كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
الجزء الرابع والأربعون
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الجــــزء الرابــــع والأربعــــون
،
ماذا أفعلُ بهذا القلب، بدون ذكرياتكِ ؟
ماذا أفعلُ - قولي - بهذا الرأسِ بدون حُمّاكِ ؟
بدون هذهِ الحُمّى فقط
الكتابةُ الرائعةُ، حُمّى
نظراتكِ، حمى
والشوارعُ أيضاً، كرةٌ من الحمى تتدحرجُ على الإسفلتِ
وأنتِ
ألا تخشين حُمّى كتاباتي ..!
ألا تخشين جنونَ حُمّى ولعي بعناقيدِ شفتيكِ التي لمْ تنفرطْ بعدُ
مَنْ دلّكِ على ولعي، فالتصقتِ به ..!
ألا تخشين أن يصبحَ أسمكِ - ذاتَ يومٍ - فضيحةً
على لسانِ عجائز الأزقةِ، وأكشاكِ الصحفِ، ودفاترِ يومياتِ التلميذاتِ السريةِ،
وطاولاتِ النقدِ والخمرةِ في نادي الأدباء، وحدائق الياسمينِ النمّامِ،
والطبعاتِ التجاريةِ لكتبِ رسائلِ الحبِّ والغرامِ، وغمزِ صديقاتكِ،
وغيرةِ الشوارعِ، وتصاعد الحُمّى
حُمّى من الهذيان، صاعداً أو نازلاً
في فراغِ الورقةِ ..!!
لـ عدنان الصائغ
،
بعد مرور بضعة ليالٍ من الشهر المبارك
ذبول الاحساس يزداد في روحها يوماً بعد يوم .. والألم المظلم من جفاء وبرودة تصرفات محبوبها لا يزيدها الا وهناً .. ووجداً .. ومرارةً ..وحيرةً ..!!!
تشعر انها ضائعة وسط غابة سوداء/باردة/مخيفة من غير نور الحنية بعيناه .. من غير لمسة الدفئ من يداه .. من غير رائحة صدره الرجولية الباعثة للأمان ..
ما عادت ترى بعيناه سوى الجفاء .. والصمت السحيق .. والمشاعر الخالية من الحرارة ......
مشاعر كانت قد رأت حقيقتها آخر مرة عندما سقطت تلك الليلة ضحية المرض .. وسعت لإخراج تلك المشاعر من عيناه من بعدها وفشلت ......
ادركت ان ماضيهما لن يتركهما يعيشان من غير قلوب معطوبة .. ولن يتركهما من غير تصدع مريع بينهما ....
تشعر بالذبول ........ بالذبول البطيء "المُهلك" .....!!
اخذت شهيقاً قوياً حاداً علّها تقتل ذلك الاختناق الذي لازمها منذ ايام .. اختناق في مركز التنفس .. وفي مركز العشق ..!
استدارت نحو النافذة بنظرة دعجاء مجروحة ما ان سمعت صوت زمور سيارة زوجها ..
يعلمها بهذا انه آتى وانها يجب ان تنزل ..
سلمت على والدتها وزوجة اخيها ابا سيف والجميع .. ثم امسكت غطاءها وانزلته على وجهها ..
تنفست بعمق وهي تتسائل ما اذ كانت زيارتها لأهلها في العين خففت من معاناتها ام زادتها حرقةً مع تفكيرها المستمر به ...!!!
استودعت الله بقرارة نفسها قلبها الملتاع بحبٍ امرضها ......... وخرجت ..
: السلام عليك
: وعليج السلام
هذا ما مر عبر ألسنتهم فقط .. والصمت المتجمد هو من ترأس الجو المتكهرب في السيارة .....
رأته بطرف عيناها وهو يحاول الاتصال بشخص ما ولكن على ما يبدو ذلك الشخص لا يرد عليه .. شعرت بالريبة/الربكة عندما رأته يرمي هاتفه بغضب مكبوت على طبلون السيارة ..
مررت لسانها الرطب على شفتيها بصمت تخلله توتر .. ثم اخرجت كتاب الله من حقيبتها .. وعندما فتحته همست مستأذنةً بعذوبة:
عادي اقرى بصوت عالي ..!!!
احتقن وجهها بالخجل عندما نظر إليها بحاجباه المعقودان ونظرته الضبابية المظلمة .. وتلعثمت بارتباك: مـ ماعرف اقرا في صدري واحرك بس شفايفي ..
ارجع ناظريه الى الطريق وهتف بخشونة مقتضبة: خذي راحتج ..
وتضاءل الصمت المتجمد في السيارة وبدأ يحل محله ضجيج صوتها الدافئ الذي تعظمت هيبته مع هيبة كلام الحي القيوم ..... وارتخت الاعصاب ومعها القلوب ...
كان صوتها هادئ .. اثيري .. يبث السكينة في الفراغ والأفئدة ..
لم تدرك كم مضى عليها وهي تقرأ الا عندما سقطت عيناها صدفةً على اللائحة الزرقاء الضخمة في الشارع والمكتوب عليها اسم المنطقة القاطنين فيها .. اغلقت المصحف بهدوء واخذت تعبث بخيطه الممدود وشفتيها تتحركان باستغفار صامت ..
سكنت شفتيها بـ ذهول مباغت عندما سمعته يهتف بـ جمود تام: ورايه سفرة .. زهبيليه شنطتيه ما عليج اماره ..
التفتت إليه بسرعة وهمست: سفرة ..!! وين ..!؟
وقف وسط باحة المنزل .. واجاب بذات جموده وهو ينظر لكل شيء عداها: ماليزيا ..
اكتفى بهذه الاجابة .. فعمله السري يمنعه من التفوه بتفاصيل اكثر حتى لو كان الطرف الآخر هو زوجته ..!!
انزلت عيناها بـ وجوم أليم .. وقالت بنبرة شابت بالخذلان: كم يوم ..؟!
اعطاها نظرة سريعة قبل ان يجيب ببرود: عشر تيام
شعرت بأوردتها تتصارع مع بعضها البعض من اجابته الخالية من الاحساس ....
عشرة اياااااااااام ...!!!
يالله ..
من سيلازمني الفراش ان سقطت صريعة مرض توقي لوجهك ..!! .... من بحق الجليل ..!!
هزت رأسها بـ ايجابية .... وهتف هو مكرراً الحقيقة المرة وكأنه يتعمد ايلامها ونزف قلبها بشكل اكثر حدة: حطيليه ثياب حق عشر تيام هب اكثر ولا اقل ..
ازدردت ريقاً كالسكين الناصل .. وهمست بنبرة مكتومة لا حول لها ولا قوة: ان شاء الله ..
نزلت من السيارة ودارت حولها .. ولكنها التفتت بتردد الى باب سلطان الذي لم يُفتح بعد .. انزل نافذته هاتفاً بتساؤل خشن: بغيتي شي ..؟!
اقتربت من نافذته حتى استنشقت رائحة عطره التي لم تكن لتبتعد عن الارض التي احتلتها بمجرى تنفسها ..... وقالت بصوت خنع لسلطة الشوق المجنون/الصبابة الدامية: ما بتحدر معايه ..؟!
شعرت بساقيها تتحولان لشيئان من الهلام ما ان اعطاها نظرة ساهمة/مخترقة/قاتلة.. نظرة تحوم فوقها ألف شعور وألف كلمة عالقة بين حبائل الأزمنة/دقات الساعات ..
رفع يده اليسرى وانزل بحركة غير متوقعة الغطاء المنخفض على وجهها .. ثم اجابها وعيناه تمشطان وجهها الجميل وكأنه يرغب بحفظ كل انش فيه في اعمق نقطة في قلبه/ذاكرته: بسير اخلص كم شغله مهمة قبل السفر ..
صمتت قليلاً وكأنها الى الآن لم تستوعب الامر ..... ثم هتفت بعدها باستغراب تخلله وجع نقي: ليش .. متى بتسافر ..؟!
نظر لعيناها الذابلتان .. ومشاعر هوجاء عصفت به بلا هوادة .. الا انه وكعادته لم يظهرها ..... رد ببسمة باهتة لم تتجاوز حدود عيناه: الفير ..
صاحت بـ انفعال لم تتمكن من كبحه: الفييييير ....!!!
امسكت بيده وقالت وهي تهز رأسها بالنفي: لا سلطان .. شو الفير ..!!! .... حرام عليك ..
عندما رآها بهذه الحالة .. خرج من السيارة واغلق بابه .. ثم لمس وجنتها الحارة قبل ان يهتف بحزم هادئ ناعم: ما ببطي شما .. عشر تيام وراد ....
هزت رأسها بالنفي بحركة عنيفة وقالت بصوت تخلله بكاء مكبوت بقوة: بـ بس .... بس ما عنديه وقت ايلس وياك .. كمن ساعة وبيأذن الفير علينا ..
ابتسم ابتسامةً بالكاد خرجت وقال كمن يتحدث لطفلة صغيرة متشبثةً بأبيها كي لا يتركها:
ما عنديه مجال الا هالوقت فديتج ..
امسكت بيداه وتشبثت بهما بعاطفة قوية لم يعهدها منها .. عاطفة ألهبته رغماً عنه .. وقالت بعينان التمعتا تحت ضياء القمر المنير بشيء من العزم .. بشيء من الشوق الجارح .. بشيء من الرغبة المحمومة:
ما بتخلينيه قبل لا اقولك اللي في خاطريه ..
تمكنت هذه الأنثى المستحيلة من جعل قلبه يخفق بجنون بنظرتها الساحرة .. الا ان جملتها ذكرته بأمور لا يريد تذكرها .. امور تجرحه .. وتجرح عزة النفس فيه .. تغضنت جبهته هاتفاً بجفاء: مابا أ.....
قطعت سيل كلماته بأصبعها الناعم .. وصدرها يعلو ويهبط بانفعال داخلي مجنون يكاد يفتك بجدار جسدها .. ثم اقتربت منه اكثر حتى اصبح جسدها ملاصقاً تماماً بجسده ..
تجاهلت بقوة الاثارة التي اشتعلت بينهما بحركتها الاخيرة والتي سببت بحدوث انتفاضة واضحة بجسديهما .....
وامسكت عنقه "بارتباك" بسبب نظراته البراقة المترقبة ...... واجبرته بنعومة ان يخفض قامته ....
وما ان اصبحت شفتيها قرب اذنه ...... همست له "وعمرها الذي فنته أسيرة فحولية هيبته/طغيان شخصه .. عمرها الذي فنته سجينة حبٍ تشكل من حروف اسمه الغازية .. قد انسكب من فاهها كـ انسكاب زمزم في جوف العطشان":
أحبـــــــــــك ..
ارتجفت اولاً مع كلمتها العبقة .. وارتجفت ثانيةً مع ارتجافة ذراعيه وصدره .. ثم شعرت بجسده تدريجياً يتصلب .....
اشتدت قبضتها على عنقه برجاء خفي منها ان يمدها بالقوة .. ان ينقذها ان سقطت ارضاً .. فهي ترتجف .. ترتجف بجنون ...
انفرج ثغرها قليلاً .. وأردفت بنبرة متحشرجة .. نقية .. عذبة .. لم تصدق في يوم كـ صدقها الآن:
أحبـــــــك يا نبــــض شمــــــا
زفرت زفرةً ملتهبة .. ثقيلة .. مرتجفة قرب اذنه .. واكملت كشفها عن آخر حصون دفاعاتها:
أحبك عمرٍ مضى .. وأحبك عمرٍ حاظر .. وأحبك عمرٍ بعييييد ما انكتب ..
سقطت دموعها مع آخر كلمة منها وقلبها لم يعد يحتمل كمية المشاعر الحامية المهولة فيه ...
تحركت حتى غدا وجهها مقابل وجهه .. وانفها مواجهاً لأنفه ..
وانتفضت يديها ما ان رأته مغمض العينان بقوة .. بصورة تخبرها ان الذي يقف امامها يعيش الآن لحظة صعبة .. قوية .. مضطربة كاضطرابات خفقات قلبها تماماً ..!!!
تأملت عيناه المغلقتان حتى هدأتا من الضغط .. وفتح عيناه عليها ...... اخذ يمشط وجهها بعقلٍ مسلوب/بحواسٍ منهوبة تغيبت تماماً من شدة العاطفة ..!!
شفافيتها/جرأتها الخجولة طعنته في مقتل .. حملته على نعش الغرام ومشت به الى ارض هي سيدته .. ومليكته ..
لم يكن يرغب بسماع ما يكن في فؤادها الآن .. ليس الآن .....
ليس وهو في طريقه للسفر .. للخروج من حلقة سحر عيناها .. وشخصها ....
ليس وهو ضعيف يالله .. ضعيف بجرح الماضي العتيق .. ونزيف الحاضر الجديد .....
ضعيف لأنه حبيس مشاعر لا يستطيع تحرير قيده منها ..... ولأنه يا رحمن المخذول/الخاذل ...!!
خذّله القلب ..فـ خذَل هو صديق الدرب ..!!
ما يعيشه من وجع لا يجعله متهيئاً ابداً للتماهي/التلذذ مع اعترافها المباشر للتو ..!!
ظلم ان يسمع رهيف صوتها ولا يجيب ..!!
ظلم ان يرى ألماساتها متدفقة من محاجرها ولا يتلقاها بشفتيه ..!!
ظلم ان يستشعر طراوة جسدها "المحموم باعترافها الصادم/الجريء" ولا يفتعل ضجيجه الذكوري "الخاص به هو" كي يريها الغرام بمعناه الحقيقي في قاموسه ..!!
ارتجفت شفتيه عندما هتفت بما دار بعقله تماماً وهي تتحسس بأصابعها شفتيه برقة خجولة أليمة:
ماباك تقول حايه .. يسدنيه الحين اقرا اللي في خاطرك من عويناتك .. اباك تعرف بس انيه احبك .. وبتم احبك .. لو شو ما صار امبينا .. في خاطريه الف كلمة والف احساس ودي اظهرهم .. بس ماحس ان الوقت مناسب ..
اللي يهمنيه ويهم فواديه قلته .. وبرد اقوله ..
تحركت اصابعها على ذقنه الخشنة المدببة بالشعر .. واحساس عاطفي متهيج تملكها بضراوة .. احساس ان هذا الذي امامها بكل انفته/رجولته/اعتداده/وسامته المتوحشة .. هو "رجلها هي" .. "ملكها هي فقط" ....
ارتفعت قليلاً على اصابع قدميها وحاوطت بيديها عنقه ذو العروق البارزة "بسبب استنفار غرفة العمليات في قلبه" ..
واقتنصت شفتيه في لحظة عشق ثمل ..
كانت اقتناصة مغايرة تماماً للمفهوم الطبيعي .. لأنها الحمامة التي اقتنصت الصقر الصياد وليس العكس ..!!!
هنــــا ..
كــــانــــت هزيمتــــــه ..!!!
انهزم وخارت قواه تماماً .. لم يجد نفسه الا قابضاً على خصرها بقوة رافعاً اياها إليه قبل ان يتحرك للخلف ويسند ظهره على باب سيارته ..
ودخلا غمار سباق الغرام بيأس .. بحرقة .. بوجع .. بضعف شديد .. وبانهزام اشد انهك قلبيهما/وجدانيهما .....
كانت ترغب بختم ملكيتها فيه .. ووجدت ذاتها فجأة تذوب به بشكل غير معقول .. وجدت نفسها تغرق بين ذراعيه تاركةً له الحق الكامل بالعبث بأنوثتها/روحها ..
بعد دقائق طويلة/محمومة باللهفة والتوق الأعمى ...... ابعدت شفتيها عنه ليس لأخذ هواء ..
لا ..
فـ انفاسه كانت كافية لها لأن تعيش دهراً كاملاً بلا اكسجين ..
بل لتهمس له بنبرة عاصفة .. مبحوحة .. شرسة كشراسة اللبوة:
أحبــــــــك ..
نطقت بها بينما كانت عضلات صدره الصلبة/المستنفرة في حالة هيجان صرف .. وانفاسه السريعة الثقيلة تصفع وجهها بجنون عاصف/اضطراب عاطفي انفجر بالضجة .....
هربت منه الحروف/الهمسات ..... لم يجد طريقة للتعبير عما فيه الا بإمساك وجهها بكلتا يديه واسناد جبينه على جبينها قبل ان يغمض عيناه مستنشقاً عبير انفاسها الباعث للارتعاش .....
ظل عاكفاً في حالة نادرة من العشق الصامت لحظات .. حتى قطع عليه عكفه صوت رنين هاتفه ..
صوت اخرجه من ثمالة عقلية/حسية خارجة عن الزمان والمكان ..!!
ابتعد عنها مجبراً .. ونظر لوجهها المحتقن بالخجل/الانفعال/المشاعر الهوجاء .. وكاد يتحرك ليستدير ويستل هاتفه لولا انها منعته بعينان غارقتان بـ احتياج "مجتاح/ملتاع" .... وهمست: لا ترد .. خلك معايه ..
تردد بحيرة/بفكر مشوش محموم بين نظراتها التي تعذبه والاسم الذي يخرج على شاشته معلناً اهمية المتصل .. امسك يدها مقبلاً اياها بنعومة مستحيلة هامساً بأجش مبحوح من بين نظراته الرجولية المظلمة: لازم ارد .. دقيقة بس ..
زمت شفتيها بـ استياء متغنج .. بينما هو استدار واخذ هاتفه الذي كاد يتوقف عن رنينه ..
: ألو
..
: هلا
..
: هيه نعم دقيت على الجماعة واتفجت معاهم على كل شي
..
: لا لا .. لا تستهم كل امورنا في السليم ..
..
: خلص خلفان اجراءات السفر ..؟!
..
: خلاص تمام اشوفك ان شاء الله خلاف ..
..
: في وداعة الله
اغلق الهاتف زافراً بخفوت .. ثم نظر لـ شما التي كانت طيلة الوقت تتأمله بعقل ثمل/بانبهار .. تتأمله وكأنه الآدمي الوحيد الموجود على الكرة الارضية .. ما ان ادركت ان سلطان امسكها وهي تراه بهذه الصورة النهمة حتى تراجعت بخجل شديد
ابتسم لها ببطئ اربك حواسها .. ثم امسك ذقنها ورفعه هامساً برقة: حدري داخل شما .. انا ساير شويه وراد ..
اهتزت نظرتها خيبةً/ألماً .. وهمست: شعنى سلطان ..؟! يسد انك بتفارجني عشر تيام .. تم ويايه شوي ..
داعب انفها الجميل بأصبعيه السبابة والابهام هاتفاً بنظرة حنونة: شسوي .. ما باليد حيلة .. ورايه شغل ضروري ..
هزت رأسها بضعف قبل ان تستدير وتبتعد عنه بخطوات ثقيلة مترددة .. ولكنها توقفت فجأة ما ان سمعته يناديها بصوته الرجولي الرخيم: شمــــا ..
استدارت إليه بسرعة مجيبةً بلهفة: لبيه ..
كتم شهقة صادمة كادت تخرج من فاهها ما ان حاصرها بعنف بين ذراعيه محتضناً اياها بقوة حانية .. قوة نبعت من مشاعر لم تكن لتنضب يوماً .. لم تكن لتختفي من قلبه الخاضع لأمر سيدته .. حتى لو فعلت به ما فعلت في الماضي ....
وهمس لها بنبرة محترقة بنار الوجد: وجودج في حياتي بحد ذاته نعمة يا بنت خويدم .. لا خلت العين من قربج وروياج ..
قبّل فمها برقة قبل ان ينتقل ليقبل اذنها وانفاسه الحارة تلفح جانب وجهها مسبباً اضطراباً مجنوناً بنبضاتها .. وهمس بعدها بدفئ رجولي بحت: يلا داخل ..
هزت رأسها بسرعة بمشاعر خليطة من نشوة/توهان/سحر/ذهول ....... وتحركت مبتعدةً عنه وكلماته تضج داخل جوفها وتستفز جزيئاتها بصورة عذبة مثيرة .....
ادركت شما بعد الذي جرى حقيقةً واحدة .. ان هذا السلطان لم يزدها الا جنوناً به .. وان ما يفعله بها لم يزدها الا تعلقاً هستيرياً بحبائل قلبه/روحه .......
وادركت للمرة الألف .. انه مرضاً لذيذاً لا ترغب بالشفاء منه .......!!
.
.
.
.
.
.
.
وضع رجلاً على رجل مسنداً ظهره على الكرسي المصمم على الطراز العثماني الفخم .. وقال بخبث:
فكرة ممتازة أيها الزعيم .. لن يعرف اي مخلوق على وجه الارض ان تسليم الاسلحة سيكون بتلك المنطقة ..
مسد ديرفس ذقنه ببسمة شيطانية وقال بصوته الغليظ: أجل انا متيقنٌ من هذا .. ولكن ....
حسناً .. فلندع هذا الحديث بيننا فقط .. لا ارغب بأن يعلم فليمون او حتى عماد والبقية بشأن المكان .. أرغب ان اضع الجميع تحت الامر الواقع تحسباً لأي خطر او امر مريب ..
هز آندي رأسه موافقاً .. ثم رفع عيناه هاتفاً وهو ينظر للأوراق الموضوعة امام ديرفس: ما هذا الذي تقرأه ..!!
قلب ديرفس الاوراق بعبث صقيعي وقال ببسمة لم تتجاوز حدود عيناه .. بسمة ذات مقصد مريب: هذه قائمة جميع الشخصيات والقيادات التي ستحضر ندوة ماليزيا هذا الاسبوع ..
رآى آندي ديرفس وهو يرسم دائرة على اسم معين .. رفع احدى حاجبيه بخبث وقال: ما قصتك مع هذا الرجل ..!! كلما رأيت صورته او قرأت اسمه يشرد ذهنك ويحلق فكرك لمكان بعيد ....
رغماً عنه ابتسم .. ابتسامة غامضة .. غريبة .. خلت لوهلة من الخبث وحل محلها الاعجاب الصرف المشوبة بغيرة قاتلة .. وهمس كمن كان في مكان .. وأُخذ فجأة لمكان آخر لم يكن فيه الا هو .. وصاحب الاسم امامه:
لأنه ويالغرابة القدر .. هذا الرجل هو الوحيد الذي تمكن من هزم ديرفس .. وديرفس لن يرتاح الا بعد ان يذيقه مرارة الهزيمة .....
رفع آندي كلتا حاجبيه بـ ذهول وهتف: أهناك من هزمك أيها الزعيم ...!! .... أأنت تمازحني الآن يا رجل ..!!
صمت قليلاً ليردف بشك: والذي اعرفه ويعرفه الجميع .. انك لم تقابل هذا الشخص من قبل ولم تحدث اي نوع من اللقاءات بينكما .. فكيف هزمك ..!!
مرر لسانه على شفته السفلى الجافة بسخرية نمرودية ..... وحلّق عقله مع سحابة مظلمة لزمن بعيد .....
قبــل سنيــن مضــت
كاد يسقط بعد ان دفعه احد الشبان بكتفه بتعمد واضح مليء بالبغض والكراهية ..
عدل نظارته الطبية مثبتاً جسده الهزيل الضعيف على قارعة الطريق ووجهه يحكي ألف غضبٍ اسود مكبوت/والف شعور بالضيق والخذلان ..
لعن بقرارة نفسه والداه اللذان اجبراه على لبس الطاقية السوداء لاعتدادهما/فخرهما العالي بديانتهم اليهودية وتطرفهم الشديد ..
ولعن بشكل خاص والدته التي اوجعت مسامعه بقولها المستمر له: "قم بتغطية رأسك حتى لا يكون غضب السماء فوقك" ...
عجز كثيراً وهو يحاول افهامهما ان لبس الطاقية في ألمانيا سيثير المتاعب عليه لكنه لم يولوه اي اهتمام وكانوا دائماً ما يحاولوا الاستهانة بما يفكر به ووضع احاديثه في ركن الاستهانة والمبالاة المعدومة .. لأنهم يعتقدون ان بانتهاء النازية في ألمانيا نسيَ الجميع الحقد الدفين بين الألمانيين النازيين واليهود .. لم يدركوا بعد ان احفاد النازيين ما زالوا يحملون في دمائهم حقد اسود صافي نحوهم هم اليهود ..!!
ولم يدركوا بعد ان العرب والمسلمين في ألمانيا يحملون ذات الحقد لهم .. ولا يتوانى البعض منهم عن اخراج هذا الكره بنظراته وتصرفاته المحتقرة بمجرد ان يروا طاقيته السوداء فوق رأسه ..!!
زفر زفرةً تفجرت بالانفعال والغيظ ولام نفسه كثيراً على ضعفه/جبنه .. يشعر انه مربوط اليدين وليس بيده حيلة للنيل من كل من يحتقر شخصه .. لاقتلاع عينا كل من يراه بدونية وازدراء .. لكنه ضعيف .....
ضعيف الجسد .. والارادة ...... حتى ايمانه ومعتقداته التي لطالما سمع من والديه انها تساعد على اشتداد عوده وارادة روحه في الحياة لا تزيده الا وهناً .. وضجراً .. وغضباً .....!!
اكمل سيره وافكاره الكئيبة المعتمة تتقاذفه بلا هدى .. وفجأة ارتد رأسه الى الوراء بعنف اثر سقوط كرة عليه من احدى الصبيان الذي يلعبون مما سبب بتعثره وسقوطه على الارض .. ولأنه كان في الاصل واقفاً قرب الرصيف المواجه لسكة الحديد .. فـ لم يجد الوقت ليدرك ان ساقاه قد سقطا على السكة التي اعلنت اضوائها بصوت عالي حينونة مرور القطار من المكان ..
وقبل ان يتحسر على فقد ساقيه .. شعر بذراعين قويتين تجرانه بسرعة وتبعدانه عن السكة بوقت قياسي غير متوقع ..
في تلك اللحظة شعر ان قلبه ارتمى صريعاً ومات من الهلع/الصدمة .....!!
كاد لوهلة فقط ان يرى ساقاه مبتورتان امامه لولا الرجل الذي انقذه .. وجهه الذي اختفى اللون منه حكى للناظرين والسائحين من حوله مأساة روحه المنصعقة الآن .....!!
اخذ فجأة نفساً حاداً عاليَ الصوت .. واستدار بسرعة ليشكر الرجل الذي انقذه الا انه لم يرى الا ظهره فقط ..
وقف بساقيه المرتجفان ولحقه بنظرات ملهوفة وهو يصيح بنبرة عالية بالانجليزية: أيها الرجل .. أيها الرجل انتظرررررر ..
كان الرجل يمشي واضعاً يديه داخل جيوبه ببرود وهالة من الفخامة والاعتداد الراسخان تحومان حوله ..
عندما سمع صياح الرجل استدار إليه بنظرة سوداء جافة .. وهتف وكأنه للتو لم يفعل شيئاً يذكر: أتناديني ..؟!
شعر بالرهبة من الرجل الواضح عليه أمارات القوة/الشموخ .. وقال متلعثماً: شـ شكراً لأنك انقذتني .. لن انسى معروفك ما حييت ..
لمح ابتسامة ساخرة تطفو على شفة الرجل بخفوت .. وقال بغلظة تشوبها نفور واضح: بغض النظر عن توجهك الديني والسياسي المتطرف .. الا انك انسان .. وانا انسان بالمثل ... فلو كان الذي سقط مجرد قط قبيح المنظر لأنقذته بلا تردد ..
لم ينتظر اي إجابة منه .. فسرعان ما ولاه ظهره مرة أخرى واكمل سيره .....
نفض ديرفس بنطاله من الغبار بنظرةٍ اهتزت بعنف مما سمعه للتو من كلمات .. ولم يكد يكمل سيره هو كذلك حتى توقف والصبيان الذي يظهر على ملامحهم انهم عرب يشتمونه بصوت عالي ويسخرون منه ومن طاقيته السوداء .. شتائم عالية اجبرت المارين على استراق النظر عليه بفضول استفزه واغضبه ..
رغب بضرب الصغار لكنه لم يمتلك الجرأة .. وعندما حاول تجاهلهم واكمال سيره تعثر بمشيته وكاد يسقط .. مما سبب باشتعال السخرية من افواههم وضحكاتهم ......
وبشكل مباغت .. اتسعت عيناه بذهول عندما سمع صوتاً "غدا مألوفاً على مسامعه" .. ولكن الصوت هذه المرة يتحدث بلغة غريبة وموجهة لأشخاصٍ آخرين .. موجهة للصبيان الذين سخروا منه ..
سمعه يوبخهم بأسلوب صارم شديدة اللهجة والذي اكد له هذا رؤية رؤوس الصبيان وقد نُكست بخجل/خزي ..
ازداد ذهوله ما ان رآهم يقتربون منه ويعتذرون بإنجليزية مقتضبة:
نحن نعتذر .. سامحنا ..
اكتفى بأن اومئ برأسه بصمت بينما عقله ما زال متعجباً من الذي حدث له ..... كانت هذه المرة الاولى التي يعتذر احدهم فيها إليه بعد ان اساء إليه ...
سمع ذلك الصوت المألوف يهتف له بحزم شديد الاقتضاب:
القوة الحقيقية هي قوتك التي توجهها على نفسك لا غيرك .. هي قدرتك على مواجهة مكامن الخوف فيك والتنزه عن كل احساس يشعرك بالضآلة .. تذكر هذا جيداً ..
ومضــــى ..
مضى بعد ان هزمه شر هزيمة .....!!
بعد اعراه وكشف عن كل ما بداخله من خوف دائم وضياعٍ عارم لازم نظرات عيناه منذ صغره .....
لم يتوقع ابداً ان هزيمته ستكون بمجرد كلمات من رجل عابر .. بمجرد نظرات جوفاء مخيفة من مجهول انقذه ...!!
لم يتوقع ان هزيمته ستكون هي النقطة التي ستتأجج فيها نار غضبه على ذاته .. وعائلته .. ومجتمعه .. وديانته .. وعلى الجميع ..!!
وبتدريجيـــة خفيـــة .. بـــدأ يتمــــرد .. حتــــى تنمــــرد ......!!
غدا النمرود الذي عاهد نفسه عهداً خالصاً ان يلتقي بذلك الرجل .. وان يريه قوته الحقيقية "المشعة منه الآن" .....
قرأ اسمه بلكنته التركية "المخيفة": سلطـــان ظـــاعن الـ.....
لابــد ان نلتقــي يومــاً ..!!
لابــد ..!!
.
.
.
.
.
.
.
وضعت آخر قطعة من ملابسها وهي تهتف لشقيقتها بقلق: رويض غانم ريل فطوم رمس عميه عن العمره ولا ..؟!
رفعت روضة حاجباً واحداً بمبالاة معدومة وقالت: ماعرف .. وما يهمني هالشي .. الحمدلله ان خالي يوسف عنده اجازة اسبوعين ورضى هو يودينا .. لو ما هو جان نحن الحينه ذالين عمارنا عند عمج ..
شيخة باستياء: صدقج والله
صمتت شيخة قليلاً لتردف بعدها بحماس برّاق: ياااااااااي ماصدق ان امايه وافقت على السفرة .. اسميييني متحمسه حماااااس مب طبييييعي ..
ابتسمت روضة بحنية عارمة وقالت: يلا انزين خلصي ولمي ثيابج .. وانا بخلي محرم اييب عبينا الايداد من الدوبي ..
شيخة: خلاص مخلصه انا الحمدلله
هزت روضة رأسها ونزلت الى الطابق السفلي لتقف فجأة ما ان رن جرس المنزل معلناً عن قدوم احدهم ..
عقدت حاجبيها باستغراب ونادت الخادمة كي ترى من الطارق ..
وبعد لحظات .. كانت الخادمة تعطيها كيس متوسط الحجم بداخله صندوق جميل التصميم من الخارج .. اشتدت عقدة حاجبيها استغراباً وبدأت تفكر بما يوجد داخل هذا الصندوق ولمن هو بالضبط ..؟!
وعندما فتحته .. التمعت مقلتاها بلون الذهب عندما ابصرت للمصحف المذهب مابين يديها ..
شعرت بلهيب بدأ يسري بمعدتها ترقباً/انفعالاً لا تفسير لهما .....
سقطت عيناها على ورقة صغيرة داخل الكيس ... ادخلت يدها والتقطته وفتحت جانبيه ..
"يليــن مــا الله يكتــب امبينــا وصــال .. خلــي هــالمصحف امانــة عنــدج"
ارتجفت اوصالها/خفقات قلبها وهي تعيد قراءة الخط الرجولي الجذاب بأحرفه الملتوية وتموجاته المميزة .. واسم واحد يتردد بذهنها ..
ومن غير اسمه هو .. وكينونته هو .....!!
إلهي ...... أيكون هو حقاً من ارسل هذا المصحف ..!!!
لكن ........ كيف ...!!!
من المحال ان يعرف عنوان المنزل ......
ربــــــاه ..
وضعت يدها على صدرها علّها بهذا تهدأ المعركة الهوجاء الحاصلة في روحها الآن .....
استدارت بسرعة ونادت الخادمة: حسناااااااا .. حسنااااااااا
اتت الخادمة حسناء مهرولةً: يس روووده ..
اقتربت روضة من الخادمة وهمست بتساؤل مكتوم مرتبك: أ أ منو اللي عطاج هالكيسه ..؟!
هزت حسناء كتفيها بجهل تام وقالت: واهد دريول .. يقول حق انا عطي هدا كيس حق ماما رووده ..
اتسعت عيناها .. وقالت بدهشة منفعلة: هو قال بالحرف هذا حق ماما رووضه ..؟!
الخادمة حسناء بتأكيد: ايوه هو يقول جدي ..
سكتت روضة باضطراب/ارتباك والافكار تتقاذفها لأمكنة لا نهاية لها سوى لـ "طيفه هو" .....
قالت حسناء وكأنها تذكرت شيئاً اثار استغرابها: ماما هدا سيارة رقم مال دوباي مش ابودابي ..
شهقت بصدمة مباغتة وقد بدأت شكوكها تصدق: دبي ..!!!!
حسناء: ايوه ماما ..
اخذت نفساً قوياً يحمل داخله مشاعر خليطة من خجل .. اضطراب .. نشوة .. وضياع ..
وهمست لخادمتها بعدها بسكون: خلاص مشكورة حسنا سيري ..
ذهبت حسناء لتترك روضة تتأمل المصحف الذي بين يديها بنظرة ضبابية "تقطر وجداً دامياً ثارت فيه الأشواق والالتياعات الى اقصاه"
الوصــال .....!!
ومتى الوصال أيها الباذخ ...... متى ..!!!
.
.
.
.
.
.
.
نهض على همس زوجته الدافئ: بطي نش حبيبي السحور زاهب ..
فتح عيناه الحمراوتان من النوم الطويل ..... فهو منذ ان علم بأمر اخيه لم يتمكن من النوم بتاتاً سوى ليلة البارحة عندما فاجأته زوجته بقدومها لشقتهما لتجلس معه عدة ايام تؤنس بها وحدته في رمضان ..
ابتسم ابتسامة باهتة ونهض تاركاً آمنة مرتبكة من حاله الغريب ..
منذ ايام وهي تشك بحالته الطبيعية لهذا لم تتوانى عن الذهاب إليه والاطمئنان عليه .. ويبدو ان شكوكها في محلها ..
فهي الى الآن لم تتمكن من رؤية بسمته المشرقة/نظراته الرجولية البرّاقة ....!!
عندما خرج من الحمام .. اقتربت منه واحتضنت خصره بذراعيها وقالت بـ شوق صادق: تولهت عليك حبيبي ..
مسد شعرها برقة هاتفاً بخشونة هادئة لم تعتدها آمنة: وانا بعد غناتي تولهت عليج .. شحوال الاهل هناك والعيال ..؟!
ابتعدت عنه قليلاً بحيث تتمكن من رؤية عيناه اللتان تثيران فيها مشاعر عاصفة دوماً .. وقالت بذات هدوئه: كلهم بخير الحمدلله ..
صمتت قليلاً .. وقالت بعدها بتردد/قلق: بطي احسك هب على حالك هالايام .. شبلاك فديتك ..؟!
شعرت بجسده يتصلب تحت لمسات يديها على صدره .. لكنه اجابها ببسمة لم تتجاوز عيناه الذابلتان: ماشي عنيه افداج .. يلا تعالي خل ناكل .... يوعاااااان ..
مسدت برقة ذقنه الخشن متأملةً عيناه بحب أليم قبل ان تهمس بنبرة مكتومة: والله ماقهر اشوفك جيه يا عمري .. لو شي مستوي وياك خبرني دخيلك ..
ماذا اقول يا مقلة العين ..!!
ماذا اقول ..!!
أأقول لك كما تقول ألسنة العرب أن شقيقي قد مات حتفَ فيهِ ..!!
أنــــه مقتـــــــول ..!!!
وأن من "اعتبرته الصديق" قد طعن ظهري بأبشع الطرق/أحقرها ..!!!
كادت تبكي هلعاً عندما لمحت لمعة الانكسار/الألم الغريب بعيناه .. كررت بإلحاح: بطي ..
بديت اتروع .. دخيلك خبرني شبلاك ..؟!
ارتجفت عندما وضع جبينه على كتفها بصمت مريع .. بصمت خارجي لا يعكس ما يموج في جوفه من فوضى/ضياع/شتات/ألم ..
صوت انفاسه العالية .. الثقيلة .. الملتهبة زادت رغبتها بالبكاء .. لكنها تماسكت ....
بعد صمت ثقيل .. رفع رأسه .. واعطاها نظرة مرهقة حد السماء .. وهتف بأجش مبحوح: والله يوعان امون ..
شهقت بجزع بعد ان استوعبت للتو ان حبيب قلبها لم يتناول طعامه منذ ساعات طويلة .. وردت بسرعة: يخسي اليوع يا عيون امون ..
امسكته بقوة وجرته بخشونة "لطيفة" قبل ان يبتسم هذه المرة بصدق/محبة لهذه المرآة المفعمة بالعاطفة والسحر ....
.
.
.
.
.
.
.
امسك هاتفه وبدأ يدعو الله بقرارة نفسه ان يجيب عليه الطرف الآخر ..
غمغم بقهر: رد .. رد يا بطي دخيل والديك ..
رمى الهاتف بعد ان اعلن عن انتهاء المكالمة من غير ردٍ يذكر ..
زفر زفرةً ملتهبة على الحال الذي هو عليه ..... منذ ساعات وهو يحاول الاتصال بصديقه ولا يجيب .. لا يريد منه شيئاً سوى سماع صوته قبل السفر .. يعرف جيداً قبح فعلته به ولن يطلب منه ان يسامحه .. هو فقط سيطلب منه ان يعطيه فرصة للإعتذار .....!!
لن يجدي الاعتذار وهو اعلم الناس بهذا .. لكنه ويالحرقة فؤاده يريد ان يفعلها .. يريد ان يعتذر قبل ان يسافر وتطأ قدماه ارض غير ارض بلاده .....!!
حاول الاتصال للمرة العشرين ولم يتلق اي رد .....
رمى هاتفه بجانبه ومسد جبهته بانفعال .. واخذت الافكار تسحبه لسبب هذه السفرة المفاجئة ..
تذكر كيف طلب منه ابا راشد ان يتوجه الى تركيا بعد انتهائه من الندوة الدولية حول تحديات الارهاب في العالم العربي في ماليزيا والتي سيحضرها العديد من القيادات العربية والأجنبية والشخصيات البارزة في مجال العلوم السياسية، الاجتماعية، الأمنية والعسكرية ..
عندها سأله مباشرةً عن السبب الرئيسي بأن يذهب الى هناك فلديهم في البلاد كل الوسائل القوية/المتاحة لمراقبة الامور عن بعد ..
فأجابه ابا راشد بأنه لا يرغب بالمجازفة ومراقبة الاجتماع عن بعد وسيطلب نقل جميع معدات المراقبة الى تركيا .. الى اقرب مكان يتيح لهم التحرك بشكل آمن/اكثر اريحية ..
فهناك احتمال ولو قليل بأن يتركوا خلفهم الثغرات ما اذ كانت المراقبة خارج نطاق الدولة .. واخبره كذلك بأهمية وجوده هناك .. فـ رغم حرفنة رجالهم وقوتهم العقلية/البدنية الا انهم لا يمتلكون ربع خبرة سلطان بهذه الامور .. ومن جانبٍ آخر فـ سلطان كان على معرفة تامة بكل رجل متورط وكل شخصية سواء من جانب ديرفس .. او من جانب جماعة غلام خان ..
معرفة كهذه ستفيد المراقبين في غرفة العمليات هناك في فهم وتحليل الامور بشكل ادق وأأمن .....
رجع الى منزله كي يأخذ حقيبة ملابسه واغراضه الضرورية ويوافي الرجال في المطار ..
عندما دخل غرفته .. رآى المكان بارد ومظلم .. اشعل الضوء الاصفر الخافت واستدار لتقع عيناه عليها نائمة بسكينة عذبة وغطاء الفراش الفخم منحسراً وكاشفاً عن ساقيها الصافيتين الظاهرتين من تحت ثوب نومها الرقيق ..
شعر بخيبة عارمة ..
يبدو ان الرب سبحانه لن يكتب له إلقاء السلام على كل من يحبه قلبه قبل سفره ...!!!
اقترب منها حتى اصبح شبه مستلقي بجانبها .. وازاح شعرها الكثيف عن وجهها .. وقبلها برقة موجعة ..
ثم غطى ساقيها وجسدها بحذر كي لا يؤرق نومها "العميق على غير العادة" ....!!
وتراجع ليدخل الى الحمام ويغتسل ويجدد وضوئه قبل ان يأخذ اغراضه ويرحل .....
بعد نصف ساعة تقريباً
كان يخرج من باب المنزل وبيده الهاتف يحادث احدهم بصرامة: ما وصيك
عينك ما تفارج البيت والمنطقة كلها .. اي حد غريب تشوفه يحوم ويحوط بلغني عنه .. تسمع ..!!!
: ان شاء الله سيدي
: وبيتي لا تغفل عنه .. اي ريال يقرب صوبه شوف شغلك وياه من غير حتى ما تستشيرني .. انت تعرف الغريب من القريب وتعرف شغلك
: حاظر سيدي ولا يهمك
هتف قبل ان يغلق الهاتف: بارك الله فيك .. مع السلامة ..
.
.
.
.
.
.
.
: وين سايرة ..!!
توقفت على سؤاله الجاف القاسي ما ان فتحت باب غرفة الفحص .. حافظت على ثبات اعصابها ..
ثبات الاعصاب فن تمكنت من ممارسته باحترافية تامة منذ ان وصلت وزوجها ألمانيا قبل ايامٍ عدة ..
التفتت إليه واجابته بنظرة تلمع بالقوة: بزقر حد ينظف اللي انفر ..
اشاح بوجهه هاتفاً بذات قسوة نبرته محاولاً النزول كي يلتقط الصحن "الذي دفعه متعمداً" بعد ان انفلتت اعصابه من برود زوجته وتصرفاتها الصامتة المستفزة: قري بقعتج هب محتاي من ينظف ورايه ..
وقبل ان يتمكن من التقاط الصحن كانت زوجته تندفع بسرعة وتلتقطه .. ما ان استقامت بطولها حتى هتفت بصوت شبه منفعل:
ماريت شرات راسك اليابس .. استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم ..
تراجعت بعنف عندما زمجر فجأة بغضب ناري مشتعل: وانا ماريت شرررراتج ياللصققققققه .. حسسسي حسسسي ماباااااج عدااااليه ماباااااااااج ..
جرحها .....
تمكن من جرحها في الصميم ....!!
لكن لن تكون العنود ان اظهرت ما فيها وجعلته يتمكن من اضعافها .....
ازدردت مرارةً توقفت وسط بلعومها .. وقالت بحزم مقتضب بعد ان بثت في روحها الثبات من جديد: شكراً عزيزي رايك فيه بحطه بعين الاعتبار .. الحينه اكرمني بشوي هدوء يلين ما الحجرة تتنظف ..
سكت .. ليس لأنها هزمته بقوتها .. بل لأنه عرف ان قوتها كانت زائفة .. فكها المرتجف والذي دوماً ما يأتي على هذه الصورة المُهلكة لقلبه عندما تكتم دميعاتها وألمها ..... "كان الدليل القاطع" ....!!
تغضن جبينه بضيق شديد وشتم في قرارة نفسه قسوته البغيضة ..
أجل يكره قسوته .. قسوته تخرج من غير تعمد .. تخرج عندما يستشعر الشفقة بنظرات التي امامه ويضطر لرؤية تصرفاتها المسيطرة الباردة ....
رن هاتفه .. واستله ليهتف بعدها بنبرة خالية من الاحساس: ألو ..
: السلام عليكم ..
لانت ملامحه واستحالت للدفئ ما ان سمع صوت والده الغالي: وعليكم السلاااام ورحمة الله بويه .. شحالك الغالي ربك الا بخير ...؟!
خفق قلبها عندما تذكرت عائلتها ووطنها .. وكادت تبكي لوهلة من شدة اشتياقها إليهم ..
تشعر بالغربة تنهش روحها .. غربة الوطن وغربة الروح ..
لو انها ترى الدفئ بعينا سيف كما تراه الآن وهو يحادث والده لكانت في مأمن من هذا النهش .. لكن حلمها بأن ترى هذا بعيد المنال ..
فـ قسوته تزداد يوماً بعد يوم .. وفنها في تثبيت درجة حرارة انفعالها يكاد يخرج عن مدار قدرتها في استمرارية اتقانه ..!!
: اندوج .. ابويه يباج
نظرت ليده الممدودة .. واخذت الهاتف عنه بهدوء قبل ان تدخل في محادثة طويلة مع عمها وعمتها واطفالها الصغار المشتاقون إليها بصورة مبكية ....
وبعد لحظات
كان الطبيب أمامهم يستعرض عليهم الاشعة التي أُخِذَت لسيف قبل يومان ..
جلست العنود بكامل غطائها الساتر في الزاوية التي بقرب النافذة واخدت تستمع بصمت للحديث ..
سمعت الطبيب ذو الاصل اليمني يهتف ببسمة مهنية من خلف نطارته الطبية: ايش صحتك اليوم يا سيف ..؟!
اجابه سيف بهدوء: الحمدلله رب العالمين بخير وعافية .. ومن صوبك دكتور ..؟!
هتف الطبيب بدفئ: الحمدلله رب العالمين بأحسن حال .. ونحن نقدر نقول غير كذا في هذا الشهر الفضيل ..؟!
سيف بصدق: هيه والله صدقك .. سبحانه منزل رحمته وسكينته على قلوب العباد ..
صمت قليلاً ليقول بتوتر لم يتمكن من اخفاء لمعانه من عيناه: بشر دكتور شو النتايج ..؟!
أومئ الطبيب برأسه بمهنية .. واخذ يشرح لسيف عن درجة اصابته ونسبة نجاح عمليته والنتائج التي ستترتب بعدها ..
زفرت العنود حامدةَ الله وشاكرةً له عندما استشفت من حديث الطبيب ان العملية ذاتها ستكون بإذن الله سهلة ولن تأثر على جسده المصاب اساساً بالتصلب اللويحي ..
هتف بنظرة تنضح املاً بعد ان حمدالله بقرارة نفسه على نعمه: انزين متى العملية ان شاء الله ..!!
عدل الطبيب نظارته الطبية وقال بتفكير: والله يا سيف مش قبل العيد ..
صاحت بصدمة لم تتمكن من كتمانها: العيييييد ..!!!!
تنحنح الطبيب بحرج ولكنه اجابها وعيناه على سيف الذي على ما يبدو "غاضب": ايوه يا اختي .. جدولي للأسف مليان ..
انكمشت بضيق شديد/احراج اشد بعد ان استوعبت ان اعصابها قد انفلتت امام الطبيب .. وسمعت سيف يهتف بخشونة جافة له: على خير ان شاء الله .. احجزلي اقرب موعد عقب العيد دكتور ..
هز الطبيب رأسه وقال: ان شاء الله ..
ثم استدار ليخرج لكنه توقف ما ان سمع سيف يقول: دكتور محمد ما عليك اماره ابا اعرف وين تصلي التراويح ..!!
هتف الطبيب ببسمة حانية قبل ان يخرج هاتفه: اكيد اكيد .. عطني رقمك وانا ان شاء الله قبل الصلاة رح اتصل فيك واقولك وين مكان المسجد بالضبط ..
خرج الطبيب بعد ان اخذ رقم سيف الذي استدار فجأة الى العنود ووبخها بقسوة: انتي ما تستحين ..!!!
شعنى المباغم جدام الرياااااال ..!!!! هااااااااه ...!!!!
زمت فمها بحرج شديد وقالت بتغنج خرج من فاهها بعفوية عذبة: والله سووووري .. ما حسيت على عمريه سيييييف ..
زفر بانفعال محموم وهو يصيبها بأسهم عيناه القاتلة ..
سُحِقَ الفؤاد من نعس عيناكِ أيتها الغانية .. سُحِقَ ..!!!!
اشاح عيناه كي لا ترى تأثير انوثتها الطاغية على روحه العطشاء .. وهتف بذات نبرته القاسية: الحال المايل هب عنديه .. آخر مرة اطوفها لج ..
احتدت نظرتها باستنكار غاضب وقد شعرت بالاهانة من جملته الاولى .. وقفت امامه وهي تخلع غطاء رأسها وقالت بوجه احتقن بإحمرار الغضب:
هب بنت سعييد اللي ينقالها هالرمسه فديت خشمك .. حاليه الحمدلله سيده لا يعرف الميل ولااا العواااي
رصت على حروفها بتعمد واكملت بنبرة لاذعة: واظنتي اللي رباااك ربااااانيه ..
كتفت ساعديها ببعضها البعض مضيفةً ببسمة شرسة ساخرة: ويوم انك تقول قبل شويه سبحانه منزل رحمته وسكينته على قلوب العباد شعنه هالرحمة والسكينة ماشووفها في قلبك وعلى لساااااانك ..!!!
ولا انت غفورٌ رحيم على غيري وعليه انا شديد العقاب يا بومايد ..!!!
رفع حاجباً واحداً وقال وهو يتأمل شراستها/حدة كلماتها: لنفترض اللي قلتيه صح .. شو بتسوين ..؟!
اقتربت منه وهي تبتسم بخبث .. وهمست بعد ان اقتربت منه حتى غدا وجهها قريباً من وجهه: تعرف شو بسوي حبيبي ..!! .. بتمممم لصصصقه .. لصصصقه محد بيفجك عنيه لو شووو ما صاااار .. تسسسسمع ..!!!!
وقبّلت بعاطفة عنيفة عينه اليسرى "المفتوحة هي وشقيقتها على آخرهما من دهشته/انبهاره" ..... ثم تراجعت بذات بسمتها قبل ان تسمع نداء الممرضة الاجنبية لها ..
اردفت بمكر انثوي تفجر بالدلع: بروح اشوف ربيعتيه الايديدة شو تبا .. تعرف انت فديتك نحن في غربه ما يستوي انتم جيه بليا ربعه ..
تشاااااااااااوووو .....
.
.
.
.
.
.
.
استيقظت بذعر من نومها واخذت تتلفت بعيناها حول الغرفة بأكملها .. واستوعبت بعد ان نظرت للساعة الجدارية ان آذان الفجر لم يبق عليه سوى دقائق قليلة ..
سارت الى جهاز تبريد الماء الموجود في جناحها وشربت كوباً من الماء بعد ان سمت الله عز وجل .. وقررت ان لا تتسحر بعد ان احست بإنعدام احساس الجوع فيها .. هذا يبدو بسبب كثرة ما اكلته من طعام والدتها الشهي ليلة البارحة ..
فجأة .....
انزلت الكوب عن فمها وفكرة مخيفة اجتاحتها بعنف ..!!
سلطــــــــان .....
هرعت الى هاتفها ورأت عدة اتصالات فائتة منه .. ارتجف جسدها بصدمة اوجعت تلابيب قلبها واتصلت به بعقل مشوش لكن لم يجب .....
هنا لم تعرف أتبكي حسرةً ام تعض شفتيها كمداً ..!!
تحجرت دموع بمحاجرها واخذت تتصل .. وتتصل .. وتتصل .. وليس هناك جدوى تُذكر ..!!
سقطت دموعها المكبوتة وبدأت تشتم نفسها بخفوت لانها وبسبب نومها الثقيل على غير العادة فوتت على نفسها رؤية حبيبها واشتمام رائحة صدره قبل ان يذهب ..
انخرطت في بكاء طويل تفجر فيه غيظها الشديد من نفسها حتى احتقن وجهها وعيناها بلون الدم ..
لمَ يا شما لا تمشي الامور كما يهواه قلبك ..!!
لمَ دوماً تُسلب فرحتك وتموت لحظة الجمال في روحك ..!!
شعرت بتقلص في معدتها واحساس بالغثيان .. تغضنت جبهتها لا ارادياً ورفعت ذقنها للأعلى علّ احساس الغثيان يختفي .. لا ينقصها الآن اي شيء يمكن ان يسبب بإبطال صيامها الذي سيشارف على البدأ ...
وبعد ان هدأت قليلاً .. امسكت هاتفها وارسلت إليه في رسالة قصيرة ..
"استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه"
وضعت الهاتف وارخت جسدها على ظهر السرير الوثير .. وحلق فكرها مع سحب ذكراه العصية على النسيان/التجاهل ..
وتذكرت ما قالته .. وما فعلته ..!!!
توردت خداها بشكل صارخ وهي تستوعب للتو جرأة حديثها وانجرارها الثمل وراء مشاعرها الملتهبة تجاهه ..
رباه .... قبلته ..
انا بنفسي قبلته ....
همست واحمرار الخجل الشديد وصل لأذنيها وعنقها الصافي: يلعن بلييييس .. شقى ظهرت منيه ذيج الرمسة والحركاااات ..!!!!
وي وي وي اكيد قال في خاطره ان هاذي امررره فصخت الحيا ..
امسكت بوسادته التي ينام عليها وغطت بها وجهها وهي تشتم نفسها بصوت عالي على حركاتها الغريبة المعتوهة ...
وبعد لحظات .. ابعدت الوسادة عنها وهي تشتمها بعشق موجع وصل عيان السماء ..
رائحتك الرجولية أيها الوسيم لا ترحم انوثتي .. لا ترحمها البتة ..!!
سقطت من عينها دمعة اجهضتها روحها المفرطة بمشاعر لم تعد تتحمل البقاء في صدرها ....
تشعر ان الصبابة في جوفها غدت على شفا صخرة شاهقة الارتفاع ...
لم تعد تلك الفتاة التي لديها الصبر الكافي لإبقاء عشقها المجنون لذلك السلطان ..!!
معارك الهوى في روحها ما عاد يتسع لها المقام في الداخل .. تريد الخروج ..
تريد التحرر ..!!
تريد توسيع دائرة الكر والفر خارج حدود قلبها .. وعيناها .. وشفتاها ..
وهذا ما حصل تماماً ..!!!
أليست هي من تفوهت قبل ساعات بكلمات الغرام امام حبيبها ...!!!
أليست هي من تجرأت وتلبست دور الصياد هذه المرة واقتنصت فمه في قبلة "لا وصف لها الا بالجنة" ..!!
لمست برقة حريرية وسادة حبيبها وكأنها بهذا تريد ان تشعر بملمس ذقنه الخشنة المثيرة بين يديها .. ودنت منها وقبلتها بنظرة تلمع بالتوق/اللهفة .. ثم وضعت رأسها عليها واغمضت عيناها ..
علّها بهذا تجلب مالك قلبها لأرض أحلامها .. وتنعم برائحة عنقه/دفئ عيناه وهما جالسان على عشب الهوى المفعم بالحياة/الانفاس ..!!
نهايــــة الجــــزء الرابــــع والأربعــــون
|