها العلوية باحتقار مظلم قبل ان تهتف بقسوة: ماليه شرف بمعرفتج .. دشيتي حياتي وزعزعتي كيان عايلتي شرا الشيطان الرجيم .. معرفتج بحد ذاتها وعقب ما عرفته وشفته منج اعتبرها ذل ومهانة وردى حظ ..
يالله .. أيمكن للكلمات ان تقتل ..!!!!
أيمكن لعدة حروف متلاصقة تصف صورتك الحقيقية بأعين البشر ان تخدش الروح وتُنزفه ..!!!!
لكنها يا رب تابت .. تابت وتريد ان تعيش بقية حياتها متحررة من ثقل الذنوب التي تراكمت عليها من حقد البشر/آلامهم النازفة بسببها .....
هتفت بصوت مرتجف/متألم/صادق: سمعيني آمنة ابـ.....
قاطعتها باحتقار اشتد واحتد عوده: اسميه ام خويدم يا انتي .. ام خويدم وحرمة بطي بن خويدم الـ... اللي حاولتي تصرقينه من هله بحيلج الرخيصة الخايسة ..
تنهدت أليازية بصوت غير مسموع .. وهتفت بنبرة صبورة مقررةً ان تترك لآمنة كل المجال كي تُخرج ما فيها من كره/بغض اتجاهها .. فهي حقاً مدركة بكل أسف/حسرة الاضرار التي تسببت فيها لها:
يعلني افقد الشوف والنصخ ان فكرت مرة ثانية اضرج شرات ما ضريتج هاك الزمان .. انا داقه يا ام خويدم عسب استسمح منج على كل شي سويته في حقج .. الدنيا فانية .. وانا هب ضامنة عمري .. اليوم فوق التراب وباجر تحته ..
تهدج صوتها وهي تحاول كبت دموعها التي تحك عينيها بوحشية .. واردفت بنبرة مبحوحة متألمة: والله ثم والله ان بغيتيني اييج واحب راسج وايدج عسب تسامحيني لسويها ....
الله يشهد عليه فوق سابع سما انيه تبت .. تبت يا ام خويدم لجنه هم ذنوب الخلق باركة عليه وخانقتني ..
الصمت المميت هو ما تلقته ما ان سكتت عن الكلام .. لكنها لم تستسلم .. واضافت واحساس الضعف في روحها يزداد:
سامحيني يا ام خويدم .. حلليني دنيا وآخرة .. وصدقيني كرمج ويميلج ما بنساه طول ما فيّه روح ..
الصمــــــت .....
ماذا يكون غير الصمت عند اشتداد الضياع بين الخير والشر في روح البشر ..!!
وماذا يكون غيره عندما يتصارع ملاك الطيبة وملاك القسوة في القلوب ..!!
اردفت بوجع مرير .. مرير بحق: سامحيني يا ام خويدم .. دخيلج سامحيني ..
بعد صمت كصمت الغاب المعتم .... همست والاحساس في قلبها قد تجمد .. والغضب المستعر بين طرقات أنفاسها قد انخمدت نيرانه بلمحة عين:
والله هب عشانج يا بنت الناس .. عشان ربي ونبيِّ الكريم اللي قال "وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عِزاً" .. وعشان هالشهر الفضيل ..
روحي ربيه يسامحج دنيا وآخرة .. محلله ليوم الدين ...... مع السلامة أليازية ..
اغلقت الهاتف بهدوء وهي تسمع نشيج بكاء أليازية .. بكاء خرج في لحظة كانت بيضاء كبياض الطفولة .. وصافية كصفاء السماء .. وطاهرة كطهارة العذراء مريم ..!!
.
.
.
.
.
.
.
اخذت سجادة صلاتها بسرعة ومسبحتها وهاتفها وهرعت مهرولة باتجاه باب الجناح وخرجت ..
غمغمت بكلمات مغتاظةً من نفسها عندما اضطرت لدخول الحمام عند اذان الظهر وفاتتها الصلاة في الحرم .. بينما والدتها وشقيقتيها الكبيرتان وخالهم قد تركنها في الداخل بعد ان طمأنتهم هي انها ستلحقهم فيما بعد بعد ما قالت لهم انها بدأت تعتاد على الطريق المؤدي الى المسجد ولن تضيع بإذن الله وستجدهم ..
لم تكن ترغب برؤية الحسرة في وجوههم وهم يتأخرون عن الصلاة بسببها .....
ووالدتها لم تخف عليها كطبيعتها الامومية .. كيف تخاف على أبنائها وهم زوار الله وفي بيته العظيم ..!!
كيف تخاف ورسولنا الكريم قال "ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن" ..!!
تتبدد المخاوف وتتطاير الآلام كالهباء المنثور عند الوقوف بين يدي الله وعند بيته المشرف ..
انزلت حجابها الى منتصف جبهتها وهي تصل للمصاعد الكهربائية المؤدية الى الطابق الارضي .. الازدحام كان في اوجه .. والتزاحم بيت المسلمين والمسلمات كان في ازدياد شديد خانق ..
هنا خافت .. ليس من ان تضيع .. بل من ان تفوتها صلاة العصر ايضاً ..!!!
واخذت تدعو الله بقرارة نفسها ان تصل لوالدتها وشقيقتيها قبل الاذان ..
: اي ده .. الاصنصيرات مبتشتغلش يا نااس ..
رفعت عيناها الى المرأة المصرية المتذمرة وهي تستوعب اخيراً سبب الصفوف الطويلة الواقفة امام المصاعد .. عضت شفتيها بتوتر ورفعت جسدها على أصابع قدميها كي ترى ما اذ كان هناك احدهم يصلح العطل الموجود .. وعلمت ان ثلاث مصاعد معطلة والازدحام كان على المصاعد الأخرى ..
نظرت الى ساعتها ورأت بأن هناك بالضبط ساعة كاملة تفصلهم عن الآذان .. لكن هذه الساعة قد تضيع تماماً مع الازدحام الحالي والازدحام الشديد الذي ستشهده ما ان تقترب من المسجد ..... فـ عمرة رمضان كالحج تماماً بازدحامها والكمية المهولة من المسلمين ..!!!
اللهم لك الحمد على نعمة الاسلام ..
مرت ربع ساعة وهي واقفة على حالها والازدحام يتزايد ولا ينقص .. وحمدت الله في النهاية ان العاملين قد انتهوا من إصلاح عطل المصاعد ...
وبدأ فوج من النسوة بالولوج للمصاعد بينما هي تُدفع الى الخلف غير تاركات لها المجال بالتقدم والدخول ....
كتمت غيظها بقوة وهي تكز على شفتيها من القهر .. وقررت ان تنتظر المصعد القادم ..
استدارت حولها وهي تستوعب انها اصبحت الفتاة الوحيدة امام المصاعد وكل من حولها رجال .. تقلص جسدها بخجل وهي تقترب من المصعد الذي امامها وتعد الثواني كي يفتح ..
ما ان فُتح الباب حتى مر من امامها خمس رجال مندفعين للداخل ويريدون على ما يبدو ايجاد اماكن لهم للصلاة .. هنا توقفت بحيرة/غيظ .....
كيف بحق الله ستدخل المصعد الآن ..!!!
هي غير معتادة ابداً على تشارك مثل هذه الاماكن الضيقة مع الرجال ..!!!
لكن لم يكن بيدها حيلة فهي لن تجد مصعد متوافر بسهولة ان فوتت هذا .....
وما كادت تخطو خطوة الى الداخل حتى سمعت احدهم يهتف بغلظة صارمة:
وقفي لا ادشين
استدارت بذعر للصوت الغليظ القريب منها ورأت ما لم تتمكن من رؤيته على صورته الحقيقية "الاثيرية" في حلمها ..!!
كيف تراه على صورته الحقيقية في حلمها وهو الذي خُلق ليكون سيد واقعها .. وسارق قلبها من اول نظرة ..!!
لكن ان يكون سيد واقعها في هذا المكان .. وفي هذا الوقت ....!!
كان امراً من المعجزات الإلهية "الغريبة كل الغرابة منطقياً" ..!!
وبمغناطيسية كامنة .. تسمرت بمكانها كالصنم وناظرها قد بهت تماماً فيه بإرادة معدومة .....
اشاح الرجل بعيناه منها مخافةَ الوقوع في الاثم مردفاً بنبرة اجشة اخفى خلفها آلاف المشاعر/آلاف الخفقات: انطري شوي .. اختي جايه الحين ..
ما ان قال كلمته حتى لمحت شيخة من وراءه امرأة ملفوفة بأكملها بالسواد تقترب منهم .. ورأته وهو يدير وجهه ويقول بحزم بالغ بصيغة الجمع مؤشراً على مصعد آخر قد فُتح: يلا تحركوا قبل ما يتسكر ..
تحركت شيخة خلف شقيقته التي لمحت على ثغرها ابتسامة صافية وسمعتها تقول لها بلطف: يلا حبيبتي ..
بعد ان وصل المصعد للطابق الارضي .. رأت شيخة والمرأة ان الازدحام قد وصل الى المحلات التجارية الموجودة بقربهم ..
هنا امسكت المرأة الاكبر سناً يد شيخة وقالت بحزم: امشي معاي ما بخليج .. ذيلن ان دزوج بتندعسين تحت ريولهم ..
لم يكن الموقف مضحكاً لكن شيخة ضحكت بخفوت على الطريقة الدرامية التي تحدثت بها المرأة ذو اللهجة القطرية المحبوبة ..
سمعت ذلك الصوت يهتف برجولية صارمة من بعيد مسبباً ألم لذيذاً في فؤادها: منيرة نطري ..
توقفت منيرة التي تمسك يد شيخة بقوة وانتظرت الى ان اقترب منها شقيقها وقالت: وي ناصر اشوا انك اهني حسبالي رحت ..
رفع ناصر حاجباً واحداً بتهكم وقال: وين بروح واخليكم ..!!!
وقف بجانب اخته الكبيرة و التي امسكت بدورها ذراع شيخة وألصقتها فيها بحركة امومية موغلة بالحنان/العاطفة الفطرية الحلوة ..... وأخذ ناصر يهتف بصوت خشن رنان للرجال امامهم: طريق طريق بارك الله فيك انت وياه ..
ظلوا على هذه الحالة يحاربون تدافع المصلين حتى اصبحوا امام بوابة الملك عبدالله ..
هتفت منيرة باستياء: وييي اشله مسكرين البوابة الله يهديهم ..!!!
التفت ناصر بحاجبان معقودان وهتف آمراً بغلظة خرجت عفوية: لان زحمة داخل وانترس المكان .. منيرة دشوا من هالباب اللي فيه السلالم المتحركة وصلوا في الطابق اللي تحت .. بسرعة مافي وقت ..
منيرة بقلق: وانت وين بتروح ..!!!
هتف ناصر وقد تمكن الانفعال/الصبر المعدوم من الخروج فوق صفحة وجهه: انا بصلي اهني مع الرجاجيل .. يلا بسرعة تحركوا ..
منفعل .. كيف لا ينفعل وهي هنا .. "امامه" .. لا يفصله عنها سوى سنتيمترات ..!!!
هي .... بكل بهاء حضورها/شخصها الآسر "امامه" .. عند بيت الله الحرام وفي الشهر الحرام ...!!!
يالله .. شعور ملتهب عصي على الوصف يسري في عروقه ببطئ مختال ..
ان يرى من سكنت روحه بعد اشهر طويلة من الفراق الآن وبصدفة إلهية صادمة هو امرُ لم يتحمله نبضات قلبه ..!!
عندما لمحها امام المصعد لم يصدق عيناه .. لم يصدقه البتة حتى رآى جانب وجهها المكشوف وتيقن من صدق خفقاته التي تصدح ما ان يفكر مجرد تفكير بها ..
شعور بالتملك احتله بضراوة قاتلة .. وشعور آخر بالحماية والغيرة الحارقة احتل بؤرة اعتداد الرجولة فيه ..!!
حمد الله ألف مرة ان منيرة اخته معه .. وتمكنت من احتوائها وهم يمشون خارجاً باتجاه المسجد .. فهي صغيرة .. وبدت ضعيفة .. هشة .. حائرة كعصفورة حلوة تائهة .. وووو ....
استدار بعنف زافراً بحرقة قاطعاً تسلسل افكاره التي تحركه لأمور خارجة عن مسار مرضاة الله .. ثم غمغم بصوت غليظ مغتاظ موغل بالمشاعر المتمردة: استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم .. امس معتمر يا رجّال تعوذ من بليييس ..
تنهد بخفوت والتفت ليجد ان شقيقته وتلك الصغيرة قد وصلا امام البوابة الصغيرة المؤدية الى المصلى ما تحت الارض .... رفع في ذلك الوقت جانب غترته ورماها بعبثية فوق رأسه وتحرك باتجاه صفوف الرجال ليأخذ له مكاناً مناسباً هو الآخر ..
.
.
.
.
.
.
.
بعد ان سلمت من صلاتها .. رفعت رأسها وهي تسمع نداءاً رقيقاً آتياً من بعيد: شيخوووووه نحن هنيييه ..
اشرق وجهها سعادةً عندما وجدت أخيراً والدتها وشقيقتيها .. فهي ومع الازدحام الشديد وضيق الوقت لم تتمكن من البحث عنهن خاصةً وقد اعلن المؤذن حلول صلاة العصر ..
التفتت الى منيرة التي كانت تتمتم بالاستغفار والتسبيح وهمست لها بنبرة موغلة بالخجل والتهذيب: خالوه بشوف قوم امايه وبردلج ان شاء الله ..
منيرة بحب صاف وقد دخلت هذه الشيخة قلبها من غير استئذان: خذي راحتج حبيبتي
اقتربت شيخة من فاطمة التي تناديها وقالت ببسمة حلوة: للحظة حسيت اني ما بحصلكم للابد
فاطمة: ههههههههههههههههههههههههه عايشة الحبيبة جو افلام الرعب
بادلتها روضة ذات ابتسامتها وقالت: في ذمتج كيف دشيتي ..!! .... نحن قلنا خلاص شيخوه من الروع بترد الفندق
شيخة: هههههههههههههههههههههههههههههه لا افا عليكن دشيت وبقوة .. عقب ما ألف انسان دزني وكفخني ..
قهقهت والدتها بخفوت وقالت: لازم هالشي فديتج ..
جرت شيخة روضة هاتفةً بحماس: تعالن بخليكن تسلمن على حرمة عسسسل .. هي اللي ساعدتني عسب اوصل هنيه بالسلامة ههههههههههههههههههه ..
وقفت منيرة ما ان اقتربت شيخة وشقيقتيها ووالدتها منها ..
ام فاطمة: السلام عليكم ..
منيرة برقة عذبة: هلا والله ... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
وضعت شيخة يدها على كتف منيرة وقالت: هاذي خالتي منيرة .. اخت الدكتور ناصر
اتسعت اعين الجميع بذهول بينما هتفت منيرة بدهشة شاسعة: تعرفون اخوي الدكتور ناصر ..؟!
ابتسمت شيخة برقة وقالت: كنت بقولج بس ما لقيت فرصة .. اخوج الدكتور ناصر من الدكاترة اللي المشرفين على حالة ابويه ربي ايقومه بالسلامة في مستشفى زايد العسكري ...
هتفت ام فاطمة ببسمة اندهاش: ما شاء الله تبارك الله .. صدق الدنيا صغيرة .. وانتي شقى عرفتي انها اخته شيخة ..؟!
تلعثمت شيخة بربكة/خجل .. وقالت بعفوية صادقة: هو كان وياها .. وهي فديتها يوم شافتني روحي اصرت امشي وياها إلين ما وصلنا هنيه .. خافت عليه من الزحمة ..
فاطمة بامتنان شديد: نعم انج بنت اياويد وخت رياييل يااا...
سكتت فاطمة بحرج وهي لا تعرف الاسم المناسب التي تنادي به المرأة ..
ابتسمت لها منيرة بتسامح عذب وقالت: نادوني ام جاسم ..
فاطمة: ربي يحفظلج جاسم وكل حبايبج ومن يعز عليج ...
منيرة: اللهم آمين .. ويحفظلكم عيالكم يا رب ..
.
.
.
.
.
.
.
فتح عيناه وضباب قاتم يغلف ناظريه ويثقل عليه رأسه بشدة ..
استند على مرفقه الايمن بكسل ثم اخذ دقيقة كاملة ليستوعب المكان الذي هو فيه قبل ان يتأوه بادراك خافت وهو ينظر لهاتفه الشخصي الذي على ما يبدو قد اغلق بسبب انتهاء شحنه ...
نهض بسرعة بقامته الرجولية الطويلة وصدره العاري بتوتر ... وبسرعة أوصله بـ الشاحن ..
بعد ان توهجت شاشة الهاتف معلناً عودته للعمل من جديد .. رآى كمية الاتصالات المهولة من اهله واصدقائه في البلاد ..
شتم نفسه بخفوت كارهاً استغراقه الطويل/العميق بالنوم بعد ان امضى اول يوم له في ماليزيا في عمل طويل مستمر لم ينتهي بسرعة .. مع علمه الشديد انه كان يحتاج للنوم فهو لم ينم منذ الليلة التي سبقت سفره .. وبعد ان انتهى يومه الاول الذي دام الى ما بعد منتصف الليل .. قرر ان يتصل بعائلته وزوجته ليطمأنهم عليه لكنه ما ان ارتمى على فراشه حتى طار في نوم شديد مليء بالارهاق ....... نوم دام ساعات طويلة ..
قرر ان يصلي ما فاته اولاً ثم الاتصال بمن على ما يبدو جزعين عليه بشدة الآن .....
بعد ان سلم من صلاته وانتهى من اذكاره .. قام واستل هاتفه وبدأ تركيزه يعمل بوضوح اعلى ..
وخفق قلبه ترقباً/شكاً ما ان لمح رقم بطي بين الارقام المتصلة ..!!
وقف امام المرآة وهو يرتب شعره الذي طال قليلاً بعبثية/بال متشوش وعيناه على هاتفه .. ثم ضغط على رقم بطي مباشرةً ..
: ألو
: يوم ان ما فيك هبه على مسؤولية بيت وحرمة شعنه تاخذ بنات العرب من بيوتهن ..!!
رفع حاجباً واحداً ببرود قاسي وهو يتلقَ قذيفة هاون محشوة بإهانة/سخرية من فم صديقه .. واجاب بصوت غليظ "ثلجي":
انت حارق تلفونيه عسب تعق عليه رمسة شرات ويهك ..!!!
احتد فم بطي بقهر اسود شديد الألم على روحه .. وقال وقد غلف صوته قسوة/برود/جفاء بلغوا عيان السماء: هب داق عشان سواد عينك .. حرمتك متروعة عليك تقول يومين هب عارفة شي عنك .. دق عليها وطمنها ..
اغلق الهاتف بوجهه بعد ان رمى آخر كلمة عليه ..
انزل سلطان هاتفه من على اذنه ببطئ مخرجاً تنهيدةً محمومة متفجرة بخيبة الامل/الخذلان ..
من كان يتوقع ان الحال بينه وبين صديق عمره ستؤول لهذه الصورة المشينة في يوم من الايام ..!!
من كان يعتقد ان الحديث فيما بينهم سينقلب ويغدو كأحاديث الشوارع الفاقدة لمعاني الإحترام/مراعاة الاحساس ..!!
بعد صراع مع روحه المتألمة .. اتصل بزوجته وشعور آخر بالأسف يجتاحه ..؟؟؟
ما حالها الآن ..!!
كيف كان يبدو قلبها في الساعات الماضية الذي كان مختفياً فيها هاتفياً عن الجميع ..!!
وبعد عدة رنات .. اتاه صوتها الرقيق الواضح عليه امارات الاستغراب من الرقم المجهول: ألو
: ألو ..
: سلطاااااااااااااان .. سلطان انت وينك ..؟!
يومين وانا اتريا تلفووونك يالظااااالم .. وينك انت .. شبلااااك ..!! .... خبرني دخيل والديك شبلااااك ..!! ..... شعنه ما اتصلت عليه وطمنتني عليك ..!!!!
حرام عليك والله انـ....
لانت تعابير وجهه وعيناه الباسمتان تُخرجان ملامح التوق العتيق/الخفقات الولهة لهذه الفاتنة ..
كان يعلم انها قلقة عليه لكن ان يحس ويسمع بنفسه قلقها الذي لم يكن الا ذعر هستيري تشكل على هيئة كلمات مجنونة فوضوية متفجرة بالعاطفة المنفعلة كان شيئاً دغدغ بؤر الاحساس في روحه الهائمة فيها ....
قاطع جنون قلقها عليه بأن همس لها مطمئناً برقة:
شما .. السموحة فديتج كنت راقد من البارحة وما نشيت الا قبل شويه ..
شهقت وبكاء غزير بدأ يتساقط من مقلتيها بعد ان كبتته طويلاً خلال الساعات الماضية .. وهتفت بانفعال من بين دموعها: روعتني سلطااااان والله .. الحمدلله رب العالمين ما فيك شي .. اللهم لك الحمد ..
مسحت دموعها بعنف واضافت بقلق أليم: هب ظاري انت ترقد كل هالرقاد سلطان .. شو فيك حبيبي ..؟!
يا رب الكون .. أيجب ان تكوني بكل هذه الرقة المؤلمة للوريد ..!!
بكل هذه النعومة الجارحة للصبر ..!!
بكل هذا التغنج الذي يسبب في رجولتي الجنون/الاستنفار الطارئ ..!!
ازدرد ريقه الجاف برغبة مُهلكة تندفع بجوع إليها بلا حول ولا قوة منه ..... واجاب بنبرة اجشة صامدة وقد اخفى خلفها لوعة عشقه المجنون: ما فيه شي فديتج .. بس جدول الشغل في اول يوم كان منترس وامره ما رمت حتى احك خشميه .. وكنت ناوي ادق عليج بس من حطيت راسيه على المخدة رحت في سابع نومة من اليهد ..
: يا عمررررررري ..
قالتها بعفوية عاتيةَ الحرارة/الاندفاع نابعةً من حبها الذي انفلت من سيطرة لسانها/تصرفاتها كلياً .. اصبحت شفافة امامه .. عارية من لباس كبت الاحاسيس وزيفها ..!!
ارهقها حبس الغرام .. انهكها فعل/قول ما لا تشعر به .. تشعر ان مشاعرها تتأجج وتستنفر واقفةً على فوهة بركان محموم ما ان تتذكره او تسمع صوته الرجولي المدمر .. واي امرٍ ولو كان بسيطاً منه يسبب بسرعة بانفلات هذه المشاعر وانفجارها .....
اردفت بربكة خجولة وجسدها ينتفض من الكلمة التي خرجت محملة بكل ما في الصبابة من غليان/بكل ما في الشوق من وجع شهي:
أ أ أ يعني انت بخير ما فيك شي صح ..؟!
هز رأسه بحواس تخدرت كلياً ...... والعواطف الجياشة العفوية التي يتلقاها من حبيبة عمره تضمر اللهيب فيه وتشعره بالعجز التام حتى في الكلام .....
وبعدما استوعب انها ليست امامه ولا تراه .. همس بعدها بغلظة رجولية اربكت قلبها المتيم به:
بخير لانيه متهني بدفى حسج ..
.
.
.
.
.
.
.
وضعت امامه كوباً من الشاي قبل ان ترخي جسدها على الاريكة وتشرب من كوبها الذي بين يديها ..
ابتلعت شرابها الساخن وعيناها تلتمع بـ سكينة/دفئ على منظر المسجد الحرام الظاهر من خلف نافذة جناحهم بوضوح شديد آسر ....
اشاحت عيناها عن صورة المسلمين وهو يطوفون حول الكعبة المشرفة وقالت برقة تخللها غموض:
ناصر انت تدري ان البنت اللي شفناها تحت امس تكون بنت واحد من المرضى اللي عالجتهم في بوظبي ..؟!
عمياء ستكون ان لم تلاحظ ارتجافة يده وتصلب جسده .. وشعور بالتوجس بدأ يغزو قلبها ..
سمعته يقول بنبرة باردة وكأنها للتو لم تتسبب بحدوث عاصفة هوجاء فيه: اي ادري .. قد شفتها في المستشفى عند ابوها ..
رصت على عيناها بعفوية محاولةً سبر اغوار اخاها الصغير "الذي يظن ان ببروده سيخفي عنها انفعال مشاعره الداخلية" .. وهتفت بترقب/شك: شرايك فيها ..؟!
رفع عيناه إليها بحدة وهتف بصرامة/استنكار: شنو هالسؤال ام جاسم ..!!! شنو يعني شرايك فيها ..!!! شلي انا في بنت الناس ..!!!
تراقصت ضحكة خفية في عيناها .. لكنها قالت بنبرة حاولت اخراجها جادة: شفيك ناصر ما قلت شي .. اسألك سؤال عادي ..
رفع حاجباً واحداً هاتفاً بذات صرامته: اعرفج انا مناير وسؤالج ذي مب عادي ....
شتبين توصليله تكلمي من غير لف ودوران ..!!
ضحكت برقة حانية .. وقالت وهي ترفع عيناها الى السقف بمكر: اممممممممم .. لا ولا شي ولا شي ..
ابتعدت عن شقيقها وهي تسمع الاخير يهتف لها بغيظ خشن: منوووور تعالي قوليلي شالسالفة ..
منيرة: هههههههههههههههههههههه قلتلك ولا شي نصور خلااااااص ..
هربت من أمام شقيقها بعد ان نجحت بإثارة مشاعر الاضطراب/الغيظ فيه .. وكأنه كان ينقصه هذا ....!!
زفر بضيق ملتهب ووقف بقامته الطويلة امام النافذة الضخمة واشعة الشمس تسقط على صفحة جبهته .. وارتفع ناظراه الى السماء ..
وارتجف صدره بعنف ما ان اجتاح مسامعه آية كريمة من ربٍ كريم مصدره التلفاز الذي بقربه:
"قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ"
"قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ"
ذكرته هذه الآية بإحدى سنن نبينا محمد صل الله عليه وسلم المهجورة وهو النظر الى السماء عند الدعاء تعظيماً ..!!
ذكرته بأن الله كريم رحيم لطيف بشكل لا نتخيله واننا لو عجزنا للحظة عن تحمل ترتيب فوضى الكلمات في قلوبنا وتصفيفها على عتبة ألسنتنا لنناجي بها رب الكون .. فيكفي ان نرفع اعيننا للسماء ونناجيه بالنظر فتخرج الامنيات/الدعوات على هيئة رسالة مغلفة بوعود ربانية لابد ان تُخلق يوماً ما .. او تُخلق في التو واللحظة .. لابد ..!!!
الا في حالة واحدة .. لو اراد الله بمنع تلك الامنيات او تباطأها خيراً لنا .....!!
فتح ثغره وشعور موغل بالضياع/المهابة ينتشله من أرض الواقع .. واخذ ينظر الى السماء وبدأ يناجي الله بقرارة نفسه ان يهديه الى طريق الصواب ....
وحكت عيناه/قلبه للواحد القهار بكل ما يتمناه .. بكل ما يتمنى حدوثه ويمنعه خوفه عن فعله ...!!
محتار ومشوش البال وليس غير الله من سيهديه .. هو على يقين بهذا .....
: ناصـــر
التفت بعيناه الغائمتان بالعاطفة وبحاجباه المعقودان ليرى شقيقته من خلف كتفه .. ما ان رآها تخرج رأسها وبعض جسدها من خلف باب غرفتها الخاصة .. حتى سمعها تقول ببسمة خبيثة ذات معنى: اخطبها لك ..؟!!!
.
.
.
.
.
.
.
: حبيبي خل نخطف صوب بيت عميه اول ..
نظر لزوجته نظرةً خاطفة وقلبه يعتصر ألماً/آسى مرير ....
منذ ايام وهو يتجنب اي تواصل مباشر مع والديه واشقائه .. يشعر انه لن يتحمل رؤيتهم او التحدث معهم وهو يخفي حقيقة مصرع سعيد عنهم .. رغماً عنه يشعر بإحساس بغيض بالخيانة .. ولا شيء آخر سيساعده على تخفيف احساسه الفظيع انه متعاون مع جماعة سلطان في اخفاء هذا السر الخطير عن عائلته ....
كيف بحق الله سينظر لعينا والده الحبيب ولا يقول له ان ابنك .. وفرحة ناظريك قد قُتل ..!!!
كيف لا يجهر له بأمرٍ اخفائه فاجعة ..... واظهاره فاجعة ...!!!
كيف ينظر لـ اخويه عبدالله .. وأحمد ... هكذا بكل بساطة .. ويكبت ما فيه من كمد وحزن مقيت المذاق بسهولة ..!!!
ليته لم يرمي وعداً على سلطان .. ليته لم يفعلها ....
اخذ نفساً ثقيلاً ملتهباً احرق مجرى تنفسه .. وهتف بخشونة مقتضبة: ان شاء الله ..
ثم حرك مقود السيارة ودخل من باب منزل والده بدل من باب منزله ..
نهايــــة الجــــزء الخامــــس والأربعــــون
|